
صندوق النقد قدّم اقتراحات لمعالجة وضع المصارف.. من سيدفع الثمن؟
تحثّ بعثة صندوق النقد الدولي، التي زارت لبنان خلال الشهر الجاري، المسؤولين اللبنانيين على التوصل إلى اتفاق معها مع بداية الصيف المقبل من أجل استعادة الثقة بلبنان، داخليًا وخارجيًا، كبداية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمصرفية والمالية. وأشارت إلى أن إقرار قانوني السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف هو الطريق الذي يجب سلوكه لاستعادة الثقة، ولذلك يجري العمل على قدم وساق في وزارة المالية لترجمة نتائج الاجتماعات مع الممثل المقيم لـ'صندوق النقد الدولي' في لبنان، فريدريكو ليما، حول موضوعي السرية المصرفية والتعديل المطلوب إزاءها، والقانون المطلوب لمعالجة وضع المصارف في لبنان وإصلاحها، وذلك من خلال إعداد مشاريع قوانين تُرفع إلى مجلس الوزراء وتُقرّ في مجلس النواب.
في ما يتعلق بمشروع إصلاح وضع المصارف المقدَّم من الممثل المقيم لصندوق النقد، يرتبط تنفيذه ونفاذ مفعوله بشكل مباشر وصريح بإعداد قانون تغطية الفجوة في النظام المصرفي، وهنا بيت القصيد، بمعنى كيف ستكون هذه التغطية؟ على حساب المودعين أم سيجري توزيع المسؤوليات؟
تجدر الإشارة إلى أنه تم الاتفاق على مراجعة مسودة المشروع من قبل وزارة المالية ومصرف لبنان وإبداء الملاحظات، تمهيدًا لإرساله إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وعرضه على المجلس لإقراره كمشروع قانون وإحالته إلى مجلس النواب.
يشرح مصدر مصرفي لموقع 'ليبانون ديبايت' أن اقتراح بعثة الصندوق يقوم على تدرّج المسؤوليات، أي تسديد الودائع من رؤوس أموال المصارف، ثم الأسهم التفضيلية، ثم البحث عن خيارات أخرى. ويبلغ حجم رؤوس أموال المصارف 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى 10 مليارات دولار، وهو حجم الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، في حين أن حجم الفجوة هو نحو 72 مليار دولار، علمًا أن الأرقام النهائية تنتظر انتهاء التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمصارف التجارية'، لافتًا إلى أن 'هناك اختلافًا في الرؤى بين البعثة والمسؤولين اللبنانيين، لأن من القواعد العامة للصندوق هو عدم إقراض دولة تتحمل مسؤوليات كبيرة، وفي الوقت نفسه يريد إيجاد مقدمة منطقية واستراتيجية لتوزيع الفجوة، وإعادة هيكلة المصارف، أي تكريس الانتظام المالي في لبنان، ولذلك تمّ تقديم الخطة التي تدرسها وزارة المال'.
قزح: ما يحصل كذبة كبيرة
يشرح الخبير الاقتصادي والمالي ميشال قزح لموقع 'ليبانون ديبايت'، بطريقة مبسّطة، اقتراح بعثة الصندوق لإصلاح قطاع المصارف، فيقول: 'جوهر المقترح المقدّم من صندوق النقد لإعادة انتظام القطاع المصرفي، هو تقسيط الودائع الأقل من 100 ألف دولار لفترة 8 سنوات تقريبًا بمبلغ 1000 دولار شهريًا، والودائع التي تفوق 100 ألف دولار تُحوّل إلى صندوق استرداد الودائع، تمهيدًا لتحويلها إلى سندات ثم تسييلها مع الوقت من إيرادات صندوق استرداد الودائع الذي سيتم إنشاؤه'، معتبرًا أن 'ما يحصل هو أشبه بكذبة كبيرة، لأنه في علم المال والاقتصاد، هناك ما يسمى تقلّص قيمة الأموال المحجوزة في المصارف منذ 6 سنوات، وسيستمر هذا الاحتجاز إلى سنوات قادمة أيضًا، وهذا يعني أنه في ظل التضخم الحاصل وقيمة الفائدة لهذه الودائع، ما يحصل هو تذويب لها، وهناك ظلم يقع على المودعين، خصوصًا أنه لم يحصل تدقيق جنائي، ولن تحصل عملية استرداد للأموال التي تم تحويلها إلى الخارج من قبل النافذين والسياسيين بعد 17 تشرين 2019'.
يضيف: 'العدالة تقتضي أن يتم تدقيق جنائي في حسابات مصرف لبنان والمصارف، والنافذين والسياسيين وكبار موظفي الدولة، للتمييز بين ودائع مشروعة ومستحقة للرد وبين ودائع غير مشروعة. وهذا الإجراء يخفض الفجوة نحو 20 مليار دولار على الأقل'، مشيرًا إلى أنه 'يمكن تسديد الفجوة التي يعاني منها مصرف لبنان باستعمال نصف احتياطي الذهب مع ارتفاع أسعاره عالميًا، بالإضافة إلى خصخصة شركة الميدل إيست وأملاك مصرف لبنان، ووضعهم ضمن محفظة استثمارية أو ضمن صندوق استرداد الودائع'.
ويختم: 'هناك عدة أساليب لردّ أموال المودعين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك مودعين كبارًا حصلوا على فوائد عالية واستفادوا من هندسات مالية، هؤلاء يجب درس حالتهم أيضًا وشطب الفوائد التي تقاضوها منذ 2016 وحتى اندلاع الأزمة'.
بيار الخوري: سيتحمّل المودعون جزءًا من العبء لسد الفجوة المالية
يشير عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا، بيار الخوري، لموقع 'ليبانون ديبايت' إلى أن 'بعثة صندوق النقد الدولي أوصت خلال زيارتها الأخيرة للبنان، بوضع إطار قانوني لمعالجة العجز المالي للنظام المصرفي. إذ تنشأ الفجوة المالية للبنوك من التفاوت بين التزاماتها، التي تشمل الودائع، وأصولها الحقيقية بالإضافة إلى السيولة'.
يضيف: 'يلبّي هذا المقترح متطلبات صندوق النقد الدولي للموافقة على البرنامج المالي للبنان، ويسعى إلى وضع أساليب لتوزيع الخسائر الكبيرة التي تكبّدها القطاع المصرفي منذ أزمة عام 2019. وقد تناولت القوانين السابقة المتعلقة بإعادة هيكلة البنوك إدارة عمليات البنوك المتعثّرة ونتائجها، مثل الإغلاق أو الاندماج أو الاستمرار، مع تحديد الجهات المشرفة والإجراءات القانونية. أما مقترح صندوق النقد الدولي، فيتناول كلاً من الفجوة المالية وتوزيع الخسائر، وهو إجراء أكثر تحدّيًا من الناحيتين السياسية والاجتماعية'.
يتوقّع الخوري أن 'يتحمّل المودعون جزءًا من العبء المالي لسد هذه الفجوة، لأن الإجراءات غير المباشرة، مثل القيود المصرفية وانخفاض قيمة العملة، قد أدّت بالفعل إلى انخفاض قيمة ودائعهم. ويطالب صندوق النقد الدولي بتوزيع متوازن للخسائر يحمي صغار المودعين من الأعباء المفرطة، مع تحميل المسؤولية لمساهمي البنوك والجهات المعنية، إلى جانب دور غير معروف حجمه حتى الآن للدولة لسدّ فجوة الخسائر المتبقية'.
ويختم: 'ينصّ الاقتراح على أن أي برنامج دعم مالي دولي مستقبلي للبنان يجب أن يتبع إرشادات محددة لتوزيع الخسائر، بحيث لا يمكن للقطاع العام أو أي مجتمع بمفرده أن يتحمّلها'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 27 دقائق
- صدى البلد
الأخضر يودع الـ50.. تراجع جديد في سعر الدولار اليوم بالبنوك
شهد سعر الدولار مقابل الجنيه تراجعًا في 7 بنوك خلال نهاية تعاملات اليوم الأحد 25 مايو 2025، عقب قرار البنك المركزي المصري بخفض سعر الفائدة بنسبة 1% للمرة الثانية على التوالي. سعر الدولار اليوم مصر وفقًا لبيانات البنوك المنشورة على مواقعها الرسمية، سجّل سعر الدولار تراجعًا طفيفًا في عدد من البنوك تراوح بين قرش و6 قروش مقارنة بيوم الخميس الماضي، مع استقرار في بنكين فقط، وارتفاع محدود في بنك قناة السويس. سعر الدولار في البنك اليوم سجل سعر الدولار في البنك الأهلي المصري 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع، بتراجع قرش عن الخميس. أما في بنك مصر فجاء السعر 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع، في حين سجل السعر ذاته في بنوك القاهرة، الإسكندرية، والتجاري الدولي بنفس معدلات الانخفاض. في بنك كريدي أجريكول، تراجع الدولار إلى 49.80 جنيه للشراء و49.90 جنيه للبيع، بتراجع 4 قروش. سعر الدولار اليوم بنك مصر جاء سعر الدولار في بنك مصر اليوم عند 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع، وهو نفس السعر في البنك الأهلي وبنك القاهرة. سعر الدولار اليوم البنك الأهلي استقر سعر الدولار في البنك الأهلي المصري على 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع بانخفاض قرش واحد فقط عن تعاملات الخميس الماضي. سعر الدولار اليوم في البنوك بنك البركة: 49.83 جنيه للشراء، و49.93 جنيه للبيع (انخفاض قرشين) بنك قناة السويس: 49.88 جنيه للشراء، و49.98 جنيه للبيع (ارتفاع قرشين) بنك التعمير والإسكان: 49.85 جنيه للشراء، و49.95 جنيه للبيع (استقرار) مصرف أبو ظبي الإسلامي: 49.88 جنيه للشراء، و49.98 جنيه للبيع (تراجع 6 قروش) سعر الدولار اليوم 25 مايو يسجل اليوم الأحد 25 مايو 2025 حالة من التباين الطفيف في أسعار الدولار بين البنوك، مع توجه عام للانخفاض بعد قرار السياسة النقدية بخفض أسعار الفائدة، وهو ما يعزز من قدرة الجنيه المصري على التعافي التدريجي أمام الدولار. سعر الدولار اليوم 25/5 المتغيرات في سعر الدولار بتاريخ 25/5 تشير إلى أن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة إلى 24% للإيداع و25% للإقراض قد بدأ ينعكس فعليًا على سوق الصرف، حيث بدأت أسعار الدولار تتجه للانخفاض بعد موجة ارتفاعات متلاحقة منذ بداية العام. سعر الدولار اليوم في السوق السوداء انتهت السوق السوداء للدولار، مع اعتماد كامل على البنوك الرسمية لتدبير العملة الأمريكية ،، نظرا لجهود البنك المركزي في ضبط سوق الصرف وتوفر الدولار. كم سعر 100 دولار في البنك؟ وفقًا لمتوسط الأسعار في البنوك اليوم، فإن سعر 100 دولار في البنك يصل إلى نحو 4994 جنيهًا عند البيع، ويبلغ 4984 جنيهًا عند الشراء. سعر الدولار اليوم في مصر تحديث يومي تشير التحديثات اليومية لأسعار الدولار في مصر إلى وجود حالة من الاستقرار النسبي في البنوك، مع تراجع تدريجي نتيجة التحركات النقدية للبنك المركزي ونجاح الحكومة في تعزيز تدفقات الدولار من مصادر متعددة. هل يستمر الدولار في التراجع؟ يتوقع محللون ماليون أن يواصل سعر الدولار تراجعه في ظل التزام الحكومة المصرية بسياسات مرنة لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات، إلى جانب تحسن مؤشرات السياحة والتحويلات من الخارج، مما يدعم موقف الجنيه أمام الدولار خلال النصف الثاني من 2025.


بيروت نيوز
منذ 3 ساعات
- بيروت نيوز
بعد قراره منع هارفرد من قبول طلاب أجانب.. هذا ما قاله ترامب
دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد، عن قرار إدارته القاضي بمنع الطلاب الأجانب من التسجيل في جامعة هارفرد، وهي خطوة اعتبرتها الجامعة غير دستورية، وأوقفت قاضية تنفيذها مؤقتا. وكتب ترامب على منصته 'تروث سوشال': 'لماذا لا تعلن جامعة هارفرد أن نحو 31 في المئة من طلابها يأتون من دول أجنبية، بينما هذه الدول، وبعضها لا يعتبر صديقا للولايات المتحدة، لا تدفع شيئا مقابل تعليم طلابها، ولا تنوي أن تفعل ذلك'. وأضاف: 'نريد أن نعرف من هم هؤلاء الطلاب الدوليون، وهو طلب منطقي، خصوصا أننا نقدم لهارفرد مليارات الدولارات، لكن الجامعة لا تتسم بالشفافية'، داعيا المؤسسة التعليمية إلى التوقف عن طلب الدعم من الحكومة الفدرالية. وكانت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم قد أعلنت، الخميس، إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد. لكن القاضية أليسون باروز في ولاية ماساتشوستس علقت القرار، الجمعة، بعد أن تقدمت الجامعة بدعوى قضائية ضده صباح اليوم نفسه. ويأتي قرار ترامب ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذها ضد هارفرد، الجامعة التي تخرج منها 162 من الحائزين على جائزة نوبل، والتي يتهمها بأنها معقل لما يسميه 'أيديولوجيا اليقظة' ومعاداة السامية، على حد وصفه. وكانت الحكومة الأميركية قد أوقفت منحا مالية مخصصة لهارفرد تزيد قيمتها على ملياري دولار، ما أدى إلى تجميد عدد من برامج البحوث العلمية. وتستقبل جامعة هارفرد، بحسب موقعها الإلكتروني، نحو 6700 طالب دولي هذا العام، أي ما يعادل 27 في المئة من إجمالي عدد طلابها، وتفرض رسوما دراسية سنوية تُقدّر بعشرات آلاف الدولارات.


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
الصناعة البيتروكيماويّة... تموضع استراتيجي ومُستقبل واعد للبنان
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب يمتلك لبنان قطاعا كيميائيا متخصصا في إنتاج البلاستيك والمستحضرات التجميلية والأدوية والأسمدة والصابون. وبحسب البيانات الاقتصادية المتوافرة، تُقدّر القيمة المضافة الصافية لهذا القطاع بحوالى 450 مليون دولار أميركي في فترة ما قبل الأزمة. وبالتالي يمكن الارتكاز على هذه البنية التحتية الموجودة والخبرة المتوافرة، للتوسع في إنتاج مواد بتروكيماوية التي تتطلّب آليات أكثر تعقيدا، خصوصا أن لبنان يتمتّع بثروة غازية قابعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة له ، والتي تُقدّر بأكثر من مئتي مليار دولار أميركي (بأسوأ الأحوال). هذه الثروة تُعطي لبنان إمكانات طبيعية كبيرة، لإنشاء صناعة بتروكيماوية من باب توفير المواد الخام لصناعة البتروكيماويات، قادرة على المنافسة، وتدرّ أرباحا كبيرة إذا تمّ الاستثمار فيها. الفوائد الناجمة عن الاستثمار في صناعة البيتروكيماويات في لبنان عديدة، على رأسها دخول استثمارات أجنبية مباشرة إلى الماكينة الاقتصادية اللبنانية، ومعها التكنولوجيا والخبرات العلمية العالمية. وهذا الأمر سيكون له تداعيات مباشرة على عدّة أصعدة، منها التحوّل الاقتصادي الاستراتيجي للبنان، من خلال الاستثمار في قطاع استراتيجي فيه الكثير من المنافسة، وهو ما يفرض تموضع محدّد لهذا القطاع في لبنان. أيضا من بين هذه التداعيات التخفيف من الاستيراد، وهو ما يعني توفير كبير في الفاتورة الاستيرادية ومعها توفير في العملة الصعبة، حيث من المتوقّع أن يؤدّي تحويل إنتاج الطاقة من الوقود إلى الغاز الطبيعي (خطوة أولى نحو الصناعات البيتروكيماوية)، إلى توفير مُقدّر بين 1.5 إلى 2 مليار دولار أميركي سنويا. أيضا من التداعيات لدخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تمكين القطاع من تصدير منتجات بتروكيماوية تُغطّي حاجات السوق الداخلي وتسمح بالتصدير، وهو ما سيدّر مدخولا سنويا بالعملة الصعبة، مما يعني خفض عجز الحساب الجاري. هذا النمو في قطاع البتروكيماويات سينسحب من دون أدنى شكّ على قطاعات أخرى تعتمد على المنتوجات البتروكيماوية أو داعمة لها، وهو ما سيؤّدي إلى تفعيل ما يُعرف بالتأثير المضاعف في النمو الإقتصادي، وخلق الوظائف التي تُقدّر بالآلاف وحتى عشرات الآلاف، بحسب نسبة الاستثمارات التي يمكن القيام بها، وذلك على فترة تمتد إلى عشرين عاما. وكنتيجة لذلك يزداد الاستهلاك ومعه النمو الاقتصادي، الذي قد يكون مستداما (ضروري للاستقرار النقدي) إذا تمّ تنويع الاقتصاد والتخفيف من الاعتماد على السياحة والخدمات. هذا النمو سيؤدّي بدوره إلى تحسين المالية العامة ، من خلال الضرائب الناتجة من صناعة البتروكيماويات، وبالتالي تقليص العجز واستطرادا الدين العام. تقدير حجم الفوائد بالأرقام مُهمّة صعبة، نتيجة غياب بيانات دقيقة تسمح بمعرفة مستوى الاستثمارات والأسواق المحتملة وكفاءة العمليات التشغيلية، إلا أن هذا الأمر لا يمنع من القيام بمحاكاة تُعطي فكرة عن الفوائد على ثلاثة مستويات: النمو الاقتصادي، التقليل من الاستيراد وخلق الوظائف. المحاكاة التي قمّنا بها هي عبارة عن نموذج أوّلي، أو إطار مبدئي لتأثير تطوير صناعة البتروكيماويات في لبنان، خصوصا في الناتج المحّلي الإجمالي وحجم الاستيراد وعدد الوظائف. وقد تمّ وضع فرضيات لاستخدامها مثل مُعدّل الاستثمارات، عامل مضاعفة الناتج المحلّي الإجمالي (GDP Multiplier)، نسبة الاستبدال للسلع المستوردة (Import Substitution Rate )، عدد الوظائف المخلوقة لكل مليون دولار أميركي استثمار، نمو الناتج المحلي الإجمالي يتناسب طرديا مع مستوى الاستثمار... كما أخذنا بعين الاعتبار كمّية الاستيراد الحالي من المنتجات البتروكيماوية، والناتج المحلّي الإجمالي. نتائج المُحاكاة (أنظر إلى الرسم البياني) تُظهر حتمية النمو الاقتصادي بما يقارب ثلاثة مليارات دولارات أميركية خلال عشرة أعوام (سيناريو مُتحفّظ)، وتوفير في الاستيراد بأكثر من ملياري دولار أميركي، ووظائف بقمية 30 ألف وظيفة على الفترة نفسها. بالطبع هذه المحاكاة تُقدّم إطارا مبدئيا كما سبق الذكر، ويهدف إلى إعطاء فكرة واضحة عن الفوائد بالأرقام، ويمكن استخدامها كنقطة بداية لتطوير نموذج اقتصادي أكثر تطورا يسمح بأخذ القرارات. إذا كان لبنان يمتلك نقاط قوّة لتطوير صناعته البتروكيماوية، منها موقعه الاستراتيجي وامتلاكه ثروة غازية ونفطية مُهمّة، إلا أن تحقيق الفوائد الآنفة الذكر، يتطّلب تحقيق عددٍ من الشروط: - أولا : المضي قدما في عملية التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، خصوصا في الرقع رقم 4، و8، و9. وهو أمر ضروري لضمان توفير مصدر خام مستدام لصناعة البتروكيماويات. - ثانيا : العمل على تأمين استثمارات في البنى التحتية الغازية (منشآت استخراج الغاز، خطوط أنابيب، معالجة وتحويل، تخزين..) وهو ما يفرض «شراكات» دولية مع القطاع الخاص. - ثالثا : تحديد تموضع تجاري في السوق نظرًا الى شدّة المنافسة في هذا المجال (خصوصا مع السعودية والإمارات) واستخراج الميزة التفاضلية (الكلفة، الموقع الجغرافي قريبًا من الأسواق...). - رابعا : تحديد الأثر البيئي عملًا بالقانون 444 واستكمالًا تدعيم التشريعات القائمة للمحافظة على البيئة من هذه الصناغات الملوّثة. بالطبع كل هذه هذه العملية مرهونة بالقيام بإصلاحات، لطالما طالب بها المجتمع الدولي كما وحصرية السلاح. وتُعتبر الإصلاحات المالية والقضائية على رأس هذه الإصلاحات، وخصوصا قانون إعادة الانتظام المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستقلالية القضاء، ومكافحة الفساد. أضف إلى ذلك أن مثل هذه العملية تُشكّل تحولا استراتيجيا في الاقتصاد اللبناني، وبالتالي تحتاج إلى أفق زمني بعيد. من هنا ضرورة التحلّي بصبر استراتيجي على صعيد التخطيط الاقتصادي. في الختام، يمتلك لبنان إمكانات طبيعية لإنشاء صناعة بتروكيماوية تفرض عليه الاستفادة منها، وتحويلها إلى واقع اقتصادي ملموس. هذا الواقع الاقتصادي الملموس لا يمكن أن يرى النور، إلا بوجود إرادة سياسية واضحة وتخطيط دقيق للمستقبل، من خلال رؤية واضحة لدور لبنان الاقتصادي في النشاط الاقتصادي العالمي.