logo
من تونس لرفح.. قافلة الصمود تستعد لفك الحصار عن غزة

من تونس لرفح.. قافلة الصمود تستعد لفك الحصار عن غزة

الجزيرةمنذ 2 أيام

تونس- في مشهد استثنائي داخل أحد مقرات الكشافة بالعاصمة تونس، احتشد عشرات الرجال والنساء من مختلف الأعمار، استعدادا للمشاركة في قافلة الصمود البرية لكسر الحصار على غزة ، وهي مبادرة إنسانية نوعية تنظمها تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين في تونس ، ومن المقرر انطلاقها في التاسع من يونيو/حزيران الجاري من تونس باتجاه معبر رفح مرورا بليبيا ومصر.
وداخل قاعة فسيحة، يسود تركيز شديد على تعليمات المدرب، حيث يتابع المشاركون تفاصيل الإسعافات الأولية في حالات الطوارئ، ويتحد الجميع بإرادة لا تلين وإصرار لا يضعف في صورة تعكس تأهبا نفسيا وجسديا لمرافقة القافلة في رحلتها البرية الطويلة نحو غزة المحاصرة والمجوّعة.
وحسب القائمين على القافلة، فقد تم أمس الاثنين غلق الرابط الإلكتروني المخصص للتسجيل بعد استقبال نحو 7 آلاف طلب مشاركة، استكمل نحو ألفي منهم وثائق سفرهم بالكامل. كما أعلنت وفود جزائرية وليبية انضمامها رسميا، مما حوّلها إلى مبادرة مغاربية ذات بُعد إقليمي.
رحلة تاريخية
وتأتي القافلة في سياق مأساوي فرضه الحصار الخانق الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة، ردا على عملية " طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقد خلّف العدوان الإسرائيلي المستمر عشرات آلاف الشهداء والجرحى في ظل صمت دولي مريب وغياب فعّال للجهود الإنسانية والسياسية لكسر دائرة العنف وتخفيف معاناة المدنيين في غزة. وفي هذا النطاق، تسعى القافلة لأن تكون صرخة مدوية في وجه هذا الصمت ورسالة تضامن من شعوب المنطقة مع معاناة الفلسطينيين، لا سيما المرضى والأطفال والنساء والشيوخ ضحايا القصف والحصار، وفق المنظمين.
من جانبه، أكد نبيل شنوفي أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة أن غايتها "كسر الحصار الهمجي المفروض على أهالي غزة، وتوجيه رسالة للفلسطينيين أن أشقاءهم بالمغرب العربي معهم قلبا وقالبا".
وأشار شنوفي إلى أن الاستعدادات تسير بوتيرة متسارعة لإنجاحها على جميع المستويات، وأن التنسيقية نظمت مع شركائها -على غرار الكشافة التونسية وعمادة الأطباء والهلال الأحمر وغيرهم- دورات تدريبية للمشاركين في الإسعافات الأولية والمسائل القانونية ضمن سلسلة أنشطة تحضيرية قبل التحرك، من بينها نصب خيم طبية لمعاينة صحتهم للتأكد من مدى قدرتهم على تحمل مشقة السفر وإصدار الشهادات الطبية لفائدتهم.
وأضاف للجزيرة نت: "قمنا بجميع الاستعدادات، معنا أطباء وميكانيكيون ومعدات ضخمة وسنأخذ معنا حتى قطع غيار للسيارات، تحسبا لأي طارئ على الطريق"، مبينا أن هذه القافلة تندرج ضمن "رحلة تاريخية" تحمل هدفا إنسانيا يتمثل في كسر الحصار و"تجويع الكيان الصهيوني الغاصب لأهل غزة"، والمطالبة بتسريع الهدنة ووقف المجازر الوحشية وسط الصمت الدولي.
وبخصوص نوعية المشاركين، أوضح أنهم يمثلون طيفا واسعا من المجتمع التونسي من شباب في سن 18 عاما إلى كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما، بينهم أطباء وطلبة ونقابيون وكشافة وصحفيون ونشطاء من الهلال الأحمر وعمادة الأطباء وعسكريون متقاعدون وغيرهم.
رسالة ضمير
ولا تخضع القافلة لأي غطاء سياسي أو جمعياتي، بل يتم تنظيمها على نحو مستقل بالتنسيق مع عدد من الشركاء من بينهم الاتحاد العام التونسي للشغل والكشافة التونسية، وفق شنوفي، الذي أضاف أن جميع من أتموا وثائقهم وحصلوا على الموافقة يتلقون كتيبات إرشادية -عبر البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب- تتضمن تفاصيل دقيقة عن خط السير والإجراءات القانونية والصحية خلال هذه الرحلة البرية.
من جانبه، قال وائل نوار -وهو أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة- للجزيرة نت إن هذا الحدث يعكس الروح التضامنية العميقة بين الشعوب الحرة وقضية فلسطين ، ويجسد وعيا جماعيا يتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، مشيرا إلى مشاركة نحو ألفي شخص أتموا جميع وثائق السفر بعد الإعلان عن غلق باب التسجيل على المنصة الإلكترونية المخصصة في الغرض أمس الاثنين.
وأوضح نوار أن القافلة لا تنقل مساعدات إغاثية فقط، بل هي قافلة إنسانية شعبية مستقلة، تهدف إلى كسر الحصار الوحشي على غزة وإيصال رسالة ضمير حي من الشعوب العربية إلى الضمير الدولي الغائب.
وأضاف "ليست المشكلة في توفر المساعدات، فهناك آلاف الأطنان مكدسة في العريش ورفح، التي يمنع الاحتلال الصهيوني دخولها، ولهذا سنرابط في رفح بضعة أيام لنطالب بإدخالها وتسريع الهدنة ووقف حرب الإبادة التي تحصد يوميا مئات الأرواح".
وبشأن طبيعة التنسيق مع السلطات التونسية والليبية والمصرية، قال نوار إنه يجري بسلاسة، وإن قائمة المشاركين الرسمية ستُسلم إلى السفارة المصرية للحصول على التأشيرات اللازمة.
وعن مسار القافلة، كشف المتحدث عن أنها ستنطلق من شارع محمد الخامس بالعاصمة تونس فجر التاسع من يونيو/حزيران الجاري، مع نقاط استراحة في محافظات صفاقس، وقابس، وبنقردان، لتجميع بقية المشاركين مرورا بليبيا عبر طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي وطبرق، قبل دخول معبر السلوم المصري يوم 12 من الشهر نفسه، وصولا إلى القاهرة، ثم معبر رفح يوم 15 من الشهر ذاته، وفق التقديرات.
تحرك دولي
ومن المقرر أن تدوم الرحلة 14 يوما، لكن، بسبب الظروف المتغيرة التي قد تواجه الرحلة، كالتعطيلات أو التأخيرات، من الممكن أن تستغرق أكثر من ذلك بـ3 أيام إضافية كحد أقصى. ويقول نوار "نحن مستعدون لجميع هذه الاحتمالات، لكننا حريصون على إتمام المهمة بأفضل صورة ممكنة".
ووفقا له، فإنه عند وصول القافلة إلى معبر رفح، ستجتمع لجنة دولية تضم ممثلين عن قافلة الصمود، والمسيرة العالمية إلى غزة، وأسطول الحرية، لتتولى مهمة تقرير مدة البقاء في رفح، وذلك بناء على الظروف والتنسيق مع الجهات المعنية للضغط لفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية.
وأضاف الناشط "نخطط للبقاء في رفح حتى 5 أيام إذا سارت الأمور بسلاسة، لكن في حال واجهتنا تأخيرات أو تعقيدات قد يقل هذا الوقت إلى يومين، ومع ذلك، نحن ملتزمون بالبقاء ضمن إطار الرحلة المقدرة بـ14 يوما".
وفي ظل الحصار الوحشي على غزة، تأتي هذه المبادرة ضمن مسيرة عالمية واسعة النطاق نحو القطاع تنظمها "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" بالشراكة مع تحالف أسطول الحرية والمسيرة العالمية إلى غزة، التي تضم آلاف المشاركين من نحو 25 دولة.
كما تأتي ضمن تحركات مدنية من نشطاء حول العالم لكسر الحصار على غزة، وقد انطلقت أولى خطواتها عبر البحر مع مغادرة سفينة "مادلين" من كاتانيا الساحلية جنوب إيطاليا نحو غزة، وعلى متنها 12 ناشطا دوليا. وبذلك، تشكل قافلة الصمود البرية من تونس أحد أضلاع هذا الحراك الدولي الذي يحمل شعار "نحن قادمون إلى غزة برا وبحرا وجوا".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى وتواصل الاعتداءات بالضفة
مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى وتواصل الاعتداءات بالضفة

الجزيرة

timeمنذ 40 دقائق

  • الجزيرة

مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى وتواصل الاعتداءات بالضفة

قالت مصادر للجزيرة إن مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين اقتحمت باحات المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينما تواصلت الاقتحامات والاعتداءات في مناطق عدة ب الضفة الغربية. ودعت جماعات ومنظمات الهيكل المتطرفة علنا إلى تصعيد اقتحامات المسجد الأقصى وإقامة الطقوس، وتتواصل هذه الاقتحامات بشكل يومي وتزداد وتيرتها خلال الأعياد والمناسبات اليهودية. وتتواصل اعتداءات المستوطنين على المقدسات والممتلكات المسيحية والإسلامية في مدينة القدس المحتلة. وتظهر مقاطع فيديو اقتحام مستوطنين متطرفين الحي الأرمني في البلدة القديمة بالقدس قبل يومين حيث نفذوا اعتداءات جديدة على دير الأرمن والمقدسات المسيحية وحاولوا إهانة رموز مسيحية مقدسة على مدخل دير الأرمن، في ظل تجاهل الشرطة لشكاوى سكان الحي. اعتداءات مكثفة في الضفة الغربية أيضا تتزايد اعتداءات المستوطنين وتترافق مع انتشار عشرات البؤر الاستيطانية التي تقطع أواصر الجغرافيا الفلسطينية وتحول بعض القرى إلى ما يشبه السجون والمعتقلات. وقد أصيب عشرات الفلسطينيين بجروح وحروق إثر هجوم مستوطنين على بلدتي دير دبوان وبيتين شرق رام الله. وقال رئيس بلدية دير دبوان للجزيرة إن الهجوم على البلدة أسفر عن 35 مصابا. وأفادت مصادر للجزيرة بأن أعدادا كبيرة من المستوطنين هاجموا البلدتين وأحرقوا منازل ومركبات ومحاصيل زراعية وسط حصار لعائلات داخل منازلهم. وذكرت المصادر أن فلسطينيين تصدوا للمستوطنين، كما أفادت مصادر للجزيرة بأن مستوطنين قاموا بإغلاق شارع الستين شرق رام الله وألقوا الحجارة على مركبات الفلسطينيين. يأتي ذلك بينما أفادت مصادر للجزيرة بسماع دوي انفجار وتحليق طائرة استطلاع إسرائيلية تزامنا مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم بلاطة شرقي نابلس بالضفة الغربية المحتلة. وقالت مصادر للجزيرة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت مخيم بلاطة للاجئين والمنطقة الغربية بمدينة نابلس في الضفة. اعتقالات وتصعيد في هذه الأثناء، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أسرى محررين قرب رام الله، وقالت مصادر فلسطينية إن قوات الاحتلال شنت حملة اعتقالات في صفوف أسرى محررين في قرية المغير شمال شرقي رام الله. وقالت مصادر فلسطينية إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم. يشار إلى أنه بالتوازي مع حرب الإبادة في قطاع غزة ، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 967 فلسطينيا، وإصابة نحو 7 آلاف، واعتقال ما يزيد على 17 ألفا، وفق معطيات فلسطينية. وترتكب إسرائيل بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت نحو 173 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقال بفورين بوليسي: إيران ليست ضعيفة كما قد تبدو
مقال بفورين بوليسي: إيران ليست ضعيفة كما قد تبدو

الجزيرة

timeمنذ 43 دقائق

  • الجزيرة

مقال بفورين بوليسي: إيران ليست ضعيفة كما قد تبدو

قالت مجلة فورين بوليسي إن المحادثات النووية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران قد تتبعها حرب إذا فشلت، ولكن إيران ليست ضعيفة كما قد تبدو، ولا يمكن التنبؤ بعواقب أي صدام معها. لخصت المجلة بهذه الجملة مقالا بقلم أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب فلوريدا محسن ميلاني، قال فيه إن المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران تبعث أملا حذرا في كسر الجمود بشأن البرنامج النووي الإيراني ، ولكن رفض إيران التخلي عن تخصيب اليورانيوم ونقل مخزونها إلى الخارج كما تطلب واشنطن قد يؤدي إلى انهيار المحادثات. وإذا انهارت المحادثات، فستلجأ الولايات المتحدة أو إسرائيل، كما يفترض الكثيرون وتشهد التقارير الإخبارية المنسوبة إلى مصادر حكومية، إلى شن غارات جوية على البنية التحتية النووية الإيرانية، لأن منطق "إما أن تمتثل وإما تقصف" مغر، وهو يرتكز على الاعتقاد بأن إيران ضعيفة حاليا، وبالتالي يمكن إجبارها على قبول مطالب مبالغ فيها. وتقدم إيران اليوم على أنها تعاني من دفاعات جوية متدهورة، واقتصاد منهك، وسياسات داخلية هشة، وشبكة ممزقة من الوكلاء الإقليميين، بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة عام 2020، والانتقام الإسرائيلي الذي تبع هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. قوة لا يمكن تهميشها وبالفعل تراجعت قوة إيران الإقليمية -كما يقول الكاتب- لكنها لا تزال قوة لا يمكن تهميشها، كما ضعفت حماس وقتل العديد من قادتها لكنها لم تهزم، وتلقى حزب الله ضربات موجعة لكنه ما زال مسلحا، ولإيران كذلك علاقات قوية بالعراق عبر الحشد الشعبي و الحوثيين في اليمن، كما أن إسرائيل لم تترجم نجاحاتها الميدانية إلى انتصارات إستراتيجية مستدامة ودائمة. إضافة إلى ذلك، حققت إيران مؤخرا مكاسب دبلوماسية ملحوظة، إذ طبّعت علاقاتها مع جميع دول الخليج العربي، ودخلت في حالة انفراج مع المملكة العربية السعودية، واليوم تدعم جميع دول الخليج الحل السلمي للأزمة النووية. وفوق كل ذلك، عززت طهران علاقاتها مع الصين وروسيا، ووقعت اتفاقية مدتها 25 عاما مع الصين وأخرى مدتها 20 عاما مع روسيا لتوسيع التعاون في مجالات مثل الدفاع والاقتصاد، وليس معنى ذلك أن الصين وروسيا ستدافعان عن إيران في حالة نشوب حرب، لكن يمكنهما دعم المجهود الحربي الإيراني بطرق مختلفة. وإذا كان بعض المتشددين يدعو إلى تفكيك برنامج التخصيب الإيراني بالكامل، إما سلميا وفقما فعلته ليبيا عام 2003، وإما عبر ضربات جراحية، فإن إيران التي أصبحت قوة نووية تخصب اليورانيوم إلى 60% لن تقبل النموذج الليبي لأنه سيكون بمثابة انتحار بالنسبة لها، كما أن شن ضربات عسكرية عليها سيكون تكرارا للخطأ الذي ارتكبه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1980، عندما افترض أن إيران بعد الثورة كانت هشة للغاية بحيث لا تستطيع مقاومة أي هجوم. ولا شك في أن أي ضربات دون تغيير النظام أو غزو بري -وكلاهما مستبعد حسب الكاتب- لن تؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني، ولكنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى تداعيات إشعاعية ووفيات بين المدنيين وأضرار بيئية، وقد تؤدي إلى أن تنسحب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي وتطرد المفتشين وتسرع في صنع القنابل. وذكر محسن ميلاني، وهو مؤلف كتاب "صعود إيران ومنافستها للولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، أن محور المقاومة ليس سوى طبقة ثانوية من عقيدة الدفاع والردع الإيرانية، أما جوهر حماية الوطن والنظام فتدعمه بترسانة هائلة من الصواريخ والطائرات المسيرة، ومنصات الإطلاق المتنقلة، والقواعد المحصنة، وقاعدة عسكرية صناعية، وقوات مجربة قادرة على خوض الحروب التقليدية غير المتكافئة. وتساءل الكاتب ماذا لو ضربت إيران وبقايا محور المقاومة قواعد أميركية أو مدنا إسرائيلية أو مواقع طاقة في الخليج العربي؟ وماذا لو عطلت طهران مضيق هرمز ، وبدعم من الحوثيين، باب المندب في آن واحد؟ وقال إن هذا التهديد وحده كفيل برفع أسعار النفط، وزعزعة الأسواق العالمية، وعرقلة الانتعاش الاقتصادي، إضافة إلى أن الصدام الأميركي الإيراني المطول يتعارض مع تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابي بتجنب المزيد من "الحروب التي لا تنتهي". وخلص الكاتب إلى أن الغرب يعتقد أنه قادر على إكراه إيران بالتصعيد العسكري، لكن كل ما قد يحققه هو تجاوز إستراتيجي قد يندم عليه في النهاية، وختم بأن اتفاقا نوويا قائما على التنازلات المتبادلة وعمليات التفتيش وتخفيف العقوبات هو أقل المسارات خطورة في النهاية.

تفكيك نظام التفاهة الرقمي
تفكيك نظام التفاهة الرقمي

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

تفكيك نظام التفاهة الرقمي

لم يكن ممكنًا الانتقال من القبيلة إلى الدولة الحديثة، ومن حكم الفرد إلى حكم المؤسسة، إلا بفضل اكتشاف الصحافة والإعلام، وهو ما بات ممكنًا بعد اكتشاف المطبعة، ذلك أن ثورة الطباعة وتداول المعلومة والخبر والفكر، هي في العمق الثورة التي أسست للدولة الحديثة، وما الحداثة والتنوير سوى خلفيات مرجعية لهذا التطور الذي عرفه الإنسان. بيد أن الإعلام، مع الثورة التكنولوجية والرقمية، لم يعد مجرد نقلٍ للخبر، أو توصيفٍ للحدث كما جرى ويجري في الواقع، بل بات صناعةً متحكمًا فيها، لها وسائلها وتقنياتها، ولها أهدافها وغاياتها، التي باتت في انفصال مستمر ومتزايد عن الواقع والحقيقة، بشكل أصبح الواقع بناء وتشكيلًا جديدًا وفق ما تبتغيه مدارات السلطة ورهاناتها، سواء كانت هذه السلطة سياسية أو اقتصادية، ثقافية أو اجتماعية، وسواء كانت نخبوية أو شعبية جماهيرية، وسواء كانت هذه السلطة داخلية أو خارجية، وطنية أو دولية، حيث كل شيء يمر عبر مسارات ومدارات تخفي أكثر مما تظهر، وحيث الشفافية التي ارتبطت بأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام في الزمن القديم، باتت، في زمن الحداثة السائلة، شفافية مضللة، وانعكاسية زائفة. فرجال الإعلام والصحافة كانوا في البداية كَتَبة وباعة بريد متجولين، سيرًا على الأقدام أو على ظهور الخيل؛ ثم جاء الحمام الزاجل حاملًا رسائل الملوك والأباطرة، إلى أن حل عهد اليونان القديمة، التي وجدت، وسيلة أخرى للتواصل السياسي، وهي التعبير المباشر بين السياسيين والجمهور، في "الأغورا"، حيث كان الهدف هو التعبير والتداول والإقناع والاقتناع. إعلان لقد كان الخطاب مفعمًا بالحيوية والدفء والعفوية، وسمحت الشفهية بأنماط معينة من المصداقية، وبنصيب كبير من العاطفة والأخلاق، كما سمحت أيضًا بالحضور السياسي عبر عظمة الخطابة والبلاغة، حيث كان للإلقاء واللهجة والإيقاع والعروض قوتها وأهميتها. وكان لأسلوب المواجهة السياسية ثقله على ما يجب قوله، وما لا يجب قوله، حسب السياق والمناسبة، وبالتأكيد، أيضًا على كيفية القول، وعلى المكونات الضرورية لنقل الخطاب بشكل أفضل. وقد كان من المقرر أن يستمر هذا بثبات إلى حد ما، بدءًا من الثورة الصينية وحتى الثورة الكوبرنيكية التاريخية، وتحديدًا اختراع الطباعة مع غوتنبرغ، قبل ستة قرون، حيث غيرت الصحافة هذا الوضع المتمثل في الخطاب والقول وجهًا لوجه من خلال خطاب تم نقله، إلى خطاب تم بناؤه وتوضيبه، بعدما لم يعد السياسي على اتصال مباشر مع جمهوره المحتمل، وتم تعديل الخطاب، بحكم الأمر الواقع، وتبديله، وحتى تشويهه في بعض الأحيان، إذ كان السياسي في الماضي يلقي خطابه حاضرًا، ويختار المعلومات التي يريد نقلها ويغفل ما من شأنه أن يعرض سلطته للخطر. بيد أن الصحافة اليوم غيرت الوضع، حيث نصبت نفسها على أنها "بائع" للمعلومات العامة، لخدمة عامة الناس، وأصبح الحضور غيابًا، والغياب حضورًا. لقد تم نفي الجسد إلى خارج مدارات العاطفة والأخلاق، وتم اختزال الحضور في الصورة. فإذا كان صانع القرار السياسي بالأمس هو وحده صاحب سلطة الكشف عن المعلومات أو إخفائها، فإن وسائل الإعلام دخلت في المنافسة وحاولت قدر الإمكان تقديم هذه المعلومات ذات الطابع السياسي، كجزء من خدمة المواطن، ولشروط الديمقراطية لم يعد للسياسيين نفس التعريف لكلمة "إعلام"، مثلما لم يعد للصحافة والإعلام نفس الهدف والمهمة، فبات الفضاء العام يعيش قصفًا جويًا وأثيريًا للأخبار "الكاذبة" القادرة على تعزيز موقف بعض السياسيين والإعلاميين ضد بعضهم الآخر، على حد سواء، ما دام الفضاء العام مجالًا للخطاب ونقد الخطاب وللسلطة ونقيضها. كان السياسي بحاجة إلى أن يتم تقديمه من خلال وسائل الإعلام لجمهوره: مناصريه ومعارضيه، بشكل يثمن حضوره ويقوي من حظوظه في السلطة، عبر مصداقية الصحافة المكتوبة: الجريدة والمنشورات والدوريات، التي ارتكزت كلاسيكيًا على أخلاقيات المهنة، والتي لم تكن لتعبّر بوفاء عن صورته وحقيقته كما يشتهي، لكن مع اختراع الراديو والتلفزيون، سيجد الطريقة الصحيحة لاستعادة صورته، بصوته وصورته المباشرة أو المؤجلة، معبرًا عما يخالجه وعن مقاصده بالشكل الذي يريد، بيد أن صناعة الإعلام وغرف التحرير وضغوطات المستشهرين والمستثمرين قد جعلت السياسي، كما كل الفاعلين، بما في ذلك الأنظمة والدول، يخضع لخط التحرير، الذي ليس سوى سياسة المصلحة. إن وجوده كصوت أو كصورة أمام الكاميرات وفي مواقع التصوير بكامل طاقته منحه المزيد من القوة والثبات. لكن عوامل التوقيت والمكان المخصص له في الأستوديو، وتقنيات التحرير، وخطة التصوير، وموقع الكاميرا، والمقاطعات المتكررة للصحفي في الموقع قلصت من هذا الحضور الكلي، وقللت من طموحاته السياسية. فماذا يبقى إذن من خطابه، إن لم يكن ما يسمح له الوسيط ببثه، كما أشار بيير بورديو عن حق؟. ولذلك أصبح الإعلام مع التطور التقني بنية ثابتة من بنيات الخطاب الإعلامي والسياسي للفاعل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. بيد أن الأمر مختلف تمام الاختلاف حين نتكلم عن الإعلام الجديد، أو الإعلام الرقمي. وبالرغم من أن التلفزيون والراديو، وحتى الصحافة المكتوبة، في ظل العصر الرقمي، قد خسرت المزيد والمزيد من الأرض والسلطة، فإن الخطاب السياسي ما فتئ يسعى بشدة إلى الاستفادة من هذه التقنيات الجديدة، مع العلم كما يقول المارشال ماك لوهان إن "الوسيلة هي الرسالة". وكما يعتقد جاك أتالي، فإن "أداة الاتصال هي قبل كل شيء مصدر للسلطة"، لذا يحاول السياسي التكيف مع وسائل الإعلام الجديدة ومزاياها ونقاط قوتها. بيد أن هذه السلطة لم تعد المجال الخاص للسياسي، يفعل ما يريد، ومثلما يريد، وحيثما يريد، بل أصبح الفضاء العام المرقمن- وقد انتقلت الجماهير من الواقعي إلى الافتراضي- منافسًا وخصمًا للسياسي ينازعه سلطته ويوجه إستراتيجياته بشكل باتت السياسة فن تدبير الجماهير، وتوظيف الخوارزميات، وكل جاهل بالعالم الرقمي بات ضحية لشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، وعلى رأسهم المثقف الذي لم يعد قادرًا على مسايرة تطورات خطاب هذا الإعلام، بعدما تراجع صوته وصورته وتوالى حضوره إلى خارج مدارات الرقمنة والتفاعلية الرقمية، مقتصرًا على حضوره الورقي في زمن باتت القراءة في تراجع مستمر، وفي زمن برز فيه فاعلون جدد ومؤثرون، جعلتهم شبكات التواصل الاجتماعي نجوم المرحلة، بعدما تحولت الجماهير إلى وقود أشعلت نار النجومية والشهرة وتسويق المبتذل والعوالم السفلية لجسد شبقي وغرائزي وتثمين الفضيحة في ظل نظام التفاهة بتعبير آلان دونو، إلى حد بتنا نعيش فيه زمن المجتمعات الفضائحية. إن الخبر الذي ارتبط في الصحافة القديمة والكلاسيكية بالأحداث والوقائع، كما كانت تجري حقيقة في المكان والزمان، أصبح اليوم صناعة وفذلكة وتوضيبًا، فمن خلال تركيب الصور وتوضيب الفيديوهات وفبركتها أصبح الخبر حقيقة مبنية ومصطنعة، وهو ما اصطلح عليه بالأخبار الكاذبة، أو الزائفة، أو "الفايك نيوز". ومن هنا بات الإعلام الجديد صناعة خطيرة بمثابة سيف ذي حدين، وجب أخذ خطورته بعين الاعتبار في مجال السلطة والسياسة والفكر. أكيد أن الإعلام الجديد قد أسهم في دمقرطة العمل السياسي والأداء الاجتماعي لفاعليات المجتمع المدني، كما أسهم في تثمين النقد والمتابعة وفتح مجال الحوار والسجال على كافة المستويات، مما زاد من منسوب الثقافة السياسية للمواطنين، بيد أن شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تحولت إلى منفذ ومصدر للمعلومات والأخبار، لم تعد مجرد فضاءات شخصية، بقدر ما باتت إحدى البنيات المتحكمة في صناعة الأخبار والإعلام، بما في ذلك الأخبار الزائفة والتعبئة الجماهيرية المضللة، والتي تنال من الأفراد والجماعات، مثلما باتت تنال من هوية الأمم والشعوب والدول. إن شبكات التواصل الاجتماعي وما تقتضيه من مشاركة جماهيرية مفتوحة على كل الاحتمالات التأويلية والدلالية، باتت اليوم تتبع توجهات وتوجيهات الخوارزميات الموغلة في التجييش والتعبئة الغوغائية، ما دام كل متبحر في هذه العوالم الرقمية يملك صوتًا وصورة وسلطة الخطاب، حيث منحت شبكات التواصل الاجتماعي للمجانين والحمقى والأغبياء صوتًا وسلطة بتعبير إمبرتو إيكو، وهو ما يحتم علينا اليوم بناء مصفاة أخلاقية وقيمية، معنوية وقانونية ومؤسساتية، تمنع كل انحراف للإعلام الجديد من الغرق في بحر الأخبار الزائفة والدعاية المغرضة التي تمس الحياة الخاصة للأفراد والجماعات، وتنال من سمعة الفاعلين في المجال العام، وفق ما بات يعرف بتلويث السمعة الرقمية، التي أصبح لها جنود ومرتزقة، اصطلح عليهم بـ "الذباب الإلكتروني"، بما يجعلنا أمام حرب مفتوحة. إعلان يقتضي ما سبق أن نعيد الاعتبار لأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام، من جهة، ووجوب إنفاذ القانون فيما يخص الأخبار الزائفة والدعاية المغرضة وتلويث السمعة الشخصية والسياسية والاجتماعية للفاعلين في المجال العام. ذلك أن الانتصار للتكنولوجيات الحديثة في مجال الصحافة والإعلام، وفي مجال الثقافة والفكر، لن يتم إلا عبر تفكيك نظام التفاهة، الذي يبدو أنه أصبح يقود العالم نحو الهاوية، خاصة إذا تكلمنا عن مجتمعاتنا السائرة نحو التخلف المستديم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store