
بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الدولية 2025 عن "سراج القلب"
في سابقة أدبية فارقة، فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025، بجائزة بوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية "سراج القلب" (Heart Lamp)، لتصبح بذلك أول عمل قصصي على الإطلاق يحصل على الجائزة العالمية للرواية، وأول نص مكتوب في لغة الكانادا – التي يتحدث بها ما يقدّر بـ65 مليون شخص في جنوب الهند – ينال هذا التكريم.
تتناول "سراج القلب" الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند، حيث يهيمن النظام الأبوي والتمييز الطبقي والديني. وقد رأت هذه القصص النور بين عامي 1990 و2023، مترافقة مع نضال الكاتبة ضد البنى الاجتماعية المحافظة التي قاومت نشر هذا العمل، وتجاهلته أبرز الجوائز الأدبية في الهند، وفقًا للقائمين على جائزة بوكر.
في تصريحها عند تسلّم الجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني (يتقاسمها المؤلف والمترجم)، قالت مشتاق: "أقبل هذا الشرف ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين"، واصفة لحظة التتويج بأنها "لا تُصدّق".
قصص حية ومؤلمة
تتألف المجموعة من 12 قصة قصيرة، كتبت بأسلوب سردي يتميز بالحيوية والعاطفة اللاذعة، وترسم صورًا عميقة لحياة نساء وفتيات يعشن في مجتمعات أبوية محافظة. تدور القصص حول أمهات، وجدّات، وأطفال أذكياء، وأزواج مهزوزين، ومشايخ ساخرين، وإخوة متسلطين، وسط واقع تحكمه قيود اجتماعية ودينية صارمة.
ووصفت لجنة تحكيم بوكر العمل بأنه "شيء جديد حقًا للقراء باللغة الإنجليزية، قصص جميلة، مليئة بالحياة، تُترجم بلغة مبتكرة توسّع فهمنا للترجمة والاختلاف الثقافي."
احتفاء بلغة مهمّشة وأصوات مقموعة
وعززت الكاتبة الهندية بانو مشتاق ومترجمتها ديبا بهاستي من أهمية الكتاب الفائز بجائزة بوكر الدولية 2025، ليس فقط بوصفه نصًا أدبيًا مميزًا، بل بصفته صوتًا احتجاجيًا وشهادة ثقافية نادرة تعبر عن حياة نساء مسلمات في جنوب الهند. ومع فوز "سراج القلب"، دخلت لغة الكانادا – للمرة الأولى في تاريخ الجائزة – إلى المحفل الأدبي العالمي، واضعة النساء والهامش واللغة في صلب النقاش.
تنتمي بانو مشتاق إلى الجيل الذي انخرط في حركة "باندايا ساهيتيا" (الأدب الاحتجاجي) في السبعينيات والثمانينيات في جنوب غرب الهند. وهي واحدة من النساء القلائل اللواتي برزن في هذه الحركة التي انتقدت النظام الطبقي والاجتماعي الهندوسي، وأبرزت أصوات المنبوذين (الداليت) والمسلمين.
إلى جانب عملها كمحامية وناشطة نسوية، ألفت ست مجموعات قصصية، ورواية واحدة، ومجموعة مقالات، وديوان شعر، جميعها بلغة الكانادا. كما حازت جوائز كبرى منها جائزة أكاديمية كارناتاكا ساهيتيا وجائزة دانا تشينتاماني أتيمابي.
في تعبير مؤثر عن رؤيتها الأدبية، قالت بانو: "قصصي تدور حول النساء – كيف يطالب الدين والمجتمع والسياسة بالطاعة العمياء منهن، وبذلك، يلحقون بهن قسوة غير إنسانية، ويحولونهن إلى مجرد تابعات. لا أُجري أبحاثًا مستفيضة؛ قلبي هو مجال دراستي."
جاء تتويج "سراج القلب" في وقت يشهد فيه الهند توترات متزايدة حول قضايا الحريات الفردية وحقوق الأقليات. ويُعدّ فوز هذا العمل المكتوب بلغة محلية ومن منظور امرأة مسلمة تحديًا صريحًا للهامشية الثقافية السائدة في البلاد، ورسالة دعم للغات الأصلية والمهمّشة.
"ترجمة بالفطرة"
وقامت بترجمة العمل إلى الإنجليزية ديبا بهاستي، الصحفية والكاتبة من جنوب الهند، والتي تقاسمت الجائزة مع بانو مشتاق. وقد وصفت لجنة التحكيم الترجمة بأنها "جذرية ومبتكرة تُحدث اضطرابًا في اللغة وتخلق نسيجًا جديدًا لتعددية الإنجليزية."
وصفت المترجمة ديبا بهاستي تجربتها مع "سراج القلب" بأنها "عملية فطرية بالكامل"، تختلف عن أي مشروع أدبي سابق. وقالت في تصريحاتها عقب الفوز:
"قرأت أولًا جميع الأعمال القصصية التي نشرتها بانو، قبل أن أختار القصص التي ستشكل هذه المجموعة. كنت محظوظة بحرية الانتقاء، ولم تتدخل بانو في العملية، رغم فوضويتها المنظمة."
الترجمة، في هذا السياق، لم تكن مجرّد تحويل لغوي بل عملية إبداعية وموقف نقدي، أعادت من خلاله بهاستي تقديم صوت مشتاق إلى قراء الإنجليزية بصياغة تحافظ على نكهة اللغة الأم، وتحتفي بتعدد اللهجات والتجارب.
تُمنح جائزة بوكر الدولية سنويًا منذ عام 2016 (بعد أن كانت تُمنح كل عامين سابقًا)، وتُخصص للأعمال الخيالية المترجمة إلى الإنجليزية. وقد أصبحت هذه الجائزة مرموقة على مستوى العالم، ونافذة للأصوات الأدبية من خارج المركز الثقافي الغربي.
ويعكس اختيار "سراج القلب" توسعًا في ذائقة لجنة التحكيم وتقديرها لأدب المناطق المهمشة، وتمثيلًا نادرًا للمرأة المسلمة في المشهد الأدبي العالمي، بلغة غير مألوفة، لكنها مشبعة بالإبداع والمقاومة.
توترات نفسية واجتماعية
في بيانها الختامي، أكدت لجنة التحكيم أن "سراج القلب" ليست مجرد مجموعة أدبية بل وثيقة أخلاقية وسياسية. وقالت: "في اثنتي عشرة قصة قصيرة، كتبت خلال ثلاثة عقود، تجهر بانو مشتاق بالحقيقة في وجه السلطة. تروي حياة فتيات ونساء مسلمات على هامش المجتمع الهندي، وتشقّ طريقها عبر الطبقات الاجتماعية والدينية، كاشفة عن القمع والظلم والفساد."
ورغم بساطة السرد الظاهرة، ترى اللجنة أن القصص تحمل توترات نفسية واجتماعية عميقة، وتحفز القارئ على إعادة النظر في الأعراف الاجتماعية والدينية واللغوية، التي تُستخدم غالبًا في تثبيت الهويات القمعية.
أشارت كانيكا شارما، الناقدة في مجلة Vogue India، إلى أن الجائزة ليست أول اعتراف بأدب بانو مشتاق، بل امتداد لمسيرة طويلة من الاحتفاء المحلي.
ولفتت إلى قصة "كاري ناغاراغالو"، التي تدور حول امرأة مسلمة هجَرها زوجها، والتي تحولت إلى فيلم عام 2003 فازت بطلته بجائزة الفيلم الوطني لأفضل ممثلة.
"لكن هذا التكريم الدولي تأخر كثيرًا، فلطالما كان صوت بانو مشتاق مهمّشًا في ظل هيمنة لغات ونخب معينة في المشهد الأدبي الهندي."
من اللافت في "سراج القلب" أن القصص لا تكتفي بتفكيك المجتمع الأبوي، بل تنبش في بنية اللغة ذاتها بوصفها جزءًا من أدوات القمع. ففي إحدى القصص، تتساءل الراوية:
"هل أقول عن زوجي 'غاندا' (الزوج الذكر القوي)، أم 'ياجامانا' (المالك)، أم 'باتي ديفارو' (السيد الإله)؟ لا، لا أريد لغة تجعلني خادمةً في بيتي أو تمنح زوجي صفة الإله."
في هذا المقطع السردي، تستخدم بانو مشتاق تناصًا لغويًا مشحونًا بالمفارقة والتمرّد، لتطرح أسئلة وجودية على القارئ: هل يمكن للمرأة أن تتحدث بحرية بينما تقف اللغة ضدها؟
السلطة ومقاومتها
قصص المجموعة تحتفي بالمقاومة، لا عبر الشعارات، بل من خلال القصّ الصادق والساخر والنافذ. شخصياتها نساء متعلمات قليلات الحيلة، وأمهات محبطات، وفتيات يواجهن المجهول، في ظل نظام يحوّل الدين والسياسة والعائلة إلى أدوات للضبط والسيطرة، كما يقول نقاد.
والمفاجأة التي تقدمها القصص لا تكمن فقط في حبكتها، بل في طريقة التعبير، وفي اللغة التي تدمج العامية بالرمزية، والمشهدية بالحوار الداخلي، لتخلق نصًا هجينًا يحتفي بالهامش بصفته مركزًا جديدًا للكتابة.
ويقول نقاد أن القصص الفائزة تمثل انتصارًا ليس فقط للأدب المكتوب بالكانادا، بل أيضًا لـ الترجمة بوصفها مقاومة ثقافية. فمن خلال شراكتها مع ديبا بهاستي، فتحت بانو مشتاق نافذة جديدة لحكايات النساء المسلمات في جنوب الهند، وجعلت منها أدبًا عالميًا ذا صوت واضح وقوي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الدولية 2025 عن "سراج القلب"
في سابقة أدبية فارقة، فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025، بجائزة بوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية "سراج القلب" (Heart Lamp)، لتصبح بذلك أول عمل قصصي على الإطلاق يحصل على الجائزة العالمية للرواية، وأول نص مكتوب في لغة الكانادا – التي يتحدث بها ما يقدّر بـ65 مليون شخص في جنوب الهند – ينال هذا التكريم. تتناول "سراج القلب" الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند، حيث يهيمن النظام الأبوي والتمييز الطبقي والديني. وقد رأت هذه القصص النور بين عامي 1990 و2023، مترافقة مع نضال الكاتبة ضد البنى الاجتماعية المحافظة التي قاومت نشر هذا العمل، وتجاهلته أبرز الجوائز الأدبية في الهند، وفقًا للقائمين على جائزة بوكر. في تصريحها عند تسلّم الجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني (يتقاسمها المؤلف والمترجم)، قالت مشتاق: "أقبل هذا الشرف ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين"، واصفة لحظة التتويج بأنها "لا تُصدّق". قصص حية ومؤلمة تتألف المجموعة من 12 قصة قصيرة، كتبت بأسلوب سردي يتميز بالحيوية والعاطفة اللاذعة، وترسم صورًا عميقة لحياة نساء وفتيات يعشن في مجتمعات أبوية محافظة. تدور القصص حول أمهات، وجدّات، وأطفال أذكياء، وأزواج مهزوزين، ومشايخ ساخرين، وإخوة متسلطين، وسط واقع تحكمه قيود اجتماعية ودينية صارمة. ووصفت لجنة تحكيم بوكر العمل بأنه "شيء جديد حقًا للقراء باللغة الإنجليزية، قصص جميلة، مليئة بالحياة، تُترجم بلغة مبتكرة توسّع فهمنا للترجمة والاختلاف الثقافي." احتفاء بلغة مهمّشة وأصوات مقموعة وعززت الكاتبة الهندية بانو مشتاق ومترجمتها ديبا بهاستي من أهمية الكتاب الفائز بجائزة بوكر الدولية 2025، ليس فقط بوصفه نصًا أدبيًا مميزًا، بل بصفته صوتًا احتجاجيًا وشهادة ثقافية نادرة تعبر عن حياة نساء مسلمات في جنوب الهند. ومع فوز "سراج القلب"، دخلت لغة الكانادا – للمرة الأولى في تاريخ الجائزة – إلى المحفل الأدبي العالمي، واضعة النساء والهامش واللغة في صلب النقاش. تنتمي بانو مشتاق إلى الجيل الذي انخرط في حركة "باندايا ساهيتيا" (الأدب الاحتجاجي) في السبعينيات والثمانينيات في جنوب غرب الهند. وهي واحدة من النساء القلائل اللواتي برزن في هذه الحركة التي انتقدت النظام الطبقي والاجتماعي الهندوسي، وأبرزت أصوات المنبوذين (الداليت) والمسلمين. إلى جانب عملها كمحامية وناشطة نسوية، ألفت ست مجموعات قصصية، ورواية واحدة، ومجموعة مقالات، وديوان شعر، جميعها بلغة الكانادا. كما حازت جوائز كبرى منها جائزة أكاديمية كارناتاكا ساهيتيا وجائزة دانا تشينتاماني أتيمابي. في تعبير مؤثر عن رؤيتها الأدبية، قالت بانو: "قصصي تدور حول النساء – كيف يطالب الدين والمجتمع والسياسة بالطاعة العمياء منهن، وبذلك، يلحقون بهن قسوة غير إنسانية، ويحولونهن إلى مجرد تابعات. لا أُجري أبحاثًا مستفيضة؛ قلبي هو مجال دراستي." جاء تتويج "سراج القلب" في وقت يشهد فيه الهند توترات متزايدة حول قضايا الحريات الفردية وحقوق الأقليات. ويُعدّ فوز هذا العمل المكتوب بلغة محلية ومن منظور امرأة مسلمة تحديًا صريحًا للهامشية الثقافية السائدة في البلاد، ورسالة دعم للغات الأصلية والمهمّشة. "ترجمة بالفطرة" وقامت بترجمة العمل إلى الإنجليزية ديبا بهاستي، الصحفية والكاتبة من جنوب الهند، والتي تقاسمت الجائزة مع بانو مشتاق. وقد وصفت لجنة التحكيم الترجمة بأنها "جذرية ومبتكرة تُحدث اضطرابًا في اللغة وتخلق نسيجًا جديدًا لتعددية الإنجليزية." وصفت المترجمة ديبا بهاستي تجربتها مع "سراج القلب" بأنها "عملية فطرية بالكامل"، تختلف عن أي مشروع أدبي سابق. وقالت في تصريحاتها عقب الفوز: "قرأت أولًا جميع الأعمال القصصية التي نشرتها بانو، قبل أن أختار القصص التي ستشكل هذه المجموعة. كنت محظوظة بحرية الانتقاء، ولم تتدخل بانو في العملية، رغم فوضويتها المنظمة." الترجمة، في هذا السياق، لم تكن مجرّد تحويل لغوي بل عملية إبداعية وموقف نقدي، أعادت من خلاله بهاستي تقديم صوت مشتاق إلى قراء الإنجليزية بصياغة تحافظ على نكهة اللغة الأم، وتحتفي بتعدد اللهجات والتجارب. تُمنح جائزة بوكر الدولية سنويًا منذ عام 2016 (بعد أن كانت تُمنح كل عامين سابقًا)، وتُخصص للأعمال الخيالية المترجمة إلى الإنجليزية. وقد أصبحت هذه الجائزة مرموقة على مستوى العالم، ونافذة للأصوات الأدبية من خارج المركز الثقافي الغربي. ويعكس اختيار "سراج القلب" توسعًا في ذائقة لجنة التحكيم وتقديرها لأدب المناطق المهمشة، وتمثيلًا نادرًا للمرأة المسلمة في المشهد الأدبي العالمي، بلغة غير مألوفة، لكنها مشبعة بالإبداع والمقاومة. توترات نفسية واجتماعية في بيانها الختامي، أكدت لجنة التحكيم أن "سراج القلب" ليست مجرد مجموعة أدبية بل وثيقة أخلاقية وسياسية. وقالت: "في اثنتي عشرة قصة قصيرة، كتبت خلال ثلاثة عقود، تجهر بانو مشتاق بالحقيقة في وجه السلطة. تروي حياة فتيات ونساء مسلمات على هامش المجتمع الهندي، وتشقّ طريقها عبر الطبقات الاجتماعية والدينية، كاشفة عن القمع والظلم والفساد." ورغم بساطة السرد الظاهرة، ترى اللجنة أن القصص تحمل توترات نفسية واجتماعية عميقة، وتحفز القارئ على إعادة النظر في الأعراف الاجتماعية والدينية واللغوية، التي تُستخدم غالبًا في تثبيت الهويات القمعية. أشارت كانيكا شارما، الناقدة في مجلة Vogue India، إلى أن الجائزة ليست أول اعتراف بأدب بانو مشتاق، بل امتداد لمسيرة طويلة من الاحتفاء المحلي. ولفتت إلى قصة "كاري ناغاراغالو"، التي تدور حول امرأة مسلمة هجَرها زوجها، والتي تحولت إلى فيلم عام 2003 فازت بطلته بجائزة الفيلم الوطني لأفضل ممثلة. "لكن هذا التكريم الدولي تأخر كثيرًا، فلطالما كان صوت بانو مشتاق مهمّشًا في ظل هيمنة لغات ونخب معينة في المشهد الأدبي الهندي." من اللافت في "سراج القلب" أن القصص لا تكتفي بتفكيك المجتمع الأبوي، بل تنبش في بنية اللغة ذاتها بوصفها جزءًا من أدوات القمع. ففي إحدى القصص، تتساءل الراوية: "هل أقول عن زوجي 'غاندا' (الزوج الذكر القوي)، أم 'ياجامانا' (المالك)، أم 'باتي ديفارو' (السيد الإله)؟ لا، لا أريد لغة تجعلني خادمةً في بيتي أو تمنح زوجي صفة الإله." في هذا المقطع السردي، تستخدم بانو مشتاق تناصًا لغويًا مشحونًا بالمفارقة والتمرّد، لتطرح أسئلة وجودية على القارئ: هل يمكن للمرأة أن تتحدث بحرية بينما تقف اللغة ضدها؟ السلطة ومقاومتها قصص المجموعة تحتفي بالمقاومة، لا عبر الشعارات، بل من خلال القصّ الصادق والساخر والنافذ. شخصياتها نساء متعلمات قليلات الحيلة، وأمهات محبطات، وفتيات يواجهن المجهول، في ظل نظام يحوّل الدين والسياسة والعائلة إلى أدوات للضبط والسيطرة، كما يقول نقاد. والمفاجأة التي تقدمها القصص لا تكمن فقط في حبكتها، بل في طريقة التعبير، وفي اللغة التي تدمج العامية بالرمزية، والمشهدية بالحوار الداخلي، لتخلق نصًا هجينًا يحتفي بالهامش بصفته مركزًا جديدًا للكتابة. ويقول نقاد أن القصص الفائزة تمثل انتصارًا ليس فقط للأدب المكتوب بالكانادا، بل أيضًا لـ الترجمة بوصفها مقاومة ثقافية. فمن خلال شراكتها مع ديبا بهاستي، فتحت بانو مشتاق نافذة جديدة لحكايات النساء المسلمات في جنوب الهند، وجعلت منها أدبًا عالميًا ذا صوت واضح وقوي.


الجزيرة
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
فيلم '2073'.. رحلة إلى عالم المستقبل الغارق في أزماته
لكن العالم ما يزال حيا ومستمرا والذين سينتهون هم نحنُ! عالم وكوكب واحد يغرق في أزماته، التي لم يصنعها ويتكبّد معاناتها إلا سكان هذا الكوكب أنفسهم، فهم يعيشون كل يوم أزمات تتعلّق بأنماط العيش، وتحديات جودة الحياة، والمتطلبات الأساسية، وهذه كلّها تجسّدت في شكل نداءات وصرخات وتحذيرات وبيانات، ما فتئنا نسمعها في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي. على وقع اختناق العالم بأزماته ومعاناته منها، يقدّم لنا هذا الفيلم الوثائقي -الذي أخرجه الهندي البريطاني 'آصف كاباديا'- ملامسة حية وإنسانية، في نطاق واسع لبؤر محددة، هي التي تشكل مصدرا رئيسيا للمشكلات والتحديات التي تواجه البشرية في عصرنا الراهن. ولعل تلك الملامسة الواعية تحيلنا إلى أصل المشكلات وجذورها، وهو ما يغوص فيه هذا الوثائقي، محملا مشاهده غزارة معلوماتية، وصورا إنسانية مؤثرة، ووقائع وأحداثا كان فعلها مباشرا على حياة البشر. هذا ما يعمد إليه المخرج 'كاباديا' في تصديه لهموم الإنسان، وطالما تحدث عنها في المقابلات الصحافية والندوات، لينتج ذلك النوع الفريد من خطابات السينما الكونية، المتماهية مع أزمات العالم الكبرى، وهو بذلك لا يقدم خطابا مباشرا لجمهوره، بقدر ما يبقي جذوة الفكرة الوثائقية المصوغة في قالب فني وجمالي، يتناسب مع ما نعيشه من تحولات رقمية وعلى مستوى الذكاء الاصطناعي. من هنا يمكننا تحليل المشاهد الفيلمية على وفق تتابع زمني، حرص فيه المخرج على التنقل بين محطات بارزة ذات أهمية، طارحا سؤالا مثيرا للاهتمام، ها نحن افتراضيا، نعيش في العام 2073، لكن كثيرا من البشر يعيشون في وضع بائس. ولكي لا يكتفي المخرج بما هو شائع ومتاح من صور وتفاصيل، فإنه يلجأ الى عنصرين أساسيين؛ هما استخدام شخصيات حقيقية في شكل ممثلين معزولين بعوالم 'دستوبية' (مدن فاسدة) قاتمة، والعنصر الثاني هو التعليق من وجهة نظر الشاهد / الشخص الثالث، وفي بعض الأحيان من وجهة نظر الممثل نفسه. هذا النوع من الوثائقي -الذي يسمى دوكودراما- هو الذي أراد به المخرج 'كاباديا' أن يتفرّد في تقديم وثائقي من نوع الخيال العلمي الممتزج بالدوكودراما، من منطلق وجود نسيج وثائقي كثيف، يمنح الفيلم هويته الوثائقية من جهة، ومساحة للشخصية الرئيسية، لكي تستكشف العالم من حولها في العام 2073، وحيث يصبح المكان عنصرا مكملا وأساسيا في كشف مزيد من ذلك العالم الدستوبي. تأمل في ما بقي من خراب البشرية لتعزيز الجغرافيا في الوثائقي، ومنحه جذرا واقعيا، نجد أن الحل هو التأمّل فيما بقي من خراب البشرية، الذي لا بد أن يؤخذ عينةً مكانية، ولهذا كانت تلك البؤرة هي التي تخندقت فيها الشخصية وسط انعدام مصادر الطاقة والمياه، لا ما بقي من ذكريات تسترجع بها ذاتها، وأنها ما تزال حية. ثم لننتقل إلى الحوار الذي يجري مع امرأة أخرى، في إطار الدائرة العدمية المكانية نفسها، وحيث الشاهدان عليهما أثواب بالية، ما تزال معلّقة ومعروضة في صالات وغرف محلات تجارية مهجورة، وهما مهددتان بالعقاب بسبب فرض حظر التجول. لعل هذه المعطيات تعيدنا إلى أسلوب المخرج 'كاباديا' نفسه ومنهجه الدرامي، فقد لفت الأنظار منذ منتصف التسعينيات في اندفاعه نحو التجريب، ولكن تجربته التي أكدت نجوميته وانتشاره كانت عندما حقق الوثائقي 'آمي' (Amy) نجاحا كبيرا، وتوّج بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم وثائقي، وذلك عام 2015، بعد أن عُرض في مهرجان 'كان' ذلك العام، كما حصد أكثر من 20 جائزة أخرى من عدة مهرجانات حول العالم. مدرسة متفردة في السينما الوثائقية يدور فيلم 'آمي' حول المغنية والمؤلفة الموسيقية البريطانية ذائعة الصيت 'آمي وينهاوس' (1983-2011)، ذات الموهبة الاستثنائية التي توفيت في عامها الـ27، وقد قدمت ألوانا من الغناء تفرّدت بها برغم قصر رحلتها، إذ مزجت ما بين الغناء الروحي والوجداني، وبين أغاني الجاز والبلوز والريغا. وقد كان 'كاباديا' عبر مرارا عن تأثره بوفاتها، ولهذا قدم فيلما متميزا خلّدها، مستخدما أسلوب 'الخيال الحقيقي' (True Fiction)، فوظّف تقنيات الوثائقي لمزج الخيال بالتجربة الوثائقية، في إطار ملامسة آسرة ومؤثرة عاطفيا. انعكس ذلك لاحقا في أفلامه الوثائقية الأخرى، مثل 'سينا' (Senna) عام 2010، و'دييغو مارادونا' (Diego Maradona) عام 2019، و'فيدرير: الاثنا عشر يوما الأخيرة' (Federer: Twelve Final Days) عام 2024. بالإضافة إلى 6 أفلام روائية، عمّقت مساره ورؤيته المتوازنة ما بين الوثائقي والروائي الطويل. وعلى وفق هذه الخلفية، يمكننا المضي في القراءة الفكرية والجمالية لفيلم '2073'، حيث تتجه تلك القراءة إلى زوايا متعددة، عالج فيها الوثائقي السمات الفرعية التي كونت المعمار الوثائقي الكلي، وهي وحدها إشكالية، لأن إنجاز معالجة رصينة لوثائقي متعدد السمات الفرعية قد يقود إلى نوع من الترهل في معالجة القصة الأساسية المطروحة، وما ينبغي أن يروى للمشاهد. الأسئلة الكبرى: لماذا وصلنا إلى هذا المصير؟ نجد أن المخرج 'آصف كاباديا' في هذا الفيلم قد أدرك تلك الحدود الإشكالية، ولهذا فقد كانت كل التفرعات التي بني عليها الوثائقي ترتكز على سؤال مركّز، خلاصته: لماذا وصلنا إلى هذه النقطة؟ ولماذا دخلنا هذا المأزق؟ ولماذا دخلنا نفق العالم الدستوبي؟ إن هذه الأسئلة تختصر المهمة الأساسية في هذا الفيلم. واقعيا وجدنا إجابات مشهدية متلاحقة، قدمت لنا عالما مثخنا بأزماته فيه 10 ملايين إنسان يموتون سنويا بسبب التلوث، وأكثر من 100 ألف شخص يموتون سنويا بسبب الصراعات والحروب، وأكثر من 700 مليون إنسان من حول العالم يعيشون في فقر مدقع. هذا على صعيد الإنسان، أما على صعيد البيئة والمكان، فالإنسان يمعن في إيذاء بيئته، مع أنه لا يستطيع العيش دونها ودون كونها بيئة صالحة للعيش، ومع ذلك فهو يقطع أكثر من 15 مليار شجرة سنويا، ولم يبق إلا 36% من الغطاء النباتي على مستوى العالم. ومع الأسف، فإن العالم في ذات الوقت ينتج 10 أطنان من البلاستيك في الثانية الواحدة، ونجد أن ما يرمى في البيئة المحيطة من نفايات بلغت نسبته 79%، وهو ما يعرف بالتلوث البلاستيكي، هذا عدا عن مشكلات التصحر، وذوبان ملايين الأطنان من الجليد في القطب، والانبعاثات الغازية. بعد هذه الخلفية، ينقلنا الوثائقي إلى محو المكان، عن طريق الحرائق التي صارت لازمة متكرّرة في كثير من البلدان والقارات، وهناك حيث البيئة المحترقة يكمن العالم الدستوبي، متكاملا مع ما ذكرناه من توصيف لصور التدمير. وعلى وقع مشاهد الخراب، ومنه لقطات من خراب المدن السورية بسبب الحرب، ثم الفيضانات، ثم بيت واحد معزول وسط الطوفان، يُطرح السؤال: أين الإنسان؟ 'إن الماضي والتاريخ سوف يتلاشيان قريبا' تقول شخصية الوثائقي الرئيسية فيما يشبه الرثاء للتاريخ والمكان: ذات يوم، قالت جدتي إن ذكرياتها كانت تتلاشى من بين أصابعها كالرمل، وإننا لم نكن نعلم، لكن ذلك ما حدث، وقالت إن الماضي والتاريخ سوف يتلاشيان قريبا. وها نحن أولاء مع الإنسان وهو في تيه في مدينة نيو سان فرانسيسكو، وهي عاصمة الأمريكتين في ذلك العالم المستقبلي الدستوبي المأزوم، حيث يتفشى العنف المفرط، ويفرض حظر التجوال، فلا ترى عينك إلا الكلاب الضالة ومسلحي الشوارع. يتردد صوت وسط الصراعات والدماء، تطلقه الممثلة الرئيسية: ليست في نفسي رحمة ولا شفقة تجاه مجتمع يسحق الناس، ثم يعاقبهم على عجزهم عن تحمل الأذى. 'ملوك هذا الزمان'.. سادة البيانات والرقابة الرقمية هنا سوف نكون أمام محور مفصلي، وما نزال بصدد السمات الفرعية في الوثائقي، والتدرج في الصعود بعالم الأزمات التي أوصلتنا إلى عالم خرب في العام 2073، ويختصر الوثائقي إحدى العوارض الجانبية للثورة للرقمية وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي تتمثل في نشر الخوف والكراهية عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم. ثم يتزامن ذلك مع استفحال ظاهرة جماعات الضغط، ورصد دور وسائل التواصل الاجتماعي، ومساعدتها في صعود القادة الشعبويين ذوي الطابع الاستبدادي، فضلا عن ضرب الصحافة الحرة من الهند إلى الفلبين إلى بريطانيا إلى الولايات المتحدة، والسكوت على مآسي الإنسان في كثير من الساحات. فمن ذلك سحق الفلسطينيين في ديارهم، وملاحقة الإيغور في الصين، بغسل الدماغ، وتقنيات التعرف على الوجوه والأصوات، لتسهيل القمع والإذلال، في حين أن ملايين البشر من حول العالم تعيش على المزابل. في وسط هذا الزخم التعبيري من المشاهد التي اشتغل عليها المونتاج بحرفية عالية، يكون قد وُلد 'ملوك هذا الزمان'، ويصفهم الوثائقي بأنهم ملوك العصر، الذين لم يصوّت لهم أحد ليصعدوا ويتسيّدوا، لكنهم مع ذلك يملكون المال والتأثير، وبأيديهم قوة المعلومات التي يمتلكونها عن البشر، إنهم سادة التقنية الرقمية وزمن الذكاء الاصطناعي، التي حولتنا إلى نوع جديد من البشر. ملوك هذا الزمن هم حشد من الشخصيات، نتابع أخبارهم يوميا، وهم مالكو منصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها مليارات البشر، ومالكو أبحاث الذكاء الاصطناعي، والمتنبئون بمستقبل البشرية، وكل هؤلاء يجندون خوارزمياتهم لملاحقة الإنسان، بلونه وعرقه وموطنه وخصوصياته واهتماماته وأفكاره، وما إلى ذلك. ومع كل ذلك، يبرر الوثائقي تلك المأساة المتفاقمة بأن جذورها لم تبدأ في زمننا الحاضر، بل منذ بدء العصر الصناعي، ووقوع التحول في الاستعباد الجسدي، وفقدان الإنسان ذاته، ابتداء من عمالة الأطفال، إلى استغلال اليد العاملة وطول ساعات العمل، وهو ما يسميه 'تسليع الجسد'. الحاصل أننا صرنا نعيش استعدادا لما هو آت في عالم يشبه الخيال العلمي، اختفت فيه الإرادة الفردية، ويخضع 72% من سكانه لحكم استبدادي بشكل أو آخر، أما الأثرياء فيستعدون لكارثة كبرى، وهي القنبلة النووية الحرارية، فضلا عن الكارثة المناخية والأوبئة، مما يجعل الأرض غير صالحة للعيش. 'يكذبون على الشاشات ويفلتون من العقاب' بدأ 'كاباديا' العمل على فيلم '2073' خلال إغلاق كوفيد-19، وفي أعقاب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهنا يتذكر أجواء الإعداد والعمل على الفيلم، التي استغرقت أربع سنوات، قائلا: كانت قد تكوّنت عندي فكرة، خلاصتها أن كثيرا من الناس يكذبون على شاشات التلفزيون ويفلتون من العقاب. لم يكن كل ذلك منطقيا، وقد رأيت العبارات التي استُخدمت عذرا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يُعاد استخدامها، ثم خلال انتخابات 'ترامب'، حرفيا كلمة بكلمة. لذا فإن هذا الفيلم هو محاولتي لفهم ما يحدث في العالم. ثم يقول: نحن سائرون عبر المشهد المظلم للمجتمع الحديث، الذي يشهد أكبر عدد من الانتخابات من حول العالم، ونقطة التحول الوحيدة المثالية أمامنا هي التحول نحو الحكم الاستبدادي. فلا يسار في أي مكان، ليس لدينا إلا الوسط، واليمين الوسط، واليمين المتطرف، واليمين الفاشي، والمستبدون. ويبدو أن كل شيء قد تغير في هذا العالم، ويبدو أن ليس لدينا إلا منهج واحد، يُنسخ ويلصق من قبل الجميع وعلى الجميع. وبعد هذه الرحلة في عوالم 'كاباديا'، لا بد من الإشارة إلى أنه بقي عقدا من الزمن على قائمة المراقبة الأمريكية، بعد أن أبلغ عنه سائق أجرة، لأنه كان يصورّ الغروب في مانهاتن وهو في طريقه إلى المطار، فلما شك به السائق أبلغ السلطات عنه. ولما أبدى حزنه على ما يجرى في فلسطين ولبنان من مآس في تغريدة من بضعة أسطر، اتُهم بمعاداة السامية، ثم حُذف اسمه من مؤسسة 'غريرسون' البريطانية الشهيرة، التي تعنى بدعم السينما الوثائقية، ولم تشفع له توضيحاته وحُسن نياته.


الجزيرة
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
"السندور" رمز هندوسي أطلقت الهند اسمه على عمليتها العسكرية ضد باكستان
السِّندُور، مسحوق تجميلي تقليدي أحمر اللون، تضعه النساء المتزوجات في الهند وبعض مناطق جنوب آسيا في مفرق شعر الرأس رمزا للتفاني في خدمة الزوج والإخلاص له، وهو ذو أهمية دينية وثقافية، خاصة في المناسبات الهندوسية. وقد أطلقت الهند، في 6 مايو/أيار 2025 اسم "سندور" على عملية عسكرية استهدفت بها ما سمتها "البنية التحتية الإرهابية" في باكستان وإقليم جامو و كشمير ، في حين أكدت أن نيودلهي انتهكت سيادتها باستخدام أسلحة بعيدة المدى، وأن ردها سيكون "شاملا وحازما". ما السندور؟ السيندور نوع من مستحضرات التجميل، يتكون من مسحوق أحمر تضعه النساء المتزوجات في الهند وبعض الثقافات الآسيوية المجاورة في مفرق شعر رؤوسهن، ويحمل طابعا دينيا وثقافيا مهما. تضع النساء السندور في شعرهن بشكل يومي، ويعتبرنه رمزا للتفاني والاحترام تجاه أزواجهن، كما يُستخدم بشكل خاص في المناسبات والأعياد الهندوسية. ويتميز السندور الشعبي بلونه الذي يميل إلى البُني، بينما يكون السيندور المصنوع من بعض المعادن ذا لون أحمر داكن. الجذور التاريخية يعود أصل كلمة "سندور" إلى الكلمة السنسكريتية "سندورا"، وذكرت في النصوص القديمة، وبقي ذكرها في الطقوس الدينية على مر العصور، وتحوّر نطقها مع مرور الزمان. وكان السندور على مر الزمن رمزا مهما في طقوس الزواج الهندوسية، إذ يضعه الزوج على مفرق شعر رأس زوجته لإتمام مراسم الزواج التي تسمى "سندوردان"، تأكيدا على أنها صارت امرأة متزوجة. يصعب تحديد متى بدأت ممارسة هذه التقاليد، لكن يتوقع أنها تعود إلى أكثر من 5 آلاف عام، وهو عمر تماثيل نسائية أثرية وجدت شمال الهند وعلى رؤوسها خطوط حمراء. وتذكر بعض المصادر الهندية أن السندور يرتبط تاريخيا بحضارة وادي السند، إذ استخدم في فترة ما قبل حضارة هارابا (بين عامي 3300 و2500 ) قبل الميلاد، ووجدت له آثار في التماثيل المستخرجة، مما يرجح أن عمر استخدامه يعود إلى أكثر من 8 آلاف عام. وذُكر السندور في النصوص الهندوسية المقدسة، ومنها ملحمة "رامايانا"، إذ ورد فيها أن سيتا -الزوجة المحبوبة للأمير راما- كانت تضعه على جبهتها من أجل إرضاء زوجها وتعزيز العلاقة بينهما. وفي الفلكلور الهندي، يقال إنه كان هناك رجل يُدعى فيرا وامرأة تُدعى ديرا، أحبا بعضهما رغم أنهما لم يلتقيا من قبل، وعندما التقيا عارض هذا الارتباط شرير يُدعى كاليا وقرر مهاجمة فيرا. وفي أثناء المعركة أصيب فيرا بجروح خطيرة، وعندما كانت ديرا على وشك الوصول إليه، مسحت دماءه على جبينها وقالت "أنا فقط لفيرا، كنت معه، وسأظل معه إلى الأبد"، مما دفع كاليا إلى الانسحاب. ومع مرور الزمن حمل السندور معاني كثيرة، أهمها أنه أصبح يُعد رمزا للزواج والحب والقوة، وتتزين به المرأة دليلا على وفائها لزوجها وأملا بطول عمره، وهي معان انتقدتها الحركات النسوية واعتبرتها "رمزا للسيطرة والسلطة الذكورية"، حتى صارت الكثير من الهندوسيات يتجنبن وضعه. أنواع السندور ومكوناته يُصنع السندور الطبيعي من ثمرة وبذور شجرة خاصة تُعرف شعبيا باسم "شجرة السندور" أو "كاميلا"، وتنتشر بشكل رئيسي في الهند ونيبال وأجزاء أخرى من جنوب آسيا. كما كان يُحضر قديما من مكونات طبيعية مثل الكركم وعصير الليمون والشبة (معدن طبيعي ذو لون أبيض يُستخرج من المناجم أو الصخور) وتُخلط هذه المكونات للحصول على اللون الأحمر، وفي بعض المناطق، يُضاف إليه الزعفران ومسحوق خشب الصندل. ومع مرور الوقت، بدأ تصنيع السندور التجاري باستخدام مواد كيميائية، قد تحتوي أحيانا على عناصر سامة مثل الزئبق والرصاص، مما قد يسبب ضررا للبشرة. ويُعتقد أن استخدامه يساعد في تنظيم ضغط الدم والغدة النخامية ومنع التجاعيد على الوجه، إضافة إلى علاج مشاكل صحية مثل الأرق والصداع وضعف الذاكرة والتوتر الذهني. السندور في الكتب والمناسبات الدينية تتناول الكتب الدينية الهندوسية وكتب علم الفلك الهندي (الجيوتيش) مسألة وضع السندور بشكل مفصل، وتذكر هذه الكتب أن الزوجات يضعنه أملا في إطالة أعمار أزواجهن، وتقول بعض الروايات والمعتقدات إن وضع السندور يقي من الموت المفاجئ للزوج. وبعد الزواج تستمر الهندوسيات في وضع السندور يوميا تعبيرا عن إخلاصهن واحترامهن لأزواجهن، كما يستخدم في المناسبات الدينية الهندوسية والمهرجانات مثل مهرجان "كروا تشوت"، الذي تصوم فيه النساء لأجل أزواجهن، ومهرجان "سندور كاميلا" الذي تضع فيه النساء المساحيق لبعضهن. ويستخدم السندور عند زيارة المعابد، وفي الطقوس الدينية، إلى جانب المناسبات العائلية والأعراس. وقد اعتبرت الحكومة الهندية السندور مفيدا لصحة المرأة فمنحت عام 2017 إعفاءات ضريبية لتجاره. عملية السندور العسكرية أطلقت الهند عملية عسكرية يوم 6 مايو/أيار 2025 وقصفت 9 مواقع داخل باكستان قالت إنها "بنية تحتية تابعة لإرهابيين" مسؤولين عن هجوم مسلح في الشطر الهندي من كشمير في 22 أبريل/نيسان الماضي. وأطلق الجيش الهندي اسم "السندور" على عمليته العسكرية تلك، وقال في بيان على منصة إكس إن "باكستان انتهكت من جديد اتفاق وقف إطلاق النار بقصفها المدفعي لقطاعي بيمبر غالي وبونش راجوري" في الشطر الهندي من كشمير، مضيفا أنه "رد بشكل مناسب ومدروس". من جهته، قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني إن "رده سيكون حازما وشاملا" على الهجوم الصاروخي الهندي، وأضاف أن مسجدين على الأقل استُهدفا في الهجوم الهندي، في حين نقلت رويترز عن مسؤول إقليمي باكستاني إعلان حالة الطوارئ في إقليم البنجاب. ونقل التلفزيون الباكستاني عن مصدر عسكري قوله إنه تم تدمير كتيبة مشاة تابعة للجيش الهندي، وإن الرد الباكستاني على الاعتداءات الهندية -التي وقعت على مرحلتين- مستمر. وقالت وسائل إعلام هندية إن اسم "السندور" تحول -بعد هجوم 22 أبريل/نيسان الذي نسبته الهند إلى مسلحين في باكستان- من رمز لتقديس الحياة الزوجية إلى علامة على الحزن والفقدان، خاصة بعد مقتل العديد من الرجال المدنيين أمام زوجاتهم، ما جعله يرتبط بفقدان الأزواج. وقد أكدت الحكومة الهندية حسب مصادر أن الرد على الهجوم لا يقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل يتجاوزه ليشمل "أبعادا اجتماعية وإنسانية".