
الضربة الأميركية في إيران والرسالة تقرأ بالصين
مع تباين المواقف الدولية والإقليمية حول الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت إيرانية، اختارت الصين زاوية مغايرة في التعاطي، تجاوزت فيها الخطاب السياسي إلى تفكيك تقني دقيق لما جرى.
ففي تغطية غير مألوفة، سلطت صحيفة غلوبال تايمز -المعروفة بقربها من دوائر صنع القرار في بكين- الضوء على خصائص السلاح المستخدم، وتوقيت العملية، وسياقها الإستراتيجي الأوسع.
ويكشف تتبع الخطاب أن الضربة لم تُقرأ في الصين كمجرد تحرك ضد إيران ، بل كرسالة أميركية تتجاوز حدود الإقليم، وتحمل مؤشرات على إعادة اختبار موازين الردع الدولية، وهو ما استدعى تقديرا صينيا لاحتمالات توسيع نطاق استخدام القوة الكاسرة خارج أطر الحرب التقليدية.
الضربة الأميركية كاختبار ميداني
نفّذت الولايات المتحدة الأميركية ضربة عسكرية استثنائية استهدفت منشآت نووية إيرانية محصنة تحت الأرض، حيث شنّ سلاح الجو الأميركي فجر 22 يونيو/حزيران 2025 غارة جوية استخدم خلالها 6 قنابل خارقة للتحصينات من طراز " جي بي يو-57" (GBU-57).
وتُعد هذه القنبلة، التي تزن نحو 30 ألف رطل، واحدة من أخطر أدوات الردع في الترسانة العسكرية الأميركية، وقد استُخدمت في قصف موقع فوردو النووي الإيراني شديد التحصين.
وقد نفذت الضربة في وقت كانت فيه إسرائيل تواجه تحديا في الوصول إلى أهداف مشابهة، ما اعتبر رسالة أميركية مزدوجة: دعم الحليف الإسرائيلي، واختبار فعلي في ميدان مفتوح لسلاح لطالما ارتبط بالردع النظري تجاه القوى الكبرى.
صحيفة غلوبال تايمز الصينية، التقطت هذا البعد بدقة، ففي افتتاحيتها في اليوم التالي للضربة، وصفت استخدام القنبلة بأنه تصعيد خطير يغذي الفوضى في المنطقة، واعتبرت أن الضربة سابقة تهدد أساس النظام الأمني الدولي.
ورأت الصحيفة أن هذه الضربة تمثل تجاوزا لمجلس الأمن و الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ما يضع واشنطن في موقع من يستخدم القوة لتحديد مصير البرنامج النووي الإيراني من طرف واحد، بعيدا عن الأطر التعددية.
ولا يمكن عزل هذا الموقف الصيني عن حقيقة أن استخدام هذه القنبلة بحد ذاته يحمل دلالات إستراتيجية ثقيلة، فوفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، لم تُنتج الولايات المتحدة حتى عام 2025 سوى نحو 20 قنبلة فقط من هذا الطراز، ما يعكس محدودية تصنيعها واستخدامها، إذ يُحتفظ بها فقط للعمليات المعقدة والسيناريوهات القصوى.
ويبدو أن هذا ما دفع بكين إلى متابعة الحدث كاختبار ميداني حقيقي، ويمكن ربط ذلك بتقارير متزامنة، منها ما نشرته وكالة رويترز حول توجه قاذفات الشبح الأميركية من طراز "بي 2" (B-2) إلى قاعدة غوام في المحيط الهادي، في خطوة فسرها مراقبون على أنها رفع للجهوزية الإستراتيجية الأميركية.
وفي المقابل، كشفت صحيفة بولغاريان ميلتيري العسكرية عن تقارير استخبارية تشير إلى أن البحرية الصينية أرسلت وحدات تجسس متقدمة إلى مياه الخليج العربي بالتزامن مع الضربة الأميركية، ما يعزز من فرضية أن الصين كانت تتابع بدقة سيناريو استخدام القوة الأميركية الخارقة، وربما تقيّم استعداداتها تجاه احتمالات مشابهة مستقبلا.
وفي حديثه للجزيرة نت، فسر المحلل السياسي والعسكري نضال أبو زيد، تحرك القاذفات نحو "غوام" على أنه رسالة ردع موجهة أيضا إلى بكين وبيونغ يانغ، نظرا للموقع الجغرافي الحساس لقاعدة غوام القريبة من بحر جنوب الصين وشبه الجزيرة الكورية، ما يعكس استخدام واشنطن للقوة العسكرية كأداة ضغط جيوسياسي يتجاوز نطاق المواجهة الإيرانية.
قلق يتجاوز حدود التضامن مع إيران
لم تقف الصين عند حدود الإدانة الدبلوماسية، بل رفعت من سقف خطابها واتهمت واشنطن بتقويض النظام الدولي، وتجاوز المؤسسات الأممية، بسبب أن القصف طال منشآت مقامة بموجب ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ووصفت غلوبال تايمز الضربة بالانتهاك الخطير لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ورفضا للموقف المبدئي للمجتمع الدولي، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي الذي تعامل مع القضية النووية الإيرانية من خلال مفاوضات متعددة الأطراف لسنوات عديدة.
ووفقا لبيان نشر على الموقع الرسمي للبعثة الدائمة للصين لدى الأمم المتحدة، قال فو كونغ، الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، في الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن، إن التصرفات الأميركية أدت إلى "تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، ووجهت ضربة قوية لنظام منع الانتشار النووي الدولي".
وأضاف أنه "يجب على المجتمع الدولي دعم العدالة وبذل جهود ملموسة لتهدئة الوضع واستعادة السلام والاستقرار".
من جهتها، أدانت وزارة الخارجية الصينية بشدة الهجمات الأميركية على إيران، وقالت إن هذا الإجراء الأميركي، لا يؤدي فقط إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، بل يُخاطر أيضا بإشعال أزمة أوسع نطاقا.
ويرى رئيس تحرير مركز الدراسات العربية الأوراسية، أحمد دهشان، أن هذه التصريحات المتلاحقة تعكس محاولة صينية للتأكيد على أن النظام الدولي القائم يدار بمعايير مزدوجة، تقوده واشنطن وفق مصالحها، دون أي اكتراث للقانون الدولي أو المؤسسات الأممية، ومن هذا المنطلق ترى بكين أن الردع الحقيقي لتصرفات واشنطن لا يمكن أن يكون قانونيا فقط، بل يجب أن يكون عسكريا وإستراتيجيا كذلك.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصينية، عن خبراء دبلوماسيين أن الضربة الأميركية لم تكن مجرد تصعيد عابر ولكنها إشارة قوية وواضحة لاحتمال تدخل الولايات المتحدة في صراعات أخرى تمس المصالح الحيوية الصينية.
وأكد التقرير أن التصعيد عمّق قناعة بكين بصعوبة التنبؤ بسلوكيات البيت الأبيض، وهو ما دفعها إلى تعزيز استعداداتها الإستراتيجية في مضيق تايوان وبحر جنوب الصين، تحسبا لسيناريوهات مشابهة خارجة عن الأطر التقليدية للنزاعات.
وتتركز نقاط الخلاف بين بكين وواشنطن على المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية، إلى جانب التوترات العسكرية في بحر جنوب الصين وتايوان، التي تعتبرهما الصين جزءا من سيادتها، بينما ترفض واشنطن ذلك، وهذا يبقي أفق النزاع مفتوحا في أي لحظة .
من المراقبة للتقدير الذاتي
انتقلت الصين من مرحلة المراقبة السياسية إلى مرحلة أعمق من التقييم التقني والإستراتيجي، إذ لم تكتف بالمراقبة بل عملت على تحليل تفاصيل العملية ومراجعة قدراتها العسكرية.
وفي هذا الإطار، شككت صحيفة غلوبال تايمز الصينية في صحة الادعاء الأميركي حول نجاح الهجوم على المواقع النووية الإيرانية، مشيرة إلى أن منشأة فوردو النووية تقع على عمق يقارب 100 متر تحت الأرض، وهذا يجعل تدميرها بالكامل بضربة أو اثنين، حتى باستخدام القنابل الخارقة للتحصينات، أمرا بالغ الصعوبة.
ونقلت الصحيفة عن خبير الشؤون العسكرية، تشانغ جون شي، تأكيده على أن الضربة الأولى للجيش الأميركي ربما لم تكن كافية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل، مع الإشارة إلى أن الغارات الأميركية أضرت بالبنية التحتية النووية في إيران، بغض النظر عن مدى تدمير المنشآت.
ومن جهة أخرى، أظهر تقرير صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" أن الصين انتقلت إلى مرحلة تقييم ذاتي معمق لقدراتها العسكرية، وخصوصا في مجال القاذفات الإستراتيجية العابرة للقارات، فالضربة التي نفذت بواسطة طائرة من طراز "بي 2" وهي القاذفة التي حملت وألقت القنابل "جي بي يو-57" الخارقة للتحصينات في مهمة طويلة المدة، أعادت للواجهة أهمية القاذفات الإستراتيجية كعنصر أساسي في الردع.
وأكد محللون صينيون أن القاذفات تظل أداة لا غنى عنها حتى في ظل تطور خيارات الضربات بعيدة المدى، لما توفره من قدرة على تنفيذ ضربات نووية سريعة وذات كفاءة عالية، في حين أشار التقرير إلى استمرار بكين في تطوير قاذفات الشبح الصينية "إتش-20" (H-20) كجزء من جهودها لتعزيز قدراتها في الردع.
وفي تحليل أعمق، يوضح دهشان أن الصين تركز بشكل متزايد على رصد ومتابعة التطورات العسكرية العالمية، خصوصا ما يتعلق بالحروب الأميركية، بهدف تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية، مستفيدة من الدروس المستخلصة، سواء للاستعداد في حال وقوع مواجهة عسكرية مستقبلية أو لتعزيز موقعها كقوة تمتلك أدوات ردع فعّالة.
ويقول في حديثه للجزيرة نت، إن الصين تخشى من التعرض لضغوط دولية لإجبارها على الدخول في اتفاقيات للحد من التسلح، خاصة في ظل سعيها الحالي إلى التسلح بدون قيود واضحة. ولذلك، تعمل على تحصين نفسها عسكريا وإستراتيجيا.
ويضيف أن بكين تتابع بعناية التجربة الإيرانية، التي طالما وصفت بأنها نموذج فريد في بناء التحصينات، لكنها لم تُختبر عمليا من قبل، أما الآن، ومع الضربة الأميركية الأخيرة لإيران، فقد تم اختبار تلك التحصينات ميدانيا، وهو ما دفع الصين إلى دراسة هذه التجربة بجدية كحالة عملية يمكن الاستفادة منها في بناء منظومتها الدفاعية.
وانطلاقا من هذه القناعة، تعتمد الصين في عقيدتها العسكرية على مبدأ "رأس برأس" مع الولايات المتحدة، حيث تسعى إلى مواكبة كل تطور عسكري أميركي بإنتاج أو تطوير قدرات مماثلة أو بدائل قادرة على تحقيق التوازن والردع. وبهذا، ترى بكين أن بناء منظومة ردع متقدمة هو السبيل الوحيد لضمان احترام مصالحها وحماية أمنها القومي في مواجهة الهيمنة الأميركية، وفق دهشان.
وبهذا تعد الصين من أبرز الدول إن لم تكن الوحيدة التي تبنت قراءة مختلفة للصراع الأميركي الإيراني، قراءة لم تكتف بالتنديد أو الترقب، بل انطلقت نحو تحليل إستراتيجي معمق مدفوعة بإدراك متزايد لمراجعة قدراتها الهجومية والدفاعية، إذ رأت في الضربة الأميركية لإيران جرس إنذار يستدعي تعزيز موقعها العسكري، تحسبا لأي سيناريوهات مشابهة قد تطالها في المستقبل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
نتنياهو يعتزم لقاء ترامب في واشنطن الأسبوع المقبل
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الثلاثاء أنه سيتوجه إلى الولايات المتحدة الأسبوع المقبل للقاء مسؤولين كبار على رأسهم الرئيس دونالد ترامب. ولم يحدد نتنياهو موعد سفره، لكن هيئة البث الإسرائيلية قالت إنه سيغادر مساء السبت للقاء ترامب الاثنين المقبل في البيت الأبيض. وقال نتنياهو في مستهل جلسة للحكومة الإسرائيلية "سأغادر الأسبوع المقبل لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة، بما في ذلك لقاء الرئيس دونالد ترامب، و جيه دي فانس نائب الرئيس، ووزير الخارجية ماركو روبيو ، ووزير الدفاع بيت هيغسيث ، ومبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ، ووزير التجارة هوارد لوتنيك". وأشار نتنياهو في حديثه إلى أنه سيلتقي أيضا أعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين. وأضاف: "تأتي هذه الخطوة عقب النصر الكبير الذي حققناه في عملية الأسد الصامد (الحرب على إيران). إن استثمار النجاح لا يقل أهمية عن تحقيقه". ولم يصدر حتى الساعة إعلان رسمي من البيت الأبيض عن زيارة نتنياهو المزمعة، ويأتي الإعلان عنها في وقت يرجح فيه مسؤولون إيرانيون احتمال شن هجوم إسرائيلي جديد على بلادهم. وفي 13 يونيو/حزيران الماضي شنت إسرائيل بدعم أميركي حربا على إيران استمرت 12 يوما، شملت مواقع نووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، في حين ردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة. وفي 22 يونيو/حزيران، هاجمت الولايات المتحدة منشآت إيران وادعت أنها "أنهت" برنامجها النووي، فردت طهران بقصف قاعدة العديد الجوية في قطر، ثم أعلنت واشنطن في 24 من الشهر نفسه وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران.


الجزيرة
منذ 25 دقائق
- الجزيرة
فورين بوليسي: هل ترامب حقا قيصر أميركي يشبه أباطرة الرومان القدماء؟
نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا سعت فيه كاتبته إلى استجلاء أوجه الشبه والاختلاف في المقارنات التي تربط بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإمبراطور يوليوس قيصر مؤسس الإمبراطورية الرومانية القديمة، من حيث السمات المشتركة بينهما. وكتبت المقال الناشطة النسوية الأميركية دونا زوكربيرغ، مؤلفة كتاب "ليس كل الموتى رجالا بِيضا: الكلاسيكيات وكراهية النساء في العصر الرقمي". واستهلّت مقالها بعبارة موجزة نشرها زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر على منصة إكس -تويتر سابقا- قال فيها "نيرون يلهو. ترامب يلعب الغولف". وتستمد هذه العبارة أهميتها في سياق المقال من أنها جاءت في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي يترنح بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي في أبريل/نيسان الماضي. واستقرأ فيها شومر التاريخ ليقارن بين ترامب و نيرون آخر الأباطرة الرومان، الذي اشتهر بتصرفاته الجنونية وحرقه مدينة روما القديمة. وتقارن زوكربيرغ، في مقالها، ترامب بشخصيات من التاريخ الروماني القديم. فهو يشبه يوليوس قيصر في تركيزه سلطة الجمهورية في شخص واحد مستبد. أو أنه مثل الإمبراطور الروماني كاليغولا القاسي القلب والمتقلب، أو على غرار السياسي الشعبوي الروماني تيبيريوس غراكوس أو الجنرال والخطيب المفوه المهيِّج للدهماء بوبليوس كلوديوس بولتشر. لكن ترامب يُقارن في أغلب الأحيان بيوليوس قيصر الذي قاد جنوده في عام 49 قبل الميلاد عبر نهر الروبيكون، وهو النهر الذي كان يمثل الحدود بين مقاطعة سيسالبين غال في شمال إيطاليا، والمنطقة التي تسيطر عليها روما مباشرة. وما إن عبر بجيشه نهر روبيكون، منتهكا بذلك القوانين التي تحد من سلطاته، حتى قال يوليوس قيصر قولته المشهورة "الآن قُضي الأمر". إعلان وبعد 5 سنوات من الحرب الأهلية -وتحديدا في عام 44 ق.م- نُصِّب ديكتاتورا مدى الحياة، ثم اغتيل بعد ذلك بفترة وجيزة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عبارة اجتياز الروبيكون مصطلحا يشير إلى أن المرء يمر بنقطة اللاعودة. بيد أن زوكربيرغ تقر بأن الناس لا يعرفون على وجه الدقة التاريخ الذي عبر فيه قيصر نهر الروبيكون، ولا من أي مكان عبر. لكنها تستشهد بما قالته عالمة النفس والكاتبة ماري ل. ترامب، ابنة شقيق الرئيس، بأن الأنهار -أو بالأحرى نقاط اللاعودة- التي عبرها ترامب كثيرة. جوليان زيليزر: أحداث التاريخ غالبا ما تكون مبهمة بالنسبة لمن يحاولون إسقاطها على الواقع الراهن عبر أنهُرا وذكرت كاتبة المقال أنه بين الفينة والأخرى، يعلن أحد النقاد أن ترامب قد عبر نهرا أو غيره. وتتكرر هذه الإشارات لدرجة أنه بعد أيام فقط من منشور شومر الذي قارن فيه ترامب بنيرون، نشرت المؤرخة ميشيل رينيه سالزمان مقالا مؤثرا في صحيفة (زوكالو بابليك سكوير) تحت عنوان "كفوا عن مقارنة خرق ترامب للقانون بعبور يوليوس قيصر نهر الروبيكون". ووفقا لزوكربيرغ، فإن استخدام عبارة الروبيكون المجازية لا يقتصر على منتقدي ترامب. فقد حمل مثيرو الشغب من أنصار ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، لافتات تحمل الوسم (الهاشتاغ) الشهير: (#CrossTheRubicon)، ومعناه (#اعبر الروبيكون)، في إشارة إلى تفشي خطاب الروبيكون في كل منصات أقصى اليمين الإلكترونية. ومن وجهة نظر المؤرخة سالزمان أن يوليوس قيصر أراد أن يحافظ بشكل أساسي على النظام السياسي الروماني مع توليه المسؤولية، فعندما عبر نهر الروبيكون كان هدفه محددا ومحدودا، فهو لم تكن لديه رغبة في إعادة تشكيل الجمهورية أو القضاء على طريقة عمل السياسة الرومانية. كلاهما شعبوي بَيد أنه ليس من الصعب عقد مقارنة بين ترامب والقيصر، فكلاهما -في نظر زوكربيرغ- شعبوي، لكن ترامب رئيس لا يحظى بشعبية تاريخية، حيث كان معدل شعبيته في الـ100 يوم الأولى منذ توليه المنصب هو الأدنى لرئيس أميركي منذ 80 عاما. وعلى النقيض، كان لدى يوليوس قيصر قاعدة عريضة من الدعم باعتباره راعيا سخيا وجنرالا مشهورا. وكان كلاهما فاحش الثراء، إلا أن قيصر اشتُهر بأنه خبير إستراتيجي عسكري بارع ورجل علم، وكان يحظى باحترام حتى من قبل زملائه من العلماء مثل الفيلسوف والسياسي والخطيب الروماني الشهير شيشرون الذي كانت رسائله إلى قيصر مليئة باقتباسات تنم عن معرفة واسعة بالأدب اليوناني القديم. ولربما هذا هو الذي حدا بيوليوس قيصر إلى أن يقتبس -بعد عبوره نهر الروبيكون- من الكوميدي اليوناني ميناندر عبارته الشهيرة "لقد قُضي الأمر". ورغم كل ما ورد في المقال، فإن كاتبته ترى أن تصيّد أخطاء ترامب يبدو إلى حد ما خارج الموضوع الذي تتناوله. فالرئيس ترامب -برأيها- لا يشبه أبدا طاغية من نظام سياسي مختلف تماما كان سائدا قبل أكثر من ألفي عام. ووصفت محاولة التنبؤ بما سيأتي بعد ذلك من خلال استقراء التاريخ الروماني القديم بأنها لا تعدو أن تكون ممارسة مفهومة ولكنها غير مجدية. ومن ناحيته، فإن جوليان زيليزر كاتب العمود في مجلة فورين بوليسي وأستاذ التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون، يرى أن أحداث التاريخ غالبا ما تكون مبهمة بالنسبة لمن يحاولون إسقاطها على الواقع الراهن. وفي تقديره، فإن عبور قيصر لنهر الروبيكون ربما يكون بالنسبة للرومان في ذلك الزمان حدثا من سلسلة أحداث لم يتسن لهم تصور وقوعها على الإطلاق، إذ قضت على كل المعايير والقواعد المتعارف عليها آنذاك. ويؤكد زيليزر أن المقارنة بين ترامب والقيصر تنبئك في النهاية عن الشخص الذي يلجأ إلى ذلك أكثر مما تخبرك عن أي من الزعيمين المعنيين. وقد يكون الدرس المستفاد من استعارة مصطلح الروبيكون، أنها تشير عندما يستخدمها اليسار إلى الانزعاج من تصرفات ترامب. وتعني عندما يستخدمها اليمين، الاستعداد للقيام بعمل جماعي، حتى لو اقتضى الأمر إلى استعمال العنف.


الجزيرة
منذ 27 دقائق
- الجزيرة
مصير مجهول ينتظر 18 عائلة في أم طوبا بالقدس
سلّمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر هدم وإخلاء لـ18 منزلا في قرية أم طوبا، جنوبي القدس المحتلة، بُني معظمها بتراخيص رسمية على مدى 40 عاما. اقرأ المزيد