logo
في غزة… الفقير والغني في الجوع سواء

في غزة… الفقير والغني في الجوع سواء

الشرق الأوسطمنذ 2 أيام
وقف المراسل المخضرم أمام الكاميرا، يقص كيف هرول إليه طفل لم يتجاوز السابعة يستنجد به ويرجوه، عندما علم أنه صحافي وربما كان له بعض من «سلطة»، أن يتوسط لدى أبيه ليعطيه نصف رغيف خبز كل ثلاثة أيام بدلاً من الربع الذي يمنحه إياه.
يتوجه المراسل إلى الأب، الذي أبلغه أنه يحصل على رغيفين كل أربعة أيام، ويحصل أبناؤه على رغيفين، والعائلة تضم سبعة أشخاص. وتساءل: «من أين لي أن أطعمه ما هو أكثر؟».
ثم لا يتمالك المراسل النحيل نفسه، فتهتز كلماته بفعل العبرات.
يواجه قطاع غزة مجاعة ثالثة هي الأشد منذ بدء الحرب الإسرائيلية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لتطول هذه المرة سكانه كافة بعدما كانت تنحسر في مرحلة ما على شمال القطاع، ثم لاحقاً وبدرجة أقل في جنوبه.
فلسطينيون يمدون أيديهم بأوان خاوية أملاً في ملئها من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الأحد (رويترز)
ولم تدع المجاعة فقيراً ولا غنياً، فحتى من يملك المال لا يجد السلع. ولم ينجُ منها سوى من يُطلَق عليهم «تجار الحروب» الذين قال غزيون لـ«الشرق الأوسط» إنهم «يحلبون جيوباً» خلت، أو تكاد، من المال.
وقال المتحدث باسم «حركة فتح» في غزة، منذر الحايك، إن إسرائيل حكمت على جميع سكان القطاع «بالإعدام جوعاً». ونقلت إذاعة «صوت فلسطين»، يوم الاثنين، عنه قوله إن الأطفال يأكلون بقايا الطعام من القمامة، وصار المواطنون يسقطون في الشوارع من شدة الجوع.
وحذر مسؤولو الصحة في غزة من «وفيات جماعية» محتملة في الأيام المقبلة بسبب زيادة الجوع الذي قالت وزارة الصحة بالقطاع إنه أودى بحياة 19 شخصاً على الأقل منذ يوم السبت الماضي.
ووفقاً للوزارة، توفي 86 شخصاً بسبب الجوع أو سوء التغذية منذ بداية الحرب، من بينهم 76 طفلاً.
وقالت «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) إنها «تتلقى رسائل بائسة» من بعض موظفيها في قطاع غزة، مع بلوغ الجوع وسوء التغذية مستويات غير مسبوقة. وأضافت في منشور على منصة «إكس» أن النقص في الإمدادات أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمقدار 40 ضعفاً.
تروي إلهام ياسين، (49 عاماً)، وهي من سكان مخيم جباليا ونازحة إلى ميناء غزة، كيف كانت تحيا حياة «مستورة»، يكفي راتبها من أحد مصانع القطاع الخاص لتلبية احتياجاتها وأسرتها، لكن الحرب جعلتها من الفئة الأشد فقراً.
وتؤكد أن الفترة الحالية هي الأكثر قسوة، فقد عاشت المجاعة الأولى في شمال القطاع، وكانت تلجأ وقتها لطعام الحيوانات وتطحنه لتحويله إلى خبز، لكن الآن لا يتوفر طحين، ولا حتى طعام الحيوان.
احتشاد أمام تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الأحد (رويترز)
وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أنه حتى من لديه مال لا يجد في الأسواق ما يشتريه، إذ تخلو من الأرز والعدس والطحين وغيرها. فإن ظهرت مثل هذه السلع على استحياء شديد، كان السعر باهظاً.
وتابعت بحسرة غلبت على كلماتها: «كل عائلة فينا تحتاج لموازنة دولة حتى تستطيع شراء أقل القليل من احتياجاتها الأساسية اليومية»، مشيرةً إلى أنها تحتاج يومياً لما بين 500 و1000 شيقل (ما بين 150 و300 دولار).
وبلغ سعر جوال الدقيق (الطحين) زنة 25 كيلوغراماً، ظهر الاثنين، ما بين 2300 و2500 شيقل (686 إلى 745 دولاراً).
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى رجب حميد، (57 عاماً)، الذي كان أحد تجار السلع والمواد الغذائية قبيل الحرب وكان يوصف بأنه من رجال الأعمال، لكنه حالياً «من الفئة الفقيرة» كما يصنف نفسه، لا يجد ما يطعم به أبناءه.
يقول: «كانت لدينا حياة وأموال، وكنا نكسب رزقنا بكل طمأنينة، لكننا أصبحنا مثل الجميع، نبحث عما نستطيع تقديمه من طعام لأبنائنا، سواء من العدس أو غيره».
وهو الآن مثله مثل المئات من التجار ورجال الأعمال، الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم ومحالهم التجارية، وضاع ما كان لديهم من مال، لشراء مستلزمات واحتياجات العائلة بمبالغ باهظة استنزفتهم تماماً حتى باتوا يعانون في توفير لقمة العيش.
فلسطينيون يحملون أجولة طحين في غرب جباليا بشمال قطاع غزة يوم الأحد (إ.ب.أ)
يقول: «أصبحنا مثلنا مثل من كان يعيش فقيراً قبل الحرب وخلالها. لم تعد هناك طبقة أفضل من طبقة. الجميع هنا يعاني إلا القليل ممن حافظوا على علاقات تجارية بطرق غير مفهومة، وباتوا ممن يُطلَق عليهم تجار الحروب، والذين استفادوا من هذه الفترة بشكل كبير».
وأصبحت الأقدام لا تقوى على حمل أصحابها، بمن فيهم الأطباء الذين أكد بعضهم في تصريحات لإذاعات محلية أنهم باتوا لا يستطيعون تقديم حتى أدنى الخدمات الطبية للمواطنين لعجزهم أحياناً عن الوقوف.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، خليل الدقران، إن الطواقم الطبية تعتمد على وجبة واحدة في اليوم، وإن مئات يتدفقون على المستشفيات يومياً بينما طواقم العاملين تعاني التعب والإرهاق من شدة الجوع.
الشاب محسن البلبيسي يقول إن والده كان صاحب «سوبر ماركت» دُمّر إلى جانب منزلهم وقُتل والده بالمكان، ولم يبق له ولوالدته وأشقائه ما يعينهم على واقع الحياة الصعب بغزة. حتى أموالهم احترقت بفعل الصواريخ الإسرائيلية.
دخان يتصاعد بعد انفجار في غزة في لقطة مأخوذة من الجانب الإسرائيلي من الحدود يوم الأحد (رويترز)
هذا الواقع أجبره وثلاثة من أشقائه على الذهاب إلى نقاط المساعدات وطرق دخول شاحناتها، والمخاطرة بحياتهم في العديد من المرات، من أجل جلب الطحين والمواد الغذائية، لسد رمق أشقائه الأطفال وشقيقاته.
وقال الشاب، وهو خريج جامعي، «أصبحنا جميعاً سواسية، نبحث عن كيلو طحين واحد يبقينا على قيد الحياة، سواء كان الفقير بيننا أو الغني، ولذلك نغامر بالموت من أجل أن نحصل على القليل من المواد الغذائية».
وقد فقدت غزة أكثر من ألف فلسطيني منذ نهاية مايو (أيار) الماضي، بينهم نحو 100 في مجزرة دامية لمنتظري المساعدات وقعت، الأحد، في شمال غرب قطاع غزة، بالقرب من موقع «زيكيم» العسكري الإسرائيلي.
فلسطينيون يحملون جثمان فتى قُتل بالرصاص عند نقطة توزيع المساعدات قرب موقع زيكيم العسكري يوم الأحد (إ.ب.أ)
وتشير نجاة عليان، النازحة من بلدة بيت لاهيا إلى مدينة غزة، إلى أن الطحين بالنسبة لسكان القطاع هو المادة الغذائية الأساسية والأهم، «ومن دونه لا نستطيع حتى الوقوف على أقدامنا، ولذلك صار الكثيرون منا يشتكون من الضعف والهزال بفعل الواقع الذي نعيشه».
وأضافت: «أسعار بعض ما يتوفر من الطحين وغيره من المواد الأساسية جنونية، لا يقدر عليها أحد، حتى ولو كان من أغنى الأغنياء».
وأكدت هي الأخرى أنه مع الغلو الفاحش بات كل مواطن بحاجة لأكثر من 500 دولار يومياً حتى يستطيع العيش بالحد الأدنى من الطحين والمواد الأساسية.
وترى أن وقف إطلاق النار وحده هو ما يمكن أن يطفئ لهيب الأسعار، كما جرى في مرحلة وقف إطلاق النار السابقة في يناير (كانون الثاني) الماضي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

غزة بين القصف والأوبئة.. القطاع الصحي على حافة الانهيار
غزة بين القصف والأوبئة.. القطاع الصحي على حافة الانهيار

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

غزة بين القصف والأوبئة.. القطاع الصحي على حافة الانهيار

تفاقمت المأساة الصحية في غزة مع العدوان الإسرائيلي المستمر، حيث أوضح رائد النمس أن نقص الوقود والأدوية يهدد المستشفيات بتوقف أقسام العناية المكثفة، فيما يفاقم القصف وسوء التغذية والأوبئة خطورة الوضع.

الصحة العالمية: الجوع الجماعي في غزة سببه الحصار الإسرائيلي
الصحة العالمية: الجوع الجماعي في غزة سببه الحصار الإسرائيلي

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

الصحة العالمية: الجوع الجماعي في غزة سببه الحصار الإسرائيلي

قال مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، اليوم الأربعاء، إن هناك حالة جوع جماعي في غزة وهي من صنع الحصار الإسرائيلي. كما قالت المنظمة إنها تشهد ارتفاعا قاتلا في سوء التغذية بقطاع غزة مما تسبب في وفاة 21 طفلا دون سن الخامسة خلال عام 2025. بالمقابل، قالت الحكومة الإسرائيلية اليوم إنها غير مسؤولة عن نقص الغذاء في غزة، متهمة في المقابل حركة حماس بأنها تفتعل أزمة في القطاع المحاصر. وقال المتحدث باسم الحكومة ديفيد مينسر للصحافيين "لا توجد في غزة مجاعة تسببت بها إسرائيل" بل "نقص مفتعل من حماس"، متهما عناصر الحركة بمنع توزيع الغذاء ونهب المساعدات. تحذير 100 منظمة يأتي ذلك، فيما حذّرت أكثر من 100 منظمة غير حكومية من تفشي "مجاعة جماعية" في قطاع غزة، وطالبت إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات. وقالت المنظمات غير الحكومية ومن بينها "أطباء بلا حدود"، و"منظمة العفو الدولية"، و"أوكسفام إنترناشونال" وفروع من منظمتي "أطباء العالم" و"كاريتاس" إنّه "مع انتشار مجاعة جماعية في قطاع غزة، يعاني زملاؤنا والأشخاص الذين نساعدهم من الهزال". كذلك دعت المنظمات في بيانها المشترك إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وفتح كلّ المعابر البرية للقطاع، وضمان التدفق الحرّ للمساعدات الإنسانية إليه. وقالت المنظمات الإنسانية في بيانها إنّه "خارج قطاع غزة مباشرة، في المستودعات - وحتى داخله - لا تزال أطنان من الغذاء ومياه الشرب والإمدادات الطبية ومواد الإيواء والوقود غير مستخدمة، في ظلّ عدم السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إليها أو تسليمها". يأتي هذا البيان غداة اتّهام المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من ألف شخص عند نقاط توزيع المساعدات في غزة منذ نهاية أيار/مايو، غالبيتهم كانوا قرب مواقع تابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل وتمويلها غامض. بدوره اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، أن الأهوال التي يشهدها قطاع غزة بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس، خصوصا على صعيد أعداد القتلى والدمار الواسع النطاق، "لا مثيل لها في التاريخ الحديث". ارتفاع ضحايا المجاعة وأعلنت مصادر طبية فلسطينية، اليوم الأربعاء، بمقتل 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة، خلال 24 ساعة الماضية، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 111. وأوضحت المصادر ذاتها أن 25 طفلا توفوا بسبب سوء التغذية والمجاعة خلال الثلاثة أيام الماضية، وفق ما نقلته وكالة "وفا" الفلسطينية. كما بينت أن 900 ألف طفل في غزة يعانون من الجوع، و70 ألفا منهم دخلوا مرحلة سوء التغذية. وبلغ الوضع الإنساني في غزة مرحلة "غير مسبوقة من التدهور"، إذ يُحرم نحو ثلث المواطنين في القطاع من الطعام لأيام متتالية، بحسب ما أعلن برنامج الأغذية العالمي. وكانت إسرائيل بدأت في الثاني من مارس (آذار) فرض حصار مطبق على القطاع بعد انهيار المحادثات لتمديد وقف إطلاق النار الذي أبرم بداية العام 2025 واستمر ستة أسابيع. ومنعت إسرائيل دخول أي سلع حتى أواخر مايو (أيار)، حين بدأت السماح بدخول عدد قليل من الشاحنات. ومع نفاد المخزون الذي كان قد تجمع خلال فترة وقف إطلاق النار، تواجه غزة أسوأ نقص في الإمدادات منذ بداية الحرب قبل أكثر من 21 شهراً.

فرنسا: خطر المجاعة في غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي
فرنسا: خطر المجاعة في غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي

الشرق الأوسط

timeمنذ 3 ساعات

  • الشرق الأوسط

فرنسا: خطر المجاعة في غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي

أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، الأربعاء، أنّ «خطر المجاعة» الذي يواجهه المدنيون في غزة، بعد أكثر من 21 شهراً من الحرب، هو نتيجة للحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، وفق ما نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال في بيان إنّ إعلان إسرائيل توسيع عملياتها البرية «يسرّع من تدهور الوضع الإنساني الذي يتّسم بسوء التغذية وخطر المجاعة. وهذا الوضع هو نتيجة الحصار الذي تفرضه إسرائيل». ويعاني سكان قطاع غزة من جوع مستشرٍ في ظل تقييد إسرائيل دخول المساعدات منذ أشهر. وأكدت الأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من ألف فلسطيني خلال محاولتهم الوصول إلى مساعدات غذائية داخل القطاع المحاصر. وحذّر أكثر من مائة منظمة غير حكومية، الأربعاء، من خطر تفشّي «مجاعة جماعية» في غزة. وأعلن «مجمّع الشفاء الطبّي»، الثلاثاء، أنّ 21 طفلاً توفّوا في غزة «خلال الساعات الـ72 الماضية؛ بسبب سوء التغذية والمجاعة»، وحذّرت الأمم المتحدة بأن «المجاعة تقرع كل الأبواب». وتقول إسرائيل إن هناك كميات كافية من المساعدات تدخل القطاع لكن هناك عمليات نهب واحتكار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store