ابراهيم أمين السيد: الزمنُ زمننا والعصر عصرنا
أضاف: "بدلا عن البحث الفكري في هذه الليلة. في الساعة السادسة والنصف تقريبا من عصر يوم الجمعة، كان النبأ ولا حول ولا قوة إلا بالله من هذا النبأ، وصلت الأصوات وملأت السماء، كل من مكانه من السيد ومن معه، ومن الحبيب السيد هاشم ومن معه ومن كل الشهداء حيث سقطوا في كل منطقة وكل مكان، ملأوا وملأت أصواتهم السماء بنداء: "فزت ورب الكعبة". في الساعة السادسة والنصف، توقف الزمن جدارا أمام عيني، وحاولت أن أدفعه ليسير الزمن، ما تمكنت، استعنت بالذين يمرون، أيضا ما تمكنا، فأيقنت حينها أن الزمن إذا توقف لا يسيره أحد، وإذا سار لا يوقفه أحد.
سلام عليك يا أخي الحبيب، وعلى حبيبك، وحبيبي، وحبيبنا جميعا، السيد هاشم، وكل الشهداء، تحية إليك وإلى كل الشهداء، تحية إلى عوائل الشهداء، تحية إلى الجرحى وعوائل الجرحى.
السلام على عمتك، تاج الشهادة، العمة التي نسجت من الكساء، وضمت تحتها كل الشهداء، وكل الجرحى، وكل عوائلهم، وضمت تحتها المساكين والفقراء. سلام على عقلك الذي استنار بنور الأنبياء والأولياء، فكان عقلا بحجم أمة، وكان بحجم أمة من العقول، وبحجم أمة من الشعوب، فكان عقلا يسع الجميع، ويضم الجميع، ويضم إيمانا وأخلاقا وكرامة وعزا ونصرا، أخذت الأمة إلى حيث يجب أن تكون، إلى المراتب العليا: ﴿وأنتم الأعلون﴾، وأخذتهم إلى أفضل الكلمات: ﴿وكلمة الله هي العليا﴾.
ما أجمل الحب الذي فيك، ما أجمل الحب الذي هو أنت، ما أجمل قلبك الذي امتلأ حبا وحنانا، فكنت للناس كأم، الجميع كان ينتظر الطلة، وينتظر البسمة. السلام على قلبك، ومعك مفاتيح أسرار القلوب، استراح فيه الشهداء مطمئنين، وبلسما لجروح عوائل الشهداء، وعزما لكل المجاهدين، الجميع كان ينتظر بل كل الناس كانت تنتظر، كما انتظرتك في النصر الماضي أن تقف على المنبر وتقول: "يا أشرف الناس"، حينما يستمعون إليك وأنت تخاطبهم: "يا أشرف الناس"، تتحول الأحزان إلى سعادة، إلى عرس سعادة، يا أشرف الناس، ينتهي كل شيء، كنا ننتظرها في هذا العام، لكن هذا هو قضاء الله، وهذه هي سنة الله، وهذا هو حكم الله".
وتابع: "أذكر بعد حرب تموز، تشرفنا بلقاء سماحة القائد في إيران، حينما كان الشهيد يعرض الأوضاع التي حصلت في لبنان في حرب تموز، حينما جاء إلى الناس، ماذا فعل الناس؟ ما هو موقفهم؟ حينما تحدث عن الناس، بكى، بكى تعظيما واحتراما وإجلالا لهؤلاء الناس الطيبين، الصابرين، العظماء.
البكاء في الحزن طويل، وأما بكاء الحب، جميل وجميل، أنا أتكلم من خلال العمر الطويل الذي قضيته مع سماحة السيد، يشتهي المرء أن يزعجك، لا أريد أن أقول يسيء إليك، لأن هناك أشخاص يسيئون، يشتهي المرء أن يسيء إليك، ليرى عظمة أخلاقك، ويرى عظمة قيمك، ويرى قلبك الكبير الذي يسع المسيئين قبل المحسنين، ويشتهي المرء أن يطلب منك حاجة فتلبيها بسرور، لكن أيها الإخوة والأخوات، يشتهي البعض أن يطلب منك حاجة فتلبي حاجته بسرور، ولكن حفظك لكرامات الناس أكبر عندك من قضاء حوائج الناس.
في مرة، وقت كانوا يوزعون مساعدات، الفريق من الإخوة يأخذ كراتين تموين، يذهبون إلى البيوت يسلمونهم هذه المساعدات، فكنت أنا جالسا بجانبه، فاتصل بهم وقال: ممنوع على أحد التصوير أنتم وتسلمون المواد الغذائية، ممنوع التصوير، لماذا ممنوع التصوير؟ ما المشكلة؟ لأن عنده كرامة الناس أكبر بكثير من أن تلبى حاجة الناس. شيء آخر، ما كان يسعى لأن يحبه الناس، هو كان يحب الناس، والذي يسعى لمحبة الناس لا يصل، أما الذي يحب الناس يحبوه، والذي يحترمهم يحترمونه، والذي يكون صادقا معهم يكونون أكثر صدقا معه.
لكن هناك شيء من العلامات، من الإشارات والمؤشرات، أنا أعلم أن مثلا المقاومة، الشهداء، عوائل الشهداء، جيل المجاهدين، كانوا يحبون السيد، وهذا مفهوم لأنه هو رمز للعزة، للكرامة، للإيمان، للتقوى، هو رمز الأخلاق، واحد من هذا النوع يحب، لكن ما كنت لا أفهمه بنفس السياق، أن الأطفال يحبونه كما الكبار يحبونه، هذا مؤشر، وإشارة، وعلامة من علامات الخير أنه على خير، وأنه على رضا من الله سبحانه وتعالى، بل أقول بكل اطمئنان: لا يحصل ذلك إلا لولي من أولياء الله سبحانه وتعالى".
وقال :"عودتنا الأيام أن السلاطين يسجلون تاريخهم بأسمائهم، يقولون: فلان وهذا أنجزه فلان، قد يكون الذي أنجز أناس آخرون، أناس فقراء ومعوزون، هم من قاموا بالإنجاز وهو يسجله باسمه. إذا هناك مفكرون، هناك صناعيون، هناك مبدعون، ينجزون أمرا، يخترعون شيئا، يأتي هو ويضع اسمه جنبها، كأنه هو الذي أنجزها وليس الأشخاص. عودتنا الأيام أن السلاطين تكتب تاريخها باسمها، لكنك سلطان القلوب، فعودتنا أن تكتب في تاريخك أسماءنا كلها، كتبت في هذا التاريخ، كل أسمائنا، ووضعت على عمتك ألف ألف نجمة من شهيد، فكان الذي يراك يرانا فيك، كنت أنت كلنا، وبعد الغياب كلنا أنت".
واستطرد السيد: "عندي بعد نقطتين: النقطة الأولى تتعلق بالانتقال من الحزن إلى المسؤولية، أيها الإخوة والأخوات، لقد مر في تاريخنا أحداث عظيمة، ومؤامرات عظيمة، ومصائب عظيمة: من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلى استشهاد أمير المؤمنين، إلى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وما جرى في كربلاء، إلى كل هذا التاريخ، في التاريخ المعاصر، الأحداث الكبرى التي مرت: هو الاستعمار الدولي لمنطقتنا، والحدث الأعظم هو احتلال فلسطين.
هذه أحداث كبرى، تداعياتها السلبية من جهة الآلام، والأحزان، والتضحيات، والخسائر كبيرة جدا، ولا تزال هذه التداعيات إلى هذه اللحظة، وستبقى هذه التداعيات إلى يوم القيامة، لكن إلى جانب ذلك هناك آثار ونتائج إيجابية لهذه الأحداث وهذه المصائب، وقد أحسنت الأجيال التي مضت في التعاطي مع الآثار الإيجابية، وإكمال الطريق، والنهوض بالمسؤولية، أجيال وراء أجيال وراء أجيال، حتى الزمن الذي نحن فيه.
إشارة صغيرة: ماذا تعني الآثار الإيجابية؟ أن تتصوروا ما جرى في كربلاء من مصائب وتداعيات، ماذا تريدون؟ أن أمير المؤمنين رجل موكل إليه أمر إنقاذ الإنسانية من الظلم، هذه مسؤوليته بعد الرسول إنقاذ البشرية من الظلم والقهر والاضطهاد فيذهبون ويقتلوه، في كربلاء سيد شباب أهل الجنة، ريحانة رسول الله، الرحمة للعالمين، في النهاية، يقتلونه! ما هذه المنطقة؟ ما هذه الشعوب؟ معروفون في منطقتنا أنه بالتاريخ، وهذا كله موجود في القرآن الكريم، التاريخ كله، ميزتهم أنهم يقتلون عظماءهم، هذه ميزتهم!
مع كل هذه المصائب، حينما سأل عبيد الله بن زياد زينب عليها السلام: "كيف رأيت ما فعل الله بأخيك؟" "كيف رأيت صنع الله بأخيك؟" قالت: "ما رأيته إلا جميلا." هناك أناس مثل زينب ينظرون إلى هذه الأحداث والمصائب بروح المسؤولية، فيرونها جميلة، لأن هذه تضحيات، هي شهادة، والشهادة هي أعظم عبادة، وهي أعظم كرامة، فتكون جميلة، حتما تكون جميلة. لكن القتل الذي حصل في كل هذه الأحداث الموجودة، إلى هذه اللحظة، لها هدف، أيضا ذكرته زينب في كربلاء: "فوالله لا تمحو ذكرنا"، ذكرنا يعني القرآن، يعني الإسلام، يعني الدين، يعني مشروع النبوة، يعني مشروع الرسالة، أنت مشروعك القضاء على هذا المشروع. حصلت تضحيات في كربلاء من أجل إفشال مشروع يزيد بن معاوية، وبالتالي التي قالت: "فوالله لا تمحو ذكرنا"، هي التي نهضت بالمسؤولية وأفشلت مشروع يزيد في قتل الحسين"..
وأردف: "إذا كنت تعتبر أن مشروعك سينجح إذا قتل الحسين، فإن زينب جعلت من قتل الحسين سببا لفشل مشروع يزيد، هذه هي المسؤولية، نحن لا نعتبر أن شيئا لم يحصل، فباستشهاد الإمام الحسين لا نزال نبكي له حتى الآن، لكنهم قاموا بإفشال مشروعهم، ونحن لا نزال نبكي عليه حتى الآن. مع السيد أبو هادي، بكينا، وسنظل نبكي، هذا أمر طبيعي جدا، لكن الذي يحبه، يجب أن ينهض بمشروعه، وبإفشال مشروع الأعداء في قتله، لأن لديهم مشروعا في قتله، مشروع النبوة، مشروع القرآن الكريم، مشروع الإسلام، مشروع مواجهة الظلم، مشروع العدالة الإنسانية، هذا المشروع، يفتكرون أنه إذا قتلوا السيد حسن، سينتهي هذا المشروع في دائرة هذه المنطقة.
هذا من المفترض أن يشكل دافعا لكل الإخوة، ولكل الأخوات، وللكبار، وللصغار، بأن نتماسك، ونتضامن، ونتكاتف، ونكمل، ونحمل راية هذا المشروع عقائديا، وإيمانيا، وجهاديا، وثقافيا، وأخلاقيا، أن نحمل هذا المشروع من جديد، مستفيدين من بركات دماء الشهداء فهذه مسؤوليتنا.
نحتاج فقط أن ننتبه إلى أننا نحن هذا الجيل، جيل 2025، هناك أجيال سبقتنا، ونحن أيضا، الأجيال التي سبقتنا نهضت بمسؤوليتها، لم تمر فترة كان فيها الظلم والكفر مسيطرين مئة بالمئة على الأمة وعلى الكرة الأرضية، لا، كان هناك أجيال تقف وتنهض وتواجه وتقاوم.
لكن الآن، هناك شيء خاص، هذا الشيء الخاص هو "الوضوح"، الآن هناك وضوح في الكفر والظلم والاستكبار، أصبح واضحا جدا وهذا الوضوح يلزم الناس بأن يتحملوا مسؤوليتهم بشكل أفضل، وبشكل أكبر، ولأنه هناك وضوح، أنا أقول لكل هؤلاء المستكبرين والطواغيت: "انتظروا، انتظروا قدوم الجيل القادم، والغاضب، والمنتقم. انتظروا، هذا الجيل قادم، وسيتوقف الزمن؟ لا، لن يتوقف الزمن، هذا الجيل خادم، المهم أن نسلمه الراية مرفوعة، ونسلمه ورأسنا مرفوع".
أضاف السيد: "النقطة الثانية فيما يخص الجمهورية الإسلامية، والحرب التي حصلت مؤخرا، شاهدوا، أيها الإخوة، في سنة تسعة وسبعين، انتصرت الثورة الإسلامية، أولا، لأنها ثورة مستقلة، تتذكرون شعار: "لا شرقية ولا غربية"، ثورة مستقلة. لكن هناك عاملان لهما علاقة مباشرة بانتصار هذه الثورة، لماذا أقول "ثورة مستقلة"؟ لأنه قليل في العالم أن تحصل ثورات وتبقى مستمرة، السبب في أنها غير مستقلة، أو أنها ثورات سرعان ما يتم احتواؤها من قبل هؤلاء الطواغيت من هنا أو هناك.
سأعطي مثالا: الربيع العربي أين أصبح؟ هل سمع أحد عنه شيئا؟ هل رآه أحد؟ أين هو؟ كان حركة مباركة لأنه حركة شعبية، لكن سرعان ما تم احتواؤه. أين صار الآن؟ الله يعلم في أي دائرة من دوائر السياسة الدولية، لا نعرف أين انتهى.
هناك عاملان لهما التأثير المباشر على انتصار هذه الثورة هو وجود القائد والإمام، الإمام الخميني رضوان الله عليه، والعامل الثاني: الشعب، ما كان هناك في إيران؟ كان هناك الإمام والشعب، وانتصرت الثورة، على من؟ على الشاه؟ من الشاه؟ كان واجهة الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يعني أن الانتصار كان على أميركا، أكثر مما هو انتصار على شاه إيران.
في الحرب التي حصلت أخيرا، والانتصار الذي حصل في إيران، هناك – بحسب ما أذكر – أربعة عوامل أو خمسة، الآن سأرى... هذه العوامل لها علاقة مباشرة وتأثير مباشر على الانتصار في إيران:
العامل الأول: القائد والإمام.
العامل الثاني: الشعب، أظهر هذا الشعب عزمه، عظيم في إيمانه، عظيم في وطنيته، عظيم في التفافه حول الإمام القائد، عظيم في الصبر والعزم والتحدي والمواجهة، عظيم.
العامل الثالث: القوات المسلحة التي أرغمت الكيان الصهيوني، من خلال الشجاعة وما تملك من قوة تدميرية تمثلت بالصواريخ والطائرات المسيرة.
العامل الرابع: الدولة، في عام تسعة وسبعين لم تكن هناك دولة، لكن في عام ألفين وخمسة وعشرين، هناك دولة.
ورأى السيد ان "هذه العوامل الأربعة هي التي أدت إلى ما أدت إليه، وسيكون لها تداعيات إيجابية كبرى على المنطقة بشكل كامل، وعلى العالم أيضا. لماذا؟ حتى نعرف أنفسنا ماذا فعلنا؟ لماذا حوربت إيران؟ لنعرف لماذا حوربت إيران منذ سنة تسعة وسبعين إلى هذه اللحظة، على قاعدة ارتباطها ودعمها ووقوفها إلى جانب فلسطين والشعب الفلسطيني، ونصرة المظلومين في العالم، ونصرة المستضعفين في العالم".
وسأل: "أي دولة في هذا العالم وقفت كما وقفت الجمهورية الإسلامية؟ أي دولة في هذا العالم تجرأت أن تقف مع فلسطين والمقاومة الفلسطينية كما وقفت هذه الثورة وهذه الدولة؟ صحيح، هناك دول اسمها كبير، لها مكان كبير داخل منظومة الطواغيت، لكن بدون منظومة الطواغيت لا قيمة لها ولا وجود، فإن أهمية الجمهورية الإسلامية أن وجودها القوي مبني على استقلالها عن هذه الدول الاستكبارية والطاغوتية، هذا هو السبب الأول، أما السبب الثاني أنها دولة غير خاضعة، ليست فقط مستقلة، بل هي دولة غير خاضعة، لا للإملاءات الأميركية الدولية ولا الأوروبية، ولا لأوامرهم، ولا لتمنياتهم".
وقال: "إذا أردتم أن تقيموا الدول، فقيموها هكذا: هل هي خاضعة أم غير خاضعة؟ أذكر في هذه الحرب، عندما بدأ نتنياهو بقصف إيران، كتب ترامب: "المطلوب هو الاستسلام المطلق للجمهورية الإسلامية". الاستسلام المطلق! من الذي يريد أن يستسلم؟ هو غير معتاد أن يرى دولا لا تستسلم، هو غير معتاد أن يرى دولا تقف، تواجه، تصبر، تصمد. أيها الإخوة والأخوات، نحن في زمن – انتبهوا جيدا – نحن في زمن انتصار الدول غير الخاضعة، ونحن في زمن انتصار الشعوب غير الخاضعة، والمقاومات غير الخاضعة، والمنظمات غير الخاضعة، والأحزاب غير الخاضعة".
وختم: "الزمن زمننا، والعصر عصرنا، لأن المتخاذلين والخاضعين ليس لهم زمن، لا زمن لهم، الذي له زمن وعصر ووقت يقولون فلانا أتى بهذا الوقت هم غير الخاضعين، وكل هذا الجمع، كل هذه المقاومة في لبنان، وفلسطين، واليمن، والعراق، كله يمثل "عصر غير الخاضعين"، "عصر المستقلين الشرفاء الأحرار"، "عصر أهل الكرامة"، "أهل الشجاعة"، و"أهل البطولة" وعلى رأسهم شهيدنا الأسمى السيد حسن نصر الله".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 15 دقائق
- الديار
الورقة اللبنانية بين التكهنات وما هو ثابت وأكيد!
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أشارت مصادر عليمة بأجواء الاتصالات الداخلية التي تواكبها أيضًا اتصالات خارجية مع وصول الموفد الأميركي براك إلى باريس واجتماعه بوزير الخارجية الفرنسي جان لوي بوردو قبل انتقاله إلى بيروت الاثنين، إلى إن كل التحليلات بشأن الورقة اللبنانية تبقى في إطار التكهنات والأسئلة نتيجة السرية المطلقة التي تحيط بالاتصالات، لكن الثابت والأكيد أن الورقة اللبنانية موحدة، حتى الملاحظات التي صاغتها ممثلة رئيس الحكومة فرح الخطيب كانت مطابقة جدًا لملاحظات العميد أندريه رحال ممثل رئيس الجمهورية وعلي حمدان ممثل رئيس المجلس. وتضيف المصادر العليمة أن لبنان لا يستطيع أن يقول «لا» للورقة الأميركية أو يرفضها، لكنه يطرح جملة من الأسئلة، وأساسها: من هو الضامن لتنفيذ الاتفاق؟ هل لجنة وقف إطلاق النار؟ هل اللجنة الخماسية؟ هل سيتم تشكيل لجنة جديدة تضم دولًا إضافية؟ هل من حق الدولة اللبنانية إضافة أسماء جديدة إلى اللجنة؟ هل من حق حزب الله اقتراح ضم دول تشكل له الطمأنينة في المفاوضات؟ لقراءة المقال كاملاً إضغط على الرابط الآتي:

القناة الثالثة والعشرون
منذ 21 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
"سنموت جميعنا قبل أن تندلع الحرب التي تخيفكم وتشلّ قراركم"
يصرّ لبنان الرسمي، في كلِّ إطلالةٍ إعلاميّة، على أنه ماضٍ في "بَسط سلطة الدولة ونزع سلاح كل المجموعات المسلّحة غير الشرعية"، لكنّ الميدان يفضح ازدواجيّة الخطاب، والأمثلة كثيرة، منها اثنان: من جهة مع بيان هيئة الرئاسة في "حركة أمل" خلال يوم الشهيد، وعبره تمرير عبارة الالتزام بالقرار 1701 "في منطقة جنوب الليطاني"، ومن جهة أخرى مع أسطوانة رنّمها نائب "حزب الله" علي فيّاض اعتبر فيها أنّ المقصود بعبارة "بدءًا من منطقة جنوب الليطاني" هو من جنوبه حتى الحدود مع إسرائيل. أمام هذا العناد، ثمّة من يعتبر أنّ كلّ ذلك مسرحيّة دعائيّة لتطمين جمهور "الحزب"، بينما "حزب الله" وافق على تسليم سلاحه الكامل في كل لبنان لأنّ ليس لديه أي خيار آخر، وثمّة من يخشى أن يكون "الثنائي" لم يتعلّم أي عبرة بعد، ويحاول أن يراوغ ويفاوض بأسلوبه القديم المعتاد والذي لم يجلب للبنان سوى الخراب. في الحالتين، اللبنانيون بحاجة إلى توضيح من الدّولة، السّلطة عليها مصارحة الشعب الذي اختارها. هذا الملفّ المصيري لا يمكن أن يعالج بسريّة ومن دون علم اللبنانيين، وفي حال كان "الحزب" يراوغ فعلًا، حتّى متى ستبقى الدّولة تخشى المواجهة؟ واقع الأمر أنّ اللبنانيّين دفعوا ويدفعون ثمن هذا السلاح غير الشرعي منذ أكثر من عشرين سنة. خرجت سوريا الأسد من لبنان وبقي وكلاؤها فيه، وعند كل مطالبة بمواجهتهم، جوقة تحذّر من شبح الحرب الأهليّة. عملياً، عاش لبنان منذ ذاك الحين وحتى اليوم، اغتيالاتٍ بالجملة، "حرب تمّوز" ، "7 أيّار"، "القمصان السود"، انتخابات تحت وهج السلاح، حوادث خلدة، قمع تحقيق المرفأ، حوادث الطيّونة، حادثة جويّا وحادثة الكحّالة، حرب "الإسناد" الأخيرة… وصولاً إلى استباحة الأجواء اللبنانية والأراضي من قبل إسرائيل، وكلّ ذلك بسبب ذاك السلاح. ماذا نسمّي ما عشناه فعلاً إن لم يكن حرباً مفتوحة على جرعات؟ مات عشرات آلاف اللبنانيين وسنموت جميعنا بعد قليل فعليًا أم مجازيًا قبل أن تندلع تلك "الحرب الأهليّة" التي تخيفكم وتشلّ قراركم. على مردّد هذه العبارة أن يعالج نفسه من هذه الـ "TRAUMA"، الحرب الأهليّة أكيد تسبّبت بعقدة نفسيّة جماعيّة، لكن ما عشناه ونعيشه بسبب فقدان القرار السياسي زاد من عقدنا وآلامنا ولم نُشفَ بعد. الشفاء لا يتمّ عبر استراتيجيّة تواصل ذكيّة وجميلة، لا يتمّ عبر تكريم الفنانين، واللعب مع الأطفال ودعم المراهقين... كلُّ ذلك جميل، لا بل جميل جدًّا ويفتقده لبنان، ولكن كلّ ذلك يمكن أن تمحوه أوّل نسمة بارود إن لم تسترجع الدّولة سيادتها. لا يتوقّف التراخي عند سلاح "حزب الله". ففي ملفّ المخيّمات الفلسطينيّة، يوم حـلَّ موعد بدء نزع سلاح المخيّمات، خرج َمن يُبلّغنا أنّ الدولة "لم تُحدّد أصلًا تاريخًا"، وتردّدت في ما بعد معلومات عن أنّ السلطة طلبت من المجموعات المسلّحة أن تجمع هي السلاح وتسلّمه للدّولة وعندما رفضوا، أُرجئ كلّ شيء. حججُ التردّد باتت واهية. أكثريّة اللبنانيين يخشون اليوم أن "يُستوطى حيطنا" أكثر فأكثر كدولة لبنانية، إسرائيل تضرب متى شاءت، والاستثمارات تتدفّق إلى الشرق الأوسط فيما لبنان "صفرٌ على الشمال". بالأمس كنّا منصّة ازدهار، واليوم بتنا هامشًا مُهملًا لأنّ "الشيخ نعيم" يعدُ جماهيره بنصرٍ ملائكيّ على إسرائيل لا يجرؤ حتى على إعلانه بوجهٍ مكشوف وبكلمة تبثّ مباشرةً. حان الوقت لئلّا تبقى الدولة اللبنانية خجولة وخائفة. المطلوب سلطةٌ حاكمةٌ بأمرها، لا "صلة وصل" بين "الحزب" والمجتمع الدّولي. الدستور، "اتفاق الطائف"، وكلّ القرارات الدوليّة تعطي الحكومة الحقّ، بل تُلزِمها، بنزع السلاح غير الشرعي. أرادت أن تفتح حوارًا، لكن طُولبت بأن تعلن جدولًا زمنيًا لتسليم السلاح، لم تفعل! إذا كان الحوار لم يفلح بعد 5 أشهر، فهل سينجح بعد 10؟ ولماذا تُصرّ هذه الدولة على جعلنا جميعاً ندفع ثمن مرور الوقت وخسارة الفرص، فقط لأنّ هناك فريقاً "مجروحاً" يجب أن نراعيه؟ ومَن يراعي حقوقنا نحن؟ أهي سلطةٌ في خدمتهم وحدهم؟ أهناك شعبٌ "بسمنة" وآخر "بزيت"؟ إن استمرّ التمييع، سيخسر لبنان الفرصة الأخيرة للعودة إلى الخريطة الاقتصاديّة والسياسيّة للمنطقة. إسرائيل ستقرع الأبواب ثانيةً، ودول العالم ستنظر الينا كبلدٍ عاجزٍ. فمتى نتوقّف عن الخوف، ونعلن، مرّةً واحدةً، أنّ سيادة لبنان ليست بندًا تفاوضيًّا بل هي قرار لا رجعة عنه وفعل سيطبّق بحزم؟ عندها فقط يُمكن لكل استثمارٍ، ولكلِّ فن، ولكل طفلٍ، أن يجد مكانه الآمن تحت شمس هذا الوطن. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


MTV
منذ 36 دقائق
- MTV
مطالب واشنطن بشأن سلاح "الحزب": هل من تسوية ممكنة؟
يعيش لبنان الرسمي، ومعه حزب الله، على وقع ما بات يُعرف بـ«الورقة الأميركية» التي حملها المبعوث الأميركي توماس براك خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت في 19 حزيران، والتي تضمّنت مطالب وُصفت بـ«المتشددة»، تتمحور حول ضرورة نقل ملف سلاح حزب الله إلى مجلس الوزراء، ليكون صاحب القرار التنفيذي في نزع هذا السلاح، ضمن آلية «الخطوة مقابل خطوة». تقضي هذه الآلية بأن تقابل كل خطوة يتخذها الحزب في اتجاه تسليم السلاح، بخطوة إسرائيلية مقابلة، كإخلاء نقاط الاحتلال الخمس في الجنوب اللبناني. أمام هذه المطالب، تتكثف المشاورات بين أركان الحكم اللبناني ورئيس مجلس النواب، في محاولة لصياغة موقف موحّد، يأخذ بعين الاعتبار الطروحات المتداولة ويوازن بين الضغوط الخارجية والمخاوف من استغلال إسرائيل للوضع كذريعة لاستئناف العمليات العسكرية. وتشير المعلومات إلى أن التوجه الرسمي يسير نحو تعديل بعض البنود، مع التأكيد في الرد المرتقب على مبدأ «حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية» وأجهزتها الشرعية، مرفقاً بخطوات تنفيذية ومطالب تتعلق بالسيادة، وفي مقدمتها الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. يجد المسؤولون اللبنانيون أنفسهم أمام معادلة دقيقة: تلبية مطالب المجتمع الدولي المتعلقة بحصرية السلاح، وضرورة تنفيذ الإصلاحات الإدارية، مقابل مطالب شريحة من الداخل بضرورة توفير ضمانات أمنية، لم تتحقق حتى في اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع مع إسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024. الاهتمام الدولي المتجدد بالملف اللبناني، في ظل أزمة سياسية واقتصادية خانقة، يُعيد إلى الواجهة الشروط الأميركية بشأن سلاح حزب الله، والتي تشكّل، وإن لم تكن مجمعة في وثيقة رسمية واحدة، موقفاً موحّداً يتم التعبير عنه في اللقاءات الدبلوماسية والبيانات المتكررة. ترى واشنطن أن أي سلاحا خارج سيطرة الدولة يُعدّ تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي والدولي. وهي، استناداً إلى القرارات الدولية لا سيما 1559 و1701، تشدّد على مبدأ «حصرية السلاح بيد الشرعية»، وتعتبره حجر الأساس في أي تسوية سياسية أو دعم دولي للبنان. تعتمد الإدارة الأميركية لتحقيق أهدافها على مروحة من أدوات الضغط، منها: - الضغط السياسي والدبلوماسي لمنع أي شرعنة رسمية لسلاح حزب الله. - العقوبات المالية التي تستهدف الحزب ومموّليه وشبكاته. - ربط المساعدات الدولية بشروط إصلاحية واضحة تتضمن مسألة ضبط السلاح. - دعم الجيش اللبناني باعتباره القوة الشرعية الوحيدة المكلفة بحفظ الأمن. وفي هذا السياق، يكرر الموفدون الأميركيون مطالبهم الأساسية: - التزام لبناني صريح بحصرية السلاح بيد الدولة. - وضع خطة وجدول زمني لنزع السلاح غير الشرعي. - مشاركة الجيش اللبناني في عملية استلام السلاح أو ضبطه. - التطبيق الكامل للقرار 1701، بما يشمل نزع السلاح جنوب الليطاني، وتوسيع صلاحيات اليونيفيل. - تقديم ضمانات أمنية واضحة لإسرائيل! - ربط أي دعم اقتصادي بتنفيذ هذه الشروط. وبرغم كل هذه الضغوط تبقي واشنطن سقفها عالياً، رافضةً أي تسوية تشرعن سلاح الحزب أو تترك الملف مفتوحاً من دون حل زمني محدد. في المحصّلة، لا تبدو «الورقة الأميركية» خطة عمل تفصيلية بقدر ما هي سقف تفاوضي صارم: لا مساعدات دولية مستدامة، ولا استقرار طويل الأمد، دون معالجة جذرية لمسألة السلاح خارج الشرعية. لكن هذه الرؤية، على أهميتها من منظور المجتمع الدولي، تصطدم بواقع داخلي وإقليمي معقّد، يجعل أي تسوية شاملة مؤجّلة، في انتظار تفاهمات أوسع قد لا تكون لبنانية خالصة، بل جزءاً من تسويات إقليمية ودولية أكبر لم تتبلور بعد.