
براءة فان جوغ من الجنون
القاهرة: «الخليج»
«فان جوغ منتحر المجتمع» كتاب أنطونان أرتو، الذي ترجمه إلى العربية عيسى مخلوف، يبدأ من يوم الثاني من فبراير عام 1947 حين توجه أنطونان أرتو إلى أحد المتاحف المطلة على ساحة الكونكورد في باريس، وكان يعرض أعمال الفنان التشكيلي الهولندي فان جوغ (1853 – 1890).
شاهد أرتو اللوحات والرسوم بعين نافذة، وكان هو نفسه رساماً أيضاً، فضلاً عن كونه كاتباً وشاعراً وممثلاً، وأحد أبرز منظري المسرح في النصف الأول من القرن العشرين، وقد عرف بنحته مفهوم «مسرح القسوة» الذي يتطلع إلى ابتكار مسرح جديد.
في تلك الفترة خصصت مجلة «فنون» مقالة عن فان جوغ تحتوي على فقرات من دراسة تحمل توقيع طبيب فرنسي وفيها أن «هذا الفنان النابغة كان يعاني اضطرابات نفسية، ازدادت حدة مع مرور الوقت».
مشاهدة أرتو المعرض وقراءة المقالة دفعتاه إلى الكتابة عن فان جوغ وتقديم رؤية مغايرة إلى سيرته ونتاجه الفني، وقد كتب انطلاقاً من تجربته الشخصية لأنه جرب المعاناة والعذاب أيضاً، وحاول أن يعالج الآلام التي رافقته طوال حياته بالأدوية والصدمات الكهربائية.
كما أنه عاش سنوات عدة متنقلاً بين مستشفيات الأمراض النفسية ومصحات خاصة، لذلك بدا وهو يكتب عن فان جوغ أنه ينظر إلى وجهه في المرآة، ويكتب عن نفسه، وكما يقول عيسى مخلوف: «بالسكين كتب وبالصراخ الذي نسمعه في كل كلمة، وكذلك في غضبه وإدانته الذين يتهمون المبدعين، ويحاكمونهم، معتبرين أنهم مرضى فيما المجتمع بالنسبة إليه هو المريض، وهو الذي جسد الظلم والجريمة، وخنق في مصحاته أولئك الذين أراد التخلص منهم جميعاً، أو الدفاع عن نفسه أمام اتهاماتهم، لأنهم رفضوا أن يكونوا متواطئين مثله مع أبشع القاذورات».
كتاب أرتو عن فان جوغ ليس كتاباً، بل عاصفة تتحفز في صفحات كتاب، يحركها الألم، وما هو أبعد من الألم، الغضب هنا كاسر الأبواب ومسعى إلى التحرر من الأغلال.
ثمة نصوص كثيرة كتبها أرتو مهدت لما كتبه عن فان جوغ، في مقالة نشرها عام 1936 عرف بدور المبدع بشكل عام بالطريقة الآتية: «الفنان الذي لم يصغ إلى قلب الإنسان، الفنان الذي يجهل أنه كبش محرقة وأن واجبه أن يجذب كالمغناطيس، أن يستميل، أن يسقط على كتفه غضب الزمان الشارد، ليحرره من الشعور بالضيق النفسي، من لا يكون كذلك ليس فناناً».
كتب أرتو عن فان جوغ ليبرئه من الجنون، وينتقد بشدة علماء النفس والمجتمع الذي يحميهم، ويحمله مسؤولية انتحار فان جوغ، وقبله جيرار دو نرفال، من جانب آخر، أمعن في تشريح عدد من اللوحات، بحثاً عن أسرارها ومنها «حقل قمح وغربان– كرسي جوجان– حديقة دوبينيي– رصيف مقهى مساء– سنابل القمح– دوار الشمس– الليل المكوكب».
أصبحت هذه الأعمال مدخلاً إلى عالم فان جوغ الذي «ينفذ إلى أعماقنا» وأعماق الموضوعات التي يرسمها، لكن إلى من تتوجه هذه الأعمال؟
إذا طرحنا السؤال على أرتو فهو لن يتوانى عن الإجابة الآتية: ليس لهذا العالم وليس أبداً لهذه الأرض، عملنا كلنا دائماً، وصارعنا، وصرخنا من البؤس والرعب والحقد والفضيحة والاشمئزاز، ومن هذه الأشياء كلها تسممنا جميعاً، مع أننا جميعاً كنا مسحورين بها، وانتحرنا أخيراً، لأننا كلنا معاً، كفان جوغ المسكين نفسه، منتحرو المجتمع».
يقول أرتو إن فان جوغ لم يكن مجنوناً لكن أعماله الفنية كانت تجسيداً لنيران يونانية وقنابل ذرية قادرة من زاوية رؤيتها إلى جانب الأعمال الفنية الأخرى التي كانت سائدة في ذلك الوقت، أن تضايق بقوة الإمبراطورية الفرنسية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
تشلسي يكتسح ريال بيتيس ويتوج بدوري المؤتمر الأوروبي
وقلب الفريق اللندني تأخره صفر-1 إلى انتصار ثمين ومستحق بنتيجة 4-1، في نهائي المسابقة القارية. وافتتح المغربي عبد الصمد الزلزولي التسجيل لريال بيتيس في الدقيقة التاسعة من عمر اللقاء، بعدما استغل تمريرة بينية رائعة أرسلها الإسباني إيسكو ليسدد الكرة في الزاوية اليمنى السفلية. وكان أداء تشلسي سيئا في الشوط الأول، لكن نجمه الشاب كول بالمر قاد الفريق وأعاده للمباراة بعد الاستراحة. وقدم بالمر تمريرتين حاسمتين، الأولى لإنزو فرنانديز ليدرك التعادل في الدقيقة 65 بضربة رأس سكنت شباك أدريان حارس مرمى بيتيس، والأخرى لنيكولا جاكسون ليحرز هدف التقدم بعد أن ارتطمت الكرة بصدره لتدخل الشباك بعدها بخمس دقائق. وفي الدقيقة 83، وسع البديل جيدون سانشو الفارق، قبل أن يختتم لاعب الوسط موزيس كايسيدو الاحتفال في الدقيقة الأولى من الوقت المحتسب بدل الضائع. وتوج تشلسي بالبطولة المستحدثة في نسختها الرابعة، وأضاف الفريق سابع لقب أوروبي لخزائنه.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
تشيلسي يحرز لقب دوري المؤتمر الأوروبي ويدخل التاريخ
بات تشيلسي الإنجليزي أول فريق في أوروبا يتوج بجميع البطولات القارية الكبرى الممكنة بعد نيله لقب دوري المؤتمر الأوروبي لكرة القدم الأربعاء بفوزه في المباراة النهائية على ريال بيتيس الإسباني 3-1 . وكان تشيلسي متأخرا بهدف المغربي عبد الصمد الزلزولي في الدقيقة التاسعة ، قبل قلبه الطاولة على منافسه في الشوط الثاني بثلاثة أهداف عبر إينزو فرنانديز وجاكسون وسانشو. وجمع تشيلسي كل البطولات القارية الممكنة بفوزه بدوري المؤتمر وقبلها بدوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي وكأس الكؤوس الأوروبية .


الاتحاد
منذ 2 ساعات
- الاتحاد
من منهما سيحكم أوروبا؟
من منهما سيحكم أوروبا؟ يحلم أمراء حديقة باريس، بأن يعلنهم نهائي دوري الأبطال هذا السبت بمعقل الجمال، أليانز أرينا بميونيخ، ملوكاً يجلسون لأول مرة على عرش كرة القدم الأوروبية، هم من خانتهم تجربتهم القاصرة قبل القصيرة، في القبض على الكأس ذي الأذنين الطويلتين، يوم بلغوا النهائي لأول مرة سنة 2020، وخسروه في زمن الجائحة أمام بايرن ميونيخ بهدف مقابل لاشيء. والحلم الباريسي يقاس بالحالة الذهنية التي يوجد عليها لاعبو «بي إس جي»، لما يرمي به الوصول للنبع الأخير من ضغط نفسي رهيب، ويقاس بالمقومات الفنية الخالصة، وقد دلنا باريس سان جيرمان في عبوره لكل الحواجز على خصوبة زاده التكتيكي، ويقاس ثالثاً بمن سيكون منافساً لأمراء الحديقة، نادي إنتر ميلان الذي يملك بجماعيته الخارقة الكثير من الأسلحة التكتيكية الناسفة، ويقاس في الأخير بالبراعة في حسم الجزئيات الصغيرة، التي تجعل في أحايين كثيرة من المباريات النهائية سلسلة من المضادات التكتيكية، فتُربح هذه النهائيات ولا تُلعب. لا خلاف على أن من وصلا لنهائي دوري أبطال أوروبا، هما من أفضل من دعوا للمشاركة في هذه النسخة الحالية، إلا أن ما أظهرته المباريات في الأدوار كافة أن باريس سان جيرمان يقدم مجسماً لكرة التحول بمعناها الجديد، فقد نجح لويس إنريكي الذي هو من سلالة التيكي تاكا، بحكم تشبعه بفلسفة الراحل يوهان كرويف، في بناء فريق باريسي يعزف بدقة متناهية كل أنغام المعزوفة المعشوقة من الجميع، ليقدم في النهاية عرضاً كروياً فخماً. وكان من ملامح عبقرية لويس أنريكي، هو من جيء إليه ذات وقت بعدد من الأساطير والنجوم الكبار، من ميسي إلى نيمار، مروراً بدي ماريا ومبابي وسيرخيو راموس، أنه أوصى برحيل كل هؤلاء، ليؤسس خلية نحل، صممها على مقاس فكره التكتيكي. خلية نحل لم تأخذ وقتاً طويلاً لتبدأ في طرح عسلها اللذيذ، وفي إنتاج كرة قدم هي السهل الممتنع بعينه، فريق يستطيع أن يلعب كل النزالات باختلاف أوزانها وحتى تعقيداتها، بمنتهى الدقة والحرفية والجمال أيضاً. هذا الفريق لم يقف جماعياً فقط عند لعب كرة قدم متحولة، بل تعداه إلى أنه قدهم تعريفات تكتيكية جديدة كسرت نمطية الأدوار، فما عاد وسط الميدان يلعب بالنسق الكلاسيكي بوجود لاعبين مهاريين هما فيتينيا ونيفيس، وما عادت هناك حاجة للعب برأس حربة مع الاعتماد على الأجنحة الدوارة، وبات عثمان ديمبيلي بنسخة باريسية رائعة تختلف كلياً عن نسخة برشلونة، وما فاجأنا، هو إخراج أشرف حكيمي من فضاء الظهير الصغير إلى مساحات أرحب، أخرجت من حكيم كل الذي كان ساكناً من إبداع تحت جناحيه، فغدا المغربي رمزاً جديداً للظهير المتحور. هذه هي باريس كما صممها لويس إنريكي، مستوحاة من عاصمة التقليعات الساحرة في عالم الموضة، قدرها وهي تحلم بعرش أوروبا أن تلتقي بإنتر الذي يمثل مدينة أخرى تأسر العالم بسحر تقليعاتها، هي ميلانو، فما أجملها من مبارزة في قلعة أليانز أرينا بميونيخ المدهشة!.