
هل تنجح أمريكا وجنوب أفريقيا في إنقاذ العلاقات من حافة الانهيار؟
واشنطن- (د ب أ)
جاءت القمة التي جمعت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا في وقت حساس في العلاقات بين البلدين ، وسط تراكم الخلافات السياسية والاقتصادية وتباين المواقف من القضايا الدولية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الشراكة بين واشنطن وبريتوريا.
وتقول الباحثة ميشيل جافين في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إنه لا يمكن أن تكون خلفية الاجتماع الذي عُقد في 21 مايو بين ترامب ورامافوسا أكثر قتامة. ففي غضون أشهر قليلة، أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها الخارجية للبلاد، وبددت الآمال بتمديد اتفاقية تجارية قائمة، وهددت بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 30%، وطردت سفير جنوب أفريقيا من واشنطن، ووجهت مرارا اتهامات للحكومة بالتقاعس عن التصدي لإبادة جماعية جارية في البلاد. وبالفعل، وبالرغم من أن إدارة ترامب لا تُعرف باهتمامها الخاص بالشؤون الأفريقية، إلا أن تركيزها اللافت على تطورات الأوضاع في جنوب أفريقيا، سواء كانت حقيقية أم متخيلة، يُعد استثناء واضحا.
وتوجد خلافات حقيقية وجوهرية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا تعود إلى ما قبل الأزمة الدبلوماسية الحالية، وقد أثارت قلقا مشتركا بين الحزبين في الكونجرس الأمريكي منذ وقت طويل قبل بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب.
وترى قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي لا يزال الحزب السياسي المهيمن في جنوب أفريقيا رغم فقدانه للأغلبية المطلقة، العالم من منظور أيديولوجي تعتبر فيه الولايات المتحدة عائقًا أمام إقامة عالم أكثر عدالة، بينما تقدم دول مثل إيران وروسيا والصين، رغم قمعها العنيف للمعارضة في الداخل، صيغة أكثر إيجابية بكثير.
ورغم أن جنوب أفريقيا تدعي أنها تتبنى سياسة عدم الانحياز، فإن رد فعلها تجاه غزو روسيا لأوكرانيا كشف عن استعدادها لمنح موسكو هامشا واسعا من التسامح، وأظهر أن معارضتها للإمبريالية تتسم بتناقض عميق.
وفي عام 2023، وبتعبير عن التعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية المنتشر عبر القارة، رفعت حكومة جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بشن حملة إبادة جماعية في غزة. وتعرض الدعم العسكري الأمريكي المستمر لإسرائيل لانتقادات لاذعة، ويتهم العديد من الجنوب أفريقيين الولايات المتحدة بالنفاق وازدواجية المعايير في تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان.
ومؤخرا، أدى حرص جنوب أفريقيا، شأنها شأن العديد من الدول الصغيرة، على التعددية وسعيها لإصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس بشكل أفضل مصالح القارة الأفريقية، إلى اصطدام مع ازدراء إدارة ترامب لتلك المؤسسات نفسها، وإصرارها على أن تعيد تشكيل نفسها لتعكس أولويات واشنطن. ولا يوجد مثال أوضح على ذلك من الرفض الأمريكي الظاهر لقمة مجموعة العشرين المقبلة المزمع عقدها في جنوب أفريقيا، وهو موقف تم تفسيره تارة على أنه اعتراض على شعارات القمة التي تركز على "المساواة والتضامن والاستدامة"، وتارة أخرى كاحتجاج على ما يُزعم أنه اضطهاد للبيض في جنوب أفريقيا.
وترى جافين أن هذه القضايا تشكل جدول أعمال مزدحما، لكن الحسابات السياسية الداخلية تلعب أيضا دورا في مواقف كلا الرئيسين. فرامافوسا، من جهته، يرى أن الوقوف في وجه الرئيس ترامب والتأكيد على أن جنوب أفريقيا لن ترضخ للترهيب أمر بالغ الأهمية. وقد رجح خصومه السياسيون أن زيارته إلى واشنطن مغامرة غير محسوبة، وأي إشارة إلى التراجع أو الضعف ستُعد خيانة لقيم جنوب أفريقيا وسيادتها.
وفي الوقت نفسه، فإن مواجهة محتملة في البيت الأبيض قد تحمل مكاسب سياسية. إذ يدرك رامافوسا جيدا أن استهداف ترامب لشخص ما يمكن أن يتحول إلى ورقة قوة سياسية قادرة على توحيد الرأي العام، كما أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في كندا وأستراليا.
ها من شيطنة جنوب أفريقيا، لا سيما لدى شريحة من قاعدته الانتخابية تُبدي حساسية شديدة تجاه أي مساعٍ لمعالجة المظالم التاريخية، وتنزع لتصديق نظريات المؤامرة المتعلقة باضطهاد البيض. ويبدو أن الرئيس الأمريكي يعتقد بوجود جمهور متقبل لمزاعمه الكاذبة بشأن الإبادة الجماعية في جنوب أفريقيا، ولحملات إدارته البارزة لإعادة توطين "لاجئين" من البيض الجنوب أفريقيين. وهو يهوى الاستعراضات الرمزية للقوة، وقد يرى في جنوب أفريقيا ساحة مثالية لإيصال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة ستعاقب الدول الأضعف التي لا تصطف خلف مواقفه المفضلة.
ومن المرجح أن تكون عواقب هذا التوجه السياسي وخيمة على الولايات المتحدة. فالشركات الأمريكية العاملة في جنوب أفريقيا ستتضرر إلى جانب نظيراتها الجنوب أفريقية، وستؤدي النتيجة إلى ازدياد حماس جنوب أفريقيا للتقارب مع الصين وروسيا، وإلى معوقات اقتصادية تصب في مصلحة فاعلين سياسيين داخل جنوب أفريقيا أكثر عداء للولايات المتحدة من الحكومة الحالية.
وسينشأ جيل جديد من الجنوب أفريقيين يرى في الولايات المتحدة خصما حريصا على إفشال ديمقراطيتهم متعددة الأعراق، بينما سيستغل خصوم واشنطن على الساحة العالمية سعي إدارة ترامب لمعاقبة جنوب أفريقيا لتصوير أمريكا كقوة شريرة على المسرح الدولي.
وتخلص جافين إلى أنه حتى لو توصل ترامب ورامافوسا إلى اتفاق، فقد تكون هذه الخطوة تراجعا مؤقتا عن حافة الهاوية، لا بداية لمرحلة جديدة. إذ لا بد لأي اتفاق أن يحقق نتائج إيجابية على ضفتي الأطلسي، كي يتمكن من تجاوز التباينات العميقة في الرؤى والضغوط الداخلية المستمرة التي لا تزال تشدّ الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في اتجاهين متباينين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ 19 دقائق
- اليوم السابع
القاهرة الإخبارية: تحديات أمام مشروع قانون الإنفاق الأمريكى بالكونجرس قد تؤخره
قال رامى جبر، مراسل قناة القاهرة الإخبارية، إن مشروع قانون الإنفاق الفيدرالى والضرائب الذى صوت عليه مجلس النواب بأغلبية ضئيلة، قد يواجه صعوبات أكبر فى مجلس الشيوخ الأمريكي ، خاصة مع وجود بعض الجمهوريين الذين أعلنوا رفضهم القانون أو طلبوا تعديلات جوهرية. وأوضح جبر أن الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ يسعون أيضًا إلى إدخال تعديلات عدة على القانون، خاصة المتعلقة بالتخفيضات الضريبية التى يرونها غير عادلة وزيادة الإنفاق على الدفاع والهجرة. وأضاف جبر، خلال رسالة له على الهواء، أن مجلس الشيوخ قد يرسل القانون بعد إدخال تعديلات إلى مجلس النواب مرة أخرى للتصويت على التعديلات، مما قد يطيل عملية إقرار القانون ويجعلها أكثر تعقيدًا. وأشار إلى أن هذا التأخير قد يؤثر على الجدول الزمنى لتطبيق القانون، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات والضغوط السياسية المتزايدة على الكونغرس لإيجاد حلول وسط. وفى ختام حديثه، أكد جبر أن مشروع القانون، رغم وصف ترامب له بأنه "كبير وجميل"، ما زال يواجه مسيرة صعبة داخل البرلمان الأمريكى، حيث تتصارع المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يجعل مصير القانون معلقًا حتى يتمكن الطرفان من التوصل إلى توافق شامل يرضى جميع الأطراف.


المشهد العربي
منذ 31 دقائق
- المشهد العربي
ترامب يوصي بفرض تعريفات 50% على أوروبا بعد تعثر المفاوضات
أوصى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، اعتبارًا من الأول من يونيو 2025. وبرر ترامب قراره بأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لا تحقق أي تقدم، مؤكدًا في الوقت ذاته عدم فرض التعريفة إذا تم تصنيع المنتج في الولايات المتحدة. وأوضح ترامب في منشور له على منصته "تروث سوشيال" أن الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه بأنه "أساسًا لاستغلال الولايات المتحدة تجاريًا"، كان "صعبًا للغاية في التعامل". وذكر أن ذلك يعود إلى "حواجزه التجارية، وضرائب القيمة المضافة وعقوباته الباهظة على الشركات وحواجزه التجارية غير النقدية وتلاعباته النقدية، ودعاواه القضائية غير العادلة وغير المبررة ضد الشركات الأمريكية". وأضاف أن هذه العوامل، وغيرها، أدت إلى عجز تجاري مع الولايات المتحدة "يتجاوز 250 مليون دولار سنويًا وهو رقم غير مقبول نهائيًا". ويُعتقد أن ترامب قد أخطأ في كتابة الرقم، حيث إن العجز التجاري تجاوز 235 مليار دولار في عام 2024.


بوابة الأهرام
منذ 36 دقائق
- بوابة الأهرام
ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي بـ50% من الرسوم الجمركية اعتبارا من يونيو
أ ف ب هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي الجمعة بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية المستوردة إلى الولايات المتحدة اعتبارا من الأول من يونيو، قائلا إن المفاوضات الجارية "تراوح مكانها". موضوعات مقترحة وكتب ترامب في منشور على منصته الاجتماعية تروث سوشال "من الصعب جدا التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي أُنشئ في المقام الأول لاستغلال الولايات المتحدة تجاريا (...) مناقشاتنا تراوح مكانها. وفي ظل هذه الظروف، أوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على الاتحاد الأوروبي، اعتبارا من الأول من يونيو. وما من رسوم جمركية على المنتجات المصنّعة في الولايات المتحدة". ومن جملة الأمور التي ندّد بها الرئيس الأمريكي، "الحواجز الجمركية والضريبة على القيمة المضافة والعقوبات السخيفة على الشركات والحواجز غير الجمركية والمضاربات المالية والملاحقات غير المبرّرة والمجحفة في حقّ الشركات الأميركية"، ما تسبّب في "عجز تجاري بأكثر من 250 مليون دولار في السنة، وهو أمر غير مقبول بتاتا". وأشار ترامب مرارا إلى العجز التجاري للولايات المتحدة في المبادلات الثنائية مع أوروبا والذي يراوح بين 300 و350 مليار دولار بحسب تقديره. وبناء على معطيات ممثّل البيت الأبيض لشؤون التجارة، يقدّر العجز التجاري للولايات المتحدة في هذا المجال بحوالى 235 مليار دولار لسنة 2024، لكن المفوضية الأوروبية تعترض على هذا المجموع وتفيد من جانبها بعجز يبلغ 150 مليار يورو (حوالى 160 مليار دولار) للسلع فحسب وينخفض إلى 50 مليار يورو بعد حساب الفائض التجاري الأميركي من حيث الخدمات. وفي المعدّل، تبلغ الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأوروبية حاليا 12,5 %، مع نسبة 2,5 % كانت معتمدة قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أضيفت إليها 10 % منذ مطلع نيسان/أبريل إثر إقرار رسوم جمركية "متبادلة". واراد البيت الأبيض في بادئ الأمر فرض رسوم بنسبة 20 % على المنتجات الأوروبية، قبل الإعلان عن فترة سماح لتسعين يوما للرسوم الجمركية التي تتخطّى نسبتها 10 % ريثما تمضي المفاوضات قدما. ومن حيث المبدأ، تنتهي هذه الفترة يوليو. وخلال الأسابيع الأخيرة، أجرى المفوّض الأوروبي لشؤون التجارة ماروس سيفكوفيتش عدّة محادثات مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك وممثّل التجارة جيميسون غرير، لكن من دون إحراز تقدّم يُذكر. وفور تهديد الرئيس الأمريكي بالرسوم الجديدة بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية، هبطت البورصات في أوروبا وتراجعت خصوصا أسهم شركات السلع الفاخرة والسيارات. كما تكبّدت بورصة وول ستريت خسائر. واعتبرت برلين أن تهديدات ترامب هذه "لا تخدم أحدا".