
البابا فرنسيس... النجم السينمائي غير المتوقع
نيويورك: أليسا ويلكنسون*
عند مشاهدتي فيلم «كونكليف» أو «المَجْمَع» المثير للجدل، والذي أخرجه إدوارد بيرغر عن الفاتيكان، العام الماضي، وجدت صعوبة في عدم التفكير في البابا فرنسيس. الفيلم قصة خيالية تستند إلى رواية روبرت هاريس الصادرة عام 2016، والتي نشرت بعد ثلاث سنوات من تولي البابا فرنسيس البابوية. لكن إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم هي شخصية رئيس أساقفة مكسيكي يعمل في كابُل، عاصمة أفغانستان، وهو مُصلح يدعو الكنيسة إلى التركيز على المهمشين والمستبعدين تاريخياً من قبل المؤسسة. ميّز الكثير من التفاصيل بين شخصية فيلم «كونكليف» والبابا الجالس الذي وافته المنية، الاثنين، في اليوم التالي لعيد الفصح. لكن مثل هذا الناشط البسيط والبليغ على الشاشة لا يمكن أن يذكّرنا إلا بالبابا فرنسيس، أول رجل دين من أميركا اللاتينية يتولى البابوية. لقد أثار الإعجاب والجدل على حد سواء، استناداً - إلى حد كبير – إلى اهتمامه بالفقراء والمهاجرين واللاجئين، ودعواته إلى رعاية البيئة.
وقد أثار هذا العمل الأجنحة الأكثر تحفظاً في الكنيسة، بينما كان محبوباً لدى الكثيرين، سواء كانوا كاثوليكيين من عدمه، الذين رأوا في حياته وتعاليمه طريقاً جديداً للمضي قدماً. وهذا أيضاً جعل البابا نجماً سينمائياً غير متوقع. ربما كان البابا فرنسيس أكثر الباباوات من حيث التصوير السينمائي، حيث انتشرت الأفلام الخيالية والوثائقية التي تمثله خلال فترة بابويته التي استمرت 12 عاماً. تم إنتاج بعض هذه الأفلام من قبل الكاثوليك ومن أجلهم، بما في ذلك الفيلم الوثائقي «فرنسيس: البابا من العالم الجديد» إنتاج عام 2013، الذي أنتجه كولومبوس نايتس، وفيلم «فرنسيس: صلِّ من أجلي» للمخرج «بيدا دوكامبو فيخو»، إنتاج عام 2015: «وهو فيلم درامي عن سيرته الذاتية حول أيامه قبل توليه منصب البابوية»؛ وفيلم «شياماتيمي فرانشيسكو» أو «نادني فرنسيس» للمخرج دانييل لوشيتي إنتاج عام 2015، والذي ركز على عمله بوصفه «بابا الشعب».
لكن العديد من هذه الأفلام لم تكن موجهة حقاً إلى جمهور المتدينين. بدلاً من ذلك، فإنها تظهر مصدر جاذبية فرنسيس الأوسع نطاقاً. لقد أتاح اهتمامه بالقضايا الاجتماعية والثقافية المهمة لصانعي الأفلام فرصة لتناوله كشخصية سينمائية على الشاشة، وليس فقط زعيماً دينياً. فيما يلي ستة أفلام من هذا القبيل، والتي تساعد في تأطير إرث فرنسيس وتلقي الضوء على سبب جاذبيته.
ملصق فيلم «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته»
الفيلم الوثائقي «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته»، الذي عُرض لأول مرة في مهرجان «كان» السينمائي في عام 2018، هو لمحة حميمة وملهمة بشكل ملحوظ عن تفكير البابا، مباشرة من شفتيه. لا يقضي المخرج فيم فيندرز وقتاً طويلاً في سرد تفاصيل السيرة الذاتية. بدلاً من ذلك، يتحدث البابا فرنسيس بإسهاب - بشكل مباشر ورائع على حد سواء - عن الأمور التي تشغله ولماذا. ويتحدث عن أسفاره، وطريقة تعامله مع قادة العالم، والأسس الفلسفية واللاهوتية لعمله. أصبح من المبتذل القول بأن الفيلم الوثائقي هو «بورتريه» لموضوعه، لكن فيلم فيندرز هو كذلك بالفعل: غالباً ما يظهر فرنسيس في لقطة متوسطة، وحيداً في الكادر، يتحدث بصراحة إلى الجمهور. من الواضح أن الهدف من ذلك هو منح الإحساس بأن البابا يتمتع بالنزاهة واللمسة الإنسانية الرقيقة.
«البابوان» فيلم «نتفليكس» الذي تناول مقابلة خيالية بين البابا فرنسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر
تلقى فيلم «الباباوان»، الذي أخرجه فرناندو ميريليس، ترشيحات لجوائز الأوسكار عن سيناريو أنتوني ماكارتن (المستمد من مسرحيته الخاصة)؛ والممثل المساعد أنتوني هوبكنز، الذي يجسد دور البابا بنديكتوس السادس عشر، وجوناثان برايس، الذي يجسد دور البابا فرنسيس. الفيلم هو لقاء متخيل بين بينديكت، الذي يفكر في التنحي عن البابوية، وفرنسيس، الذي كان وقتئذ لا يزال يُدعى باسمه «خورخي ماريو بيرغوليو»، والذي يقضي يوماً في الحديث مع بينديكت حول مسائل الإيمان والعقيدة والتاريخ. غالباً ما يكون الفيلم مبهجاً وإنسانياً بشكل رائع، مع مقطع يستكشف مخاوف «بيرغوليو» الخاصة حول أمر من ماضيه. ولكن القوة التي يتمتع بها فيلم «الباباوان» تكمن في الكيفية التي يسلط بها الضوء، من خلال التصور، على الانقسامات في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بين جناح تقليدي وجناح أكثر تقدمية. فالأمر يشبه مشاهدة حقبتين تتصادمين، ثم يصليان من أجل بعضهما البعض. (ثم يشاهدان مباراة كرة القدم).
أنتوني هوبكنز وجوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي)
«فرانشيسكو» كان من إخراج المخرج الوثائقي يفغيني أفينيفسكي، الذي غالباً ما يستكشف بأعماله آثار الصراعات على الناس في بلدان مثل سوريا وأوكرانيا. بالنسبة إلى «فرانشيسكو»، نظر أفينيفسكي إلى ردود فعل البابا فرنسيس لقاء القضايا الاجتماعية المعاصرة، وخاصة اهتمامه وزياراته للنازحين والمضطهدين.
في الفيلم، يلتقي البابا فرنسيس مع مسلمي الروهينغا النازحين من ميانمار. ويزور مخيماً للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، وينقل لاجئين مسلمين رفقته إلى إيطاليا. في عام 2018، أثار البابا فرنسيس غضب ضحايا اعتداءات رجال الدين من خلال التقليل من شأن مخاوفهم، أما في الفيلم فإنه يلتقي مع عدد قليل من الناجين ويطلب منهم الصفح. ويشير الفيلم إلى أن انخراط البابا الظاهر مع المظالم العالمية يستفز الكنيسة الأوسع نطاقاً؛ كي تمعن النظر في دورها في العالم أيضاً.
تشير أغلب الأفلام التي تتناول موضوعات عن البابا فرنسيس إلى اهتمامه بالقضايا البيئية، ولكن فيلم «الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» يركز عليها بصورة مباشرة.
وفي الرسالة البابوية التي صدرت في عام 2015 تحت عنوان «الحمد لك»، دعا البابا العالم إلى التحرك، وانتقد أولئك الذين يفضلون الأرباح فوق الناس، وأشار إلى أن تغير المناخ ينطوي على نطاق واسع من «الآثار الخطيرة: البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن تأثيره على توزيع السلع».
وفي فيلم «الرسالة» عمل المخرج نيكولاس براون مع نشطاء من مناطق لا تشملها غالباً المحادثات البيئية - مثل الأمازون والهند والسنغال وهاواي – في أثناء استعدادهم للقاء البابا. إنها نظرة أخرى إلى زعيم ديني رأى أن عقيدته وإيمانه يمتدان إلى ما هو أبعد من حدود التقاليد، واستنهض الآخرين أن يفعلوا ذلك أيضاً.
لقطة من فيلم «الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» تناول اهتمام البابا فرنسيس بالقضايا البيئية (آي إم دي بي)
كثيراً ما سافر البابا فرنسيس خلال فترة توليه البابوية، وغالباً ما كان يستخدم وسائل نقل بسيطة عمداً حتى يكون أقرب إلى الناس. يتابع فيلم «في فياجيو: رحلات البابا فرنسيس» رحلاته المكثفة خلال السنوات التسع الأولى من فترة ولايته البابوية - 37 زيارة إلى 53 بلداً. تم إدراج بعض لقطات الأفلام الوثائقية للمخرج جيانفرانكو الروسي حول النازحين في الفيلم، جنباً إلى جنب مع خطابات البابا فرنسيس، والتي غالباً ما تتضمن نصائح لرعاية المهاجرين، وكذلك الفقراء والمحرومون من الحقوق.
من فيلم «كونكليف» (المجمع) (آي إم دي بي)
كان فيلم «كونكليف»، الذي يتساوى في مزيجه بين الإثارة والتأمل، مفضلاً لدى الجمهور والمصوتين الذين يمنحون الجوائز. وبما أن خليفة البابا فرنسيس سوف يجري اختياره خلال الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن يحظى الفيلم بشعبية كبيرة مرة أخرى؛ فهو عبارة عن دراما تشويقية من بطولة ريف فاينز في دور كاردينال يحاول القيام بما هو صحيح في خضم صراع على السلطة من أجل البابوية. وفي نهاية المطاف، أصبح أحد الكاردينالات، وهو بنيتيز (كارلوس دييز) - الذي اتخذ جزئياً على الأقل صورة البابا فرنسيس - لاعباً رئيسياً.
وعلى الرغم من أن هذا الفيلم، مثل فيلم «الباباوان»، يشير إلى انقسامات في قيادة الكنيسة، وديناميكيات السلطة، وفحوى الإيمان، فإنه أيضاً مجرد فيلم إثارة مباشرة مع خاتمة مذهلة. إنه فيلم مؤثر وتذكير بما هو على المحك بالنسبة للكنيسة في المستقبل.
* خدمة «نيويورك تايمز»
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- الناس نيوز
كرة القدم 'أجمل رياضة في العالم' بالنسبة للبابا الرحل فرنسيس
الفاتيكان وكالات – الناس نيوز :: 'أجمل رياضة في العالم': خلال 12 عاما من فترة حبريته، لم يخف البابا فرنسيس شغفه بكرة القدم التي اعتبرها وسيلة للسلام والتعليم. من مواطنَيه ليونيل ميسي ودييغو مارادونا مرورا بالسويدي زلاتان إبراهيموفيتش والإيطالي جانلويجي بوفون، استقبل خورخي بيرغوليو أكبر نجوم كرة القدم في الفاتيكان، موقعا على عشرات القمصان والكرات من الزوايا الأربع للعالم. رغم ممارسته اللعبة الشعبية خلال صغره في شوارع بوينوس أيرس بكرة مصنوعة من الخرق، إلا أن البابا الذي غيبه الموت الإثنين عن 88 عاما، لم يلمع في الملاعب. أقر في سيرته الذاتية 'أمل' الصادرة مطلع 2025 'في بوينوس أيرس، كان يُطلق على أمثالي +باتا دورا+، أي لدي قدمان يسريان، لكني كنت أمارس اللعبة' غالبا كحارس مرمى. لا ينفصل شغف البابا الـ266 بكرة القدم عن ارتباطه بنادي سان لورنسو في بوينوس أيرس وبملعب فييخو غاسوميترو المهدّم الآن، حيث كان يذهب لمشاهدة المباريات مع والده وأشقائه. تذكر 'كانت كرة قدم رومنسية وعائلية'. حتى بعد انتخابه في 2013، احتفظ البابا فرنسيس ببطاقته كمشجع (سوسيو) للفريق الأزرق والأحمر. بقي على إطلاع على نتائج الفريق، بفضل أحد أفراد حراسه السويسريين الذي كان يتركها مع ترتيب الدوري على مكتبه. احتفل بالعديد من القداديس الضخمة بملاعب كرة القدم خلال رحلاته إلى الخارج. في أيلول/سبتمبر 2023، قدم له مشجعو نادي مرسيليا الفرنسي مفاجأة برفعهم لافتتين ضخمتين (تيفو) تحملان صورته على المدرج الجنوبي في استاد فيلودروم. 'تجاوز المصلحة الفردية' – 'لا فرق سواء كنت لاعب كرة قدم هاويا أو محترفا، سواء أحببت مشاهدتها على التلفاز: هذه الرياضة جزء من حياة الناس. هكذا كانت مقاربته'، بحسب ما قال المونسنيور إيمانويل غوبيليار، مندوب الفاتيكان إلى ألعاب باريس الأولمبية 2024 الذي رافق مجموعات من الرياضيين إلى روما في مناسبات عدة. بعيدا عن اعتباره الرياضة غاية في عينها، فضّل اليسوعي الأرجنتيني أن يرى في كرة القدم وسيلة للسلام والتعليم، رغم حالات الفساد وحجم المال المنفق عليها. عام 2014 وبمبادرة منه، استضاف الملعب الأولمبي في روما 'مباراة بين الأديان' من أجل السلام. أعلن في 2019 'يرى كثيرون أن كرة القدم هي الرياضة الأجمل في العالم. أنا أعتقد ذلك أيضا'. منذ 2012، ذكر اللاعبين بـ'مسؤولياتهم الاجتماعية'، أمام وفود لفرق إيطالية وأرجنتينية، محذرا من التجاوزات 'التجارية' و'مخاطر تلويث' المال لكرة القدم. أضاف الأسقف غوبيليار ان نقطة مشتركة مع الدين هي 'وضع المصلحة الجماعية فوق كل اعتبار لتجاوز المصلحة الفردية. نحن في خدمة شيء أعظم من ذواتنا يتجاوزنا شخصيا وجماعيا'، متذكرا نظرته 'اللامعة' بمجرد ذكر اسم أحد اللاعبين. – بيليه صاحب 'القلب الكبير' – هذا الإعجاب بكرة القدم الذي لم يخفه البابا الراحل تطرقت إليه هوليوود أيضا: في الفيلم الناجح 'الباباوان' الذي عرض على نتفليكس عام 2019، يشاهد البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر والكاردينال بيرغوليو المباراة النهائية لكأس العالم بين بلديهما الأرجنتين وألمانيا سويا. مشهد خيالي بحت، لأن البابا 'فرانتشيسكو' أقر بانه توقف عن مشاهدة التلفاز منذ 1990 بقرار شخصي، فيما كان عالم اللاهوت الألماني يفضل الموسيقى الكلاسيكية والقراءة. ولم يتطرق البابا فرنسيس إلى كأس العالم 1978، أثناء فترة الديكتاتورية في الأرجنتين، عندما كان مسؤولا عن اليسوعيين. 'كلاعب، كان مارادونا عظيما، لكنه أخفق كإنسان'، هكذا وصف لصحفي إيطالي أواخر 2023 'الولد الذهبي' لكرة القدم الأرجنتينية الذي عكرت المخدرات والكحول مسيرته الرياضية الخارقة. في سيرة ذاتية ظهرت عام 2024، خُصّص فصل كامل لـ'يد الله'، الهدف الذي سجله مارادونا بيده في ربع نهائي مونديال 1986 بمرمى إنكلترا 'عندما استقبلته قبل سنوات في الفاتيكان، مازحته قائلا +أي يد هي المذنبة؟+'. وصف ليونيل ميسي، أفضل لاعب في العالم ثماني مرات، بـ'المهذب'، لكنه أقر لشبكة 'راي' الإيطالية 'بالنسبة لي، من بين الثلاثة، فان الجنتلمان الكبير هو (النجم البرازيلي الراحل) بيليه. رجل يملك قلبا كبيرا'. وإذا كان من السهل تخمين حبه للمنتخب الأرجنتيني، إلا أن رأس الكنيسة الكاثوليكية تجنب دوما الانحياز. في عام 2022، وقبل نهائي مونديال قطر بين بلاده وفرنسا، دعا الفائز إلى الاحتفال 'بتواضع'.


الشرق الأوسط
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
البابا فرنسيس... النجم السينمائي غير المتوقع
نيويورك: أليسا ويلكنسون* عند مشاهدتي فيلم «كونكليف» أو «المَجْمَع» المثير للجدل، والذي أخرجه إدوارد بيرغر عن الفاتيكان، العام الماضي، وجدت صعوبة في عدم التفكير في البابا فرنسيس. الفيلم قصة خيالية تستند إلى رواية روبرت هاريس الصادرة عام 2016، والتي نشرت بعد ثلاث سنوات من تولي البابا فرنسيس البابوية. لكن إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم هي شخصية رئيس أساقفة مكسيكي يعمل في كابُل، عاصمة أفغانستان، وهو مُصلح يدعو الكنيسة إلى التركيز على المهمشين والمستبعدين تاريخياً من قبل المؤسسة. ميّز الكثير من التفاصيل بين شخصية فيلم «كونكليف» والبابا الجالس الذي وافته المنية، الاثنين، في اليوم التالي لعيد الفصح. لكن مثل هذا الناشط البسيط والبليغ على الشاشة لا يمكن أن يذكّرنا إلا بالبابا فرنسيس، أول رجل دين من أميركا اللاتينية يتولى البابوية. لقد أثار الإعجاب والجدل على حد سواء، استناداً - إلى حد كبير – إلى اهتمامه بالفقراء والمهاجرين واللاجئين، ودعواته إلى رعاية البيئة. وقد أثار هذا العمل الأجنحة الأكثر تحفظاً في الكنيسة، بينما كان محبوباً لدى الكثيرين، سواء كانوا كاثوليكيين من عدمه، الذين رأوا في حياته وتعاليمه طريقاً جديداً للمضي قدماً. وهذا أيضاً جعل البابا نجماً سينمائياً غير متوقع. ربما كان البابا فرنسيس أكثر الباباوات من حيث التصوير السينمائي، حيث انتشرت الأفلام الخيالية والوثائقية التي تمثله خلال فترة بابويته التي استمرت 12 عاماً. تم إنتاج بعض هذه الأفلام من قبل الكاثوليك ومن أجلهم، بما في ذلك الفيلم الوثائقي «فرنسيس: البابا من العالم الجديد» إنتاج عام 2013، الذي أنتجه كولومبوس نايتس، وفيلم «فرنسيس: صلِّ من أجلي» للمخرج «بيدا دوكامبو فيخو»، إنتاج عام 2015: «وهو فيلم درامي عن سيرته الذاتية حول أيامه قبل توليه منصب البابوية»؛ وفيلم «شياماتيمي فرانشيسكو» أو «نادني فرنسيس» للمخرج دانييل لوشيتي إنتاج عام 2015، والذي ركز على عمله بوصفه «بابا الشعب». لكن العديد من هذه الأفلام لم تكن موجهة حقاً إلى جمهور المتدينين. بدلاً من ذلك، فإنها تظهر مصدر جاذبية فرنسيس الأوسع نطاقاً. لقد أتاح اهتمامه بالقضايا الاجتماعية والثقافية المهمة لصانعي الأفلام فرصة لتناوله كشخصية سينمائية على الشاشة، وليس فقط زعيماً دينياً. فيما يلي ستة أفلام من هذا القبيل، والتي تساعد في تأطير إرث فرنسيس وتلقي الضوء على سبب جاذبيته. ملصق فيلم «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته» الفيلم الوثائقي «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته»، الذي عُرض لأول مرة في مهرجان «كان» السينمائي في عام 2018، هو لمحة حميمة وملهمة بشكل ملحوظ عن تفكير البابا، مباشرة من شفتيه. لا يقضي المخرج فيم فيندرز وقتاً طويلاً في سرد تفاصيل السيرة الذاتية. بدلاً من ذلك، يتحدث البابا فرنسيس بإسهاب - بشكل مباشر ورائع على حد سواء - عن الأمور التي تشغله ولماذا. ويتحدث عن أسفاره، وطريقة تعامله مع قادة العالم، والأسس الفلسفية واللاهوتية لعمله. أصبح من المبتذل القول بأن الفيلم الوثائقي هو «بورتريه» لموضوعه، لكن فيلم فيندرز هو كذلك بالفعل: غالباً ما يظهر فرنسيس في لقطة متوسطة، وحيداً في الكادر، يتحدث بصراحة إلى الجمهور. من الواضح أن الهدف من ذلك هو منح الإحساس بأن البابا يتمتع بالنزاهة واللمسة الإنسانية الرقيقة. «البابوان» فيلم «نتفليكس» الذي تناول مقابلة خيالية بين البابا فرنسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر تلقى فيلم «الباباوان»، الذي أخرجه فرناندو ميريليس، ترشيحات لجوائز الأوسكار عن سيناريو أنتوني ماكارتن (المستمد من مسرحيته الخاصة)؛ والممثل المساعد أنتوني هوبكنز، الذي يجسد دور البابا بنديكتوس السادس عشر، وجوناثان برايس، الذي يجسد دور البابا فرنسيس. الفيلم هو لقاء متخيل بين بينديكت، الذي يفكر في التنحي عن البابوية، وفرنسيس، الذي كان وقتئذ لا يزال يُدعى باسمه «خورخي ماريو بيرغوليو»، والذي يقضي يوماً في الحديث مع بينديكت حول مسائل الإيمان والعقيدة والتاريخ. غالباً ما يكون الفيلم مبهجاً وإنسانياً بشكل رائع، مع مقطع يستكشف مخاوف «بيرغوليو» الخاصة حول أمر من ماضيه. ولكن القوة التي يتمتع بها فيلم «الباباوان» تكمن في الكيفية التي يسلط بها الضوء، من خلال التصور، على الانقسامات في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بين جناح تقليدي وجناح أكثر تقدمية. فالأمر يشبه مشاهدة حقبتين تتصادمين، ثم يصليان من أجل بعضهما البعض. (ثم يشاهدان مباراة كرة القدم). أنتوني هوبكنز وجوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي) «فرانشيسكو» كان من إخراج المخرج الوثائقي يفغيني أفينيفسكي، الذي غالباً ما يستكشف بأعماله آثار الصراعات على الناس في بلدان مثل سوريا وأوكرانيا. بالنسبة إلى «فرانشيسكو»، نظر أفينيفسكي إلى ردود فعل البابا فرنسيس لقاء القضايا الاجتماعية المعاصرة، وخاصة اهتمامه وزياراته للنازحين والمضطهدين. في الفيلم، يلتقي البابا فرنسيس مع مسلمي الروهينغا النازحين من ميانمار. ويزور مخيماً للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، وينقل لاجئين مسلمين رفقته إلى إيطاليا. في عام 2018، أثار البابا فرنسيس غضب ضحايا اعتداءات رجال الدين من خلال التقليل من شأن مخاوفهم، أما في الفيلم فإنه يلتقي مع عدد قليل من الناجين ويطلب منهم الصفح. ويشير الفيلم إلى أن انخراط البابا الظاهر مع المظالم العالمية يستفز الكنيسة الأوسع نطاقاً؛ كي تمعن النظر في دورها في العالم أيضاً. تشير أغلب الأفلام التي تتناول موضوعات عن البابا فرنسيس إلى اهتمامه بالقضايا البيئية، ولكن فيلم «الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» يركز عليها بصورة مباشرة. وفي الرسالة البابوية التي صدرت في عام 2015 تحت عنوان «الحمد لك»، دعا البابا العالم إلى التحرك، وانتقد أولئك الذين يفضلون الأرباح فوق الناس، وأشار إلى أن تغير المناخ ينطوي على نطاق واسع من «الآثار الخطيرة: البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن تأثيره على توزيع السلع». وفي فيلم «الرسالة» عمل المخرج نيكولاس براون مع نشطاء من مناطق لا تشملها غالباً المحادثات البيئية - مثل الأمازون والهند والسنغال وهاواي – في أثناء استعدادهم للقاء البابا. إنها نظرة أخرى إلى زعيم ديني رأى أن عقيدته وإيمانه يمتدان إلى ما هو أبعد من حدود التقاليد، واستنهض الآخرين أن يفعلوا ذلك أيضاً. لقطة من فيلم «الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» تناول اهتمام البابا فرنسيس بالقضايا البيئية (آي إم دي بي) كثيراً ما سافر البابا فرنسيس خلال فترة توليه البابوية، وغالباً ما كان يستخدم وسائل نقل بسيطة عمداً حتى يكون أقرب إلى الناس. يتابع فيلم «في فياجيو: رحلات البابا فرنسيس» رحلاته المكثفة خلال السنوات التسع الأولى من فترة ولايته البابوية - 37 زيارة إلى 53 بلداً. تم إدراج بعض لقطات الأفلام الوثائقية للمخرج جيانفرانكو الروسي حول النازحين في الفيلم، جنباً إلى جنب مع خطابات البابا فرنسيس، والتي غالباً ما تتضمن نصائح لرعاية المهاجرين، وكذلك الفقراء والمحرومون من الحقوق. من فيلم «كونكليف» (المجمع) (آي إم دي بي) كان فيلم «كونكليف»، الذي يتساوى في مزيجه بين الإثارة والتأمل، مفضلاً لدى الجمهور والمصوتين الذين يمنحون الجوائز. وبما أن خليفة البابا فرنسيس سوف يجري اختياره خلال الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن يحظى الفيلم بشعبية كبيرة مرة أخرى؛ فهو عبارة عن دراما تشويقية من بطولة ريف فاينز في دور كاردينال يحاول القيام بما هو صحيح في خضم صراع على السلطة من أجل البابوية. وفي نهاية المطاف، أصبح أحد الكاردينالات، وهو بنيتيز (كارلوس دييز) - الذي اتخذ جزئياً على الأقل صورة البابا فرنسيس - لاعباً رئيسياً. وعلى الرغم من أن هذا الفيلم، مثل فيلم «الباباوان»، يشير إلى انقسامات في قيادة الكنيسة، وديناميكيات السلطة، وفحوى الإيمان، فإنه أيضاً مجرد فيلم إثارة مباشرة مع خاتمة مذهلة. إنه فيلم مؤثر وتذكير بما هو على المحك بالنسبة للكنيسة في المستقبل. * خدمة «نيويورك تايمز»


Independent عربية
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
ما وراء التسامح... خلافات دولة الفاتيكان الباباوية على الشاشة
بعد ساعات من وفاة البابا فرنسيس قفزت مشاهدات فيلم Conclave "المجمع المغلق" إلى نسبة تقترب من الـ300 في المئة، وفقاً لتقرير شركة الإحصاءات لومينيت، وهو يعدّ من أحدث الأعمال التي تناولت ما وراء كواليس اختيار بابا الفاتيكان، إذ التعقيدات والمراسم الفاخرة والصراعات والأسرار الصادمة، والمشينة، وكذلك القدرة على المسامحة، وهي الأمور التي لا تظهر على السطح إلا في إطار ما يعرف بـ"فضيحة مدوية"، في حين يجتهد الجميع في الإخفاء والتخفي، البعض عن سعة صدر وقيم إنسانية رفيعة، وآخرون عن ضيق أفق ورغبة في الانتصار للتقاليد. هذا ما تشير إليه الدراما التي قد تستند أحياناً إلى وقائع معروفة، لكنها تحمي نفسها أيضاً بالخيال الفني الذي يعفيها من المحاكمة التاريخية والأحكام الدينية كذلك. لم يكن "المجمع المغلق" هو الفيلم الوحيد الذي أثار فضول مشاهدي العالم بنحو 5 ملايين دقيقة إضافية عقب ساعات من إعلان وفاة بابا الفاتيكان المحبوب صاحب الفكر الإصلاحي، إنما قد يكون الأحدث، فوفقاً لتقرير مجلة "فاريتي" الأميركية، فإن أعمالاً أخرى نالت نصيباً ضخماً من الاهتمام المفاجئ المصاحب لهذا الحدث الكبير، إذ فارق البابا المولود في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1936 الحياة بعد نحو 12 عاماً قضاها في هذا المنصب المهيب وسط أمواج وعواصف ومآسٍ تجتاح العالم. وسواء كانت الأعمال الفنية تقدم سيرة وأسرار خورخي ماريو بيرجوليو، بحسب الاسم الرسمي لبابا الكنيسة الكاثوليكية رقم 266 الذي رحل في 21 أبريل (نيسان) الجاري بعد متاعب صحية ألمّت به قبل أسابيع، أو تستعرض حياة مجتمع الفاتيكان عموماً ومدى إيمان رجاله بأفكارهم المعلنة، وكيف تتناقض في بعض الأوقات مع قناعتهم الخاصة، فإن دراما هذه المؤسسة تبدو مثالية تماماً لقصص جاذبة يتداخل فيها الدين بالسياسة بالحريات وأيضاً قيم المجتمع الضاغطة. تقاليد صارمة وأسرار بالنسبة إلى فيلم "المجمع المغلق" الذي عرض العام الماضي من بطولة رالف فينيس وستانلي توتشي، ويتابعه بشغف متواصل وفقاً للأرقام حالياً مشاهدو منصة "أمازون برايم"، فقد صاحبه كثير من الغضب المبني على اتهامات البعض له بأنه يرسم صورة سلبية عن رجال الدين المسيحي، ويصوّرهم متكالبين على السلطة من دون أية اعتبارات أخرى، لكنه على المستوى الفني والنقدي حصل على إشادات غالبية عناصره، إضافة إلى 318 ترشيحاً لجوائز حصد منها 87 جائزة، من ضمنها أوسكار أفضل سيناريو مقتبس لكاتبه بيتر ستروغان، إذ إن العمل مأخوذ عن رواية حملت الاسم نفسه، فيما الإخراج كان لإدوارد بيرغر. قصة الفيلم تبدو ملائمة تماماً لعصر تدور فيه نقاشات حول الهوية الجندرية، ومدى انفتاح المؤسسات الدينية، وضرورة تغيير التقاليد المتعلقة بالنظرة للعابرين جنسياً والمثليين، بعدما يحدث الاضطراب داخل أروقة الكنيسة خلال العملية الانتخابية لاختيار خليفة للبابا الراحل، وبكل تعقيدات وأسرار هذا الحدث الذي تحفه التقاليد الصارمة، نجد تفاصيل دقيقة لما يجري في هذا العالم الاستثنائي، بينما على جانب آخر يكتشف المشاهد أن الكاردينال صاحب الحظ الوافر للفوز بالمنصب مزدوج الميول الجنسية، بل إن البابا الراحل كان على علم بهذه الحقيقة السرية ومع ذلك قبله، بل وزكّاه ليكون خلفاً له، وهي مفارقة ذات دلالة في ظل مطالبات لا تتوقف للقائمين على المؤسسات الدينية باتخاذ موقف حاسم من مجتمع الميم. وبينما العالم ينتظر نتيجة الانتخابات يخوض البطلان في جدال كبير حول الحقوق والحريات والتناقض والمنافسة، كما يفجّر العمل نقاشاً حول الأهواء وسوء الظن، ومدى نقاء رجال الدين، وهل عدم إفشاء أسرار من هم في مناصب تلتزم الشفافية يندرج تحت بند الكذب، أم هو صون لكرامتهم وإنسانيتهم. من ضمن الأفلام الأكثر مشاهدة أيضاً في عالم البث على مدى الأيام الماضية The Two Popes –"الباباوان" 2019، إذ ارتفعت نسبة مشاهدته على "نتفليكس" أربع مرات، وهو يتمتع بخصوصية كبيرة، فعلى رغم كونه ليس من أحدث الأعمال التي تناولت ما يجري في أروقة الكنيسة الكاثوليكية التي تقع فوق هضبة الفاتيكان بالعاصمة الإيطالية روما، فإنه من أبرز الأفلام التي أظهرت شخصية البابا فرنسيس، إذ أدى دوره جوناثان برايس، بينما قدم أنتوني هوبكنز دور البابا بنديكت السادس عشر. تدور أحداث "الباباوان" في إطار لعبة ذهنية بين البابا وكبير الأساقفة آنذاك، فالأخير يتخذ موقفاً أخلاقياً بضرورة الاستقالة عقب الكشف عن فضيحة مدوية هزّت الأوساط تتعلق بتستر الكنيسة الكاثوليكية لسنوات طويلة على تحرش رجال الدين بالأطفال، وبينما يبدو أن البابا في اجتماعاته الطويلة مع كبير الأساقفة كل همه إقناعه بعدم الاستقالة، ويسوق مبررات متشعبة يكون هو نفسه قد اتخذ قراراً نهائياً بالاستقالة، وفي خضم عواصف النقاش يجد كل منهما نفسه أمام أسئلة جديدة تكشف عن ضعف النفس البشرية، وكيف أن حتى كبار رجال الدين لديهم هفواتهم، وغضباتهم، وأن الوجه شديد التسامح الذي يظهر على الملأ قد درّبته الحياة مراراً في صراعاتها الدنيوية، واختبر صاحبه مئات المرات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) بينما نتابع عن قرب أيضاً تاريخ الأب فرنسيس المبكر، ونرى حياته البسيطة البعيدة عن الطقوس الدينية، حين كان مغرماً بالشعر ورقص التانغو وكرة القدم، وبالتفاصيل التي شكّلت شخصيته الحقيقية التي أحبها العالم. ويسرد الفيلم الذي رشح لثلاث جوائز أوسكار، بسلاسة وتشويق من خلال الحوار الممتد لأيام بين البطلين، قصة البابا فرنسيس باعتباره الحبر الأعظم الأكثر اختلافاً والأكثر حرصاً على الاتساق مع أفكاره المتعلقة بالإنصاف الاجتماعي، ويوصف دوماً بأنه صاحب أفكار ثورية في ما يتعلق بالعدالة الإنسانية مقارنة بمن سبقوه، ولطالما حرص على الإدلاء بتصريحات وعظات عن القرب بين المذاهب والأديان من خلال أسلوبه الذي اكتسبه من نشأته في الأرجنتين في وقت الاضطراب السياسي وبين أفراد أسرة متوسطة الحال، لهذا فهو من أبرز من جلسوا على كرسي البابوية في تاريخ الكنيسة التي تمثل مركز القيادة الروحية للكاثوليك على مستوى الكرة الأرضية، والفيلم من إخراج فرناندو ميريليس، وسيناريو أندرو ماكارتن. شخصية البابا فرنسيس هذه التي رصدتها السينما، جعلته محور أحاديث كبار المشاهير، ففي حفلات موسم الجوائز خلال الأسابيع الماضية حرص كثيرون على التعبير عن قلقهم على صحته حينما كان مريضاً، ووجهوا له أمنيات الشفاء، كذلك حرص المخرج البارز مارتن سكورسيزي على نعيه بشكل مؤثر معبراً عن تقديره له كرجل دين شجاع يعترف بأخطائه، ويحارب الجهل، ويسعى للخير والتنوير والتعلم، معتبراً وفاته خسارة كبيرة للبشرية. قرارات متطرفة وأفكار متشككة فيما من الأعمال الحديثة نسبياً أيضاً التي تحاول الغوص في الجانب غير الظاهر من حياة البابا، لكن بشكل يحمل بعض الفانتازيا، مسلسل The Young Pope ـ "البابا الشاب"، الذي عرض على مدى موسمين بين عامي 2016 و2020، وهو من تأليف وإخراج باولو سورينتينو. وتدور أحداث المسلسل في إطار خيالي لا يخلو من بعض الاستنادات الواقعية، حول أول بابا أميركي في التاريخ، ويستعرض من دون مواربة مؤامرات الكرادلة لتنفيذ مخططاتهم، كما يتعرض لدور الألاعيب السياسية والإعلامية في صعوده، بينما يثير الأب الشاب تساؤلات حول ماهية الإيمان، وكيف أن الشك يمكن أن يتسرب إلى أعلى رأس في الكنيسة، وكيف تستمر عقد الطفولة في التأثير على الأبناء مهما تغيرت مسارات حياتهم، إذ يتخذ قرارات تُوصف بالتطرف والغرابة وسط صراع سياسي- ديني يُحاك حوله يتزعمه الكرادلة الراسخون وأصحاب المدرسة القديمة في إدارة الكنيسة. وفي إطار خيالي أيضاً تدور أحداث الفيلم الإيطالي الفرنسي We Have a Pope ـ "لدينا بابا" 2011 حول الضغوط الهائلة التي يمارسها الكرادلة وكبار الأساقفة لإبقاء النظام الكنسي في الفاتيكان من دون تغيير، مستعملين خبراتهم الشخصية كرجال دين مخضرمين، إذ يبذلون قصارى جهدهم لإخفاء مشاعر البابا الجديد تجاه منصبه، ويلونون الحقائق من أجل تبرير اختفائه غير المبرر، فالأب المنتخب حديثاً يعلن ببساطة أنه لا يريد المنصب أبداً، وأنه غير مؤهل له نفسياً، فيتم اللجوء إلى معالج نفسي لحل هذه الأزمة غير المتوقعة، فتنكشف العديد من الأسرار. سيرة البابا فرنسيس كرجل دين متسامح ومتفان لخدمة الإنسانية، وصاحب قيم لا يتزعزع عنها مهما كانت الضغوط، ومنفتح أيضاً على مبادئ التراحم مهما اشتدت العواصف سوف تبقى طويلاً مثالاً في الأذهان، لا سيما أنه حرص على أن يقرن قناعته المعنوية تلك بمواقف واقعية وتصريحات لن تُنسى، إذ يعتبره المراقبون واحداً من أكثر الباباوات شجاعة ممن ترجموا القيم التي يؤمن بها من دون مواربة، وأيضاً بقدر ما سمحت له ظروفه، متحدياً عقبات السياسة، وهي أمور دوماً تشغل بال المهتمين بسبر أغوار المؤسسات الدينية. استعرض فيلم The Shoes of the Fisherman ـ "أحذية الصياد" 1968 كيف يمكن للقيادة الروحية العليا في العالم أن تستعمل موقعها للتقريب بين العقائد والأيديولوجيات، من خلال شخصية كيريل لاكوتا، رئيس الأساقفة المعتقل الذي يُفرج عنه السوفيات بعد عشرين عاماً من الأسر، وتنقلب الأحوال فينتخب بابا للفاتيكان، ووسط محاولاته إيجاد دور للكنيسة الكاثوليكية المتخمة بالتقاليد في هذا العالم المليء بالأزمات والرغبات المتزايدة للزعماء في السيطرة، يتوسط بين القوى العظمى المتناحرة لإحلال السلام العالمي. بالطبع البابا في الفيلم الذي أدى بطولته أنتوني كوين مع لورنس أوليفييه وأخرجه مايكل أندرسون، كان محظوظاً لأنه حقق أسمى ما يسعى إليه رجال الدين، وهو عدم الاحتفاظ بما يؤمنون به كشعارات تزين الجدران والكتب إنما رفض بشكل قاطع أن تكون الكنيسة طرفاً في الصراع، واتخذ قرارات جريئة على رغم معارضة الأساقفة المتمسكين بالتقاليد، معلناً أنه إلى جانب الجائع والفقير، وذلك على خلفية معاناة الصين من مجاعة إثر الخلافات مع الجانب الروسي. وكذلك من بين المراسم الفاخرة التي تمتلئ بها حياة البابا ورغبته القوية في الاقتراب من الناس تدور أحداث العمل الذي على رغم خياليته، لكنه يبدو وكأنه يحمل شيئاً من سيرة البابا بنديكت الـ15 (1854 ـ 1922) الذي سعى لإيقاف الحرب العالمية الأولى بما سُمي "السلام الباباوي"، لكنه لم يوفق. تكميم الأفواه ولطالما كانت علاقة المؤسسات الدينية بالسياسة تؤرق المتدينين، وتلقي بظلالها على الحوادث المفصلية في التاريخ، ومن ضمن الأفلام التي وثقت تاريخ الفاتيكان المثير للجدل خلال فترة الحرب العالمية الثانية Amen ـ "آمين" الذي اقترب من شخصية البابا بيوس الثاني عشر، إذ كشف العمل المسكوت عنه درامياً كثيراً من الوقائع الحقيقية، وكيف وقف القائد الروحي الكاثوليكي الأكبر صامتاً أمام الجرائم التي ارتكبتها النازية بحق اليهود، رافضاً إدانة التصفية الممنهجة للأبرياء، إذ يحاول أحد الضباط الوصول إليه ليكشف له ما يجري، لكنه يغض الطرف، ويستخدم سلطته في إسكات الأصوات. وأثار الفيلم جدلاً كبيراً حينما عُرض عام 2002، وهو من إخراج كوستا غافراس، ودعا كثيرون للبحث عن هذه الحقبة القاتمة من تاريخ الفاتيكان، إذ كان بيوس الثاني عشر معادياً صريحاً للأفكار الشيوعية والاتحاد السوفياتي، مما جعله يضغط ويرحل ويهدد بحرمان كنسي كل رجال الدين الذين يعلنون ولاءهم لأي من أفكار هذا المحور، وسيرته المليئة بالتفاصيل المركبة تجعل البعض يعتبره من أكثر البابوات في المئة عام الأخيرة الذين ابتعدوا عن جوهر القيم الروحية للكنيسة تماماً، وهو ما حاول الفيلم الذي حصد أربعة جوائز تسليط الضوء عليه.