
إذا كنا لا ننفق النقد.. فلماذا نكدسه؟
كلير باريت
هل تذكر آخر مرة دفعت فيها ثمن شيء نقداً؟ قد يكون هذا صعباً على 22 مليون بالغ بريطاني يستخدمون النقد مرة واحدة شهرياً أو أقل، رغم أن التذكر أسهل بالنسبة لـ 1.5 مليون يعتمدون عليه في إنفاقهم اليومي.
وتمثل الأوراق النقدية والعملات المعدنية الآن 12 % فقط من جميع المدفوعات، وفقاً لهيئة التجارة المصرفية البريطانية. لذا، إذا كان البريطانيون ينفقون نقداً أقل.. فكيف نكدس أوراقاً نقدية أكثر من أي وقت مضى؟.
تم توضيح هذه المفارقة النقدية المتزايدة في بيانات بنك إنجلترا هذا الأسبوع، التي أظهرت أن رقماً قياسياً قدره 86 مليار جنيه إسترليني من فئة الخمسة والعشرة والعشرين والخمسين جنيهاً إسترلينياً، يتم تداولها حالياً. وهي أكبر قفزة سنوية في السنوات الخمس الماضية منذ الوباء، والزيادة ليست مجرد دليل على التضخم. وإذا كان عدد أقل من هذه الأوراق النقدية يمر عبر الخزائن ومحافظنا، فمن المفترض أنه يتم دس المزيد لتخبئتها.. لكن السؤال هو، لماذا؟.
فقبل أن تصرخوا جميعاً «إنه تهرب ضريبي!»، دعونا نفكر في بعض الدوافع الأكثر دقة. إن تفسير البنك نفسه، هو أن الأوراق النقدية تستخدم الآن بشكل أكبر كمخزن للقيمة، بما يتماشى مع اتجاهات تمت مشاهدتها في دول أخرى. ففي الأوقات المضطربة، بما في ذلك الأوبئة العالمية والأزمات المالية، هناك راحة في امتلاك نقد مادي في متناول اليد. والمستثمرون الذين يتخلصون من الأسهم المتقلبة لصالح الذهب وصناديق سوق المال، يظهرون غرائز مماثلة.
ففي عام 2022، وجد بحث البنك أن 60 % من الأسر البريطانية كانت تدخر المزيد من النقود منذ بداية «كوفيد 19»، وكان متوسط المبلغ 167 جنيهاً إسترلينياً. كان يعتقد آنذاك أن الاكتناز المحلي يمثل ما بين 10 مليارات إلى 30 مليار جنيه إسترليني من الأوراق النقدية المتداولة. منذ ذلك الحين، أصبحت المدفوعات الرقمية أكثر انتشاراً، وأصبح العثور على فروع البنوك وماكينات الصراف الآلي أكثر صعوبة، ما زاد من تأثير أي هجمات إلكترونية أو انقطاعات في النظام. ويبدو وجود بعض النقود في متناول اليد كخيار احتياطي، أمر منطقي.
وهناك نظرية أخرى، وهي: ببساطة، ليس لدينا الفرصة لإنفاق النقود التي جمعناها. ففي جميع أنحاء المملكة المتحدة، يسحب عملاء البنوك 100 مليون إسترليني يومياً، وهو أقل من ماكينات الصراف الآلي مما كانوا عليه قبل الوباء، وفقاً لشركة «لينك»، التي تدير شبكة ماكينات الصراف الآلي في المملكة المتحدة. ويقول جراهام موت مدير الاستراتيجية في «لينك»، إن ذروة عمليات السحب أيام الجمعة، عندما كان الناس يسحبون النقود لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، أصبحت شيئاً من الماضي.
وفي المدن بشكل خاص، تتجه مزيد من الشركات نحو التعامل غير النقدي، وهو اتجاه تسارع خلال الوباء. وعمليات الدفع الرقمي ليست أسرع فحسب، بل تتطلب عدداً أقل من الموظفين. فإذا قمت بالنقر والدفع بجهاز الخدمة الذاتية في السوبر ماركت، أو طلبت وجبة جاهزة على شاشة تفاعلية ضخمة، أو قمت بمسح رمز الاستجابة السريعة لتسوية فاتورة مطعم، فإن كل تفاعل بشري تزيله التكنولوجيا، يوفر من تكاليف الموظفين.
في المطاعم التي لم تستسلم لهذا الاتجاه، هناك مفارقة أخرى في الحياة الحديثة، وهي إيماءة «توقيع شيك»، التي لا يزال يقوم بها أشخاص من سن معين (مثلي)، عند طلب الفاتورة. في الواقع، من المحتمل أن أدفع ثمن وجبتي عن طريق النقر بهاتفي على جهاز الدفع. ولكن إذا تلقيت خدمة رائعة، فأنا أحب أن أدفع بقشيشاً نقدياً بشكل سري للشخص المعني. لفتة صغيرة، لكنها دائماً ما تكون موضع تقدير.
مع وصول العبء الضريبي إلى أعلى مستوى له منذ 70 عاماً، فإن الاقتصاد النقدي الخفي، هو السبب الأكثر وضوحاً للشعبية الدائمة للأوراق النقدية. ويتم دفع أجور جليسات الأطفال وعمال النظافة والبستانيين نقداً بشكل شائع. عندما طلبت من الناس تذكر آخر معاملة نقدية لهم، ظهر أيضاً دفع ثمن قصات الشعر والعناية بالأظافر وعلاجات التجميل. ورغم اعتراف قلة بذلك، إلا أن بائعي المواد غير القانونية، هم فئة أخرى واضحة من المستفيدين.
وإذا كنت تكافح للعثور على حرفي للقيام بأي نوع من العمل في منزلك، فإن عرض الدفع نقداً قد يظهر لك مدى توفرهم. ليس أنني أبرر هذا السلوك، لكن الرغبة في الحصول على خصم نقدي، تتوافق جيداً مع التجار الوحيدين الذين يهدفون إلى البقاء تحت عتبة ضريبة القيمة المضافة، البالغة 90 ألف جنيه إسترليني. ومن بين المخاطر العديدة في النظام الضريبي في المملكة المتحدة، أن تجاوز هذا المستوى يعني الاضطرار إلى إضافة 20 % إلى الأسعار، ويميل حجم مبيعات الشركات الصغيرة إلى الوجود مباشرة تحت هذا المستوى.
قد يفسر التهرب من الرقابة عن طريق عدم إيداع العائدات في البنوك، سبب وجود كثير من النقود، ولماذا هناك طلب كبير على الأوراق النقدية ذات القيمة الأعلى. فقد انخفض عدد أوراق العشرة جنيهات المتداولة، بينما ارتفعت أوراق الخمسين جنيهاً بأكثر من 10 % على أساس سنوي.
ورغم ذلك، يمكنك أن تجرب إحدى الشركات الصغيرة العديدة في الشوارع الرئيسية، التي تشجع بنشاط استخدام النقد: أولئك الذين يأخذون كميات أقل من مدفوعات البطاقات، ويتم تحصيل رسوم أعلى بشكل غير متناسب عندما ننقر للدفع. يشير هذا، والحاجة إلى الحفاظ على البنية التحتية النقدية في المملكة المتحدة، إلى أن أولئك الذين يكدسون النقود المادية، يجب أن يخرجوا وينفقوا، وينفقوا، وينفقوا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Sport360
منذ 2 ساعات
- Sport360
الهلال يعطي فرنانديز مهلة محددة
سعودي 360 – أعطى مسؤولو نادي الهلال، مهلة محددة للبرتغالي برونو فرنانديز لاعب وسط مانشستر يونايتد، لحسم قراره بشأن العرض المقدم له للانضمام إلى الفريق السعودي في فترة الانتقالات الصيفية. يتطلع نادي الهلال، لحسم صفقة برونو فرنانديز قبل خوض بطولة كأس العالم للأندية والمقرر إقامتها بالولايات المتحدة الأمريكية من 14 يونيو حتى 13 يوليو. أفاد موقع 'Give Me Sport' الإنجليزي بأن نادي الهلال منح برونو فرنانديز مهلة 3 أيام لتحديد موقفه خلال الأسبوع المقبل. وأشار الموقع الإنجليزي إلى أن مسؤولي الهلال يعتقدون بأنه فرنانديز منفتح على هذه الخطوة، على الرغم من تأكيد اللاعب على التزامه بعقده مع مانشستر يونايتد. ويستعد الهلال، لتقديم عرض نهائي لنجم مانشستر يونايتد مقابل 700 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، بالإضافة إلى مكافآت إضافية، وتم منح البرتغالي ثلاثة أيام فقط لاتخاذ القرار، وتوضيح الأمر بحلول الأسبوع المقبل. وأضاف الموقع ذاته أن نادي الهلال سيتواصل مع إدارة مانشستر يونايتد إذا وافق فرنانديز على العرض، ولكن إلى الآن فالنادي الإنجليزي لا يريد التفريط في خدمات قائده. ويرتبط فرنانديز، بعقدٍ ممتد حتى عام 2027 مع خيار تمديده لعام إضافي، وقد صرح اللاعب بعد خسارة نهائي الدوري الأوروبي أمام توتنهام، أن قرار بيعه يعود إلى إدارة اليونايتد. وعرض الهلال، على فرنانديز عقداً لمدة 3 سنوات بقيمة 65 مليون جنيه إسترليني سنوياً شاملةً المكافآت، بالإضافة إلى رسوم التسجيل، ومكافآت المباريات والأهداف، ومعايير أخرى متعلقة بالأداء، كما سيحصل على سيارة وبدل إقامة وعدة تذاكر طيران خاصة للبرتغال.


العين الإخبارية
منذ 11 ساعات
- العين الإخبارية
النفط يتجه لأول خسارة أسبوعية منذ أبريل مع توقعات زيادة إنتاج أوبك+
انخفضت أسعار النفط اليوم الجمعة للجلسة الرابعة على التوالي وتتجه لتسجيل أول انخفاض أسبوعي في ثلاثة أسابيع. وتأثت الأسعار ، متأثرة بضغوط جديدة بشأن الإمدادات ناجمة عن زيادة محتملة أخرى في إنتاج مجموعة أوبك+. سعر النفط اليوم وبحلول الساعة 0812 بتوقيت أبوظبي، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 31 سنتا بما يعادل 0.5% إلى 64.13 دولار للبرميل. ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 33 سنتا أو 0.5 % إلى 60.87 دولار. وانخفض خام برنت 1.9 % منذ بداية الأسبوع، وهبط خام غرب تكساس الوسيط2.5 %. زيادة إنتاج أوبك+ ولامس العقدان أمس الخميس أدنى مستوى لهما في أكثر من أسبوع بعدما أفادت بلومبرغ نيوز في تقرير بأن أوبك+ تدرس زيادة كبيرة أخرى في الإنتاج خلال اجتماع في الأول من يونيو/ حزيران. ونقل التقرير عن مندوبين أن زيادة الإنتاج 411 ألف برميل يوميا في يوليو/ تموز من بين الخيارات المطروحة، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. وكتب محللون من آي.إن.جي في مذكرة بحثية "تتعرض سوق النفط لضغوط جديدة مع تزايد الجدل حول قرار أوبك+ بشأن مستويات الإنتاج في يوليو". ويتوقع المحللون أن تمضي أوبك+ قدما في زيادة الإنتاج 411 ألف برميل يوميا في يوليو تموز، وأن يبلغ متوسط سعر خام برنت 59 دولارا للبرميل في الربع الأخير. ووافقت أوبك+، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء منهم روسيا، على زيادة الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا في أبريل/ نيسان ومايو/ أيار ويونيو/ حزيران. ارتفاع كبير في مخزونات النفط الأمريكي وضغط ارتفاع كبير في مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة في وقت سابق من الأسبوع كذلك على أسعار النفط. ووفقا لبيانات من شركة ذا تانك تايغر، ارتفع الطلب على تخزين النفط الخام في الولايات المتحدة في الأسابيع الماضية لمستويات مماثلة لما كان عليه الوضع خلال كوفيد-19، في وقت يستعد فيه المتعاملون لزيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة من أوبك وحلفائها. وتترقب السوق اليوم بيانات عدد منصات التنقيب عن النفط والغاز الأمريكية التي ستصدرها شركة بيكر هيوز وتُستخدم مؤشرا على الإمدادات في المستقبل. كما تراقب السوق عن كثب المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية، والتي قد تحدد مستقبل إمدادات النفط الإيراني. وستعقد الجولة الخامسة من المحادثات في روما اليوم. aXA6IDgyLjIzLjE5OS4xNDIg جزيرة ام اند امز GB

سكاي نيوز عربية
منذ 13 ساعات
- سكاي نيوز عربية
هل بدأ العالم يشكك في قدرة واشنطن على ضبط ماليتها؟
يأتي ذلك في ظل ارتفاع حاد في أسعار الفائدة الحقيقية على مدار العامين الماضيين، ومع ذلك، يرى بورن أن المشرعين الأميركيين يخططون لمزيد من الاقتراض بدلاً من تبني سياسات تقشفية. فهل يؤشر تخفيض التصنيف الائتماني الأميركي إلى أزمة ديون وشيكة؟ وهل بدأ العالم يشكك حقاً في قدرة واشنطن على ضبط ماليتها؟ تدهور الوضع المالي وغياب الإرادة السياسية يوضح ريان بورن في مقال رأي نشره موقع " the times" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، أن قرار موديز بتخفيض تصنيف الديون الأميركية لم يكن مفاجئاً، بل كان انعكاساً منطقياً لتدهور الوضع المالي للبلاد. ويشير المقال إلى أن عجز الميزانية الأميركية يبلغ 6.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى عادة ما يرتبط بأوقات الحروب أو الركود الشديد، ويضاف إلى ذلك دين وطني يقترب من ذروته التاريخية. ويؤكد بورن أن هذا الوضع تفاقم بسبب الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى العجز الهيكلي المرتفع باستمرار. ويبرز المقال بشكل خاص أن مدفوعات الفائدة الصافية لأميركا تكاد تضاهي الآن ميزانية الدفاع الضخمة، ويتوقع أن تستهلك 30 بالمئة من إجمالي الإيرادات الضريبية بحلول عام 2035. ويشير إلى أن هذه الأرقام تتحدث عن نفسها، مؤكداً على غياب أي رغبة سياسية لتغيير هذا المسار. وينوه بورن محرر كتاب "الحرب على الأسعار"، في مقاله أن تخفيض موديز لتصنيف أميركا الائتماني لم يكن رد فعل على الحقائق الاقتصادية المعروفة منذ فترة طويلة، بل كان بمثابة إدانة صريحة للشلل السياسي الأميركي. ويوضح أن خبراء التنبؤ الاقتصادي ظلوا يفترضون لسنوات أن السياسيين الأميركيين سيتحملون المسؤولية المالية في مرحلة ما، وإلا فإن نماذجهم ستنهار. ويستشهد بتحذيرات محللين من جامعة بن وارتون في عام 2023، التي أشارت إلى أن أميركا لديها عقدان فقط لجعل ميزانيتها مستدامة، وأن التخلف التام عن السداد أو موجة تضخم مدفوعة بالديون ستصبح حتمية بدون خفض كبير للعجز. ومع ذلك، يؤكد كاتب المقال أن المشرعين الأميركيين بدلاً من الانتباه إلى هذه التحذيرات، يعملون على خطط إنفاق وتخفيضات ضريبية ستضيف تريليونات الدولارات إلى كومة الدين. ويبين المقال أن رد فعل الأسواق كان متوقعاً، حيث يعيد المستثمرون تقييم مراكزهم ويبيعون السندات طويلة الأجل. ويستشهد بالمستثمر راي داليو، الذي أشار إلى أن وكالات التصنيف الائتماني تركز على ما إذا كان الدين سيُسدد بالفعل. محذراً من الخطر الأكبر، وهو أن "الدول المدينة ستطبع النقود لسداد ديونها، مما يتسبب في تكبد حاملي السندات خسائر بسبب التضخم". ويربط الكاتب هذا التهديد المتزايد بالخلل السياسي الأميركي، موضحاً أنهما يفسران سبب مطالبة الأسواق بعوائد أعلى لإقراض الحكومة الأميركية على المدى الطويل. ويختتم المقال بالقول إن "السياسيين يحصلون أخيراً على رد الفعل الذي يستحقونه، حيث أن التوازن السياسي القائم على تجاهل إشارات السوق الواضحة والحسابات الأساسية لم يعد ممكناً. وتجدر الإشارة إلى أن وكالة موديز للتصنيف الائتماني خفضت تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة من "Aaa" إلى "Aa1"، مشيرة إلى ارتفاع الدين وتكاليف الفائدة "الأعلى بكثير من الدول ذات التصنيف المماثل". وذكرت موديز أنه "لم تتمكن الإدارات الأميركية المتعاقبة والكونغرس من الاتفاق على تدابير لتغيير اتجاه العجز المالي السنوي الكبير وتكاليف الفائدة المتزايدة". وجاء هذا التخفيض في أعقاب تخفيض وكالة فيتش تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة في أغسطس 2023 درجة واحدة، وذلك استناداً إلى ما وصفته بتدهور مالي متوقع ومفاوضات متكررة بشأن سقف الدين مما يهدد قدرة الحكومة على سداد ديونها. أزمة دين أم أزمة ثقة؟ في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: "لم يعد خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة حدثاً استثنائياً أو مدعاةً للدهشة، بل صار انعكاساً موضوعياً لمسار طويل من التدهور المالي والشلل السياسي. ومع قرار وكالة موديز الأخير بخفض التصنيف إلى 'Aa1'، بعد خطوات مماثلة من " ستاندرد آند بورز" (2011) و"فيتش" (2023)، لم تعد المسألة تتعلق بأرقام الدين أو العجز فحسب، بل بانهيار الثقة المؤسسية في قدرة واشنطن على اتخاذ قرارات مالية رشيدة". والأرقام وحدها تكفي لإثارة القلق: العجز الفيدرالي بلغ 6.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف ما يُفترض أن يكون عليه في ظل اقتصاد لا يعاني من ركود حاد أو حرب. أما مدفوعات الفائدة على الدين العام، فقد باتت تُنافس الإنفاق الدفاعي الأميركي، وتتجه لتلتهم نحو 30 بالمئة من الإيرادات الضريبية بحلول 2035. في المقابل، لا توجد قواعد مالية واضحة أو أهداف زمنية ملزمة لضبط العجز، ما يجعل الولايات المتحدة استثناءً سلبياً داخل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، بحسب تعبيره. ويضيف الدكتور الشبشيري: "لكن الأخطر أن التدهور المالي لم يقابله وعي سياسي بمخاطره. بل على العكس، تبدو النخبة السياسية – وخاصة في عهد الرئيس ترامب – وكأنها تتجاهل التحذيرات وتضاعف الإنفاق وتقلص الضرائب ، كما في مشروع "القانون الضخم والجميل" الذي قد يضيف وحده 5 تريليونات دولار إلى الدين. هذا الغياب للانضباط السياسي والمؤسسي كان الدافع الرئيسي وراء قرارات وكالات التصنيف، أكثر من المؤشرات الاقتصادية نفسها". في هذا السياق، يرى الشبشيري أن "خفض التصنيف يصبح بمثابة تصنيف جديد للحكم الأميركي، لا للاقتصاد فحسب. فبحسب " فيتش"، لم تكن المؤشرات المالية وحدها وراء تخفيض تصنيف 2023، بل كذلك 'تآكل الحوكمة' و'تكرار أزمات سقف الدين'، والمناخ السياسي المتسم بالاستقطاب الحاد والشلل التشريعي. والأحداث الرمزية، مثل اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، تعكس أزمة ثقة عميقة في استقرار المؤسسات الأميركية ، لا تقل خطورة عن العجز المالي". ومع ذلك، يوضح الشبشيري أن "الاقتصاد الأميركي لايزال يحتفظ بجاذبية فريدة: أكبر اقتصاد في العالم، قاعدة إنتاجية مرنة، هيمنة الدولار، عمق الأسواق المالية. ولكن هذه المزايا لم تعد كافية لتبديد المخاوف المرتبطة بمسار الدين. فمع تجاوز الدين 118 بالمئة من الناتج المحلي، وارتفاع معدلات الفائدة، وتآكل صناديق الضمان الاجتماعي، يبدو أن الولايات المتحدة تسير على حافة هاوية مالية مؤجلة بفعل القوة الهيكلية، لا بفعل الإدارة الرشيدة". وشبه الاقتصاد الأميركي في لحظته الراهنة بلاعب عملاق لا يزال يحتفظ بالقوة، لكنه مصاب بتشقق داخلي في الأعصاب المركزية: السياسة، والحوكمة، والثقة طويلة الأجل. من يقيّم المُقَيّمين؟ ويشير الدكتور الشبشيري إلى أنه "لا تخلو وكالات التصنيف نفسها من الإشكاليات. فقد وُجهت إليها انتقادات حادة بعد أزمة 2008 بسبب تقييماتها المتهاونة للأصول المهيكلة، وهي تُتهم بتضارب المصالح نظراً لاعتمادها المالي على الأطراف التي تصنّفها. وقد دعت عدة دول، منها الكويت عام 2014، إلى تقليص الاعتماد الآلي على هذه التصنيفات. لكن رغم ذلك، لا تزال الأسواق تستجيب لها بقوة، لأن غياب بديل شفاف وموضوعي يجعلها المرجع القائم بحكم الأمر الواقع". وأضاف: "إن خفض التصنيف الأميركي ليس نهاية العالم – فالدولار لا يزال ملاذاً، وسندات الخزانة لا تزال مطلوبة – لكنه مؤشر على تآكل الثقة، وهو أكثر ما تعتمد عليه المنظومة المالية العالمية. الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في التخلف المباشر عن السداد، بل في اللجوء إلى التيسير النقدي المفرط وطباعة النقود لتمويل العجز، ما يُعرّض الدائنين لخسائر صامتة عبر التضخم، ويهدد استقرار النظام النقدي الدولي". ويختم بقوله: "إن التخفيضات المتتالية في التصنيف الأميركي تُعبر عن أزمة ثقة شاملة: في النخبة السياسية، وفي آليات الحوكمة، وفي قدرة واشنطن على إصلاح نظامها المالي قبل فوات الأوان. وقد يكون هذا الخفض إنذاراً مبكراً– لا يُغيّر الحقائق المالية لكنه يسلّط الضوء على عمق الأزمة السياسية التي تقف خلفها". بدوره، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية ، طارق الرفاعي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يعكس تخفيض وكالة موديز مخاوف متزايدة بشأن المسار المالي الأميركي، ولكنه لا يشير بالضرورة إلى أزمة ديون وشيكة. وهو يتماشى مع الإجراءات السابقة التي اتخذتها ستاندرد آند بورز عام 2011 وفيتش عام 2023، مما يمثل المرة الأولى التي تصنف فيها جميع وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث الدين الأميركي دون AAA. 3 عوامل دفعت لتخفيض التصنيف الائتماني وذكر الرفاعي أن هذا التخفيض ينبع من عدة عوامل هي: ارتفاع الدين الوطني: بلغ الدين الوطني الأميركي حوالي 36 تريليون دولار، وتشير التوقعات إلى أنه قد يرتفع إلى 134 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. زيادة مدفوعات الفائدة: من المتوقع أن ترتفع مدفوعات الفائدة على الدين بشكل كبير، مما قد يستهلك ما يقرب من 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول منتصف القرن. غياب الإصلاحات المالية: هناك نقص مستمر في الإصلاحات المالية الجوهرية من الإدارات المتعاقبة والكونغرس، مما يُسهم في إثارة المخاوف بشأن قدرة الحكومة على إدارة شؤونها المالية بفعالية. وأوضح أن هذه العوامل تشير إلى أن خفض التصنيف الائتماني هو انعكاس مبرر للتحديات المالية التي تواجهها البلاد. في حين يُسلط خفض التصنيف الائتماني الضوء على مخاوف مالية خطيرة، فإنه لا يُشير بالضرورة إلى أزمة ديون وشيكة. إذ لا تزال مكانة الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية وسيولة أسواق سندات الخزانة الأميركية تُوفران حماية من الاضطرابات المالية المفاجئة. ومع ذلك، يشير الرفاعي إلى أنه قد يكون لخفض التصنيف عدة آثار هي: ارتفاع تكاليف الاقتراض: قد يطلب المستثمرون عوائد أعلى على الديون الأميركية، مما يزيد من تكاليف الاقتراض على الحكومة، وربما على المستهلكين والشركات. تقلبات السوق: ساهم خفض التصنيف الائتماني بالفعل في تقلبات السوق، مع ملاحظة انخفاضات كبيرة في مؤشرات الأسهم الرئيسية الضغط على السياسة المالية: قد يزيد خفض التصنيف الائتماني الضغط على صانعي السياسات لتطبيق إصلاحات مالية لمعالجة تنامي الدين والعجز. ويختتم الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية، الرفاعي بقوله: "في حين أن خفض التصنيف الائتماني يؤكد على ضرورة الانضباط المالي ، إلا أنه لا يشير بحد ذاته إلى أزمة ديون وشيكة. ومع ذلك، فبدون تغييرات جوهرية في السياسات، لا يمكن استبعاد خطر تفاقم الوضع المالي مستقبلاً".