الملك: نشعر وكأن العالم فقد بوصلته الأخلاقية .. والحقيقة تتبدل كل ساعة
سرايا - قال جلالة الملك عبدالله الثاني، إن العالم يعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف، مؤكدا أنه لا عجب بأننا نشعر بأن عالمنا قد ساده الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية، مشيرا إلى أن القواعد تتفكك والحقيقة تتبدل كل ساعة، والكراهية والانقسام يزدهران، والاعتدال والقيم العالمية تتراجع أمام التطرف الأيديولوجي.
وأضاف جلالته، في خطاب له أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، الثلاثاء، أنه في خضم هذه الفوضى، بات الخطر يهدد نسيان هويتنا وقضايانا التي ندافع عنها، ولكن هذه المنعطفات التاريخية هي فعليا اللحظات الحرجة التي تتطلب منا أن نتشبث بقيمنا ولا نتخلى عنها، فعندما يفقد العالم قيمه الأخلاقية، نفقد حينها قدرتنا على التمييز بين الحق والباطل، وبين ما هو عادل وما هو قاسٍ، الأمر الذي يولّد الصراع.
وتابع "يعلّمنا التاريخ أن الحروب نادرا ما تكون فقط حول بسط السيطرة على الأراضي، بل هي معارك حول وجهات النظر العالمية، والأفكار والقيم التي ستشكل مستقبلنا".
وأردف قوله "أوروبا تدرك ذلك جيدا، فبعد الحرب العالمية الثانية، اختارت أوروبا إعادة البناء، ليس فقط لمدنها بل للركائز التي تأسست عليها، إذ صممت شعوب أوروبا على ترك الماضي وراءها، وبناء عصر جديد من السلام. اختاروا الكرامة الإنسانية عوضا عن الهيمنة، والقيم عوضا عن الانتقام، والقانون عوضا عن القوة، والتعاون عوضا عن الصراع".
وتابع جلالته القول "لقد استنتجت أوروبا في أعقاب الحرب أن الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، وأن السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن يدوم أبدا".
وتاليا النص الكامل للخطاب:
"بسم ﷲ الرحمن الرحيم
السيدة رئيسة البرلمان الأوروبي،
السادة أعضاء البرلمان،
أصحاب السعادة،
أشكركم جميعا. يشرفني أن أتحدث أمام البرلمان الأوروبي مرة أخرى.
أصدقائي،
قبل خمس سنوات، تحدثت من هذا المنبر عن الحاجة الملحة لإيجاد حلول سياسية للصراعات، واستعادة الثقة في العدالة العالمية، ومساعدة الشعوب كافة، وخاصة الشباب، على إيجاد الأمل والفرص.
ومنذ ذلك الحين، مر مجتمعنا الدولي بالعديد من الاضطرابات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية؛ من جائحة فيروس كورونا، وتهديدات أمنية جديدة، وتسارع تكنولوجي غير مسبوق، إلى المعلومات المضللة التي تفشت بشكل مفرط، وحرب شديدة في أوكرانيا، وحرب قاسية على غزة، وأخيرا الهجمات الإسرائيلية على إيران، والتي تهدد بتصعيد خطير في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
نحن نعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف، فلا عجب أننا نشعر بأن عالمنا قد ساده الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية، فالقواعد تتفكك والحقيقة تتبدل كل ساعة، والكراهية والانقسام يزدهران، والاعتدال والقيم العالمية تتراجع أمام التطرف الأيديولوجي.
في خضم هذه الفوضى، يهددنا خطر نسيان هويتنا وقضايانا التي ندافع عنها، ولكن هذه المنعطفات التاريخية هي فعليا اللحظات الحرجة التي تتطلب منا أن نتشبث بقيمنا ولا نتخلى عنها، فعندما يفقد العالم قيمه الأخلاقية، نفقد حينها قدرتنا على التمييز بين الحق والباطل، وبين ما هو عادل وما هو قاسٍ، الأمر الذي يولّد الصراع.
يعلّمنا التاريخ أن الحروب نادرا ما تكون فقط حول بسط السيطرة على الأراضي، بل هي معارك حول وجهات النظر العالمية، والأفكار والقيم التي ستشكل مستقبلنا.
أوروبا تدرك ذلك جيدا، فبعد الحرب العالمية الثانية، اختارت أوروبا إعادة البناء، ليس فقط لمدنها بل للركائز التي تأسست عليها، إذ صممت شعوب أوروبا على ترك الماضي وراءها، وبناء عصر جديد من السلام. اختاروا الكرامة الإنسانية عوضا عن الهيمنة، والقيم عوضا عن الانتقام، والقانون عوضا عن القوة، والتعاون عوضا عن الصراع.
لقد استنتجت أوروبا في أعقاب الحرب أن الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، وأن السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن يدوم أبدا.
كما اخترتم أن تدركوا أن ما يجمعكم أعظم بكثير مما يفرّق بينكم، واليوم، يجب أن يدرك مجتمعنا العالمي أهمية ذلك.
نحن نعلم أن النزاعات والخلافات هي واقع إنساني، وأن التحديات التي نواجهها ستزداد تعقيدا، وأن الاضطرابات هي السمة الحاضرة في عصرنا، ولكن ما هو أهم من ذلك كله، هو كيفية تعاملنا مع هذه الخلافات، والقيم التي نرسخها لأنفسنا وشعوبنا.
على مر التاريخ العربي والأوروبي، كانت قيم الاحترام والمسؤولية والنوايا الحسنة تقود التعاون الذي أثمر عن نتائج لمنفعة الطرفين، وبإمكان هذه القيم أن ترشدنا في الاستجابة لتحديات هذا العصر.
لقد سعيت من هذا المنبر، ومن العديد من المنابر الأخرى على مر العقدين الماضيين، إلى تسليط الضوء على القيم التي تجمعنا، فالعديد من هذه القيم متجذرة في أدياننا: الإسلام والمسيحية واليهودية، كقيم الرحمة والعدل والمساواة، والتعاليم الأخلاقية التي توارثناها عبر الأجيال، مثل احترام الجار، وحماية الأطفال والأبرياء، ومساعدة الفقراء والمصابين، وحماية أرضنا، وغيرها من القيم.
إن إيمان الأردن الراسخ بهذه القيم المشتركة متجذر في تاريخنا وتراثنا، وهو ما يدفع مبادئنا الوطنية المبنية على التسامح والاحترام المتبادل. نحن نفخر بكوننا موطنا لموقع عُمّاد السيد المسيح عليه السلام (المغطس)، وبلدنا المسلم هو موطن لمجتمع مسيحي تاريخي، وجميع مواطنينا يتشاركون في بناء وطننا.
وهذه القيم تقع في صلب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعهدنا بحماية هويتها التاريخية متعددة الأديان من أي اعتداء. ويعود تاريخ هذا الالتزام إلى وعد لأهل القدس منذ قرون عديدة، فقد أمرت العهدة العمرية المسلمين باحترام كنائس مدينة القدس وحمايتها، وعدم إيذاء أي كاهن ولا قتل طفل أو امرأة أو شيخ، وبعد مرور ألف عام، جعلت اتفاقيات جنيف هذه المبادئ نهجا عالميا، إلا أن الأحداث الأخيرة قد وضعت هذه القيم والمبادئ في موضع الشك، وعلينا أن نعمل جاهدين لنضمن صمودها على مر الزمن والأزمات.
أصدقائي،
أعربت في خطابي هنا قبل خمس سنوات، عن قناعتي التامة بأن أمامنا دوما الإمكانية لأن نختار الطريق الأمثل لنكون أفضل وأكثر وحدة. وقبل ثمانين عاما، قمتم باختيار ذاك الطريق الأمثل لأوروبا، ولفترة طويلة من الزمن، ساهمت خياراتكم في تشكيل عالم أكثر استقرارا، مبنيا على المبادئ السامية.
واليوم يتجه هذا العالم نحو انحدار أخلاقي، إذ تنكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا، وتتفكك قيمنا العالمية بوتيرة مروعة وعواقب وخيمة. يتمثل هذا الانحدار بأوضح أشكاله في غزة، التي خذلها العالم، وأضاع الفرصة تلو الأخرى في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها.
فلنعد بالذاكرة إلى عام 2023، أثارت أولى الهجمات والغارات الإسرائيلية على مستشفى في غزة آنذاك صدمة وغضبا عالميا. ومنذ ذلك الحين، وثّقت منظمة الصحة العالمية ما يقارب 700 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة. كيف يعقل لما كان يعتبر فعلا وحشيا قبل 20 شهرا فقط، أن يصبح الآن أمرا شائعا لدرجة أنه بالكاد يذكر؟
كيف يعقل لإنسانيتنا أن تسمح بأن يصبح ما لا يمكن تصوره أمرا اعتياديا؟ أن تسمح باستخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال؟ أو أن تسمح باستهداف العاملين في القطاع الصحي والصحفيين والمدنيين الذين يبحثون عن الملجأ في المخيمات؟
إن مرور20 شهرا على هذه الوحشية يجب أن يثير قلقنا جميعا، لكن ليس بوسعنا أن نتعجب من ذلك، لأنه عندما يفشل مجتمعنا العالمي في سد الفجوة بين القول والفعل، وعندما لا تُمارس القيم السامية، فإنها تصبح ادعاءات فارغة ومستهلكة.
والآن نحن على مفترق طرق آخر حاسم في تاريخنا؛ مفترق طرق يتطلب الاختيار بين السلطة والمبدأ، بين حكم القانون أو حكم القوة، بين التراجع أو التجديد. لأن كل هذا على المحك بالنسبة للجميع.
والأمر لا ينطبق على غزة فحسب، فهذه ليست مجرد لحظة سياسية أخرى لتسجيل المواقف؛ بل إنه صراع حول هويتنا كمجتمع عالمي في الحاضر والمستقبل.
من المرجح أن يكون هذا العام هو عام القرارات المحورية لعالمنا بأسره، وسيكون لقيادة أوروبا دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح، ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قوي لكم.
هنالك مجالان أساسيان للعمل: الأول هو دعم التنمية، لأن ازدهار الشرق الأوسط يوفر فرصا تعود علينا جميعا بالمنفعة، ولكن كما رأينا مرارا وتكرارا، فإن العكس أيضا صحيح، فعندما ينعدم الأمل، تمتد تداعيات ذلك لتتعدى حدود الدول.
أما بالنسبة لمجال العمل الثاني، فعلينا اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة لضمان الأمن العالمي. ولن يكون أمننا المشترك مضمونا حتى يتصرف مجتمعنا العالمي، ليس فقط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ولكن أيضا لإنهاء أطول بؤرة اشتباك في العالم وأكثرها تدميرا، ألا وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ ثمانية عقود.
والفلسطينيون، مثلهم كمثل جميع الشعوب، يستحقون الحق في الحرية والسيادة، ونعم.. إقامة دولتهم المستقلة.
إن ما يحدث في غزة اليوم يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية وقيمنا المشتركة، ونحن نشهد الانتهاكات تلو الأخرى في الضفة الغربية، والوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم.
إذا فشل مجتمعنا العالمي في التصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في إعادة تعريف معنى أن تكون إنسانا؛ لأنه إذا ما استمرت الجرافات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين وبساتين الزيتون والبنية التحتية بشكل غير قانوني، فإنها ستهدم أيضا الحدود الأخلاقية. والآن مع توسيع إسرائيل هجومها ليشمل إيران، لا يمكن معرفة أين ستنتهي حدود هذه المعركة. وهذا، أصدقائي، يهدد الشعوب في كل مكان.
وفي نهاية المطاف، يجب أن ينتهي هذا الصراع، والحل الوحيد الذي يمكننا تطبيقه هو الحل القائم على السلام العادل والقانون الدولي والاعتراف المتبادل.
أصدقائي،
إن الطريق الذي نسلكه للارتقاء بأنفسنا لا يمكن أن يكون ممهدا بالتقدم التكنولوجي أو الإنجازات العلمية أو الانتصارات السياسية وحدها، بل إنه يصنع بالخيارات التي نتخذها كل يوم كأفراد وقادة.
لقد سلكنا طريق السلام من قبل، ويمكننا أن نسلكه مجددا، إذا تحلينا بالشجاعة اللازمة لاختيار هذا الطريق وقوة الإرادة لنسلكه معا.
شكرًا لكم".
وضم الوفد الأردني المرافق لجلالة الملك، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ومدير مكتب جلالة الملك، المهندس علاء البطاينة، وسفير الأردن لدى بلجيكا ورئيس بعثة المملكة لدى الاتحاد الأوروبي يوسف البطاينة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
كلمة الملك: صوت الإنسانية في زمن الانهيار الأخلاقي
في واحدة من أجرأ الخطابات وأكثرها تأثيرًا في المحافل الدولية، وقف جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، أمام أعضاء البرلمان الأوروبي، متحدثًا بلسان أمة، وبضمير الشعوب المظلومة، ومدافعًا شرسًا عن القيم الإنسانية التي بدأت تتآكل في خضم الصراعات والمصالح. لم تكن الكلمة مجرد خطاب سياسي تقليدي، بل كانت شهادة تاريخية على ما وصل إليه العالم من انحدار أخلاقي، ونداءً عالميًا لاستعادة التوازن بين الحقوق والمصالح، وبين الإنسانية والمصالح السياسية. لقد بدا جلالته، كعادته في مثل هذه المنصات العالمية، رجل دولة من الطراز الرفيع، يحترف مخاطبة الضمائر الحية بلغة متجردة من المجاملة، ومحصنة بقوة الموقف، مستندًا إلى الحق والعدالة والمبادئ الإنسانية، فكان صوته صريحًا لا يخشى التوصيف الدقيق للانتهاكات التي ترتكب ضد المدنيين، لا سيما في قطاع غزة، حيث وصف ما يجري من تجويع وقتل ممنهج بأنه 'انتهاك صارخ للقانون الدولي'، داعيًا إلى الكف عن الصمت والتواطؤ، ورافضًا أي تبرير أو تطبيع مع هذه الجرائم. هذه الكلمة، التي لاقت احترامًا واسعًا داخل البرلمان الأوروبي وخارجه، أعادت للأذهان سلسلة من المواقف المشرّفة التي طالما تبناها جلالة الملك في الدفاع عن فلسطين، وعن حقوق الشعوب المضطهدة في مختلف المحافل. لم يكن هذا الخطاب استثناءً، بل كان امتدادًا طبيعيًا لمسيرة طويلة من الثبات على المبادئ، منذ سنوات الخطاب العربي العقلاني الذي تبناه الأردن بقيادة جلالة الملك، في وقت صمتت فيه أصوات كثيرة، أو ارتهنت لمصالحها الضيقة. وليس خفيًا أن جلالة الملك لطالما حمّل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه معاناة الفلسطينيين، مؤكدًا أن السلام لن يتحقق ما لم تقم الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف الثابت لم تهزه التحولات السياسية، ولم تنل منه الضغوط الدولية، بل ظل جلالته يجدد التأكيد عليه في كل مناسبة، مدعومًا بإرث الهاشميين في الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، من منطلق الوصاية التاريخية والشرف الديني والسياسي. ومن بين الرسائل العميقة التي حملها الخطاب الملكي، تلك الدعوة المخلصة لأوروبا، بأن تراجع ضميرها، وتستحضر القيم التي بُني عليها الاتحاد الأوروبي، وهي القيم التي جعلت من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، نموذجًا للسلام والمصالحة والتسامح. لقد خاطب جلالة الملك القادة الأوروبيين بلغة الندّ الشريك، لا بلغة المستعطف، مؤكدًا أن الأردن، ورغم تحدياته، سيبقى شريكًا موثوقًا، صوتًا للحق، وجسرًا للحوار بين الشرق والغرب. ولم يقتصر الخطاب الملكي على الجانب السياسي، بل تعداه إلى الجانب القيمي والفلسفي، حين أشار جلالته إلى أن الحروب ليست فقط صراعات على الأرض، بل صراعات حول الرؤى والقيم التي ستشكل مستقبل البشرية. وحين قال جلالته إن الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، كان يعيد تعريف الأمن والاستقرار، بعيدًا عن منطق الهيمنة والغطرسة، وقريبًا من جوهر العدالة والشراكة. وفي استعراضه للتاريخ، ذكّر جلالته بالعهدة العمرية، وبالوعد الهاشمي لأهل القدس، ليؤكد أن الدفاع عن المقدسات ليس موقفًا سياسيًا ظرفيًا، بل التزام ديني وتاريخي وأخلاقي، لا يضعف أمام العواصف، ولا يخضع للابتزاز. وفي لحظة محورية من خطابه، قال جلالة الملك: 'إن ما يحدث في غزة اليوم يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية وقيمنا المشتركة'، ليضع العالم أمام صورته الحقيقية، صورة مشوهة بفعل التخاذل الدولي، ومشروخة بفعل الانحياز المفضوح، ومرعبة حين تُصبح المجازر مشهدًا يوميًا لا يحرّك ضميرًا. لقد كانت كلمة جلالة الملك بمثابة جرس إنذار أخلاقي للعالم، ودعوة صريحة إلى استعادة إنسانيتنا الضائعة في أروقة السياسة الدولية. وكانت شهادة عزّ للأردن، بلد المبادئ، وقلعة الاعتدال، ومركز الثقل العربي في زمن التفكك والتمزق. ختامًا، ليس غريبًا أن يُستقبل خطاب جلالة الملك بهذه الحفاوة، ولا أن يُسجّل التاريخ هذا الموقف الناصع في سجله؛ فجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين لم يكن يومًا متفرجًا على الألم العربي، بل كان دومًا في مقدمة من يواجهون الظلم، ويدافعون عن كرامة الإنسان، حيثما كان، وبأي لغة ممكنة. عاش الأردن حرًا عزيزًا، وعاش جلالة الملك صوتًا لا يلين للحق، وراعيًا أمينًا للثوابت والمبادئ والقيم في عالم تتنازعه العواصف.


جو 24
منذ ساعة واحدة
- جو 24
جلالة الملك في البرلمان الأوروبي نداء ضمير في زمن الانحدار الأخلاقي
جو 24 : بقلم اللواء المتقاعد حسان عناب في لحظةٍ يتراجع فيها الضمير العالمي وتتآكل القيم تحت وطأة القوة والمصالح، أطلّ جلالة الملك عبدالله الثاني، من على منبر البرلمان الأوروبي، ليخاطب العالم بلغة لا تهادن، بلغةٍ تستنفر الإنسانية وتعيد البوصلة الأخلاقية إلى وجهتها. لم يكن خطاب الملك مجرد عرضٍ سياسي أو موقف دبلوماسي، بل كان صرخة ضمير عالمية، ترفض أن يُغلف القتل بالصمت، وأن تُجمّل الوحشية بالشعارات. جاء الخطاب في توقيت بالغ الحساسية. العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ أكثر من 20 شهراً، تصعيد إقليمي مقلق مع إيران، صعود اليمين المتطرف في أوروبا، تغيّر المزاج الدولي تجاه إسرائيل بعد انكشاف المجازر.وفي هذه اللحظة المفصلية، أعاد جلالة الملك تذكير العالم بأن السكوت عن الظلم هو سقوط أخلاقي، وأن القيم التي تنادي بها الحضارات تُختبر في الميدان، لا في البيانات. أعاد جلالة الملك أوروبا إلى لحظة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين اختارت أن تبني على أساس الكرامة لا الانتقام، ودعاها اليوم إلى أن تختار، إما أن تنحاز إلى القيم التي قامت عليها، أو تخسر مكانتها الأخلاقية أمام التاريخ. ولم يغفل الخطاب عن تحميل المجتمع الدولي مسؤولية "تطبيع الوحشية' في غزة، وسأل بأسى وجرأة، كيف أصبح استهداف المستشفيات وتجويع الأطفال أمرًا مقبولًا؟ كيف تحوّلت الهمجية إلى مشهدٍ مألوف؟ الخطاب أكد أن لا أمن بلا عدالة، ولا سلام بلا دولة فلسطينية مستقلة، ولا سلام بلا وصاية هاشمية تحمي هوية القدس. وأن الأردن سيبقى صوت الاتزان والعقل في إقليمٍ تتقاذفه الغرائز والصراعات. وفي زمنٍ تتكلم فيه الطائرات، كان الصوت الهاشمي هو من أعاد المعنى، ووضع المعيار الأخلاقي، وأعاد للسياسة وجهها الإنساني. ام يكن هذا الخطاب ليس مجرد كلمة عابرة في محفل دولي، بل هو جرس إنذار عالمي، يحمل شجاعة الموقف، وسمو الرسالة، ونُبل المقصد. في زمن يعلو فيه الصراخ وتغيب فيه البوصلة، أعاد الخطاب الهاشمي تذكير العالم بأن لا أمن بلا عدالة،ولا قيمة لأي حضارة إذا سقطت أمام معاناة طفل في غزة. جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه لم يدعُ أوروبا لتقف مع فلسطين فقط، بل دعاها لتقف مع ذاتها، مع قيمها، ومع إنسانيتها. تابعو الأردن 24 على

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
نهاية إسرائيل والمراحل الثلاث
مع كمية ونوعية الأحداث التي تتوالى في الشرق الأوسط منذ السابع اكتوبر وحتى اليوم فقد اصبحنا أمام نتيجة واضحة وهي ان خريطة الإقليم السياسية، والجيوسياسية ذاهبة الى التغير لا محالة بناء على التطورات العسكرية المتسارعة، والمبنية على الرؤيا الجيوستراتيجية للأطراف المتحاربة. وعليه فأننا أمام مشروعين لا ثالث لهما، فإما إنتصار إسرائيل وقيامة مشروع إسرائيل الكبرى، أو أفول نجمتها الزرقاء واضمحلالها. وهذا ما يحدث على ثلاثة مراحل وهي: المرحلة الأولى: ثورة أصحاب الأرض. منذ أكثر من عشرين شهر انتفض اهل قطاع غزة في مواجهة الحصار الظالم عليهم الذي يعد اطول حصار في التاريخ، وقد كان السابع من اكتوبر نتيجه طبيعية للسياسات الاسرائيلية تجاه أصحاب الأرض الأصليين، فقد كان رد فعل ولم يكن فعلاً . وقد شاءت إسرائيل كأي محتل كلاسيكي أن تلجأ إلى أقدم الحلول الاستعمارية، واسهلها في مواجهة أصحاب الأرض، وهي استخدام القوه كل القوة اللازمة لإخضاعهم دون مراعاة اي معايير إنسانية عالمية وحتى دون الاكتراث بصورتها الدولية، فأوغلت صدور العامة والخاصة عليها سواء أكانوا حلفاء أو أصدقاء أو حتى أعداء مجمدين. لم تتوقف معضلة إسرائيل عند خسارتها حربها الاعلامية ومصداقيتها، بل انها امتدت لتصل الى نتيجتها الطبيعية وهي ان لا تستطيع ان تتغلب على مقاومة اهل الارض بغض النظر عن ما اعملت فيهم من قتل، وارهاب. وكانت كلما اكثرت من الدماء اشتدت مقاومة اهل الارض، فقد جردتهم من اي شئ يخسرونه فأصبح أشد القتال قتال اليائس، الذي يقاتل وخلفه البحر غير مترجي المدد أو النصره. علاوة على ذلك فانه يقاتل من منطلقين عقائدي، ووطني. ومع فشل إسرائيل في القضاء على مقاومة اصحاب الارض انتقلت أوتوماتيكيا الى المرحلة الثانية من مراحل التدمير الذاتي. المرحلة الثانية: تصدير الأزمة وقنابل الدخان. بعد الفشل المخزي على جميع المستويات لاسرائيل في القضاء على المقاومة، او الوصول الى شكل من اشكال الانتصار داخل فلسطين التاريخية. خرجت إسرائيل من مرحلة الخوف الوجودي الى مرحلة الارتباك التكتيكي، فأخذت بالتخبط فتارة تريد القضاء على حزب الله، وتارة وتارة تريد استفزاز سوريا، وتارة تتحدى مصر في محاولة لجس نبض حلم إسرائيل الكبرى الذي تأكد للمستوطنين سخف هذا المشروع واستحالة تنفيذه. وقد صار المزاد على "حرب لاسلكية " ان جاز التعبير بين إسرائيل وايران قوامها الصواريخ ولا يمكن ان تنتهي بمعارك برية والتي تعد نقطة ضعف إسرائيل وميزة اعدائها. إن القاسم المشترك الاكبر بين كل من ايران واسرائيل هو ان كلاهما اصحاب نفس طويل، ألا أن ايران صاحبة نفس طويل في الحرب والسياسية، على عكس إسرائيل التي لديها نفس سياسي طويل، ونفس عسكري محدود جداً. ولنا في الحرب العراقية - الايرانية عظة وعبرة. اما عن الدور الأمريكي فهي ليست افضل حالاً من إسرائيل نفسها، ففي داخل امريكي يعاني من اعلى درجات الاستقطاب السياسي ليس فقط بين الديموقراطيون، والجمهوريون. بل ان الحزبان يعانيان من حالة استقطاب داخلية تاتي في اسوأ توقيت ممكن في ظل حرب استنزافية في شرق اوروبا فشلت كل من ادارة بايدين وترامب الى اليوم في الوصل لتسوية لهذا الصراع الذي يقوده المحور الشرقي الناشئ. وان أمكن ما يخشى منه الساسة في واشنطن ان سقوط إسرائيل سيأخذ معه شكل النظام العالمي الحالي.ويعلن بداية النظام العالمي الجديد متعدد الاقطاب بعد هزيمة وكلاء الولايات المتحدة على أهم جبهتين حظيت بهما منذ الحرب العالمية الثانية. مما يقودنا الى المرحلة الثالثة في نهاية إسرائيل، بعد ان تتخلى الولايات المتحدة عنها نتيجة تغير بوصلة المصالح اقليما ثم الضغط الشعبي والازمات داخل الولايات المتحدة ثم انتهاء الدور الوظيفي لاسرائيل بصورتها الحالية في الشرق الأوسط. علينا ان لا ننسى ان الغرب يقيس كل شئ بمزان المكسب والخسارة وان تكلفة الابقاء على اسرائيل هي اعلى بكثير من الأرباح التي تحققها. المرحلة الثالثة: السقوط الحر. بغض النظر عن نتيجة المعركة بين اسرائيل وايران فمما لا شك فيه ان اسرائيل ستخرج من هذه المعركة جريحة ومنهكة عسكرياً، وداخلياً، وبصورة سياسية مشوهة تحولها الى دولة منبوذة لا تريد اي دولة ان ترتبط بها في الوعي الجمعي العالمي. وبالرغم من كل هذه المعطيات فإن العقلية الاسرائيلية المغيبة سترفض الاعتراف بالواقع وستستكمل حربها على احدى دول الاقليم ولكن في هذه اللحظة بالذات سوف تتفاجأ بأنها لم تعد صاحبة الكلمة العليا في الاقليم وستمنى بهزيمة تُنهي اسرائيل بشكلها الحالي، ولا اعني ان فلسطين التاريخية ستعود كدولة بل ان فكرة اسرائيل كدولة يهودية ستنتهي الى الابد.