
تفكيك نظام التفاهة الرقمي
لم يكن ممكنًا الانتقال من القبيلة إلى الدولة الحديثة، ومن حكم الفرد إلى حكم المؤسسة، إلا بفضل اكتشاف الصحافة والإعلام، وهو ما بات ممكنًا بعد اكتشاف المطبعة، ذلك أن ثورة الطباعة وتداول المعلومة والخبر والفكر، هي في العمق الثورة التي أسست للدولة الحديثة، وما الحداثة والتنوير سوى خلفيات مرجعية لهذا التطور الذي عرفه الإنسان.
بيد أن الإعلام، مع الثورة التكنولوجية والرقمية، لم يعد مجرد نقلٍ للخبر، أو توصيفٍ للحدث كما جرى ويجري في الواقع، بل بات صناعةً متحكمًا فيها، لها وسائلها وتقنياتها، ولها أهدافها وغاياتها، التي باتت في انفصال مستمر ومتزايد عن الواقع والحقيقة، بشكل أصبح الواقع بناء وتشكيلًا جديدًا وفق ما تبتغيه مدارات السلطة ورهاناتها، سواء كانت هذه السلطة سياسية أو اقتصادية، ثقافية أو اجتماعية، وسواء كانت نخبوية أو شعبية جماهيرية، وسواء كانت هذه السلطة داخلية أو خارجية، وطنية أو دولية، حيث كل شيء يمر عبر مسارات ومدارات تخفي أكثر مما تظهر، وحيث الشفافية التي ارتبطت بأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام في الزمن القديم، باتت، في زمن الحداثة السائلة، شفافية مضللة، وانعكاسية زائفة.
فرجال الإعلام والصحافة كانوا في البداية كَتَبة وباعة بريد متجولين، سيرًا على الأقدام أو على ظهور الخيل؛ ثم جاء الحمام الزاجل حاملًا رسائل الملوك والأباطرة، إلى أن حل عهد اليونان القديمة، التي وجدت، وسيلة أخرى للتواصل السياسي، وهي التعبير المباشر بين السياسيين والجمهور، في "الأغورا"، حيث كان الهدف هو التعبير والتداول والإقناع والاقتناع.
إعلان
لقد كان الخطاب مفعمًا بالحيوية والدفء والعفوية، وسمحت الشفهية بأنماط معينة من المصداقية، وبنصيب كبير من العاطفة والأخلاق، كما سمحت أيضًا بالحضور السياسي عبر عظمة الخطابة والبلاغة، حيث كان للإلقاء واللهجة والإيقاع والعروض قوتها وأهميتها.
وكان لأسلوب المواجهة السياسية ثقله على ما يجب قوله، وما لا يجب قوله، حسب السياق والمناسبة، وبالتأكيد، أيضًا على كيفية القول، وعلى المكونات الضرورية لنقل الخطاب بشكل أفضل.
وقد كان من المقرر أن يستمر هذا بثبات إلى حد ما، بدءًا من الثورة الصينية وحتى الثورة الكوبرنيكية التاريخية، وتحديدًا اختراع الطباعة مع غوتنبرغ، قبل ستة قرون، حيث غيرت الصحافة هذا الوضع المتمثل في الخطاب والقول وجهًا لوجه من خلال خطاب تم نقله، إلى خطاب تم بناؤه وتوضيبه، بعدما لم يعد السياسي على اتصال مباشر مع جمهوره المحتمل، وتم تعديل الخطاب، بحكم الأمر الواقع، وتبديله، وحتى تشويهه في بعض الأحيان، إذ كان السياسي في الماضي يلقي خطابه حاضرًا، ويختار المعلومات التي يريد نقلها ويغفل ما من شأنه أن يعرض سلطته للخطر.
بيد أن الصحافة اليوم غيرت الوضع، حيث نصبت نفسها على أنها "بائع" للمعلومات العامة، لخدمة عامة الناس، وأصبح الحضور غيابًا، والغياب حضورًا. لقد تم نفي الجسد إلى خارج مدارات العاطفة والأخلاق، وتم اختزال الحضور في الصورة.
فإذا كان صانع القرار السياسي بالأمس هو وحده صاحب سلطة الكشف عن المعلومات أو إخفائها، فإن وسائل الإعلام دخلت في المنافسة وحاولت قدر الإمكان تقديم هذه المعلومات ذات الطابع السياسي، كجزء من خدمة المواطن، ولشروط الديمقراطية لم يعد للسياسيين نفس التعريف لكلمة "إعلام"، مثلما لم يعد للصحافة والإعلام نفس الهدف والمهمة، فبات الفضاء العام يعيش قصفًا جويًا وأثيريًا للأخبار "الكاذبة" القادرة على تعزيز موقف بعض السياسيين والإعلاميين ضد بعضهم الآخر، على حد سواء، ما دام الفضاء العام مجالًا للخطاب ونقد الخطاب وللسلطة ونقيضها.
كان السياسي بحاجة إلى أن يتم تقديمه من خلال وسائل الإعلام لجمهوره: مناصريه ومعارضيه، بشكل يثمن حضوره ويقوي من حظوظه في السلطة، عبر مصداقية الصحافة المكتوبة: الجريدة والمنشورات والدوريات، التي ارتكزت كلاسيكيًا على أخلاقيات المهنة، والتي لم تكن لتعبّر بوفاء عن صورته وحقيقته كما يشتهي، لكن مع اختراع الراديو والتلفزيون، سيجد الطريقة الصحيحة لاستعادة صورته، بصوته وصورته المباشرة أو المؤجلة، معبرًا عما يخالجه وعن مقاصده بالشكل الذي يريد، بيد أن صناعة الإعلام وغرف التحرير وضغوطات المستشهرين والمستثمرين قد جعلت السياسي، كما كل الفاعلين، بما في ذلك الأنظمة والدول، يخضع لخط التحرير، الذي ليس سوى سياسة المصلحة.
إن وجوده كصوت أو كصورة أمام الكاميرات وفي مواقع التصوير بكامل طاقته منحه المزيد من القوة والثبات. لكن عوامل التوقيت والمكان المخصص له في الأستوديو، وتقنيات التحرير، وخطة التصوير، وموقع الكاميرا، والمقاطعات المتكررة للصحفي في الموقع قلصت من هذا الحضور الكلي، وقللت من طموحاته السياسية. فماذا يبقى إذن من خطابه، إن لم يكن ما يسمح له الوسيط ببثه، كما أشار بيير بورديو عن حق؟.
ولذلك أصبح الإعلام مع التطور التقني بنية ثابتة من بنيات الخطاب الإعلامي والسياسي للفاعل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. بيد أن الأمر مختلف تمام الاختلاف حين نتكلم عن الإعلام الجديد، أو الإعلام الرقمي. وبالرغم من أن التلفزيون والراديو، وحتى الصحافة المكتوبة، في ظل العصر الرقمي، قد خسرت المزيد والمزيد من الأرض والسلطة، فإن الخطاب السياسي ما فتئ يسعى بشدة إلى الاستفادة من هذه التقنيات الجديدة، مع العلم كما يقول المارشال ماك لوهان إن "الوسيلة هي الرسالة".
وكما يعتقد جاك أتالي، فإن "أداة الاتصال هي قبل كل شيء مصدر للسلطة"، لذا يحاول السياسي التكيف مع وسائل الإعلام الجديدة ومزاياها ونقاط قوتها. بيد أن هذه السلطة لم تعد المجال الخاص للسياسي، يفعل ما يريد، ومثلما يريد، وحيثما يريد، بل أصبح الفضاء العام المرقمن- وقد انتقلت الجماهير من الواقعي إلى الافتراضي- منافسًا وخصمًا للسياسي ينازعه سلطته ويوجه إستراتيجياته بشكل باتت السياسة فن تدبير الجماهير، وتوظيف الخوارزميات، وكل جاهل بالعالم الرقمي بات ضحية لشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، وعلى رأسهم المثقف الذي لم يعد قادرًا على مسايرة تطورات خطاب هذا الإعلام، بعدما تراجع صوته وصورته وتوالى حضوره إلى خارج مدارات الرقمنة والتفاعلية الرقمية، مقتصرًا على حضوره الورقي في زمن باتت القراءة في تراجع مستمر، وفي زمن برز فيه فاعلون جدد ومؤثرون، جعلتهم شبكات التواصل الاجتماعي نجوم المرحلة، بعدما تحولت الجماهير إلى وقود أشعلت نار النجومية والشهرة وتسويق المبتذل والعوالم السفلية لجسد شبقي وغرائزي وتثمين الفضيحة في ظل نظام التفاهة بتعبير آلان دونو، إلى حد بتنا نعيش فيه زمن المجتمعات الفضائحية.
إن الخبر الذي ارتبط في الصحافة القديمة والكلاسيكية بالأحداث والوقائع، كما كانت تجري حقيقة في المكان والزمان، أصبح اليوم صناعة وفذلكة وتوضيبًا، فمن خلال تركيب الصور وتوضيب الفيديوهات وفبركتها أصبح الخبر حقيقة مبنية ومصطنعة، وهو ما اصطلح عليه بالأخبار الكاذبة، أو الزائفة، أو "الفايك نيوز". ومن هنا بات الإعلام الجديد صناعة خطيرة بمثابة سيف ذي حدين، وجب أخذ خطورته بعين الاعتبار في مجال السلطة والسياسة والفكر.
أكيد أن الإعلام الجديد قد أسهم في دمقرطة العمل السياسي والأداء الاجتماعي لفاعليات المجتمع المدني، كما أسهم في تثمين النقد والمتابعة وفتح مجال الحوار والسجال على كافة المستويات، مما زاد من منسوب الثقافة السياسية للمواطنين، بيد أن شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تحولت إلى منفذ ومصدر للمعلومات والأخبار، لم تعد مجرد فضاءات شخصية، بقدر ما باتت إحدى البنيات المتحكمة في صناعة الأخبار والإعلام، بما في ذلك الأخبار الزائفة والتعبئة الجماهيرية المضللة، والتي تنال من الأفراد والجماعات، مثلما باتت تنال من هوية الأمم والشعوب والدول.
إن شبكات التواصل الاجتماعي وما تقتضيه من مشاركة جماهيرية مفتوحة على كل الاحتمالات التأويلية والدلالية، باتت اليوم تتبع توجهات وتوجيهات الخوارزميات الموغلة في التجييش والتعبئة الغوغائية، ما دام كل متبحر في هذه العوالم الرقمية يملك صوتًا وصورة وسلطة الخطاب، حيث منحت شبكات التواصل الاجتماعي للمجانين والحمقى والأغبياء صوتًا وسلطة بتعبير إمبرتو إيكو، وهو ما يحتم علينا اليوم بناء مصفاة أخلاقية وقيمية، معنوية وقانونية ومؤسساتية، تمنع كل انحراف للإعلام الجديد من الغرق في بحر الأخبار الزائفة والدعاية المغرضة التي تمس الحياة الخاصة للأفراد والجماعات، وتنال من سمعة الفاعلين في المجال العام، وفق ما بات يعرف بتلويث السمعة الرقمية، التي أصبح لها جنود ومرتزقة، اصطلح عليهم بـ "الذباب الإلكتروني"، بما يجعلنا أمام حرب مفتوحة.
إعلان
يقتضي ما سبق أن نعيد الاعتبار لأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام، من جهة، ووجوب إنفاذ القانون فيما يخص الأخبار الزائفة والدعاية المغرضة وتلويث السمعة الشخصية والسياسية والاجتماعية للفاعلين في المجال العام. ذلك أن الانتصار للتكنولوجيات الحديثة في مجال الصحافة والإعلام، وفي مجال الثقافة والفكر، لن يتم إلا عبر تفكيك نظام التفاهة، الذي يبدو أنه أصبح يقود العالم نحو الهاوية، خاصة إذا تكلمنا عن مجتمعاتنا السائرة نحو التخلف المستديم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
تعرف على كلفة الحج في الدول العربية
يتمنى المسلمون أداء فريضة الحج التي كلف الله بها من استطاع إليه سبيلا لمشقتها ماليًا وربما من جوانب أخرى، وفي هذا العام يؤدي 1.6 مليون شخص الفريضة. وفي هذه الأثناء بدا مشهد إيماني مهيب مع توافد الحجيج إلى صعيد عرفات تغمرهم المشاعر الإيمانية لأداء الركن الأعظم لفريضة الحج. وذكرت وكالة الأنباء السعودية أنه خلال عملية انتقال جموع الحجيج من منى إلى عرفات "اتسمت الحركة المرورية بالانسيابية". وارتفعت أسعار رحلات الحج في بعض الدول العربية خلال العام الجاري مع زيادة أسعار تذاكر الطيران وتراجع العديد من العملات أمام الدولار، في حين أبقت دول عربية على كلفة الحج مع تحملها الزيادة في الكلفة. وتتباين تكاليف الحج في بعض الدول العربية، وفق ما أظهرته متابعة مراسلي الجزيرة نت والتي جاءت كالتالي فيما يلي: مصر متوسط كلفة الحج: 8893 دولارا. شهدت أسعار الحج في مصر ، سواء السياحي (الخاص) أو القرعة والجمعيات (حكومي، أهلي) قفزة كبيرة تراوحت بين 25% و60% على الرغم من تراجع التضخم من مستوى 33% العام الماضي إلى أقل من 17% حاليا. ولم تتوقف الزيادة عند هذا الحد، بل تبعتها أسعار تذاكر الطيران التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق وصل إلى 100% هذا العام، وفقا لمواقع محلية. إعلان ورغم هذه الزيادات الحادة التي تُثقل كاهل الحجاج، إلا أن الموسم الحالي تميز بانضباط كبير في التنظيم، على عكس العام الماضي الذي شهد مخالفات جسيمة ووقوع آلاف الحجاج فريسة لـ"سماسرة الحج". ويقول محمد إسماعيل صاحب شركة سياحة بمحافظة الجيزة (ضمن نطاق القاهرة الكبرى) لمراسل الجزيرة نت محمد عبد الله: "زادت أسعار الحج بنسب كبيرة هذا العام سواء للحكومي أو الخاص، وبلغت أسعار تذاكر الطيران نحو 100 ألف جنيه (حوالي ألفي دولار) وهو أمر غير مبرر أو مقبول". وبشأن كلفة الحج من دون تذاكر الطيران كانت كالآتي: متوسط الحج السياحي 550 ألف جنيه (11 ألف دولار) متوسط الحج الاقتصادي 275 ألف جنيه (5537 دولارا) تراوح حج الجمعيات الأهلية بين 395 ألف جنيه (8 آلاف دولار) و240 ألف جنيه (4832 دولارا). إضافة تذكرة طيران تتراوح بين (1100 دولار وألفيْ دولار) لكافة برامج السياحة. وتبلغ حصة مصر الرسمية من تأشيرات الحج هذا العام 78 ألفا و500 تأشيرة، تتوزع بين وزارات السياحة والداخلية والتضامن، وتستحوذ وزارة السياحة على النصيب الأكبر بواقع 36 ألف تأشيرة. ويقول عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية، علي غنيم إن "جهود الحكومة المصرية نجحت هذا العام في فرض انضباط كبير على تنظيم الحج السياحي، واستطاعت منع تلاعب بعض شركات السياحة أو موظفيها بالحجاج بأساليب غير شرعية وبيعهم أوهامًا زائفة". وأضاف لمراسل الجزيرة نت أن هذه الإجراءات أسهمت بشكل فعال في القضاء على ظاهرة سماسرة الحج السياحي غير الشرعيين، الذين تسببوا في فوضى عارمة وارتكبوا مخالفات صارخة في تنظيم الرحلات العام الماضي، مما أدى إلى وفيات وملاحقات لبعض الحجاج، وخسارة آخرين لأموالهم. وأوضح غنيم أن العام الحالي شهد إقرار عقوبات وغرامات غير مسبوقة، فرضتها وزارتا السياحة المصرية والحج السعودية على الشركات المنظمة التي ستخالف تطبيق برامج الحج لهذا العام. متوسط كلفة الحج: 5030 دولارا. عدد حجاج فلسطين لعام 2025: 6600 منهم 1350 من الغزيين المقيمين في مصر و5250 من الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة. رسوم الحج: تتراوح بين 3320 دينارا أردنيا (4680 دولارا) و3817 دينارا (5380 دولارا). ويعاني الفلسطينيون حصارا وحربا إسرائيلية مدمرة منعتهم من الخروج لأداء فريضة الحج وسط دعوات دولية لوقف إراقة الدماء ووقف إطلاق النار. وعلى صعيد مستويات الأسعار خلال أبريل/نيسان سجلت أسعار المستهلك ارتفاعًا حادًا في قطاع غزة بنسبة 75.59% مقارنة بشهر مارس/آذار2025، كما سجل المؤشر ارتفاعًا في القدس بنسبة 0.24%، بينما سجل الرقم القياسي انخفاضًا مقداره 0.13% في الضفة الغربية. وعلى أساس سنوي، ذكر تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نهاية 2024 أن نقصا حادا في السلع التي تدخل إلى قطاع غزة نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على القطاع، وما نتج عنه من تداعيات على الضفة الغربية، إضافة إلى تأثر فلسطين بالوضع الإقليمي، أدى، بشكل أساسي، إلى ارتفاع حاد في مستوى الأسعار في قطاع غزة بأكثر من 227%، ترافق ذلك مع ارتفاع أسعار المستهلك في الضفة الغربية بحوالي 3%. الأردن متوسط كلفة الحج: 4613 دولارا. حصة الأردن من عدد الحجيج: 8 آلاف حاج. عدد المسجّلين لأداء الفريضة: 29 ألفا. كلفة الحج: للطيران: بين 2999 إلى 3737 دينارا (4235 دولارا – 5278 دولارا). برًّا: بين 2795-3132 دينارا ( 3947 دولارا – 4423 دولارا). حسب أرقام رسمية، انخفضت كلفة الحج لهذا العام للحاج الأردني تقريبًا 100 دولار عن العام الفائت 2024. السعودية متوسط كلفة الحج: 2834 دولارًا. أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية عن 4 باقات رئيسية لحجاج الداخل: الباقة الأولى – مخيمات مطورة: 10 آلاف و366 ريالا سعوديا (2765 دولارًا). الباقة الثانية – مخيمات الضيافة: 8092 ريالا (حوالي 2160 دولارًا). الباقة الثالثة – الأبراج الستة: 13 ألفا و150 ريالا (حوالي 3508 دولارات). الباقة الرابعة – أبراج كدانة الوادي: 12 ألفا و537 ريالًا سعوديًا (3338 دولارًا). الكويت متوسط كلفة الحج: 32 ألفًا و200 دولار. في الكويت تتراوح تكلفة الحج بين 1650 دينارا (حوالي 5400 دولار) للفئة "ج" و18 ألف دينار (حوالي 59 ألف دولار) للغرفة المفردة في الفئة "أ" بارتفاع طفيف عن العام الماضي. إعلان متوسط كلفة الحج: 15 ألفًا و770 دولارًا. تتراوح أسعار باقات الحج لعام 2025 في قطر بين 30 ألف ريال (8228 دولارا) و85 ألف ريال (23 ألفًا و313 دولارا)، بناءً على مستوى الخدمات المقدمة بارتفاع ألفيْ ريال (548 دولارا) في الحد الأدنى للحج عن العام الماضي. سلطنة عُمان متوسط كلفة الحج: 4493 دولارًا. وفي سلطنة عمان يبلغ متوسط تكلفة الحج بالسفر جوًا حوالي 2137 ريالا (5557 دولارا)، وتشمل الخدمة تذاكر الطيران والإقامة في فنادق قريبة من الحرمين الشريفين، والمواصلات الداخلية، والإعاشة. أما كلفة الحج بالسفر برًا فتبلغ 1319 ريالا (3430 دولارا)، وتشمل الخدمة النقل البري والإقامة والمواصلات الداخلية والإعاشة. متوسط كلفة الحج: 5635 دولارًا. تتراوح كلفة الحج في الإمارات بين 16 ألفا و900 درهم (4601 دولار) وتصل إلى 24 ألفا و500 درهم (6670 دولارا)، وذلك حسب نوع الغرفة والخدمات المقدمة. وتغطي هذه الكلفة عادة تذاكر الطيران والإقامة في فنادق قريبة من الحرمين الشريفين والمواصلات الداخلية في السعودية والإعاشة والخدمات اللوجستية الأخرى. متوسط كلفة الحج: 5835 دولارًا. تتفاوت تكاليف الحج في البحرين لعام 2025 بشكل ملحوظ، حيث قدمت الحملات باقات متنوعة تبدأ الأسعار من حوالي 1400 دينار بحريني (3713 دولارا) للباقات الاقتصادية، وتصل إلى 9 آلاف دينار (23873) للباقات الفاخرة التي تشمل خدمات متميزة مثل الإقامة في فنادق 5 نجوم ومخيمات خاصة. الباقات الاقتصادية: تبدأ من 1400 دينار (3713 دولارا)، وتشمل الإقامة في غرف رباعية أو ثلاثية، مع خدمات أساسية. الباقات المتوسطة: تتراوح بين 1900 (5039 دولارا) و3 آلاف دينار (7957 دولارا)، وتشمل غرفا ثنائية أو ثلاثية، مع خدمات محسّنة. الباقات الفاخرة "في آي بي" (VIP): تبدأ من 6 آلاف دينار (15ألفًا و915 دولارا) وتصل إلى 9 آلاف دينار (23 ألفًا و873 دولارا)، وتشمل غرفا فردية أو ثنائية في فنادق 5 نجوم، ومخيمات خاصة، وخدمات متميزة. إعلان تونس متوسط كلفة الحج: 7 آلاف دولار. حددت وزارة الشؤون الدينية التونسية كلفة الحج بـ20 ألفا و700 دينار تونسي (7 آلاف دولار). الحصة المخصصة لتونس من تأشيرات الحجاج: 11 ألف حاج، وفق مراسل الجزيرة نت خميس بن بريك. بلغت نسبة التضخم في أبريل/نيسان الماضي 5.6% بتراجع طفيف مقابل شهر مارس/آذار الذي سجّل 5.9%، وبلغت النسبة نحو 7% في سنة 2024، لكن حسب خبراء الاقتصاد لا يعكس هذا التراجع الطفيف معاناة التونسيين مع غلاء الأسعار التي تبقى مرتفعة بشكل كبير على أرض الواقع. متوسط كلفة الحج: 6385 دولارا. أبقت الجزائر هذا العام على كلفة الحج مثل العام الماضي أي عند 840 ألف دينار (6385 دولارا و20 سنتًا)، وتشمل تذكرة السفر والنقل والإقامة، على أن تتحمل الدول زيادات مقررة في تكاليف الحج. عدد الحجاج الجزائريين 2025: 41 ألفا و300 حاج وحاجة. وعقب انتهاء قرعة الحج الرسمية، تم إجراء أخرى استثنائية، بعدما أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن تخصيص ألفيْ تأشيرة حج للبالغين من العمر 70 عاما فما فوق، والذين سجّلوا في قرعة الحج 10 مرات أو أكثر لتمكين كبار السن من أداء فريضة الحج، خاصة أولئك الذين لم يحالفهم الحظ في القرعات السابقة. وتراجعت معدلات التضخم بصورة واضحة خلال عام 2024 إلى 4% من 9.3% في 2023، وفق آخر تقرير صادر عن البنك الدولي. وتوقع البنك أن ينخفض معدل التضخم إلى 3.7% خلال عام 2025. ولم تصدر أرقام التضخم لعام 2025 بعد. العراق متوسط كلفة الحج: 3850 دولارا. تتراوح كلفة أداء فريضة الحج للمواطن العراقي بين 3450 دولارا و 3500 دولار للسفر برًا. تتراوح تكلفة السفر جوًا بين 4200 دولار و5 آلاف دولار. يُعزى هذا التفاوت في التكاليف إلى نوع وسيلة النقل (جوي أو بري) وسرعة حجز رحلات العودة. وقال المستشار الحكومي علاء الفهد، لمراسل الجزيرة نت فارس الخيام إن حصة العراق الإجمالية من الحجاج لعام 2025 بلغت 39 ألفًا و690 حاجا من بينهم المرشدون والمتعهدون والإداريون والأطباء. وأفاد الفهد بأن أكثر من 60% من إجمالي الحجاج العراقيين فضلوا الانتقال لأداء المناسك جوا. وتابع "تكفلت هيئة الحج العراقية بتوزيع مبالغ الهدي من مواردها الخاصة على جميع الحجاج العراقيين، مؤكدا أن مستوى الإقامة والطعام موحد لجميع الحجاج، إضافة إلى تقديم الخدمات الطبية والأدوية مجانا لكافة الحجاج". ليبيا تتراوح كلفة الحج لليبيين بين 7 آلاف و8 آلاف دولار، وتتكفل حكومة الوحدة الوطنية بمصاريف الحجاج للعام الرابع على التوالي، وفق قول المدير التنفيذي لهيئة شؤون الحج والعمرة. وبلغ عدد الحجاج الليبيين لهذا العام 7887 حاجا، حسبما نقلت مراسلة الجزيرة نت رشا الدرسي عن مدير المكتب الإعلامي لهيئة شؤون الحج والعمرة، حاتم الألفي. في أبريل/نيسان الماضي خفض مصرف ليبيا المركزي سعر صرف الدينار مقابل الدولار إلى 5.56 من 4.83 دينارات مقابل الدولار. سوريا متوسط كلفة الحج: 4900 دولار. تبلغ كلفة الحج في سوريا 4900 دولار وتشمل كافة الخدمات حسبما قالت مصادر متعددة لمراسلة الجزيرة نت شام السبسي. ويبلغ عدد الحجيج من سوريا هذا العام 22 ألفا و500 حاج، وفق قول مصدر رسمي لمراسلة الجزيرة نت. وبلغ معدل التضخم العام المحسوب في سوريا للفترة من فبراير/شباط 2024 حتى يناير/كانون الثاني 2025 ما معدله 46.7%، وهو أدنى من المعدل 119.7% المحسوب خلال الفترة نفسها للعام السابق. المغرب متوسط كلفة الحج: 9150 دولارا. تبلغ كلفة الحج ضمن التنظيم الرسمي الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 63 ألفا و770 درهما (6900 دولار)، أما الشركات (الوكالات) فتنظم رحلات بمقابل يتراوح بين 70 ألفا و 140 ألف درهم (ما بين 7600 و15 ألفا و200 دولار)، وفق مراسلة الجزيرة نت سناء القويطي. وبلغ عدد الحجاج المغاربة لهذا الموسم 34 ألف حاج، منهم 22 ألفًا و500 حاج بتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، و11 ألفا و500 بتنظيم وكالات السفر السياحية. ويرافق حجاجَ التنظيم الرسمي بعثة من 462 مرافقا، بمعدل مرافق لكل 49 حاجا في مختلف المراحل، فيما تضم البعثة الإدارية 165 عضوا، يشرفون على التنظيم والتنسيق مع الجهات السعودية، أما أعضاء البعثة الصحية فعددهم 82 عضوا والبعثة العلمية 24 من علماء وعالمات، والبعثة الإعلامية 12 عضوا. لبنان متوسط كلفة الحج: 5500 دولار. يبلغ الحد الأدنى لكلفة الحج في لبنان 5 آلاف دولار، فيما يبلغ الحد الأعلى 10 آلاف دولار، وفق قول مراسلة الجزيرة نجية الدهيشي. عدد الحجيج من لبنان: 6 آلاف شخص. السودان متوسط كلفة الحج: 5473 دولارًا. بلغ عدد حجاج هذا العام من السودان 11 ألفا و500 وهو الأعلى منذ كورونا، حسبما أفاد المجلس الأعلى للحج والعُمرة بالسودان. أما كلفة الحج فتختلف حسب الولاية القادم منها الحاج، ويمتد السودان على مسافات شاسعة، لكن بصورة عامة بلغت كلفة الحج للمسافرين عبر البواخر بالبحر 11 مليون و300 ألف جنيه سوداني (5242 دولارا)، بينما بلغت كلفته للمسافرين جوا 12 مليونا و300 جنيه سوداني (5705 دولارات)، وفق سعر البنك لأقل ولاية.


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
إلغاء تأشيرات الطلاب واتساع رقعة الحرب التجارية الأميركية الصينية
علاقة الصراع بين أميركا والصين بدأت مبكرًا، وإن كانت وصلت إلى الحرب الاقتصادية العلنية مع مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى 2017-2020، ويمكن رصد مسيرة الصراع منذ مطلع الألفية الثالثة حتى الآن في 5 محاور رئيسة. فقد شملت دائرة الصراع الاقتصادي الأميركي الصيني المحاور الآتية: اتهام الصين بإصرارها على إبقاء قيمة عملتها منخفضة من أجل زيادة الصادرات. اتهام الصندوق السيادي الصيني بممارسة دور سياسي. اتهام شركات التكنولوجيا الصينية بالقيام بأعمال تجسس. قيام أميركا باستخدام آلية الرسوم الجمركية بشكل مبالغ فيه ضد الواردات من الصين. الإعلان عن العزم على البدء بإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين، وبخاصة أولئك الذين يرتبطون بعلاقة بالحزب الشيوعي، أو يدرسون في تخصصات حساسة. وهنا يأتي التوظيف السياسي للقرار المزمع اتخاذه من قبل أميركا تجاه الطلاب الصينيين، إذ سيصنف الطلاب حسب انتمائهم السياسي داخل بلدهم، وكذلك نوعية الدراسات التي يلتحقون بها. ووصفت الخارجية الصينية إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنه غير منطقي، وأنه يضر بمصالح الطلاب الصينيين. ويذكر أن الطلاب الصينيين يعدّون من أحد أهم مصادر التمويل للجامعات الأميركية، لكونهم يدفعون رسوما دراسية كاملة. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد الطلاب الصينيين بأميركا يصل إلى 277 ألف طالب بمراحل التعليم الجامعي والدراسات العليا، وترصد بعض التقارير أن العدد في تناقص منذ عام 2021، إذ كانت الأعداد تزيد على 300 ألف طالب. وذكرت وكالة بلومبيرغ أن نواب من الحزب الديمقراطي قد نبهوا في تقرير لهم إلى خطورة اطلاع طلاب صينيين على أبحاث موّلت من قبل وزارة الدفاع، وهو ما يعني نقل أسرار هذه الدراسات لدولة معادية. وهنا الملاحظة المهمة، والتي يمكن من خلالها قراءة خلفيات ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي، أن الأمور تأتي من خلال مخاوف أمنية تتعلق بنقل للتكنولوجيا، وبخاصة في ظل الحرب الاقتصادية المعلنة بين أميركا والصين. الجدير بالذكر أن بعثات الصين التعليمية إلى أميركا بدأت في سبعينيات القرن العشرين بمبادرة من الرئيس الأميركي جيمي كارتر ، إذ بدأت بابتعاث نحو 10 آلاف طالب صيني، إلا أنها في السنوات الأخيرة في أقل تقديراتها، وكانت في بعض السنوات قد تجاوزت 900 ألف طالب. المصالح لا المبادئ على الرغم من تبنّي مشروع العولمة الأميركي منظومة من المبادئ، من حرية التجارة والاستثمار الأجنبي، والمنافسة الاقتصادية والتجارية، وتوزيع المنافع بين الشركاء في الاقتصاد العالمي، فإن الواقع يعكس صورة أخرى عمادها أن المصالح مقدمة على المبادئ، والأخطر أن العلاقة بين القوى الاقتصادية تأتي في إطار الصراع وليس المنافسة، وعكست صحة هذا الادعاء ممارسات ترامب في مواقف عدة تتعلق بالرسوم الجمركية وحجب التكنولوجيا. ولذلك كثُر المتضررون من ممارسة أميركا الاقتصادية، سواء من خلال تصديرها لمشكلاتها الاقتصادية الداخلية، عبر سياساتها المالية والنقدية، أو الخروج على منظومة المنظمات الدولية المعتمدة على مبدأ "تعدد الأطراف". ف العجز التجاري المزمن في أميركا، وإشكالية دينها العام المتزايد، يضغطان على الوضع المالي هناك، مما دعا لإعادة التصنيف الائتماني لأميركا من قبل وكلات التصنيف الدولية، حيث تراجع تصنيف أميركا على مؤشر وكالة موديز في مايو/أيار 2025 من "إيه إيه إيه" إلى "إيه إيه1". تجاهل التاريخ محاور الصراع والحرب الاقتصادية بين أميركا والصين تم تناولها ومناقشتها من قبل بشكل واسع عبر وسائل الإعلام أو الحلقات العلمية، إلا أن الخطوة الأخيرة التي تخص إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين هي الأكثر حداثة في مسيرة الصراع. وإن كانت أميركا تقوم اليوم باتخاذ مثل هذه الخطوة ضد طلاب الصين فمن الوارد أن تتخذها ضد دول أخرى كلما شعرت بأن هؤلاء الطلاب يسعون لنقل التكنولوجيا لبلدانهم، أو أن هذه الدول تمثل نوعًا من المنافسة غير المرغوبة للاقتصاد الأميركي. ولكن على أميركا أن تعي أن سجلات التاريخ محفوظة، وأنها إبان بناء نهضتها اتجهت لإرسال طلابها إلى دول أخرى في بعثات تعليمية أسهمت في تقدمها تكنولوجيًّا، فالكاتب البريطاني جون تشانج يذكر في كتابه "ركل السلم بعيدًا.. إستراتيجيات التنمية والتطور قديمًا وحديثًا" أنه مما يدلل على تقدم نوعية التعليم في ألمانيا أنه "قدم إليها 9 آلاف أميركي للدراسة بين عامي 1820-1920". وإن كانت الفترة تمتد إلى 100 عام، إلا أن المبدأ نفسه استفادت منه أميركا، ولنا أن نتخيل هذا العدد في ذلك الزمن، فهو عدد معتبر بمعايير عدد السكان آنذاك، كما أن الأيام دول وأميركا لم تكن بلا هدف من وراء بعثاتها التعليمية لألمانيا، فقد رأينا كيف لعبت أميركا أدوارا متعددة في الحربين الأولى والثانية، مكنتها في ما بعد من قيادة العالم، وكان للعلم والبحث العلمي دور كبير في هذا الأمر. ويقدر عدد الطلاب الوافدين إلى أميركا في عام 2024 بنحو 1.1 مليون طالب، يمثل الطلاب الهنود والصينيين منهم نصيب الأسد بنحو 50%، وإن كانت الهند تتقدم الصين من حيث عدد الطلاب الوافدين لأميركا. التأثير الاقتصادي حسب بيانات البنك الدولي، تبلغ صادرات الخدمات الأميركية في 2023 نحو تريليون دولار. تستحوذ الصين منها على قرابة 50 مليار دولار، حسب أرقام العام نفسه، بينما الأرقام الخاصة بصادرات الخدمات التعليمية الأميركية للصين بلغت 14.3 مليار دولار. وإن كان الرقم كبيرا إلى حد ما، عندما ننظر إليه في ضوء إنفاق الدول الأخرى على الخدمات التعليمية بأميركا، إلا أنه لا يمثل شيئا يذكر عند مقارنته بالناتج المحلي الإجمالي الأميركي البالغ 27.7 تريليون دولار في عام 2023. ثقل إنتاج التكنولوجيا التأثير الاقتصادي قد يُنظر إليه في الأجل القصير أو في الجانب المباشر بحجم إنفاق هؤلاء الطلاب وما يحدثونه من زيادة في الطلب على السلع والخدمات، ولكن التأثير غير المباشر هو ما استرعى انتباه إدارة ترامب، ومن قبلها مسؤولين أميركيين، إذ يتمثل هذا الأثر غير المباشر في تغيير ثقل إنتاج التكنولوجيا، فقد لاحظ النواب الأميركيون أن طلاب الصين يمثلون الكتلة الأكبر من الطلاب الأجانب بالجامعات الأميركية في مجالات العلوم والتكنولوجيا. ولكنّ ثمة أمرا مهمًّا يتعلق بإسهام الأجانب في تطوير البحث العلمي بأميركا، حيث تعتبر إسهامات الأجانب ملموسة ولا يمكن تجاهلها، وقد تؤدي الخطوة الأميركية إلى تأثير سلبي على مسار البحث العلمي في ضوء منع تأشيرات الدخول للبلاد للطلاب الصينيين. ويتوقع أن يتزايد الصراع بشكل عام، وفي مجال البحث العلمي بشكل خاص، وكلا الطرفين بلا شك سوف يبحث عن بديل، فقد تذهب الصين بطلابها للأبواب الخلفية للتكنولوجيا الأميركية في الهند أو كوريا الجنوبية. بينما قد تفتح أميركا الباب لجنسيات أخرى من أميركا اللاتينية أو تزيد حصة الطلاب من شرق آسيا لتعويض الحضور الصيني في التعليم الجامعي والدراسات العليا. ونحسب أن حسابات كلا الطرفان إستراتيجية ولا تخضع للتكتيك، فالصراع في طريقه للتزايد، وحتى لو هدأت ملفات أخرى تتعلق بالرسوم الجمركية، إلا أن ملف نقل التكنولوجيا من أميركا للصين ستكون له حسابات أكثر تشددًا، وهو أمر يمثل اتفاقا بين الحزبين الأميركيين، الديمقراطي والجمهوري، فإبان ولاية بايدن زادت القيود التكنولوجية على الصين.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
سائقو الشاحنات العالقون بمعبر رفح يروون حكاية الانتظار والصبر
شمال سيناء ـ تحت شمس قاسية تلفح الأجساد وتكاد تذيب الصبر، وعلى امتداد الطريق الحدودي شرقي مدينة رفح المصرية، تصطف مئات الشاحنات المحملة بمواد إغاثية خفيفة الوزن عظيمة الأثر، تنتظر السماح بالعبور نحو قطاع غزة ، حيث ملايين الأرواح تتوق للحياة وتتشبث بالأمل. ورغم صمت الشاحنات المركونة، فإن تفاصيلها تنطق بحكايات إنسانية لسائقيها الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين واجب إنساني جسيم ومحنة انتظار مرهق بلا نهاية واضحة، فلا فنادق ولا مرافق تليق بالبشر، فقط مقاعد الشاحنات وأغطية خفيفة وبعض الظلال المؤقتة، ومشاعر مرهفة تتشبث بالأمل رغم الجفاف القاسي. من بين هؤلاء، يجلس محمد سيد عبد الصبور (32 عامًا) على طرف درج شاحنته، يروي للجزيرة نت أنه لم يبرح مكانه منذ أكثر من 120 يوما، بعد انطلاقه من مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة ، محمَّلا بالتمر والبسكويت والحليب المجفف لصالح قوافل أهلية. يقول محمد "هذه الشاحنة لم تعد مجرد وسيلة نقل، بل صارت بيتي وسقفي ووسادتي، نحمل الخير في قلوبنا قبل الشاحنات، وننتظر إذن عبور قد لا يأتي سريعًا". ويضيف -وهو يمسح عرقه بقطعة قماش مبللة- "نطهو طعامنا على أنابيب غاز صغيرة ونقتسم الماء والدعاء، لا كهرباء ولا حمامات، فقط ظل الصبر، ولكننا لا نفكر في العودة لأننا نؤمن بأن ما نحمله حياة لناس خلف الجدار". وبصوت تغلب عليه العزيمة رغم الانكسار، يقول أبو خالد (45 عامًا) "لسنا مجرد سائقين، نحن نحمل رسالة إنسانية، نصحو مع أول خيوط الشمس، نغسل وجوهنا بمياه قليلة احتفظنا بها من الليلة الماضية، ونبدأ يوما جديدا من الانتظار والترقب". ويتابع "وجباتنا بسيطة؛ أرز، علب تونة، خبز وزيتون، نتبادلها ونتعاون على طهيها على نار بدائية، لا مطابخ مجهزة هنا، فقط أدوات متنقلة، لكن قلوبنا معلقة بمن ينتظرونها بفارغ الصبر". بانتظار إذن ويعيش محمد عبد العزيز (46 عاما) وضعا لا يختلف كثيرا عن زملائه، ويقول للجزيرة نت "نبحث عن أماكن نائية للاستحمام بمياه قليلة أو نستخدم خزانات الشاحنات، والحمامات المؤقتة غير كافية ولا تصلح للاستخدام إلا في أضيق الظروف. لكننا نبقى، لأن العودة معناها أن نترك إخواننا بلا أمل". أما حسن سيد أحمد (33 عامًا) فيقول إن ساعات الانتظار تُستهلك في الصلاة، قراءة القرآن، صيانة الشاحنات، أو حتى لعب الورق لتخفيف الضغط النفسي، ويضيف "الاتصال بالأهل صعب، الشبكة ضعيفة، نترقب الأخبار، لعلها تحمل خبرا عن عبور قريب". ويتابع "المحنة ليست فقط في قلة الطعام أو شح المياه، بل في العجز.. حين تعلم أن ما تحمله قد ينقذ حياة، وتُمنع من الوصول، لا لسبب إلا تأخر الإذن أو تعقيدات إدارية". محاولات الإسناد أحمد عبد العزيز علي (52 عامًا)، القادم من محافظة المنوفية، يتحدث بنبرة يغلبها التعب "منذ فبراير/شباط وأنا هنا، قطعت المسافات محمّلًا بالمعلبات والمساعدات، أشتري ما أحتاجه من مدينة الشيخ زويد، عبر سيارات خاصة، ونتدبر أمورنا بما نستطيع، لكننا نعيش على أمل إفراغ الحمولة والعودة لتحميل أخرى.. بإذن الله". ويضيف للجزيرة نت "نحتاج على الأقل كرفانات أو كبائن مكيفة تحفظ الحد الأدنى من الكرامة، نحن نعيش في حرارة قاسية لا تطاق، ولا نطلب رفاهية، فقط مقومات حياة آدمية أثناء الانتظار". ويقول أسامة بلاسي (40 عامًا)، وهو سائق شاحنة أخرى، إن المتطوعين والجمعيات الأهلية كانوا يقدمون وجبات يومية في بداية الأزمة، لكن الإمدادات تراجعت مع الوقت بسبب ضعف الموارد. ويتابع موضحا أن "أهل شمال سيناء كرماء، يفتحون بيوتهم لنستخدم دورات المياه، ويعطوننا ما لديهم من خضار وماء، رغم أن الموارد شحيحة أصلًا، لكننا بحاجة لحلول جذرية، فالانتظار طال، والاستجابة من الجهات المعنية بطيئة". رد رسمي في المقابل، أكد اللواء عاصم سعدون، نائب محافظ شمال سيناء ، أن المحافظة تبذل ما بوسعها لتأمين احتياجات السائقين العالقين، من خلال جولات ميدانية تنفذها إدارة الأزمات لتقديم الغذاء والماء والرعاية الطبية. وشدد سعدون على أن الأجهزة المحلية تعمل لضمان كرامة السائقين الذين وصفهم بـ"خط الدفاع الأول" في المعركة من أجل الحياة، مؤكدا أن المحافظة تدرك حجم التحدي وتواصل التنسيق لتذليل العقبات أمام مهامهم الإنسانية. في ظل تلك الظروف، تتجلى قصة نادرة من التضحية والواجب الإنساني، فهؤلاء السائقون، العالقون منذ أشهر، لا يطالبون بأكثر من ظروف تحفظ كرامتهم وتُيسّر أداء دورهم. وبينما تمضي الأيام في حرارة رفح ولهيب الانتظار، تظل عيونهم معلقة ببوابة معبر يأملون أن تفتح في أي لحظة، لتنطلق شاحناتهم من صمت الحدود إلى صخب الحياة في غزة.