
موجة الحر في المحيط الهادي زعزعت النظم البيئية
ووفقا ل دراسة نُشرت حديثا، انهارت غابات أعشاب البحر، واختلّ توازن سلاسل غذائية بأكملها. وظهرت الحيوانات البحرية في أماكن لم تُرَ من قبل، ومات الكثير منها.
استمرت الحرارة، وامتدت عبر آلاف الأميال من المحيط. وقد غيّر هذا الحدث شكل الحياة في الماء بشكل مدمر. ولم تكن هذه صدفة عابرة أو تغيرا موسميا، بل كانت أطول وأشد موجة حر بحرية سُجِّلت في المنطقة على الإطلاق.
فقد دفعت المياه الدافئة الحياة البحرية إلى خارج نطاقها الطبيعي، وعُثر على 240 نوعا من الكائنات البحرية خارج نطاقها الطبيعي خلال موجة الحر، وظهر العديد منها على بُعد أكثر من 900 كيلومتر شمالا من المعتاد.
كما رُصدت دلافين الحيتان الشمالية الصائبة، وبعض الرخويات البحرية الصغيرة مثل "بلاسيدا كريمونيانا"، خارج نطاق موطنها الطبيعي، وفي حين كان هذا التحول بالنسبة لبعض الأنواع، مؤقتا، بدا لأنواع أخرى مؤشرا على تغير أكثر ديمومة.
فمع ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات، تتبع العديد من الكائنات الحية درجات الحرارة التي تكيفت معها، متجهة نحو المياه الشمالية الباردة سعيا للبقاء على قيد الحياة. ولكن خلال موجة الحر التاريخية في المحيط الهادي، لم تتمكن بعض الحيوانات من الحركة بالسرعة الكافية.
وتُعدّ أحواض الأعشاب البحرية وغابات أعشاب البحر موائل حيوية للأسماك واللافقاريات والثدييات البحرية. ومع اختفاء أعشاب البحر، اختفى معها المأوى والغذاء الذي كانت تُوفّره.
كما تضررت نجوم البحر، التي كانت شائعة على طول الشواطئ الصخرية، بشدة. وكاد "نجم البحر دوار الشمس"، وهو مفترس رئيسي، يختفي. وعزا العلماء المشكلة إلى مرض انتشر بشكل أسرع في المياه الدافئة أطلق عليه "مرض هزال نجم البحر".
ودون وجود هذه الحيوانات المفترسة للسيطرة على التجمعات السكانية الأخرى، فإن تأثير الدومينو يلعب دورا في النظام البيئي بأكمله، كما أشارت الدراسة التي اعتمدت على 331 منشورا وتقارير حكومية.
وتبعا لذلك تغيرت مجتمعات العوالق. وانخفضت أعداد أسماك العلف، وهي أنواع صغيرة تُوفر الطاقة للأسماك الكبيرة والطيور والثدييات، وتراجعت جودتها الغذائية. ونتيجةً لذلك، واجهت الحيوانات المفترسة، من الطيور البحرية إلى الحيتان، صعوبةً في إيجاد ما يكفيها من الطعام.
شهدت العديد من الثدييات البحرية حالات نفوق غير عادية، حيث نفقت مجموعات بأكملها بشكل غير متوقع. ولم يكن السبب واضحا دائما فأحيانا كان المرض أو نقص الغذاء، وأحيانًا أخرى كان كليهما.
اضطرابات بيئية واقتصادية
تشير الدراسة إلى أن الضرر لم يتوقف عند حافة المياه، فعندما انقطعت شبكة الغذاء في المحيط، وأثّر ذلك سلبا على مصائد الأسماك شهد الصيادون على طول ساحل المحيط الهادي إغلاقات متعددة نتيجة اختفاء الأسماك أو انتشار الأمراض، مما أدى إلى فقدان محاصيل بأكملها.
وقد أدى التأثير الاقتصادي لهذه التغيرات، بما في ذلك التراجع في الصناعات المرتبطة بصيد السلطعون والسلمون والمحار، خسائر تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
وتبعا لكل ذلك، واجه ما كان في السابق اقتصادا ساحليا مزدهرا قائمًا على الموارد البحرية فجأة حالةً من عدم اليقين العميق. وشعرت المجتمعات التي تعتمد على المحيط بضغط شديد من جوانب متعددة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة صامويل ستاركو -وهو زميل ما بعد الدكتوراه السابق في جامعة فيكتوريا بأستراليا- إن "موجة الحر البحرية أدت إلى اضطرابات بيئية غير مسبوقة على امتداد آلاف الكيلومترات من الساحل الغربي لأميركا الشمالية".
كما تسببت موجة الحر في المحيط الهادي في تغييرات معقدة لم تقتصر على عدد الأنواع المتأثرة، بل إلى سلسلة من التفاعلات أعادت صياغة أنظمة بيئية بأكملها.
وقالت جوليا باوم، عالمة البيئة البحرية ومستشارة المناخ في جامعة فيكتوريا: "مع تزايد وتيرة وشدة موجات الحر في ظل تغير المناخ، فإن موجة الحر البحرية في شمال شرق المحيط الهادي في الفترة 2014-2016 تقدم مثالا حاسما لكيفية تأثير تغير المناخ على الحياة في المحيطات، وكيف قد تبدو محيطاتنا في المستقبل".
وكانت أحدث التقديرات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) قد حذرت من أن أكثر من نصف الأنواع البحرية في العالم قد تكون على وشك الانقراض بحلول عام 2100 بسبب الحرارة الزائدة بالبحار والمحيطات.
وعند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية اليوم، فإن ما يقدر بنحو 60% من النظم البيئية البحرية في العالم قد تدهورت بالفعل أو يتم استخدامها بشكل غير مستدام.
كما يهدد الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية بتدمير ما بين 70% إلى 90% من الشعاب المرجانية، وتعني الزيادة بمقدار درجتين مئويتين خسارة ما يقرب من 100% منها، أي نقطة اللاعودة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الجسيمات الشبحية في باطن النجوم قد تكشف عن "فيزياء جديدة" غامضة
النيوترينو هو جسيم دون ذري خفيف جدا لدرجة أن كتلته تكاد تكون معدومة مقارنة بالجسيمات الأخرى، وبالكاد يتفاعل مع المادة، إذ يمكنه المرور عبر الأرض أو حتى جسم الإنسان من دون أن يتأثر أو يُحدث أي تفاعل. ومن هنا جاءت التسمية الأشهر لتلك الجسيمات الدقيقة جدا (الجسيمات الشبحية)، بل إنه في كل لحظة صغيرة من الزمن، يمر عدد هائل من النيوترينوات عبر جسمك من دون أن تشعر بها، يُقدّره العلماء بحوالي 100 تريليون نيوترينو. تأتي هذه الجسيمات الأولية بثلاث "نكهات" معروفة، هي: الإلكترون نيوترينو، والميون نيوترينو، والتاو نيوترينو. وتتولد هذه الجسيمات من العمليات النووية، مثل تلك التي تحدث داخل النجوم، وفي الانفجارات النجمية العملاقة (المستعرات العظمى)، أو في التفاعلات النووية على الأرض أو مصادمات الجسيمات. قلب النجم المتفجر وفي دراسة نشرت في دورية "فيزيكال ريفيو ليترز"، قام فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو بمحاولة لفحص تأثير التفاعلات "السرية" بين النيوترينوات على انهيار النجوم الضخمة. فعندما تنهار النجوم الضخمة، تنتج كميات هائلة من النيوترينوات، تسرق (تمتص) الطاقة الحرارية من النجم، فتفقده قدرا من الطاقة، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى انكماش النجم. في النهاية، تصبح كثافة النجم المنهار عالية جدا لدرجة أن النيوترينوات تحاصر وتصطدم ببعضها، ولكن في هذا السياق، توصل العلماء إلى ملاحظة غريبة، فإذا كانت التفاعلات بين النيوترينوات تقتصر على النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، ستكون النيوترينوات في الغالب ذات نكهة إلكترونية، وستكون المادة "باردة" نسبيا، ومن المرجح أن يُخلف الانهيار بقايا نجم نيوتروني. النموذج القياسي للفيزياء هو النظرية التي تشرح التفاعلات بين الجسيمات الأولية التي تشكل المادة والطاقة في الكون، ويعتمد هذا النموذج على فكرة أن كل شيء يتكون من جسيمات أصغر مثل الكواركات والإلكترونات، وأن التفاعلات بين هذه الجسيمات تتم عبر قوى أساسية، ويعتبر هذا النموذج الأساس لفهمنا للكون على مستوى التركيب الصغير جدا. أما إذا كانت النيوترينوات تتفاعل بطرق غير معروفة حتى الآن، فقد يؤدي ذلك إلى إنتاج أنواع مختلفة من نكهات النيوترينوات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق نواة نجمية ساخنة وغنية بالنيوترونات، فيزيد ذلك من احتمال تحول النجم إلى ثقب أسود بدلا من نجم نيوتروني. فيزياء جديدة ولكن إلى أي طريق منهما تفضل جسيمات النيوترينو المضي قدما وعلى أي أساس؟ لا يزال هذا السؤال بلا إجابة، ومن المحتمل أن تساعد "تجربة النيوترينو العميقة تحت الأرض للنيوترينوات" (ديون) التي ستجريها مختبرات فيرمي الوطنية في اختبار هذه المقترحات البحثية. ومن المتوقع أن تبدأ التجربة في عام 2029، حيث ستركب أجهزة الكشف في موقع تحت الأرض في ولاية داكوتا الجنوبية، وقد يبدأ تشغيل الحزمة النيوترينية في عام 2031، بعد الانتهاء من بناء المنشآت اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، قد تسهم الملاحظات المستقبلية للنيوترينوات أو الموجات الجاذبية الناتجة عن انهيار النجوم في تقديم أدلة لتأكيد هذه التفاعلات السرية التي ربما تمثل فيزياء جديدة لم نكتشفها بعد.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
خبراء للجزيرة نت عن زلزال روسيا التاريخي: أدركنا همسات الأرض بأثر رجعي
اهتزت شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية صباح 30 يوليو/تموز تحت وطأة زلزال مدمر بلغت قوته 8.8 درجات على المقياس، ليُصنف رسميا ضمن أقوى 10 زلازل سجلت في التاريخ الحديث. والمثير للانتباه أن هذه الهزة العنيفة سبقتها خلال العامين الماضيين هزتان قويتان، بلغت قوتهما 7.1 و7.4 درجات، مما أعاد إلى الواجهة تساؤلات لم تحسم حتى الآن، وهي: هل كانت تلك الزلازل المتوسطة جزءا من سلسلة تراكمية انتهت بالزلزال العظيم؟ وهل شكلت علامات مبكرة على تصاعد التوتر في باطن الأرض؟ وهل يمكن للعلم رصد مثل هذه المؤشرات قبل فوات الأوان؟ "الجزيرة نت" توجهت بهذه الأسئلة إلى 3 من خبراء الزلازل بجامعات أميركية وصينية، واتفقوا جميعا على أن "همسات الأرض" التي تسبق الزلازل الكبرى لا يمكن فهمها أو تأكيد دلالتها إلا بأثر رجعي، ولا يعود ذلك إلى تقصير علمي، بل لعدم وجود أنماط زلزالية واضحة أو أدوات موثوقة تتيح التمييز المسبق بين الزلازل التمهيدية العادية وتلك التي تُنذر بكارثة كبرى. وأكد الخبراء أن "بعض الهزات المتوسطة قد تبدو كأنها إشارات تحذيرية، لكن العلم لا يستطيع الجزم بذلك إلا بعد وقوع الزلزال الكبير، وهو ما يجعل التنبؤ بالزلازل العظمى من أكبر التحديات التي يواجهها علم الزلازل حتى اليوم". معضلة أبحاث الزلازل يقول البروفيسور رولاند بورغمان، أستاذ علوم الأرض والكواكب ورئيس مجموعة التكتونيات النشطة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: "الآن بعد أن وقع الزلزال بقوة 8.8 درجات، يمكن عدّ الهزتين السابقتين هزات تمهيدية (فور-شُوكس)، ومن ثم تصنف ضمن المؤشرات التحذيرية لهذا الحدث، لكننا لا نستطيع تأكيد ذلك إلا بأثر رجعي، ولا أعتقد أنه كان هناك ما يدل بوضوح في حينها على أن هذين الزلزالين مقدّمة للحدث الأكبر، وهذه هي المعضلة الكبرى في أبحاث التمهيدات الزلزالية ومحاولات التنبؤ". ويضيف بورغمان "مع ذلك، سيكون من المهم للغاية دراسة تسلسل هذه الأحداث وفهم العمليات الجيولوجية الكامنة وراءها، فقد يتيح لنا هذا البحث لاحقا فهما أعمق يسهم في تحسين القدرة على التنبؤ الزلزالي القصير الأجل". أما البروفيسور كيجي تشين، أستاذ علوم الأرض والفضاء بجامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، فكان أكثر حذرا، إذ قال إن "من المغري التفكير في أن الزلزالين السابقين كانا إنذارا مبكرا بقرب الزلزال العظيم، لكن من الناحية العلمية لا يمكن الجزم بذلك". وأوضح أن "في مناطق الاندساس مثل كامتشاتكا، قد تكون الزلازل المتوسطة إلى الكبيرة جزءا من تفريغ تدريجي للتوتر على الصدع، لكنها لا تعني بالضرورة أن زلزالا عظيما على وشك الحدوث". وأضاف "فقط بعد وقوع الزلزال الكبير، يمكننا النظر إلى الوراء والقول: ربما كانت تلك الزلازل تمهيدية، لكن في لحظة حدوثها، لم يكن هناك ما يثبت ذلك علميا". وتتفق الدكتورة مع هذا الطرح جوديث هوبارد، وهي أستاذة مساعدة زائرة بقسم علوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة كورنيل الأميركية، مؤكدة أنه "لا يوجد نمط زلزالي موثوق يربط بين الزلازل المتوسطة (مثل 7.1 أو 7.4) وحدوث زلازل عظيمة (مثل 8.8)، لكن أحيانا، كما في هذه الحالة، قد تسبق الزلازل الكبرى هزات تمهيدية بالفعل". وتضيف "مثل هذه الزلازل المتوسطة قد تحدث تعديلا في الضغط على الصدوع المجاورة، مما يزيد احتمال حدوث زلازل لاحقة، لكنها في الغالب لا تؤدي إلى كارثة كبرى، لذلك فهي ليست مؤشرا موثوقا لتقييم الخطر الزلزالي". لماذا تتكرر الزلازل العظمى في كامتشاتكا؟ ومع التركيز على الزلازل المتوسطة التي سبقت الزلزال الكبير، فإن ذلك لم ينس مجتمع علماء الزلازل الربط بين زلزال 30 يوليو/تموز وزلزال آخر شهدته المنطقة عام 1952، أي قبل 73 عاما، وكان يفوق الأخير قوة، إذ بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، وهو ما أثار سؤالا لا يقل أهمية عن سابقيه، وهو: لماذا تتكرر الزلازل العظمى في كامتشاتكا؟ واشتركت آراء الخبراء الثلاثة في أن البنية التكتونية لكامتشاتكا تضعها على رأس قائمة المناطق المعرضة لزلازل عملاقة، فهذه المنطقة تقع على حدود اندساس نشط للغاية، حيث تنزلق صفيحة المحيط الهادي تحت صفيحة أميركا الشمالية بسرعة تتجاوز 8 سم في السنة، وهي من أعلى معدلات في العالم لهذا النوع من الظواهر الجيولوجية. وبحسب بورغمان الذي أجرى من قبل دراسات على تلك المنطقة، فإن الزلزالين الكبيرين يشتركان في خصائص عديدة، ليس فقط من حيث القوة، بل أيضا من حيث النمط والموقع". واللافت أن الفاصل الزمني بينهما، والممتد من 1952 إلى 2025، يعدّ قصيرا نسبيا إذا ما قورن بالمدة التي فصلت بين زلزال عام 1952، والحدث الذي سبقه عام 1737، كما يوضح بورغمان. ومع ذلك، يشير إلى أن الحسابات الجيولوجية تكشف أن الفجوة الزمنية التي امتدت على مدار 73 عاما كانت كافية لتراكم قدر كبير من "عجز الإزاحة"، أي الفرق بين الإزاحة التي كان يُفترض أن تحدث بفعل حركة الصفائح التكتونية، والإزاحة التي لم تتحقق بعد. ويقول "عند احتساب المعدل السنوي للتقارب بين الصفائح في هذه المنطقة، والذي يبلغ نحو 8 سنتيمترات في السنة، يتبين أنه خلال الفترة الممتدة بين عامي 1952 و2025 تراكم ما يقرب من 584 سنتيمترا من الإجهاد الصخري (الضغط أو القوة الداخلية التي تتعرض لها الصخور داخل القشرة الأرضية نتيجة الحركات التكتونية)، وهو رقم يطابق تقريبا متوسط الإزاحة الذي سجلته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية خلال الزلزال الأخير". ويضيف بورغمان أنه أجرى مقارنة بين نموذج الإزاحة الذي قدمته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية للزلزال الأخير ونموذج مماثل وُضع لزلزال عام 1952 من قبل الباحثين جونسون وساتاكي في دراسة نُشرت عام 1999، وتبين من المقارنة أن النموذجين يتكاملان بشكل لافت، مما يدعم فرضية أن هذه المنطقة تخضع لدورات دورية من التراكم والانفجار الزلزالي نتيجة بنية صدعية نشطة ومقيدة للغاية. وتصف هوبارد السرعة الكبيرة التي تتحرك بها الصفيحة التكتونية تحت كامتشاتكا (8 سنتيمترات سنويا) بأنها من أعلى معدلات الاندساس في العالم. وتقول إنه "أنه عندما يحرر الزلزال الضخم الذي شهدته المنطقة عام 1952 طاقة تعادل انزلاقا بطول 5 أمتار تقريبا، فإن المنطقة تحتاج إلى نحو 60 عاما فقط لإعادة شحن نفسها بالطاقة الكامنة اللازمة لزلزال مماثل. وبالفعل، فقد مرت 73 سنة منذ وقوع ذلك الزلزال الكبير، وذلك يتوافق بدقة مع هذه الحسابات التراكمية". وما يزيد من خطورة هذا الوضع الجيولوجي ما أشار إليه البروفيسور تشين من أن الفالق الموجود في المنطقة واسع وضخم بما يكفي ليتكسر دفعة واحدة على مدى مئات الكيلومترات، وهو ما يفتح المجال أمام زلازل عنيفة وواسعة النطاق. وأضاف أن "الرواسب السميكة التي تغطي قاع المحيط هناك تساعد أيضا على إغلاق الفالق بإحكام لفترات طويلة، فيمنع ذلك تسرب الطاقة تدريجيا ويؤدي إلى تراكم الضغط لعقود، قبل أن يُفرج عنه فجأة على هيئة زلزال مدمر". خطر زلزالي طويل الأمد وعما إذا كانت هذه السمات الجيولوجية تشير إلى خطر زلزالي طويل الأمد في المنطقة، يؤكد بورغمان أن الزلزال الأخير بالفعل خفف بشكل كبير من التوتر التكتوني المتراكم عند واجهة التقاء الصفائح في المنطقة، وهو ما يُعد أمرا إيجابيا على المدى القصير. ولكنه ينبه إلى أن القطاعات المجاورة من الصدع نفسه أصبحت الآن أكثر تحميلا بالإجهاد، مما يزيد من احتمال حدوث زلازل أخرى كبيرة في المستقبل القريب، نتيجة انتقال الضغط بين مناطق الصدع المختلفة، فكما هو معروف في علم الزلازل، عندما يحدث زلزال ضخم، فإن احتمال وقوع زلازل لاحقة في المناطق المجاورة يرتفع مؤقتا بسبب إعادة توزيع القوى التكتونية. مع ذلك، يطمئن بورغمان إلى أن الزلازل العظمى، بتلك القوة المدمرة، لا تحدث بشكل متكرر، ولا يتوقع أن تشهد المنطقة زلزالا آخر بالحجم نفسه في المدى القريب، مستندا في ذلك إلى أنماط الزلازل المسجلة تاريخيا والدراسات العلمية المنشورة عن تكرار الزلازل في هذا الحزام الزلزالي. وإذا كان بورغمان حاول أن يكون متوازنا في تقدير الخطورة، فإن البروفيسور تشين كان قاطعا في قوله إن "هذه المنطقة من أبرز البقع الساخنة زلزاليا على كوكب الأرض، وهناك خطر طويل الأمد بحدوث زلازل مماثلة في المستقبل، ويكفي للدلالة على خطورة هذه المنطقة أنها كانت مسرحا لزلازل عملاقة مرتين خلال أقل من قرن، أحدهما في عام 1952 بقوة 9.0 درجات، والآخر في عام 2025 بقوة 8.8". وسارت هوبارد على نهج البروفيسور تشين بقولها: "لا يوجد شك في أن الخطر الزلزالي الكبير في كامتشاتكا مستمر على المدى البعيد، نظرا للخصائص التكتونية النشطة والمتسارعة في هذه المنطقة". هل بالإمكان الاستعداد لهذه الأحداث الكبرى؟ وإذا كانت الأحداث الكبرى ستقع حتما في كامتشاتكا كما أجمع الخبراء، فهل بالإمكان الاستعداد لها؟ يؤكد بورغمان وتشين أنه "رغم التقدم التكنولوجي الكبير، فإن التنبؤ بالزلازل لا يزال من أكبر التحديات العلمية". ويضيفا أن "المتاح حتى الآن هو الإنذار المبكر الذي يمكنه تحذير الناس فقط بعد بدء الزلزال، أي قبل وصول الموجات الزلزالية إليهم بثوانٍ أو دقائق، لكنه لا يتنبأ بالزلازل قبل حدوثها". وأضافا أن "دراسة سلسلة الزلازل التي وقعت في كامتشاتكا مؤخرا قد تساعد في المستقبل على تحسين نماذج التنبؤ القصير الأجل". وتشير هوبارد إلى أن "ما يمكن فعله حاليا هو رفع درجة الاستعداد مؤقتا إذا حدثت زلازل بقوة 7 درجات في مناطق معينة، كما تفعل اليابان في نظامها الجديد بمنطقة نانكاي". وفي هذا النظام المعروف باسم "نظام الاستشارة الزلزالية"، يتم إصدار تحذيرات مؤقتة عندما تقع زلازل متوسطة في مناطق حساسة، لتنبيه السكان إلى ارتفاع مؤقت في احتمال الزلازل العظمى". وتضيف "لكن في معظم الحالات لا يحدث شيء، وتكون المخاوف من الهلع أو تعطيل الاقتصاد واردة، إلا أن المثال الروسي يُثبت أن هذه التحذيرات قد تكون ثمينة أحيانا، خاصة في المناطق العالية النشاط". والأمل الذي يعوّل عليه الخبراء هو أن تقود هذه الأحداث الزلزالية، رغم قسوتها، إلى تطوير نماذج أكثر دقة لرصد المخاطر الزلزالية وتقديم تحذيرات مفيدة، ليس فقط في كامتشاتكا، بل في كل مناطق العالم المهددة بخطر الزلازل العظمى.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
من بينها "صندوق البندورة المتجمد".. 4 مخاطر بيئية تواجه البشرية
يُسلّط تقرير "فرونتيرز 2025" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة الضوء على القضايا البيئية الناشئة قبل أن تتفاقم وتتحول إلى أزمات عالمية خطيرة. ورغم أن هذه القضايا قد تبدو حاليا محلية أو محدودة النطاق، فإن التدخل المبكر بالغ الأهمية لمنعها من أن تصبح تحديات واسعة النطاق. ويحدد التقرير الذي صدر بعنوان "ثقل الزمن- مواجهة عصر جديد من التحديات التي تواجه البشر والنظم البيئية" 4 قضايا مفصلية، تؤكد مدى تأثير تغير المناخ على الأنظمة البيئية والمجتمعات، وهي الميكروبات الجليدية الخامدة، والمخاطر المناخية على كبار السن، والتلوث بأنواعه، وزيادة معدل تشييد السدود. وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن في تقديمها للتقرير إن من الضروري اتخاذ إجراءات "لحماية البشر والطبيعة والاقتصادات من تهديدات ستتفاقم بمرور الوقت". ويكمن الخطر الأول حسب التقرير في ما سماه "صندوق البندورة المتجمد"، في إشارة إلى البكتيريا والكائنات الدقيقة المتنوعة الموجودة في الصفائح الجليدة والغلاف الجليدي منذ آلاف السنين. فمع المعدلات الحالية لسرعة ذوبان الصفائح والأنهار الجليدية جراء الاحترار المناخي، فقد تتم إعادة تنشيط هذه البكتيريا وحشدها في بيئات جديدة مختلفة، مما قد يُغير المجتمعات الميكروبية، ويُدخل مُسببات الأمراض والأوبئة الخطيرة في النظم البيئية، ويُسبب تدهور التنوع البيولوجي أو فقدانه. وبالإضافة إلى ذلك فإن سرعة ذوبان النطاقات الجليدية تهدد بشكل كبير المجتمعات في المناطق الساحلية التي ستواجه ارتفاعا في مستوى سطح البحر وقضم السواحل وفيضانات مدمرة. ومع الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية بسبب الاحتباس الحراري بات ذوبان الصفائح الجليدية نقطة تحول مناخي محتملة، وحتى لو تم كبح معدل الذوبان عبر خفض الانبعاثات، فإن التقرير يدعو إلى تقييم هذه التهديدات والاستعداد لمسببات الأمراض المحتملة والفيضانات المدمرة. مخاطر خفية كما يشير التقرير أيضا إلى المخاطر البيئية والمناخية الخفية الكامنة وراء تشييد آلاف السدود في مختلف أنحاء العالم بسبب زيادة الطلب العالمي على المياه والطاقة، التي غيرت أحيانا من مورفولوجية الأرض وتوزيع الكتلة على سطحها، وجزأت الأنظمة البيئية الطبيعية. فرغم الفوائد الكبيرة التي تحققها السدود، فإنها ألحقت الضرر أيضا بالمجتمعات الأصلية وطرق عيشها ومواردها، ودمرت النظم البيئية النهرية، من خلال تغيير خصائص الأراضي والموائل الطبيعية والأنواع، وكبح تدفق الرواسب والمغذيات. تشير التقديرات إلى أن السدود تمثل 4% من أسباب تغير المناخ. ويرى التقرير أن إزالة السدود والحواجز المائية تعد إستراتيجية أساسية لاستعادة صحة الأنهار، وقد اكتسبت زخما متزايدا، لا سيما في أوروبا وأميركا الشمالية، حيث تُزال السدود الكبيرة والقديمة التي أصبحت غير آمنة أو غير مجدية اقتصاديا. وقد برزت هذه الممارسة كإستراتيجية حيوية لاستعادة النظام البيئي، حيث أثبتت الأنهار والمسارات المائية قدرتها على التعافي والعودة إلى طبيعتها بمجرد إزالة العوائق. فمن خلال إعادة ربط الأنهار الطبيعية، تساعد إزالة السدود على عكس مسار تجزئة النظام البيئي، مما يُفيد التنوع البيولوجي المائي والبري، ويعزز القدرة على الصمود في مواجهة التحديات البيئية المستقبلية. ويطرح التقرير أيضا التحدي الديمغرافي أو "التقدم في السن في بيئة متغيرة"، كأحد المشاكل التي تواجه البشرية والأنظمة البيئية حيث يشهد العالم تحولات ديمغرافية وبيئية كبيرة، إذ من المتوقع أن ترتفع نسبة سكان العالم الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر من 10% عام 2024 إلى 16% بحلول عام 2050، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويشير التقرير إلى أن تفاقم تغير المناخ والمخاطر البيئية، مثل موجات الحر وتلوث الهواء والمياه والفيضانات، يهدد كبار السن بشكل غير متناسب في مختلف أنحاء العالم وخاصة بالدول الفقيرة. ونظرًا إلى تأثير الظروف البيئية الحاسم على الصحة في مراحل متقدمة من العمر، يشير التقرير إلى ضرورة أن يُعطي التخطيط الحضري الاستباقي الأولوية للمدن الصديقة لكبار السن والمرنة، مع تقليل التلوث وتحسين إمكانية الوصول إليها، وتوسيع المساحات الخضراء لحماية هذه الفئة السكانية الضعيفة. ومن التحديات الرئيسية أيضا التي غالبا ما تكون خفية، حسب التقرير، إعادة تنشيط أو تعبئة الملوثات القديمة المدفونة في التربة والنفايات الكيميائية بسبب الفيضانات والسيول الجارفة. فقد شهد العديد من المناطق زيادة في وتيرة وحجم العواصف الشديدة، مصحوبة بأمطار غزيرة وفيضانات. ورغم إدراك واسع للآثار المباشرة لهذه الفيضانات على الحياة والبنية التحتية، فإن نتائجها غير المباشرة غالبا ما تُغفل. ومن القضايا التي يُستهان بها إعادة تنشيط الملوثات الكيميائية التي تكون في شكل مواد ثقيلة وملوثات عضوية خطرة وتوزيعها في رواسب الأنهار نتيجة للفيضانات المتكررة والشديدة، مما يُشكل تحديات بيئية وصحية، وتداعيات اجتماعية واقتصادية. ويدعو التقرير إلى ضرورة تقييم الرواسب لفهم المخاطر، وإعادة النظر في وسائل الحماية من الفيضانات عبر حلول طبيعية، واستثمار الجهود في إزالة التلوث بوسائل طبيعية، لكن الحل الأمثل يكون في إزالة أسباب التلوث بأنواعه، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي تعد السبب الرئيسي في الانهيار المناخي.