
يعود لسيدنا عثمان.. حكاية أقدم مصحف في مصر
السبت، 3 مايو 2025 06:52 مـ بتوقيت القاهرة
حل د. أسامة طلعت رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وأستاذ الآثار الإسلامية والقبطية، ضيفا على برنامج "معكم منى الشاذلي"، مساء الجمعة، مع الإعلامية منى الشاذلي، المذاع عبر شاشة "ON"، احتفالا بمرور 155 سنة على تأسيس دار الكتب والوثائق.
قال "طلعت" إن عمله في الدار ممتع، لكنه في الوقت ذاته يحمل مسؤولية كبيرة. مشيرا إلى أن دار الكتب والوثائق تُعد واحدة من أهم المؤسسات الثقافية في تاريخ مصر الحديث، وتمتد جذورها إلى بدايات القرن التاسع عشر، إذ تعود نشأة دار الوثائق القومية إلى عام 1828 بأمر من محمد علي، كأول أرشيف وطني في المنطقة، لتُسجَّل بذلك مصر كثالث دولة في العالم تؤسس أرشيفًا وطنيًا بعد إنجلترا وفرنسا.
أوضح الدكتور "طلعت" أن دار الكتب، بجناحيها الأساسيين "دار الكتب" و"دار الوثائق"، تُعد امتدادًا طبيعيًا لتاريخ مصر العريق في التدوين، الذي بدأ منذ 3200 قبل الميلاد. وأشار إلى أن الأمر العالي بتأسيس دار الكتب صدر عام 1870 في عهد الخديو إسماعيل، مضيفًا أن مصر تحتفل عام 2028 بمرور 200 عام على تأسيس دار الوثائق.
كما كشف عن وجود وثائق نادرة في حوزة الهيئة، من أقدمها وثيقة تعود إلى سنة 534 هـ (نحو 900 عام)، وهي عبارة عن عقد بيع أراضٍ من الخليفة الفاطمي إلى وزيره الأشهر الصالح طلائع بن رزيك، والذي ما زال جامعُه التاريخي قائمًا حتى اليوم أمام باب زويلة بمنطقة الدرب الأحمر.
أكد "طلعت" أن دور الهيئة لا يقتصر على حفظ وثائق الدولة الرسمية فقط، بل يمتد أيضًا لحماية ملكيات الأفراد وتوثيق ممتلكاتهم عبر التاريخ.
https://www.youtube.com/watch?v=EXalZznt7tM
في سياق آخر، أشار رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، إلى أن الهدف الرئيسي من تأسيس دار الكتب، والذي تقدم به علي باشا مبارك للخديوي إسماعيل، كان جمع المصاحف النادرة والنفيسة الموجودة في المساجد، خاصة الجامع العتيق (جامع عمرو بن العاص) الذي كان يُعتبر المسجد الرسمي للدولة، حفاظًا عليها، باعتبارها من الأوقاف التي لا يجوز شرعًا تغيير نية وقفها.
بيّن "طلعت" أن العديد من المصاحف كانت تُهدى من الناس للجامع في إطار عمل الخير، وظلت هذه العادة قائمة، ومن هنا جُمعت هذه المصاحف ووُضعت في دار الكتب لصيانتها وحمايتها، ولا تزال محفوظة حتى اليوم.
لفت إلى إن دار الكتب تحتفظ بنسخ نادرة جدًا من المصاحف الشريفة، تعود لمختلف العصور، وتتميز بجمال فنونها وروعة خطوطها، مشيرًا إلى أن أحد أقدم هذه المصاحف هو مصحف يُعرف باسم "مصحف سيدنا عثمان"، محفوظ في دار الكتب، ومكتوب على جلد غزال (رق)، بالخط الكوفي البسيط، دون تشكيل أو إعجام، كما كانت تُكتب المصاحف في ذلك الوقت.
أوضح أن هذه النسخة غير مكتملة، وأن الأصل منها يُنسب إلى سيدنا عثمان بن عفان، الذي أمر بنسخ مجموعة من المصاحف وتوزيعها على الأمصار الإسلامية مثل دمشق والبصرة والكوفة والفسطاط، بعدما بدأت تظهر مشكلات في قراءة القرآن لدى بعض المسلمين غير العرب، نتيجة اللحن وتغيّر المعنى.
أشار إلى أن هذه المصاحف كُتبت دون تنقيط أو تشكيل، لأن العرب آنذاك كانوا يقرأون الخط العربي بالسليقة، دون الحاجة إلى علامات أو حركات، وهو ما يفسّر غياب النقط والضبط في هذه المصاحف.
كما لفت إلى وجود مصحف آخر منسوب إلى الإمام جعفر الصادق، مؤرخ بسنة 148 هـ، ويُقال إنه كُتب بخطه، وهو واحد من نوادر ما تملكه الدار، ويُقدّر عمره بما يقرب من 1300 سنة.
أشار الدكتور أسامة طلعت أيضًا إلى وجود مصحف نفيس آخر يُعرف بـ"مصحف ابن قلاوون"، وهو أحد أهم المصاحف التي تحتفظ بها دار الكتب، ويعود إلى فترة حكم أسرة قلاوون الشهيرة. وأوضح أن رأس هذه الأسرة هو السلطان المنصور سيف الدين قلاوون، صديق السلطان بيبرس، ومن نفس دفعة سيف الدين قطز وفخر الدين أقطاي، وهم من غلمان المماليك الذين جُلبوا من بلاد القوقاز وآسيا الوسطى في عهد السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وتم تدريبهم وتربيتهم ليصبحوا قادة.
وبيّن "طلعت" أن السلطان المنصور قلاوون أنجب السلطان الناصر محمد بن قلاوون، الذي تولّى الحكم ثلاث مرات، وكان محبوبًا من المصريين رغم إصابته بعرج في ساقه. وأكد أن هذا المصحف يُعد من أندر المقتنيات، ويُظهر روعة الفنون الخطية والمزخرفة التي تميّزت بها تلك الفترة، ويُعد شاهدًا على ازدهار فنون الكتاب في الدولة المملوكية.
تابع "طلعت" أن من أبرز مقتنيات دار الكتب أيضًا مصحف يُعرف باسم "مصحف قلچيتو"، أهداه سلطان الخانية المغولية في إيران إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون، بعد أن صار صهره بزواجه من أميرة مغولية. وأوضح أن هذا المصحف النادر مسجل ضمن مجموعة المصاحف المملوكية في قائمة ذاكرة العالم باليونسكو منذ عام 1992، وهو مؤرخ بسنة 725 هـ، وما زال محفوظًا بحالته الأصلية دون أي تدخل في ألوانه أو نصه، ويُعرض كما كان في عهد السلطان الناصر محمد.
https://www.youtube.com/watch?v=3thux-zyzec

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 3 ساعات
- مصرس
تضارب الروايات بشأن دخول المساعدات إلى غزة (تقرير)
تباينت الروايات بشأن دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وقالت الأمم المتحدة إن 100 شاحنة حصلت على إذن بالعبور دون تأكيد وصولها، في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل أنها سمحت بدخول 93 شاحنة، فيما نفي المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، دخول أي مساعدات فعليا إلى القطاع المحاصر. ونفى المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، دخول أي مساعدات فعليا إلى القطاع المحاصر الذي يعاني من حالة مجاعة أودت بحياة كثيرين، لاسيما بين الأطفال.وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن «إسرائيل لم تسمح بدخول أي مساعدات منذ أكثر من 80 يوما»، وفقا لما ذكرته تقارير إعلامية محلية.وأضاف الثوابتة، أن «الشاحنات لم تسلَم لأي جهة إنسانية»، مؤكدا على أن «المساعدات لم تدخل قطاع غزة في ظل تجويع ممنهج يهدد حياة أكثر من 2.4 مليون فلسطيني».من جهته، قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» ينس لايركه، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، إن 5 فقط من أصل 9 شاحنات تمت الموافقة عليها يوم الإثنين الماضي دخلت عبر معبر (كرم أبوسالم)، لكنها لم تسلَم للأمم المتحدة بعد، بسبب «تعقيدات لوجستية» وعمليات تفريغ وإعادة تعبئة تخضع للسيطرة الإسرائيلية.وأضاف أن الكميات التي دخلت تشمل دقيقا ومكملات غذائية وأكفانا، لكنها «لا تغطي 1% من احتياجات سكان غزة ليوم واحد».في المقابل، زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أنه سمح بدخول 93 شاحنة تابعة للأمم المتحدة محملة بالطحين، ومواد غذائية للأطفال، ومعدات طبية وأدوية عبر معبر كرم أبوسالم.في سياق متصل، قالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لويز ووتريدج، إن الجوع في غزة «ليس سوى جزء من الأهوال» بالقطاع الفلسطيني.وقالت إن الناس محاصرون في قطاع غزة، ولا تتوافر لديهم إمدادات، ويتم تجويعهم وقصفهم يوميا.وأضافت «ووتريدج» -عبر الفيديو من العاصمة الأردنية عمان متحدثة إلى المؤتمر الصحفي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، مساء أمس الثلاثاء- وهي تقف في أحد مستودعات المساعدات هناك: «يوجد هنا ما يكفي من الغذاء لمئتي ألف شخص لمدة شهر كامل. وما يكفي من الأدوية لتشغيل مراكزنا الصحية التسعة و38 نقطة طبية، أي لتقديم الرعاية لنحو 1.6 مليون شخص. هناك مستلزمات نظافة، وبطانيات ل 200،000 أسرة، ولوازم تعليمية ل 375،000 طفل- كلها هنا فقط».ووصفت الوضع في غزة بأنه «مروع ولا يغتفر»، مضيفة أنه كان من الممكن أن تصل تلك الإمدادات إلى غزة بعد ظهر أمس الثلاثاء، فهي على بُعد ثلاث ساعات فقط من القطاع.وأشارت إلى أن مخازن أونروا في غزة خاوية مضيفة أنه «مر 11 أسبوعا من الحصار. في هذه المرحلة، كل ما نرسله هو محاولة لإصلاح الضرر الذي حدث بالفعل. بالنسبة للكثيرين، فات الأوان».وتحدثت المسؤولة الأممية عن الضربات العشوائية حيث قُتل معلمان من أونروا في قصف طال مدرسة تابعة للوكالة تحولت إلى مأوى. وتشير التقارير الأولية إلى أن سبعة أشخاص قتلوا في القصف بمن فيهم أطفال.وأضافت ووتريدج: «كم يحتاج العالم أن يرى أكثر من ذلك من أجل التحرك؟ وما الذي يمكن أن نقوله غير ذلك؟»بدوره، وصف مدير الصحة في أونروا، الدكتور أكيهيرو سيتا، الوضع في غزة بأنه «غير قابل للاستمرار» وأنه «يزداد سوءا يوما بعد يوم»، وفقا لموقع أخبار الأمم المتحدة.وقال المسؤول الأممي: «لا حياة في غزة- هذا ما يقوله موظفونا. عندما يُسألون كيف حالكم؟ يجيبون أنا لست بخير. قال لي أحد الموظفين أنا أفكر في أمرين فقط؛ كيف أعيش، وكيف أموت».وتطرق إلى التداعيات على القطاع الصحي ونفاد الإمدادات الطبية، مضيفا: «نحن أكبر مقدم للرعاية الصحية الأولية في غزة. بدون أدوية، ماذا عسانا أن نفعل؟».وقال إنه على الرغم من امتلاء مستودعات المساعدات في الأردن، ولكن لا يصل شيء إلى المحتاجين، موجها نداء إلى المجتمع الدولي: «أرجوكم، دعونا نجلب الأدوية والطعام للتخفيف من معاناة الناس في غزة».


الطريق
منذ 20 ساعات
- الطريق
«تأثير صديق السوء».. ندوة توعوية لقصور الثقافة بدار الكتب بطنطا
الثلاثاء، 20 مايو 2025 08:21 مـ بتوقيت القاهرة في إطار جهودها لنشر الوعي الثقافي والاجتماعي والفكري بين مختلف الفئات، نظّمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، اليوم الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025، ندوة تثقيفية بعنوان "تأثير صديق السوء"، وذلك بمقر دار الكتب بطنطا، أدارتها نيفين زايد، مدير الدار، ضمن خطة الهيئة لمواجهة السلوكيات السلبية وتعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع. حاضر في الندوة الدكتور أمان قحيف، أستاذ الفكر الإسلامي المعاصر، الذي تناول بشكل مفصل الأثر الخطير لصديق السوء على حياة الفرد، موضحًا أن هذا النوع من الأصدقاء لا يحمل نية طيبة، بل غالبًا ما يكون دافعه المصلحة الشخصية، وقد يصل إلى خيانة الصداقة من أجل المال أو النفوذ أو المنافع الذاتية. وأوضح الدكتور قحيف أن صديق السوء لا يراعي القيم أو المبادئ، ويُزين لصديقه الوقوع في المعاصي والمنكرات، ويُشجّعه على ارتكاب الأفعال المحرمة أو الضارة، سواء كانت على مستوى الأخلاق أو القانون أو الدين، كما يُسهم في تشويه صورة الإنسان وجرّه نحو السمعة السيئة والانحراف، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الأصدقاء يكون استغلاليًا، انتهازيًا، سيئ الأخلاق، عديم الأمانة، ولا يصلح أن يكون قدوة. وأضاف أن صديق السوء يفتح أبواب الشر، ويحثّ على إيذاء الآخرين، وقد يُجرّ الإنسان إلى الهلاك الدنيوي والديني، محذرًا من التهاون في اختيار الأصدقاء، لا سيما في المراحل العمرية المبكرة، حيث تتشكل الشخصية وتتأثر بالصحبة. وفي ختام كلمته، شدّد الدكتور أمان قحيف على أن النجاة من رفقة السوء هي نجاة للإنسان في الدنيا والآخرة، وأن التخلّي عن هؤلاء الأشخاص ليس ضعفًا بل قوة نابعة من الخوف على الدين، والسمعة، والمستقبل، مؤكدًا على ضرورة تبنّي نماذج الصحبة الصالحة التي تدعم الإنسان في طريق الخير والعمل الصالح. وقد شهدت الندوة حضورًا لافتًا من المثقفين ورواد دار الكتب، وسط تفاعل كبير مع الطرح وحرص على النقاش والتساؤل حول كيفية التمييز بين الصديق الحقيقي وصديق المصلحة. وأُقيمت الندوة تحت إشراف: محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، محمد حمدي، رئيس إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، وائل شاهين، مدير عام فرع ثقافة الغربية. تأتي هذه الفعالية في سياق سلسلة من الأنشطة التوعوية التي تسعى الهيئة من خلالها إلى تحصين النشء والشباب ضد الفكر المتطرف والسلوك المنحرف، وذلك عبر توظيف الثقافة كأداة لبناء الإنسان المصري وتثبيت هويته الأخلاقية والوطنية. قصور الثقافة، دار الكتب بطنطا، ندوة تأثير صديق السوء، صديق السوء، أمان قحيف، الفكر الإسلامي، الصحبة الفاسدة، التوعية الثقافية، وزارة الثقافة، محمد ناصف، محمد حمدي، وائل شاهين، نيفين زايد، محافظة الغربية، طنطا، السلوك الأخلاقي، التربية الدينية، الصحبة الصالحة، حماية النشء، بناء الوعي، القيم الأخلاقية، الثقافة والمجتمع، قصور الثقافة الغربية.


الدستور
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الدستور
ترامب وقناة السويس «2-2»
عرضنا فى المقال السابق ما صرح به ترامب من أنه لولا أمريكا ما كانت قناة بنما ولا قناة السويس! وأوضحنا مدى الخلط التاريخى لديه فيما يخص قناة بنما وقناة السويس؛ فبالفعل لعبت أمريكا دورًا كبيرًا فى شق قناة بنما فى بدايات القرن العشرين، مع الأخذ فى الاعتبار أن فكرة شق قناة تربط بين المحيطين الأطلنطى والهادى، أى قناة بنما، لم تكن فى الأصل فكرة أمريكية، بل فكرة فرنسية، تعود إلى جماعة السان سيمونيين فى النصف الأول من القرن التاسع عشر. أما عن قناة السويس فلم يكن لأمريكا أى دور فى مسألة حفر القناة؛ إذ كانت أمريكا فى حالة حرب أهلية أثناء سنوات حفر القناة، والأكثر من ذلك أن هذه الحرب الأهلية أدت إلى تذبذب أسعار القطن عالميًا، ما ترك آثاره على الاقتصاد المصرى صعودًا وهبوطًا حادًا أدى- بجانب عوامل أخرى- إلى أزمة اقتصادية، وبيع الخديو إسماعيل حصة مصر فى القناة، فى محاولة لمعالجة مسألة الديون. ولم تحرك أمريكا ساكنًا إزاء احتلال بريطانيا مصر فى عام ١٨٨٢، بل دخول القوات البريطانية مصر من خلال القناة، منتهكة بذلك مسألة حياد القناة. وربما يرجع ذلك إلى سياسة العزلة التى فرضتها أمريكا على نفسها فى ذلك الوقت، وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى فى عام ١٩١٤؛ إذ كان جُلّ اهتمام أمريكا بنفسها، وليس بالعالم البعيد، بالإضافة إلى الحديقة الخلفية لها، أى الأمريكتين. ولن تخرج أمريكا من سياسة العزلة إلا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بل فى مرحلة متأخرة منها، لخدمة مصالحها التجارية، والوقوف مع أوروبا الغربية، وبصفة خاصة إنجلترا وفرنسا. وفى بداية الحرب العالمية الأولى تحرك الجيش العثمانى من فلسطين عبر سيناء فى محاولة لاسترداد قناة السويس ومصر من أيدى الجيش الإنجليزى، ودارت معارك شرسة، سقط فيها الكثير من المصريين، ولم تحرك أمريكا ساكنًا فى ذلك الوقت. ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى فى عام ١٩١٨، أعلن الرئيس الأمريكى ويلسن عن المبادئ الجديدة للنظام العالمى الجديد، وكان من أهمها «حق الشعوب فى تقرير مصيرها». وكانت لهذا المبدأ أصداء كبرى فى أوساط الحركة الوطنية المصرية آنذاك، وكان من العوامل التى ساعدت فى بدايات ثورة ١٩١٩. لكن مصر كلها أُصيبت بصدمة كبرى عندما اعترف الرئيس الأمريكى بالحماية البريطانية على مصر، وبأن مبدأ حق تقرير المصير لا ينطبق على الحالة المصرية، نظرًا لأهمية الوجود البريطانى فى مصر لحماية قناة السويس! من أجل التجارة الدولية وحماية المصالح الغربية «الرأسمالية»، خاصة بعد الثورة الشيوعية فى روسيا وقيام الاتحاد السوفيتى، وهى السياسة التى ستحرص عليها أمريكا دومًا، حتى مطلع الخمسينيات. ومع ازدياد التوتر الدولى مع سنوات الحرب الباردة، ستعمل أمريكا على التدخل فى المفاوضات المصرية البريطانية من أجل الجلاء. وكانت أمريكا تسعى من وراء ذلك إلى الحيلولة دون تقرب الاتحاد السوفيتى من مصر؛ إذ ضغطت أمريكا على إنجلترا من أجل جلاء القوات البريطانية من قاعدة قناة السويس، لكن بشرط ربط مصر بسياسة الأحلاف العسكرية الغربية، الموجهة أساسًا ضد الاتحاد السوفيتى. ورفضت أمريكا تزويد مصر بالسلاح، إلا بعد عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل فى بداية سنوات الخمسينيات، ما دفع مصر إلى طلب السلاح من الاتحاد السوفيتى. ومع اندلاع العدوان الثلاثى، طالبت أمريكا بوقف الحرب وانسحاب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد. ولم يكن ذلك حبًا فى مصر، ولكن خوفًا من الاتحاد السوفيتى الذى هدد بالتدخل بقوة لحماية مصر وقناة السويس شريان التجارة الدولية. والآن إذا كان الرئيس الأمريكى يقصد بأنه لولا أمريكا ما كانت القناة، لأنه يقصف الحوثيين الذين يهددون الملاحة فى البحر الأحمر، وبالتالى فى قناة السويس، فعلينا أن نتذكر أنه سرعان ما توقف عن قصف الحوثيين عندما أعلنوا عن عدم اعتدائهم على السفن الأمريكية، إذن الهدف هو المصالح الأمريكية وليس صالح قناة السويس!