logo
التلاسيميا تحت المجهر... إستراتيجيّات مبتكرة للتشخيص والعلاج

التلاسيميا تحت المجهر... إستراتيجيّات مبتكرة للتشخيص والعلاج

الديار٠٦-٠٢-٢٠٢٥

مرض التلاسيميا هو اضطراب وراثي في تكوين الهيموغلوبين، البروتين الأساسي الموجود في خلايا الدم الحمراء والذي يقوم بنقل الأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم. يعود أصل المرض إلى طفرة جينية تؤثر على سلسلة تصنيع الهيموغلوبين، مما يؤدي إلى إنتاج جزيئات غير طبيعية أو ناقصة الوظيفة. تنتقل الطفرة من الوالدين إلى الأبناء وفقًا لأنماط وراثية محددة، وقد تختلف شدة المرض بين الأفراد؛ فمنهم من يعاني من أعراض طفيفة ومنهم من يتعرض لأعراض شديدة تتطلب تدخلاً طبيًا مستمرًا.
يبدأ المرض غالبا منذ الطفولة المبكرة، حيث تظهر أعراضه عادةً خلال الأشهر الأولى من العمر. يعاني المرضى من فقر الدم المزمن، الذي ينتج عنه شعور دائم بالتعب والضعف، وقد يصاحب ذلك شحوب في لون البشرة. كما أن هناك علامات أخرى قد تظهر مع مرور الوقت، مثل زيادة حجم الطحال والكبد بسبب تراكم الخلايا الدموية غير السليمة، مما يسبب شعورًا بعدم الراحة وضغطًا على الأعضاء المحيطة. وفي حالات معينة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشوهات في العظام خاصة في منطقة الوجه والرأس نتيجة لمحاولات الجسم المتكررة لتعويض النقص في إنتاج خلايا الدم الحمراء.
يُعد التشخيص المبكر حجر الزاوية في إدارة مرض التلاسيميا، إذ يساعد على الكشف عن المرض في مراحله الأولى وتحديد شدة الحالة بشكل دقيق، مما يمكّن الأطباء من وضع خطة علاجية متكاملة ومناسبة لكل مريض على حدة. يعتمد الأطباء في تشخيص التلاسيميا على مجموعة متكاملة من الفحوصات المخبرية؛ يبدأ ذلك بإجراء تعداد دم كامل يتيح للطبيب فحص عدد خلايا الدم الحمراء وجودتها، إلى جانب قياس مستويات الهيموغلوبين لتقييم قدرة الدم على نقل الأكسجين. كما تُستخدم الفحوصات الجينية المتقدمة لتحديد الطفرة المسؤولة عن اضطراب تصنيع الهيموغلوبين، وهو ما يساهم في تمييز نوع التلاسيميا بين أشكالها المختلفة مثل التلاسيميا الصغرى والتلاسيميا الكبرى.
هذه الإجراءات لا تساعد فقط في التشخيص، بل تعمل أيضًا على تقدير مدى شدة المرض، مما يتيح للفرق الطبية اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التدخل العلاجي المناسب، سواء كان ذلك عن طريق نقل الدم الدوري أو استخدام علاجات موجهة لتخفيف تراكم الحديد في الجسم، والذي يُعد أحد المضاعفات الخطيرة الناتجة عن عمليات نقل الدم المتكررة.
وعلى الرغم من عدم إمكانية الشفاء الكامل من مرض التلاسيميا حتى الآن، فقد ساهم التقدم الطبي والبحث العلمي في تحسين جودة حياة المرضى بشكل ملحوظ. فقد تطورت استراتيجيات العلاج لتشمل برامج نقل الدم المنتظمة التي تهدف إلى تعويض النقص في خلايا الدم الحمراء وتحسين الأعراض المصاحبة لفقر الدم. كما تم تطوير علاجات دوائية فعالة تعمل على تقليل تراكم الحديد في الجسم، مثل استخدام خافضات الحديد، مما يقلل من مخاطر الإصابة بأضرار الكبد والقلب والأعضاء الحيوية الأخرى. إلى جانب العلاجات الطبية، يلعب الدعم النفسي والاجتماعي دورًا مهمًا في مساعدة المرضى وعائلاتهم على مواجهة تحديات المرض. فالتوعية النفسية، سواء من خلال جلسات الاستشارة أو برامج الدعم المجتمعي، تساعد المرضى على التعايش مع الحالة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء اليومي وتقليل الشعور بالإحباط أو العزلة.
ومن الجدير بالذكر أن التعاون بين مختلف التخصصات الطبية أصبح أساسيًا في إدارة مرض التلاسيميا، حيث يعمل أطباء الدم، وأخصائيو الوراثة، وأخصائيو التغذية، ومستشارو الصحة النفسية معًا لتقديم رعاية شاملة. هذا النهج المتعدد التخصصات يضمن تقديم الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي اللازم للمرضى، ويساعد في مراقبة تطور الحالة وتعديل الخطة العلاجية بحسب الحاجة. كما أن التوعية المجتمعية حول التلاسيميا تعتبر خطوة محورية في الوقاية من المرض؛ إذ يسهم نشر المعلومات الصحيحة في تشجيع الفحص المبكر والاستشارات الوراثية قبل الزواج، مما يقلل من احتمالية انتقال الطفرات الوراثية إلى الأجيال القادمة.
ختاما، يمثل مرض التلاسيميا تحديًا صحيًا معقدًا يتطلب رعاية طبية متخصصة ومستمرة، فضلاً عن توعية مجتمعية متكاملة. بفضل الابتكارات الطبية والتقدم في مجالات التشخيص والعلاج، أصبح بالإمكان إدارة المرض بشكل فعّال وتحقيق استقرار نسبي في الحالة الصحية للمصابين. هذه التطورات تمنح المرضى فرصة للعيش حياة طبيعية والمشاركة الفعالة في المجتمع، مع تقليل المضاعفات وتحسين نوعية الحياة بشكل عام.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بحلول 2028.. اكتشاف واعد يعيد الأمل لفاقدي البصر
بحلول 2028.. اكتشاف واعد يعيد الأمل لفاقدي البصر

صوت بيروت

timeمنذ يوم واحد

  • صوت بيروت

بحلول 2028.. اكتشاف واعد يعيد الأمل لفاقدي البصر

أفادت دراسة علمية حديثة عن نجاح أولي لعلاج جديد قادر على اعادة البصر لفاقديه، من خلال ترميم الخلايا العصبية في شبكية العين. وأوضحت الدراسة التي نشرت في موقع ساينس أليرت المتخصص بالأبحاث العلمية والاكتشافات أن فريقاً بحثياً كورياً جنوبياً تمكن من تطوير علاج يعتمد على أجسام مضادة تحفز تجديد الخلايا العصبية في العين. وقال الباحثون إن العلاج الجديد يعمل على حجب بروتين Prox1 الذي يلعب دوراً طبيعياً في تنظيم الخلايا إلا أنه بعد حدوث الضرر في العين يتسرب إلى خلايا مولر الدبقية المسؤولة عن الشفاء الذاتي، ما يعوق قدرتها على التجدد. وتمكن الباحثون من العمل على عكس هذه العملية وحجب البروتين باستخدام أجسام مضادة متخصصة، وبالتالي استعادة بعض الوظائف البصرية، وأشاروا إلى أن العلاج يتطلب المزيد من التطوير قبل الانتقال إلى المرحلة السريرية التي يتوقع أن تبدأ بحلول عام 2028. ويقدم البحث أملاً جديداً للمصابين بأمراض الشبكية الذين يعانون صعوبة في استعادة بصرهم بسبب عدم قدرة خلايا العين على التجدد، ويأتي هذا الاكتشاف ضمن جهود علمية متوازية تبحث في سبل إصلاح تلف العين، بما في ذلك استخدام الليزر لتنشيط خلايا الشبكية أو زرع الخلايا الجذعية.

طبيبة توصي بإدخال الرقص إلى الروتين اليومي
طبيبة توصي بإدخال الرقص إلى الروتين اليومي

المردة

timeمنذ يوم واحد

  • المردة

طبيبة توصي بإدخال الرقص إلى الروتين اليومي

تشير أخصائية الطب الرياضي الدكتورة ماريا تيخوميروفا إلى أن الرقص ليس الممتعة فقط، بل للصحة أيضا، لأنه يحسن المزاج ويخفف التوتر، ويمكن استخدامه حتى كجزء من العلاج للأمراض الخطيرة. ووفقا لها، يؤثر الرقص إيجابيا على الخلفية العاطفية للإنسان والقدرة على إدراك مشاعر الآخرين. وأن العلاج بحركات الرقص يستخدم حتى في أمراض خطيرة، مثل الخرف ومرض باركنسون والاكتئاب، ويمكن إدراجه في برنامج إعادة التأهيل لمرضى السرطان. وتشير الطبيبة، إلى أن أبرز الصفات المفيدة التي يتم تطويرها من خلال الرقص، الشعور بالتوازن، والتحسن التدريجي في تنسيق الحركات، وكذلك القدرة على التحمل والقوة والمرونة. ومن وجهة نظر فسيولوجية، يحفز الرقص إنتاج هرمونات السعادة – الإندورفين والسيروتونين. وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر حركات الرقص النشطة تمرينا ممتازا للقلب والأوعية الدموية. وتعمل على تقوية القلب والأوعية الدموية، وتعزز وصول الأكسجين والمواد المغذية بشكل أفضل إلى خلايا وأنسجة الجسم.

بعد 30 جرعة مضاد سم.. قصة الطفلة التي تحدّت لدغة الأفعى (فيديو)
بعد 30 جرعة مضاد سم.. قصة الطفلة التي تحدّت لدغة الأفعى (فيديو)

ليبانون 24

timeمنذ يوم واحد

  • ليبانون 24

بعد 30 جرعة مضاد سم.. قصة الطفلة التي تحدّت لدغة الأفعى (فيديو)

تخضع رضيعة تبلغ من العمر 15 شهرًا من ولاية أريزونا للعلاج في المستشفى، بعد أن تعرّضت للدغة أفعى جرسية مرتين أثناء تواجدها مع والدتها قرب منزلهما في بلدة فلورنسا. وقالت والدة الطفلة، جاكلين ريد، لشبكة KPNX التابعة لـNBC، إنها كانت برفقة ابنتها كارا عندما ابتعدت عنها للحظات لرمي القمامة، ثم سمعت صرخة الطفلة، لتكتشف بعدها أنها تعرّضت للهجوم. وأضافت: "أُصيبت كارا بأربع جروح غائرة في أعلى قدمها الصغيرة. عندما نظرت خلفها، كان هناك ثعبان جرسية ملتف"، مضيفة أنها شعرت بالرعب الشديد. وعلى الفور، نُقلت كارا إلى غرفة الطوارئ ، ثم جرى نقلها جوًا إلى مستشفى فينيكس للأطفال، حيث خضعت لعلاج مكثف تلقّت خلاله 30 جرعة من مضاد السموم، واضطر الأطباء إلى تركيب أنبوب تنفس لها بعد انخفاض مستوى الأكسجين لديها إلى 25%. وتابعت ريد: "في البداية، اسودّت قدمها، وكانت المضاعفات مخيفة للغاية. لكن كارا الآن قادرة على تحريك أصابعها ولم تعد بحاجة إلى جهاز التنفس الاصطناعي". وبينما لا تزال مخاوف قائمة بشأن قدرة قدم كارا على استعادة وظيفتها الكاملة، تؤكد والدتها أن التصرف السريع ساهم في إنقاذ حياة طفلتها، قائلة: "كارا هي ملاك العائلة. أتمنى أن تعود كما كانت: سعيدة، مرحة، وجميلة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store