logo
إسرائيل تتذرع بحماية الدروز في سوريا.. فماذا تفعل معهم بالداخل المحتل؟

إسرائيل تتذرع بحماية الدروز في سوريا.. فماذا تفعل معهم بالداخل المحتل؟

بلد نيوز٠٦-٠٥-٢٠٢٥

تهدد إسرائيل بضرب سوريا واحتلال أراضيها بذريعة حماية الطائفة الدرزية، لكنها، كعادتها، تسوق ذرائع استعمارية تجاوزها الزمن، لتواصل عدوانها ووحشيتها في المنطقة بلا رادع.
تماماً كما فعلت ألمانيا النازية عام 1938، حين ادّعت تدخلها في تشيكوسلوفاكيا لحماية الأقلية الألمانية آنذاك، زعم أدولف هتلر أن الحكومة التشيكية ترهب وتقتل العديد من الألمان السوديت، مبرراً بذلك اجتياح جيشه النازي للبلاد. وفي رسالة إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، صوّر هتلر الألمان السوديت كضحايا "اضطهاد سياسي واقتصادي" و"نظام رعب دموي"، مؤكداً أن الرايخ الألماني سيتدخل لنجدتهم إذا عجزوا عن نيل حقوقهم بأنفسهم.
اليوم، يحاول نتنياهو، المطلوب دولياً بتهم جرائم حرب، وحكومته التي تضم متطرفين، استغلال الدروز لخدمة مصالح إسرائيل التوسعية، تماماً كما فعل النازيون مع السوديت.
لكن ما يزيد عبثية الأمر حالياً، أن إسرائيل تتعامل مع الطائفة الدرزية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بازدراء، إذ تشير تقارير عديدة إلى أنهم لا يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية فحسب، بل إن حتى تضحياتهم في سبيل خدمة الاحتلال الإسرائيلي لم تجلب لهم المساواة، بل أبقتهم محل شك، وكأنهم يُستخدمون كدروع بشرية في حروبها الاستعمارية.
إذ أشارت بعض التقارير إلى أن الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي غالباً ما يُزج بهم في خطوط النار الأولى. ففي غزة تحديداً، وعلى سبيل المثال، وفي واحدة من أقوى الضربات التي تلقاها جيش الاحتلال منذ بدء عمليات "طوفان الأقصى"، قُتل العقيد إحسان دقسة، قائد لواء 401 المدرع، والذي كان يُعد من أبرز القادة العسكريين في قوات الاحتلال التي ترتكب المجازر داخل غزة منذ أكثر من عام.
فكيف يعامل الاحتلال الإسرائيلي الدروز؟
يبلغ عدد أفراد الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة اليوم حوالي 143 ألف نسمة، أي ما يشكل نحو 1.6% من إجمالي السكان، وتفيد معطيات متنوعة بأنهم يشكلون ما نسبته 10% من فلسطينيي الداخل (فلسطينيي 48)، ويعيش معظمهم في الشمال، خاصة في منطقة الجليل وجبال الكرمل، وهناك العديد من القرى والبلدات الدرزية المعروفة، مثل بيت جن، ودالية الكرمل، وعسفيا، ويركا، وجولس، والرامة، وحرفيش، والمغار، والبقيعة، وشفاعمرو، ومجدل شمس، وغيرها.
على عكس غالبية العرب في داخل الأراضي المحتلة، يُجبر الدروز على الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تُعد هذه الخدمة إلزامية لهم تماماً كما هي لليهود. نتيجة لهذا التجنيد الإجباري، يشغل العديد من أفراد الطائفة الدرزية مناصب عسكرية رفيعة في جيش الاحتلال. وتشير العديد من التقارير إلى أن 85% من أبناء الطائفة الدرزية يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وهي نسبة تفوق نسبة اليهود المنخرطين في جيش الاحتلال، حيث انخرط هؤلاء الجنود في وحدات متنوعة، كان أبرزها ألوية المشاة المختارة، إلى جانب وحدات الشرطة وحرس الحدود.
ومن بين أبرز الشخصيات الدرزية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يبرز الجنرال غسان عليان، الذي قاد لواء "غولاني"، أحد أشهر ألوية المشاة النخبوية في جيش الاحتلال، وقد أُصيب بجروح خطيرة خلال حرب غزة عام 2014 بنيران المقاومة الفلسطينية، ويشغل منصب منسق شؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة أمن الاحتلال.
وزير الدفاع الإسرائيلي قرر ترقية العميد غسان عليان قائد لواء جولاني السابق إلى رتبة لواء وتعيينه في منصب منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية، خلفا للواء كميل أبو ركن. وسيكون عليان ثالث درزي يشغل المنصب pic.twitter.com/MQlMN9LZIn— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) October 8, 2020
ولم يكن أول درزي في هذا المنصب، فقد سبقه فيه الجنرال الدرزي كميل أبو ركن. بالإضافة إلى ذلك، يبرز العقيد أيوب كيوف، الذي قاد وحدتين من وحدات النخبة، هما "شيلداغ" و"سييرت غولاني"، ويشغل حالياً منصب قائد لواء "منشيه" المسؤول عن منطقة جنين. وفي عام 2018، قُتل ضابط درزي على يد كتائب القسام عندما كان يقود وحدة إسرائيلية خاصة تسللت إلى قطاع غزة.
متى بدأ انخراط الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي؟
تختلف التقديرات الإسرائيلية حول التاريخ الدقيق لانخراط الدروز في جيش الاحتلال، ولكن بعض التقارير تشير إلى أن مشاركة الدروز بدأت منذ إنشاء دولة الاحتلال عام 1948.
ومنذ بداية الاحتلال، عملت الحكومة الإسرائيلية على عزل الدروز عن محيطهم العربي، عبر تصنيفهم كـ"عرب غير مسلمين"، والترويج لفكرة أن الدرزية تشكل قومية مستقلة بذاتها، في محاولة لتفكيك الهوية العربية داخل الأراضي المحتلة، وفتح الباب أمام ممارسات التمييز والتهميش بحقهم في القضايا الوطنية.
ودفعت سلطات الاحتلال نحو ترسيخ هوية مفصولة تحت اسم "الهوية الدرزية الإسرائيلية"، وسعت لتكريسها رسمياً. ففي عام 1957، اعترف القانون الإسرائيلي بالديانة الدرزية كديانة مستقلة، وفصل الطائفة الدرزية عن المجتمع الإسلامي والديانة الإسلامية. وفي عام 1959، فصلت حكومة الاحتلال الإسرائيلية المحاكم الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية، في خطوة مدروسة لتعزيز العزلة الثقافية والدينية، وتكريس الانفصال عن الهوية العربية الجامعة.
وخلال تلك الفترة، تطوّع أفراد من الطائفة الدرزية للانضمام إلى جيش الاحتلال ضمن كتيبة خاصة ضمّت الدروز والبدو والشركس، وذلك في إطار ما أُطلق عليه "حلف الدم"، الذي شرعنه ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لحكومة الاحتلال، إذ يعطي الدروز لدولة الاحتلال دمهم ويحصلون على الأمان.
وقد واجه قرار التجنيد الإجباري في حينه مقاومة من جزء كبير من الدروز، لكن تذكر المصادر أيضاً أنه، على الرغم من هذه المقاومة، فقد تمكنت بعض القيادات الدرزية المتنفذة من فرضه بالقوة في عام 1959، وحينها تم سن قانون يفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الدروز في إسرائيل. وفي عام 1974، تم تشكيل الكتيبة الدرزية المعروفة باسم "حيرف"، وهي وحدة برية نظامية في جيش الاحتلال تتكون في معظمها من الجنود الدروز. ومنذ بدء التجنيد الإجباري للدروز في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي وحتى نهاية عام 2022، بلغ عدد قتلى جيش الاحتلال من أبناء الطائفة الدرزية 429 جندياً. وهذا العدد لا يشمل عدد القتلى الدروز المجندين في جيش الاحتلال خلال الحرب الحالية على غزة.
وقد اعترف رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو بدورهم في حفظ أمن الاحتلال، كما أكد يعكوف شيمعوني، وهو دبلوماسي إسرائيلي، على أن تجنيد الدروز هو حربة يُطعن بها القومية العربية ويؤثّر بها على دروز سوريا ولبنان.
الدروز: مواطنون عند الحاجة فقط
رغم هذا "الولاء" للاحتلال وآلته العسكرية، لم يعترف الاحتلال بالدروز كمواطنين متساوين مع اليهود. فمنذ عام 1948، يمارس الاحتلال بشكل ممنهج سياسات تمييزية طالت جميع الجوانب: الأرض، والسكن، والتعليم، والاقتصاد، وحتى المؤسسة العسكرية نفسها.
جندي درزي في جيش الاحتلال – shutterstock
فمصادرة الأراضي مستمرة إلى اليوم، وقرى الدروز لم تُستثنَ من سياسات الاحتلال التوسعية منذ عام 1948، بل جُرّدت من مساحات كبيرة لصالح المستوطنات اليهودية.
لذلك، يعاني الدروز من ضائقة سكن متفاقمة تعود إلى رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة توسيع مسطحات البناء منذ عام 1987، بعد مصادرة ما يزيد على 85% من أراضي القرى الدرزية، ما حوّلها إلى بيئات خانقة شبيهة بمخيمات اللاجئين. وحتى "دائرة شؤون الدروز"، التي أُنشئت عام 1970، لم تنجح في وقف شُحّ الميزانيات أو تنظيم البناء، ما اضطر الدروز إلى البناء دون تراخيص في أراضيهم، فواجهوا أوامر الهدم من سلطة الاحتلال. وفي عام 2016، احتج زعماء الطائفة على هدم منازل في قرى مثل حرفيش، والمغار، ويركا، وعسفيا، وطالبوا بتجميد الأوامر، لكن دون جدوى.
وقد وثّق تقرير صادر عن مركز "Crown Center" في جامعة برانديس الأميركية هذا التمييز العنصري المتزايد، حيث أشار إلى أن جنوداً دروزاً، بينما كانوا يشاركون في إبادة الفلسطينيين في غزة، كانوا يواجهون غرامات وأوامر هدم لمنازلهم وهم في الخدمة، كنتيجة طبيعية لسياسات البناء العنصرية التي يفرضها الاحتلال، والتي لا تمنح تراخيص لغير اليهود، حتى وإن شاركوهم في سفك دماء الفلسطينيين. وأوضح التقرير أن المادة 7 من "قانون الدولة القومية" الإسرائيلي تُشكل حاجزاً قانونياً فعلياً أمام العرب لبناء مساكن قانونية.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل طال حتى الجنود داخل المؤسسة العسكرية. فعلى سبيل المثال، شهدت نهاية عام 2013 حادثة إهانة مجموعة من الجنود الدروز بمنعهم من دخول موقع ديمونة النووي أثناء تدريب. وفي الوقت الذي يُمنح فيه الجنود اليهود امتيازات واضحة بعد تسريحهم، خاصة في مجالي السكن والعمل، يُحرَم الجنود الدروز المسرّحون من هذه الحقوق، رغم أدائهم نفس الخدمة للاحتلال.
بل ويتعرضون لإهانات عنصرية، تصل أحياناً إلى الإذلال الجسدي والمعنوي. وتنقل وسائل الإعلام بين الحين والآخر شهادات لجنود دروز تعرضوا لسوء معاملة من زملائهم اليهود، وصلت حد المقاطعة، والنعوت المهينة مثل "كلب" و"إرهابي فلسطيني".
فعلى سبيل المثال، أحد الجنود الدروز رُفض التحدث معه تماماً من قبل زملائه، فيما رُوي عن آخر أن ضابطاً يهودياً أمره بتنظيف المرحاض، وعندما رفض، مُنع من دخول غرفة الطعام، وبقي دون طعام لثلاثة أيام. وعندما حاول تقديم شكوى، قوبل بالتجاهل، بل زجره أحد القادة قائلاً: "ليس لدي وقت الآن، انصرف من هنا أيها العربي".
إلى جانب ذلك، لا تخلو العنصرية الصريحة في المجتمع الإسرائيلي من دعوات علنية لطرد الدروز من الجيش، حيث عبّر الحاخام المتطرف مائير كاهانا – زعيم حركة "كاخ" – عن موقفه العنصري قائلاً بسخرية: "يجب أن نوفر لهم حافلات مكيّفة لنقلهم".
اللافت أن هذا التمييز لا يقتصر على الجنود أو صغار الموظفين، بل يطال الدروز حتى وهم في مناصب عليا. ففي عام 2019، صرّح رضا منصور، سفير الاحتلال لدى بنما – وهو من أبناء الطائفة الدرزية – بأنه تعرض لـ"تمييز عنصري" ومعاملة مهينة من قبل حارسة أمن عند مدخل مطار "بن غوريون" في تل أبيب.
وفيما يخص التعليم، فوفقاً للتقارير، الدروز هم " target="_blank">الأقل تحصيلًا بين العرب في الداخل. فقط 44.4% من أبنائهم حاصلون على البجروت (الثانوية العامة الإسرائيلية)، وغالبيتهم لا يكملون التعليم الجامعي، نتيجة عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بغياب سياسات. التمييز البنيوي: تخصيص الميزانيات للخدمات المحلية أدنى مما هو عليه في البلدات اليهودية؛ فرص التشغيل في القطاع العام محدودة؛ والبنى التحتية في القرى الدرزية متأخرة نسبيًا.
رغم تقديم الدروز أجسادهم وأرواحهم على مذبح الاحتلال لعقود من خلال خدمتهم في الجيش، لم يشفع لهم هذا "الولاء الدموي" لنيل المساواة. فبدل أن يُكافأوا بحقوق كاملة، تلقوا سلسلة من الضربات المتتالية من المؤسسة السياسية الإسرائيلية، خاصة في ظل تصاعد اليمين المتطرف خلال السنوات الأخيرة. تشير تقارير متعددة إلى أن لحظة الانفجار الشعبي تعود إلى عام 2018، عندما بلغت مشاعر السخط الدرزي ذروتها إثر إقرار "قانون الدولة القومية".
" frameborder="0">
هذا القانون الأساسي عرّف إسرائيل رسميًا كـ"دولة قومية للشعب اليهودي فقط"، ومنح حق تقرير المصير القومي لليهود دون غيرهم، مستبعدًا بذلك العرب، بمن فيهم الدروز، من دائرة الانتماء القومي. ورغم محاولات حكومة الاحتلال التخفيف من أثر القانون عبر وصفه بأنه "تكريس للطابع القائم"، إلا أن أبناء الطائفة شعروا أنه إعلان واضح وصريح لتهميشهم المتعمد.
وصفت قيادات درزية ونواب في الكنيست القانون بأنه "قانون متطرف يميز ضد الأقليات". خرجت احتجاجات غاضبة في مختلف المدن، طالبت بإلغاء التجنيد الإجباري الذي بات لا يعكس إلا واقعًا يفتقر للمساواة. قابلت الشرطة الإسرائيلية هذه التظاهرات بالقمع، واستخدمت الرصاص واعتقلت المئات من المتظاهرين، رغم أن غالبهم خدم في جيش الاحتلال ذاته.
مع تمرير القانون في الكنيست، تصاعدت الأصوات الرافضة للتجنيد الإجباري، وخرجت مظاهرات ضخمة بتاريخ 4 أغسطس عام 2018، وامتلأ ميدان رابين في تل أبيب بما يُقدَّر بين 90 إلى 150 ألف متظاهر، رفعوا أعلام الطائفة الدرزية إلى جانب الأعلام الإسرائيلية، تعبيرًا عن غضبهم ورفضهم للتمييز. على المنصة، لخص الإعلامي الدرزي رفيق حلبي – رئيس مجلس دالية الكرمل – الموقف بقوله: "يجب أن يكون التحالف مع اليهود تحالفًا بين متساوين. نريد أن يكون لمواطنتنا معنى. نحن إسرائيليون حقيقيون – وقانون الدولة القومية يُفرغ الهوية الإسرائيلية من معناها. من اليوم فصاعدًا، لا عهد دم، لا تحالف حياة، بل تحالف مساواة".
وطالب المحتجون من الدروز حينها بإبطال قانون القومية الجديد وتعديله. وكان من الشخصيات الدرزية البارزة التي شاركت في بعض تلك الاحتجاجات الزعيم الروحي الشيخ موفق طريف، الذي قال مخاطباً الجموع: "رغم ولائنا المطلق، إلا أن إسرائيل لا تعتبرنا مواطنين متساوين." فما كان من الجمهور إلا أن هتف قائلاً: "المساواة! المساواة!" ورفع المشاركون يافطات كتب عليها: "إذا كنا إخوة فيجب أن نكون متساوين."
توجه قادة الطائفة – بينهم ثلاثة أعضاء كنيست – إلى محكمة العدل العليا مطالبين بإلغاء القانون، بحجة أنه تمييزي. بيد أن المحكمة العليا الإسرائيلية في 2021 ردّت الالتماسات وارتأت بأغلبية قضاتها أن القانون لا ينتقص من حقوق الفرد للمواطنين غير اليهود، بل هو "إعلان لحقوق اليهود" وأنه يعلن فقط حقوق المواطنين اليهود، وبالتالي فهو دستوري. هذا الحكم شكّل صفعة إضافية للدروز وتثبيتًا رسميًا لمخاوفهم. فشعر كثيرون أن الميزان اختل نهائيًا: الدولة التي حموا حدودها تتنكر لمبدأ المساواة معهم. ومنذ ذلك الحين، فترت الحماسة التجنيدية لدى بعض الشبان الدروز وارتفعت أصوات تدعو لإعادة النظر في أداء الخدمة الإلزامية طالما ظلت المواطنة منقوصة – رغم أن الأغلبية ما تزال تلتحق بالجيش بحكم العادة والبيئة الاجتماعية.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو انسحاب النقيب أمير جمال من الخدمة في جيش الاحتلال في عام 2018، حيث دعا الشباب إلى رفض سياسة التجنيد الإلزامي والعمل على إنهائها، احتجاجًا على القانون.
دروز الجولان المحتل
في عام 2023، برزت موجة جديدة من الغضب الدرزي، تمثلت في احتجاجات حاشدة واشتباكات جماهيرية في قرى الجولان السوري المحتل، رفضًا لمشروع إسرائيلي لبناء 23 توربينًا هوائيًا لتوليد الطاقة، اعتبره سكان المنطقة اعتداءً سافرًا على أراضيهم وتهديدًا مباشرًا لزراعتهم واقتصادهم المحلي. المشروع الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية وكُلّفت بتنفيذه شركة "إنرجيكس"، يتضمن إقامة 24 مروحة عملاقة يزيد ارتفاع كل واحدة منها على 200 متر، وتُقام كل واحدة منها على مساحة تقارب 100 دونم، ما يُهدد أكثر من 3 آلاف دونم من الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم.
سكان الجولان أكدوا أن المشروع لا يشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا فحسب، بل إنه يُناقض بشكل صارخ القانون الدولي، كون الجولان أرضًا سورية محتلة لا يجوز لقوة الاحتلال أن تتصرف بها.
على خلاف أقرانهم من الطائفة الدرزية داخل الأراضي المحتلة الذين يحاولون أن ينتزعوا الاعتراف الكامل بمواطنتهم داخل دولة الاحتلال، فإن إخوتهم في الجولان السوري المحتل رفضوا منذ البداية هذا المسار. فهم يعيشون على أرضهم، لكن تحت علم لا يعترفون به، ولا يحملون جنسيته، ولا يمنحهم الاحتلال أي حقوق كاملة كمواطنين. في الوقت نفسه، لا يعاملهم كجزء من شعب خاضع للاحتلال له صفة قانونية أو حماية دولية.
ما هي قرية مجدل شمس السورية المحتلة٬ ولماذا يرفض أهلها حكم الاحتلال الإسرائيلي/ أرشيفية (رويترز)
وتشير التقديرات إلى أن الجولان اليوم يعيش فيه أكثر من 20 ألف درزي، معظمهم يعرّفون أنفسهم كسوريين، وقد رفضوا منذ احتلال المنطقة عام 1967 عرض الحصول على الجنسية الإسرائيلية، رغم محاولات الأسرلة المتكررة. في المقابل، زرع الاحتلال أكثر من 25 ألف مستوطن يهودي في الجولان، موزعين على أكثر من 30 مستوطنة، في محاولة لفرض وقائع ديموغرافية جديدة.
بخلاف الزعيم الروحي للطائفة الدرزية داخل فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، الذي يتخذ موقفًا مندمجًا مع الاحتلال، يبرز في الجولان صوت ديني مستقل يتمثل في مشايخ رافضين تمامًا للاندماج أو قبول "الاحتلال الإسرائيلي". هذا الرفض ظل ثابتًا ومُعلنًا رغم كلفته الثقيلة، وتم التعبير عنه مرارًا في المحافل والمناسبات الدينية والوطنية داخل القرى الجولانية.
حين فشلت سلطات الاحتلال في إقناع أهالي الجولان بقبول الجنسية طوعًا، أقر الكنيست قانونًا يفرض الجنسية الإسرائيلية بالقوة، ما فجّر ما عُرف لاحقًا بـ"انتفاضة الهوية". قُوبل القرار بإضرابات واسعة واحتجاجات حاشدة، بلغت حد الاشتباك المباشر بين الأهالي وقوات الاحتلال، التي استخدمت الأسلحة لقمع المتظاهرين.
ورغم ادعاء بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية – مثل "تايمز أوف إسرائيل" – بوجود تغير محدود في مواقف بعض شباب الجولان تجاه قبول الجنسية، فإن تلك التحركات، وفق تحليلات الخبراء، ترتبط باعتبارات براغماتية تتعلق بالواقع المعيشي الصعب، وليس تقبّلًا حقيقيًا لـ"الهوية الإسرائيلية".
فالواقع أن الأغلبية من دروز الجولان ما زالت متمسكة بهويتها السورية، رافضة لمحاولات الأسرلة، ومصممة على البقاء على أرضها بوصفها جزءًا من وطن محتل، لا تابعًا لدولة تحتلهم.
مستندًا إلى نفس الأساليب الاستعمارية القديمة، يعاود الاحتلال الإسرائيلي استخدام أدواته في تفكيك المجتمعات العربية، وهذه المرة من بوابة دروز سوريا. ففي أعقاب محاولات الدولة السورية، بعد مرحلة ما بعد الأسد، إعادة توحيد أراضيها وبسط سيادتها على كامل الجغرافيا السورية، تنظر تل أبيب إلى هذه التحركات كتهديد استراتيجي مباشر لوجودها.
في هذا السياق، يسعى الاحتلال لاستغلال ورقة الطائفة الدرزية، عبر حملة استقطاب موجهة تهدف إلى فك ارتباط دروز سوريا بالحكومة المركزية في دمشق. ووفقًا لما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تخطط "إسرائيل" لإنفاق أكثر من مليار دولار على برامج دعم ومساعدات تستهدف الدروز المقيمين شمالي فلسطين المحتلة، بهدف التأثير على مواقفهم، ودفعهم للضغط على دروز سوريا لرفض الاعتراف بشرعية الحكومة السورية الجديدة.
ويُعدّ تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد الإدارة السورية الجديدة والقصف المتتالي للأراضي السورية، إلى جانب التهديدات بمواجهة أي وجود لمسلحين أو قوات تابعة للدمشق في المناطق التي يسكنها الدروز جنوب سوريا، امتدادًا لهذه الاستراتيجية الأوسع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هواية اسمها: قتل الأطفال!
هواية اسمها: قتل الأطفال!

الشروق

timeمنذ يوم واحد

  • الشروق

هواية اسمها: قتل الأطفال!

في تصريح لافت للانتباه أدلى به لهيئة البثّ الصهيونية (كان)، فضح رئيس 'الحزب الديمقراطي الإسرائيلي'، يائير غولان، حكومة نتنياهو المتطرّفة الفاشية؛ فهي تعجّ بالوزراء الفاسدين الذين تحرّكهم روح الانتقام ويفتقرون إلى الأخلاق، وتشنّ حربا على المدنيين الفلسطينيين، وتقتل الأطفال كهواية، وتنفّذ مخططا لتهجير سكان غزة، وبهذه الممارسات، تدفع حكومة نتنياهو 'إسرائيل' إلى أن تصير دولة منبوذة بين الأمم، كما كانت جنوب إفريقيا من قبل. والواقع أنّ يائير لم يكشف جديدا؛ فكل ما قاله تثبته الأحداث والوقائع بالأدلة الدامغة منذ بدء حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم، لكنّ هذه الشهادة من رئيس حزب صهيوني مهمّة جدا من باب 'وشهد شاهد من أهلها' وتفنّد رواية الحكومة الفاشية من أنّ ما يجري في غزة حرب على 'حماس' والمقاومة وحدها، والمدنيون يسقطون بشكل غير مقصود، فهي حرب على الفلسطينيين كلّهم، ولا يستثنى من ذلك الأطفال الأبرياء الذين يقتلون كل يوم في مجازر وحشية عمدية بهدف التخلّص منهم، حتى لا يكبروا وينضمّوا إلى صفوف المقاومة مستقبلا. ما قاله يائير غولان عن تعمّد قتل أطفال غزة كهواية للاحتلال، أكّده عضو كنيست سابق يدعى موشي فيغلين، إذ قال للقناة الـ14 اليمينية، إنّ 'كل طفل في غزة هو عدوّ، كلّ طفل تقدّمون له الحليب الآن سيذبح أطفالكم بعد 15 عاما، علينا احتلال غزة واستيطانها حتى لا يبقى فيها طفل واحد، لا يوجد نصر آخر'! غزوة 'طوفان الأقصى' في 7 أكتوبر 2023 أفقدت قادة الاحتلال توازنهم وأسقطت آخر أقنعتهم، وكشفت وجوههم القبيحة المرعبة، فلم يعودوا يتورّعون عن إطلاق تصريحات نازية تدعو إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، كالدّعوات إلى الإبادة والتطهير العرقي والتهجير وضرب غزة بالنووي وقصف مخازن الغذاء وتجويع السكان حتى الموت… وهذه الدعوات التي تنضح فاشية وكراهية وحقدا على الفلسطينيين تردّد على ألسنة وزراء متطرفين من أمثال سموتريتش وبن غفير ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت الذي قال يوم 8 أكتوبر 2023، إنّ سكان غزة 'حيوانات بشرية' وسيمنع عنهم الغذاء والماء والدواء والكهرباء، وهو ما يجري عمليّا منذ قرابة 19 شهرا أمام مرأى العالم كلّه وسمعه، ومع ذلك، لا نسمع إلا إدانات خجولة ودعوات للاحتلال، بكلمات ناعمة، لإدخال الغذاء للسكان الذين يتضوّرون جوعا، وخاصة الأطفال الذين أصبحوا هياكل عظمية يكسوها جلد رقيق، وقد مات منهم 57 طفلا من شدّة الجوع. أيعقل أن يحدث هذا في القرن الواحد والعشرين ولا يتحرّك العالم جدّيا لوقف المأساة بالقدر ذاته الذي يتحرك فيه تجاه أوكرانيا مع أنّها لا تعاني 1 بالمائة مما يكابده الفلسطينيون في غزة؟ ما صرّح به النائب موشي فيغلين يعبّر، فعلا، عن هذه الحكومة الصهيونية الفاشية المجرمة التي ترى أنّ قتل الأطفال الفلسطينيين يتماشى وروح التوراة، ألم يقل نتنياهو بعد 3 أسابيع من اندلاع الحرب لجنوده وهم يستعدّون لدخول غزة بعد قصف جهنّمي متواصل بالطيران: 'يقول كتابنا المقدّس تذكّروا ما فعله عماليق بكم، ونحن نتذكّر ونقاتل'، وهو يشير بذلك إلى ما ورد في سفر صموئيل: 'الآن اذهبوا واضربوا عماليق، ودمّروا كلّ ما لهم، ولا تعفوا عنهم، بل اقتلوا كلًّا من الرجل والمرأة، والطفل والرضيع، البقر والغنم، الجمل والحمار'. وبقرار الاحتلال توسيع حرب غزة، ننتظر أياما سوداء أخرى ترتفع فيها الحصيلة اليومية للشهداء، وسيكون أغلبهم من الأطفال والنساء كما هو حاصل طيلة هذه الحرب غير الأخلاقية التي تشنّ على المدنيين تحت غطاء 'استعادة الرهائن'، لكنّ أملنا في المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه لا يزال كبيرا برغم قسوة الحرب؛ فالمقاومة لا تزال صامدة وتتكيّف مع الظروف وتخوض حرب استنزاف طويلة مع العدوّ وتثخن فيه كل يوم بكمائن مركّبة دوّخت جنوده، والمدنيون ثابتون في أرضهم يرفضون التهجير، برغم الإبادة والتجويع الجهنمي لإدراكهم أنّها معركة وجود، وحياة أو موت. وما النصر إلا صبر ساعة.

وشهد شاهد من الصهاينة
وشهد شاهد من الصهاينة

الخبر

timeمنذ 2 أيام

  • الخبر

وشهد شاهد من الصهاينة

قال يائير غولان، زعيم المعارضة اليسارية في "إسرائيل"، اليوم الثلاثاء، أن حكومة نتنياهو تقتل الأطفال في غزة "هواية". وقال رئيس "حزب الديمقراطيين الإسرائيلي"، في تصريح لإذاعة "كان ريشت بيت"، بشأن حرب الإبادة على قطاع غزة إن "دولة عاقلة لا تقتل الأطفال هواية"، ما أثار عاصفة انتقادات في دولة الاحتلال، في محاولة لتبرير جرائم قتل الفلسطينيين. وأضاف غولان، الذي هو أيضا لواء متقاعد من الجيش الصهيوني، أن "إسرائيل في طريقها لأن تصبح دولة منبوذة بين الأمم، مثل جنوب إفريقيا في فترة سابقة، إذا لم تعد لتتصرف تصرف دولة عاقلة. دولة عاقلة لا تحارب المدنيين، ولا تقتل الأطفال هواية، ولا تضع لنفسها أهدافا تتعلق بتهجير السكان". واسترسل قائلا: "هذه الأمور مروّعة ببساطة، ولا يمكن أن نكون نحن، أبناء الشعب اليهودي، الذين تعرضنا للاضطهاد والمذابح عبر تاريخنا، وكنا دائماً نموذجاً للمبادئ الأخلاقية والإنسانية اليهودية، نحن من يتخذ خطوات لا يقبلها العقل على الإطلاق". وتعرض غولان لموجة من الانتقادات الداخلية، وألغيت مشاركته في ملتقى دولي بتل أبيب. واللافت في هذه القضية، أن المعني كان من بين الأوائل الذين حملوا السلاح يوم السابع أكتوبر 2023 للقتال في غلاف غزة بعد معركة "طوفان الأقصى"، كما انتقد بشدة التوصل إلى اتفاق مع لبنان وطالب يومها بمواصلة مواجهة "حزب الله". فهل هي صحوة ضمير؟ أم أن المعني يرى أن اتجاه الرياح تغير بعد تصاعد الانتقادات الدولية بنسق غير مسبوق ضد نتنياهو لإنهاء حرب الإبادة.

صداقة ترامب وأردوغان وحل الأزمات العالقة
صداقة ترامب وأردوغان وحل الأزمات العالقة

إيطاليا تلغراف

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

صداقة ترامب وأردوغان وحل الأزمات العالقة

إيطاليا تلغراف سمير العركي كاتب وباحث في الشؤون التركية كثيرًا ما تكون العلاقات الشخصية بين رؤساء الدول وكبار المسؤولين، مدخلًا لحلحلة العديد من الأزمات العالقة أو دفع العلاقات الثنائية إلى محطات أكثر تقدمًا. فالرئيسان التركي، رجب طيب أردوغان، والأميركي، دونالد ترامب، يتمتعان بعلاقات شخصية متميزة، منذ الولاية الأولى لترامب، يعول عليها الجانب التركي كثيرًا لحلحلة المسائل العالقة بين الدولتَين. ففي يوم الاثنين 5 مايو/ أيار، أجرى الرئيسان محادثات هاتفيّة، بحثا فيها عدّة ملفات إقليمية ودولية مهمّة، حيث وصفها أردوغان بأنّها 'كانت مثمرة للغاية وشاملة وصادقة'، الأمر الذي اتّفق معه فيها ترامب. لكن الملاحظ أنّه وبعيدًا عن فحوى الاتصال، فقد بدا واضحًا حرص الرئيسين على إضفاء شكل من أشكال الحميمية في حديث كل منهما عن الآخر. فأردوغان يصف ترامب بـ 'الصديق العزيز'، مشيرًا إلى أنه 'سيكون سعيدًا باستضافة ترامب في تركيا خلال أقرب فرصة'، أو تلبية دعوة الرئيس الأميركي لزيارة الولايات المتحدة. أما ترامب فقد وصف علاقته مع الرئيس التركي بأنها 'كانت ممتازة خلال السنوات الأربع من ولايته الأولى بين عامي 2016-2020'. وكان الرئيس الأميركي، قد فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أثناء استقباله في البيت الأبيض في أبريل/ نيسان الماضي بقوله: 'تربطني علاقة رائعة برجل يُدعى أردوغان – أنا معجب به، وهو معجب بي، وهذا يُثير ضجة إعلامية. لم نواجه أي مشاكل قط، رغم أننا مررنا بالكثير'. يشار هنا إلى أن الأكاديمية الوطنية للاستخبارات في تركيا، والتابعة لجهاز المخابرات MIT، استشرفت في تقرير لها صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي فور نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية، أثر العلاقات الشخصية بينه وبين أردوغان على تفكيك أزمات البلدَين. وقال التقرير إن ترامب يمتلك القدرة على تجاوز المؤسسات الأميركية في بناء علاقة متميزة مع الحلفاء. كما وصف التقرير علاقة أردوغان بترامب خلال الفترة الأولى للرئيس الأميركي، بـ 'تطابق الكيمياء'، لكنه حذر من 'فردانية' ترامب وتقلباته الحدية في قراراته التي يأخذها بمعزل عن معاونيه. من هنا فإن ثمة تساؤلات عن مدى تأثير هذه العلاقة على حل أزمات المنطقة وفي القلب منها الحرب في غزة، في ظل الأوضاع الإنسانية شديدة السوء التي وصل إليها القطاع، وكذلك مستقبل الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد، وما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن لدعم الحكومة الجديدة، كما تشمل قدرة تركيا على دعم رؤية ترامب في ضرورة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. كما تمتد الأسئلة إلى قدرة هذه العلاقات الشخصية في إحراز تقدم في ملف الصناعات الدفاعية المتعثر. غزة.. إيقاف الحرب يعد التعاطي الأميركي مع الحرب الإسرائيلية في غزة، واحدًا من نقاط الخلاف العميقة بين أنقرة وواشنطن، منذ انطلاق طوفان الأقصى في 2023. من هنا فإن معظم مباحثات المسؤولين الأتراك مع نظرائهم الأميركيين، وآخرها اتصال أردوغان- ترامب، تنصب على ضرورة إنهاء الحرب وإدخال المساعدات، ووضع رؤية لإعادة الإعمار. لذا فالمأمول أن تحدث علاقة الرئيسين اختراقًا واضحًا في الموقف الأميركي المنحاز، وعدم اقتصاره على تصريحات متفرقة بشأن إدخال المساعدات الإنسانية سرعان ما يتم دهسها تحت جنازير السياسات الإسرائيلية المتشددة. لكن الأمر ليس بالسهل نظرًا لاختلاف الرؤية التركية للحل ليس مع الولايات المتحدة وحدها، بل مع بعض الدول الإقليمية أيضًا. فأنقرة ترفض تصفية المقاومة الفلسطينية في القطاع، وتعتبر أن ما تقوم به هو عمل مشروع يشبه ما فعله الأتراك خلال حرب الاستقلال. كما ترفض وبشدّة إخلاء قطاع غزة، وتطالب بفتح المجال أمام إعادة الإعمار مع بقاء السكان فيه، لأنهم أصحاب الأرض وهم أولى الناس بها. من هنا كانت اللقاءات المتعددة لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بقيادات حركة حماس، آخرها لقاءان خلال ثمانية أيام فقط في شهر أبريل/ نيسان الماضي، في أنقرة والدوحة على الترتيب، لتنسيق المواقف المشتركة. إذ خرج بعدها فيدان بتصريحات مؤكدًا فيها انفتاح الحركة على هدنة طويلة مع إسرائيل، مقابل إيقاف الحرب، لكن نتنياهو رفض ذلك. لكن ومع ذلك فإن المنتظر أن تستثمر تركيا علاقة الرئيسين لدفع ترامب إلى إلزام إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية، والتوصل إلى حل من شأنه إنهاء الحرب وإعادة الإعمار. سوريا.. رفع العقوبات في لقائه بنتنياهو في أبريل/ نيسان الماضي، كشف ترامب عن قوله لأردوغان في محادثة خاصة: 'تهانينا، لقد فعلتم ما لم يستطع أحد فعله طوال ألفي عام. لقد استوليتم على سوريا'. هذا الاعتقاد لدى ترامب جعل الملف السوري حاضرًا وبقوة في محادثات المسؤولين الأتراك مع نظرائهم الأميركيين، كما كان حاضرًا في الاتصال الأخير لرئيسي الدولتَين. فتركيا بدأت اتصالاتها مبكرًا مع الإدارة الأميركية حتى قبل أن تتسلم مهامها رسميًا، لبحث ترتيب الأوضاع الأمنية والسياسية في مرحلة ما بعد الأسد. ففي ولايته الأولى، كان ترامب يميل إلى وجهة النظر التركية، بشأن خطورة محاربة تنظيم إرهابي مثل تنظيم الدولة، بتنظيم آخر مماثل وهو حزب العمال الكردستاني PKK. وبدا متفهمًا للعمل العسكري الذي تنفذه القوات التركية في شمال سوريا، لكن ضغوط وزارتَي الدفاع والخارجية الأميركيتَين آنذاك حالت دون حصول أنقرة على النتائج المأمولة. وفي ولاية ترامب الحالية، وفي موازاة التطورات التي شهدتها سوريا، تأمل تركيا أن يتم إغلاق ملف التهديدات الأمنية في شمال سوريا نهائيًا. ويبدو أن المحادثات الثنائية بين الرئيسين انعكست إيجابيًا على رؤية ترامب للوضع الأمني في سوريا، إذ شرعت القوات الأميركية في سحب جنودها ومعداتها من قواعدها في شمال شرق سوريا، تزامنًا مع بدء انسحاب قوات سوريا الديمقراطية 'قسَد' من مناطق واسعة شرق الفرات تنفيذًا لاتفاقها مع الحكومة السورية. هذا الفراغ يتوقع أن تملأَه القوات الحكومية السورية، المدعومة من أنقرة، وبمساعدة النقاط العسكرية التركية المنتشرة في مناطق الشمال. أيضًا فإن أنقرة تعمل على إقناع واشنطن، بضرورة رفع العقوبات، والاعتراف بالنظام السياسي الموجود حاليًا، في موازاة جهود قطرية وسعودية مماثلة، ما قاد إلى حدوث اختراقات مهمة في هذا الصدد، آخرها ما أعلنه وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، عن تقديم قطر منحة لسوريا قيمتها 29 مليون دولار شهريًا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وذلك لدفع رواتب العاملين المدنيين في القطاع العام. مشيرًا إلى حصول المنحة على استثناء من العقوبات الأميركية. عقوبات 'كاتسا' فرضت إدارة ترامب الأولى عقوبات ضد أنقرة في ديسمبر/ كانون الأول 2020 وفق قانون معاقبة الدول المتعاونة مع خصوم الولايات المتحدة المعروف بـ'كاتسا CAATSA'، وذلك بسبب شراء تركيا المنظومة الدفاعية الروسية إس- 400. كما امتدت العقوبات الأميركية للسبب ذاته، إلى إخراج تركيا من مشروع تصنيع الطائرة الشبحية إف- 35. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف المحاولات التركية لرفع تلك العقوبات، لكن دون جدوى مع تمسكها بحيازة المنظومة حتى الآن وعدم التفريط فيها. والآن تأمل أنقرة أن تستثمر الأجواء الإيجابية التي تغلف علاقة رئيسي البلدين، لرفع تلك العقوبات، خاصة بعد نجاحها في يونيو/ حزيران 2024 في توقيع صفقة مع الولايات المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، تقضي بشراء 40 مقاتلة إف-16، إضافة إلى تحديث أسطولها الجوي الحالي. خصوم تركيا في واشنطن في ولايته الأولى نجح بعض أعضاء الإدارة الأميركية في الحد من التأثير الإيجابي للعلاقات الشخصية بين ترامب وأردوغان. وبقيت قضايا تنظيم غولن، ودعم البنتاغون لحزب العمال وفروعه في شمال سوريا، وغيرهما دون حلول حقيقية. بل لم تمنع تلك العلاقة واشنطن من إصدار عقوبات بحق أنقرة وبعض مسؤوليها؛ بسبب اعتقال تركيا القس أندرو برونسون لأكثر من عشرين شهرًا، كما تعرض مدير بنك 'خلق' التركي للسجن في الولايات المتحدة، بتهمة انتهاك العقوبات الأميركية ضد إيران. وبالنظر إلى تركيبة الإدارة الأميركية الحالية، سنجد أنها تضم مسؤولين مؤثرين يحملون أفكارًا محافظة من أقصى اليمين، مثل وزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية، ماركو روبيو. أو لديهم رؤى سلبية تجاه تركيا ورئيسها، مثل مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، التي قالت في خطاب ألقته عام 2020: 'تركيا تدعم إرهابيي تنظيم الدولة والقاعدة من وراء الكواليس منذ سنوات. وأردوغان ليس صديقنا. إنه أحد أخطر الدكتاتوريين في العالم، وليس من حق الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام مساعدة هذا الإسلامي' وختامًا فإنه رغم حاجة ترامب إلى الدور التركي المتوازن للمساهمة في إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية، فإن ترجمة علاقته المتميزة بأردوغان إلى سياسات وإجراءات ملموسة، لا يزال يحوطها شكوك في ظل وجود شخصيات في البيت الأبيض تحمل أفكارًا متشددة تجاه المسلمين بشكل عام، وتجاه تركيا ورئيسها بشكل خاص.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store