
طاهر سليم.. قصة أسير فلسطيني خرج إلى وطن منكوب وبلا عناق
في ذلك اليوم، غادر بيته تاركا زوجته نور إسليم، الحامل بطفلهما الثالث، وولديه الصغيرين محمد ومعتز، على أمل أن يتصل بها خلال أيام، لكنها لم تسمع صوته مرة أخرى إلا من خلال خبر الاعتقال الذي وصلها بعد 8 أيام، في ليلة صامتة جاء فيها إخوتها وأبناء عمومتها ليخففوا وقع الخبر عنها.
نور كانت في عامها الثالث في الجامعة، بين أمومتها المبكرة وكتبها الثقيلة، وحين اعتُقل طاهر كانت في منزل أهلها، تستعد لتقديم امتحاناتها، وتحاول أن تصدّق أن زوجها لن يعود قريبًا. بعد عام صدر الحكم "17 سنة، خلف الأسوار".
مرت السنوات ببطء ثقيل، لم تكن الزيارة سوى لحظة كل شهرين، محفوفة بالتفتيش والإهانات، لكنها كانت كفيلة بأن تعيد لروح نور شيئًا من الحياة، وحين منعت سلطات الاحتلال الزيارات عن أسرى غزة عام 2013، لم يتبقَ لها سوى رسائل الصليب الأحمر المتأخرة، تصل بعد أشهر من إرسالها، كأنها أخبار من زمن آخر.
كبر الأبناء، ومعاذ وُلد دون أن يؤذن له والده في أذنه. غاب الأب عن لحظات النجاح، عن حفلات التكريم، عن أول يوم مدرسة، عن بناء البيت، عن تخرج نور من الجامعة ومن الماجستير.
وذات يوم، أصيب محمد، طفلها البكر، بمرض مزمن خطير في الدم، واحتاج لعلاج شهري في رام الله، ثم ساءت حالته واضطرت نور للسفر به إلى مصر خلال الحرب.
حرية منقوصة
في السجن، كان الأسرى يسمعون عن الحرب في غزة، لكن ما تخيله طاهر خلف القضبان لم يكن يُقارن بما رآه حين تحرر في يوليو/تموز 2025، ضمن الدفعة الخامسة من صفقة "".
وصل طاهر إلى غزة فوجدها منكوبة، مدينته التي كانت تعني الحياة صارت مدينة رماد، وحرية الخروج لم تكن سوى عبور إلى سجن أكبر. لكن أكثر ما آلمه في تلك اللحظة، أن زوجته نور وأطفاله لم يكونوا في استقباله، فقد كانوا في القاهرة ، حيث يرقد محمد على سرير العناية المركزة.
يقول طاهر "تحررت من الجدران، لكنني دخلت سجن الحرب وسجن الغياب وسجن الأسئلة".
ويضيف "كان أول من خطر بباله حين خرجت أريد أن أحتضن عائلتي"، لكنه لم يحتضنهم فقد كان اللقاء من خلف شاشة الهتاف الجوال، صوت نور ودموعها كانا عزاءه الوحيد، ووجودها البعيد منح لحظته المنقوصة قليلًا من المعنى.
أما الزوجة نور سليم، التي انتظرت هذه اللحظة لسنوات، وكانت تحلم بأن تلبس الثوب الأبيض الفلسطيني، وأن تزغرد في الحارة، أن يركض الأولاد ويحتضنوا والدهم عند باب البيت، لكنها عوضًا عن ذلك، جلست خلف شاشة هاتف، تراقب الباصات التي تقل المحررين، تنتظر صورة، أو فيديو. وانهارت حين وصلها أول مقطع لطاهر، بصوته وضحكته التي تعرفها، لكنها لم تكن هناك.
في الغربة، كانت تعيش كل لحظة بوجع مضاعف فزوجها المحرر مهدد تحت القصف، وطفلها يصارع المرض، وهي تحاول أن تكون الأم والممرضة والمعيلة.
تقول "كل يوم كان معركة، اشتغلت أكثر من وظيفة، وصارت الأعباء جزءًا من يومي. ما كان في خيار غير أني أتحمل وأكمل".
وتضيف "هو اليوم حر، لكني في كل لحظة أخاف أن أفقده، أخاف عليه من القصف، من الغياب، من انقطاع الاتصال، وأحيانًا أتمنى أنه يظل في السجن، لكنه يظل عايش".
أما طاهر، فكلما تذكر نور، شعر أن الحريّة من دونها لا تكتمل.
يقول "نور مش بس زوجتي، هي كانت امتدادي وأنا في السجن. ربت عني، صمدت عني، كملت الطريق لوحدها، واليوم لما بشوفها عم تشتغل، تكتب، وتقاوم بالغربة، بعرف إنه أنا ما كنت لحالي في السجن.. هي كمان كانت مقاوِمة خلف قضبان الحياة".
ورغم الحب العميق الذي لم تنل منه المسافة، يقول كلاهما إن "الحرية ناقصة، فالعائلة لم تجتمع بعد. هما في مكانين مختلفين، بلا بيت واحد، بلا حضن، بلا عناق حقيقي. ووسط الحرب، والغربة، والمرض، والانتظار، لا تزال الأحلام مؤجلة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 35 دقائق
- الجزيرة
توماس فريدمان لممداني: "دولتان لشعبين" هو حل لقضية فلسطين
وجه الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان رسالة لزهران ممداني، المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك يدعوه فيها لأن ينأى بنفسه عن شعار "عولمة الانتفاضة" ويقدم له بديلا هو"دولتان لشعبين" كحل وحيد وعادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي مقال له بنيويورك تايمز، قال فريدمان المعروف بميوله الليبرالية ودفاعه عن إسرائيل، مخاطبا ممداني: "شاهدتك تحاول جاهدا أن تشرح لسكان نيويورك المؤيدين لإسرائيل أن دفاعك عن عبارة "عولمة الانتفاضة" ليس معاديا للسامية ولا يهدف للقضاء على الدولة اليهودية"، وأنك ستتوقف عن استخدام هذه العبارة بحجة أنها تحمل مدلولات مختلفة حسب السياقات. وعلق فريدمان على ذلك بالقول إن ممداني تورط في هذه القضية بين المؤدين والمنتقدين، وقدم له نصيحتين استرشد بهما على مدى أربعة عقود من التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي. دولتان لشعبين واقترح فريدمان على ممداني أن ينأى بنفسه عن شعار "عولمة الانتفاضة" وأن يستخدم بدله شعار "دولتان لشعبين" باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق والخيار العادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأضاف فريدمان أن الكثير من الأميركيين لا يزالون يؤيدون حل الدولتين ، إلى جانب الكثير من الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب والمسلمين واليهود في نيويورك الذين سيؤيدونه أيضا إذا انتهت الحرب على قطاع غزة. وفي هذا الصدد قال فريدمان إن العالم لا يحتاج إلى عمدة مدينة نيويورك ليكون مُعلّقًا آخر على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه يحتاج لقادة مُستعدّين لتنسيق عمل الباحثين عن الحل العادل للقضية الفلسطينية. ودعا فريدمان المرشح ممداني إلى إطلاع الناخبين عن كيفية استخدامه لمنصبه على رأس مدينة نيويورك لجمع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب والمسلمين واليهود الطامحين لبناء دولتين لشعبين في إسرائيل وفلسطين. إعلان وساق فريدمان نماذج لشخصيات سياسية وعسكرية فلسطينية وإسرائيلية تعمل جاهدة لدعم حل الدولتين ولمنظمات إقليمية في المنطقة وفي إسرائيل والولايات المتحدة كلها تعمل بهذه الطريقة أو تلك لتفعيل حل الدولتين. وقال فريدمان في ختام رسالة إن دفاع مرشح لمنصب عمدة نيورك عن "شعار لا معنى له ولا يفيد أحدا"، يدفع للتساؤل: كيف سيتعامل هذا المرشح مع القضايا الشائكة في الضفة الغربية لنهر الشرق (مانهاتن) التي تهمّ معظم ناخبي نيويورك؟


الجزيرة
منذ 35 دقائق
- الجزيرة
سرايا القدس تقصف غلاف غزة وتستهدف "مستعربين" بخان يونس
بثت سرايا القدس ، الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي ، اليوم الخميس، مشاهد من قصف مستوطنة في غلاف غزة ، كما أعلنت استهداف مركبة تقل "مستعربين" إسرائيليين في مدينة خان يونس (جنوبي قطاع غزة). وتتضمن مشاهد سرايا القدس عملية التجهيز الدقيقة وترتيبات إطلاق الصواريخ، وصولا إلى تنفيذ عملية قصف مستوطنة بئيري باستخدام عدد من الصواريخ يصل مداها إلى 10 كيلومترات. وقالت السرايا -على قناتها في تليغرام- إن القصف جاء ردا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني. كما أعلنت سرايا القدس قصف مقاتليها مستوطنات سديروت ومفلاسيم ونير عوز في غلاف غزة بالصواريخ، من دون الكشف عن نوعها. أما على صعيد المواجهات الميدانية، فقد استهدف مقاتلو الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بقذيفة "آر بي جي" مركبة تقل قوة من المستعربين التابعة ل جيش الاحتلال وسط شارع جلال بمدينة خان يونس. وعقب الاستهداف، اندلع اشتباك مباشر بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، وفق السرايا، التي أكدت إيقاع أفراد القوة بين قتيل وجريح. والمستعربون هم عناصر أمن إسرائيليون يتقنون اللغة العربية ويتمتعون بملامح قريبة من ملامح العرب، ويُرسَلون إلى داخل المجتمعات الفلسطينية بملابس مدنية. ويعمل المستعربون في الخفاء بين المتظاهرين أو في الأسواق أو حتى بين المقاومين أنفسهم، لتنفيذ عمليات اعتقال أو تصفية ضمن وحدات خاصة تتبع الجيش أو الشرطة الإسرائيلية. وفي وقت سابق اليوم الخميس، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية إصابة 4 جنود اثنان منهم بحالة خطرة في معارك صباح اليوم ب حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وإصابة جندي خامس في تفجير وسط القطاع. وكثفت سرايا القدس خلال الأسابيع الأخيرة نشر فيديوهات عملياتها ضد القوات والآليات الإسرائيلية في شمالي القطاع وجنوبه. ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل 893 عسكريا إسرائيليا، وأصيب 6 آلاف و108 آخرون، وفق إحصائيات جيش الاحتلال المعلنة، في وقت تؤكد فصائل المقاومة أن الأرقام المعلنة أقل بكثير من الخسائر الحقيقية. وقد دأبت فصائل المقاومة في غزة على توثيق عملياتها ضد قوات جيش الاحتلال وآلياته في مختلف محاور القتال منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما دأبت الفصائل على نصب كمائن محكمة ناجحة ضد جيش الاحتلال كبّدته خسائر بشرية كبيرة، فضلا عن تدمير مئات الآليات العسكرية وإعطابها، إضافة إلى قصف مدن ومستوطنات إسرائيلية بصواريخ متوسطة وبعيدة المدى.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
استشهاد أسير بسجون الاحتلال وارتفاع عدد المهجّرين في طولكرم
أفادت مصادر فلسطينية، اليوم الخميس، باستشهاد الأسير سمير الرفاعي من بلدة رمانة غربي جنين ب الضفة الغربية داخل سجون الاحتلال، في حين تجاوز عدد الفلسطينيين المهجّرين من مخيمي طولكرم و نور شمس 45 ألفا في ظل عمليات الاحتلال المتواصلة للشهر السادس. وأعلن بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني استشهاد الأسير الرفاعي في سجون الاحتلال، مما يرفع إجمالي عدد القتلى إلى 74 أسيرا منذ بدء حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأوضح البيان أن الرفاعي اعتقل من منزله في 10 يوليو/تموز الجاري، حيث كان من المفترض أن تُعقد له اليوم جلسة أولى في محكمة "سالم" العسكرية، مشيرا إلى أن الأسير -حسب تقارير طبية- كان يعاني قبل اعتقاله من مشاكل في القلب وبحاجة إلى متابعة صحية دقيقة. تنديد حماس وتعليقا على ذلك، اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن استشهاد الأسير سمير الرفاعي بعد أيام من اعتقاله، يكشف ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال "من جرائم نازية". وأوضحت حماس أن ما يتعرض له الأسرى من تعذيب وتنكيل جريمة حرب مكتملة الأركان تنتهك كل المواثيق الدولية والإنسانية، داعية المؤسسات الإنسانية والحقوقية كافة إلى التحرك العاجل للضغط على الاحتلال لوقف جرائمه بحق الأسرى. وتعتقل إسرائيل في سجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني، بينهم 50 أسيرة وما يزيد على 450 طفلا و3 آلاف و629 معتقلا إداريا (دون تهمة)، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، ما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية. هدم وتهجير وللشهر السادس على التوالي، تواصل قوات الاحتلال عمليات هدم وتدمير المنازل والبنى التحتية في مخيم طولكرم بالضفة الغربية، وسط تأكيدات بارتفاع عدد الفلسطينيين المهجّرين من مخيمي طولكرم ونور شمس إلى أكثر من 45 ألفا. من جانب آخر، قالت مصادر للجزيرة إن قوات الاحتلال فجّرت 3 منازل في بلدة قباطية جنوب مدينة جنين، مشيرة إلى أن المنازل تعود للشهداء محمد أسعد نزال ومحمد زكارنة ووائل أبو إدريس، الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال. كما قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن فلسطينيا أصيب بجروح إثر اعتداء قوات الاحتلال عليه خلال اقتحام بلدة قباطية. وفي شمالي الضفة، أفادت مصادر فلسطينية بأن قوات الاحتلال اقتحمت مخيم الفارعة للاجئين في مدينة طوباس، وحاصرت شابا فلسطينيا داخل منزله واعتدت عليه بالضرب المبرح. وقد أكد الهلال الأحمر الفلسطيني أن قوات الاحتلال منعت طواقمه من الاقتراب من المنزل المحاصر واعتقلت الشاب الفلسطيني بعد إصابته بجروح. يأتي ذلك بينما يصعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس، مما أدى إلى استشهاد 999 فلسطينيا على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف، واعتقال أكثر من 18 ألفا، وفق معطيات فلسطينية. ومنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة، خلفت أكثر من 198 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.