
قراءة في قصة "النذر".. حين يصبح اللاوطن قسما ومآلا
مفهوم "اللاوطن" كقيمة سالبة أو ربما كحقيقة مرة، يتجلى كالنذر المشؤوم، تتردد أصداؤه حيثما قلبتَ نصوص الأدب أو استنطقتَ معاجم الفكر. يستأثر هذا المفهوم باهتمام الفيلسوف والأديب، ولا يغيب عن قاموس السياسي أو حتى قاموس المهمشين. فالجماعة الإنسانية، بكل تناقضاتها الطبقية وتعددها الرمزي، تجد في فكرة "الوطن" مستقرا للمعنى والمبنى على حد سواء.
ويبدو أن المثقف العربي المعاصر، أكثر من غيره، قد انشغل بـ"الوطن"، تمجيدا حينا وهجاء في أغلب الأحيان. ولعل هذا الهجاء، وهذه المعاتبة المريرة للأوطان، قد استقرت في أدبنا الحديث كبديل ملح عن نصوص الحنين التقليدية. هذا التحول مرده، ربما، إلى التصاق "طبائع الاستبداد" بأوطاننا، وإلى فراغ هذه الأوطان من إرادة حقيقية للعناية بمواطنيها. وكأن رمزية الوطن قد تجردت من أثقالها القدسية، لتتشكل وفق شروط القائمين على مقدراته، فيغدو الوطن بذلك الوجه الصريح والمؤلم للدولة الوطنية العربية المعاصرة، وتصبح سيرته بين "عباد الله" هي ذاتها سيرة السلطة. فلم يعد حاكم الوطن بالضرورة عادلا، بل كثيرا ما بطش وتجبر، فسقطت عن صورته علامات القداسة، وأقيمت حولها، بدل ذلك، "مراسم التدنيس".
قريبا من هذه المراسم الرمزية، تأخذنا قصة "النذر"، وهي إحدى أبرز قصص المجموعة التي تحمل العنوان ذاته، للأديب والباحث والإعلامي التونسي حسن مرزوقي، والحائزة على جائزة علي الدوعاجي للقصة القصيرة في المعرض الدولي للكتاب بتونس عام 2023.
لقد برع الكاتب في تدبير طرائق السرد، فاختار أن يحرم بطله من الاسم، ليس فقط ليحمله عبء وظيفة الراوي، بل لتأتلف في شخصيته بلاغة التخييل وقسوة الواقعي. وبهذا الائتلاف، يصبح البطل حكاية، أو ربما خرافة، أو حتى أسطورة عابرة للأزمنة، تلتقي في ترحالها بمن يشابهها أو يقاربها في المحنة. هكذا، تستحيل قصته في وجدان الإنسانية حكمة أو مهزلة، ولعلها ملحمة تختزل ضروب العذاب. أما "النذر" الذي قطعه بطلنا على نفسه، فقد أطلقه يوم احتفائه بخلاصه المأمول؛ الرحيل عن بلده. فدبر له "الرفاق" كنية تليق بمقامه الجديد: "أبو النذور"، وهو الاسم الذي سيصاحبنا في هذه القراءة المتعجلة.
قادت البدواة "أبا النذور" إلى أشد المهالك، حيث اجتمعت عليه قوة الأقدار بحكمتها القاهرة، وقوة الدولة بأجهزتها القامعة. عرف السجن وقضى فيه "أربعين يوما" على ذمة قضية سياسية. وما إن خرج من محنة السجن حتى تكفل القدر بمحنة أخرى أشد إيلاما: وفاة حبيبته "رحمة" في حادث سير، ليقرر الرحيل عن بلد يقع، في وجدانه، بين السجن والقبر.
منذ المستهل، يصدر حسن مرزوقي قصته بمدخل هو عتبتها الأولى ومفتاحها، يضعنا مباشرة أمام "النذر" ذاته، وكأنه لب الحكاية كلها. لكن هذا التصدير يهيئ بطلنا لرواية مقاماته الوجودية المعذبة في وطنه: "تذكر نذره.. فانقبضَ كعمود، واسترخى". هذه الثنائية، الانقباض والاسترخاء، تبدو كأثر مباشر لسطوة النذر عليه، لكنها في العمق تعكس سطوة الذاكرة، وشتى أنواع الخراب التي تفشت في روحه.
في الطائرة، تتجول عيناه في ملامح وطنه من الأعالي، فيكتشف أن الوطن "المدرسي" الذي صورته له دروس الجغرافيا، ليس هو ذاته الذي يرى الآن شذرات منه من هذا "العلو"، ومن مسافة تمنح رؤية مختلفة ومجردة. فلا أثر للألوان الزاهية، ولا علامة على الثروات الموعودة: "ها هو اليوم يكتشف كذب الخريطة، وعري التراب.. لا نفط ولا بقر ولا بشر".
إعلان
إذن، من نافذة الطائرة تنطلق "مراسم التدنيس"، أو قل "مراسم الحقيقة الوطنية" العارية. تلك الوطنية التي سلبته كل براءة البدوي، ليجد نفسه متهما بالتستر على مطلوب بتهمة قلب نظام الحكم. تهمة هي الهلاك بعينه، أبقته في السجن 40 يوما. سجن عربي يختزل كل تاريخ السجون منذ ولادتها، تجتمع فيه "ثقافة العذاب" بكل تجلياتها، القديمة والوسيطة والحديثة، دونما تناقض.
كانت الـ40 يوما في السجن بمثابة معاقبة لسيرة البدوي فيه، هو الذي استقبل ابن قريته وأكرم وفادته، ليخرج من السجن وقد خرج من إنسانيته الأولى، كائنا بلا هوية، معطل الحواس: "تغيرت علاقتي بالشمس وبالشارع وبالشجر". لقد تعرف على قوة الوطن وسطوته، وعلى طرائقه "الجمالية" في تطبيق الحقوق وإقامة "الحق". وهل من بقاء لمن تعطلت علاقته بشمس بلده وشجره وشوارعه؟ وهو فوق ذلك معطل الروح بفقد "رحمة"، الحبيبة التي انتزعها القدر منه، كما تنتزع الحياة من الكائن.
"رحمة" في القصة ليست مجرد حبيبة، بل هي تجسيد للأمل والجمال، تأخذ البدوي في ترحاله أغنية أو عويلا. لكن بطلنا لا حظ له في الأغاني، فقد نحتَ بحمى السرد ليكون "أمثولة" في الخيبة. وما من خائب أشد مرارة ممن فقد العشق والمعشوقة. هكذا يتلقف "الموت" رحمة بأمر الأقدار، لتجتمع في صاحبنا كل أسباب الرحيل والهجرة القسرية.
هل النذر هو القصة كلها؟ وهل تحقيقه هو اكتمالها وبلوغها السردي في العالمين؟ هل سيرة السجن وآلامه، وموت "رحمة" وتداعيات الأحزان، كلها دروب تفضي إلى النذر؟ لعل النذر في ماهيته علامة فارقة في "مراسم التدنيس" تلك. فالنذر، حين إعلانه والتعهد به، كان بمثابة بيان ثوري، أطلق أمام جماعة من المتعبين، المغلوبين، الذين طالتهم كل آلات التشويه الوطنية.
للنذر في مخيالنا الجمعي مكانة ترتبط بالمقدس، وما من إنسان إلا وله في حياته نذر ما. فهل يشترط في النذر بالضرورة أن يحمل قصدا مقدسا؟ للكاتب وللقصة رؤية مغايرة، فنذر بطلنا من طين "المدنس"؛ لقد نذر أبو النذور أن يتبول على الوطن: "اسمعوا أيها الكلاب، سأقدم لكم جميلا، وعدوه نذرا نذرته.. قل يا أبا النذور.. أعدكم أني سأبول على هذا الوطن".
يغادر صاحبنا أبو النذور حالة الانقباض، ويتجه إلى حمام الطائرة ليبر بنذره: "بال وأطلق زفرة تشبه الشر.. لقد وفى بنذره". استرخى، وكأنه بهذا الفعل قد انتقم من سجنه وسجانه، ومن الموت ومرارة فقدان "رحمة"، ومن كل الذين دفعوه إلى الرحيل، وانتقم لرفاقه وأخلائه. غير أن وسواسا قهريا يقيم في الحكاية، يمنع عنها فرحة الانتصار الكامل. يأخذه الوسواس إلى السؤال عن الأرض التي تحلق فوقها الطائرة، ليأتيه الجواب القاطع من المضيفة: "لقد تجاوزنا الحدود الإقليمية منذ ربع ساعة. نحن الآن خارج الحدود". نذر إذن تعثر في تحقيقه، وألقى بأحماله خارج حدود الوطن المنشود بالتدنيس.
إن قصة "النذر"، بترحلها السردي ودورانها المحوري حول "علامة النذر"، هي تدبير سردي محكم، ورؤية عميقة في ماهية النص القصصي وقدرته على إخفاء "قواعد لعبه"، وكأنه يحمل في طياته "الضياع" كقيمة وكمآل. ضياع القراءة في تعدد تأويلاتها، وتأرجحها بين مقاصد القصة المتعددة. "ولنا في القصة ومن همومها الكبيرة الخروج عن الحدود"، هذا الخروج الذي قد يصبح حياة أخرى، وإبداعا لكائن جديد، ولوجود مختلف. ألا تحمل "الحدود" في دلالاتها رمزية الثبات، والمحافظة، والطاعة العمياء؟ ومن الحدود تتفرع رمزيات شتى: حدود الأوطان، وحدود الفقهاء، وحدود الأخلاق، وحدود المعنى. وكل خروج عنها، ليس بالضرورة إثما أو جريمة. لعل الخروج عن الحدود هو ذاته مغادرة الأجوبة السائدة، وميلاد السؤال والأسئلة. وهكذا يكون الأدب، في جوهره، فعلا "خلاقا".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
من تونس لرفح.. قافلة الصمود تستعد لفك الحصار عن غزة
تونس- في مشهد استثنائي داخل أحد مقرات الكشافة بالعاصمة تونس، احتشد عشرات الرجال والنساء من مختلف الأعمار، استعدادا للمشاركة في قافلة الصمود البرية لكسر الحصار على غزة ، وهي مبادرة إنسانية نوعية تنظمها تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين في تونس ، ومن المقرر انطلاقها في التاسع من يونيو/حزيران الجاري من تونس باتجاه معبر رفح مرورا بليبيا ومصر. وداخل قاعة فسيحة، يسود تركيز شديد على تعليمات المدرب، حيث يتابع المشاركون تفاصيل الإسعافات الأولية في حالات الطوارئ، ويتحد الجميع بإرادة لا تلين وإصرار لا يضعف في صورة تعكس تأهبا نفسيا وجسديا لمرافقة القافلة في رحلتها البرية الطويلة نحو غزة المحاصرة والمجوّعة. وحسب القائمين على القافلة، فقد تم أمس الاثنين غلق الرابط الإلكتروني المخصص للتسجيل بعد استقبال نحو 7 آلاف طلب مشاركة، استكمل نحو ألفي منهم وثائق سفرهم بالكامل. كما أعلنت وفود جزائرية وليبية انضمامها رسميا، مما حوّلها إلى مبادرة مغاربية ذات بُعد إقليمي. رحلة تاريخية وتأتي القافلة في سياق مأساوي فرضه الحصار الخانق الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة، ردا على عملية " طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد خلّف العدوان الإسرائيلي المستمر عشرات آلاف الشهداء والجرحى في ظل صمت دولي مريب وغياب فعّال للجهود الإنسانية والسياسية لكسر دائرة العنف وتخفيف معاناة المدنيين في غزة. وفي هذا النطاق، تسعى القافلة لأن تكون صرخة مدوية في وجه هذا الصمت ورسالة تضامن من شعوب المنطقة مع معاناة الفلسطينيين، لا سيما المرضى والأطفال والنساء والشيوخ ضحايا القصف والحصار، وفق المنظمين. من جانبه، أكد نبيل شنوفي أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة أن غايتها "كسر الحصار الهمجي المفروض على أهالي غزة، وتوجيه رسالة للفلسطينيين أن أشقاءهم بالمغرب العربي معهم قلبا وقالبا". وأشار شنوفي إلى أن الاستعدادات تسير بوتيرة متسارعة لإنجاحها على جميع المستويات، وأن التنسيقية نظمت مع شركائها -على غرار الكشافة التونسية وعمادة الأطباء والهلال الأحمر وغيرهم- دورات تدريبية للمشاركين في الإسعافات الأولية والمسائل القانونية ضمن سلسلة أنشطة تحضيرية قبل التحرك، من بينها نصب خيم طبية لمعاينة صحتهم للتأكد من مدى قدرتهم على تحمل مشقة السفر وإصدار الشهادات الطبية لفائدتهم. وأضاف للجزيرة نت: "قمنا بجميع الاستعدادات، معنا أطباء وميكانيكيون ومعدات ضخمة وسنأخذ معنا حتى قطع غيار للسيارات، تحسبا لأي طارئ على الطريق"، مبينا أن هذه القافلة تندرج ضمن "رحلة تاريخية" تحمل هدفا إنسانيا يتمثل في كسر الحصار و"تجويع الكيان الصهيوني الغاصب لأهل غزة"، والمطالبة بتسريع الهدنة ووقف المجازر الوحشية وسط الصمت الدولي. وبخصوص نوعية المشاركين، أوضح أنهم يمثلون طيفا واسعا من المجتمع التونسي من شباب في سن 18 عاما إلى كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما، بينهم أطباء وطلبة ونقابيون وكشافة وصحفيون ونشطاء من الهلال الأحمر وعمادة الأطباء وعسكريون متقاعدون وغيرهم. رسالة ضمير ولا تخضع القافلة لأي غطاء سياسي أو جمعياتي، بل يتم تنظيمها على نحو مستقل بالتنسيق مع عدد من الشركاء من بينهم الاتحاد العام التونسي للشغل والكشافة التونسية، وفق شنوفي، الذي أضاف أن جميع من أتموا وثائقهم وحصلوا على الموافقة يتلقون كتيبات إرشادية -عبر البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب- تتضمن تفاصيل دقيقة عن خط السير والإجراءات القانونية والصحية خلال هذه الرحلة البرية. من جانبه، قال وائل نوار -وهو أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة- للجزيرة نت إن هذا الحدث يعكس الروح التضامنية العميقة بين الشعوب الحرة وقضية فلسطين ، ويجسد وعيا جماعيا يتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، مشيرا إلى مشاركة نحو ألفي شخص أتموا جميع وثائق السفر بعد الإعلان عن غلق باب التسجيل على المنصة الإلكترونية المخصصة في الغرض أمس الاثنين. وأوضح نوار أن القافلة لا تنقل مساعدات إغاثية فقط، بل هي قافلة إنسانية شعبية مستقلة، تهدف إلى كسر الحصار الوحشي على غزة وإيصال رسالة ضمير حي من الشعوب العربية إلى الضمير الدولي الغائب. وأضاف "ليست المشكلة في توفر المساعدات، فهناك آلاف الأطنان مكدسة في العريش ورفح، التي يمنع الاحتلال الصهيوني دخولها، ولهذا سنرابط في رفح بضعة أيام لنطالب بإدخالها وتسريع الهدنة ووقف حرب الإبادة التي تحصد يوميا مئات الأرواح". وبشأن طبيعة التنسيق مع السلطات التونسية والليبية والمصرية، قال نوار إنه يجري بسلاسة، وإن قائمة المشاركين الرسمية ستُسلم إلى السفارة المصرية للحصول على التأشيرات اللازمة. وعن مسار القافلة، كشف المتحدث عن أنها ستنطلق من شارع محمد الخامس بالعاصمة تونس فجر التاسع من يونيو/حزيران الجاري، مع نقاط استراحة في محافظات صفاقس، وقابس، وبنقردان، لتجميع بقية المشاركين مرورا بليبيا عبر طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي وطبرق، قبل دخول معبر السلوم المصري يوم 12 من الشهر نفسه، وصولا إلى القاهرة، ثم معبر رفح يوم 15 من الشهر ذاته، وفق التقديرات. تحرك دولي ومن المقرر أن تدوم الرحلة 14 يوما، لكن، بسبب الظروف المتغيرة التي قد تواجه الرحلة، كالتعطيلات أو التأخيرات، من الممكن أن تستغرق أكثر من ذلك بـ3 أيام إضافية كحد أقصى. ويقول نوار "نحن مستعدون لجميع هذه الاحتمالات، لكننا حريصون على إتمام المهمة بأفضل صورة ممكنة". ووفقا له، فإنه عند وصول القافلة إلى معبر رفح، ستجتمع لجنة دولية تضم ممثلين عن قافلة الصمود، والمسيرة العالمية إلى غزة، وأسطول الحرية، لتتولى مهمة تقرير مدة البقاء في رفح، وذلك بناء على الظروف والتنسيق مع الجهات المعنية للضغط لفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية. وأضاف الناشط "نخطط للبقاء في رفح حتى 5 أيام إذا سارت الأمور بسلاسة، لكن في حال واجهتنا تأخيرات أو تعقيدات قد يقل هذا الوقت إلى يومين، ومع ذلك، نحن ملتزمون بالبقاء ضمن إطار الرحلة المقدرة بـ14 يوما". وفي ظل الحصار الوحشي على غزة، تأتي هذه المبادرة ضمن مسيرة عالمية واسعة النطاق نحو القطاع تنظمها "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" بالشراكة مع تحالف أسطول الحرية والمسيرة العالمية إلى غزة، التي تضم آلاف المشاركين من نحو 25 دولة. كما تأتي ضمن تحركات مدنية من نشطاء حول العالم لكسر الحصار على غزة، وقد انطلقت أولى خطواتها عبر البحر مع مغادرة سفينة "مادلين" من كاتانيا الساحلية جنوب إيطاليا نحو غزة، وعلى متنها 12 ناشطا دوليا. وبذلك، تشكل قافلة الصمود البرية من تونس أحد أضلاع هذا الحراك الدولي الذي يحمل شعار "نحن قادمون إلى غزة برا وبحرا وجوا".


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
هجمات سيبرانية من قراصنة مغاربة يدعمون غزة على الحكومة التونسية
نشطت في الشهور الماضية مجموعة القراصنة المغربية المعروفة باسم "جوكير 07 إكس" (Jokeir 07x) وشنت مجموعة من الهجمات السيبرانية المنظمة ضد عدة مؤسسات تونسية بارزة من ضمنها مواقع تابعة للحكومة التونسية ومواقع تابعة لعدة بنوك داخل تونس. يذكر أن هذا الهجوم ليس الأول من مجموعة القراصنة ضد الحكومة التونسية وضد مجموعة من المؤسسات العالمية، إذ تنشر المجموعة في كل موقع تقوم باختراقه رسالة مفادها بأن هذا الهجوم نابع من أسباب سياسية، وتحديدا الوقوف أمام كل الدول التي تدعم إسرائيل في حربها الأخيرة ضد غزة، وبحسب ما نشرته المجموعة في أحد المواقع التي اخترقتها مؤخرا، فإن هذه الهجمات تركز على الحكومة الهندية والمواقع التابعة له، مثل ما حدث مع موقع "دوكارت" (dikoart) الهندي المتخصص بالفنون. أهداف متعددة ورغم أن هجوم المجموعة على المواقع التونسية كان في يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن المجموعة عاودت نشاطها مجددا في نهاية مايو/أيار في هجوم على بنك "السلام" التابع للحكومة الجزائرية، وذلك بحسب ما نشرته المجموعة في حسابها عبر منصة "إكس". وفي أغسطس/آب أعلنت المجموعة اختراقها 9 مواقع هندية مع سحب وتسريب بيانات من هذه المواقع، وفي الوقت ذاته، أعلنت المجموعة أيضا عن اختراق موقع تحويل عملات مملوك لشركة إسرائيلية وتسريب بيانات المستخدمين التابعة لها. وبحسب موقع " زون إكسيك" (Zone-XSEC) المختص بمتابعة الهجمات السيبرانية لمجموعات القراصنة المختلفة، فإن مجموعة "جوكير 07 إكس" شنت عدة هجمات خلال العام الجاري والماضي، وتضمن أهدافها مواقع فرنسية وألمانية عدة إلى جانب مواقع أميركية وكندية. الضحية الأكبر المواقع التونسية وبحسب ما نشره خبير الأمن السيبراني أسامة بن حاج دحمان السما عبر حسابه الشخصي في موقع "لينكد إن"، فإن هجوم "جوكير 07 إكس" شمل أكثر من 80 موقعا تونسيا مختلفا مع تسريب بيانات هذا المواقع وبيانات المستخدمين. شمل الهجوم مواقع عديدة مثل بوابة البيانات المفتوحة التونسية ومنصة التعليم الإلكتروني للجمارك التونسية والشركة التونسية للغاز والكهرباء والديوان الوطني للسياحة ومحكمة المحاسبات وبوابة التوظيف للجماعات المحلية، ومن البنوك شمل البنك الوطني الفلاحي وبنك الأمان والشركة الوطنية للبنوك التونسية فضلا عن بنك دار المشاريع. وأثار الهجوم حفيظة العديد من خبراء الأمن السيبراني التونسي الذين استمروا في نشر البيانات المتعلقة بالاختراق، ومن بينهم آدم كوكي الذي نشر عبر حسابه في "لينكدإن" حول الاختراق مؤكدا وجود مجموعة من الأخطاء الأمنية لدى الحكومة التونسية، مثل استخدام كلمات مرور سهلة والاعتماد على قواعد بيانات وإضافات قديمة يمكن اختراقها بسهولة وغياب الجدران الأمنية ومعدات الأمن السيبراني المختلفة. ومن غير المتوقع أن تتوقف هجمات "جوكير 07 إكس" في الأيام المقبلة، ولكن من سيكون الهدف المقبل لمثل هذه الهجمات؟


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
مع استمرار الفراغ الإداري والأزمات المالية.. شبح الإفلاس يهدد الأندية التونسية
لم يكد الصفاقسي التونسي يعبر أزمته الإدارية في بداية العام 2024، بانتخاب رجل الأعمال عبد العزيز المخلوفي رئيسا جديدا، بعد سنوات من التسيير المؤقت، حتى خيمت الأزمة الإدارية عليه من جديد بصعود هيئة تصريف أعمال لتولي الشؤون الإدارية حتى نهاية الموسم الجاري. ويشهد الصفاقسي، على منوال أغلب أندية كرة القدم في تونس أزمات إدارية وصعوبات مالية خانقة، دفعت المسؤولين إلى العزوف عن تحمل مسؤولية الرئاسة أو حتى الترشح للانتخابات لتستمر المجالس المؤقتة في إدارة تلك الأندية بشكل يكاد يشمل أندية دوري المحترفين. ويعدّ النادي الصفاقسي مثالا للأوضاع الإدارية والمالية الصعبة التي تعيشها كرة القدم في تونس، إذ أن أكثر من نصف أندية دوري المحترفين تعيش شبه فراغ إداري وذلك باستقالة رؤساء مجالس الإدارة أو وجود رئيس مجلس مؤقت يتولى تصريف الأعمال لمدة أشهر معدودة عقب تزكية داخلية. وفي 2022، تولى مجلس إدارة مؤقت تسيير الصفاقسي بعد استقالة رئيسه المنصف خماخم، قبل أن تنعقد جلسة عامة انتخابية في 2024 صعد بموجبها عبد العزيز المخلوفي لترؤس الفريق، لكن سجنه بعد ضلوعه في قضايا فساد إداري أدخل النادي في أزمة إدارية جديدة. انتخابات مؤجلة ومجالس استثنائية وخلال السنوات الأخيرة، تحولت رئاسة أندية كرة القدم إلى ما يشبه المهمة المستحيلة والهدية المسمومة التي يتحاشاها الجميع خوفا من هاجس الإخفاق الكروي والإفلاس الذي بات خطرا يهددها نتيجة تراجع الإيرادات وتخلي الدولة عن دعم النوادي الرياضية مقابل فرض إجراءات تزيد من الصعوبات المالية. ومع نهاية موسم 2024ـ2025، يعيش ما يقارب نصف أندية الدوري التونسي وعددها 16 وضعا إداريا غامضا، بينما يتهددها الفراغ التسييري باعتبار أن أغلب مجالس الإدارة التي تشرف على دواليبها الإدارية محدودة زمنيا بموسم واحد. وتشهد أندية الأفريقي والنجم الساحلي والصفاقسي والاتحاد المنستيري واتحاد تطاوين واتحاد بن قردان تولي هيئات إدارية مؤقتة بعد استفحال ظاهرة العزوف عن الترشح للانتخابات هروبا من شبح الإفلاس وتفاقم الديون. وفي أوائل شهر مايو/أيار الماضي، أعلن الصفاقسي الدعوة لجلسة عامة انتخابية للعامين المقبلين (2025ـ2027)، وذلك يوم 31 من الشهر نفسه، إلا أن آجال تقديم الترشحات انقضت دون أن يتقدم أي مسؤول للانتخابات. وأعلن الفريق، الذي تأسس في العام 1928 أن انقضاء الآجال وعدم ورود ملفات ترشح جديدة سيفضي إما لاستمرار عمل هيئة تسيير مؤقتة أو لفتح مواعيد جديدة. ويرى جوهر العذار، الرئيس السابق للهيئة التسييرية للصفاقسي أن "الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الرياضة التونسية والقوانين الحالية لتسيير الأندية هي السبب الأول وراء عزوف المسؤولين عن تحمل مهمة رئاسة أو عضوية جمعيات كرة القدم". وقال للجزيرة نت، "تعيش أندية كرة القدم أزمة تسيير حقيقية لعل من أبرز مظاهرها هو التسيير المؤقت لمدة محدودة، دون المرور بالانتخابات ما يجعل عمل تلك المجالس مقصورا على تصريف الأعمال وتفادي الفراغ الإداري لا أكثر". وأضاف العذار الذي ترأس هيئة التسيير المؤقت في الصفاقسي بين 2023 و2024، بعد استقالة المنصف خماخم "أزمة الرياضة التونسية تكمن في القوانين، لا بد من تغيير القانون وجعله مواكبا للتطورات التي تشهدها الأندية، يجب فتح المجال للمستثمرين التونسيين والأجانب على غرار ما هو معمول به في دول أخرى لأن تسيير الأندية المحترفة بنظام مالي وإداري ورياضي خاص بالهواة لا يمكن إلا أن يفرز حالة من العجز وتهديدا بالإفلاس والاندثار". ويرى المتحدث أن "السلطات مطالبة بتغيير تعاملها مع النوادي ودعمها لأن كثيرا منها يرزح تحت وطأة الديون ولم تعد قادرة حتى على توفير نفقات الفريق الأول لكرة القدم، فما بالك إذا كانت الأندية تضم 3 ألعاب رياضية ومئات اللاعبين في أصناف ورياضات متعددة". ويضيف: "تكاد الأوضاع داخل الأندية تتطابق إلى حد بعيد، النجم الساحلي يعيش بدوره فترة تسيير مؤقت، والأفريقي يشهد استقالة جماعية، أما الوضع داخل بقية الأندية فلا يبدو أفضل بوجود أغلب الأندية تحت وطأة الديون الثقيلة وعقوبات المنع من التعاقدات". وعجز النادي الصفاقسي، الذي يضم نحو 1200 مجازا في كرة القدم، خلال الموسم الجاري عن تحقيق نتائج إيجابية إذ أنهى سباق الدوري في المركز السابع، بينما خرج مبكرا من سباق الكأس، في ما لا تزال الأوضاع الإدارية غامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات. استقالات وأزمات مالية خانقة ودفعت الأزمات المالية وتفاقم الديون نتيجة تراجع الإيرادات المالية وعزوف السلطات عن انتشال الأندية من المخاطر الاقتصادية جل المسؤولين إلى رفض تقديم ترشحاتهم لتولي مسؤوليات إدارية إما برئاسة تلك النوادي أو بتولي مناصب مختلفة داخلها. وأعلن زبير بية رئيس النجم الساحلي الأسبوع الماضي رسميا انتهاء مهام مجلس الإدارة المؤقت الذي تولى قيادته بين أغسطس/آب 2024 ومايو/أيار 2025، عقب تتالي الاستقالات في الفريق الذي توج بلقب الدوري الممتاز 11 مرة. وترأس زبير بية، الذي قاد النجم لاعبا طيلة أكثر من 10 سنوات، مجلس تصريف الأعمال لتسيير النادي خلال موسم 2024ـ2025، بعد تتالي استقالات بدأت بانسحاب رضا شرف الدين الرئيس المنتخب ثم عثمان جنيح وفهمي النيفر اللذين توليا تسيير النجم مؤقتا. وعقب نهاية موسم 2024ـ2025، أعلن زبير بية وأعضاء مجلس الإدارة المؤقت تخليهم عن مناصبهم جماعيا مبررين قرارهم بالأوضاع المالية المتأزمة داخل النادي. وقال بية في مقطع فيديو نشره النادي على حسابه على منصات التواصل "مهمتي انتهت في النجم الساحلي، لن نواصل التسيير المؤقت، أدعو رجال الأعمال والمسؤولين لتحمل المسؤولية وانتشال الفريق من حالة شبه الفراغ الإداري". وفي الأفريقي، ثاني أندية البلاد شعبية، بدت الأزمة أشد وطأة بالفشل في تحقيق نتائج إيجابية وإعلان الهيئة التسييرية استقالة جماعية عقب الخروج من كل المسابقات في موسم 2024ـ2025. وأعلن هيكل دخيل، الرئيس المؤقت للأفريقي الذي تولى المهمة في يونيو/حزيران الماضي عقب استقالة رئيس النادي يوسف العلمي تخليه وسائر المسؤولين عن مناصبهم بعد النتائج المخيبة للآمال في نهاية الموسم الجاري. وقال دخيل "نعلن استقالتنا جماعيا مع الدعوة لانتخاب مجلس إدارة جديد يوم 12 يونيو/حزيران المقبل مع الاستعداد لتقديم كل الوثائق والتقارير المالية للفترة التي تحملنا فيها المسؤولية". ويعتبر النادي الأفريقي من أكثر الأندية التي تفتقد للاستقرار الإداري بعد تداول عدة مسؤولين على النادي عقب استقالة رجل الأعمال سليم الرياحي من منصب الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. ويخيم شبح الإفلاس على أغلب أندية الدوري التونسي الممتاز نتيجة عجزها عن سداد ديونها التي تفاقمت بشكل غير مسبوق خلال الأعوام الأخيرة وباتت أكبر خطر يهدد استمرارها، فضلا عن شبح العقوبات الدولية التي يطاردها إما بالمنع من التعاقدات أو بخصم نقاط من رصيدها". وكشفت الموازنات المالية لأندية الدوري الممتاز عن أرقام مفزعة للعجز المالي وتزايد الديون التي وصلت إلى أكثر من 30 مليون دينار (نحو 10 ملايين دولار) بالنسبة إلى بعضها ما يجعل مشاركتها في المسابقات الأفريقية رهينة بخلاص تلك الديون.