
مشاريع التخرج الجامعية.. فرصة وطنية ضائعة.. آن أوان استردادها
نسرين قطامش
اضافة اعلان
مع اقتراب موسم مناقشات مشاريع التخرج في جامعاتنا الأردنية، تتكررت المشاهد ذاتها: عروض مبهرة، تصفيق، وطقوس احتفالية تسلط الضوء على إنجازات الطلبة في نهاية مشوارهم الأكاديمي. لكن خلف هذه المشاهد، يتبادر إلى الأذهان سؤال جوهري: ما مصير هذه المشاريع بعد انتهاء العرض؟ وهل هي فعلا مشاريع تنموية قابلة للاستثمار، أم مجرد متطلبات شكلية لا يتجاوز أثرها جدران القاعة؟يتخرج في جامعات الأردن سنويا أكثر من 70 ألف طالب وطالبة، ما يعني أننا أمام 70 ألف مشروع تخرج، و70 ألف فكرة، و70 ألف فرصة كامنة للتغيير. هذه المشاريع كان يفترض أن تشكل الخطوة الأولى نحو الواقع العملي، والجسر الذي يربط بين المعلومة النظرية والتطبيق الفعلي، بين الكتاب والميدان، بين جدران القاعات الأكاديمية وقضايا الوطن الحقيقية، وبين المراجع الجامعية وتحديات السوق والمجتمع، ومختبرا مفتوحا لتطبيق المعرفة وتطوير الحلول.وإذا اعتبرنا أن كل مشروع يتطلب على الأقل 50 ساعة من الجهد، فنحن أمام أكثر من 3.5 مليون ساعة عمل تهدر سنويا على مشاريع لا تجد طريقها إلى التطبيق أو التطوير. نحن لا نخسر فقط وقتا وموارد تعليمية، بل نفقد كنزا وطنيا من الإمكانات، كان من الممكن أن يتحول إلى ابتكارات، أو شركات ناشئة، أو حلول حقيقية لمشكلات نواجهها يوميا.في بلد يعاني من بطالة الخريجين، وفجوة بين التعليم واحتياجات السوق، لا يمكننا الاستمرار في التعامل مع مشاريع التخرج كأنها "نقطة نهاية". لقد آن الأوان أن نعيد تعريفها كـ"نقطة انطلاق" نحو دور فاعل في التنمية، لأن الحلول موجودة - في أفكار شبابنا، وفي عقول طلابنا، إذا ما وجهت وأتيحت لها المساحة. فالجيل الجديد من الطلبة يمتلك طاقات إبداعية هائلة، ويميل بطبيعته إلى التفكير خارج الصندوق. وإذا ما أحسن توجيهه وتوفير بيئة محفزة له، فإنه قادر على تقديم حلول غير تقليدية لتحديات معقدة. كل ما يحتاجونه هو رؤية واضحة، ومساحة حقيقية للتأثير.لكن ما يحدث اليوم يخالف هذه الغاية الأساسية. فقد تحولت مشاريع التخرج في كثير من الأحيان إلى محطة روتينية لا تلامس الواقع، ومجرد واجب أكاديمي ينجز لغرض التخرج. فبدلا من أن تكون مساحة للتحدي والإبداع وتقديم الحلول، أصبحت انعكاسا لثقافة تفضل التحصيل الشكلي على الإسهام العملي. يغيب عنها التناغم مع احتياجات السوق، وتقصى منها مشكلات المجتمع الحقيقية، ليتحول التركيز إلى الطقوس الاحتفالية والمجاملات التقديمية، على حساب جودة الفكرة وجدواها.نعم، هناك استثناءات ملهمة. مشاريع فردية تم توجيهها بذكاء، واستثمرت بشكل فعال، وتحولت إلى تطبيقات أو مبادرات ناجحة. لكن هذه النماذج، رغم أهميتها، تبقى محدودة وهامشية مقارنة بحجم الإمكانات المتاحة. وهذا التباين يفرض علينا سؤالا وطنيًا كبيرا: كيف يمكن أن ننتقل من حالة الهدر الجماعي إلى حالة الاستثمار الاستراتيجي؟كيف نعيد لمشاريع التخرج دورها الوطني؟الاستثمار المثمر في مشاريع التخرج كرافعة تنموية حقيقية، يحتاج لتبني رؤية متكاملة، تربط التعليم العالي بمسارات التنمية الوطنية، وتحول هذه المشاريع من نشاط أكاديمي إلى أداة إنتاج وحل. وفي ضوء رؤية التحديث الاقتصادي الأردني 2033، يصبح من الضروري إدماج هذه المشاريع ضمن منظومة وطنية تعزز الابتكار وتخدم القطاعات ذات الأولوية.مواءمة المشاريع مع احتياجات المجتمع والاقتصاد الوطني* إطلاق منصة وطنية سنوية للتحديات التي تواجهها القطاعات المختلفة بالشراكة مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، لتحديد القضايا التي تتطلب حلولا ابتكارية.* مواءمة مخرجات المشاريع مع رؤية الأردن الاقتصادية 2033، عبر تصنيفها حسب مساهمتها في محاور الرؤية كالتكنولوجيا الخضراء، التحول الرقمي والصناعات الإبداعية.* ربط تقييم المشاريع بمدى مساهمتها في معالجة مشاكل واقعية في قطاعات مثل التعليم، الصحة، البيئة، الطاقة، الاقتصاد الرقمي، وريادة الأعمال.* تشجيع الجامعات على تبني نموذج "التوجيه بالطلب"، حيث تحدد موضوعات المشاريع استجابة لاحتياجات الجهات الوطنية والمجتمع.* تعزيز التكامل بين مشاريع التخرج والجهود الوطنية في بناء الجدارات والتشغيل، من خلال ربط مكونات المشروع ببرامج المهارات الوطنية، مثل التدريب العملي، ومهارات التفكير النقدي، وريادة الأعمال، لضمان تهيئة الخريج لدور منتج في الاقتصاد منذ اليوم الأول بعد التخرج.* الاستفادة من نماذج محلية ناجحة مثل، جامعة الحسين التقنية التي تربط المشاريع مباشرة بسوق العمل، والجامعة الألمانية الأردنية التي تطبق نظام التعلم من خلال المشاريع المرتبطة بالتحديات الصناعية، لتوسيع نطاق هذه التجارب ونقلها إلى جامعات أخرى.ترسيخ الجانب العملي كشرط أساسي في المشروع* اشتراط وجود نموذج تطبيقي أو دراسة ميدانية ضمن متطلبات التخرج، لضمان واقعية المشروع.* تنفيذ المشاريع داخل مؤسسات حقيقية من خلال شراكات مع البلديات، المستشفيات، الشركات، والمجتمع المدني.* منح الأولوية للمشاريع القابلة للتنفيذ في السوق، وتوفير حوافز لتطويرها إلى نماذج أعمال قابلة للنمو.* تعديل نماذج التقييم الجامعية لتشمل مؤشرات الأثر الاجتماعي والاقتصادي.بناء منظومة توجيه ثنائية.. أكاديمية وصناعية* دمج مشرفين من قطاعات الإنتاج والخدمات في عملية التوجيه، لضمان واقعية الفكرة وتطبيقها.* إطلاق "مسار التوجيه المهني" داخل الجامعات بالشراكة مع القطاع الخاص والهيئات المهنية.* الاستفادة من خريجين رياديين لتوجيه الطلبة وبناء جسور بين التجربة الأكاديمية وسوق العمل.تمويل وتبني المشاريع الواعدة* إنشاء صندوق وطني دائم لدعم مشاريع التخرج الابتكارية أو ربطها بفرص التمويل المتاحة في السوق، من خلال المشاريع التنموية ذات العلاقة.* تقديم منح احتضان وفرص تطوير تقني وتسويقي للمشاريع المتميزة، وربطها مباشرة بحاضنات الأعمال.* تنظيم معارض وطنية سنوية تعرض المشاريع التطبيقية، أمام الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمستثمرين.تعزيز التعاون بين التخصصات لإنتاج حلول شاملة* تشجيع مشاريع جماعية عابرة للتخصصات، لتعزيز التفكير المنظومي والقدرة على تقديم حلول متكاملة.* إنشاء مختبرات ابتكار متعددة التخصصات داخل الجامعات، لتطوير حلول فعلية للتحديات المجتمعية.* دمج التدريب على العمل التكاملي في المناهج، من خلال مساقات ومشاريع تخرج مشتركة.من الهدر إلى الريادةمشروع التخرج ليس مجرد نهاية أكاديمية، بل يمكن أن يكون بداية لرحلة تأثير. إننا أمام فرصة وطنية كبرى، قابلة للاسترداد إذا ما تم توجيه الجهود بشكل استراتيجي. 70 ألف مشروع تخرج سنويا تعني 70 ألف فرصة للابتكار، للتوظيف، للتنمية ولخدمة المجتمع.والأهم من ذلك، فإن ربط هذه المشاريع بجهود الدولة في بناء الجدارات وتشغيل الخريجين، يعزز جاهزية الشباب للدخول في دورة الإنتاج الوطني. مشاريع التخرج يجب أن تصبح مسارا مؤسسيا لتسريع انتقال الخريج من مقاعد الدراسة إلى ساحة العمل والابتكار.آن الأوان أن نتعامل مع مشاريع التخرج كذراع تنموية وطنية، وكمكون أساسي في تحقيق رؤية الأردن 2033. فالفرص لا تنتظر، والمجتمعات التي تحسن استثمار قدراتها هي التي تصنع مستقبلها.ولأننا نؤمن بإمكانات شبابنا، فإن الاستثمار في أفكارهم ومشاريعهم هو استثمار في مستقبل هذا الوطن. إنهم لا يفتقرون إلى الذكاء أو الجرأة أو الابتكار - بل إلى التوجيه، والثقة، والفرصة. وحين تتوفر هذه العناصر، فإن الجيل القادم ليس فقط جزءا من الحل.. بل هو من سيعيد رسم ملامحه.* المدير العام لمؤسسة الحسين للسرطان
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
مختصون: تقبل نتائج المنافسات الرياضية تعكس ثقافة الشعوب وسمو أخلاقها
قال مختصون في العلوم الاجتماعية والتربوية، إن تقبل نتائج المنافسات الرياضية فيما يتعلق بالربح والخسارة يعكس الثقافة الراقية للشعوب وسمو أخلافهم واحترامهم للمنافس وقناعتهم أن الرياضة لا بد أن يكون فيها خاسر ورابح وهذا ما يعكس جماليتها وشعبيتها الواسعة بين مختلف الأوساط والفئات. وأضافوا أن المنافسة والتشجيع حق لكل الشعوب يرتبط بشكل وثيق بالهويات الوطنية على اعتبار أن المنتخبات تمثل رمزية للدول، وتسهم في رفع اسمها بالمحطات الدولية ولكن هذا الانحياز للمنتخبات لا يعطي الحق في الإساءة للآخر بأي شكل من الأشكال. وبين الخبير التربوي والرياضي رئيس جامعة عمان الأهلية الدكتور ساري حمدان، أن الإنجازات التي حققها منتخبنا الوطني لكرة القدم تدعونا للفخر والاعتزاز لا سيما وأننا أصبحنا على بعد خطوة واحدة من التأهل لمونديال كأس العالم 2026 وهذه تعد سابقة تاريخية لكرة القدم الأردنية وتحظى باهتمامات ملكية ومتابعة حثيثة من سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، وسمو الأمير علي بن الحسين، رئيس الإتحاد الأردني لكرة القدم. وأضاف، أن الرياضة اقترنت دومًا بالأخلاق والروح الرياضية وغير ذلك تتحول إلى صراعات لها نتائج سلبية وتؤثر في بعض الأحيان على العلاقات ذات البعد الشعبي مع الدول الشقيقة والصديقة، ويقوم البعض باستغلال هذه الأحداث الرياضية لبث الفتنة والتعصب بين الأشفاء، داعيًا إلى الحذر من الإشاعات والعبارات المغرضة والأخبار غير الموثوقة في هذا الشأن. وأكد حمدان، أن المشجع الأردني يتمتع على الدوام بانتمائه لمنتخباته الوطنية وخاصة منتخب كرة القدم ، حيث نقف جميعنا خلفه ونشجعه بوعي وإدراك دون أن نذهب إلى التشكيك بمستويات الفريق المنافس ونحترم ونقدر عاليا جميع المنتخبات ولا ننقل ساحات المنافسة من داخل الملاعب إلى ساحات من الصراعات على مواقع التواصل أو من خلال وسائل الإعلام. وأشار إلى أهمية تقبل الفوز والخسارة بذات الروح، مع الإدراك أن الخسارة تعد حافزا لبذل المجهود الأكبر نحور التطور والإنجاز، مشيدًا بنجاحات المنتخبات الأردنية في مختلف الألعاب والروح الرياضية السامية التي يتمتع بها المشجع الأردني. وبينت الأخصائية التربوية في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتورة يسرى العلي، ﺇﻥ الرياضة تبني جسورًا من المحبة التي تربط ﺍﻟﺸﻌﻭﺏ ببعضها، وتفتح بينهم قنوات التواصل غير الرسمية وهي لغة عالمية سامية يتحدث الجميع من خلالها، ويعبرون عن عشقهم وميولهم للمنتخبات، ولم تخلق أبدا للنزاعات والصراعات والمناكفات. وأكدت، أن منافسات كرة القدم لا يمكن اعتبارها معارك تستخدم فيها الألفاظ غير اللائقة والمنشورات الداعية للعنف وإقصاء الآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما هي وسيلة للترويح عن النفس والاستمتاع بالمجريات التي تثير في النفس الحماس والتشجيع للمنتخب بطريقة بعيدة عن السلوكيات التي تجرح مشاعر الآخرين وتشعرهم بالإقصاء والدونية بسبب أنهم خسروا مباراة أو لم يتمكنوا من الحصول على بطاقة التأهل. وقال أستاذ التربية الرياضية في جامعة جرش الدكتور منصور الزبون، إن رياضة كرة القدم مليئة بالمكونات التي تتيح للمترقب الترفيه والمتعة والتشويق والجميع ينتظر من المنتخب الوطني الأردني أن يقدم أفضل ما لديه في تصفيات كأس العالم لنصل لأول مرة إلى المونديال بهمة عالية وفريق مميز له شخصيته وقدرته على تحقيق الفوز. وأشار إلى أن مباراتينا مع منتخبين عربيين شقيقين، هما عُمان والعراق ستكونان حاسمتين وعلينا الوقوف خلف المنتخب بالتشجيع النظيف الخالي من العنصريات والتعصب والإساءة لجماهير المنافس والحذر من الفتن واحترام العلاقات التاريخية بين الشعوب .


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
الاردن: الذهب ينخفض بالنشرة المسائية … وعيار '21' عند 67.600 دينار
اظهرت التسعيرة اليومية لبيع الذهب في الاردن لهذا اليوم، الصادرة عن النقابة العامة لاصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات اسعار عيارات الذهب الاربعة المتداولة في السوق الاردني. وعلى النحو التالي : وبلغ سعر بيع الذهب عيار '24' للغرام الواحد 77.700 دينار. وبلغ سعر بيع الذهب عيار '21' للغرام الواحد 67.600 دينار. وبلغ سعر بيع الذهب عيار '18' للغرام الواحد 59.700 دينار. وبلغ سعر بيع الذهب عيار '14' للغرام الواحد 45.600 دينار.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
ولي العهد يصل الى ملعب مجمع السلطان قابوس الرياضي
وصل سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، الى ملعب مجمع السلطان قابوس الرياضي في مسقط لمتابعة مباراة المنتخب الوطني لكرة القدم ونظيره العُماني الشقيق بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026.