
اتفاق أمريكي مع الحوثيين لوقف هجمات البحر الأحمر.. خطوة نحو السلام أم تمهيد لتصعيد بري؟
في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات واسعة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 مايو 2025 عن توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع جماعة الحوثيين في اليمن لوقف هجماتها على الملاحة في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للأمن البحري العالمي. جاء الإعلان عبر وساطة عُمانية، حيث اتفق الطرفان على عدم استهداف بعضهما، بما يشمل السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ورغم أن الاتفاق يُعد خطوة لتهدئة التوترات في هذا الممر الاستراتيجي، فإن غموض تفاصيله، وتناقض التصريحات، وتزامنه مع تحركات عسكرية إقليمية، أثار مخاوف من أن يكون مجرد مناورة تكتيكية تمهد لتصعيد بري في اليمن.
سياق الاتفاق: تصعيد عسكري وتداعيات إنسانية
بدأت الأزمة في البحر الأحمر في أكتوبر 2023، عندما أطلقت جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل واستهدفت سفناً تجارية في البحر الأحمر، رابطةً ذلك بدعمها للفلسطينيين في حرب غزة. هذه الهجمات، التي تجاوزت 100 هجوم منذ نوفمبر 2023، أدت إلى غرق سفينتين، واستيلاء على أخرى، وقتل أربعة بحارة، وتسببت في تعطيل 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس.
ردت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعملية "حارس الازدهار" بقيادة أمريكية، إلى جانب ضربات جوية مكثفة بدأت في يناير 2024، تصاعدت في مارس 2025 ضمن عملية "الراكب الخشن". هذه الضربات، التي استهدفت مواقع عسكرية حوثية، أودت بحياة مئات المقاتلين وقادة الجماعة، لكنها تسببت أيضاً في خسائر مدنية جسيمة. فقد أكدت تقارير مستقلة مقتل 158 مدنياً وإصابة 342 آخرين، إضافة إلى مقتل 68 مهاجراً أفريقياً في غارة على مركز احتجاز في صنعاء في 28 أبريل 2025.
على الرغم من هذا القصف المكثف، لم تتراجع قدرات الحوثيين بشكل ملحوظ، حيث أثبتوا مرونة عسكرية واستمرارية في استهداف القطع البحرية الأمريكية. ومن أبرز الحوادث، اقتراب هجوم حوثي من إصابة حاملة الطائرات "هاري إس ترومان" في 28 أبريل 2025، وسقوط طائرة "إف-18" في البحر، إلى جانب فقدان طائرة أخرى في ظروف غامضة. هذه التطورات زادت من قلق القيادة الأمريكية من الانزلاق إلى مواجهة أوسع.
الاتفاق البحري: خطوة نحو التهدئة أم مناورة تكتيكية؟
أعلن ترامب الاتفاق خلال لقاء مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، مشيراً إلى أن الحوثيين "طلبوا التوقف عن القصف مقابل وقف هجماتهم على السفن". ورحبت دول مثل قطر والكويت بالخطوة، معتبرةً إياها دعماً لحرية الملاحة. لكن تصريحات مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، أثارت التباساً، حيث أكد استمرار الهجمات على إسرائيل دعماً لغزة، دون توضيح موقف الاتفاق من هذا الجانب.
يرى بعض المراقبين أن الاتفاق يعكس رغبة أمريكية في تقليص الخسائر المادية والبشرية بعد حملة جوية مكلفة تجاوزت تكلفتها مليار دولار. لكن آخرين، مثل الباحث أكسندر لانجلويس في مجلة "ناشونال إنترست"، يحذرون من أن الاتفاق قد يكون "وقفاً مؤقتاً" لإعادة تنظيم القوات تمهيداً لعملية برية في مناطق سيطرة الحوثيين، مستفيدة من الغطاء الجوي الأمريكي.
تتزامن هذه التطورات مع انقسام داخل إدارة ترامب. فبينما يدعو فريق إلى ضبط النفس والتفاهمات المرحلية، يرى آخرون ضرورة الحسم العسكري. هذا التخبط يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة، خاصة مع تحذيرات البنتاغون من تكرار سيناريوهات التورط في العراق وأفغانستان.
احتمالات التصعيد البري: تحديات ومخاطر
تشير تقارير إلى تزايد المؤشرات على تحضيرات لعملية برية في مناطق الحوثيين، بدعم أمريكي وإقليمي. لكن هذا السيناريو يواجه عقبات كبيرة:
القدرات الحوثية: بعد عقد من الحرب، طورت الجماعة خبرة قتالية كبيرة وقدرات عسكرية منظمة، مدعومة بتكنولوجيا إيرانية تشمل صواريخ باليستية وطائرات مسيرة بعيدة المدى. طبيعة الجغرافيا الجبلية في شمال اليمن تمنحهم أفضلية دفاعية، كما أثبتوا قدرتهم على امتصاص الضربات وإعادة التموضع.
انقسامات القوى المحلية: القوات الحكومية اليمنية، رغم الاعتراف الدولي بها، تعاني من ضعف التنسيق مع القوى المحلية الأخرى، وتراجع الدعم الشعبي بسبب فشلها في تقديم نموذج حكم مستقر. هذا يجعل الاعتماد عليها في عملية برية محفوفاً بالمخاطر.
التداعيات الإقليمية: أي تصعيد بري قد يُفسر كجزء من استراتيجية أمريكية للضغط على إيران، خاصة في ظل التوترات مع إسرائيل وحزب الله. هذا قد يدفع طهران لتوسيع تدخلها، مما يزيد من مخاطر انفجار إقليمي شامل.
التداعيات الإنسانية: شبح المجاعة يلوح مجدداً
أي تصعيد بري سيفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يعاني الملايين من انعدام الأمن الغذائي. هشاشة سلاسل الإمداد، إلى جانب قرار ترامب خفض المساعدات الخارجية وإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، قد يعطل قنوات الإغاثة الحيوية. هذا يعيد شبح المجاعة إلى الواجهة، خاصة بعد تقارير الأمم المتحدة التي وثقت مقتل أكثر من 377 ألف شخص، معظمهم بسبب الجوع والأمراض الناتجة عن الحرب.
فرصة للسلام أم جولة جديدة من العنف؟
يربط الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر بوقف الحرب في غزة، وقد أوقفوا هجماتهم فعلياً خلال هدنة يناير 2025 في غزة، مما يشير إلى إمكانية ربط التهدئة في اليمن بالتطورات الفلسطينية. لكن غياب رؤية سياسية شاملة يجعل الاتفاق البحري هشاً. فبدلاً من استثماره لبناء عملية سلام تشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية للنزاع اليمني، قد يُستخدم كغطاء لتصعيد عسكري جديد.
في هذا السياق، تواجه إدارة ترامب سؤالاً حاسماً: هل يمكن لهذا الاتفاق أن يكون أساساً لسلام دائم، أم أنه مجرد استراحة محارب تمهد لمواجهة أكثر دموية؟ التجارب السابقة في العراق وسوريا وأفغانستان تحذر من أن الرهان على الحلول العسكرية دون أفق سياسي واضح غالباً ما ينتهي بكوارث إنسانية وسياسية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدى
منذ 2 ساعات
- المدى
بريطانيا تتعهد بتقديم مساعدات جديدة لغزة بأكثر من 5 ملايين دولار
أعلنت الحكومة البريطانية، اليوم الأربعاء، أنها تعهدت بتقديم أربعة ملايين جنيه إسترليني (5.37 ملايين دولار) مساعدات إنسانية لغزة، بالتزامن مع زيارة وزيرة التنمية جيني تشابمان لـ 'إسرائيل' والأراضي الفلسطينية المحتلة، على ما أوردت وكالات أنباء عالمية.


الرأي
منذ 4 ساعات
- الرأي
ترامب يحمي الولايات المتحدة بـ «القبة الذهبية»... و175 مليار دولار
كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن خطط بناء درع صاروخية تحت مسمى «القبة الذهبية» بهدف حماية الولايات المتحدة من هجمات خارجية، مؤكداً أنها ستصبح قيد الخدمة خلال ثلاث سنوات. وأعلن ترامب، ليل الثلاثاء، تخصيص 25 مليار دولار كتمويل أولي للمشروع، مضيفاً أن كلفته الإجمالية قد تصل إلى نحو 175 ملياراً. وردت بكين، أمس، محذرة من أن المشروع «يقوض الاستقرار العالمي»، متهمة الولايات المتحدة بإشعال سباق تسلح. من جهته، قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لصحافيين «هذا شأن يتعلق بالسيادة الأميركية»، مضيفاً أنه «في المستقبل القريب، سيتطلب مسار الأحداث استئناف الاتصالات بهدف استعادة الاستقرار الاستراتيجي» بين واشنطن وموسكو. وقال ترامب في البيت الأبيض «خلال الحملة الانتخابية وعدت الشعب الأميركي بأني سأبني درعاً صاروخية متطورة جداً». وأضاف «يسرني اليوم أن أعلن أننا اخترنا رسميا هيكلية هذه المنظومة المتطورة». وأوضح «ستكون القبة الذهبية قادرة على اعتراض الصواريخ حتى لو أُطلقت من جوانب أخرى من العالم، وحتى لو أُطلقت من الفضاء. إنها مهمة جدا لنجاح بلدنا ولبقائه أيضاً». وأشار الرئيس الأميركي إلى أن الجنرال مايكل غيتلاين من قوة الفضاء الأميركية سيترأس المشروع، مضيفاً أن كندا أعربت عن اهتمامها بالمشاركة فيه لأنها «تريد الحصول على الحماية أيضاً». وفيما قال ترامب إن الكلفة الإجمالية للمشروع هي 175 مليار دولار، قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس كلفة الصواريخ الاعتراضية للتصدي لعدد محدود من الصواريخ البالستية العابرة للقارات، بين 161 مليار دولار و542 ملياراً على مدى 20 عاماً. ولـ «القبة الذهبية» أهداف أوسع، إذ قال ترامب إنها «ستنشر تقنيات الجيل المقبل براً وبحراً وعبر الفضاء، بما في ذلك أجهزة الاستشعار الفضائية والصواريخ الاعتراضية». بدوره، أوضح وزير الدفاع بيت هيغسيث، متحدثاً إلى جانب ترامب، أن هذه المنظومة تهدف إلى حماية «البلاد من صواريخ كروز والصواريخ البالستية والصواريخ الفرط صوتية، سواء كانت تقليدية أو نووية». «حرب النجوم» في نهاية يناير الماضي، وقّع ترامب مرسوماً لبناء «قبة حديدية»، تكون وفق البيت الأبيض درعاً دفاعية متكاملة مضادة للصواريخ لحماية أراضي الولايات المتحدة. وكانت روسيا والصين وجّهتا انتقادات إلى ذاك الإعلان الذي رأت فيه موسكو مشروعاً «أشبه بحرب النجوم»، في إشارة إلى المصطلح الذي استُخدم للدلالة على مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان إبان الحرب الباردة. وفي وقت سابق من الشهر الجاري انتقدت موسكو وبكين مفهوم «القبة الذهبية»، واعتبرتا أنه «مزعزع للاستقرار»، ويُهدد بتحويل الفضاء إلى «ساحة حرب». وجاء في بيان نشره الكرملين بعد محادثات بين الجانبين أن المشروع «ينص بشكل واضح على تعزيز كبير للترسانة اللازمة لمعارك في الفضاء». وتسمية «القبة الحديدية» تم إطلاقها على واحدة من المنظومات الدفاعية الإسرائيلية التي تحمي الدولة العبرية من هجمات صاروخية أو بمسيّرات. وهذه المنظومة اعترضت آلاف الصواريخ منذ دخولها الخدمة في العام 2011. ويبلغ معدّل اعتراضها لأهدافها نحو 90 في المئة، وفق شركة «رافائيل» الإسرائيلية للصناعات العسكرية التي شاركت في تصميمها. وتواجه الولايات المتحدة تهديدات صاروخية من دول عدة، خصوصاً من روسيا والصين، وفق ما أفادت وثيقة «ميسيل ديفنس ريفيو» لعام 2022 الصادرة عن البنتاغون. وذكرت أن بكين تعمل على تقليص الهوة مع واشنطن في ما يتعلق بتكنولوجيا الصواريخ البالستية والصواريخ الفرط صوتية، بينما تعمل موسكو على تحديث منظوماتها للصواريخ العابرة للقارات وتطوير صواريخ دقيقة متقدمة. كذلك، أشارت إلى أن التهديد الذي تمثّله المسيّرات التي تؤدي دوراً رئيسياً في حرب أوكرانيا، من المرجح أن يزداد، محذّرة من خطر إطلاق صواريخ بالستية من كوريا الشمالية وإيران، فضلاً عن التهديدات الصاروخية من جهات أخرى. واكتسبت الولايات المتحدة خبرة قيّمة في الدفاع ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة في السنوات الأخيرة. في أوكرانيا، استُخدمت منظومات أميركية لمواجهة الصواريخ الروسية المتقدمة، فيما ساهمت طائرات وسفن حربية أميركية في الدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية العام الماضي، وأسقطت صواريخ ومسيّرات أطلقها الحوثيون المدعومون من طهران في اليمن على سفن.


المدى
منذ 4 ساعات
- المدى
نيويورك تايمز: أميركا تقبل رسميا طائرة أهدتها قطر للرئيس ترامب
أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، نقلاً عن متحدث وزارة الدفاع أن الولايات المتحدة قبلت طائرة 'بوينغ 747-8' التي أهدتها قطر إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما طلب البنتاغون من القوات الجوية إيجاد طريقة لتطويرها سريعاً من أجل استخدامها طائرة رئاسية جديدة. وتقول وكالة الأنباء الفرنسية، إن قيمة الطائرة الجديدة تبلغ نحو 400 مليون دولار، ما 'يجعلها إحدى أغلى الهدايا الحكومية'، فيما اعتبر رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن تقديم الدوحة طائرة 'بوينغ 747-8' هدية للرئيس الأميركي دونالد ترامب 'أمر طبيعي يحدث بين الحلفاء'. فيما أضاف في منتدى اقتصادي عقد في الدوحة، الثلاثاء: 'عندما يتعلق الأمر باتهامات سابقة بالرشوة فإنه لا يوجد دليل على ارتكاب قطر أي خطأ'. في وقت سابق أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستحصل على طائرة من طراز بوينغ 747، لتحل بشكل مؤقت محل الطائرة الرئاسية 'إير فورس ون'. وقال إن تقديم دولة قطر طائرة للولايات المتحدة يعد 'لفتة عظيمة لا يمكن رفضها، وأوضح أنه لا ينوي استخدام هذه الطائرة بعد مغادرته منصبه. وأشار إلى أن قبولها يعد حلا عمليا للولايات المتحدة على ضوء تأخير شركة 'بوينغ' في تسليم طائرة رئاسية جديدة، حسب قوله.