logo
هآرتس: تجاهل إسرائيل لضحايا غزة لا يخفي هول الفظائع

هآرتس: تجاهل إسرائيل لضحايا غزة لا يخفي هول الفظائع

الجزيرة٢١-٠٧-٢٠٢٥
سواء كان القتل في طوابير البحث عن الماء أو الطعام، أو داخل المنازل، أو في الخيام أو في الكنائس، فإن الجيش الإسرائيلي الذي قتل مئات الأبرياء هذا الأسبوع أيضا في غاراته على غزة ، لا يرى حاجة لشرح هذه السياسة للجمهور.
بهذه المقدمة بدأت صحيفة هآرتس مقالا بقلم نير حسون، استعاد فيه مشاهد من القتل اليومي الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فهذا رجل يحمل جثة ابنه الأصغر الذي قتل مع 7 أشخاص، وهو يصرخ بغضب "لماذا ذهبتم لجلب الماء؟".
وهناك أيضا سقط صاروخ على شارع في دير البلح على عدد من السكان ينتظرون الحصول على مكملات غذائية، فالتقط أحدهم مشهدا مرعبا من خلال الغبار، حيث بدا الأطفال والنساء والرجال ممددين على الرصيف والطريق، بأطراف محطمة تنزف، وبقيت 15 جثة على الطريق، 9 منهم أطفال.
وقتل مئات آخرون على مدار الأسبوع في سلسلة من الحوادث المروعة -كما يقول الكاتب- فيوم السبت قتل 28 شخصا وهم في طريقهم إلى محطة توزيع الغذاء التابعة ل مؤسسة غزة الإنسانية ، ويوم الأحد قتلت عائلة القريناوي في خيمة للنازحين في المواصي ، وفي اليوم نفسه أصاب صاروخ خط توزيع المياه.
ويوم الثلاثاء أصاب صاروخ منزل عائلة عرفات في حي التفاح ، ونجت حلا عرفات (35 عاما)، ولكن أفراد عائلتها وفرق الإنقاذ لم يتمكنوا من مساعدتها بسبب طائرات بدون طيار تهاجم كل من يقترب، ولم يسمح لفرق الإنقاذ بالاقتراب إلا بعد نحو 8 ساعات، فكانت هالة قد فارقت الحياة، وكذلك زوجها وأطفالها وصهرها وزوجته، أي ما مجموعه 13 فردا من أفراد العائلة، حسب الكاتب.
أحرقوا طلبات تجنيدهم
وبعد سرد عدد آخر من حوادث القتل، استغرب الكاتب أن يكون رد الجيش في دولة تدعي الديمقراطية، أن يشترط تقديم أرقام إحداثيات مكونة من 16 رقما قبل أن يوضح سبب مقتل عشرات الأبرياء، ورأى في ذلك دليلا على الواقع المريع الذي اعتاده الإسرائيليون.
ولم يصدر أي رد فعل من النظام الإسرائيلي إلا في حالتين -كما يقول الكاتب- إحداهما قال فيها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن إصابة خط المياه سببها "عطل فني في التسليح" أخطأ هدفه بعشرات الأمتار، أما الثانية، فهي إصدار وزارة الخارجية بيانا بعد إصابة مبنى كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة ، أعربت فيه عن "حزنها العميق للأضرار التي لحقت بالكنيسة ولجميع الضحايا المدنيين".
أما فيما عدا ذلك فلم يقدم أي تفسير لمواطني إسرائيل يشرح القتل الجماعي اليومي وما الأهداف منه؟ وتساءل الكاتب كيف يعقل أن يقتل الجيش عشرات الأشخاص غير المشاركين يوميا، مستنتجا أن جيش إسرائيل لم يعد ينظر إلى مقتل الأطفال والنساء والرجال العزل كمشكلة أخلاقية أو مهنية.
وخلص نير حسون إلى أن نسبة متزايدة من المجتمع الإسرائيلي أصبحت تعتزل الجيش، حيث أحرق فتيان وفتيات طلبات تجنيدهم هذا الأسبوع، مشيرا إلى المقاطعة العلنية والسرية لدولة إسرائيل، ومذكرا بأن شعار "الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي" الذي ولد في حفل موسيقي في إنجلترا ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وختم الكاتب بأن كل هذا لا يمثل إلا غيضا من فيض الضرر الذي ستلحقه هذه السياسة المتهورة في إطلاق النار بالمجتمع الإسرائيلي، مؤكدا أن الثمن سيدفع من خلال صدمة الجنود وما بعدها، وتساءل هل تساهم هذه الهجمات في الأمن؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"مزيد من الزيت على النار".. إدانات لاقتحام بن غفير والمستوطنين للمسجد الأقصى
"مزيد من الزيت على النار".. إدانات لاقتحام بن غفير والمستوطنين للمسجد الأقصى

الجزيرة

timeمنذ 9 دقائق

  • الجزيرة

"مزيد من الزيت على النار".. إدانات لاقتحام بن غفير والمستوطنين للمسجد الأقصى

اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير برفقة نحو 4 آلاف مستوطن ومستوطنة اليوم الأحد، المسجد الأقصى المبارك، لإحياء ما يُسمى ذكرى " خراب الهيكل"، في خطوة أثارت ردود فعل فلسطينية وعربية غاضبة. فقد أعربت السعودية في بيان لوزارة الخارجية عن إدانة المملكة "بأشد العبارات، الممارسات الاستفزازية المتكررة من قبل مسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى المبارك"، مؤكدة أن "تلك الممارسات تؤجج الصراع في المنطقة" كما نددت وزارة الخارجية الأردنية بالاقتحام، واصفة إياه بـ"الاستفزاز غير المقبول"، مؤكدة أن المسجد الأقصى هو "مكان عبادة خالص للمسلمين" يخضع لإشراف وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، على كامل مساحته البالغة 144 دونما. وشددت الوزارة على عدم اعترافها بأي سيادة إسرائيلية على الحرم القدسي الشريف. فلسطينيا؛ قالت الرئاسة الفلسطينية إن الاعتداءات على المسجد الأقصى "تصعيد خطير يعكس إرهابا منظما بحماية الاحتلال الإسرائيلي" وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية. كما أدانت محافظة القدس الاقتحام، معتبرة إياه "مرحلة مفصلية" ضمن مخطط إسرائيلي لفرض السيادة اليهودية بالقوة على المسجد، وتقسيمه مكانيا بين المسلمين والمستوطنين. وحذّرت المحافظة في بيان رسمي من خطورة محاولات فرض "رموز توراتية" داخل الحرم القدسي، داعية الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية إلى تحمل مسؤولياتهم ومنع تحويل المسجد الأقصى إلى "كنيس يهودي". دعوات للحشد والنفير في السياق، استنكرت حركة حماس في بيان لها الاقتحام، معتبرة أنه يأتي في ظل حرب التجويع الممنهجة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعمليات القتل والإرهاب في الضفة بيد جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وفقا للبيان. ودعت الحركة أبناء الأمة العربية والإسلامية للتحرك على المستويات كافة "لوقف هذه الانتهاكات الممنهجة ضد المسجد الأقصى، واتخاذ خطوات عاجلة تجبر الاحتلال المجرم على وقف جريمة التهويد التي يرتكبها بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وعموم فلسطين المحتلة". كما حمّلت حركة الجهاد الإسلامي"حكومة الاحتلال وشركاءها في الإدارة الأميركية المسؤولية الكاملة عن تبعات هذه الانتهاكات"، وأدانت الحركة وقوف الأمة العربية والإسلامية متفرجة على هذه الجرائم والمجازر التي تُرتكب بحق فلسطين وشعبها ومقدساتها دون أن تحرك أنظمتها وشعوبها ساكنا، وفقا للبيان. ودعت الحركة في بيانها "شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى الوقوف صفا واحدا لمواجهة هذه العربدة والبلطجة الإسرائيلية المغطاة والمدعومة بشكل كامل من الإدارة الأميركية". أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فاعتبرت أن ما جرى اليوم هو "سكب لمزيد من النار على برميل متفجر"، مشيرة إلى أنه جزء من مخطط أوسع يتضمن "التهويد والاستيطان والقمع والتطهير العرقي". ودعت إلى تصعيد كل أشكال المقاومة الشعبية وحشد الجماهير للدفاع عن المسجد الأقصى، كما طالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في "ردع حكومة المتطرفين ومحاسبتها على جرائمها".

"خراب الهيكل".. انتهاكات غير مسبوقة وبن غفير يعلن "التمكين والسيادة" بالأقصى
"خراب الهيكل".. انتهاكات غير مسبوقة وبن غفير يعلن "التمكين والسيادة" بالأقصى

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

"خراب الهيكل".. انتهاكات غير مسبوقة وبن غفير يعلن "التمكين والسيادة" بالأقصى

إلى ما بعد منتصف الليلة الماضية ظلّ المستوطنون يجوبون أزقة البلدة القديمة في القدس المحتلة بهدف أداء الصلوات والرقصات التوراتية أمام أبواب المسجد الأقصى من الخارج، وأشرقت شمس صباح اليوم مع مواصلة الاستفزازات واقتحام جماعي لساحات المسجد المبارك إحياء لما تسمى ذكرى " خراب الهيكل". وأغلق باب المغاربة، في الجدار الغربي من المسجد الأقصى، بهذه المناسبة اليوم بعد اقتحام أكثر من 3 آلاف مستوطن في الفترة الصباحية وحدها، مقارنة بـ2958 اقتحموه طوال اليوم في ذات المناسبة من العام الماضي، و2180 عام 2023 وفقا لإحصائيات دائرة الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة. وسمحت شرطة الاحتلال بوجود 6 أفواج من المتطرفين داخل المسجد الأقصى دفعة واحدة، إذ أدخلت من باب المغاربة فوجا يضم عشرات المستوطنين كل 10 دقائق، ونُصبت لهؤلاء المظلات أمام باب المغاربة من الخارج لحمايتهم من أشعة الشمس خلال انتظارهم بالطوابير، ووفرت لهم الجماعات المتطرفة المواصلات المجانية ومرشدين رافقوهم خلال الاقتحام. انتهاكات غير مسبوقة ومع أفواج الاقتحامات الأولى، سُجل عدد من الانتهاكات التي كان أبرزها أداء صلاة "بركات الكهنة" (صلاة توراتية خاصة يقوم الحاخام خلالها بمرافقة تلاميذه ويرفعون فيها أيديهم ويبسطونها فوق رؤوسهم، مع تلاوة فقرات من "سِفر العدد" في التوراة) جماعيا في الساحات الشرقية من المسجد الأقصى. وشهدت ساحات الأقصى أيضا أداء طقس "السجود الملحمي" (الانبطاح الكامل واستواء الجسد على الأرض ببسط اليدين والقدمين والوجه بالكامل) جماعيا. وبجوار المصلى القبلي أدى عشرات المتطرفين صلاة "الشماع" (إحدى أهم الصلوات عند اليهود، وتعدّ أساس التوحيد وقبول الوصايا العشر بالتوراة، ويجب أن تؤدى قبل النوم وعند الاستيقاظ ومع صلاة الصباح، وفيها يغطي المصلي وجهه أثناء التلاوة ويحاول الخشوع والسجود). كما وثق مقطع فيديو محاولة مستوطن إدخال "تابوت العهد" المقدس بالديانة اليهودية "وكان يضم ألواح الوصايا العشر التي تلقاها موسى ﷺ من الله، وحُفظ في "قدس الأقداس" داخل الهيكل" وفق المعتقد اليهودي، ومن هنا جاء الحرص على محاولة إدخاله اليوم. وكان رفع العلم وترديد النشيد الإسرائيلي (هاتيكفا) والانبطاح أمام السلالم المؤدية لصحن مصلى قبة الصخرة المشرفة من جهة (البائكة الغربية) من بين الانتهاكات التي رصدتها الجزيرة نت اليوم، وأُضيف إليها الرقص والتصفيق والصراخ مترافقا مع ترديد أغنية "سيُبنى الهيكل". بن غفير في مقدمة المقتحمين وكان من أبرز المقتحمين للمسجد الأقصى صباح اليوم وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي يقْدم على هذا الانتهاك للمرة الثامنة منذ اندلاع الحرب الحالية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأدى صلاة علنية في الساحات، وحرص على تلاوتها من هاتفه. كما اقتحم الساحات أيضا عضوا الكنيست (البرلمان) عن حزب الليكود عميت هليفي وشارين هاسكل، ووزير "تطوير النقب والجليل" يتسحاق فاسرلاوف. وجاء على الموقع الإلكتروني للقناة الإسرائيلية السابعة أن بن غفير تطرق خلال اقتحامه للمسجد الأقصى إلى مقطع الفيديو الذي بثته كتائب القسام لأسير إسرائيلي ظهرت عليه علامات سوء التغذية، وقال في رسالته "تأتي مقاطع الفيديو المرعبة التي نشرتها حماس على خلفية شيء واحد هو محاولتهم ممارسة الضغط على دولة إسرائيل". وأضاف "أقول هذا تحديدا من هنا، حيث أثبتنا أن السيادة والحكم ممكنين.. علينا أن ننقل رسالة أن نضمن احتلال قطاع غزة بأكمله، وإعلان السيادة عليه، وطرد كل عضو في حماس ، وتشجيع الهجرة الطوعية. وبهذه الطريقة فقط سنعيد المخطوفين وننتصر في الحرب." سيطرة كاملة على الأقصى وتحدث الوفد المرافق للوزير بن غفير عن التسهيلات التي أُتيحت للمستوطنين في الأقصى، مشيرين إلى أن "هذا تغيير هائل لم يحدث منذ ألف عام.. سياسة وزير الأمن القومي هي السماح بحرية العبادة لليهود في كل مكان، بما في ذلك جبل الهيكل، وسيواصل اليهود ذلك في المستقبل". وأضاف أحد المرافقين أن "جبل الهيكل منطقة ذات سيادة في عاصمة دولة إسرائيل، ولا يوجد قانون يسمح بالتمييز العنصري ضد اليهود فيه، أو في أي مكان آخر في إسرائيل". واستُبقت كل هذه الانتهاكات داخل المسجد الشريف بتضييقات شديدة على المصلين أمام أبواب البلدة القديمة، وتكدس عشرات المصلين أمام باب العمود خلف السواتر الحديدية التي نصبتها قوات الاحتلال في ساحته، ومُنعوا من الدخول إلى البلدة القديمة. وأمام الأقصى المبارك، منعت الشرطة المتمركزة على الأبواب المصلين من اجتياز حواجزها نحو الساحات، وأُخرج من المسجد الشريف شاب صرخ في وجه المقتحمين بالقوة، كما أخُرجت مجموعة من الفتيات اللواتي نجحن بالدخول إلى أولى القبلتين. ذكرى "خراب الهيكل" يذكر أن اليهود يعتقدون أن يوم "خراب الهيكل" هو ذكرى حزن وحداد على ما يسمونه تدمير "الهيكلين" الأول والثاني، ويدّعون أن البابليين دمروا "الهيكل الأول" عام 586 قبل الميلاد، وأن الرومان دمروا "الهيكل الثاني" عام 70 للميلاد، وبالتالي يجب تلاوة نصوص من "سِفر المراثي" يوم التاسع من أغسطس/آب حسب التقويم العبري من كل عام داخل الكنس. وتتناول هذه المرويات "احتلال البابليين للقدس وتهجير اليهود من بلادهم إلى أرض بابل (جنوب العراق) حيث مكثوا 70 عاما حتى أذن لهم ملك فارس كورش بالعودة إلى القدس وإقامة الهيكل الثاني الذي دمره الرومان لاحقا".

ضد التيار الأميركي: فرنسا تعترف بدولة فلسطين وتربك الحسابات
ضد التيار الأميركي: فرنسا تعترف بدولة فلسطين وتربك الحسابات

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ضد التيار الأميركي: فرنسا تعترف بدولة فلسطين وتربك الحسابات

بينما تتصاعد النيران في غزة وتترنح المنطقة على إيقاع الحرب، خرجت فرنسا بموقف صادم لبعض العواصم، وتاريخي للبعض الآخر: اعتراف رسمي بدولة فلسطينية. قرار يحمل في توقيته ورمزيته أبعادا تتجاوز المسألة الفلسطينية لتضرب مباشرة في قلب المعادلات التي رسختها الولايات المتحدة لعقود في الشرق الأوسط. ولكن لماذا الآن؟ وهل هو تغير جذري في السياسة الفرنسية أم مجرّد رسالة رمزية؟ وما حدود المخاطرة الفرنسية في تحدي السقف الأميركي والإسرائيلي؟ يبدو أن باريس، وقد ضاقت ذرعا من استمرار المجازر في غزة، وجدت في الاعتراف وسيلة أخلاقية لإعادة التموضع الدولي، ورسالة سياسية لمن يهمه الأمر: أوروبا ليست تابعة بالكامل لواشنطن، ولن تصمت إلى الأبد أمام انزلاق إسرائيل نحو سياسات إقصائية ودموية غير قابلة للتبرير. لكن ما يُفهم من القرار الفرنسي أنه ليس مجرد تعاطف مع غزة، بل هو تموضع إستراتيجي يلامس خمسة مستويات دفعة واحدة. أولا، هو رسالة ضغط غير مباشرة على الولايات المتحدة التي فشلت في ضبط سلوك حليفتها الإسرائيلية. وثانيا، محاولة لإعادة فرنسا إلى قلب المعادلة الشرق أوسطية، بعدما همّشتها واشنطن في ملفات كبرى كالاتفاق النووي الإيراني أو صفقة القرن. وثالثا، هو استثمار سياسي لامتصاص غضب شعبي داخلي عارم، واحتواء اتّهامات بانفصال النخب الفرنسية عن الواقع الإنساني في غزة. ورابعا، تحرك محسوب لرد الاعتبار لمبادئ القانون الدولي التي تأسست عليها دبلوماسية فرنسا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وخامسا، وربما الأهم، هو رهان على دور أوروبي بديل في ظل تآكل الهيبة الأميركية في المنطقة. ومع أن نتنياهو لم يتأخر في مهاجمة الخطوة، معتبرا أنها "تكافئ الإرهاب" وتخلق "وكيلا إيرانيا آخر على غرار غزة"، فإن الرد الفرنسي حمل نبرة سيادية وهادئة، في آنٍ معا، تعكس توازن باريس بين الغضب الأخلاقي والبراغماتية السياسية. فالاعتراف لا يُلغي حل الدولتين بل يُعيده إلى الطاولة، بعد أن كاد يُدفن تحت أنقاض رفح وجنين وغزة. صحيح أن الاعتراف بحد ذاته لن يغيّر شيئا ماديا على الأرض، لكنه يكسر احتكار واشنطن لصياغة الشرعية، ويفتح الباب أمام موجة أوروبية جديدة من الاعترافات، قد تُجبر إسرائيل على مراجعة حساباتها. وما يهم اليوم ليس فقط من يعترف، بل متى وكيف ولماذا. فرنسا اختارت اللحظة الأقسى في الحرب، لتُعلن موقفها. وهذه ليست مجازفة صغيرة، بل قفزة جريئة في بحر من التناقضات. وقد يكون الهدف الأبعد هو توجيه دعوة مبطّنة لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية، حتى لا تبقى خاضعة لأهواء نتنياهو أو حسابات دونالد ترامب. وبالتالي، قد تكون فرنسا قد وضعت حجرا جديدا في طريقٍ طويل نحو العدالة، لكنه حجر يحمل ثقله الرمزي، ويمنح القضية الفلسطينية دفعة كانت تفتقر إليها. أما السؤال الأهم، فهو: هل أوروبا على استعداد لتتبع فرنسا، أم أن باريس ستُترك وحيدة في مواجهة العاصفة؟ فرنسا ليست أول دولة أوروبية تعترف بدولة فلسطين، لكنها بالتأكيد أهم دولة في "التيار المركزي" للاتحاد الأوروبي تقدم على هذه الخطوة في هذا التوقيت الحساس. ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف لا يعني بالضرورة أن أوروبا موحّدة خلفها. فالانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي لا تزال عميقة حول الملف الفلسطيني، لا بسبب الخلاف على شرعية الدولة الفلسطينية، بل نتيجة اختلاف الحسابات السياسية، والضغوط الأميركية، والهواجس الأمنية المرتبطة بإسرائيل. دول الشمال والشرق الأوروبي مثل ألمانيا وهولندا والنمسا تميل إلى الحذر، وتعتبر الاعتراف غير مفيد من دون إطار تفاوضي شامل. دول الجنوب الأوروبي مثل إسبانيا والبرتغال كانت أكثر جرأة، وبعضها اعترف بالفعل (مثل إسبانيا)، ما يجعل فرنسا الآن في موقع حلقة الوصل بين "الرمزية السياسية" و"ثقافة الدولة الكبرى" في أوروبا. بمعنى آخر، فرنسا قد لا تُترك وحيدة، لكنها قد تكون في طليعة مجموعة صغيرة فقط. والسبب في هذا التردد الأوروبي العام هو الخوف من الصدام مع الولايات المتحدة في هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه التوترات بين الغرب من جهة، ومحور روسيا – الصين – إيران من جهة أخرى. كما أن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي حول دور إسرائيل كحليف أمني وتكنولوجي لا يزال عاملا كابحا. فبعض الدول الأوروبية ترى في إسرائيل حليفا رئيسيا ضد "التهديدات المشتركة" مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية وإيران. خلاصة القول، فرنسا لن تكون وحيدة تماما، لكنها لن تجد أيضا صفا أوروبيا موحدا خلفها. الاعتراف الفرنسي هو كسر لحاجز سياسي وأخلاقي أكثر منه تأسيسا لتحول أوروبي شامل. لكن مع استمرار المجازر في غزة، وزيادة التوتر في الضفة والقدس، قد يتحول هذا "الاستثناء الفرنسي" إلى "سُنة أوروبية جديدة"، خاصة إذا تغيرت المعادلة في واشنطن في قادم الأيام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store