logo
لأنك عراقي .. انتخب

لأنك عراقي .. انتخب

رياض سعد
من المعروف تاريخيًا أن العراقيين يمتازون بتقلّب المزاج بشكلٍ لافت، فقد يضحك معك صباحًا ثم ينظر إليك شزرًا مساءً، من غير سببٍ واضح أو منطقي... ؛ وقد عبّر الخليفة عمر بن الخطاب عن حيرته في التعامل معهم بقوله: "إن بعثتُ إليهم والياً عادلاً استضعفوه، وإن بعثتُ إليهم والياً ظالماً شكوه"... ؛ هذا التوصيف يوضح صعوبة إدارة الحكم في العراق منذ العصور الأولى، وهو ما دفع الحاكم الأموي معاوية بن أبي سفيان إلى نصح ابنه يزيد قائلاً: "لو طلب منك العراقيون أن تغيّر واليًا كل يوم فافعل، فإن ذلك خيرٌ لك من أن يرفعوا عليك مئة ألف سيف".
من هذا المنطلق، أقولها بصراحة و بثقة لا تحتمل الشك : إن العراقيين هم أبعد الشعوب عن القبول بالحكم الملكي المطلق أو التماهي مع الدكتاتورية او الرضوخ للزعيم الاوحد ... ؛ إنهم لا يصلح لهم سوى النظام الجمهوري، ولكن بشرط أن يكون ديمقراطيًا، وطنيًا، وعادلًا، لا طائفيًا، ولا عنصريًا، ولا تابعًا لأجندات خارجية... ؛ نظام يمنح الحكومة أربع سنوات فقط، لا أكثر، ليُحاسَب بعدها المسؤولون في صناديق الاقتراع.
لقد سئم العراقي الاصيل والمواطن المسكين من قسوة الزمان وتوالي المصائب، ومن كثرة الاحتجاجات والثورات والانتفاضات والانقلابات العسكرية وبيانات رقم (1) واحتلال الإذاعات... ؛ وقد سئم أيضًا من نتائج هذه الفوضى: من انتشار الأمراض والمظاهر الشاذة والانفلات الاجتماعي، ومن تداعيات الحروب والفساد والتدخلات الأجنبية والازمات والانتكاسات , والانهيار الاقتصادي، وتدهور المنظومة القيمية، وانتشار الفساد والمحسوبية.
لكن، وبعد مخاض عسير وصبر طويل، وتضحيات جسام قدمها الشهداء والأحرار والمجاهدون والفقراء والمظلومون ... ؛ استجاب القدر وجاء التغيير , وسقط النظام الدكتاتوري الطائفي الاجرامي الهجين ... ؛ عندها وُلدت تجربة ديمقراطية فتية أساسها التداول السلمي للسلطة وفروعها الحياة المدنية والحريات ... ؛ نعم، إنها لم تكتمل بعد، ومليئة بالشوائب، لكنها تمثل التحوّل الأهم في تاريخ العراق الحديث، حيث بات التداول السلمي للسلطة عرفًا سياسيًا راسخًا، ولو في الحد الأدنى.
الديمقراطية والدكتاتورية: حين تتحول البنادق إلى بطاقات انتخاب
لم يُخطئ العراقي حين اختار طريق الديمقراطية والحياة المدنية... ؛ فالنظام الديمقراطي الحقيقي لا يتطلب من المواطن أن يحمل السلاح لتغيير الحاكم، بل يكفي أن يحمل صوته الواعي و يجهر بمشاركته السياسية ... ؛ فبدلاً من ركوب الدبابات، صار المواطنون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع... ؛ و المعارضون اليوم لا يُنفَون ولا يُغتالون ولا يعتقلون ، بل ينتقدون علنًا عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد يستجيب النظام، ولو نسبيًا، لضغط الرأي العام.
اذ صار بإمكان المواطن العراقي أن يراقب أداء السلطات، ويحاسب السياسيين والمسؤولين ، وينتقد من يشاء في العلن، في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وأحيانًا تستجيب الحكومة لصوته، أو تتراجع تحت ضغط الرأي العام... ؛ نعم، التجربة مليئة بالشوائب، والفساد، والطائفية، والفساد الانتخابي، ولكن الأمل قائم.
إن الديمقراطية، بعمقها الفكري، ليست قالبًا سياسيًا جامدًا , بل ثورة دائمة متجددة – ثقافية , اجتماعية , اقتصادية , سياسية - تصحح نفسها بنفسها، وتجفف منابع الاستبداد والعنف من الداخل , وتكافح الاستبداد والفساد بوسائل سلمية ومؤسسية , من دون الحاجة إلى العنف أو الدماء أو الانقلابات أو المؤامرات خارجية ... ؛ أما الدكتاتورية والعنف والطائفية ، فحتى إن أسقطتها ثورة، تعود بثوب جديد إذا لم تُجتَث جذورها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية .
وعليه، أمام العراقي خياران لا ثالث لهما:
الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية والمساهمة في صناعة المستقبل من خلال أدوات مدنية وسلمية... ؛ والدفاع عن النظام الديمقراطي رغم علّاته، والعمل على إصلاحه وتطويره ... ؛ أو العودة إلى المربع الأول: إلى الدكتاتورية والقمع والحكم العسكري والحزب الواحد والزعيم الأوحد ... ؛ والانسحاب والمقاطعة، ما يعني ترك الساحة للفاسدين، أو الأسوأ من ذلك ؛ الانزلاق نحو الحكم الشمولي والعنف والفوضى والدمار والخراب .
إن من يختار المقاطعة أو تعطيل الدولة أو اللجوء إلى الفوضى والعصيان المدني ، إنما يدفع البلاد إلى المجهول... ؛ فنحن بحاجة إلى "ثورات" لكن من نوع جديد: ثورات على مستوى الفكر، والقانون , والثقافة , والاعلام ، والوعي الشعبي والنخبوي المبني على معطيات الواقع والتحديات الداخلية , والمدرك للظروف الإقليمية والضغوط الدولية ... ؛ تحدث كل أربع سنوات في موسم الانتخابات، لا في الشوارع عبر الفوضى والسلاح.
الانتخابات: مسؤولية وطنية وشرط للإصلاح ... ؛ فهي مسؤولية النخب والشعب معًا
الانتخابات ليست شكلاً فارغًا، بل وسيلة مشروعة لتغيير الواقع... ؛ فهي لحظة محورية يُحاسب فيها الشعب الحكومة، ويُسقِط الفاسدين والفاشلين بطريقة سلمية وشرعية... ؛ إنها "انقلاب دستوري" ناعم، حين يُرفض الفاشلون في صناديق الاقتراع، ويُنتخب الأصلح ؛ لذا يجب على النخب الوطنية والجماهير الواعية أن تضمن نزاهتها، وتمنع تزويرها، وتدعم الأصلح لا الأشهر أو الأقرب طائفيًا أو مناطقيًا... ؛ وهكذا يصبح "الانقلاب" على الفاسدين أو الفاشلين انقلابًا ناعمًا، سلميًا، دستوريًا، وطنيًا، لا يُراق فيه دم، ولا يُهدد فيه أمن الدولة... ؛ ولكي تنجح الديمقراطية، لا بد من ترسيخ ثقافة انتخابية ناضجة... ؛ فوظيفة النخب ومنظمات المجتمع المدني , الشروع بحملات وعي حقيقية، بعيدًا عن الخطابات الشعبوية... ؛ وعلى الجماهير أن تدرك أن صوتها هو السلاح الأنجع في معركة الإصلاح.
أما البدائل الأخرى والحلول غير الديمقراطية ... ؛ من انقلابات عسكرية وعمليات ارهابية , وعصيان مدني وتعطيل للحياة , وفوضى ... ؛ او الدعوة للحكم الدكتاتوري والشمولي والعسكري او التمجيد بمجرمي الامس القريب او الاشادة بحكم العسكر ... الخ ؛ فهي وصفات مجرّبة للفشل والدمار والخراب والبؤس ... ؛ و لا تنتج سوى استبداد جديد ولا تلد الا عناصر اجرامية او فاسدة او فاشلة ... , ولا تقتلع جذور العفن والعنف ، بل تستبدل طاغية وفاسد بآخر، وتعيد إنتاج الطائفية والعنف والدكتاتورية والفساد في دورات لا تنتهي ... ؛ لأنها تركز على إسقاط "الرأس" وتغيير الشكل الخارجي فحسب ، وتُهمل الجذور التي أنبتت الفساد والاسس التي قام الاستبداد والعنف عليها : من ثقافات وعادات وتقاليد اجتماعية , و تحالفات المال والسياسة، إلى الانقسامات الطائفية والعشائرية، إلى الإعلام المُؤدلج والثقافة السطحية... الخ .
الديمقراطية: ثورة دائمة لا تنام
على النقيض من الثورات المسلحة الدموية وعلى عكس الانقلابات العسكرية، فإن الديمقراطية تراجع الجذور قبل الفروع، وتخضع كل شيء للنقاش: القوانين، المؤسسات، القيم، الأعراف، وحتى ما يُسمّى بالمسلمات... , ؛ فهي لا تهدف إلى إسقاط فرد، بل إلى بناء مجتمع أفضل، ونظام مستدام، واقتصاد سليم، وثقافة تسامح وتعدد ؛ إنها لا تهتم فقط بالماضي، بل تسأل: ما الذي نحتاجه كي نكون أفضل في الغد؟
الفرق بين الديمقراطية والثورة المسلحة، كالفرق بين المواطن والمقاتل: فالأولى تصنع الحياة والحرية باسم التغيير، والثانية تصنع الموت والدمار باسم التحرير... ؛ ولهذا السبب، نجحت أوروبا في تحويل الديمقراطية إلى ثورة مستمرة، بينما فشلنا نحن في تحويل الثورة إلى ديمقراطية.
المشاركة ليست تأييدًا للفشل والفساد ... بل إيمان بالإصلاح والنهج الديمقراطي
من يذهب إلى الانتخابات لا يعني بالضرورة أنه يؤيد الفاسدين أو يبرّر فشل الحكومات والمسؤولين ؛ بل هو يؤمن بالعملية الديمقراطية كخيار استراتيجي لا بديل عنه و كوسيلة راقية للتغيير ... ؛ تمامًا كما نُقدّر الإسلام، رغم جرائم بعض من يدّعون تمثيله، فإننا نؤمن بالديمقراطية، رغم فساد بعض من يدّعون قيادتها.
في النهاية، لا خلاص للعراق من واقعه المتأزم إلا بالديمقراطية ... ؛ و ليس أمامنا من طريق سوى الإصلاح الديمقراطي، والوعي الشعبي، والعمل المؤسسي، بعيدًا عن العنف والتخوين والفوضى ... ؛ لأن العراق لا يُبنى إلا بأيدي أبنائه، ولا يُحكم إلا بإرادة شعبه... ؛ لا بالعودة إلى دكتاتورية الفرد، ولا بالمقاطعة، ولا بالعنف، بل بالوعي، والتنظيم، والعمل، والصوت الذي يُدلي به العراقي في صندوق الاقتراع، دفاعًا عن وطنه وأطفاله ومستقبل أجياله.
ختامًا: لأنك عراقي، انتخب

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بين الأضحَيين.. حين تُنتهك حرمة العيد في العراق
بين الأضحَيين.. حين تُنتهك حرمة العيد في العراق

شفق نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • شفق نيوز

بين الأضحَيين.. حين تُنتهك حرمة العيد في العراق

العيد هو مناسبة للفرح والتسامح، لكنه في العراق كان شاهدًا على حادثتين كبيرتين هزّتا وجدان الشعب، حيث لم يُؤخذ أي اعتبار لحرمة عيد الأضحى، بل تحوّل إلى يوم للانتقام السياسي والاقتصادي الأولى كانت إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين فجر عيد الأضحى عام 2006، في مشهد أثار جدلًا واسعًا حول توقيت التنفيذ، بغض النظر عن كونه يستحق الإعدام من عدمه حيث رأى كثيرون أن اختيار هذا اليوم لم يكن مجرد تطبيق للعدالة، بل رسالة سياسية قاسية تجاه أنصاره، دون مراعاة قدسية العيد أما الثانية، فجاءت في عيد الأضحى عام 2025 ، حين قررت الحكومة الاتحادية قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان، مما أدى إلى حرمان آلاف العائلات من فرحة العيد ، في خطوة اعتبرها الكثيرون عقابًا سياسيًا أكثر من كونها إجراءً ماليًا، حيث تجاهلت بغداد الحقوق الدستورية للموظفين، وأدخلت الإقليم في أزمة اقتصادية خانقة. فـ في 30 من كانون الأول عام 2006 ، استيقظ العراقيون على خبر إعدام صدام حسين ، الذي نُفذ فجر عيد الأضحى، وسط تكبيرات العيد التي كانت تتردد من المآذن. ورغم أن صدام كان مسؤولًا عن سنوات من القمع والدماء ، إلا أن توقيت الإعدام أثار انتقادات واسعة، حيث رأى البعض أن تنفيذ الحكم في يوم العيد كان رسالة سياسية أكثر من كونه تطبيقًا للعدالة. المشهد كان استثنائيًا ، حيث ظهر صدام هادئًا ومتماسكًا، بينما كان بعض الحاضرين يهتفون بشعارات سياسية، مما جعل اللحظة أقرب إلى تصفية حسابات من كونها إجراءً قضائيًا محايدًا. بعد مرور سنوات على تلك الحادثة، يشهد العراق انتهاكًا آخر لحرمة العيد ، لكن هذه المرة كان الضحية موظفو إقليم كوردستان، الذين وجدوا أنفسهم دون رواتب قبيل عيد الأضحى عام 2025، بسبب قرار الحكومة الاتحادية بوقف صرف المستحقات المالية. هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إداري، بل كان عقوبة سياسية ضد شعب الإقليم، حيث رفضت بغداد إرسال الرواتب بحجة عدم تسديد حكومة إقليم كوردستان ما بذمتها من موارد نفطية وجمركية، رغم أن الدستور العراقي يضمن حقوق الموظفين في جميع المحافظات. النتيجة كانت مأساوية، حيث اضطر آلاف الموظفين إلى إلغاء احتفالات العيد، ووجد الأطفال أنفسهم دون ملابس جديدة أو هدايا ، وسط امتعاض الشارع الكوردستاني وتهديدات بتدويل القضية. في كلا الحادثتين، كان هناك طرف واحد يمسك بزمام الأمور، ويتخذ قرارات دون أي اعتبار لحرمة العيد. ففي الأولى، كان الإعدام رسالة سياسية ، وفي الثانية، كان قطع الرواتب عقوبة جماعية، وكلاهما حدثا في يوم يفترض أن يكون يومًا للسلام والتسامح.

حرب حسن نصر الله الأخيرة – (1) – استراتيجية «النصف حرب»
حرب حسن نصر الله الأخيرة – (1) – استراتيجية «النصف حرب»

موقع كتابات

timeمنذ 2 ساعات

  • موقع كتابات

حرب حسن نصر الله الأخيرة – (1) – استراتيجية «النصف حرب»

عند السادسة والنصف من صباح السابع من تشرين الأول 2023، شنّ الجناح العسكري لحركة حماس هجوما مفاجئاً على إسرائيل أسفرَ عن مقتل حوالي ألف ومئتيْ شخص وأسر أكثر من مئتين وخمسين شخصاً اقتيدوا لداخل قطاع غزة لغرض تبديلهم لاحقاً بأسرى فلسطينيين ولتقييد رد الفعل الإسرائيلي الساحق الذي أتى بعد بضع ساعات من عملية «طوفان الأقصى». حركة حماس أحد أطراف «جبهة المقاومة» التي تضم إيران، حزب الله اللبناني، أنصار الله اليمنيين، بضعة فصائل مسلحة عراقية وسوريا (لغاية الثامن من كانون الأول 2024؛ يوم سقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا). ولا يخفى العامل المذهبي المشترك الذي يشمل كافة أطراف المحور ما عدا «حماس». إن الذي خطط وأدار هجوم «7 أكتوبر» هما القائدان يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة (حينها) [1]، ومحمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام [2]. أطلق على العملية اسم «طوفان الأقصى». أما الاسم الدارج في الإعلام فهو «7 أكتوبر». حفاظا على سرية الهجوم، شنّ السنوار والضيف هجومهما بسِريّةٍ تامة، فلم يخبرا الحلفاء في «جبهة المقاومة»، ولم يخبرا حتى الجناح السياسي لحركة حماس. يقول الصحفي اللبناني علي هاشم في مقال له بعنوان (إيران والردع المضطرب: المساحة الرمادية تضيق) إن «الطوفان كان مفاجئاً لإسرائيل وإيران وحزب الله وقطر وتركيا وأميركا والعالم بأسره على حد سواء» [3]. هذه الحقيقة أكدها السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في حديث له في الثالث من تشرين الثاني 2023، حيث أكد أن عملية «طوفان الأقصى» «كان قرارها فلسطينياً مئة بالمئةوكان ‏تنفيذها ‏فلسطينياً مئة بالمئة قد أخفاها أصحابها عنالجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، ‏فضلاً عن بقية‏دول وحركات محور المقاومة، وهذا ضمن سريتها المطلقة،وهذه السرية المطلقة ‏هي التي ضمنت نجاح ‏العملية الباهرمن خلال عامل المفاجئة المذهلة» [4]. حركة حماس أكدت ذلك أيضاً على لسان أسامة حمدان، أحد أبرز قادتها، الذي أوضح أنّ الحركة لم تنسِّق «مع حزب الله قبل معركة طوفان الأقصى ولم نطلب منه شيئاً» [5]. عدم التنسيق هذا أربك إيران وحزب الله، فلا أحد منهما كان جاهزاً لخوض الحرب، وأية حرب، حرب طرفها الآخر الولايات المتحدة والمعسكر الغربي وإسرائيل المكلومة المستباحة المجروحة في كبريائها وغرورها. بيّنَ الصحفي الفلسطيني عبد القادر فايز، مدير شبكة قناة الجزيرة في إيران، وهنا انقل كلامه مع بعض التصرف، أن الساحة الإيرانية كانت مرتبكة في التعامل مع «7 أكتوبر»، فهناك من خرج وبدأ ينادي، وبعضهم سياسيون ومسؤولون، بأن ما حصل في «7 أكتوبر» كان خطأ إستراتيجيا وفي توقيت خطأ وهذا ليس فعل مقاومة، وإننا لسنا معنيين بالدفاع عن الاخرين إذا كان الاخرون يتخذون قراراً منفرداً. أفكار من هذا القبيل بدأت تنتشر في إيران [6]. ولضبط الساحة الإيرانية، اضطر «قائد الجمهورية» علي خامنئي للتحدث بعد يومين فقط من حدوث «7 أكتوبر» وبارك العملية. وهذا أمر لم يعتد عليه، فقد دأب على ألا يعلّق على الاحداث الإقليمية إلا بعد مرور أسبوع أو أكثر على حدوثها، لكن اضطراب الساحة الإيرانية دفعه لفعل ذلك [6]. إن خامنئي مع أي عمل ضد إسرائيل في كل مكان وزمان، إلا أن ذلك لا يعني أن إيران يمكن ان تحارب حسب توقيتات «حماس». اما بالنسبة لحزب الله، فإضافة لعدم الجاهزية وانعدام التنسيق، فإنّ لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، والبلد كان بلا رئيس ويدار بحكومة تصريف اعمال. ولا أحد في لبنان يريد خوض حرب مع إسرائيل يعرف الجميع نتائجها. وبدلا من أن يفعل حسن نصر الله كما فعل «قائد الجمهورية»، فإنه خلال ساعات وبدون دراسة [7]، قرر الدخول في معركة محدودة محصورة بالأراضي اللبنانية المحتلة، مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، عبر مشاغلة القطعات العسكرية الإسرائيلية الموجودة المنطقة المذكورة، دون أي استهداف للأراضي الإسرائيلية. إنها بحق حرب «حرب حسن نصر الله». سقطت حدود أرض المعركة التي حددها «حزب الله» في اليوم التالي، حيث قصف مقاتلو منظمة الجهاد الإسلامي أرضاً إسرائيلية وقتلت ضابطاً اسرائيلياً. بعد هذه العملية باشر الجيش الإسرائيلي ضرب مواقع الحزب خارج الخط الأزرق. وكان الجيش الإسرائيلي قاسيا في ردوده. لقد سقط الردع الذي عوّل عليه نصر الله. رغم ذلك واصل «حزب الله» ضبط ردوده حرصاً على إبقاء سقف المعركة منخفضاً لأن السيد حسن لم يرد تكرار الخراب والتهجير اللذين خلفتهما حرب «تموز 2006» [7]. يقول الصحفي علي هاشم إن إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان والمعاون الجهادي لنصر الله، كان ضد «نصف الحرب» التي أراد حسن نصر الله خوضها، «أما حرب أو لا شيء، لأنهم (الإسرائيليين) سيتصيدوننا» [7]. وهذا ما حصل، وكان هو إبراهيم عقيل أحد الذين اصطيدوا، فقد اغتيل بغارة جوية في الضاحية الجنوبية في العشرين من أيلول 2024. وفي لقاء تلفزيوني قال السيد نواف الموسوي، مسؤول ملف الموارد والحدود في حزب الله، إن «الأميركيين كانوا مشاركين بالكامل على مستوى القرار السياسي او على مستوى الأداء الميداني مع صاحب القرار الإسرائيلي في هذه الحرب، بل هم كانوا أصحاب القرار». وأضاف «لقد وضعتُ على طاولة السيد (حسن) في أوائل شباط 2024 (ورقة مكتوبة) قلت فيها: سيدنا، ما نحن نتعرض له الان هو أن الأميركيين اخذوا قراراً ببسط سيطرتهم المطلقة على منطقتنا». وبالتالي فإن: «الهدف الأول: شطب المقاومة في لبنان» «الهدف الثاني: اسقاط النظام في سوريا» «الهدف الثالث: احتواء إيران، إما عن طريق المفاوضات التي تؤدي الى إعادة إيران الى كنف السيطرة الأميركية او توجيه ضربة ساحقة لإيران» [8]. وحين سألَتْه مقدمة البرنامج فيما إذا بدّل هذا المعطى في ستراتيجية السيد حسن، أجاب الموسوي «إن سماحة السيد كان ملتزما أخلاقيا بالوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني. السيد كان يعرف أننا حالما نفتح الجبهة، فإنّ العدو سيقتحم كل تحصيننا الناشئ عن قوة الردع وسيضرب كل مكان يقدر على ضربه» [8]. بيّن حسن نصر الله أن «الجبهة اللبنانية ‏خفّفت جزءًا ‏كبيرًامن القوات التي كانت ستُسخَّر للهجوم على غزة وجذبتها‏باتجاهنا» [4]. لكننا لم نشهد أي أثر لذلك على ارض الواقع، فآلات الإفناء الإسرائيلية ظلت تعمل على أكمل وجه موقعة الدمار والموت في غزة وأهلها. حيث قتل الجيش الإسرائيلي ثمانية آلاف فلسطينيا في تشرين الأول، وسبعة الاف في تشرين الثاني، وسبعة آلاف في كانون الأول 2023. اما على الصعيد اللبناني، فقد استجلبت «حرب حسن نصر الله» الخراب والتهجير للبنان وأهله، في تكرار مملٍ لحرب «تموز 2006». يفتخر حسن نصر الله بنزوح المستوطنين الإسرائيليين من بيوتهم في شمال إسرائيل ويعده منجزاً من منجزات «معركة الإسناد». في المقابل، تسبب الرد الإسرائيلي في نزوح أهالي جنوب لبنان من بيوتهم. المقال القادم سيتناول المتشابه والمختلف بين حرب «تموز/يوليو 2006» وحرب «8/10/2023 – 27/11/2024» الهوامش: [1] يحيى السنوار: قائد حركة حماس في قطاع غزة حينذاك، ثم الزعيم السياسي للحركة بعد اغتيال إسماعيل هنية. قتل السنوار في اشتباك مع قوات عسكرية إسرائيلية في غزة في 16-10-2024. [2] محمد الضيف: قائد كتائب عز الدين القسام. قتل بغارة جوية في غزة في 13-07-2014. [3] علي هاشم، إيران والردع المضطرب: المساحة الرمادية تضيق، موقع الجادّة. في 30 كانون الأول 2023. [4] كلمة السيد حسن نصر الله – تأبين الشهداء على طريق القدس. موقع قناة المنار اللبنانية. في 03 تشرين الثاني 2023 [5] يوتيوب. جسر بودكاست – منصة سما القدس. لقاء معأسامة حمدان. الطوفان في عام: المكاسب والتحديات ومستقبل المعركة. المحاوِر: خير الدين الجابري. في 11 تشرين الأول 2024. [6] يوتيوب. بودكاست الشرق. لقاء مع عبد القادر فايز. قصة محور المقاومة من الثورة الإيرانية حتى سقوط الأسد. المحاور: عبد الرحمن الناصر. في 10 كانون الثاني 2025. [8] يوتيوب. قناة الميادين – برنامج نقاش. لقاء مع نواف الموسوي. المحاوِرة: مايا رزق. في 3 آذار 2025.

رحلة النخبة العراقية المصيرية لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات للتسوّق والتبضّع على حساب الشعب الجائع؟
رحلة النخبة العراقية المصيرية لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات للتسوّق والتبضّع على حساب الشعب الجائع؟

موقع كتابات

timeمنذ 2 ساعات

  • موقع كتابات

رحلة النخبة العراقية المصيرية لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات للتسوّق والتبضّع على حساب الشعب الجائع؟

في بلدٍ يعاني ويتخبط مواطنوه بظلام انقطاع الكهرباء، وتردّي الخدمات الصحية، وانهيار البنية التحتية، يبدو أن قادة العراق ((الديمقراطي)) الجديد قد وجدوا لأنفسهم ملاذًا أكثر إشراقًا بعيدًا عن معاناة شعبهم. يوم الأحد 8 حزيران 2025 فها هو رئيس الجمهورية، السيد عبد اللطيف جمال رشيد، يقود وفدًا 'جيشًا جرارًا' من المسؤولين والمستشارين والوزراء، برفقة السيدة الأولى، شاناز إبراهيم أحمد، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، في رحلةٍ فاخرة إلى مدينة 'نيس' الفرنسية للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات. نعم، للمحيطات! صدق أو لا تصدق؟ وكأن العراق، ذلك البلد الذي يكاد يخسر شريطه الساحلي الضئيل على الخليج لصالح جارته الكويت، قد أصبح فجأة دولةً بحرية تملك محيطاتٍ شاسعة تؤهلها لمثل هذه المؤتمرات! المؤتمر الذي تشارك في استضافته حكومتا فرنسا وكوستاريكا، في المدّة من 9 إلى 13 حزيران 2025. و يا للمفارقة المرّة! وبينما يغرق العراقيون في الديون، ويتصارعون مع الحرّ الجهنمي دون كهرباء، ويواجهون نظامًا صحيًا منهارًا يفتقر إلى أبسط مقومات العلاج وشح الدواء وبالأخص أدوية الأمراض المزمنة، يجد قادتنا الوقت والمال – خمسون مليون دولار، حسب التسريبات – للتنزّه على سواحل نيس الخلابة والتسوّق في متاجرها الفاخرة. وكأن هذا الوفد الضخم، الذي يضم حاشية السيدة الأولى التي لم تجد في المؤتمر سوى فرصة للتبضّع، قد أُرسل لتمثيل العراق في معرضٍ للرفاهية بدلاً من مؤتمرٍ دولي. أما الاستقبال في مدينة نيس الساحلية؟ فقد كان مخيب الآمال بكل المقاييس: لا سجادة حمراء، ولا مسؤولين فرنسيين بارزين، بل مجرد موظفين عاديين من وزارة الخارجية الفرنسية. يبدو أن السجادة الحمراء، كما يُشاع بسخرية، 'محجوزة للدول التي تملك محيطات فعلاً ! '. ما الذي يبرر هذه الرحلة الباذخة؟ وما الذي يُؤمّل منها سوى صورة جديدة تضاف إلى ألبوم الزيارات العقيمة لرئيس الجمهورية؟ هل كان حضور العراق في هذا المؤتمر ضروريًا لدرجة استنزاف خزينة الدولة، بينما يعاني المواطن من الجوع والفقر والإهمال؟ إنها فضيحة بكل معنى الكلمة، وصفعة على وجه كل عراقي ينتظر كهرباءً مستقرة أو مستشفى يقدم العلاج بدلاً من الإهمال. هذا هو العراق 'الديمقراطي' الذي يُحكم بمنطق الامتيازات والنثريات والرفاهية على حساب شعبٍ محروم من أبسط حقوقه. والمفارقة العجيبة المذهلة؟ الولايات المتحدة الأمريكية، التي تملك سواحل شاسعة مطلة على المحيط الأطلسي شرقًا والهادئ غربًا، قررت مقاطعة هذا المؤتمر تمامًا، كما فعلت في مفاوضات مناخية سابقة. ويبدو أن الأمريكيين، على عكس قادتنا الأشاوس ، يعرفون أن هذه المؤتمرات ليست سوى مسرحيات باهظة الكلفة بلا نتائج ملموسة. لكن العراق؟ لا، لا , لا ! يجب أن نكون في صدارة المشهد، نلوّح بأموال الشعب المنهوبة لننال شرف التصفيق في قصر الإليزيه، حيث يسعى الرئيس 'ماكرون'، لجمع مبلغ 100 مليار دولار من الدول المشاركة بالمؤتمر . ومن الأفضل والاجدى لتلبية هذا النداء العاجل من العراق، الذي يبدو أن قادته يعتقدون أن خزينة الدولة خزانة شخصية لتأمين مكانة السيدة الأولى بين المجتمع المخملي الفرنسي كـ'صاحبة التبرع الأعلى'؟ وفي الوقت ذاته، يقضي الوفد أيام المؤتمر في التسوق الفاخر على شواطئ نيس، بينما حاشية السيدة الأولى تتجول في متاجر الرفاهية، ممولة بنفس الأموال التي كان يمكن أن توفر كهرباءً مستقرة أو مستشفيات لائقة للعراقيين. هل هذه هي القيادة التي يستحقها العراق؟ حكامٌ يرمون بمليارات الدولارات في مؤتمرات لا تعنينا، بينما يتركون شعبهم يغرق في الديون وانعدام الخدمات؟ إنها ليست مجرد فضيحة، بل خيانة موصوفة بحق شعبٍ يعاني من الإهمال والجوع والفقر والمرض . هؤلاء الذين يتباهون تسوقهم وتبرعاتهم الباذخة على حساب الفقراء، يظنون أن الشعب سيظل صامتًا إلى الأبد. لكن، أيها السادة، احذروا! غضب العراقيين قادم، وعندما يثور الشعب، لن تنفعكم لا صور نيس ولا تصفيق الإليزيه. أما دعوتكم لإعادة انتخابكم، فهي سخرية مريرة تذكّرنا بأنكم لن تتوقفوا عن إفقارنا إلا إذا أوقفناكم. وبما أننا نغرق الآن في خضم موسم انتخابي محموم، حيث تتصارع أحزاب السلطة الحاكمة في معركة ضارية لنهب ما تبقى من كرامة الشعب، ومع الحرب العبثية بين بغداد وأربيل حول رواتب الموظفين ومخصصاتهم المسروقة، تلوح في الأفق بوادر استجواب برلماني عاجل يفضح هذه المسرحية المسماة 'مؤتمر المحيطات' نعم، العراق، ذلك البلد الذي بالكاد يملك شريطًا ساحليًا تطمع به الجارة الكويت، يجد نفسه ممثلاً بوفدٍ باذخ يقوده فخامة الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، متأبطًا جيشًا من المستشارين والحاشية، ليبدد خمسين مليون دولار من أموال الشعب في نيس، حيث لا محيطات ولا فائدة تُرتجى سوى صور تذكارية وجولات تسوق فاخرة. هذه المسائلة البرلمانية، التي ستُستغل بشراسة من خصوم السلطة، لن تكون مجرد محاسبة، بل سلاحًا لتسوية الحسابات السياسية، حيث سيُسحق من تبقى من هؤلاء القادة المتباهين بالرفاهية على حساب شعبٍ يتضور جوعًا. فهل كانوا يظنون أن هذا العبث سيمر دون أن يوقظ غضب الشعب وفضيحة الخصوم؟. إلى متى ستستمر هذه المهزلة؟ إلى متى سيظل المسؤولون ينهبون خيرات البلاد لتمويل ونزواتهم وسفراتهم ، بينما يُترك الشعب ليواجه مصيره المظلم؟ إن كان هؤلاء ((القادة)) يظنون أن بإمكانهم الاستمرار في هذا النهج دون محاسبة، فقد نسوا أن الشعب العراقي، رغم صبره الطويل، لن يظل صامتًا إلى الأبد. لكن، كما يبدو، فإن دعوة السخرية لانتخابهم مرة أخرى ليست سوى مرآة تعكس واقعًا أليمًا: فهؤلاء الذين يتسوّقون على حساب الجائعين هم من يقررون مصير العراق اليوم. فهل سنظل نصفق لهم، أم أن الوقت قد حان لمحاسبتهم على هذا العبث الذي ما يزال مستمر ؟. غدًا، سينتفض الشعب العراقي بعنفوانٍ لا يلين، وسيستيقظ من سباتٍ طال أمده ليُلقي بقادة أحزاب السلطة، هؤلاء المتأنقين، خلف قضبان العدالة التي طال انتظارها. لن يظل الشعب رهينةً لنخبةٍ تتاجر بدمائه وتتباهى بثرواته المنهوبة في جولات تسوقٍ باذخة، بينما يغرق هو في ظلام انقطاع الكهرباء وذلّ الفقر والحرمان . حان الوقت ليقول الشعب كلمته الفصل ، لا بالهتافات فحسب، بل بمحاسبةٍ صلبة ترمي بهؤلاء المترفين، الذين يتبرعون بمليارات الشعب لمحيطاتٍ وهمية، إلى حيث يستحقون: زنازين العدالة التي تنتظرهم لتذكّرهم بأن العراق ليس ملكيةً خاصة او مزرعة ، بل وطنٌ لشعبٍ لن يصمت بعد اليوم!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store