
إعلام يُمثّلني.. وإعلام يُغيظني
الخط : A- A+
إستمع للمقال
يُمثّلني هو ذا الذي يكون على قلب واحد في الأحداث الوطنية الكبرى، والمنجزات الكبرى، وفي المواقف المصيرية. إعلام يضيف على المفردات معاني منبثقة من مخزون قلبه، ويريدها مشتركا إنسانيا مع مواطنيه. إعلام يجتهد في إيصال الرسالة بعفوية متناهية، وفي توجيه البوصلة نحو تقوية جسور المواطنة الصادقة، دون تراشق أو تصادم، ودون تأجيج للمشاعر بغاية زرع الشقاق والتفرقة.
إعلام يمثلني هو ذا الذي يجعل الأحداث الوطنية الكبرى في مستوى من فيها ومن صنعها. قنوات تلفزية ومحطات إذاعية، صحف ورقية ومواقع إلكترونية، منصات تواصلية وقنوات خاصة بأدواتها وتقنياتها. جميعها تشارك في الحدث بمسؤولية وفعالية، وبمواطنة حقيقية مقرونة بالكفاءة في فهمه، ونقله بالدقة والموضوعية اللازمتين.
إعلام يذكرني بصحافتنا الوطنية العتيقة، التي كانت تطالعنا كل يوم بمقالات إخبارية وتحليلية للزميل الفلاني المعارض، والزميل الآخر المُساند، حيث الجسم الصحفي متماسك ومنيع، وكل منبر يجتهد، في حدود قناعاته وأنساقه التحريرية، على صناعة خط تحريري يميزه، ضمن انشغال واحد: تقديم مادة إعلامية نظيفة تسهم في التوعية والتثقيف، في ظل أجواء متحررة، تستوعب تطلعات المتلقي، من دون تهجمات قذرة غدت اليوم سلوكا مألوفا في مشهدنا الإعلامي، وخاصة لدى بعض المواقع والقنوات المنحطة، المسكونة بهاجس الإثارة والشعبوية المفرطة القائمة على تزوير الوعي وبيع الوهم لجمهور المتلقين.
إعلام يمثلني، يقابله للأسف إعلام يُغيظني ويثير في نفسي التقزز والحسرة، كونه يُدمِن في الكذب والإثارة، وتأجيج المشاعر. إعلام شيطاني يتيح لأصحابه تلفيق الأباطيل، والتهجم ولدْغ الجميع، وهم فوق الناس جميعا.
منابر وقنوات تناسلت معها البرامج السياسية والحوارية، وانحطت فيها إلى أسفل المراتب، تقنيات التحاور، وتنوعت أساليب الانحيازات والولاءات لمن يدفع أكثر.منابر أصبحت اليوم، من أهم روافد إعلامنا الاسترزاقي المتسول، بل تحولت إلى شبه مؤسسات 'للخدمة بعد البيع'، لبعض الأباطرة الاقتصاديين والسياسيين، وحتى لبعض الأحزاب المتلهفة لأصوات قد لا تأتي.
صحيح أن بعض القنوات الخاصة راكمت خبرة واسعة تتيح لها التفاعل مع المستجدات التقنية التي تميز عالم الميديا بشكل عام، وتساعدها أيضا على تطوير فحوى البرامج الحوارية، بما يقوي شحنة الوعي السياسي للمتلقي المغربي. مثلما لا يجب كذلك، أن نغض الطرف عن المستوى الرديء لمعظم القنوات شكلا ومضمونا. فهاتيك من ضجيج وثرثرة، وأنت تتتابع تلك البرامج والاستضافات السياسوية. وهاتيك من ولاءات ومداهنات، ومن تهجمات ساقطة على الغير، تفوح برائحة الأغلفة المالية والعلاوات السخية، التي تختزل المشهد التسوّلي المريض لبعض قنواتنا الخاصة، الحاملة للشعار البئيس 'بارطجيو ألخوت'. قنوات تعتمد نماذج الإثارة والتهجم، كما تفعل قناة الجزيرة في حواراتها المُشعلة للحرائق في الوطن العربي، والتي يتولاها بشكل غليظ ومقزز، الدجال فيصل القاسم، باستضافته شخصيات ذات طبيعة انفعالية واستعراضية، معروفة على العموم بفضائحها السياسية والأخلاقية.
إعلام يغيظني أيضا في برامج 'بارطجيو ألخوت' الحوارية، كون أصحابها يتقمصون دور قاضي التحقيق، ويفرضون سلطة الحوار، بما يؤسس لعسكرة الموضوع، وكأننا في مخفر للشرطة. صاحب البرنامج، وهو في نفس الوقت صاحب القناة، يصر على التحكم في الضيف، وفي النقاش، وفي الأجندات السياسية ذات الاتجاه الواحد، مستعرضا قدراته الحوارية الشخصية، على حساب أصول الحوار الهادف والمتكامل. والأخطر في كل هذا أن يتحول صاحب القناة، إلى مُنفّذ لإملاءات قذرة، ضمن لعبة الصفقات السياسية والمادية.
إعلام هكذا يغيظني لأنه يفتقر إلى المهنية، وينطق بخلل ثقافي قاتل، ومعرفة مبتورة المصادر والمراجع، تنم عن بيئة إعلامية ملوثة بالاسترزاق والفساد، يرتفع فيها منسوب الكراهية وزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، إلى أعلى المستويات.
ولا يمكننا بالمقابل، إلا أن نُقرّ بحقيقة صادمة، مفادها أن المُتلقين في معظمهم يميلون للأسف، إلى إعلام التهريج والتهييج، ألذي هو إحدى سمات التخلف الاجتماعي والفكري السائد بين عامة المواطنين، ممن يستهويهم الإعلام الفُرجوي، وتأخذ بألبابهم أخبار الفضائح والدسائس والمقالب.
والخلاصة أننا أصبحنا نعيش بين قذارة الإعلام والسياسة. وضعية تفرض علينا الارتقاء بمؤسساتنا الإعلامية التي هي بحاجة إلى مناخ ديمقراطي سليم، وإلى تشريعات قانونية شفافة وواضحة، تحمي المهنة من الدخلاء المتطفلين، من جهة، ومن الانتهازيين الذين يوظفون المنابر الإعلامية لفبركة الرأي، وتكييف الحقيقة وفق مصالحهم الخاصة، من جهة ثانية.
ولا يجوز في هذا السياق، فصل العملية الإعلامية بوظائفها المختلفة عن الديمقراطية، حيث لا مؤسسات ديمقراطية بدون منظومة إعلامية متماسكة تؤمن بالتواصل الأفقي وليس العمودي، وتساهم في تنوير الرأي العام وإشراكه في عملية اتخاذ القرار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وجدة سيتي
منذ 3 أيام
- وجدة سيتي
من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما
من المفارقات أن تكون الجنسية الغربية حقيقية عندما يكون حاملها صهيونيا بينما تكون صورية عندما يكون حاملها عربيا أو مسلما تابع الرأي العام العالمي حدث إطلاق حركة حماس الجندي الصهيوني الحامل للجنسية الأمريكية الذي أسرته حركة المقاومة حماس خلال عملية طوفان الأقصى بعد اتفاق أو تفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولم يكشف لحد الساعة عما حصلت عليه مقابل ذلك. وهذا الحدث كشف عن أمر لم يكن مستغربا من قبل ألا وهو ثنائية الجنسية الغربية أمريكية كانت أم أوروبية حيث تكون في حالة حقيقية ، وفي أخرى صورية ، وهذه مفارقة . فإذا ما قارنا بين الجندي الصهيوني » عيدان ألكسندر » والصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ، نجدهما معا حاملين للجنسية الأمريكية إلا أن تجنس عيدان حقيقي، بينما تجنس شيرين صوري، والقرينة أو الدليل على ذلك أن الإدارة الأمريكية تدخلت بقوة لدى حركة تعتبرها إرهابية من أجل إنقاذ الجندي الصهيوني المجنس بجنسيتها ، وفي المقابل لم تفعل شيئا ، ولم تحرك ساكنا من أجل محاسبة الجندي الجاني الصهيوني الذي قتل الصحفية الفلسطينية ، والذي قيل أنه لقي حتفه على يد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة حسب ما تداولته وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا ، وتلك عدالة الله عز وجل الذي يمهل ولا يهمل حين تغيب أو تُعطل عدالة البشر. وهناك أيضا حالة الإعلامي والصحفي السعودي جمال خاشقجي الحامل للجنسية الأمريكية الذي اختفى في السفارة السعودية بتركيا ولا يعرف لحد الساعة مصيره، ولا كيف اختفى ، ولم تفعل الإدارة الأمريكية من أجله شيئا مع أنه يحمل جنسيتها تماما كما حصل في حالة الصحفية شيرين أبو عاقلة . وما يهمنا من المقارنة بين عيدان الصهيوني، وشيرين الفلسطينية في هذا المقال هو موضوع ازدواجية مكيال الجنسية التي يعطيها الغربيون أمريكان أو أوروبيون للأجانب من جنسيات مختلفة بحيث تكون حقيقية في حالات، وصورية في أخرى حسب جنس أو عرق حاملها ، وتحديدا عندما يكون من يحملونها عربا أو مسلمين . ولا يكفي أن يحمل العرب والمسلمون جنسيات غربية أو يحصلوا على جوازات سفر البلدان التي تُجنِّسهم ، والتي طالما حلموا بها ، وفيهم من عانى الأمرين، وكابد من أجل الحصول عليها رغبة في أن يعاملوا معاملة مواطنين غربيين على وجه الحقيقة، لكنهم يظلون مواطنين غربيين صوريين فقط . وليس بوسع أحد أن ينكر هذه الحقيقة أو يجادل فيها بذريعة أن المُجنَّسين العرب والمسلمين في بلاد الغرب لهم حق التصويت في الانتخابات ، وحق العضوية في البرلمانات ، وأنهم سواسية في الحقوق والواجبات مع الموطنين الأصليين … إلى غير ذلك مما يُتَذرع به ذرائع واهية، والتي يكذبها الواقع ويدحضها . ولو صح شيء منها لكان الأمريكان الذين بذلوا كل الجهود ، وسعوا بحرص وإصرار من أجل تحرير الصهيوني المجنس بجنسيتهم الحقيقية لسعوا نفس السعي، وحرصوا نفس الحرص لحظة اغتيال الصحفية الفلسطينية مراسلة قناة الجزيرة القطرية شيرين أبو عاقلة والأمريكية صوريا على إدانة قاتلها ومتابعته أمام عدالتهم أوأمام العدالة الدولية ، لكنهم لم يفعلوا إلى غاية هذا اليوم ، ولكانوا فعلوا أيضا نفس الشيء لحظة اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الأمريكي صوريا كذلك . ولا نريد الخوض في التصرفات العنصرية التي تواجه العرب والمسلمين المجنسين بجنسيات غربية بسبب أصولهم العرقية ، و بسبب دينهم على وجه الخصوص فضلا عن ألوان بشرتهم ، وألوان عيونهم ،ولغاتهم الأمهات . ويكفي أن نمثل لذلك بتجربة أجريت في بلد غربي نشرت عبر الأنترنيت ، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي حيث تظاهر رجلان أحدهم أبيض البشرة، أشقرالشعر، وبعينين زرقاوين، والآخر أسمر اللون أجعد الشعر بالعمى محاولين يديهما إلى أيدي المارة من المواطنين الغربيين البيض طلبا للمساعدة في اجتيازهما أحد الشوارع الغاصة بالمارة ، فكان هؤلاء المواطنون يمدون أيديهم بأريحية وعن طيب خاطر إلى الرجل الأبيض ، بينما كانوا ينفرون، ويتقززون من الرجل الأسمر مع أنه يحمل جنسيتهم كزميله الأشقر، وكانا معا قد اتفقا على خوض هذه التجربة للكشف عن درجة الحس الإنساني لدى المواطنين الغربيين البيض لكنهما اكتشفا رواسب العنصرية لديهم والتي لم تقض عليها قيم الحضارة الغربية المتطورة علميا وتكنولوجيا والمنحطة أخلاقيا ، وهي أخلاق سقط عنها القناع بسبب السكوت عند السواد الأعظم منهم عن جرائم الإبادة التي حصلت في قطاع غزة ، ولا زالت تحصل لحد الساعة، وهي دليل دامغ على انحطاطهم على مستوى القيم حيث لا زال هذا السواد الأعظم منهم يؤيدون الجلاد الصهيوني ، ولا يبالون بالضحية الفلسطيني باستثناء الشريحة المتنورة الحية ضمائرها والتي عرفت حقيقة العنصرية الصهيونية عيانا وبالملموس من خلال جرائمها البشعة ، وهو موقف يحمد خصوصا حين يقارن بمواقف محسوبين على العروبة والإسلام ممن يؤيدون الصهاينة في إجرامهم ، وفيهم من يرفع شعار كلنا صهاينة في عقر بلدان العروبة والإسلام . ومن المفارقات أيضا أن يحمل اليهود وفيهم المتصهين جهارا الجنسيات العربية والإسلامية في بلدان العروبة والإسلام على وجه الحقيقة وليس صوريا ، وربما يكون منهم جنود ملطخة أيديهم بدماء الفلسطينيين ، ومع ذلك يعيشون بأمن وسلام ، بل لهم امتيازات ليس مثلها للمواطنين العرب والمسلمين ، وفي المقابل يحمل العرب والمسلمون الجنسية الصهيونية في أرض فلسطين المحتلة وهم مواطنون من الدرجة الدنيا في المجتمع الصهيوني . فإلى متى ستظل الجنسيات التي يحملها العرب والمسلمون في بلاد الغرب صورية وليست حقيقية ؟؟؟ وإلى متى ستظل المجتمعات الغربية تباهي بقيمها التي تنعتها بالإنسانية والجنسيات التي تفاخر بالتكرم بها على الأجانب الذين يعيشون فيها خصوصا العرب والمسلمين جنسيات حقيقية وأخرى صورية ؟ وما أتعس هذا العالم الذي لا زالت فيه بلاد الغرب تضم ضم شرائحها الاجتماعية عنصريين يمينيين متطرفين يحكمهم التعصب للعرق الذي هو من مخلفات الماضي السحيق ، وإنه لأمر مخجل، ومؤسف ، ومحزن .


برلمان
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- برلمان
إعلام يُمثّلني.. وإعلام يُغيظني
الخط : A- A+ إستمع للمقال يُمثّلني هو ذا الذي يكون على قلب واحد في الأحداث الوطنية الكبرى، والمنجزات الكبرى، وفي المواقف المصيرية. إعلام يضيف على المفردات معاني منبثقة من مخزون قلبه، ويريدها مشتركا إنسانيا مع مواطنيه. إعلام يجتهد في إيصال الرسالة بعفوية متناهية، وفي توجيه البوصلة نحو تقوية جسور المواطنة الصادقة، دون تراشق أو تصادم، ودون تأجيج للمشاعر بغاية زرع الشقاق والتفرقة. إعلام يمثلني هو ذا الذي يجعل الأحداث الوطنية الكبرى في مستوى من فيها ومن صنعها. قنوات تلفزية ومحطات إذاعية، صحف ورقية ومواقع إلكترونية، منصات تواصلية وقنوات خاصة بأدواتها وتقنياتها. جميعها تشارك في الحدث بمسؤولية وفعالية، وبمواطنة حقيقية مقرونة بالكفاءة في فهمه، ونقله بالدقة والموضوعية اللازمتين. إعلام يذكرني بصحافتنا الوطنية العتيقة، التي كانت تطالعنا كل يوم بمقالات إخبارية وتحليلية للزميل الفلاني المعارض، والزميل الآخر المُساند، حيث الجسم الصحفي متماسك ومنيع، وكل منبر يجتهد، في حدود قناعاته وأنساقه التحريرية، على صناعة خط تحريري يميزه، ضمن انشغال واحد: تقديم مادة إعلامية نظيفة تسهم في التوعية والتثقيف، في ظل أجواء متحررة، تستوعب تطلعات المتلقي، من دون تهجمات قذرة غدت اليوم سلوكا مألوفا في مشهدنا الإعلامي، وخاصة لدى بعض المواقع والقنوات المنحطة، المسكونة بهاجس الإثارة والشعبوية المفرطة القائمة على تزوير الوعي وبيع الوهم لجمهور المتلقين. إعلام يمثلني، يقابله للأسف إعلام يُغيظني ويثير في نفسي التقزز والحسرة، كونه يُدمِن في الكذب والإثارة، وتأجيج المشاعر. إعلام شيطاني يتيح لأصحابه تلفيق الأباطيل، والتهجم ولدْغ الجميع، وهم فوق الناس جميعا. منابر وقنوات تناسلت معها البرامج السياسية والحوارية، وانحطت فيها إلى أسفل المراتب، تقنيات التحاور، وتنوعت أساليب الانحيازات والولاءات لمن يدفع أكثر.منابر أصبحت اليوم، من أهم روافد إعلامنا الاسترزاقي المتسول، بل تحولت إلى شبه مؤسسات 'للخدمة بعد البيع'، لبعض الأباطرة الاقتصاديين والسياسيين، وحتى لبعض الأحزاب المتلهفة لأصوات قد لا تأتي. صحيح أن بعض القنوات الخاصة راكمت خبرة واسعة تتيح لها التفاعل مع المستجدات التقنية التي تميز عالم الميديا بشكل عام، وتساعدها أيضا على تطوير فحوى البرامج الحوارية، بما يقوي شحنة الوعي السياسي للمتلقي المغربي. مثلما لا يجب كذلك، أن نغض الطرف عن المستوى الرديء لمعظم القنوات شكلا ومضمونا. فهاتيك من ضجيج وثرثرة، وأنت تتتابع تلك البرامج والاستضافات السياسوية. وهاتيك من ولاءات ومداهنات، ومن تهجمات ساقطة على الغير، تفوح برائحة الأغلفة المالية والعلاوات السخية، التي تختزل المشهد التسوّلي المريض لبعض قنواتنا الخاصة، الحاملة للشعار البئيس 'بارطجيو ألخوت'. قنوات تعتمد نماذج الإثارة والتهجم، كما تفعل قناة الجزيرة في حواراتها المُشعلة للحرائق في الوطن العربي، والتي يتولاها بشكل غليظ ومقزز، الدجال فيصل القاسم، باستضافته شخصيات ذات طبيعة انفعالية واستعراضية، معروفة على العموم بفضائحها السياسية والأخلاقية. إعلام يغيظني أيضا في برامج 'بارطجيو ألخوت' الحوارية، كون أصحابها يتقمصون دور قاضي التحقيق، ويفرضون سلطة الحوار، بما يؤسس لعسكرة الموضوع، وكأننا في مخفر للشرطة. صاحب البرنامج، وهو في نفس الوقت صاحب القناة، يصر على التحكم في الضيف، وفي النقاش، وفي الأجندات السياسية ذات الاتجاه الواحد، مستعرضا قدراته الحوارية الشخصية، على حساب أصول الحوار الهادف والمتكامل. والأخطر في كل هذا أن يتحول صاحب القناة، إلى مُنفّذ لإملاءات قذرة، ضمن لعبة الصفقات السياسية والمادية. إعلام هكذا يغيظني لأنه يفتقر إلى المهنية، وينطق بخلل ثقافي قاتل، ومعرفة مبتورة المصادر والمراجع، تنم عن بيئة إعلامية ملوثة بالاسترزاق والفساد، يرتفع فيها منسوب الكراهية وزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، إلى أعلى المستويات. ولا يمكننا بالمقابل، إلا أن نُقرّ بحقيقة صادمة، مفادها أن المُتلقين في معظمهم يميلون للأسف، إلى إعلام التهريج والتهييج، ألذي هو إحدى سمات التخلف الاجتماعي والفكري السائد بين عامة المواطنين، ممن يستهويهم الإعلام الفُرجوي، وتأخذ بألبابهم أخبار الفضائح والدسائس والمقالب. والخلاصة أننا أصبحنا نعيش بين قذارة الإعلام والسياسة. وضعية تفرض علينا الارتقاء بمؤسساتنا الإعلامية التي هي بحاجة إلى مناخ ديمقراطي سليم، وإلى تشريعات قانونية شفافة وواضحة، تحمي المهنة من الدخلاء المتطفلين، من جهة، ومن الانتهازيين الذين يوظفون المنابر الإعلامية لفبركة الرأي، وتكييف الحقيقة وفق مصالحهم الخاصة، من جهة ثانية. ولا يجوز في هذا السياق، فصل العملية الإعلامية بوظائفها المختلفة عن الديمقراطية، حيث لا مؤسسات ديمقراطية بدون منظومة إعلامية متماسكة تؤمن بالتواصل الأفقي وليس العمودي، وتساهم في تنوير الرأي العام وإشراكه في عملية اتخاذ القرار.


بلبريس
١١-٠٥-٢٠٢٥
- بلبريس
د عبد الفتاح نعوم يكتب : عن علم سياسة ابن كيران... لماذا قرر إخوان المغرب تبنّي خطاب الجزائر؟
من اللافت لانتباه أي مراقب تلافي الإعلام القطري والتركي بشكل تام تناول التصعيد البهلواني الجزائري ضد المغرب منذ خمس سنوات، وعلى عكس ما فعلته تلفزيونات أخرى من قبيل فرانس24 وروسيا اليوم والحرة وBBC وI24 وغيرها من المنابر التي لم تتوقف عن إنتاج المناظرات التلفزيونية بين المتحدثين من المغرب والجزائر والبوليساريو، وبين كل هذه المحطات؛ وعلى عكسها؛ لا يكاد المرء يصادف ولا مناظرة واحدة أو مادة إعلامية مثيرة على الجزيرة أو التلفزيون العربي أو تلفزيون الشرق أو قناة مكملين أو غيرهم من منابر قطر وتركيا. وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى ترفعا أخلاقيا وسياسيا عن الدخول في آتون خلاف بين بلدين جارين، ولو أنه خلاف جرى تصعيده من جانب واحد، وقد يبدو اختيارا مهنيا يفضل أصحابه التركيز على مواضيع الشرق الأوسط وأوكرانيا والصين والولايات المتحدة، لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى مخاتلة مخادِعة ناجمة عن سعي حثيث إلى جعل النقاش بين المغاربة والجزائريين بخصوص قضايا بعينها من قبيل استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، جعله نقاشا داخليا، داخل المغرب، وليس نقاشا بين المغاربة والجزائريين، وذلك بقدر ما مجرد تبني الجزائر لذلك الخطاب المُضاد يأتي بنتائج عكسية، ويدفع المغاربة إلى تأييد قرار الدولة لا معارضته. ويبدو أن منهجية انتقاد قرارات الدولة المغربية بالتزامن مع انتقاد سلوكات الجزائر وطموحات بوليساريو قد أصبحت هي المنهجية التي يتبناها كل ذي موقف مناقض لجوهر فلسفة الدولة المغربية وقراراتها، وكل حامل لفلسفة فوضوية عدمية تزحف بخبث نحو تحقيق أهدافها يجعل تلك الفكرة من مسلماته، وبالتالي فإن آلة الإعلام القطرية نأت بنفسها عن تناول تلك المواضيع كي لا تأتي بنتائج عكسية، لا سواء حينما ينتبه الرأي العام المغربي إلى أجندة قطر، أو حينما يجري ضخ النقاش في اتجاه يقسم الرأي العام بين الجزائر والمغرب، وواقع الحال أن الغاية عند هؤلاء هي شطر الرأي العام المغربي إلى شطرين حيال الدعاية الجزائرية، وليس دفعه نحو الاصطفاف ضدها. ولذلك فإن مراجعة التراكم الذي كانت قد بدأته مجموعة رودولف سعادة في فرنسا؛ ألتيس ميديا، والذي سبق لي أن شرّحته بتفصيلٍ وافٍ، يُظهر كيف أن الغاية من نشر العديد من الأخبار الكاذبة مثل مرور سفن محملة بالسلاح عبر ميناء طنجة، أو قمر المليار دولار، لم تكن سوى لغرض واحد هو تقسيم الرأي العام المغربي، وسواء أكان الأمر ناجما عن تنسيق فرنسي قطري وقتئذ أم لم يكن، فإن إخوان المغرب قد أخذوا على عاتقهم مهمة صناعة الاستقطاب الحاد، وإن كنت أميل إلى تبني فرضية التنسيق، لأن دعاية منابر ألتيس ميديا كانت تجد لها صدى في موقع كالكيليست الإسرائيلي الذي توجد داخله خيوط فرنسية، وكانت وماتزال مقالاته وتقاريره تُسيل لعاب الجزيرة وكافة قنوات الإخوان وتركيا وحتى قنوات إيران وحلف المماتعة. بعد تلك المواجهة المفتوحة مع فرنسا، نجح المغرب في كبح جماح بلاد قبائل الفرنجة، ومن ثم تحييدها تماما من جميع مساحات الاشتباك، لكن استمرت الدعايتان الجزائرية والإخوانية في استعمالهما لتلك الأخبار الكاذبة، وطفقا معا في لوك الدعاية المضللة والمدغدغة للعواطف والأكاذيب. فمنذ أن "أخذت الجزائر علما" بتغيير قادم في الموقف الفرنسي اتجاه مغربية الصحراء، ثم أعلنت فرنسا موقفها في نهاية يوليو من العام الماضي، بدا واضحا أن الجزائر ستنشغل بفصول "فݣعة" طويلة مع فرنسا، ولن يكون في مقدورها مواصلة لوك الدعاية المضللة إياها ضد المغرب، ووجدت الآلة القطرية الإخوانية نفسها وحيدة في هذا الخضم، ولابد لها من اختراق فضاءات التواصل الاجتماعي بطريقة ناعمة، فبدأت تؤثث فضاءات بعض مواقعها المشبوهة كموقع "عربي21" المملوك لعزمي بشارة، ببعض الشباب المغربي الناجح في صناعة المحتوى أو البودكاست، في سعي خبيث يروم استثمار جذوة النجاح والتميز والطموح لدى هؤلاء الشباب. وفي الأشهر التالية لتلك الفترة بدأت تتراكم عبر منصة ذلك الموقع حلقات حوارية مع شخصيات من قبيل ابن كيران والعثماني وأمكاسو وعزيز غالي ورضى بنشمسي، أو محتويات بالدارجة المغربية دون توجه مباشر، لكن بغرض استقطاب الرأي العام المغربي، ليبدأ تدريجيا تصويره في حالة انقسام وتناظر حيال قرارات المغرب في السياسة الخارجية، وكأن إخوان المغرب والطيور الواقعة على أشكالهم يمثلون فعلا قسما من الرأي العام، وليسوا مجرد فاعل سياسي يهجس بهاجس الصندوق الانتخابي ووجد في غضب المغاربة من جرائم إسرائيل واديا جاريا فاختار السير في اتجاه جريانه فقط، علّه يُنسيه غضبه الحانق أيضا على أداء هذا الحزب حينما كان يسيّر شؤون الحكومة لعشر سنوات، وعساه يستغل كل هذه الظرفية؛ بما فيها الحصيلة الهزيلة والضعيفة والمحبطة للحكومة الحالية. إن ما يجري تصويره الآن عبر مهندسي ماكينة عزمي بشارة في المغرب باعتباره انقساما داخل قطاعات الرأي العام المغربي ليس سوى استغلال لجملة من الظروف لكي يجد حزب العدالة التنمية لنفسه موقعا ضمن الخريطة الانتخابية المقبلة، حيث جرى قدح الشرارة الأولى باختلاق الاصطفاف والانقسام المذكور، ثم ستعمل تلك الشرارة بشكل تلقائي على التنامي في منصات أخرى ووسائط أخرى، مادامت قادرة على جذب الاهتمام والمتابعة، ومادامت خيول عزمي جاهزة للركض، فلذلك يجري على ألسنة هؤلاء المزج بين الإدانة الدوغمائية للتوجهات الدبلوماسية للبلاد، وبين الإدانة اللاذعة لحصيلة حكومة أخنوش، ويحدث ذلك سواء على ألسنة ذات الأشخاص أو على ألسنة أشخاص جرى توكيل كل واحد منهم مهام التركيز على خط بعينه وجمهور بعينه. فلنا أن نتصور أنه من أجل هذا يجري اعتماد تقنية رجل القش؛ ليتم وصم السياسة الخارجية للمغرب بأنها خاطئة، والإيهام بانها حتى لو صدرت عن الملك فهي يمكن أن تكون خاطئة، ويجري بجرة قلم مقارنة قرار استئناف العلاقات مع إسرائيل بتوقيع اتفاقية الحماية، ولست أدري في أي منطق يمكن أن تستقيم هذه المقارنة؟، وهل يمكن أن نجد بلدا ديمقراطيا واحدا في العالم يتخذ قراراته في السياسة الخارجية بعد أن يستفتي كل مواطنيه أو يرضي القلة الرافضة؟ هل فعلت الولايات المتحدة هذا حينما غزت العراق وأفغانستان أو حينما انسحبت منهما؟ أو حينما تصالحت مع الصين؟ أو حينما عقدت اتفاقا نوويا مع إيران أو حينما انسحبت منه؟ وهل فعلت فرنسا شيئا مماثلا حينما قررت الاعتراف بمغربية الصحراء؟ أو حينما قررت اسبانيا وألمانيا قرارات مماثلة؟. في أي علم للسياسة يوجد هذا المنطق؟ أو في علم للقانون الدولي أو في أي دراسات دبلوماسية ودولية يوجد هكذا فهم؟ ولا أريد أن اعطي أمثلة هنا بتركيا وقطر وفي علاقاتهما مع إسرائيل، فهما غرفة النوم التي لا يحب الإخوان المسلمون أن نتحدث عنهما ولا عن صهيونيتهما، واستقبالهما للقواعد العسكرية ومراكز الأبحاث ونشاطات عتاة الصهيونية من قبيل مارتن أنديك وحاييم سابان ومن على شاكلتهما. بل إنه ينبغي فقط التأمل في كيف تجري المقارنة بين هذا القرار وبين التوقيع على معاهدة فاس للعام 1912، مع فوارق لا حصر لها في الظرفية وموازين القوى والمضامين، ولو جادله محادثه قليلا لقال له إن توقيع معاهدة لا مغنية أيضا تسببت في أضرار ترابية للمغرب وبالتالي فإن قرارات الملوك يمكن أن تكون خاطئة، إذن فقرار استئناف العلاقات مع إسرائيل خاطئ!!...هذا النوع من الاستدلال يطلق عليه في علم المنطق "مغالطة الاستقراء الكسول"، لأن ينطلق من مسبوق معين ويبحث عن أي أمثلة غير متطابقة لكي يبرهن على مسبوقه، المهم أن يكون الشخص الذي يحاوره "رجل قش". ويطفق ذات الشخص محاورا "رجل القش" عن الإمارات وعملائها وأدوارها، دون أن ينبهه محادثه إلى أن ثمة سيلا من إخوانه البارزين القياديين ومن نخب حزبه من لا يتوقفون عن الغرْف من أموال الإمارات ومراكزها بل ومنهم من يعملون في تلفزيوناتها، وشخصيا أعرف مراسلين "إخوانا" لتلفزيونات إماراتية، وأعرف منافحين عن الإخوان وفكرهم وحزبهم عملوا في مؤسسات بحثية إماراتية ونُشرت لهم الكتب والدراسات، ومنهم من يعيشون في الإمارات العربية المتحدة، ومنهم من مازالوا إلى اليوم ينشرون مقالاتهم في موقع لا يتوقف صاحبنا عن وصمه بكونه "إماراتيا". فلماذا المزايدة في موضوع كهذا وإخوان المتحدث هم الأكثر إقبالا عليه؟، ثم ما الفرق بين الإمارات وقطر، فكلتاهما تبحثان عن الترويج لمواقفهما باستعمال الإعلام والثقافة والفكر والسياسة، فقط قطر تتفوق على الإمارات بكونها تمتلك ناصية تنظيم عالمي يستغل الدين لدغدغة العواطف والمشاعر بغرض الوصول إلى السلطة في البلاد العربية، وتسليع عشرات شهود الزور من أشباه الأكاديميين يتزعمهم قائد الجوقة عزمي بشارة ليجري القول إن الانتقال الديمقراطي والاعتدال يقاسان بدرجة تسهيل وصول الإخوان للحكم. وتبعا لهذا يبدو أن معظم من تناولوا عبارات ابن كيران المثيرة للجدل قد سقطوا في منطق "المعضلات الأخلاقية"، وهذا السقوط يفيد "علم سياسة" الرجل أكثر مما يظهر قراءته للتوقيت (إن لم نقل علمه بشيء ما)، فالاندفاع القطري الإخواني في وضع إقليمي يسمح له بإعادة التموضع تأسيسا على سقوط الأسد ونتائج حرب غزة الكارثية على أهل فلسطين و"السمن والعسل" على المشروع الإخواني المتهالك، والسياق الوطني بات يعيش مناخا انتخابيا بامتياز، وثمة "زيتُوتٌ" قد عاد إلى المشهد ويعمل على تأثيث الأجواء على أفضل حال، وإن لم يستثمر ابن كيران كل هذا ليعود إلى الواجهة عبر فرقعاته المعهودة مستفيدا من جلده السياسي السميك فليس هو ابن كيران الذي يعرفه من يعرف السياسة في المغرب. لقد فضل ابن كيران أن يتلافى هذه المرة توظيف ما يشبه المفاهيم، ولم يعد يستعمل عبارة "التحكم"؛ التي لطالما حاول الترويج لها منذ العام 2007، ليبرر منطق المشاركة في الحكم التي تعوقها "موانع التحكم"، بقدر ما أن الحكم في الفكر الإخواني عموما ليس هو المشكلة إن جرى التقرب منه أو القيام بأدوار إلى جانبه أو معه، كما كان يطمح إلى ذلك حسن البنا مع الملك فاروق، بل إن المشكلة في المؤسسة التي هي في عرف الإخوان "تحكّمٌ" مرفوض، هو في حد ذاته لب المشكلة، لأنه يعوق غايةَ مخاتلةِ الحكم والتماهي معه اعتمادا على الوصايا التلمسانية، بغرض الوصول إلى الحاكمية. وهي خطاطة تكشف فقط أن الفرق بين الإخوان المسلمين ومن يشابههم أو حتى من يناقضهم من تيارات "الإسلام السياسي" ليس سوى فرق في الطريقة والمنهجية والتريث واستعمال الزمن، وهي ضرورات تجعل الكذب والخداع والادعاء واتهام الآخرين وحتى الشتم تصبح تقنيات خطابية مفضلة لدى هذا التيار. في وجه كل هذا يبدو أن الإخوان المسلمين ليسوا سوى صهيونية غير يهودية، لا تختلف عن الصهيونية اليهودية في شيء، كلتاهما حركتان سياسيتان تستعملان الدين، تدعيان المظلومية، وتطمحان إلى الوصول إلى السلطة، أو حتى صناعتها من رحم العدم أو الفوضى، وللتغطية على هذا يجري وصم علاقة دبلوماسية لدولة معينة بدولة أخرى اسمها إسرائيل، إسرائيل التي ليست سوى دولة يحملُ جنسيتها مواطنون يهود ومسلمون ومسيحيون ودروز، وداخل يهودها توجد تيارات دينية أرثوذوكسية مناهضة للصهيونية، وأحزاب يسارية وحقوقيون يهود مناصرون لحقوق الفلسطينيين، في حين يريد ذلك الخطاب أن يُبْعد عن نفسه تهمة كونه صهيونية غير يهودية، إن من حيث تطابق الهيكل النظري أو من حيث تعيُّشِه وتكسُّبه ورهانِه سياسيا على خطاب تلك الصهيونية وخطاب من يدعمها.