logo
الدكتورة خديجة حمودة : ولنجوم السماء حديث

الدكتورة خديجة حمودة : ولنجوم السماء حديث

البشاير٢٠-٠١-٢٠٢٥

ما إن بزغ أول فجر من أيام العام الجديد حتى توالت الأحداث القاسية والعنيفة علينا وأدخلتنا في دوامة من الفزع والخوف واستمرت شاشات التلفاز تنقسم إلى أكثر من جزء في وقت واحد وكأنها تطارد الأخبار وعواجلها، وأصوات المراسلين تتنافس وتعلو في محاولات للتغطية على هدير الطائرات وصافرات الإنذار وأصوات عربات الإطفاء والإسعاف.
وتمتلئ الشاشات بعواجل ساخرة تضحك وتبكي بعد أن تقرر السلطات الأمريكية إخراج 1000 سجين ليتعاونوا مع رجال الإنقاذ في محاولات مضنية وفاشلة للسيطرة على تلك الحرائق التي التهمت مدينة الأغنياء والفن والمال في أمريكا، والتي ستصنّف دون أدنى شك بـ«حريق القرن».
وفي الجانب الآخر من العالم ووسط مدينة الصلاة وإحدى القِبلتين، تستمر المطاردات والتهجير والقتل والبحث عن أماكن لإقامة مدافن جديدة واستمرار التمني لهدنة ولو لساعات والسلام لأيام وتوقيع الاتفاق الذي أصبح من الأحلام والذي سيعيد الغائبين إلى أحضان الأمهات والزوجات والأبناء، ربما تغير تلك العودة المستقبل وتبدل الواقع الذي يعيشه من بقي منهم على قيد الحياة.
ووسط هذه الفوضى العالمية التي لم ولن تجد من يعيد ترتيبها وتنسيقها ظهرت أحاديث نجوم السماء، تلك التنبؤات التي يعيش معها فئة من الرومانسيين الحالمين الذين يهربون أحيانا من ألم وقسوة الأيام إليها، حيث يبحثون عن عودة الغائب ونجاح المتعثر وإيجاد عمل لمن فشل في ذلك، وسعادة زوجية وقصة حب تنعش القلب وتدغدغ المشاعر، فتتحول الحياة إلى جنة صغيرة حتى لو كانت في الأحلام.
ولهؤلاء انتشرت صور المنجمين من جميع دول العالم ومن جنسيات مختلفة وطبقات متفاوتة، وطرق تنجيم تتباين وتتنوع ما بين قراءة وتحليل الأحداث وأخرى حسابات رقمية وثالثة تعود بنا إلى عصر البلورة المسحورة في مشاهد كوميدية، إلا أنها ترضي رغبات المتلهفين على النجاح والسعادة.
ووسط هذا المشهد يظهر من جديد تحت الأضواء الطبيب والعراف الفرنسي الشهير ميشيل دى نوستراداموس الذى ولد في 14 ديسمبر 1503 بمدينة سان ريمي بفرنسا وبدأ حياته بصفته طبيبا متخصصا في مكافحة الطاعون إذ اكتسب شهرة لعلاجاته الطبية المبتكرة في أثناء تفشي الطاعون في أيكس وليون بين عامي 1546 و1547.
لكنه تحول لاحقا إلى دراسة النجوم والكواكب وتأثيراتها، ما قاده إلى صياغة نبوءاته الشهيرة التي طرحها في كتاب النبوءات وهي مجموعة من التنبؤات التي زعم وقتها أنّها تمتد لقرون مقبلة. وقد شكك البعض في كتاباته بسبب أسلوبه الغامض المملوء بالرموز، حيث لم ينجح في التوصل إلى نوع من التقويم الدقيق للأحداث القادمة بل إنّ التنبؤات المنسوبة إليه هي مجرد تفسيرات لنصوص مجموعة من القصائد التي كتبها في كتابه الصادر عام 1555 بعنوان قرون (centuries).
وبينما يوحي المنطق بأنّ مزاعم نوستراداموس يمكن أن تنطبق على أي شيء تقريبا إلا أن الكثيرين يصدقون أنّ هناك ارتباطات بين تنبؤاته والأحداث التاريخية الكبرى، فقد حددها وقال «بعد مشقة كبيرة للبشرية سيواجه العالم مشكلة أخرى أخطر، المطر والدم والحليب والمجاعة»، كما كتب عن الشباب «الزومبي»
وأضاف «سيموت الآباء والأمهات من أحزان لا حصر لها، نساء في حداد ووحش موبوء» وحذر أيضا «سنرى الماء يتصاعد والأرض تسقط من تحته»، وقد فسر البعض ذلك بأنه يعني تغير المناخ الذى سيصبح أمرا غير محتمل، حيث سترتفع مستويات سطح البحر في مواجهة ارتفاع درجة حرارة الكوكب الذى يتسبب في ذوبان القمم الجليدية القطبية.
وعلى جانب آخر فإنّ هذا الكتاب الذي انتهى منه المؤلف قبل أكثر من 450 عاما ينتشر على رفوف المكتبات في جميع دول العالم الغربي والعربي حيث ترجم لعدة لغات، ويتهافت محبو التنجيم والتنبؤات على شرائه، كما يشارك في معارض الكتاب العالمية لما له من قبول لدى الجماهير.
ويقول المعجبون بهذا العراف الفرنسي إنه برغم اللغط الكبير حول توقعاته ومدى صحتها وإلى أي شيء تستند، فإنه قد تنبأ بأحداث محورية في العالم تحقق بعضها بالفعل، بما في ذلك صعود أدولف هتلر للحكم السياسي في ألمانيا ومأساة القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكى.
وكذلك اغتيال الرئيس الأمريكي چون كينيدي وظهور جائحة كورونا، وهو ما يضع تركيزا قويا على توقعات النجوم للعام الجديد ربما خوفا وقلقا وتشاؤما أو تفاؤلا وتمنيا.
والآن لا نملك إلا أن ندعو أن يكون حديث النجوم لنا حول هذا العام هادئا سعيدا يحمل بين حروفه رائحة ولون الورد والياسمين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا لا تزال نبوءات نوستراداموس تحظى بشعبية كبيرة؟
لماذا لا تزال نبوءات نوستراداموس تحظى بشعبية كبيرة؟

مصراوي

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • مصراوي

لماذا لا تزال نبوءات نوستراداموس تحظى بشعبية كبيرة؟

بعد وفاة البابا فرنسيس، شهدت عمليات البحث عبر الإنترنت عن المُنجم الفرنسي نوستراداموس، الذي عاش في القرن السادس عشر، ارتفاعا حادا. وهذه ليست المرة الأولى التي يبدي فيها الناس اهتماما بنبوءاته خلال أحداث عالمية كبرى. فلماذا لا يزال الاهتمام بهذا العرّاف قائمًا حتى اليوم؟ وكان ميشيل دي نوتردام، المعروف باسم نوستراداموس، طبيبا فرنسيا عالج ضحايا الطاعون، كما كان أيضًا منجمًا هاويًا ألّف كتاب "النبوءات" (Les Prophéties)، الذي نُشر في عام 1555، ويضم الكتاب 942 رُباعية غامضة (قصائد من 4 أسطر) زعم أنها تنبأت بالمستقبل، وغالبًا ما كانت تتناول أحداثًا كارثية. وتشير إحدى هذه القصائد، التي تتسم في الغالب بالغموض والافتقار إلى السياق، إلى "وفاة بابا مُسنّ"، وهو ما ربطته بعض منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات الإلكترونية بوفاة البابا فرنسيس. ومع ذلك، فقد توفي العشرات من الباباوات منذ عام 1555، لذلك ليس من الواضح لماذا ترتبط هذه القصيدة بالبابا فرانسيس على نحو خاص. ويزعم التنجيم، وهو ممارسةٌ لا تستند إلى أساس علمي، أن هناك تأثيرا للنجوم على الأحداث البشرية، وكانت هذه الممارسة قد ازدهرت شعبيتها بشكلٍ كبير في القرن السادس عشر. ففي ذلك الوقت، انتشرت متاجر التنجيم في كل مكان، حيث كان الممارسون يقدمون النصائح في كل شيء، من الحياة المهنية إلى العلاقات الشخصية والصحة. وكان من بينهم نوستراداموس، الذي أدار خدمة تنجيم شهيرة، يُفسّر فيها الأبراج للأثرياء ولأصحاب النفوذ. ومع ذلك، لم يتلقَّ نوستراداموس تدريبًا رسميًا في علم التنجيم، الذي كان تخصصًا أكاديميًا آنذاك، واعتبره بعض معاصريه دجالًا، وعلى الرغم من ذلك، لاقت قصائده القصيرة الغامضة رواجًا كبيرًا بين الجمهور آنذاك، وأصبح كتابه من أكثر الكتب مبيعًا. وكان القرن السادس عشر فترةً بائسةً بالنسبة لمعظم الأوروبيين، الذين واجهوا الحروب، وفشل زراعة المحاصيل، والمجاعات، بينما اجتاح الطاعون المدن. ووسط هذه الفوضى، قدّمت نبوءات نوستراداموس تحذيرًا وشعورًا غريبًا بالراحة. وتقول البروفيسور ميشيل فيفر، مؤرخة العلوم والدين في كلية ماغدالين بجامعة أكسفورد: "كان القلق الجماعي مرتفعًا". ومضت قائلة: "في أوقات عدم اليقين الشديد كهذه، يبحث الناس عن إجابات، ويطلبون التوجيه، ويطمأنون لوجود خطة أسمى". ومثل من قد يلجؤون اليوم إلى الأبراج، وجد أتباع نوستراداموس آنذاك في أعماله وسيلةً لفهم عالم مضطرب، وإحساسًا بقدوم تغيير. صورة2 وبعد مئات السنين، يزعم مؤيدوه أنه تنبأ بالعديد من الأحداث التاريخية، بما في ذلك الحربان العالميتان، والقصف النووي لهيروشيما وناغازاكي في اليابان، وصعود الزعيم النازي أدولف هتلر، وتفشي جائحة كوفيد-19في أنحاء العالم، وذلك على الرغم من أنه لم يُسمِّ هذه الأحداث قط. وتقول جويل رولو كوستر، أستاذة تاريخ العصور الوسطى بجامعة رود آيلاند، إن نبوءات نوستراداموس مكتوبة "بمصطلحات غامضة للغاية يمكن أن تتناسب مع أي ظروف"، وعندما يكون الأمر غامضًا ومبهمًا بما يكفي، يُمكن لأي شخص أن يجد فيه ما يُناسبه. ومع ذلك، فقد رسخت نبوءاته واسمه في أذهان العامة. وبالإضافة إلى الطابع الخالد للعديد من تنبؤاته، لأن القليل منها فقط يحتوي على تواريخ محددة، فقد بيعت كتبٌ تُفسر كتابات نوستراداموس بكميات هائلة، فهناك أكثر من 100 عنوان مختلف باللغة الإنجليزية وحدها. وساعدت المنشورات الجديدة التي فسرت نبوءاته على أنها تُطابق أحداثًا إخبارية عالمية على ترسيخ مكانته في وعي الجمهور في القرن العشرين. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، تصدرت كتب نوستراداموس قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، حيث ربط أتباعه نبوءاته بالهجمات. وأفادت صحيفة نيويورك تايمز أن رسالة بريد إلكتروني انتشرت على نطاق واسع بعد الهجمات جمعت أجزاءً من مقاطع مختلفة من نوستراداموس وكلمات لم تكن حتى من تأليفه، لتكوين نصٍّ استفزازي يُوحي بأنه تنبأ بما سيحدث، وتضمن النص الكلمات التالية: "نار تقترب من المدينة الجديدة العظيمة في مدينة يورك، سيكون هناك انهيار هائل". ومن الأحداث الأخرى التي زعم مؤيدوه أنه تنبأ بها هبوط أبولو على سطح القمر، وكارثة مكوك الفضاء تشالنجر، وحتى وفاة الملكة إليزابيث الثانية. ومن المرجح أن معظم الناس اليوم لا يتعمقون في النصوص الأصلية، بل يصادفونه في مقالات على الإنترنت أو ميمز على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد عادت نبوءات أخرى حول البابوية للظهور على الإنترنت. وقد فسر البعض نبوءة الباباوات، المنسوبة إلى القديس ملاخي، على أنها توحي بأن البابا فرانسيس قد يكون آخر بابا على الإطلاق، وشكك الباحثون في الأصول الحقيقية لهذا النص، قائلين إنه وُضع لأسباب سياسية. ويقول جوزيف أوسينسكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي: "إن النبوءة مثيرة للاهتمام وشائقة، ويميل بعض الناس إلى هذا النوع من الأفكار الخارجة عن التيار السائد، إنها جزء من هويتنا". ويضيف قائلا: "أحيانًا يدفع الترفيه الناس إلى معتقدات معينة، وأحيانًا أخرى يتبنون أفكارًا مريحة أو مُطمئنة". و يقول الخبراء إنه في عصر يسوده عدم اليقين، ليس من المستغرب أن يظل نوستراداموس ونبوءات أخرى أمورا شائعة. وتقول البروفيسور فيفر: "في الأوقات العصيبة، يتمتع التنجيم والعِرافة، وهي السعي إلى التنبؤ بالأحداث المستقبلية أو اكتشاف المعرفة الخفية، بجاذبية هائلة". ومضت تقول:"إن البشر ليسوا جيدين دائمًا في التعامل مع عدم اليقين، وقد تم تقدير المنجمين والأنبياء عبر التاريخ لأنهم قادرون على مساعدة الناس في اتخاذ قرارات صعبة، وهم قادرون أيضًا على مواساة الناس من خلال الإشارة إلى وجود خطة أكبر قيد التنفيذ".

الدكتورة خديجة حمودة : ولنجوم السماء حديث
الدكتورة خديجة حمودة : ولنجوم السماء حديث

البشاير

time٢٠-٠١-٢٠٢٥

  • البشاير

الدكتورة خديجة حمودة : ولنجوم السماء حديث

ما إن بزغ أول فجر من أيام العام الجديد حتى توالت الأحداث القاسية والعنيفة علينا وأدخلتنا في دوامة من الفزع والخوف واستمرت شاشات التلفاز تنقسم إلى أكثر من جزء في وقت واحد وكأنها تطارد الأخبار وعواجلها، وأصوات المراسلين تتنافس وتعلو في محاولات للتغطية على هدير الطائرات وصافرات الإنذار وأصوات عربات الإطفاء والإسعاف. وتمتلئ الشاشات بعواجل ساخرة تضحك وتبكي بعد أن تقرر السلطات الأمريكية إخراج 1000 سجين ليتعاونوا مع رجال الإنقاذ في محاولات مضنية وفاشلة للسيطرة على تلك الحرائق التي التهمت مدينة الأغنياء والفن والمال في أمريكا، والتي ستصنّف دون أدنى شك بـ«حريق القرن». وفي الجانب الآخر من العالم ووسط مدينة الصلاة وإحدى القِبلتين، تستمر المطاردات والتهجير والقتل والبحث عن أماكن لإقامة مدافن جديدة واستمرار التمني لهدنة ولو لساعات والسلام لأيام وتوقيع الاتفاق الذي أصبح من الأحلام والذي سيعيد الغائبين إلى أحضان الأمهات والزوجات والأبناء، ربما تغير تلك العودة المستقبل وتبدل الواقع الذي يعيشه من بقي منهم على قيد الحياة. ووسط هذه الفوضى العالمية التي لم ولن تجد من يعيد ترتيبها وتنسيقها ظهرت أحاديث نجوم السماء، تلك التنبؤات التي يعيش معها فئة من الرومانسيين الحالمين الذين يهربون أحيانا من ألم وقسوة الأيام إليها، حيث يبحثون عن عودة الغائب ونجاح المتعثر وإيجاد عمل لمن فشل في ذلك، وسعادة زوجية وقصة حب تنعش القلب وتدغدغ المشاعر، فتتحول الحياة إلى جنة صغيرة حتى لو كانت في الأحلام. ولهؤلاء انتشرت صور المنجمين من جميع دول العالم ومن جنسيات مختلفة وطبقات متفاوتة، وطرق تنجيم تتباين وتتنوع ما بين قراءة وتحليل الأحداث وأخرى حسابات رقمية وثالثة تعود بنا إلى عصر البلورة المسحورة في مشاهد كوميدية، إلا أنها ترضي رغبات المتلهفين على النجاح والسعادة. ووسط هذا المشهد يظهر من جديد تحت الأضواء الطبيب والعراف الفرنسي الشهير ميشيل دى نوستراداموس الذى ولد في 14 ديسمبر 1503 بمدينة سان ريمي بفرنسا وبدأ حياته بصفته طبيبا متخصصا في مكافحة الطاعون إذ اكتسب شهرة لعلاجاته الطبية المبتكرة في أثناء تفشي الطاعون في أيكس وليون بين عامي 1546 و1547. لكنه تحول لاحقا إلى دراسة النجوم والكواكب وتأثيراتها، ما قاده إلى صياغة نبوءاته الشهيرة التي طرحها في كتاب النبوءات وهي مجموعة من التنبؤات التي زعم وقتها أنّها تمتد لقرون مقبلة. وقد شكك البعض في كتاباته بسبب أسلوبه الغامض المملوء بالرموز، حيث لم ينجح في التوصل إلى نوع من التقويم الدقيق للأحداث القادمة بل إنّ التنبؤات المنسوبة إليه هي مجرد تفسيرات لنصوص مجموعة من القصائد التي كتبها في كتابه الصادر عام 1555 بعنوان قرون (centuries). وبينما يوحي المنطق بأنّ مزاعم نوستراداموس يمكن أن تنطبق على أي شيء تقريبا إلا أن الكثيرين يصدقون أنّ هناك ارتباطات بين تنبؤاته والأحداث التاريخية الكبرى، فقد حددها وقال «بعد مشقة كبيرة للبشرية سيواجه العالم مشكلة أخرى أخطر، المطر والدم والحليب والمجاعة»، كما كتب عن الشباب «الزومبي» وأضاف «سيموت الآباء والأمهات من أحزان لا حصر لها، نساء في حداد ووحش موبوء» وحذر أيضا «سنرى الماء يتصاعد والأرض تسقط من تحته»، وقد فسر البعض ذلك بأنه يعني تغير المناخ الذى سيصبح أمرا غير محتمل، حيث سترتفع مستويات سطح البحر في مواجهة ارتفاع درجة حرارة الكوكب الذى يتسبب في ذوبان القمم الجليدية القطبية. وعلى جانب آخر فإنّ هذا الكتاب الذي انتهى منه المؤلف قبل أكثر من 450 عاما ينتشر على رفوف المكتبات في جميع دول العالم الغربي والعربي حيث ترجم لعدة لغات، ويتهافت محبو التنجيم والتنبؤات على شرائه، كما يشارك في معارض الكتاب العالمية لما له من قبول لدى الجماهير. ويقول المعجبون بهذا العراف الفرنسي إنه برغم اللغط الكبير حول توقعاته ومدى صحتها وإلى أي شيء تستند، فإنه قد تنبأ بأحداث محورية في العالم تحقق بعضها بالفعل، بما في ذلك صعود أدولف هتلر للحكم السياسي في ألمانيا ومأساة القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكى. وكذلك اغتيال الرئيس الأمريكي چون كينيدي وظهور جائحة كورونا، وهو ما يضع تركيزا قويا على توقعات النجوم للعام الجديد ربما خوفا وقلقا وتشاؤما أو تفاؤلا وتمنيا. والآن لا نملك إلا أن ندعو أن يكون حديث النجوم لنا حول هذا العام هادئا سعيدا يحمل بين حروفه رائحة ولون الورد والياسمين.

العرافون من القبيلة إلى التليفزيون
العرافون من القبيلة إلى التليفزيون

اليوم السابع

time٣١-١٢-٢٠٢٤

  • اليوم السابع

العرافون من القبيلة إلى التليفزيون

رغم التقدم العلمى، وارتفاع نسبة التعليم بين الناس، إلا أن مهنة «العراف» لا تزال تحظى بمكانة واضحة فى حياة الكثيرين. والمثير للدهشة أن جمهور العرافين لا يقتصر على الجهلة أو البسطاء فحسب، بل يمتد ليشمل المتعلمين أيضا! فهم يجدون سوقا بين المثقفين والمتعلمين، ويفتحون لأنفسهم مساحات واسعة فى وسائل الإعلام، على سبيل المثال، نجد إحدى العرافات تظهر فور انتشار خبر طلاق بين فنانين مشهورين، لتعلن أنها تنبأت بهذا الطلاق قبل وقوعه بفترة، ولكن بقليل من التفكير البسيط، يمكننا أن نستنتج أن الطلاق السريع أصبح ظاهرة منتشرة فى مجتمعنا، وخاصة فى الوسط الفنى، بسبب الطبيعة غير المستقرة لمواعيد العمل الفنى، وتعارض هذه المواعيد مع الالتزامات الأسرية، لذا، فإن توقع حدوث مثل هذا الأمر ليس بالأمر المعجز. استمرار أى مهنة رغم التغيرات الاجتماعية دليل على رواجها، ومهنة العرافة ليست استثناء، حيث نجدها تظهر من وقت لآخر كظاهرة تتصدر المشهد وتجذب اهتمام الناس، بدءا من أبواب «حظك اليوم» فى الصحف والمجلات، وصولا إلى لقاءات العرافين على القنوات الفضائية، خصوصا فى أوقات معينة مثل نهاية العام، والمفارقة الساخرة أن تُستخدم وسائل تكنولوجية حديثة ومتطورة، كالتليفزيون أو الإنترنت، لترويج ممارسة قديمة ارتبطت بالمجتمعات البدائية أو المتأخرة. إذا سألت خبراء التسويق عن أسباب استمرار رواج هذه المهنة، فسيخبرونك أن أى منتج يبقى مطلوبا طالما وجد احتياجا لدى المستهلكين له، والعرافون يدركون أن هناك احتياجا لدى الناس لمعرفة ما يخبئه لهم المستقبل، طبيعة الإنسان تجعله يسعى دائما إما لتحقيق منفعة أو لتجنب ضرر، وعندما يزداد الخوف من المستقبل، خصوصا فى أوقات الأزمات أو الأحداث المفاجئة مثل الحروب أو الأوبئة، يلجأ البعض إلى العرافين طلبا للطمأنينة. العرافون استغلوا هذا الجانب النفسى لدى البشر لتحقيق مكاسب مادية وشهرة وانتشار واسع، أما فيما يخص «تحقق» بعض النبوءات، فهذا ليس دليلا على معرفة العراف بالمستقبل، بل يمكن أن يكون مجرد صدفة أو نتيجة لتحليل مسبق لبعض الظواهر. العبارة الشهيرة «كذب المنجمون ولو صدقوا» تلخص هذا الأمر، فحتى لو اتفق كلامهم مع الواقع، يظل ادعاؤهم بمعرفة الغيب كذبا. أما من الناحية التاريخية، فإن مهنة العرافة قديمة جدا، ترجع جذورها إلى أولى المجتمعات البشرية، طبيعة الإنسان تدفعه دائما إلى السعى لتحقيق مكانة واحترام داخل مجتمعه، فبينما كسب البعض هذه المكانة من خلال العمل الشاق أو الشجاعة فى الحروب أو المهارة فى الصناعات، لجأ آخرون إلى طرق مختصرة، مثل العرافة، لتحقيق هذه المكانة، العرافون الأوائل كانوا يتمتعون بملاحظات دقيقة وربط ذكى بين الظواهر الطبيعية والأحداث، على سبيل المثال، إذا لاحظ أحدهم انخفاض طيران الطيور البحرية، توقع هطول الأمطار، هذه أمور تبدو اليوم بديهية ومستندة إلى العلم، لكنها فى عصور ما قبل التاريخ كانت تُعد قدرات خارقة. مع تطور الحضارات، استمر دور العرافين والمنجمين لأنهم كانوا أذكياء بما يكفى لتطوير أدواتهم وأساليبهم، استفادوا من التقدم العلمي، خاصة علم الفلك، لتفسير الظواهر وربطها بمصائر البشر. على سبيل المثال، كانوا يربطون حركة الكواكب والنجوم بالظواهر الطبيعية والاجتماعية، ما أعطاهم مصداقية لدى الناس، ولأجل أن تكتمل «الحبكة»، يحيط العراف نفسه بطقوس وحركات مخيفة، أو ما يمكن وصفه بـ«إكسسوار أو ديكور الشغلانة»، ففى الحضارة البابلية القديمة، كان العرافون يذبحون أضحية للآلهة، ويخرجون كبدها وهو لا يزال دافئا، ويدعون أن كبد الأضحية يكتب لهم نبوءات بطريقة لا يعرفها سواهم. والعرب قبل الإسلام، كان عرافوهم وكهنتهم يستخدمون لغة فيها سجع وألفاظ متناسقة وبليغة، يقدمون من خلالها نبوءاتهم وهو ما كان متماشيا مع طبيعة العرب الذين كانوا يعتبرون أن بلاغة القول قدرة خارقة، وفى منطقة سيبيريا فى روسيا، وكذلك فى وسط آسيا حيث تقع حاليا جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، كان الشامان يدعى اتصاله بقوى الطبيعة والأرواح، فكانت له ممارسات مثل التأمل لفترة طويلة، أو الصيام القاسى أو تعاطى بعض المواد المخدرة التى تدخله فى غيبوبة يقول خلالها نبوءاته التى يفسرها باتصاله بعالم الأرواح، وفى مصر فى واحة سيوة، كان تقوم معابد توصف بمعابد التنبؤات، ينام فيها من يدعى معرفة المستقبل ثم يعلن نبؤاته عند استيقاظه باعتبارها وحيا من الآلهة، وفى مصر القديمة كان العرافون بارعين جدا فى التلاعب النفسى، بمعنى أنهم كانوا يعتمدون أن من يصدقهم، تصديقه لهم سيؤثر على سلوكه بشكل يجعله يحقق النبوءة، فكان تحديدهم المسبق لأيام النحس يؤثر نفسيا فى المصدق لهم ويجعله غالبا يرتكب خطأ ما إذا خالفهم وقام بأى من الأعمال المحظور القيام بها فى هذه الأيام، وبالتالى سيؤكد صحة تحذيرهم. واستخدم العرافون القدماء ملاحظة تزامن وتناسق بعض الوقائع والظروف، فلو تزامنت بعض حركات الكواكب مع وقوع ظواهر طبيعية تؤثر سلبا على جودة المحصول، فإن هذا سيعنى ارتفاع الأسعار وقلة الأقوات، هنا لا يحتاج العراف سوى لإعلان نبوءة عما هو متوقع فى مثل تلك الظروف من اضطرابات اجتماعية واقتصادية وأمنية واحتمال وقوع ثورات أو اندلاع حروب، حسب قراءته المشهد، ولو لاحظ كثرة الفئران فهذا قد يكون مؤشرا لظهور وباء خاصة الطاعون، وهكذا. لكن المشكلة الحقيقية فى عصرنا الحالى ليست فى العرافين وحدهم، بل فى المجتمعات التى تستمر فى تصديقهم، الاعتماد على العرافين يغذى التواكل ويثنى الناس عن اتخاذ قرارات مبنية على العلم والمنطق، عبر التاريخ، أضفى الحكام الشرعية على حكمهم من خلال نبوءات كاذبة، كما استُخدمت العرافة كأداة للتأثير على الجماهير أو الأعداء. مثال على ذلك ما حدث فى الحرب العالمية الثانية، حين استغل وزير الدعاية النازى، جوزيف جوبلز، كتابات نوستراداموس للتأثير على معنويات الأعداء. حتى فى عصرنا الحالى، تطور العرافون وأصبحوا يظهرون فى ثياب أنيقة، يستخدمون الأجهزة الحديثة ويظهرون بثقة العلماء. ولكن علينا أن ندرك أن تصديق مثل هذه الممارسات يعيق تقدم المجتمعات. فالإنسان يتعلم من أخطائه، والمجتمعات تتقدم من خلال التجربة والخطأ. إذا سعينا إلى حياة خالية من الأخطاء أو رفضنا احتمال الخطأ، فإننا نعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، ونسمح للخرافة أن تهيمن على العقل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store