
نكهةٌ بين الحموضة والحلاوة.. ما سرّ وصفة طاجين اللحم بالبرقوق في المغرب والجزائر؟
Getty Images
يعتبر "طاجين اللحم بالبرقوق" من الأطباق الرئيسية القليلة في المطبخ العربي التي لا تمتزج فيها قطع اللحم بالخضروات أو بالبقول - كما هو حال معظم الوصفات المألوفة - بل تطبخ مع الفاكهة.
نكهة الطبق فريدةٌ، بين الحموضة والحلاوة.
ويعد الطاجين (وهو نوع من اليخنات) حجر الزاوية في المطبخ المحلي لكل من الجزائر والمغرب، وتسود منافسة بين البلدين الجارين بخصوص وصفة هذا الطاجين تحديدا، اللحم بالبرقوق؛ فلماذا هذا الطاجين تحديدا؟ وكيف يقدم على المائدتين؟
Getty Images
هذا الطبق الأصيل لا يفارق موائد الجزائريين والمغاربة في مناسباتهم، وخلال شهر رمضان.
Getty Images
الطاجين، يُسمى هذا الطبق باسم الوعاء الذي يُطهى فيه. هناك أنواع مختلفة من الطاجين من أشهرها اللحم بالبرقوق، وهناك أيضا الدجاج بالليمون.
استخدم الأمازيغ الأواني الطينية التي تعرف بـ"الطاجين" في الطبخ.
صار الاسم الذي كان مرتبطا بالطناجر الفخارية العميقة يشير - في الجزائر والمغرب - إلى اليخنة المطهوّة على نار هادئة لعدة ساعات، والتي توفر نكهة أعمق وتُنتج لحما طريا للغاية. بينما يشير الطاجين في تونس إلى معجنات تُحضَّر بالبيض والبطاطا.
ويضمن الشكل المخروطي المميز لوعاء الطاجين بقاء البخار في الداخل، ما يجعل اللحم أكثر طراوة.
يعدُ طاجين اللحم بالبرقوق من الوجبات التقليدية في كل من المغرب والجزائر، وعادة ما يرافق الشعبين ليس فقط خلال شهر رمضان، بل يكون حاضرا في الأعراس وعنوانَ المناسبات الخاصة المختلفة والأعياد.
لدى كل من البلدين مطبخ من أقدم مطابخ المنطقة؛ هناك تداخل كبير بينهما بحكم الموقع الجغرافي والموروث الثقافي المشترك، ولكن حافظ كلٌ منهما على طابعه الخاص.
تحدثت إلى طاهيين معروفين في كل من الجزائر والمغرب عن أسرار إعداده، ويبدو أن الطبق عزيز على شعب كلّ من البلدين، لذا أصرّ كل منهما نسب الطبق إلى تراث بلده.
قبل طاجين البرقوق، كان هناك جدل حول أصل الكسكس - وهو طبقٌ شمال أفريقي شهير وقديمٌ جدًا - وحول موسيقى الراي، والزليج (فن الفسيفساء)، وكذلك الألبسة التقليدية وصولا لأصل طاجين اللحم بالبرقوق، وفق ما رصدناه على مواقع التواصل الاجتماعي من كلا الجانبين؛ فالخلافات بين الجاريَن ليست سياسية فقط، بل ثقافيّة أحيانا.
Getty Images
مجموعة من الأواني الفخارية والتي تُزين بألوان طبيعية ولاتزال تباع في المحلات التجارية إلى اليوم في المغرب والجزائر وتونس
سرّ "تتبيلة" طاجين البرقوق المغربي
Getty Images
تجمع وجبة اللحم بالبرقوق بين اللحم الأحمر الطري والبرقوق المكرمل.
أبدأ من المغرب، مع الطاهي المحترف، الشيف سيمو، الذي وصف طاجين اللحم بالبرقوق بأنه "طاجين استثنائي"، قائلا إنه "أحد الأطباق الرئيسية في قائمتنا، ولا يجب تفويته".
يملك الطاهي سيمو مدونة طبخ وسلسة مطاعم في المغرب يقدم فيها أطباقا محلية ويعيد ابتكار بعضها.
يعتبر سيمو نفسه "سفيرا للثقافة المغربية"، وعند سؤاله عن نصيحته لإعداد طاجين اللحم بالبرقوق، أوصى بنقع قطع لحم الغنم الطرية أولا في التوابل فترة من الوقت "كي تستقر التتبيلة".
تشكيلة التوابل هذه تتكوّن من الزنجبيل والكركم والقرفة وكل من الفلفل الأسود والأبيض وملعقة صغيرة من عطرية المروزية. يخلط كل ما سبق مع الزعفران، الذي يُطحن ويضاف له الماء.
تمثل فاكهةُ البرقوق العنصر الأساسي في هذا الطاجين ويطلق عليها في بعض البلدان العربية اسم الخوخ أو البخاري أو غوجا وكذلك العوينة.
ويعتبر سيمو أن البرقوق هو ما يمنح الطاجين اللون الجميل والكثافة، شارحا أنه يجب "كرملة" البرقوق المجفف في مقلاة منفصله، بتذويب السكر في قليل من الماء حتى يغلي بعد سلق حبات البرقوق مع عود من القرفة وقليل من ماء الزهر لتصير طرية، وتصفيتها ووضع قطرات من الزيت عليها لتكتسب اللمعان.
وفي الدقائق الأخيرة تضاف الزبدة والعسل.
تطهى بعد ذلك قطع اللحم المتبل مع زيت وسمن وبصل، وتُضاف لها أعواد قرفة وحبات مستكة حتى مرحلة النضج.
يكشف لنا سيمو أن أساس نجاح الطبخة يعتمد على تسويتها على نار منخفضة هادئة لنحو ساعتين دون فتح الغطاء، إلا بالنصف ساعة الأخيرة حتى ينضج اللحم بشكل مثالي و"يتعسّل" البصل.
وأضاف "بعدها نزيل أعواد القرفة ونرصّع بخليط البرقوق واللوز المقلي والسمسم المحمص، ويقدم الطاجين بأناقة مع الخبز المغربي".
تناسب إضافة اللوز المحمص لطاجين اللحم بالبرقوق الذوق المغربي؛ فكما يقول سيمو لبي بي سي: "في طاجين اللحم بالبرقوق المغربي، اللوز المقلي يضفي قرمشة وهو مكون أصيل بهذا الطاجين، بينما الزبيب والسمسم خيارات حسب الذوق وللتزيين".
ويمكن إضافة المشمش المجفف أيضا للخليط، لكن بعد تحضيره بذات طريقة البرقوق.
الوصفة الجزائرية لـ"طاجين لحلو"
يسمّى طبق طاجين اللحم بالبرقوق في الجزائر "طاجين لحلو" (الطاجين الحلو). لكن هل يختلف مذاقه - مثل اسمه - إذا قُدم بأسلوب جزائري؟
تشاركنا الشيف الجزائريّة المتمرسة، شهرزاد، وصفتها الخاصة لإعداد الطبق.
تقول لبي بي سي "تشتهر الجزائر بطاجين لحلو. هو جزء من التجمعات العائلية خاصة بأول أيام رمضان. البرقوق هو ما يتألق في هذا الطاجين الذي له مكانته وأثره الخاص على مائدة أمتنا".
"هو طبق عطري، مبهج، ملون ومشبع، ويسلط الضوء على إتقان النكهات المعقدة. أنا مغرمة به لأنه يحفز الحواس ويوفر رحلة للتعرف على الجوانب المجتمعية والاحتفالية للطعام في بلادي".
لتحضيره، تختار شهرزاد لحمُ الضأن من منطقة الفخذ أو الكتف، أما توابل الوصفة الجزائرية فهي خفيفة، مثل القرفة المطحونة والملح والفلفل مع شعيرات الزعفران المنقوعة بماء ساخن.
ولتعزيز نكهة البرقوق، تضيف شهرزاد الفانيليا إلى جانب المكونات المشتركة مع الوصفة المغربيّة.
وبحسب شهرزاد "تميل كل منطقة لوضع لمساتها الإبداعية، لكن المكونات الأساسية غالبا ما تظل كما هي".
في الفيديو المنشور على صفحتها، وضعت شهرزاد اللحم وسط طبق التقديم وأضافت مرق البصل المصفى، ونثرت اللوز الذهبي المقرمش على الوجه بعد قليه، ووضعت جزءا منه داخل حبات البرقوق وجعلت الفاكهة الحلوة بصلصتها المسكرة تغمر اللحم.
وأبدعت في التزيين حتى أخذ الطبق شكلا فنيا.
أشارت إلى أن إضافة الزبيب أو السمسم أو الفواكه المجففة الأخرى مثل التمر يعطي نتائج شهية.
سر الطبخة بالنسبة لشهرزاد يكمن في انتقاء قطعة لحم طرية وطهوها حتى الذوبان، واستخدام المرق الناتج في طهي البرقوق مع السكر.
اللحوم والفواكه في طبق واحد: نعم أم لا؟
Getty Images
قد لا يستسيغ بعض سكان المنطقة العربية اجتماع اللحم والفواكه في طبق رئيسيّ واحد، لكن الشيف سيمو يرى أن "الشيء الممتع والتحدي الحقيقي في الطبخ هو جمع مكونات ونكهات لا تتجانس - نظريا وظاهريا. الوصفة التي قد تبدو غريبة على الورق، قد يكون مذاقُها مذهلا عند تجربتها".
ويضيف: "يعتقد كثيرٌ من الناس أن الطعم الناتج عن لقاء الفاكهة واللحم غير جذاب، لأنهم غير معتادين عليه، لكن هذا اللقاء موجود في الوصفات التقليدية المغربية".
الشيف سيمو يسمي هذا الطبق "عسل الموائد الرمضانية وطبقٌ احتفالي من الدرجة الأولى"، أما الشيف الجزائريّة، شهرزاد، فتقول "قد يبدو الجمع بين اللحوم والفواكه غريبا في البداية للبعض، إلا أنه فلسفة طهي في الجزائر ويمكن تأليفُ كتابٍ كامل عنها وعن فواكه مثل التفاح والكمثرى دخلت أطباقنا الرئيسية مما يُخلق تباينًا وتناغما رائعين في الطبق نفسه".
ويستعرض سيمو تشكيلة أطباق مغربية يقول إنها ستجعل الأشخاص "يفكرون بشكل مختلف".
فيشير إلى "البسطية"، فطيرة الدجاج باللوز المتبلة بالثوم والبصل والزعفران أو الكركم والزنجبيل، التي تلف داخل عجينة رقيقة ومقرمشة مرشوشة بالقرفة والسكر؛ وكذلك طبق "المروزية"، الذي يحضره عادة في عيد الأضحى، بطهي لحم الضأن بتوابل رأس الحانوت مع القرفة والزعفران، ويزين بالبرقوق أو الزبيب مع العسل واللوز؛ وطبق "كسكس التفايا"، الذي يغطى بطبقة من البصل المكرمل المطهو مع الزبيب والقرفة والعسل؛ و"طاجين الدجاج بالمشمش أو التين".
"كل واحدة من تلك الوصفات تجعلُ من الطعام المغربي مغامرة"، كما يقول الشيف سيمو.
Getty Images
عند البحث في كتابات عدد من المختصين في الطعام، نجد إحدى النظريات تتحدث عن أن مزج اللحوم والفواكه - سواء الطازجة أو المجففة - في الأطباق الرئيسية ظهر في الشرق، لدى الإمبراطورية الفارسية تحديدا.
وبحسب هذه النظريّة، كان الإيرانيون رواد هذا اللون من الطبخ؛ إذ انتشرت فكرة الاسترخاء أثناء إعداد الطعام، ولذلك ظهرت اليخنات المطهوة ببطء لأنها شهية ومريحة.
وحتى اليوم، تستخدم العديد من الفواكهة في الطبخ لإضافة حلاوة طبيعية، كما تضاف للمشاوي، ولتحضير الصلصات أو للتزيين عند التقديم.
ومهما كان نوع اللحم المستخدم، يعثر الطهاة على فاكهةً تُناسبه، مثل التفاح أو الرمان الذي يلعب دورا مهما في الأطباق الإيرانية.
وبحسب ما ورد في كتاب "500 عام من المطبخ العثماني"، الصادر عام 2005، فقد تأثر المطبخ العثماني بالمطبخ الفارسي. وجاء فيه أنه كسرا للرتابة، طوّر طهاة قصر الحاكم العثماني أنواع طعام واستلهموا مأكولات من مناطق مجاورة لتقديمها للسلطان والعائلة وموظفي القصر والحاشية.
وهناك من يقول إن عادات الأكل في القصر العثماني شقت طريقها نسبيا عبر الإمبراطوريّة العثمانية إلى العالم العربي والإسلامي، فانتقلت تقنيات الطبخ الفارسية وإدخال المكسرات (الصنوبر واللوز والجوز والفستق) والفواكه المجففة (المشمش والتمر والتين والزبيب) إلى وجبات رئيسية.
ونجد في العراق على سبيل المثال طبق "الطرشانة"، المكون من المشمش المجفف الذي يستعمل لعمل الحساء، ثم يضاف له قطع لحم وجوز واللوز والبهارات وكذلك "الكبة الموصلية" التي يتم حشوها بالمشمش والفستق واللوز.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- الأيام
من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة 'الإلغاء' وحقّ الجمهور بالمحاسبة
AFP النقيب أعلن قرار فصل الفنانة سلاف فواخرجي من النقابة، مستنداً إلى "النظام 40، فقرة 58" من النظام الداخلي للنقابة، والذي يُجيز شطب قيد أي عضو "يسيء إلى سمعة الجمهورية العربية السورية أو ينافي الآداب العامة". تشهد نقابة الفنانين السوريين في الآونة الأخيرة صراعاً محتدماً يعكس عمق الانقسامات السياسية في البلاد. فقد أصدرت النقابة، قبل يومين، بياناً موقّعاً باسم النقيب مازن الناطور، أعلن فيه إلغاء قرار عزله من منصبه، وذلك بعد ساعات قليلة من تسريب قرار العزل إلى وسائل إعلام سورية، وكان موقّعاً من نائب النقيب، الفنان نور مهنا. وقد برّر مهنا قرار العزل باتهام الناطور بـ"الاستئثار والتفرّد في اتخاذ القرار، وتهميش المجلس المركزي، ومخالفة القانون الناظم لعمل النقابة". وتأتي هذه التطوّرات بعد أسابيع قليلة من تصدّر نقابة الفنانين السوريين عناوين الأخبار، عقب منح النقيب عضوية النقابة "بمرتبة الشرف" لكلٍ من: المغنية السورية أصالة نصري، والمؤلف الموسيقي مالك جندلي، والمغني التراثي أحمد القسيم، والمغني اللبناني فضل شاكر. لكن القرار الأكثر إثارة للجدل جاء قبل نحو ثلاثة أسابيع، حين أعلن الناطور فصل الفنانة سلاف فواخرجي من النقابة، استناداً إلى "النظام 40، الفقرة 58" من النظام الداخلي للنقابة، والذي يُجيز شطب قيد أي عضو "يسيء إلى سمعة الجمهورية العربية السورية أو ينافي الآداب العامة". وقد أثار القرار موجة واسعة من الجدل، أعادت إلى الواجهة نقاشات قديمة حول العلاقة بين الفن والسياسة، وحدود حرّية التعبير، و"ثقافة الإلغاء" التي تشهد اهتماماً متزايداً حول العالم في السنوات الأخيرة. وفي مقابلة صحفية، قال الناطور إن قرار فصل فواخرجي "جاء في ضوء تصريحاتها التي تمجّد فاعلي الجرائم الأسدية في وقتٍ لا تزال فيه جراح السوريين مفتوحة"، مضيفاً: "الآن، بعد الإعلان الدستوري الجديد الذي يُجرّم من يمجّد الجرائم الأسدية أو ينكرها أو يمجّد فاعليها، خصوصاً أننا لا نزال نعيش مآسي الجرائم الأسدية، ولم يمضِ قرنان على ما فعله الأسد في سوريا، أن يأتي عضو في نقابة الفنانين له تأثير على جمهوره ويطعن بآلام السوريين، ويمجّد ويمنح صفة الشرف للقاتل، فهذا يتنافى حتى مع أبسط القيم الإنسانية والنقابية والوطنية". وكانت فواخرجي قد وصفت، في مقابلةٍ أجرتها في فبراير/ شباط الماضي، الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بـ"الشريف"، مشيرةً إلى أنها لا تزال ترى فيه هذه الصفة "إلى أن يتبيّن العكس". وفي تصريحات أخرى لها خلال شهر رمضان الماضي، كرّرت فواخرجي وصف الأسد بـ"الإنسان المحترم"، وقالت إن النظام السوري كان بمثابة "صمام الأمان" للبلاد طوال فترة حكمه. فنّانون في "قفص الاتهام" Getty Images واجه الفنان الإسباني بابلو بيكاسو اتهامات بسلوكيات مسيئة تجاه النساء، ودعت بعض التيارات النسوية إلى كسر الهالة المحيطة به وبأعماله. لا يقتصر الجدل الذي أثاره قرار فصل فواخرجي من النقابة على السياق السوري وحده. إذ يعيد إلى الواجهة نقاشاً عالمياً أوسع حول العلاقة المعقّدة بين الفنّ ومواقف صاحبه، ومدى إمكانية أو مشروعية فصل العمل الفنّي عن سلوكيات صاحبه ومواقفه الشخصيّة. وعبر التاريخ، اتخذ العديد من الفنانين البارزين مواقف إشكالية ومثيرة للانقسام، سواء كانت سياسية أو أخلاقية، وتعرّضوا على إثرها لدعوات للمقاطعة أو لإعادة النظر في إرثهم، لا سيما خلال العقود الأخيرة. ولعلّ أشهر مثال على الإطلاق في هذا السياق هو الموسيقي الألماني ريشارد فاغنر. وقد رُوِّج لفاغنر خلال الحقبة النازية على أنه من الملحّنين المفضّلين لدى أدولف هتلر. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت صورة فاغنر التاريخية بهذه الصفة، ولا يزال الجدل قائماً حول مدى تأثير أعماله الفنّية وكتاباته، لا سيما مقاله "اليهودية في الموسيقى"، في تشكيل أيديولوجيا ألمانيا النازية. كذلك الأمر بالنسبة للشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي أيّد الفاشية وبثّ خطابات معادية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ما أدّى إلى اعتقاله بتهمة الخيانة وإيداعه في مصحّة عقلية، لكنه لا يزال يُدرَّس في أقسام الأدب، وإن ضمن سياقات نقدية صارمة. بدوره، واجه الفنان الإسباني بابلو بيكاسو اتهامات بسلوكيات مسيئة تجاه النساء، ودعت بعض التيارات النسوية إلى كسر الهالة المحيطة به وبأعماله. وفي وقتٍ أقرب، أدّت اتهامات بالاعتداءات الجنسية إلى الإطاحة بالمخرج البولندي رومان بولانسكي وبالممثل كيفن سبايسي من مشاريع فنّية كبرى، فيما لا تزال أعمال الفنان الأمريكي مايكل جاكسون الغنائية موضع انقسام بين من يحتفل بها ومن يدعو إلى مقاطعتها لا سيما بعد عرض الفيلم الوثائقي "ليفينغ نيفرلاند" عام 2019 الذي أعاد إلى الواجهة اتهام جاكسون بالاعتداء الجنسي على أطفال. كذلك، تسببت آراء الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ والتي اعتُبرت معادية للعابرين والعابرات جنسياً، في انقسام جمهور سلسلة هاري بوتر، إحدى مؤلفاتها، بين من يرى فيها خطاب كراهية ومن يدافع عن حقها في التعبير. "إلغاء" الفنانين: بين المحاسبة والرقابة Getty Images تسببت آراء الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ والتي اعتُبرت معادية للعابرين والعابرات جنسياً، في انقسام جمهور سلسلة هاري بوتر يستند أنصار إلغاء الفنانين بشكلٍ أساسي إلى فكرة أن الشهرة تمنح أصحابها سلطة رمزية وتأثيراً واسعاً على الرأي العام، وبالتالي لا يمكن التعامل مع آرائهم أو سلوكياتهم على أنها "شخصية" أو "معزولة عن الفن". بالنسبة إليهم، استمرار دعم الفنانين الذين يروّجون لخطابات عنيفة - سواء كانت عنصرية أو تبريرية للجرائم أو معادية للنساء أو العابرين جنسياً - يعدّ تطبيعاً مع هذا الخطاب، بل ومشاركة غير مباشرة في الأذى. كما يرون أن استهلاك أعمال هؤلاء الفنانين يدعمهم مادياً وثقافياً، ويرسل رسالة صامتة مفادها أن الإبداع يمنح صاحبه أو صاحبته إعفاءً من المساءلة. من هنا، يُطرح الإلغاء كنوع من التضامن مع الضحايا، وكتحرك مجتمعي يفرض نوعاً من العدالة الرمزية. في المقابل، يحذّر المدافعون عن فصل الفن عن الفنان من أن ثقافة الإلغاء قد تتحوّل إلى أداة رقابة وقمع، تحكم على الناس بمعايير أخلاقية متغيّرة وتضيّق هامش التعبير. ويشير هؤلاء إلى أن العديد من الفنانين الذين يُعدّون رموزاً اليوم كانت لديهم مواقف إشكالية بمعايير الحاضر، فهل يعني ذلك محو إرثهم بالكامل؟ إضافة إلى ذلك، يرى هذا التيار أن الإبداع فعل إنساني معقّد، وأن مطالبة الفنانين بالكمال الأخلاقي هو أمرٌ في غاية الصعوبة. نظرية "موت المؤلّف" Getty Images يرفض بارت تضمين أي حكم نقدي لعمل فني بُعداً أخلاقياً يصل إلى مؤلف العمل نفسه خلال القرن الماضي مع تنامي إشكالية فصل الفنّ عن الفنّان، وإشكالية إن كان ذلك ممكناً، برزت نظريات عدّة سعت إلى تقديم حلول لما بدا في أحيان كثيرة أشبه بمعضلة. أهم هذه النظريات، نظرية "النقد الجديد" ونظرية المفكر الفرنسي وعالم السيميائيات رولان بارت عن "موت المؤلف". النظرية الأولى أطلقها بدايةً الشاعر الأميركي تي. أس. إليوت حين كتب أنه على القراء كي يقيّموا القصيدة التي بين أيديهم، ألا ينظروا إلى آثار حياة المؤلف، ولا إلى ما يمكن أن يكون قد قصده المؤلف، لكن عوضاً عن ذلك التعامل مع القصيدة كمرجع لذاتها منفصل عن العالم. لكن نظرية "موت المؤلف" تظلّ الأكثر شهرةً في هذا المجال، حين أعلن بارت عام 1967 أن الكاتب لا يخلق نصّاً، بل القارئ هو من يفعل ذلك. ويرفض بارت تضمين أي حكم نقدي لعمل فني بُعداً أخلاقياً يصل إلى مؤلف العمل نفسه، لأن برأيه لا يجب أن يكون النقد مهتماً بالمؤلف بل بالعمل فقط. ويرى أن صورة الأدب في الثقافة المعاصرة متمركزة بشكل "استبدادي" على المؤلف، شخصه، وتاريخه، ومذاقه، وشغفه، والنقد لا يزال يعتمد في أغلب الأحيان على القول مثلاً "إن عمل بودلير الأدبي هو نتيجة فشل بودلير الرجل، وعمل فان غوغ هو نتيجة جنونه، وعمل تشايكوفسكي هو نتيجة سيئاته؛ تفسير العمل دائماً يعتمد على الشخص الذي أنتجه". يقول بارت: "في كل مرة، نهتم فيها بنيّات المؤلف وحالته النفسية، نعود إلى المؤلف - الإله. نعطي المؤلف قوة تأويلية (على ما نفكر به نحن) وقوة مؤسساتية (على كيف يمكنه أن يتعامل مع الناس من دون عواقب)". ويضيف: "لنقل إن المخرج يخرج فيلماً. ما أن يسرد الموقف وصولاً لنهاياته اللازمة (...) يصبح (المخرج) خارجاً عن أي وظيفة إلا عن التمثيل القوي للرمز. يحدث هذا الفصل، يفقد الصوت مصدره، يدخل المؤلف موته، وتبدأ الكتابة". الفنّ ليس "بريئاً" على عكس هذه المقاربات التي تدعو إلى فصل العمل الفني عن حياة صانعه، نجد وجهات نظر أخرى تعتبر أن هذا الفصل يُستخدم في كثير من الأحيان لتبرئة الفنّ من مضامينه السلطوية أو حتى العنفيّة. ويعتبر هذا التوجه أن من غير الممكن تقييم العمل الفني بمعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي أُنتج فيه، ولا عن المنظومات التي يعكسها أو يعيد إنتاجها، سواء كانت استعمارية أو أبوية أو عنصرية. على سبيل المثال، ناقدات نسويات مثل البريطانية لورا مولفي التي ابتكرت مفهوم "النظرة الذكورية" في الفنّ، رأين علاقة عضوية بين الفنّ والفنّان. فقد رأت مولفي في مقالها الشهير "اللذة البصرية وسينما السرد" (1975)، أن السينما الكلاسيكية، وخصوصاً الهوليوودية مبنية على تمثيل المرأة كجسد يُنظر إليه ويُشتهى، لا كذات فاعلة. فهي "صورة"، فيما الرجل هو "صاحب النظرة" وفاعلها. ومعظم هذه الأعمال إن لم تكن كلّها، من صناعة رجال. ويُظهر تحليل مولفي لبنية النظرة في السينما أن المشكلة لا تقتصر على حياة الفنان الشخصية أو مواقفه، بل تمتد إلى داخل العمل نفسه. أي أن الأيديولوجيا الذكورية لا تأتي فقط من سلوك المخرج أو الكاتب خارج الفيلم، بل تتسرّب إلى اللغة البصرية، وإلى كيفية بناء السرد وتوزيع الأدوار والسلطة داخل الحكاية. بهذا المعنى، يصبح من الصعب فصل الفن عن الفنان، ليس فقط لأن الفنان قد يكون شخصاً مسيئاً، بل لأن رؤيته للعالم التي قد تكون قائمة على تمييز ما، تتجسّد في العمل الفني نفسه. ويوضح هذا المثال جوهر التوجه النقدي الذي نجده على نطاق واسع في النقد النسوي ونقد ما بعد الاستعمار. ويرى هذا التوجه أنه لا يمكننا التعامل مع الفن ككائن مستقل ومتعالٍ عن سياقه. لأنه، في كثير من الأحيان، ينتج ويعيد إنتاج البنى ذاتها التي تديم التمييز والعنف الرمزي. من هنا، لا تكون المطالبة بإلغاء فنان مسيء موقفاً رقابياً أو أخلاقوياً فحسب، بل أداة تحليلية في مشروع أوسع لتفكيك البُنى السلطوية التي ينطوي عليها هذا الفنّ، والتي بدورها تُنتجه وتُكرّسه.


الأيام
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- الأيام
خمسة أشياء قد لا تعرفها عن البابا فرنسيس
Getty Images توفي البابا فرنسيس، أول رئيس من أمريكا اللاتينية للكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عاماً.إليكم بعض الحقائق الأقل شهرة عن خورخي ماريو بيرغوليو، المولود في الأرجنتين، والذي قاد كنيسة تضم أكثر من مليار شخص لمدة 12 عامًا. عمل كحارس شخصي في السابق نشأ بيرغوليو في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، وتخرج من المدرسة الثانوية حاملاً شهادة الدبلوم في الكيمياء التطبيقية، قبل أن يحصل على شهادة في علم اللاهوت، ويواصل تدريس الأدب وعلم النفس.شجعه والده على العمل في سن الثالثة عشرة، وساعده لأيجاد وظيفة كعامل نظافة في مصنع للجوارب، وفقاً لمقابلة أجراها عام 2010.بعد بضع سنوات، أثناء إلقائه كلمة في كنيسة بروما، أثار دهشة الحاضرين عندما كشف أنه بالإضافة إلى كنس الأرضيات، كان يعمل أيضاً حارساً شخصياً في ملهى ليلي. مشجعٌ قوي لكرة القدم كان البابا فرنسيس مشجعاً مخلصاً لفريق سان لورينزو دي ألماغرو، الفريق المحلي في بوينس آيرس الذي دأب على تشجيعه عندما كان شاباً.أعلى درجات الحماسة والشغف بدت عندما فاز سان لورينزو في عام 2014 بكأس ليبرتادوريس، أحد أعرق البطولات لأندية كرة القدم في أمريكا الجنوبية. كان ذلك الفور هو الأول في تاريخ النادي الذي كان عمده آنذاك 106 أعوام.وعندما سُئل البابا عما إذا كان دعمه عاملاً في فوز فريقه المحبب، أجاب: "أنا سعيد جداً بهذا، ولكن، لا، إنها ليست معجزة".كما فاز الفريق بالدوري الأرجنتيني الممتاز في ذلك العام، وقدم أعضاء الفريق للبابا قميصاً رياضياً مطبوعاً عليه عبارة "فرانسيسكو كامبيون"، أو "فرانسيسكو تشامبيون"، على ظهره. Getty Images التقى البابا فرانسيس، مع جيانلويجي بوفون (يسار) وليونيل ميسي (يمين) التقى البابا فرنسيس أيضاً بالعديد من عظماء كرة القدم، بمن فيهم ليونيل ميسي والراحل دييغو مارادونا، بالإضافة إلى النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش وحارس المرمى الإيطالي جيانلويجي بوفون.وتم تأجيل جميع مباريات الدوري الإيطالي الممتاز الأربع، المقرر إقامتها يوم الاثنين المقبل، بعد الإعلان عن وفاة البابا. كان يحب ركوب الحافلة لطالما عُرف البابا فرنسيس بأخلاقه التي تميل إلى البساطة وإسداء الخدمة، التي بدت جلية في اختياراه لركوب وسائل النقل العام.مباشرةً بعد انتخابه بابا، استقلّ حافلةً مشتركةً إلى منزله مع مجموعة من الكرادلة بدلاً من استخدام سيارة الليموزين البابوية. Getty Images أوضح البابا فرنسيس أنه يفضل السيارات المتواضعة على السيارات الفاخرة قبل توليه منصب البابا، عُرف بأسلوب حياته المتقشف في بوينس آيرس، حيث أصبح كاردينالاً ورئيس أساقفة، وكان يسافر كثيراً بالحافلات وقطارات الأنفاق في المدينة، وكان يسافر غالباً في الدرجة السياحية عند سفره بالطائرة.كما عُرف البابا برفضه للسيارات الفاخرة واختياره أنواع سيارات بسيط، مثل فورد فوكس في إيطاليا، أو فيات 500L التي استخدمها في زيارة للولايات المتحدة عام 2015.كان يستخدم "السيارة البابوية" كثيراً لتحية الناس أثناء زياراته، لكنه لم يكن يفضل السيارة المزودة بزجاج مضاد للرصاص بينه وبين المصلين، ووصفها ذات مرة بأنها أشبه بـ"علبة سردين". Getty Images قام البابا فرنسيس برحلته الأخيرة إلى ساحة القديس بطرس في اليوم السابق لوفاته، حيث كان يلوح من سيارته البابوية المفتوحة كان يصلي يوميا من أجل حس الفكاهة كان البابا فرنسيس معروفاً بمزاحه وضحكاته خلال لقاءاته مع الجمهور.في عام 2024، استضاف أكثر من 100 كوميدي من 15 دولة في الفاتيكان، من بينهم جيمي فالون، وكريس روك، وووبي غولدبرغ. EPA قال البابا الراحل للممثلين الكوميديين إن إلقاء النكات حول الدين لا يعدّ كفراً، على ألا يحتوي على الإساءة. وأخبر البابا الممثلين الكوميديين حينها، أنه ظلّ يصلّي يومياً لأكثر من 40 عاماً قائلاً: "يا ربّ، امنحني حسّاً فكاهياً".هذا جزء من صلاة توماس مور، الذي أُعدم بتهمة الخيانة في عهد الملك الإنجليزي هنري الثامن في القرن السادس عشر، وأعلنته الكنيسة الكاثوليكية قديساً لاحقاً.وتقول الصلاة، التي تُليت على المشاركين: "امنحني نعمة أن أتقبل النكتة، وأن أكتشف في الحياة شيئاً من الفرح، وأن أشاركها مع الآخرين".كما قال لهم: "إن إلقاء النكات حول الدين لا يعد كفراً" ، مضيفاً أنه "يمكن القيام بذلك دون المساس بالمشاعر الدينية للمؤمنين". لقد بنى قاعدة جماهيرية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2018، وصف البابا فرنسيس الإنترنت بأنه "هبة من الله"، مضيفاً أنه يتطلب "مسؤولية كبيرة".أطلق سلفه البابا بنديكتوس السادس عشر عام 2012 حساباً بابوياً على تويتر، الذي أصبح يُعرف الآن باسم إكس-X، لكن ازداد عدد المتابعين له بشكل كبير خلال فترة البابا فرنسيس. Getty Images لقد جمع الحساب البابوي على تويتر سابقاً، إكس حاليا ملايين المتابعين، فيما تعود هذه الصورة لعام 2023 ينشر الحساب تغريدات بتسع لغات، وهي الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية، البرتغالية، البولندية، الفرنسية، الألمانية، العربية، واللاتينية، ويتابعه أكثر من 50 مليون شخص.مع ذلك، أثارت منشوراته بعض المفاجآت، على سبيل المثال عندما ذكر وسم #saints. ما أدى إلى عرض شعار فريق نيو أورلينز سينتس لكرة القدم الأمريكية (NFL) تلقائياً على المنصة، أثار ذلك موجة من السخرية بين المتابعين.كما نشر حسابه على إنستغرام، الذي يضم 9.9 مليون متابع، مؤخراً دعاء حول استخدام "التقنيات الجديدة"، بأن لا تحل محل العلاقات الإنسانية، أن تحترم كرامة الإنسان، وتساعده على مواجهة أزمات العصر".آخر منشور له على منصة إكس، كان يوم الأحد، بمناسبة عيد الفصح، أي قبل وفاته بيوم، يقول: "المسيح قام! هذه الكلمات تُجسّد المعنى الكامل لوجودنا، لأننا لم نُخلق للموت بل للحياة".


الأيام
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- الأيام
سلاف فواخرجي تعلق على 'وثيقة' زواجها من بشار الأسد
Getty Images نفت الفنانة السورية سلاف فواخرجي شائعة زواجها من الرئيس السوري السابق بشار الأسد، التي انتشرت مؤخراً على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول وثيقة تزعم ارتباطها به رسميّاً. وكتبت فواخرجي عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، باللغة العامية: "لا تواخذونا… عملناها عالضيق وما عزمنا حدا!"، ساخرة من تصديق البعض لما وصفته بأنه "شي بيضحك"، ومعتبرةً أن هذه الإشاعات، التي تمسّ الشرف وتغوص في الحياة الشخصية، تعبّر عن أزمة أعمق في الخطاب العام. وأشارت إلى أن الوثيقة المتداولة مليئة بالأخطاء، كإدراج خانة لم تكن موجودة أصلاً في السجلات الرسمية السورية، بالإضافة إلى معلومات غير دقيقة عن اسم والدها وتاريخ ولادتها. وأكدت فواخرجي أنها لم تُطلّق ولن تُطلّق من زوجها الفنان وائل رمضان، مضيفةً: "الله يحميلي زوجي وعيلتي… ويحمي كل الناس"، وقالت بعبارة موجّهة إلى مروّجي الشائعة: "ديروا بالكم عالبلد، والناس أولى بالاهتمام مني". جاءت هذه الشائعة بعد أيام قليلة من صدور قرار عن نقابة الفنانين السوريين بشطب عضوية سلاف فواخرجي من سجلاتها، في خطوة مفاجئة أرجعتها النقابة إلى ما وصفته بـ "تنكّرها لآلام الشعب السوري وإنكارها للجرائم"، في إشارة إلى مواقفها المعلنة تجاه النظام السوري السابق. وقد رُبط القرار بتصريحات أدلت بها فواخرجي مؤخراً، قالت فيها إن الرئيس السوري السابق بشار الأسد "عاش حياة بسيطة، وكان يمثّل الاستقرار السياسي في البلاد"، معتبرةً أن "المشكلة لا تكمن في الحاكم، بل في الشعب المنقسم"، على حدّ وصفها. وأضافت حينها أن الأسد حكم البلاد "بسياسة دولة ومؤسسات، لا من منطلق ديني"، مشيرةً إلى أن "أيام الثورة الأولى كانت جيدة"، لكنها ترى أنها "اختُطفت لاحقاً من تيارات دينية"، وفق تعبيرها. وأثار القرار جدلاً واسعاً، وتفاوتت ردود الفعل بين من اعتبره تسييساً للعمل النقابي، ومن رأى فيه موقفاً مبرّراً بسبب ما وصفوه بـ"تواطؤ فني مع السلطة". وكان أبرز المتضامنين مع فواخرجي زوجها الفنان وائل رمضان، الذي نشر رسالة مطوّلة عبر حساباته الرسمية، وصفها فيها بـ"كليوباترا" و"شهرزاد" و"زنوبيا"، ووجّه انتقادات لاذعة إلى من هاجمها أو شكّك في مكانتها. في مصر، عبّر عدد من الفنانين والنقاد عن تضامنهم معها، حيث كتبت الفنانة وفاء عامر: "أهلاً بها وسط زملائها وحبايبها… فنانة عظيمة وثروة لا يقدّرها إلا من يفهم في الماس"، فيما أكّد الناقد طارق الشناوي رفضه للقرار، مشدّداً على ضرورة أن تبقى النقابات الفنية على مسافة واحدة من جميع أعضائها، بعيداً عن الحسابات السياسية والانقسامات. Getty Images سلاف إلى جانب زوجها الفنان وائل رمضان، قالت في ردّها "الله يحمّيلي زوجي وعيلتي ويحمي كل الناس" كما عبّر الإعلامي المصري خالد منتصر عن استغرابه من قرار النقابة، وكتب قائلاً: "الفنان كالوشم… لا يُمحى، ومرحباً بكِ يا سلاف في أحضان مصر". أما داخل سوريا، فقد انتقدت الفنانة ناندا محمد قرار الشطب في منشور لها على فيسبوك، واصفةً إياه بأنه "غبي ومسيء"، رغم أنها لا تتفق مع فواخرجي سياسياً، معتبرةً أن النقابات ليست جهة مخوّلة لمحاكمة الفنانين على خلفية مواقفهم أو قناعاتهم. كما أعلنت إدارة مهرجان "همسة" الدولي للآداب والفنون، الذي يُقام سنوياً في القاهرة، عن تكريم سلاف فواخرجي ضمن دورته الثالثة عشرة، التي تُقام هذا العام تحت اسم الفنان الراحل سامي العدل. وقال رئيس المهرجان، الكاتب فتحي الحصري، إن "مصر ترحّب دائماً بالمبدعين من الأشقاء العرب"، مشدداً على أن التقدير الفني لا يجب أن يتأثر بالاختلافات السياسية. وكانت فواخرجي قد نشرت قبل ذلك منشوراً عبّرت فيه عن موقفها من ما وصفته بـ "المرحلة الجديدة" التي تعيشها سوريا، بعد سيطرة فصائل المعارضة على العاصمة دمشق. وفي هذا المنشور، تحدّثت عن مراجعتها لمواقفها السابقة، مؤكدةً أنها لم تدّعِ يوماً امتلاك الحقيقة المطلقة، بل كانت تعبّر عن رأيها بما تراه صواباً، حتى وإن اختلف معها الآخرون. وأشارت إلى أنها طالما دعت لحقن الدم السوري، لكن بعض الأصوات، بحسب تعبيرها، رفضت الاستماع لهذا النوع من الخطاب، وفضّلت التركيز على تخوينها وتجريمها فقط. وأكّدت سلاف فواخرجي تمسكها بحقها في عدم التراجع قسراً عن آرائها، موضحةً أنها لم تسارع إلى تقديم اعتذارات أو اتخاذ مواقف استرضائية، مضيفةً: "لم أرَ الصواب بعد، لكنني أتمناه". كما أشارت إلى أن البعض طالبها بحذف صورها ومواقفها السابقة، في إشارة إلى الصور التي جمعتها بمسؤولين من النظام السوري السابق، لكنها اعتبرت أن "محو الصور لا يُلغي التاريخ"، مؤكدةً أن تلك المرحلة، بما لها وما عليها، تبقى جزءاً من تاريخ سوريا. وأضافت: "أحترم كل لحظة مضت، وسأحترم كل لحظة جديدة". ووجّهت رسالة ضمنية إلى الإدارة السورية الجديدة، قالت فيها: "لا أعتقد أن الحكم الجديد سيكون ظالماً أو مستبداً كما يُروّج البعض"، معربةً عن أملها في استعادة الجولان المحتل، قبل أن تختم بالقول: "عاشت سوريا، وعاش السوريون موحّدين، مسالمين، غير مقسّمين… وشكراً لحقن الدماء". من هي الفنانة سلاف فواخرجي ولدت سلاف محمد سليم فواخرجي في مدينة اللاذقية في 1 يوليو/تموز 1977؛ والدها من مؤسسي حزب البعث، ووالدتها الكاتبة ابتسام أديب. درست الآثار في جامعة دمشق وتخرجت عام 1998، كما تابعت دراسات في الفنون التشكيلية واللغة السريانية. بدأت مسيرتها الفنية خلال دراستها الجامعية، حين شاركت في فيلم "الترحال" بإخراج ريمون بطرس، ثم لفتت الأنظار بدورها في "نسيم الروح" لعبد اللطيف عبد الحميد، وتوالت مشاركاتها في الدراما والسينما السورية. من أبرز الأعمال التي رسّخت حضورها على الشاشة مسلسل "أسمهان"، الذي جسّدت فيه شخصية المطربة السورية الراحلة، ولاقت عن أدائها فيه إشادة واسعة، كما شاركت في "كليوباترا" و"رسائل الكرز" الذي تولّت إخراجه أيضاً. وقد تنقّلت بين أدوار البطولة في الدراما التاريخية والاجتماعية، منها "هوى بحري"، و"الولادة من الخاصرة"، و"حدث في دمشق"، و"شارع شيكاغو". كما عُرفت بمشاركاتها السينمائية في أفلام مثل "حسيبة"، و"العشق"، و"مريم"، وعملت أيضاً في الدبلجة والمسرح، لتبني بذلك مسيرة فنية متعددة الأوجه، جعلتها واحدة من أبرز نجمات الشاشة السورية في العقدين الماضيين. تزوجت من الفنان وائل رمضان عام 1999، وأنجبت منه ولدين. سياسيًا، عُرفت فواخرجي بدعمها العلني لبشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث رفضت توصيف الحراك بالثورة، ووصفت الجيش السوري بأنه "أشرف الناس"، واعتبرت الأسد "إنساناً راقياً". واصلت هذا الموقف بعد سقوط النظام نهاية 2024، وصرحت في عدة مناسبات بأن ما جرى كان "مؤامرة دولية"، وأن الأسد كان "رمزاً للاستقرار"، وأن المشكلة "ليست في الحاكم، بل في الشعب المنقسم". شاركت فواخرجي في زيارات ميدانية لمواقع عسكرية تابعة للنظام، وظهرت إلى جانب الجنود في مناطق شهدت عمليات تهجير، كداريا والزبداني، كما أنكرت وقوع مجازر موثقة، منها هجوم الغوطة الكيماوي، وقالت إن بعض الصور "مفبركة"، مما عرضها لانتقادات حقوقية وشعبية واسعة.