
على الهواري يكتب: الأزهر وترامب ونتنياهو وهتلر
هل هتلر الذي قتل الملايين وأباد اليهود تخرج من الأزهر؟
هل زعماء اليمين المتطرف في الغرب المتحضر تخرجوا من الأزهر؟
هل القادة الأمريكان الذين ألقوا القنبلة الذرية على اليابان تخرجوا من الأزهر؟
لماذا تحملون الأزهر أوزار قلة مارقة عن إجماع الأمة؟
بعد كل عملية إرهابية، يخرج علينا بعض المحسوبين على التيار العلماني المتطرف ليصبوا جام غضبهم على مؤسسة الأزهر الشريف، ويطالبون في كل مرة بإغلاق الأزهر، بزعم أنه يفرخ الإرهاب والتطرف.
وقبل الخوض في هذا الموضوع الشائك وجب علينا أن نفرق بين نوعين من العلمانية، العلمانية المتشددة أو الراديكالية، والعلمانية المعتدلة أو المتسامحة.
فالعلمانية المتشددة أو الراديكالية، هي التي تتخذ موقفا متشددا من الدين، وتسعى إلى إقصائه من جميع جوانب الحياة العامة والخاصة، وتدعو إلى إلغاء القوانين الدينية، وتهميش المؤسسات الدينية.
أما العلمانية المعتدلة أو المتسامحة أو الليبرالية، فهي التي تسمح بوجود الدين في الفضاء العام مع الحفاظ على حياد الدولة، وتؤكد على حرية المعتقد، وتحترم التنوع الديني والثقافي، وهذا النوع من العلمانية يحظى ببعض القبول في الكثير من المجتمعات.
العلمانيون في مصر ينتمي أغلبهم إلى النوع الأول من العلمانية، وهي العلمانية المتطرفة أو المتشددة، لذلك رأينا في أوقات مختلفة من يطالب بإغلاق الأزهر الشريف، بزعم أنه يخرج إرهابيين ومتشددين ومتطرفين، وأنه يفرخ الإرهاب والتطرف، مستندين إلى أن بعض المنتمين للجماعات الإرهابية والمتطرفة تخرجوا من الأزهر الشريف.
لكن نفترض جدلا أن هناك بعض الإرهابيين الذين تخرجوا من الأزهر، فهل من العقل والمنطق أن يتم وصم المؤسسة كلها بالإرهاب والتطرف؟!
وأنا هنا اتساءل:
هل نتنياهو وترامب وإيتمار بن غفير، وبتسلإيل سموتريش، الذين يمارسون أفظع أنواع الإرهاب في التاريخ من قتل على الهوية وتدمير وتجويع وتهجير وإبادة جماعية تخرجوا من الأزهر؟.
هل هتلر الذي قتل الملايين وأباد اليهود تخرج من الأزهر؟
هل قادة وزعماء الحروب الصليبية التي قتلت الملايين في العالم الإسلامي تخرجوا من الأزهر؟
هل زعماء المافيا في العالم تخرجوا من الأزهر؟
هل الذين ألقوا القنبلة الذرية على اليابان، والتي قتلت وشوهت الألاف تخرجوا من الأزهر؟
هل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، الذي رفع شعار الحرب الصليبية المقدسة، والذي دمر العراق وقتل وشرد الملايين من أبناءه بزعم أسلحة الدمار الشامل، تخرج من الأزهر؟
هل اليمين المتطرف في الغرب، الذي يتبنى أفكار يمينية متطرفة ومحافظة، مثل معاداة المهاجرين، وكراهية الأجانب، ومعاداو الإسلام، والتمسك بالتقاليد الدينية المسيحية تخرج قادته من الأزهر؟
هل الأيديولوجية الفاشية والنازية موجودة في الإسلام؟
هل جان ماري لوبان، زعيم اليمين المتطرف في فرنسا، والذي ارتكب فظائع في الجزائر، والملقب بـ«مدمن تعذيب الجزائريين»، تخرج من الأزهر؟
هل قادة وزعماء جيش الرب في أوغندا، التي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية ومتطرفة مسيحية، تخرجوا من الأزهر؟.
هل زعماء وقادة تحالف العصابات القوي في هايتي «فيف أنسانم»، الذي يسيطر أعضاؤه على معظم العاصمة بورت أو برنس، وينتشرون في المناطق المحيطة بها، والتي صنفته الولايات المتحدة «جماعة إرهابية عابرة للحدود الوطنية»، تخرجوا من الأزهر؟.
الإسلام ضد الإرهاب بكافة أشكاله
أما موقف الإسلام من الإرهاب فقد عبر عنه الأزهر ومؤسساته المختلفة أكثر من مرة، فقد أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن «الإسلام لم يكن دين عنف أو إرهاب»، موضحًا أن «الإسلام والإرهاب خصمان لدودان، وضدان لا يجتمعان، بدليل أن عدد ضحايا الإرهاب من المسلمين يفوق عدد ضحاياه من غير المسلمين عشرات المرات».
وشدد الطيب على أن «ما يروج له بين الشباب من أن «الأديان سبب الحروب»، وأن التحرر من الدين، هو الضامن للسلام بين الشعوب، مقولة «كاذبة»، يدفع العالم ثمن تصديقها الآن، من حروب ورعب وخوف من المجهول، يفتقد فيه أي رصيد يحميه من إراقة الدماء خارج صندوق الدين».
وفي مناسبة أخرى قال الدكتور أحمد الطيب، أن سياسات عالمية جائرة شكلت البيئة الطبيعة لولادة «الإرهاب» وليست نُصوص القرآن والسنة.
مشيرًا إلى أن فلسفة الإسلام في التَّعامُل مع الآخَرينَ لا تَعرِفُ مبدأ الصِّراع ولا التَّصنيف.
وأنا هنا أقول: يا أصحاب العقل والمنطق والانصاف والعدل، عدد المنتمين للأزهر من الجماعات الجهادية الإرهابية لا يتعدى واحد من مليار، الغالبية الكاسحة من علماء الأزهر الذين يقدرون بالألاف يعتنقون الدين الوسطي المعتدل، الذي يدعوا للتسامح والمحبة والسلام بين بني البشر، ويرفضون كل ما تقوم به الجماعات الإرهابية ويتبرأون منه.
أيها العلمانيون المتطرفون: لماذا تحملون الأزهر أوزار القلة المتطرفة الخارجة عن إجماع الأمة؟
الإسلام برئ من الجماعات الإرهابية
وتبرأ الأزهر ومؤسساته المختلفة أكثر من مرة من الجماعات الارهابية التي تنسب نفسها زورا وبهتانا للإسلام، حيث قالت دار الإفتاء المصرية إن العقل يقف حائرًا أمام استحلال الجماعات الإرهابية للكذب والتزوير وترويج الشائعات، لأجل تحقيق أطماعهم في الوصول إلى الحكم.
وأوضحت الدار -في فيديو موشن جرافيك - أن سبب الدهشة والحيرة أنهم يدَّعون التدين ورفع راية الإسلام، وسرعان ما تزول هذه الدهشة إذا علمنا أن هذه الجماعات ليس لها علاقة بأخلاق الإسلام من قريب أو بعيد، بل هم إلى النفاق أقرب منهم للإيمان.
وأشارت الدار إلى أن من يتتبع تاريخ هذه الحركات الهدامة من نشأتها وحتى الآن يدرك تمامًا أن الكذب والتلون وتبديل المبادئ حسب مصالحهم وأهوائهم هو ديدنهم ووسيلتهم الوحيدة لتحقيق أطماعهم السياسية والدنيوية، قال تعالي «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
أين أنتم مما يحدث في غزة؟
أيها العلمانيون الذين يطلبون باغلاق الأزهر واتهامه بتفريخ الإرهاب، أين أنتم مما يحدث في غزة من قتل وإبادة وتجويح وجرائم ضد الإنسانية؟
وكما قال فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب، إن الأصوات التي اعتادت وصف الإسلام بالإرهاب أصيبت بالبكم إزاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن ما وصفه بـ "الإرهاب" الإسرائيلي يحظى بدعم عالمي لا محدود لارتكاب مجازره وجرائمه في حق أبرياء فلسطين.
جماعات مصنوعة ومدعومة
أكد أكثر من تقرير على أن الجماعات الإرهابية هي من صناعة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، والدليل ما حدث مع هيئة تحرير الشام«جبهة النصرة سابقا» وزعيمها أحمد الشرع «أبو محمد الجولاني سابقا»، في سوريا، فجبهة النصرة التي كانت مصنفة منظمة إرهابية من جانب الولايات المتحدة والغرب تحولت بين ليلة وضحاها إلى فصيل سياسي معترف به في حكم سوريا من أمريكا والغرب، وتحول زعيمها أحمد الشرع الذي كان مصنفا إرهابيا في الولايات المتحدة الأمريكية إلى رئيس معترف به من أمريكا والعالم.
الأزهر منارة
وهنا لا أجد أروع مما قاله فضيلة الشيخ الدكتور نظير محمد عياد، مفتى الجمهورية عن الأزهر الشريف: هذا الصرح الإسلامي العريق«الأزهر»، الذي ظلَّ عبر القرون منارةً للعِلم الشرعي، وحصنًا حصينًا للإسلام الوسطي المعتدل، ومركزًا علميًّا وثقافيًّا يضيء درب الأمة الإسلامية بالحكمة والمعرفة.
والأزهر الشريف لم يكن مجرَّد مسجد تُقام فيه الصلاة، بل كان منذ نشأته جامعةً علميةً متكاملة، يقصده طلاب العلم من مختلف بقاع الأرض، لينهلوا من علوم الشريعة واللغة والفكر الإسلامي المستنير، وليعودوا إلى بلادهم سفراء للعلم، وحَمَلةً لرسالة الإسلام القائمة على الرحمة والتسامح والانفتاح على الآخر.
وفي ظلِّ التحديات الفكرية التي تواجه عالمنا اليوم، يظل الأزهر الشريف الحصن المنيع في مواجهة الغلو والتطرف، مستندًا إلى منهجه الراسخ الذي يجمع بين الحفاظ على ثوابت الدين والانفتاح على مستجدات العصر، مجسدًا بذلك النموذج الأصيل للإسلام الذي جاء رحمةً للعالمين.
كما أنَّ الأزهر الشريف يُعدُّ المرجعيةَ العلمية والروحية الأولى للمسلمين في العالم، وهو مستمرٌّ في أداء رسالته السامية من خلال مؤسساته التعليمية والدعوية، ومن خلال فتاواه التي تنير دروب المسلمين بالوعي الصحيح، وتقيهم مزالق الانحراف الفكري والتأويلات الخاطئة للنصوص الشرعية.
نسأل الله تعالى أن يحفظ الأزهر الشريف، وأن يجعله دائمًا منارةً للإسلام المستنير، وموئلًا للعلم والعلماء، وصرحًا شامخًا يُنير للأمة طريقها نحو الرشد والهداية.
ويقول فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف،: إن الأزهر يمثل منارة للعلم منذ نشأته، ولم يتخلف عن أداء دوره في المحافظة على الشريعة وعلوم اللغة العربية، ومكافحة التطرف والتشدد والتفريط، والوقوف بكل حزم في وجه حركات تشويه الدين والتطاول على مقدسات ورموز المسلمين، مؤكدًا تمسك الأزهر بأداء دوره المحوري، واستمرار حملاته للتوعية بالقيم الإنسانية، وجهوده في العمل المجتمعي والمبادرات العالمية التي ترسخ لقيم التعددية واحترام الآخر.
وأكدت وزارة الأوقاف، أن الجامع الأزهر صرح عريق سيظل منارةً شامخةً للعلم، وقلعةً حصينةً تحفظ الإسلام والشريعة، وتنهض بعلوم الدين واللغة العربية، مضيفة أنه "منذ أكثر من عشرة قرون، ظل الأزهر ثابتًا في أداء رسالته، ناشرًا الفكر الوسطي المستنير، ومقدمًا نموذجًا فريدًا في الجمع بين الأصالة والتجديد؛ ما جعله أحد أهم المؤسسات الدينية والعلمية في العالم الإسلامي".
وأكد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أن "الأزهر الشريف كان ولا يزال صمام أمانٍ للأمة الإسلامية، ومرجعًا علميًّا رصينًا يحمل لواء الاعتدال، وملاذًا لطلاب العلم من شتى بقاع الأرض، ومنارةً تنشر نور الإسلام الصحيح إلى العالم أجمع. ففيه تخرجت أجيال حملت علوم الدين واللغة إلى أصقاع الأرض، وأسهمت في ترسيخ الفكر الوسطي المستنير".
الأزهر.. دور عالمي
دور الأزهر لم يقتصر على محيطة العربي وامتداده الإسلامي، بل تعداه إلى الفضاء العالمي، حيث رأيناه عبر تاريخه يتشابك مع القضايا العالمية، ويبدي رأيه في هذه القضايا، ودائما يطالب بحل المشاكل والنزاعات والصراعات بين الدول بالطرق السلمية، ويرفض حلها بالطرق العسكرية أو عن طريق العنف والإرهاب، كما يدعو للتقارب والحوار بين الأديان ونبذ التعصب الأعمى لها.
كما يلعب الأزهر الشريف دورًا عالميًا مهمًا في نشر الإسلام الوسطي المعتدل، ومواجهة التطرف الفكري، وتقديم الفتاوى الصحيحة، وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي، كما يمثل ركيزة أساسية للاستقرار في مصر والمجتمعات الإسلامية، ويسعى لخدمة القضايا الإنسانية والدينية.
في النهاية أود التأكيد على عددا من النقاط:
أولا: نحن مع الدولة في مساعيها الرامية إلى تجديد الخطاب الديني وإصلاح المؤسسات الدينية، وضد مساعي التيار العلماني المتطرف في مخططاته لهدم الأزهر الشريف وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، مستغلا سلوك قلة مارقة خارجة عن إجماع الأمة.
ثانيأ: أن الأديان، لا سيما الأديان السماوية الثلاثة «اليهودية والمسيحية والإسلام»، لا علاقة لها بالإرهاب، وكل هذه الأديان تدعوا للتسامح والتعايش والمحبة، وترفض العنف والإرهاب بكل اشكاله ومصادره.
ثالثا: أغلب القوانين في العالم تعرف الإرهاب، على أنه ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان، وأنها ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه.
رابعا: التطرف ظاهرة عالمية وإنسانية، فهي ليست مقتصرة على منطقة جغرافية أو ثقافة معينة، وليس ظاهرة مرتبطة بدين أو عرق معين، بل توجد في مختلف أنحاء العالم بدرجات متفاوتة، وتتجلى هذه الظاهرة في تبني أفكار أو ممارسات متشددة ومبالغ فيها، وغالبًا ما ترتبط بالعنف والإرهاب.
لذلك الأمم المتحدة لا تقدم تعريفًا واحدًا وموحدًا للتطرف، لكنها تعترف به كظاهرة معقدة ومتنوعة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإرهاب والعنف، وحسب الأمم المتحدة ينظر إلى التطرف على أنه مجموعة من الأفكار والمواقف والسلوكيات التي تتبنى العنف أو الكراهية أو التعصب، وتنفي أو تدمر الحقوق والحريات الأساسية للآخرين.
حفظ الله مصر وأزهرها وشعبها وجيشها

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
مفتي الجمهورية يُحذّر من استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف
قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، إن مؤتمر "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" – والمقرر أن تعقده الدار على مدار يومي 12 و13 أغسطس القادم – يهدف إلى استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على الفتوى الشرعية، مع التأكيد على أهمية الجمع بين التقنيات الحديثة وأصول العلم الشرعي. الفتوى الرقمية وأشار مفتي الجمهورية - في تصريحات اليوم السبت - إلى أن المؤسسات الدينية بحاجة إلى مواكبة الثورة الرقمية عبر التحول إلى الفتوى الرقمية، مع ضمان أن تكون الفتوى مسؤولة أخلاقيًا وإنسانيًا، وأن التحديات الكبرى تشمل الفتاوى الآلية المضللة واستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف. وأشار "عياد"، إلى ضرورة أن يكون المفتي العصري فقيها ومفكرا، وعلينا توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للمفتي دون التفريط في القرار الإفتائي، موضحًا أن الرسالة الأساسية التي يسعى المؤتمر لإيصالها هي رسالة عالمية بامتياز، تعكس عمق الدور الحضاري الذي تضطلع به دار الإفتاء المصرية وذراعها الدولية متمثلة في الأمانة العامة لِدُور وهيئات الإفتاء في العالم في هذا العصر المتداخل. وأوضح أنه من أبرز ما نأمل من مخرجاته هو إعداد تقرير استشرافي شامل حول التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على الفتوى عالميًا، يتضمن تحليلًا للوضع القائم، وسيناريوهات للمستقبل، وتوصيات عملية موجهة لصناع القرار الديني، وكذلك تطوير خطاب عالمي مشترك يدعو إلى أخلاقيات رقمية عادلة، ويؤكد أن الفتوى ليست مجرد معلومة تُنتج، بل مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، فضلًا عن فتح قنوات تعاون وشراكات جديدة بين المؤسسات الدينية حول العالم، لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات، خصوصًا في ما يتعلق بالتقنيات الجديدة، ومواجهة خطاب الكراهية، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام. وتابع:"أنه لا شك أن هذه المخرجات تمثل نقلة نوعية من العمل الإقليمي إلى الفعل الحضاري العالمي، وهي مسؤولية نضطلع بها في دار الإفتاء المصرية، والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بكل وعي وإصرار، وتمثل صميم رسالتنا". ورأى المفتي، أن المؤسسات الدينية تحتاج إلى مقاربة مزدوجة، تتمثل في فهم عميق لأدوات العصر، وتمسك راسخ بأصول العلم الشرعي، فالتحول الرقمي ليس مجرد "ترف تقني" أو تحديث إداري، بل هو إعادة صياغة لكيفية الوصول إلى الجمهور، ومخاطبته، والتفاعل معه، في زمن تغيرت فيه وسائل السؤال، وأنماط الفهم، وحتى اللغة. تدريب العلماء والدعاة على مهارات العصر ونوه بأنه يمكن للمؤسسات الدينية أن تواكب الثورة الرقمية من خلال عدة مسارات استراتيجية، أبرزها التحول من الفتوى الورقية إلى الفتوى الرقمية الذكية، وبناء قاعدة بيانات معرفية فقهية رقمية، وتكوين "المفتي الرشيد" لا "المفتي الآلي"، وكذلك تدريب العلماء والدعاة على مهارات العصر. ولفت إلى أنه يجب أن يعي الجميع أن الفرد مهما بلغت كفاءته، يبقى رهينًا ببيئة مؤسسية إما أن تطلق طاقاته أو تعيقه، لذلك سنعمل من خلال المؤتمر على دعم التحول المؤسسي داخل هيئات الإفتاء من خلال وضع معايير لقياس الأداء المؤسسي الإفتائي في العصر الرقمي، تتضمن مؤشرات مرجعية دقيقة لمدى التأثير المجتمعي للفتوى، ومردودها الإعلامي، وآليات ضبطها وتحليلها، إلى جانب توصيات بإنشاء فرق بحثية متخصصة داخل كل مؤسسة إفتائية، تتولى رصد المستجدات التقنية والقيمية التي تؤثر في واقع الفتوى، وتقديم الاستجابات العلمية المناسبة لها. وأضاف الدكتور نظير عياد، أن ذلك يأتي فضلًا عن دعم التجارب الدولية الناجحة من خلال تخصيص محور كامل في المؤتمر لعرض تجارب الدول في تطوير الأداء الإفتائي، مثل تجربة دار الإفتاء، والأردنية، والماليزية، والأوزبكية، وغيرها، وهذا التصور يفتح الباب أمام نقلة نوعية في البنية المؤسسية للفتوى، تنقلها من النمط التقليدي إلى نموذج رقمي متكامل، يراعي الشفافية، والحوكمة، وجودة المخرجات. وعن التحديات التي يواجهها المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي، قال إن هناك جملة من التحديات فرضها انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، فاليوم يستطيع أي برنامج أن يولد نصوصًا دينية، أو يقدم إجابات على مسائل شرعية، دون ضبط علمي أو شرعي أو سياقي، وهنا يكمن الخطر، لأن المتلقي قد يخلط بين الفتوى الشرعية الموثوقة، وبين المحتوى الاصطناعي الخالي من المرجعية. وأوضح مفتي الجمهورية: أنه من أبرز هذه التحديات هو انتشار "الفتاوى الآلية" التي تصدر عبر روبوتات أو منصات مدعومة بذكاء اصطناعي بلا إشراف، وكذلك التضليل الخوارزمي، حيث تظهر للجمهور فتاوى شاذة أو منحرفة لأنها تتفق مع ميوله أو بحثه السابق، وأيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف، واستغلال ضعف الوعي المجتمعي في التمييز بين المفتي الحقيقي والمنتج الرقمي المصطنع، لذلك نعمل في دار الإفتاء من خلال الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم على إطلاق مؤشرات ذكية لرصد الفتاوى المنتشرة عبر الإنترنت، وتطوير أدوات تحليل رقمية لرصد الاتجاهات المنحرفة، كما نسعى خلال المؤتمر إلى وضع ميثاق دولي للفتوى الرقمية يراعي الضوابط الشرعية والأخلاقية، ويحدد الإطار الذي ينبغي أن تتحرك فيه المؤسسات. وبشأن توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الإفتائي دون المساس بجوهر الفتوى الشرعية، أكد المفتي أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للفتوى، لكنه ليس مفتيًا، فهو أداة قوية، لكنها تفتقر إلى العقل المقاصدي، والنظر الفقهي، والتقدير الإنساني الذي تستلزمه الفتوى، ولذلك فإن توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الإفتائي لا يعني تفويض الآلة بإصدار الفتوى، بل استخدام قدراتها في تمكين العالِم الحقيقي من أداء دوره بصورة أدق وأسرع وأكثر وعيًا بتغيرات الواقع. وشدد "عياد": على أن الدار لا تتخوف من التقنية بحد ذاتها، بل من استقلالها عن الضوابط الشرعية والأخلاقية، وإذا استخدم الذكاء الاصطناعي وفق ضوابط رشيدة يمكن أن يكون عونًا للمفتي، وأداة مساعدة له ومحسنة من عمله وأدائه، وعلى سبيل المثال يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي في تصنيف الأسئلة، وتحليل الأنماط، والمساعدة في بناء قواعد بيانات ضخمة من الفتاوى، أو حتى تقديم إجابات مبدئية لبعض المسائل الشائعة أو الفتاوى العامة بناءً على فتاوى سابقة، لكن لا يمكن، ولن يكون مقبولًا، أن تتصدر الآلة مشهد إصدار الحكم الشرعي؛ لأن الفتوى ليست عملية حسابية أو منطقية فقط، بل هي اجتهاد إنساني مركب يتطلب الوعي بالمقاصد، وتحقيق المناط، ومعرفة حال المستفتي، ومراعاة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. وأشار المفتي إلى أن الضوابط تبدأ من التأكيد أن الذكاء الاصطناعي خادم للفقيه، لا حاكم عليه أو مستقل عنه، وأن الفتوى الصادرة عبر الآلة يجب أن تمر دومًا بمراجعة بشرية من جهة مؤسسية مسؤولة. وأوضح: أن الفتوى في فلسفة الدار "بنت زمانها"، ليست استنساخًا لحلول الماضي، بل اجتهادًا متجددًا يوازن بين النص والمصلحة، بين القيم الثابتة والمتغيرات الطارئة، وهنا نؤكد أن دار الإفتاء تضم لجانًا علمية متخصصة تعكف على دراسة المسائل المستجدة، وتشرك خبراء من مجالات متعددة لفهم أبعاد الظواهر الحديثة، بما يضمن أن تكون الفتوى مواكبة دون أن تفرط، وعصرية دون أن تشوه مرجعيتها، وبهذا النهج تقدم دار الإفتاء نموذجًا حيًّا لمؤسسة دينية تجمع بين عمق التراث وحيوية الحاضر. وعن دور التدريب والتأهيل المستمر للمفتين في بناء مفتي يواكب هذا العصر المعقد، قال إن تكوين المفتي المعاصر أصبح أمرًا ضروريًا ولا يمكن حصره في حدود الفقه التقليدي، ذلك لأن المفتي العصري لا بد أن يكون فقيهًا ومفكرًا وناصحًا اجتماعيًا ملمًا بعلوم وأدوات العصر. وأشار إلى أنه بات ذلك مشروعًا مركبًا يتطلب تأهيلًا متعدد الأبعاد، يتقاطع فيه الفقه مع علوم الاجتماع والعلوم الإنسانية والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا وعلوم الاتصال، ولهذا السبب، انتهجت الدار في السنوات الأخيرة نهج الشراكة المؤسسية مع جهات أكاديمية ومتخصصة لتقديم تدريب نوعي للمفتين الجدد. ولفت إلى أن الدار لا تكتفي بالتدريب الداخلي في "مركز إعداد المفتين"، بل تنسق بفاعلية مع كيانات رائدة مثل أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب، ومؤسسات متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وهذا التوسع في الشراكات يعكس قناعة الدار بأن المفتي اليوم بحاجة إلى أدوات معرفية وسلوكية تتجاوز الجواب الفقهي، ليصبح قادرًا على التعامل مع الأسئلة المركبة التي تمزج بين الدين والمجتمع والاقتصاد، وفهم البيئة الرقمية ووسائل التواصل التي تعيد تشكيل الفتوى يومًا بعد يوم، والتواصل الفعال مع جمهور متعدد الثقافات والمستويات. وأكد الحرص على أن تكون الفتوى الصادرة عنها نتاجًا لتكامل علمي ومهني رفيع، حيث لا تكتفي بالاجتهاد الشرعي المجرد، بل تعلي من قيمة التشاور مع أهل التخصص في مختلف المجالات عند النظر في النوازل والقضايا المستجدة، وذلك إيمانًا منها بأن الفتوى الرشيدة لا تبني فقط على فهم النصوص، بل أيضًا على إدراك الواقع وتشعباته. وفيما يخص تطوير الأدوات أو البرامج التي تعتمدها دار الإفتاء حاليًا لتسهيل العمل الإفتائي، قال: نعيش لحظة مفصلية تعيد تعريف وظيفة المفتي ودوره المجتمعي، لم يعد المفتي مجرد فقيه يجيب عن حكم الطهارة والصلاة فقط، بل أصبح رجلًا يخاطب الإنسان المعاصر، بلغته، وهمومه، وتحدياته، وسط عالم شديد التعقيد، لذلك لم تعد الكفاءة الشرعية كافية وحدها، بل أصبح من الضروري أن يضاف إليها وعي واقعي، وثقافة موسوعية، وفهم نفسي، وإدراك للسياقات الاجتماعية والسياسية والتقنية. وأشار إلى أن المفتي اليوم يجب أن يعرف شيئًا عن الإعلام الرقمي، والاقتصاد السلوكي، والعلاقات الدولية، وقضايا البيئة والتكنولوجيا، لهذا حرصنا في دار الإفتاء على تطوير برامج تكوين المفتي لتشمل مواد مثل "فقه الواقع"، و"دراسات إنسانية"، و"مهارات القيادة والتواصل"، إلى جانب تدريب عملي مباشر على التعامل مع الأسئلة الجديدة والملفات والأدوات المعاصرة. وعن التمييز بين الفتوى الصادرة عن عقل بشري مؤهل والردود التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، قال المفتي إن التمييز يبدأ من فهم جوهري لطبيعة كل منهما، فالمفتي الإنسان لا ينقل حكمًا فحسب، بل يجتهد، ويراعي المقاصد، ويقدر الظروف، ويتحمل مسؤولية الكلمة التي يوقع بها عن الله، بينما الذكاء الاصطناعي يقدم ردودًا آلية مستندة إلى أرشيف من النصوص والمعلومات، دون وعي أو فقه للسياقات الفردية والاجتماعية. وأضاف أنه من ثم فالفتوى البشرية تتسم بالتفصيل، وبالقدرة على التمييز بين الحالات، وبالتردد الورع أحيانًا في إصدار الحكم، في حين تميل إجابات الآلة إلى الاختزال، والجمود، وغياب الحس الإنساني، فلا تعرف التدرج، ولا تتردد في القطع بحكم دون مراعاة لحالة السائل أو لزمانه ومكانه، كما أن المفتي البشري قد يقول "لا أعلم" تواضعًا وخشية، بينما الآلة تجيب على كل شيء بلا مسؤولية، ولعل أخطر ما في الفتوى الآلية أنها تخفي ظاهرها المنضبط تحت قناع تقني، بينما تفرغ الفتوى من بعدها الشرعي والروحي والإنساني، ولهذا يبقى الوعي مصدر الأمان، فكل فتوى تفتقر إلى الاجتهاد، ولا تراعي المقاصد، ولا تحمل في طياتها تمييزًا بين الناس والسياقات، لا بد أن يعاد النظر فيها.


الأسبوع
منذ 3 ساعات
- الأسبوع
كيف تواكب المؤسسات الدينية الذكاء الاصطناعي دون تفريط في الفتوى؟ مفتي الجمهورية يُجيب
الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية أ ش أ أكد مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد، أن مؤتمر صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي والمقرر أن تعقده الدار على مدار يومي 12 و 13 أغسطس القادم يهدف إلى استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على الفتوى الشرعية، مع التأكيد على أهمية الجمع بين التقنيات الحديثة وأصول العلم الشرعي. وقال مفتي الجمهورية في حوار خاص مع وكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت، إن المؤسسات الدينية بحاجة إلى مواكبة الثورة الرقمية عبر التحول إلى الفتوى الرقمية، مع ضمان أن تكون الفتوى مسؤولة أخلاقيًا وإنسانيًا، وأن التحديات الكبرى تشمل الفتاوى الآلية المضللة واستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف. وأشار عياد، إلى ضرورة أن يكون المفتي العصري فقيها ومفكرا، وعلينا توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للمفتي دون التفريط في القرار الإفتائي، موضحا أن الرسالة الأساسية التي يسعى المؤتمر لإيصالها هي رسالة عالمية بامتياز، تعكس عمق الدور الحضاري الذي تضطلع به دار الإفتاء المصرية وذراعها الدولية متمثلة في الأمانة العامة لِدُور وهيئات الإفتاء في العالم في هذا العصر المتداخل. وأوضح أنه من أبرز ما نأمل من مخرجاته هو إعداد تقرير استشرافي شامل حول التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على الفتوى عالميًا، يتضمن تحليلاً للوضع القائم، وسيناريوهات للمستقبل، وتوصيات عملية موجهة لصناع القرار الديني، وكذلك تطوير خطاب عالمي مشترك يدعو إلى أخلاقيات رقمية عادلة، ويؤكد أن الفتوى ليست مجرد معلومة تُنتج، بل مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، فضلاً عن فتح قنوات تعاون وشراكات جديدة بين المؤسسات الدينية حول العالم، لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات، خصوصًا في ما يتعلق بالتقنيات الجديدة، ومواجهة خطاب الكراهية، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام. وتابع:" أنه لا شك أن هذه المخرجات تمثل نقلة نوعية من العمل الإقليمي إلى الفعل الحضاري العالمي، وهي مسؤولية نضطلع بها في دار الإفتاء المصرية، والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بكل وعي وإصرار، وتمثل صميم رسالتنا. ورأى المفتي، أن المؤسسات الدينية تحتاج إلى مقاربة مزدوجة، تتمثل في فهم عميق لأدوات العصر، وتمسك راسخ بأصول العلم الشرعي، فالتحول الرقمي ليس مجرد ترف تقني أو تحديث إداري، بل هو إعادة صياغة لكيفية الوصول إلى الجمهور، ومخاطبته، والتفاعل معه، في زمن تغيرت فيه وسائل السؤال، وأنماط الفهم، وحتى اللغة. ونوه عياد، إلى أنه يمكن للمؤسسات الدينية أن تواكب الثورة الرقمية من خلال عدة مسارات استراتيجية، أبرزها التحول من الفتوى الورقية إلى الفتوى الرقمية الذكية، وبناء قاعدة بيانات معرفية فقهية رقمية، وتكوين "المفتي الرشيد" لا المفتي الآلي، وكذلك تدريب العلماء والدعاة على مهارات العصر. ولفت إلى أنه يجب أن يعي الجميع أن الفرد مهما بلغت كفاءته، يبقى رهينًا ببيئة مؤسسية إما أن تطلق طاقاته أو تعيقه، لذلك سنعمل من خلال المؤتمر على دعم التحول المؤسسي داخل هيئات الإفتاء من خلال وضع معايير لقياس الأداء المؤسسي الإفتائي في العصر الرقمي، تتضمن مؤشرات مرجعية دقيقة لمدى التأثير المجتمعي للفتوى، ومردودها الإعلامي، وآليات ضبطها وتحليلها، إلى جانب توصيات بإنشاء فرق بحثية متخصصة داخل كل مؤسسة إفتائية، تتولى رصد المستجدات التقنية والقيمية التي تؤثر في واقع الفتوى، وتقديم الاستجابات العلمية المناسبة لها. وأضاف الدكتور نظير، أن ذلك يأتي فضلًا عن دعم التجارب الدولية الناجحة من خلال تخصيص محور كامل في المؤتمر لعرض تجارب الدول في تطوير الأداء الإفتائي، مثل تجربة دار الإفتاء المصرية، والأردنية، والماليزية، والأوزبكية، وغيرها، وهذا التصور يفتح الباب أمام نقلة نوعية في البنية المؤسسية للفتوى، تنقلها من النمط التقليدي إلى نموذج رقمي متكامل، يراعي الشفافية، والحوكمة، وجودة المخرجات. وعن التحديات التي يواجهها المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي، قال إن هناك جملة من التحديات فرضها انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، فاليوم يستطيع أي برنامج أن يولد نصوصًا دينية، أو يقدم إجابات على مسائل شرعية، دون ضبط علمي أو شرعي أو سياقي، وهنا يكمن الخطر، لأن المتلقي قد يخلط بين الفتوى الشرعية الموثوقة، وبين المحتوى الاصطناعي الخالي من المرجعية. وأوضح مفتي الجمهورية، أنه من أبرز هذه التحديات هو انتشار "الفتاوى الآلية" التي تصدر عبر روبوتات أو منصات مدعومة بذكاء اصطناعي بلا إشراف، وكذلك التضليل الخوارزمي حيث تظهر للجمهور فتاوى شاذة أو منحرفة لأنها تتفق مع ميوله أو بحثه السابق، وأيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف، واستغلال ضعف الوعي المجتمعي في التمييز بين المفتي الحقيقي والمنتج الرقمي المصطنع، لذلك نعمل في دار الإفتاء من خلال الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم على إطلاق مؤشرات ذكية لرصد الفتاوى المنتشرة عبر الإنترنت، وتطوير أدوات تحليل رقمية لرصد الاتجاهات المنحرفة، كما نسعى خلال المؤتمر إلى وضع ميثاق دولي للفتوى الرقمية يراعي الضوابط الشرعية والأخلاقية، ويحدد الإطار الذي ينبغي أن تتحرك فيه المؤسسات. وبشأن توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الإفتائي دون المساس بجوهر الفتوى الشرعية، أكد المفتي أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للفتوى، لكنه ليس مفتيًا، فهو أداة قوية، لكنها تفتقر إلى العقل المقاصدي، والنظر الفقهي، والتقدير الإنساني الذي تستلزمه الفتوى، ولذلك فإن توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الإفتائي لا يعني تفويض الآلة بإصدار الفتوى، بل استخدام قدراتها في تمكين العالِم الحقيقي من أداء دوره بصورة أدق وأسرع وأكثر وعيًا بتغيرات الواقع. وشدد عياد، على أن الدار لا تتخوف من التقنية بحد ذاتها، بل من استقلالها عن الضوابط الشرعية والأخلاقية، وإذا استخدم الذكاء الاصطناعي وفق ضوابط رشيدة يمكن أن يكون عونًا للمفتي، وأداة مساعدة له ومحسنة من عمله وأدائه، وعلى سبيل المثال يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي في تصنيف الأسئلة، وتحليل الأنماط، والمساعدة في بناء قواعد بيانات ضخمة من الفتاوى، أو حتى تقديم إجابات مبدئية لبعض المسائل الشائعة أو الفتاوى العامة بناءً على فتاوى سابقة، لكن لا يمكن، ولن يكون مقبولًا، أن تتصدر الآلة مشهد إصدار الحكم الشرعي، لأن الفتوى ليست عملية حسابية أو منطقية فقط، بل هي اجتهاد إنساني مركب يتطلب الوعي بالمقاصد، وتحقيق المناط، ومعرفة حال المستفتي، ومراعاة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. وأشار المفتي، إلى أن الضوابط تبدأ من التأكيد أن الذكاء الاصطناعي خادم للفقيه، لا حاكم عليه أو مستقل عنه، وأن الفتوى الصادرة عبر الآلة يجب أن تمر دومًا بمراجعة بشرية من جهة مؤسسية مسؤولة. وأوضح أن الفتوى في فلسفة الدار "بنت زمانها"، ليست استنساخًا لحلول الماضي، بل اجتهادًا متجددًا يوازن بين النص والمصلحة، بين القيم الثابتة والمتغيرات الطارئة، وهنا نؤكد أن دار الإفتاء تضم لجانًا علمية متخصصة تعكف على دراسة المسائل المستجدة، وتشرك خبراء من مجالات متعددة لفهم أبعاد الظواهر الحديثة، بما يضمن أن تكون الفتوى مواكبة دون أن تفرط، وعصرية دون أن تشوه مرجعيتها، وبهذا النهج تقدم دار الإفتاء نموذجًا حيًّا لمؤسسة دينية تجمع بين عمق التراث وحيوية الحاضر. وعن دور التدريب والتأهيل المستمر للمفتين في بناء مفتي يواكب هذا العصر المعقد، قال إن تكوين المفتي المعاصر أصبح أمرًا ضروريًا ولا يمكن حصره في حدود الفقه التقليدي، ذلك لأن المفتي العصري لا بد أن يكون فقيهًا ومفكرًا وناصحًا اجتماعيًا ملمًا بعلوم وأدوات العصر. وأشار عياد، إلى أنه بات ذلك مشروعًا مركبًا يتطلب تأهيلًا متعدد الأبعاد، يتقاطع فيه الفقه مع علوم الاجتماع والعلوم الإنسانية والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا وعلوم الاتصال، ولهذا السبب، انتهجت الدار في السنوات الأخيرة نهج الشراكة المؤسسية مع جهات أكاديمية ومتخصصة لتقديم تدريب نوعي للمفتين الجدد. ولفت إلى أن الدار لا تكتفي بالتدريب الداخلي في "مركز إعداد المفتين"، بل تنسق بفاعلية مع كيانات رائدة مثل أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب، ومؤسسات متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وهذا التوسع في الشراكات يعكس قناعة الدار بأن المفتي اليوم بحاجة إلى أدوات معرفية وسلوكية تتجاوز الجواب الفقهي، ليصبح قادرًا على التعامل مع الأسئلة المركبة التي تمزج بين الدين والمجتمع والاقتصاد، وفهم البيئة الرقمية ووسائل التواصل التي تعيد تشكيل الفتوى يومًا بعد يوم، والتواصل الفعال مع جمهور متعدد الثقافات والمستويات. وأكد عياد، الحرص على أن تكون الفتوى الصادرة عنها نتاجًا لتكامل علمي ومهني رفيع، حيث لا تكتفي بالاجتهاد الشرعي المجرد، بل تعلي من قيمة التشاور مع أهل التخصص في مختلف المجالات عند النظر في النوازل والقضايا المستجدة، وذلك إيمانًا منها بأن الفتوى الرشيدة لا تبني فقط على فهم النصوص، بل أيضًا على إدراك الواقع وتشعباته. وفيما يخص تطوير الأدوات أو البرامج التي تعتمدها دار الإفتاء حاليًا لتسهيل العمل الإفتائي، فأكد أننا نعيش لحظة مفصلية تعيد تعريف وظيفة المفتي ودوره المجتمعي، لم يعد المفتي مجرد فقيه يجيب عن حكم الطهارة والصلاة فقط، بل أصبح رجلًا يخاطب الإنسان المعاصر، بلغته، وهمومه، وتحدياته، وسط عالم شديد التعقيد، لذلك لم تعد الكفاءة الشرعية كافية وحدها، بل أصبح من الضروري أن يضاف إليها وعي واقعي، وثقافة موسوعية، وفهم نفسي، وإدراك للسياقات الاجتماعية والسياسية والتقنية. وأشار إلى أن المفتي اليوم يجب أن يعرف شيئًا عن الإعلام الرقمي، والاقتصاد السلوكي، والعلاقات الدولية، وقضايا البيئة والتكنولوجيا، لهذا حرصنا في دار الإفتاء على تطوير برامج تكوين المفتي لتشمل مواد مثل "فقه الواقع"، و"دراسات إنسانية"، و"مهارات القيادة والتواصل"، إلى جانب تدريب عملي مباشر على التعامل مع الأسئلة الجديدة والملفات والأدوات المعاصرة. وعن التمييز بين الفتوى الصادرة عن عقل بشري مؤهل والردود التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، قال المفتي إن التمييز يبدأ من فهم جوهري لطبيعة كل منهما، فالمفتي الإنسان لا ينقل حكمًا فحسب، بل يجتهد، ويراعي المقاصد، ويقدر الظروف، ويتحمل مسؤولية الكلمة التي يوقع بها عن الله، بينما الذكاء الاصطناعي يقدم ردودًا آلية مستندة إلى أرشيف من النصوص والمعلومات، دون وعي أو فقه للسياقات الفردية والاجتماعية. وأضاف عياد، أنه من ثم فالفتوى البشرية تتسم بالتفصيل، وبالقدرة على التمييز بين الحالات، وبالتردد الورع أحيانًا في إصدار الحكم، في حين تميل إجابات الآلة إلى الاختزال، والجمود، وغياب الحس الإنساني، فلا تعرف التدرج، ولا تتردد في القطع بحكم دون مراعاة لحالة السائل أو لزمانه ومكانه، كما أن المفتي البشري قد يقول لا أعلم تواضعًا وخشية، بينما الآلة تجيب على كل شيء بلا مسؤولية، ولعل أخطر ما في الفتوى الآلية أنها تخفي ظاهرها المنضبط تحت قناع تقني، بينما تفرغ الفتوى من بعدها الشرعي والروحي والإنساني، ولهذا يبقى الوعي مصدر الأمان، فكل فتوى تفتقر إلى الاجتهاد، ولا تراعي المقاصد، ولا تحمل في طياتها تمييزًا بين الناس والسياقات، لا بد أن يعاد النظر فيها.


بوابة ماسبيرو
منذ 3 ساعات
- بوابة ماسبيرو
مفتي الجمهورية: مؤتمر "صناعة المفتي الرشيد" يسعى لمواكبة الذكاء الاصطناعي
أكد مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد، أن مؤتمر "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" والمقرر أن تعقده الدار على مدار يومي 12 و 13 أغسطس القادم يهدف إلى استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على الفتوى الشرعية، مع التأكيد على أهمية الجمع بين التقنيات الحديثة وأصول العلم الشرعي. وقال مفتي الجمهورية، اليوم السبت، إن المؤسسات الدينية بحاجة إلى مواكبة الثورة الرقمية عبر التحول إلى الفتوى الرقمية، مع ضمان أن تكون الفتوى مسؤولة أخلاقيا وإنسانيا، وأن التحديات الكبرى تشمل الفتاوى الآلية المضللة واستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف. وأشار عياد، إلى ضرورة أن يكون المفتي العصري فقيها ومفكرا، وعلينا توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للمفتي دون التفريط في القرار الإفتائي، موضحا أن الرسالة الأساسية التي يسعى المؤتمر لإيصالها هي رسالة عالمية بامتياز، تعكس عمق الدور الحضاري الذي تضطلع به دار الإفتاء المصرية وذراعها الدولية متمثلة في الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في هذا العصر المتداخل. وأوضح أنه من أبرز ما نأمل من مخرجاته هو إعداد تقرير استشرافي شامل حول التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على الفتوى عالميا، يتضمن تحليلا للوضع القائم، وسيناريوهات للمستقبل، وتوصيات عملية موجهة لصناع القرار الديني، وكذلك تطوير خطاب عالمي مشترك يدعو إلى أخلاقيات رقمية عادلة، ويؤكد أن الفتوى ليست مجرد معلومة تنتج، بل مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، فضلا عن فتح قنوات تعاون وشراكات جديدة بين المؤسسات الدينية حول العالم، لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات، خصوصا في ما يتعلق بالتقنيات الجديدة، ومواجهة خطاب الكراهية، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام. وتابع:"أنه لا شك أن هذه المخرجات تمثل نقلة نوعية من العمل الإقليمي إلى الفعل الحضاري العالمي، وهي مسؤولية نضطلع بها في دار الإفتاء المصرية، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بكل وعي وإصرار، وتمثل صميم رسالتنا". ورأى المفتي، أن المؤسسات الدينية تحتاج إلى مقاربة مزدوجة، تتمثل في فهم عميق لأدوات العصر، وتمسك راسخ بأصول العلم الشرعي، فالتحول الرقمي ليس مجرد "ترف تقني" أو تحديث إداري، بل هو إعادة صياغة لكيفية الوصول إلى الجمهور، ومخاطبته، والتفاعل معه، في زمن تغيرت فيه وسائل السؤال، وأنماط الفهم، وحتى اللغة. ونوه عياد، إلى أنه يمكن للمؤسسات الدينية أن تواكب الثورة الرقمية من خلال عدة مسارات استراتيجية، أبرزها التحول من الفتوى الورقية إلى الفتوى الرقمية الذكية، وبناء قاعدة بيانات معرفية فقهية رقمية، وتكوين "المفتي الرشيد" لا "المفتي الآلي"، وكذلك تدريب العلماء والدعاة على مهارات العصر. ولفت إلى أنه يجب أن يعي الجميع أن الفرد مهما بلغت كفاءته، يبقى رهينا ببيئة مؤسسية إما أن تطلق طاقاته أو تعيقه، لذلك سنعمل من خلال المؤتمر على دعم التحول المؤسسي داخل هيئات الإفتاء من خلال وضع معايير لقياس الأداء المؤسسي الإفتائي في العصر الرقمي، تتضمن مؤشرات مرجعية دقيقة لمدى التأثير المجتمعي للفتوى، ومردودها الإعلامي، وآليات ضبطها وتحليلها، إلى جانب توصيات بإنشاء فرق بحثية متخصصة داخل كل مؤسسة إفتائية، تتولى رصد المستجدات التقنية والقيمية التي تؤثر في واقع الفتوى، وتقديم الاستجابات العلمية المناسبة لها. وأضاف الدكتور نظير، أن ذلك يأتي فضلا عن دعم التجارب الدولية الناجحة من خلال تخصيص محور كامل في المؤتمر لعرض تجارب الدول في تطوير الأداء الإفتائي، مثل تجربة دار الإفتاء المصرية، والأردنية، والماليزية، والأوزبكية، وغيرها، وهذا التصور يفتح الباب أمام نقلة نوعية في البنية المؤسسية للفتوى، تنقلها من النمط التقليدي إلى نموذج رقمي متكامل، يراعي الشفافية، والحوكمة، وجودة المخرجات. وعن التحديات التي يواجهها المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي، قال إن هناك جملة من التحديات فرضها انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، فاليوم يستطيع أي برنامج أن يولد نصوصا دينية، أو يقدم إجابات على مسائل شرعية، دون ضبط علمي أو شرعي أو سياقي، وهنا يكمن الخطر، لأن المتلقي قد يخلط بين الفتوى الشرعية الموثوقة، وبين المحتوى الاصطناعي الخالي من المرجعية. وأوضح مفتي الجمهورية، أنه من أبرز هذه التحديات هو انتشار "الفتاوى الآلية" التي تصدر عبر روبوتات أو منصات مدعومة بذكاء اصطناعي بلا إشراف، وكذلك التضليل الخوارزمي حيث تظهر للجمهور فتاوى شاذة أو منحرفة لأنها تتفق مع ميوله أو بحثه السابق، وأيضا استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الخطاب المتطرف، واستغلال ضعف الوعي المجتمعي في التمييز بين المفتي الحقيقي والمنتج الرقمي المصطنع، لذلك نعمل في دار الإفتاء من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم على إطلاق مؤشرات ذكية لرصد الفتاوى المنتشرة عبر الإنترنت، وتطوير أدوات تحليل رقمية لرصد الاتجاهات المنحرفة، كما نسعى خلال المؤتمر إلى وضع ميثاق دولي للفتوى الرقمية يراعي الضوابط الشرعية والأخلاقية، ويحدد الإطار الذي ينبغي أن تتحرك فيه المؤسسات. وبشأن توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الإفتائي دون المساس بجوهر الفتوى الشرعية، أكد المفتي أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوا للفتوى، لكنه ليس مفتيا، فهو أداة قوية، لكنها تفتقر إلى العقل المقاصدي، والنظر الفقهي، والتقدير الإنساني الذي تستلزمه الفتوى، ولذلك فإن توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الإفتائي لا يعني تفويض الآلة بإصدار الفتوى، بل استخدام قدراتها في تمكين العالم الحقيقي من أداء دوره بصورة أدق وأسرع وأكثر وعيا بتغيرات الواقع. وشدد عياد، على أن الدار لا تتخوف من التقنية بحد ذاتها، بل من استقلالها عن الضوابط الشرعية والأخلاقية، وإذا استخدم الذكاء الاصطناعي وفق ضوابط رشيدة يمكن أن يكون عونا للمفتي، وأداة مساعدة له ومحسنة من عمله وأدائه، وعلى سبيل المثال يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي في تصنيف الأسئلة، وتحليل الأنماط، والمساعدة في بناء قواعد بيانات ضخمة من الفتاوى، أو حتى تقديم إجابات مبدئية لبعض المسائل الشائعة أو الفتاوى العامة بناء على فتاوى سابقة، لكن لا يمكن، ولن يكون مقبولا، أن تتصدر الآلة مشهد إصدار الحكم الشرعي; لأن الفتوى ليست عملية حسابية أو منطقية فقط، بل هي اجتهاد إنساني مركب يتطلب الوعي بالمقاصد، وتحقيق المناط، ومعرفة حال المستفتي، ومراعاة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. وأشار المفتي، إلى أن الضوابط تبدأ من التأكيد أن الذكاء الاصطناعي خادم للفقيه، لا حاكم عليه أو مستقل عنه، وأن الفتوى الصادرة عبر الآلة يجب أن تمر دوما بمراجعة بشرية من جهة مؤسسية مسؤولة. وأوضح أن الفتوى في فلسفة الدار "بنت زمانها"، ليست استنساخا لحلول الماضي، بل اجتهادا متجددا يوازن بين النص والمصلحة، بين القيم الثابتة والمتغيرات الطارئة، وهنا نؤكد أن دار الإفتاء تضم لجانا علمية متخصصة تعكف على دراسة المسائل المستجدة، وتشرك خبراء من مجالات متعددة لفهم أبعاد الظواهر الحديثة، بما يضمن أن تكون الفتوى مواكبة دون أن تفرط، وعصرية دون أن تشوه مرجعيتها، وبهذا النهج تقدم دار الإفتاء نموذجا حيا لمؤسسة دينية تجمع بين عمق التراث وحيوية الحاضر. وعن دور التدريب والتأهيل المستمر للمفتين في بناء مفتي يواكب هذا العصر المعقد، قال إن تكوين المفتي المعاصر أصبح أمرا ضروريا ولا يمكن حصره في حدود الفقه التقليدي، ذلك لأن المفتي العصري لا بد أن يكون فقيها ومفكرا وناصحا اجتماعيا ملما بعلوم وأدوات العصر. وأشار عياد، إلى أنه بات ذلك مشروعا مركبا يتطلب تأهيلا متعدد الأبعاد، يتقاطع فيه الفقه مع علوم الاجتماع والعلوم الإنسانية والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا وعلوم الاتصال، ولهذا السبب، انتهجت الدار في السنوات الأخيرة نهج الشراكة المؤسسية مع جهات أكاديمية ومتخصصة لتقديم تدريب نوعي للمفتين الجدد. ولفت إلى أن الدار لا تكتفي بالتدريب الداخلي في "مركز إعداد المفتين"، بل تنسق بفاعلية مع كيانات رائدة مثل أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب، ومؤسسات متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وهذا التوسع في الشراكات يعكس قناعة الدار بأن المفتي اليوم بحاجة إلى أدوات معرفية وسلوكية تتجاوز الجواب الفقهي، ليصبح قادرا على التعامل مع الأسئلة المركبة التي تمزج بين الدين والمجتمع والاقتصاد، وفهم البيئة الرقمية ووسائل التواصل التي تعيد تشكيل الفتوى يوما بعد يوم، والتواصل الفعال مع جمهور متعدد الثقافات والمستويات. وأكد عياد، الحرص على أن تكون الفتوى الصادرة عنها نتاجا لتكامل علمي ومهني رفيع، حيث لا تكتفي بالاجتهاد الشرعي المجرد، بل تعلي من قيمة التشاور مع أهل التخصص في مختلف المجالات عند النظر في النوازل والقضايا المستجدة، وذلك إيمانا منها بأن الفتوى الرشيدة لا تبني فقط على فهم النصوص، بل أيضا على إدراك الواقع وتشعباته. وفيما يخص تطوير الأدوات أو البرامج التي تعتمدها دار الإفتاء حاليا لتسهيل العمل الإفتائي، فأكد أننا نعيش لحظة مفصلية تعيد تعريف وظيفة المفتي ودوره المجتمعي، لم يعد المفتي مجرد فقيه يجيب عن حكم الطهارة والصلاة فقط، بل أصبح رجلا يخاطب الإنسان المعاصر، بلغته، وهمومه، وتحدياته، وسط عالم شديد التعقيد، لذلك لم تعد الكفاءة الشرعية كافية وحدها، بل أصبح من الضروري أن يضاف إليها وعي واقعي، وثقافة موسوعية، وفهم نفسي، وإدراك للسياقات الاجتماعية والسياسية والتقنية. وأشار إلى أن المفتي اليوم يجب أن يعرف شيئا عن الإعلام الرقمي، والاقتصاد السلوكي، والعلاقات الدولية، وقضايا البيئة والتكنولوجيا، لهذا حرصنا في دار الإفتاء على تطوير برامج تكوين المفتي لتشمل مواد مثل "فقه الواقع"، و"دراسات إنسانية"، و"مهارات القيادة والتواصل"، إلى جانب تدريب عملي مباشر على التعامل مع الأسئلة الجديدة والملفات والأدوات المعاصرة. وعن التمييز بين الفتوى الصادرة عن عقل بشري مؤهل والردود التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، قال المفتي إن التمييز يبدأ من فهم جوهري لطبيعة كل منهما، فالمفتي الإنسان لا ينقل حكما فحسب، بل يجتهد، ويراعي المقاصد، ويقدر الظروف، ويتحمل مسؤولية الكلمة التي يوقع بها عن الله، بينما الذكاء الاصطناعي يقدم ردودا آلية مستندة إلى أرشيف من النصوص والمعلومات، دون وعي أو فقه للسياقات الفردية والاجتماعية. وأضاف عياد، أنه من ثم فالفتوى البشرية تتسم بالتفصيل، وبالقدرة على التمييز بين الحالات، وبالتردد الورع أحيانا في إصدار الحكم، في حين تميل إجابات الآلة إلى الاختزال، والجمود، وغياب الحس الإنساني، فلا تعرف التدرج، ولا تتردد في القطع بحكم دون مراعاة لحالة السائل أو لزمانه ومكانه، كما أن المفتي البشري قد يقول "لا أعلم" تواضعا وخشية، بينما الآلة تجيب على كل شيء بلا مسؤولية، ولعل أخطر ما في الفتوى الآلية أنها تخفي ظاهرها المنضبط تحت قناع تقني، بينما تفرغ الفتوى من بعدها الشرعي والروحي والإنساني، ولهذا يبقى الوعي مصدر الأمان، فكل فتوى تفتقر إلى الاجتهاد، ولا تراعي المقاصد، ولا تحمل في طياتها تمييزا بين الناس والسياقات، لا بد أن يعاد النظر فيها.