
د. غازي إبراهيم العسّاف يكتب : عودة سوريا إلى الخارطة الاقتصادية: المُبادر والسبّاق اليوم سيكون المُستفيد الأكبر غداً
أخبارنا :
أستاذ الاقتصاد – الجامعة الأردنية
فرضَت التغييرات الأخيرة التي جاءت نتيجة القرار الأميركي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا واقعاً جديداً على المشهد الاقتصادي في المنطقة، فالقرار السياسي والاقتصادي، الذي جاء بعد أشهرٍ من التغييرات السياسية التي حدثت في دمشق في ديسمبر من العام الماضي، هو بداية انفراجه كبيرة لدولة مزّقتها سنوات الصراع وأنهكتها العقوبات الدولية، إلا أنه وبلا شك فإنّ مثل هذه التحوّلات ستمتدُّ آثارها لتشمل دول الجوار، وعلى رأسها الأردن التي تنتظر فُرصاً اقتصادية واعدة مع عودة سوريا للخارطة الاقتصادية الإقليمية.
فخلال حوالي 14 عاماً مضَت، أحدَثت العُقوبات الاقتصادية على سوريا اختلالات هيكلية في الاقتصاد السوري وأغرقت البلاد في فقر مُدقع، إذ تُشير الأرقام الرسمية الى أنّ الناتج المحلي الإجمالي قد تراجع بشكل ملحوظ من 61 مليار دولار في 2010 إلى أقل من 6 مليارات دولار في 2024، بانكماش اقتصادي تجاوز 90%، في حين تراجعت الصادرات السورية من 18.4 مليار دولار في 2010 إلى 1.8 مليار دولار فقط في 2021 وفق احصائيات البنك الدولي. في المقابل فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، الأمر الذي أدّى لحدوث حالة من التضخم الجامح وارتفاعاً كبيراً في معدلات الفقر لتطال أكثر من 90% من السكان.
لم يكن الأردن بمعزلٍ عن كُلّ هذه الأزمات المُتوالية التي عاشها الاقتصاد السوري، فقد استقبل الأردن حوالي 1.3 مليون سوري وفق التقديرات الحكومية، منهم 650 ألف لاجئ مسجل رسمياً، الأمر الذي فرض أعباءً مالية كبيرة وغير مسبوقة على خزينة الدولة والبنية التحتية، فعلى سبيل المثال تُشير أرقام وزارة التخطيط الأردنية بأنّ تكلفة استضافة اللاجئين بلغت نحو 2.5 مليار دولار سنوياً، أي حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. بالإضافة إلى ذلك، أدّت الاغلاقات المُتكررة للحدود بين البلدين إلى توقّف حركة تجارة الترانزيت عبر سوريا والذي كان يُشكل شريان حياة لكثير من القطاعات الاقتصادية الأردنية، إذ انعكس ذلك وبشكل ملحوظ على حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث انخفض من 500 مليون دولار سنوياً قبل الأزمة إلى أقل من 100 مليون دولار. كما وتأثّر قطاع النقل في الأردن بشكلٍ ملحوظٍ نتيجة تعرّضه لخسائر تُقدّر بحوالي 400 مليون دولار سنوياً، الأمر اضطرار الشاحنات للاعتماد على طرق بديلة أكثر تكلفة وأطول مسافة عبر البحر.
بدأ مسار العقوبات الاقتصادية الغربية على سوريا منذ العام 1979، إلا أنها تصاعدت بشكل كبير جداً بعد الثورة السورية في عام 2011، ففي 29 نيسان 2011 بدأ مسار العقوبات التصعيدي بالأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما لتجميد ممتلكات المتورطين في قمع المتظاهرين، تبعهُ الاتحاد الأوروبي بعقوبات مماثلة في أيار من العام نفسه. وتوالت بعدها موجات العقوبات لتشمل حظر الاتحاد الأوروبي للسلع الكمالية في حزيران 2012 وتشديد القيود في مجالات التسلح والاتصالات، الى أن بلغت العقوبات الاقتصادية على سوريا ذروتها مع "قانون قيصر" الذي أقّره الكونغرس الأمريكي في العام 2019 ودخل حيّز التنفيذ في حزيران 2020، فارضاً عقوبات ثانوية على أي طرف يتعامل مع الحكومة السورية في قطاعات حيوية.
إنّ هذا الانفراج الكبير الذي حدث اليوم للاقتصاد السوري والمُتمثل برفع العقوبات الاقتصادية هي حقبة اقتصادية جديدة ستعيشها سوريا بعون الله تعالى، الأمر الذي سيفتح وبلا شك بوابة فُرص ذهبيّة وواسعة أمام الأردن لتعزيز نموه الاقتصادي والخروج من أزمته المالية. فالكثير من القطاعات الاقتصادية في الأردن يُمكن أن تستفيد من هذه الفرص، أبرزها قطاع البناء والمواد الإنشائية والبنى التحتية إضافة إلى قطاع الصناعات الدوائية والغذائية والقطاع الزراعي، علاوة على القطاعات الخدمية، فالقطاع المصرفي الأردني، المعروف بقوّته وخبرته الإقليمية، يمكن أن يكون أحد أهم المستفيدين من استئناف العمليات المصرفية مع سوريا، إذ سيلعب هذا القطاع دوراً محورياً في تمويل التجارة وعمليات إعادة الإعمار، مستفيداً من علاقاته مع المؤسسات المالية الدولية.
علاوة على ذلك، سيشهدُ قطاع النقل في الأردن انتعاشاً كبيراً، حيث يُمكن أن يلعب ميناء العقبة دوراً استراتيجياً كبوابة لسوريا على البحر الأحمر، الأمر الذي بدوره يمكن أن يُعزّز عودة تدفّق آلاف الشاحنات عبر الطرق البرية نحو سوريا ومنها إلى تركيا وأوروبا، إذ تُشير التقديرات إلى أنّ استئناف حركة الترانزيت من الممكن أن يُخفّض تكاليف النقل بنسبة تصل إلى 30% وهذا بدوره سيعزز تنافسية الصادرات الأردنية، وبخاصّة إذا ما عاد حجم التدفق التجاري بين البلدين إلى حوالي 500 مليون دولار سنوياً قبل الأزمة. على صعيد آخر، فمن المُتوقّع أيضاً أن تُسرّع مسألة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وما لذلك من تسريع في عجلة الاقتصاد السوري وتحسُّن الأوضاع الاقتصادية، عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وما سيترتب على ذلك من تخفيف تكاليف استضافة اللاجئين السوريين على الأردن، إذ تُشير الدراسات إلى أنّ عودة 20% فقط من اللاجئين ستوفر على الأردن حوالي 500 مليون دولار سنوياً.
من المهم ألّا ننسى أيضاً أنّه وبالرغم من الآفاق الواعدة للتحوّلات الاقتصادية الحاصلة في المنطقة، إلا أنّ هنالك تحديّات كبيرة تتمثل في أن الأردن سيُواجه مُنافسة شرسة في السوق السورية يمكن اعتبارها معركة الحصص السوقية، فالشركات التركية، المدعومة بقوة اقتصادية واستثمارية هائلة، تملك حُضوراً قوياً في مناطق شمال سوريا منذ سنوات عديدة، فلدى هذه الشركات خططاً طموحة لرفع التبادل التجاري مع الجانب السوري من نحو مليار دولار حالياً إلى 10 مليارات دولار في السنوات المقبلة.
همسة في أُذن الفريق الاقتصاديّ للحكومة الأردنية
ماذا يعني كُلّ ذلك بالنسبة للأردن؟ لابدّ أولاً أن نعي بأنّ ما يجري يمكن أن يكون فرصة اقتصادية تاريخية من الضروري استغلالها. فالدولة الأردنية مطالبة اليوم بضرورة تبنّي استراتيجية اقتصادية متكاملة تتوافق والتغييرات الإقليمية الحاصلة، إذ من المُهم أن تتضمن هذه الاستراتيجية إجراءات عاجلة من شأنها تعزيز القدرات التنافسية للمُنتجات الأردنية، وتطوير البنية التحتية اللوجستية عند المعابر الحدودية، واستثمار علاقات الأردن المتميّزة مع المؤسسات المالية الدولية، إضافة الى إنشاء آليات تمويل مبتكرة للمشاريع المشتركة مع سوريا. كما وينبغي اليوم توجيه الأنظار لتأسيس مناطق صناعية مشتركة على الحدود، والاستثمار في مشاريع الطاقة والمياه والزراعة التي ستكون بلا شك محورية في عمليات إعادة الإعمار التي ستشهدها بعون الله سوريا، وهذا يتطلّب أولاً تنسيق حكومي أردني دائم وفعّال لتبسيط الإجراءات البيروقراطية وتذليل العقبات التي قد تعترض المستثمرين وانسيابية حركة التجارة بين البلدين.
لا بُدّ للدولة الأردنية أن تُدرك اليوم بأنّ قصّة نجاح إعادة الإعمار في سوريا ستُكتب فُصولها في السّنوات العشر القادمة، وأنّ المُبادر والسبّاق اليوم سيكون المُستفيد الأكبر غداً، فعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي قد تظهر في بداية الأمر، تبدو الفرصة مواتية للأردن من أجل لعب دور محوري للتّسريع في إعادة سوريا للخارطة الاقتصادية، فالتحديات التي واجهها طوال سنوات الأزمة يمكن اليوم تحويلها إلى منافع اقتصادية ملموسة ستنعكسُ إيجاباً على الاقتصاد الأردني والمنطقة بأسرِها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
منذ 3 ساعات
- خبرني
كندا تبحث الانضمام لمشروع القبة الذهبية الأميركي للدفاع الصاروخي
خبرني - أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الأربعاء أنّ بلاده أجرت مناقشات "رفيعة المستوى" مع الولايات المتحدة تناولت إمكانية انضمامها إلى "القبة الذهبية"، مشروع الدرع الصاروخية الذي يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبنائه. وقال كارني خلال مؤتمر صحافي "لدينا القدرة، إذا ما رغبنا بذلك، على المشاركة في القبة الذهبية من خلال استثمارات بالشراكة (مع الولايات المتحدة). هذا أمر ندرسه وناقشناه على مستوى رفيع". وكشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطط بناء درع صاروخية تحت مسمى "القبة الذهبية" بهدف حماية الولايات المتحدة من هجمات خارجية مؤكدا أنها ستوضع في الخدمة في نهاية ولايته الثانية. وقال ترامب في البيت الأبيض "خلال الحملة الانتخابية وعدت الشعب الأميركي بأني سأبني درعا صاروخية متطورة جدا"، وأضاف "يسرني اليوم أن أعلن أننا اخترنا رسميا هيكلية هذه المنظومة المتطورة". وقال إن الكلفة الإجمالية للمشروع ستصل إلى "حوالى 175 مليار دولار" عند إنجازه.


جهينة نيوز
منذ 3 ساعات
- جهينة نيوز
رفع العقوبات عن سوريا.. هل يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي في المنطقة؟
تاريخ النشر : 2025-05-22 - 12:48 am تفعيل خط الغاز العربي إلى لبنان وسوريا مرهون بضمانات أمنية واتفاقيات جديدة الجغبير: نعمل على إعادة تموضع الصناعة الأردنية في السوق السوري بلاسمة: رفع العقوبات عن سوريا قد يُعيد الأردن إلى خارطة الطاقة الإقليمية عايش: الأردن يراهن على تصدير الكهرباء كخيار استراتيجي لسوريا البشير: المملكة المستفيد الثاني من رفع العقوبات بعد سوريا شعبًا وحكومة الأنباط - عمر الخطيب/مي الكردي من المتوقع أن يعاد تشكيل المشهد الاقتصادي في المنطقة، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، الأمر الذي يفتح آفاقًا طال انتظارها أمام التعاون التجاري والإقليمي. الخطوة ستعيد فتح قنوات التعاون الاقتصادي بين البلدين، بعد سنوات من التجميد والتراجع، ما يمثل فرصة لتعزيز التبادل التجاري وتنشيط القطاعات اللوجستية، والأمر أيضًا يتطلب تذليل التحديات التي قد تعيق الاستفادة الفعلية من المرحلة. العقوبات التي فُرضت منذ أكثر من أربعين سنة وتنامت مع تحركات النظام السوري المخلوع، الذي صنفتهُ وزارة الخارجية الأمريكية دولة راعية للإرهاب، تفاقمت مع اندلاع شرارة الثورة السورية في 2011 بفرض حزمة جديدة استهدفت الرئيس المخلوع وكبار المسؤولين، مصرف سوريا المركزي، وقطاعات النفط، الغاز، والطاقة. وتتوجت تلك العقوبات في عام 2020 بصدور قانون قيصر الذي يُعد الأوسع والأشد على الواقع السوري الذي يجرم ويعاقب أي جهة (فردية، حكومية، خاصة) تتعامل اقتصاديًا مع النظام السوري، لتفضي العقوبات، بحسب تقارير الأمم المتحدة، إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع أي أقل من 1.25 دولار في اليوم. ويذكر أن الناتج المحلي السوري كان يبلغ في 2010 ما يقارب 60 مليار دولار بمعدل نمو اقتصادي 5.19%، أما في عام 2024 فتراجع الناتج المحلي إلى 8.98 مليار دولار بانخفاض نسبتهُ 85% بسبب العقوبات المفروضة من أميركا، الاتحاد الأوروبي، ومجموعة من الدول. وإلى حين سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، سارع الأردن لتعزيز خطوط التجارة مع الجارة الشمالية مخرجًا إياها من عزلتها الاقتصادية بفتح المعابر الحدودية أمام الصادرات والواردات بين الطرفين، من خلال تحريك ملفات التعاون الثنائي التي بقيت مجمدة بفعل تعقيدات السنوات الماضية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن الأسبوع الماضي من العاصمة السعودية الرياض رفع العقوبات عن سوريا لـ"منحها فرصة" كما قال إن إدارته اتخذت الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع دمشق. وفي خضم السعي لاستعادة أسواق تقليدية واستكشاف فرص تصديرية جديدة، تتكثف الجهود في الداخل الأردني لاستثمار التغيرات الإقليمية وتوسيع مساحة الحضور الاقتصادي. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الوفد الوزاري الأردني برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي إلى دمشق أول من أمس، حيث أفضت الزيارة إلى اتفاقات وتفاهمات إيجابية خلال انعقاد الدورة الأولى لمجلس التنسيق الأعلى بين البلدين في دمشق. صناعة الأردن تعزز من تحركاتها مع الجانب السوري ومنذ الإعلان عن نية الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سوريا باشرت غرفة صناعة الأردن بالتحرك الفعلي لتعزيز التعاون الصناعي والتجاري مع الجانب السوري، حيثُ جرى تنظيم مشاركة 25 شركة صناعية أردنية في المعرض الدولي للبناء بدمشق، الذي يُقام من 27 إلى 31 مايو الجاري، مُغطيًا قطاعات حيوية مثل مواد البناء، الطاقة، والصناعات الهندسية، بحسب رئيس غرفة صناعة عمان والأردن المهندس فتحي الجغبير. وأشار الجغبير إلى التحرك السريع والتحضير لإرسال وفد صناعي رفيع المستوى إلى دمشق لعقد لقاءات ثنائية مع القطاعين الحكومي والخاص السوري، واستكشاف فرص التصدير والتكامل الصناعي، إلى جانب التخطيط لإقامة معرض صناعي أردني متكامل في سوريا، يعرض فيه الصناعيون الأردنيون منتجاتهم ويعقدون شراكات مباشرة مع الجانب السوري. وبين أن هذهِ الخطوات تهدف إلى إعادة تموضع الصناعة الأردنية في السوق السورية، واستغلال الفرص الناشئة ضمن مشاريع إعادة الإعمار. الصناعات الدوائية والإنشائية تتصدر حاجة السوق السوري وتوقع الجغبير أن تستعيد الصناعات الأردنية دورها كمزود رئيسي للمنتجات في السوق السوري، خصوصًا في القطاعات التي كانت تقليديًا تتمتع بحصة سوقية مرتفعة، وعلى رأسها الصناعات الكيماوية والدوائية، مما ينعكس بشكل مباشر على قطاعات صناعية أردنية من انفتاح الأسواق السورية. وذكر أن أبرز الصناعات المستفيدة هي الصناعات الكيماوية والأسمدة التي تلبي احتياجات الزراعة ومشاريع البنية التحتية، إذ يُتوقع أن تحقّق الصناعات الدوائية الأردنية، ذات السمعة القوية، نموًا ملحوظًا في السوق السوري، مُضيفًا أن صناعات مواد البناء مثل الإسمنت، والرخام، والأنابيب، والكهربائيات، وذلك نظرًا لحجم مشاريع إعادة الإعمار. وأشار إلى الفجوة الكبيرة التي تعاني منها السوق السورية في عدد من القطاعات الصناعية، نتيجة لتراجع القدرة الإنتاجية المحلية خلال السنوات الماضية، حيثُ تعمل غرفة الصناعة على تحفيز قطاع الصناعات الأردنية ورفع جاهزيتها التصديرية، ودعمها لوجستيًا والتشبيك مع نظرائها للدخول بقوة إلى السوق السوري. القطاع الصناعي يعمل مع الحكومة لتعزيز التبادل التجاري وأفاد الجغبير خلال حديثه لـِ"الانباط"، أن غرفة صناعة الأردن تُكثف جهودها حاليًا بالتنسيق مع الجهات الرسمية لتيسير انسياب المنتجات الصناعية إلى سوريا، ومن أبرز هذه التنسيقات؛ العمل مع وزارة الصناعة والتجارة والتموين لتسهيل إجراءات التصدير وإزالة أي معيقات تواجه المنتجات الأردنية في السوق السوري بالإضافة إلى تنظيم الفعاليات التجارية. كما وتساند الغرفة الجهات المعنية في تحضير مراكز لوجستية قريبة من الحدود السورية تعزز من دور الأردن كمركز إقليمي لتزويد سوريا بالسلع، ومحطة لانطلاق مشاريع إعادة الإعمار، داعيةً إلى ضرورة التحضير والتنسيق من قبل البنك المركزي الأردني والقطاع المصرفي لوضع آلية آمنة لتحويل الأموال وضمان استقرار المعاملات المالية، ما بعد رفع العقوبات. رفع العقوبات يفتح فرص ربط كهربائي إقليمي وفيما يتعلق بمجال الطاقة، أوضح خبير الطاقة الدكتور فراس بلاسمة أن رفع العقوبات عن سوريا قد يهيئ بيئة مرنة لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا، وتزويد لبنان بالكهرباء بعد أن أعاقت العقوبات سابقًا وتحديدًا "قانون قيصر" والترتيبات المالية والفنية، مشيرًا إلى أن هذا التطور قد يفتح الباب لاستئناف الدعم من جهات كـ البنك الدولي أو صناديق عربية ما يجعل تنفيذ المشروع أكثر واقعية في عام 2025. وفي ما يتعلق بتزويد لبنان بالكهرباء الأردنية، أشار بلاسمة إلى أن سوريا تعد المفتاح اللوجستي الوحيد لتمرير الكهرباء الأردنية إلى لبنان حاليًا، وأن تنفيذ المشروع سيحول سوريا إلى نقطة عبور حيوية، مؤكدًا أنه سيحول الأردن إلى مصدر طاقة للبنان ضمن اتفاق إقليمي مدعوم دوليًا، ولتحقيق ذلك يجب توافر عدة شروط منها استقرار أمني في المناطق التي يمر بها خط لربط داخل سوريا، وتأمين التمويل الدولي لـ إعادة تأهيل الشبكة السورية المتعرضة إلى أضرار، بالإضافة إلى وجود إدارة سياسية متوازنة لدى الحكومة اللبنانية. وأكد بلاسمة أن رفع العقوبات سينعكس إيجابًا على أمن الطاقة في الأردن، من خلال تنويع قنوات تصدير الكهرباء وتحقيق عوائد مالية من بيع الفائض الكهربائي خاصة في مواسم الإنتاج المرتفع، كما يسهم الربط المتعدد في تعزيز المرونة عبر إمكانية الاستيراد عند الحاجة، ما يعزز موقع الأردن كـ مركز إقليمي لـ تبادل الكهرباء بفضل شبكاته الحالية مع مصر وفلسطين والسعودية والعراق، واحتمال اكتمال الربط مع سوريا ولبنان. تشغيل خط الغاز العربي وبخصوص خط الغاز العربي، قال بلاسمة إن خط الغاز العربي عبر الأردن وسوريا ولبنان لا زال صالحًا من ناحية تقنية، مضيفًا أن تشغيله بطاقة عالية يحتاج إلى ضمان أمني للخط داخل سوريا واتفاقيات رسمية جديدة مع سوريا ولبنان، بالإضافة إلى إزالة العوائق القانونية والمالية المفروضة سابقًا على التحويلات البنكية والتمويل، مبينًا أن دور الأردن هي الممر الرئيسي لهذا الخط وأن دوره قد لا يقتصر فقط على أنه دولة عبور وإنما إلى جهة تنظيمية وتشغيلية خاصة إذا شارك في تحصيل رسوم عبور وتوفير الدعم الفني لـ محطات الضخ. وأضاف أن البنية التحتية قادرة على تشغيل كميات متوسطة لكنها بحاجة إلى استثمارات إضافية في محطات الضخ وصمامات الأمان وخطوط الضغط العالي، بالإضافة إلى توسعة سعة التخزين المؤقتة لاستيعاب الضغط في حال وجود أي خلل في الشبكة السورية، مؤكدًا أن الأردن سيصبح مركزًا إقليميًا للغاز باعتماده على عودة الاستقرار إلى سوريا ولبنان و زيادة الطلب في هذين البلدين على الغاز المستورد عبر الأردن، وأنه إذا تم الأمر فإن الأردن سيكون "عالعنق الزجاجي" لتدفقات الغاز من مصر إلى سوريا ولبنان وم ثم يحتفظ بموقع تفاوضي قوي ويعزز اقتصاده من العوائد. إمكانيات الأردن في نقل واستيراد النفط السوري وفيما يتعلق بالنفط، أوضح بلاسمة أن استيراد النفط من سوريا يشكل خيارًا واردًا أمام الأردن من الناحية النظرية رغم محدودية الاحتياطات النفطية السورية وتركزها في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، مثل دير الزور والحسكة، ومع تحسن الأوضاع السياسية وعودة السيطرة على الموارد يمكن فتح الباب أمام تبادل نفطي بين البلدين سواء عبر شراء مباشر أو من خلال مقايضة مقابل خدمات أو كهرباء، ويمتلك الأردن ميزة جغرافية مهمة تتيح تسهيل عمليات النقل سواء عبر الشاحنات أو من خلال إنشاء خط أنابيب محتمل في المستقبل. وتابع أنه من منظور أوسع يمكن أن يلعب الأردن دور محطة ربط إقليمي لنقل النفط السوري، ولكن ذلك يظل مرهونًا بجملة من العوامل أهمها إعادة تأهيل أو إنشاء خطوط أنابيب جديدة تمتد من شرق سوريا إلى الحدود الأردنية، وتوقيع اتفاقات إقليمية مع دول مثل العراق ولبنان ومصر، بالإضافة إلى ضرورة وجود طرف دولي ضامن أو ممول لتقليل المخاطر السياسية والاقتصادية المصاحبة، مشيرًا إلى أن رفع العقوبات عن سوريا قد يمنح الأردن فرصة لإعادة تموضعه كلاعب إقليمي في مجالات الطاقة، لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية متوازنة واستثمارات مدروسة، بالإضافة إلى تعاون إقليمي منسق لـ تجاوز التحديات وتحقيق مكاسب مستدامة. الربط الكهربائي الأردني السوري وفرص التصدير الإقليمية ومن الجانب الاقتصادي، أكد الخبير حسام عايش أن رفع العقوبات سيسرع تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا، حيث يمتلك الأردن قدرة توليدية تتجاوز 2000 ميغاواط غير مستغلة بالكامل، مما يجعله يراهن على تصدير الكهرباء كخيار استراتيجي، لافتًا إلى أن الحكومة السورية أعلنت عن خطة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء على ثلاث مراحل، الذي يفتح المجال للربط خلال سنة أو سنتين، مؤكدًا أن التنفيذ مرتبط بقدرة سوريا على إصلاح بنيتها التحتية. وفيما يخص لبنان، بين عايش أن إيصال الكهرباء عبر سوريا يعتبر فرصة لاستعادة عوائد الاستثمار الأردني في الطاقة المتجددة، ويفتح آفاقًا لـ تصدير الكهرباء إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا بشرط تحقق الربط الكامل، مشددًا على أهمية الانتقال من الخطابات المثالية إلى المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات الدولية، مبينًا أن تزويد سوريا بالكهرباء سيعزز الصادرات الأردنية ليس فقط في الطاقة بل أيضًا في السلع والخدمات مع توقعات بنمو الصادرات إلى مليار دينار خلال السنوات القادمة. خط الغاز العربي ودور الأردن في سوق الطاقة وأشار إلى توقف خط الغاز العربي بسبب الأزمة السورية والعقوبات، لكن مع تحسن الوضع الأمني في سوريا عاد الحديث عن إعادة تشغيله لـ تعزيز أمن الطاقة في المنطقة، موضحًا أن الأردن لا يقتصر دوره على كونه ممرًا للخط، بل يمكن أن يلعب دورًا تنظيميًا وتشغيليًا، مع إمكانية تحقيق عوائد من رسوم العبور والدعم الفن، مبينًا أن الخط يحتاج إلى استثمارات في محطات الضخ وخطوط الضغط العالي، كما أن الأردن قادر على أن يصبح مركزًا إقليميًا للغاز، خاصة مع زيادة الطلب في سوريا ولبنان بشرط عودة الاستقرار في البلدين. استيراد النفط السوري والتحديات الاقتصادية أمام الأردن وأضاف عايش أنه قبل الحرب والعقوبات لم يكن الأردن يستورد النفط السوري، الذي كان يكفي الاستهلاك المحلي فقط، لكن الان تحول سوريا إلى دولة مصدرة يتطلب رفع القدرات الإنتاجية والتكريرية، وضمان توافق نوعية النفط مع مصفاة الأردن بالإضافة إلى ملاءمة الأسعار والاتفاقيات التجارية. وتابع أن التحدي الأساسي في الأردن هو الضرائب المرتفعة على المشتقات النفطية التي تبقي الأسعار مرتفعة رغم انخفاض أسعار النفط عالميًا، وأن فكرة استخدام الأردن كـ ممر لـ صادرات النفط السوري ما تزال افتراضية بسبب دمار البنية التحتية في سوريا، والحاجة إلى رفع القدرات الإنتاجية وتأمين منافذ تصدير مستقرة. وأكمل حديثه أن إنشاء ممر نفطي جديد عبر الأردن وميناء العقبة نحو البحر الأحمر يبقى مشروعًا بعيد الأمد، نظرًا لانخفاض الإنتاج السوري وصعوبة التمويل والتعقيدات السياسية الداخلية في سوريا، حيث تتوزع مناطق الإنتاج بين مناطق نفوذ مختلفة. الاقتصاد الأردني والسوري شركاء بجزاء العقوبات وبدوره، أكد الخبير الاقتصادي محمد البشير أهمية سوريا للاقتصاد الاردني، حيث أن قانون قيصر كان مؤذيًا أولًا لـسوريا وثانيًا للأردن، نظرًا للقرب الجغرافي وللعلاقات التجارية المرتبطة معه، مُبينًا أن جميع مستوردات البحر المتوسط كانت تمر من سوريا ولبنان مارةً بالأردن إلى الخليج. مؤكدًا أن الأردن المستفيد الثاني من رفع العقوبات بعد سوريا (شعبًا وحكومةً). الفرص الإنشائية قيد التسهيلات الحكومية وعلى صعيد الفرص الإنشائية، أشار البشير إلى أن الأردن يمتلك 12 مصنع حديد ما يدعم مرحلة البناء في سوريا ويعزز الاقتصاد الوطني، داعيًا الحكومة إلى تخفيض كُلفة المنتج الأردني بما يمكنه من المنافسة أمام دول أخرى مثل تركيا، حيث يستطيع الأردن المنافسة في المهارات البشرية والخبرات الفنية التكنولوجية والمصرفية. التُجار الأردنيون أمام منعطف تجاري وبين البشير، أن نسبة الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي في الأردن تزيد عن 70% والتجارة تستحوذ على الحصة الأكبر من هذه النسبة، لافتًا إلى أن المشكلة التاريخية للتُجار الأردنيين هي عدم القدرة على إيصال البضائع إلى أوروبا ودول أخرى من خلال سوريا نظرًا لجغرافيتها، مؤكدًا أن عودة الخطوط التجارية مع سوريا سيعظم من التجارة البينية بين الأردن وسوريا وبين سوريا ودول أخرى. تابعو جهينة نيوز على


جهينة نيوز
منذ 3 ساعات
- جهينة نيوز
جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به
تاريخ النشر : 2025-05-22 - 12:13 am الدكتور منذر جرادات المختص في الإعلام والفكر السياسي aljaradat@ في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية ،لا يبدو تمر هذه الذكرى مجرد لحظة احتفالية تعود إلى عام 1946، بل أننا نتوقف عند هذا اليوم كمسار متجدد يفرض نفسه لصياغة الذات الوطنية، ويدفعنا للشعور بالمسؤولية المتواصلة لاختبار معنى السيادة في زمن التحولات السريعة؛ فالاستقلال ليس الخروج من عباءة الانتداب فقط وإنما يمثل قدرة الدولة على صيانة قرارها الحر وتحصين هويتها من التآكل ، والتأكيد على ممارسة سياستها وفق معايير ذاتية متجذرة في الوعي لا استجابة لأي ضغوط. لقد وُلد الأردن في بيئة جيوسياسية مضطربة في عين العاصفة وفي ظروف لا ترجح بقاء الدول فيها، لكنه شق طريقه بتوازن نادر بفضل الله وحكمة من قاد الدولة من ملوك ورجال الوطن الأوفياء وضلوعهم في السياسة العقلانية والجغرافيا المليئة بالتحديات . ومنذ تأسيسه الاردن بقي متمسكا بثوابته الواضحه وواعٍ لدوره الحقيقي ، بعيدًا كل البعد عن الانفعال، ورفضه الاصطفاف الأعمى أو المغامرات غير المحسوبة وهو ما يعكس جوهر مدرسة سياسية فريدة من نوعها حافظت على بوصلة الموقف وسط متغيرات قاسية. وحين نُسقط عدسة الفكر السياسي الرمزي على هذه التجربة نستحضر جلجامش هذا الملك السومري الذي لم ينل خلوده من البطولات القتالية ،بل من رحلته نحو الحكمة حين أدرك أن المجد الحقيقي يبنى على وعي الإنسان وحدود السلطة وعلى ما يتركه من أثر في مدينته التي تستمر بالحكمة و بالعقل، لا بالقوة. وهكذا بدا الأردن في رحلته السياسية؛ إذ لم يستند في بقائه على ثقل مادي بل إلى إرادة واعية تدير التوازن وتحمي الثوابت وتبني الجسور لا الجدران في مقاربة مستقرة بين الواقعية والمبدأ بين الاستقلال السياسي والاستقلال الأخلاقي. فمنذ الملك المؤسس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني تم الحفاظ على خيط ناظم في فلسفة الحكم يقوم على حماية الدولة من الداخل والتموضع الذكي في الخارج ، وعلى أن الكرامة هي جزء لا يتجزأ من الاستقلال، ولا عن القدرة على قول "لا" في اللحظة التي يكون فيها الصمت شكلا من أشكال التفريط ولنا شواهد في كل المحطات التي مر بها الاردن كان يتصرف بوصفه دولة لها شخصيتها وليست مجرد تابع في معادلات إقليمية مضطربة. ولأن كل دولة تُعرف بثوابتها، فإن الأردن لم يتخلى يومًا عن قناعته بأن القضية الفلسطينية ليست قضية مجاورة بل قضية وطنية ومن ثوابت الدولة الأردنية، التي لا تخضع لإعادة التقييم أو المقايضة بل ركن من أركان التوازن الداخلي والسيادة وجزء أصيل من فلسفة الموقف لا من ضرورات الخطاب السياسي الموسمي. هذه المدرسة السياسية التي صنعها الأردن ليست وصفة جاهزة لكنها تشبه الرحلة التي خاضها جلجامش نحو إدراك المعنى حيث يصبح الاستقلال الحقيقي فعلًا يمارس، لا شعارات في زمن يغيب فيه الخط الفاصل بين الهوية والمصالح العابرة،إذ يثبت الأردن مرة تلو الأخرى لاختياره الطريق الأصعب؛ طريق الدولة الأخلاقية المتزنة التي تحافظ على نفسها دون أن تفقد معناها، والتي تعرف أن السيادة ليست في اليافطات ولا في الكلمات الكبيرة بين الحان الأغاني، بل في المواقف المتزنة وفي الشجاعة الهادئة وفي البقاء الكريم وفي وجدان كل وطني حر، ولهذا فإن الاستقلال الأردني هو أحد القلائل الذين يُحتفل به… ويُمارَس في آنٍ واحد. تابعو جهينة نيوز على