logo
لماذا ينتحر الجنود في جيش إسرائيل؟

لماذا ينتحر الجنود في جيش إسرائيل؟

الجزيرة١٦-٠٧-٢٠٢٥
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انتحر أربعة وأربعون جنديًا، وتسارعت الوتيرة في الأيام العشرة الأخيرة، حيث وضع ثلاثة جنود حدًا لحياتهم.
أولهم من لواء "ناحال"، قاتل في غزة عامًا كاملًا، وانتحر بعد نقله إلى هضبة الجولان السورية، والثاني من لواء "غولاني"، أطلق النار على نفسه في قاعدة "سدي تيمان" بصحراء النقب، بعد خضوعه لتحقيق ترتب عليه سحب سلاحه منه. أما الثالث، فشكا لزملائه من معاناته الطويلة من الويلات والفظائع التي شاهدها أثناء الحرب، ثم أطلق النار على نفسه.
تحوّل الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى ظاهرة، وصار السبب الثاني لفقدان الحياة أثناء المعركة، في وقت يتعرض فيه جنوده لخسائر فادحة إثر الكمائن والفخاخ التي تنصبها المقاومة الفلسطينية، التي تخوض "حرب عصابات" فعالة ضد قوات الاحتلال. فيما يرفض عدد من الجنود العودة للقتال في غزة، وقد زجّت السلطات ببعضهم في السجن لقاء تمردهم هذا.
يشكو جنود إسرائيليون كثيرون من اعتلال نفسي؛ بسبب خوفهم على حياتهم من جهة، وما ترتكبه أيديهم من قتل ودمار في غزة من جهة أخرى، خاصة من بين المحاربين القدامى الذين احتاج 75% منهم إلى دعم نفسي، إلى جانب آلاف يعالجون نفسيًا من آثار اضطراب "ما بعد الصدمة"، ما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى توفير نحو ثمانمئة أخصائي نفسي لعلاجهم.
وتتحدث صحف إسرائيلية عن عجز الحكومة عن الإحاطة بالحالة المعنوية للجنود، وعدم قدرتها على تلبية طلبات كبيرة للدعم النفسي، وهي مسألة لفتت انتباه منظمة "كسر الصمت" للمحاربين القدامى، التي اتهمت الجيش بأنه يتكتّم على التجارب النفسية القاسية للجنود والضباط.
فيما اتهمت صحيفة "هآرتس" القيادة العسكرية بأنها سجّلت كثيرًا من المنتحرين على أنهم "مصابو حوادث"، ووصف البعض على مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل المعتلين نفسيًا من أثر الحرب بأنهم "ضحايا 7 أكتوبر/ تشرين الأول الصامتون".
وفي تقرير لموقع "إنسانيد أوفر" الإيطالي، تحدّث الجندي الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي دانيئيل إدري عن صور الأجساد المتفحمة التي كانت تطارده في صحوه ومنامه، قبل أن يضرم النار في جسده قرب مدينة صفد أثناء مشاركته في الحرب بغزة ولبنان، معبرًا عن هذا في رسالة إلى أحد رفاقه قال فيها: "أخي، عقلي ينهار. لقد أصبحت خطرًا، قنبلة جاهزة للانفجار".
واعترفت والدته بأن ابنها كان "يتعرض لعذاب داخلي ينهش روحه، بسبب ذكريات أليمة سكنت رأسه من ساحات الحرب، وعجزه عن التحرر من رائحة اللحم المحترق وصور القتلى والمصابين، ما أفقده القدرة على النوم، لا سيما أنه خسر صديقين له في الحرب، وكانت مهمته نقل جثث رفاقه القتلى، ما ضاعف معاناته".
وشاركتها الرأي والدة الجندي الاحتياطي المنتحر إليران مزراحي، الذي خدم في غزة ثمانية وسبعين يومًا فقط، حين قالت عن ابنها: "لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه أبدًا".
لم يقتصر الأمر على انتحار جنود، بل طال ضباطًا أيضًا، ومنهم ضابط في الخدمة الدائمة أطلق النار على رأسه بعد أسبوعين من انطلاق حرب "طوفان الأقصى"، وثانٍ برتبة مقدم، وثالث برتبة رائد، ورابع كان يعمل طبيبًا في قوات الاحتياط، وطالما شكا من عدم قدرته على مواصلة رؤية الأجساد المتفحمة والدماء.
يجعل هذا الظاهرةَ في الجيش الإسرائيلي تأخذ بُعدًا أكثر عمقًا من أي وقت خاضت فيه إسرائيل حروبها من قبل، ما يفتح بابًا للتساؤل عن فقدان كثيرين من جنوده وضباطه تدريجيًا للسمات التي يجب أن تتوافر في شخصية المقاتل، ومنها الثقة بالنفس، والشجاعة والإقدام، والإيمان بعدالة القضية التي يحارب من أجلها.
كما تفتح هذه الظاهرة قوسًا لمضاهاة ما يجري للجنود الإسرائيليين بما دفع، عبر تاريخ الحروب، أمثالهم إلى الانتحار، لأسباب مستقرة تقريبًا، ومنها الشعور بالهزيمة، أو عدم القدرة على تحقيق النصر، أو عدم جدوى الحرب، والخوف على الحياة، أو الخوف من الوقوع في الأسر، أو الإحساس بانفصال القيادة العسكرية عن ظروف الميدان، أو تلقي الجنود أوامر بارتكاب جرائم حرب، أو أفعال غير إنسانية، أو طول أمد الحرب دون ظهور أي أفق لنهاية الوجود في ميدان المعركة.
وهي أسباب سبق أن دفعت مئات الجنود الألمان إلى الانتحار في نهاية الحرب العالمية الثانية، ومئات الجنود الأميركيين في العراق، إلى درجة أن وزارة الدفاع الأميركية (US Department of Defense) أصدرت مذكرة اعترفت فيها بأن انتحار الجنود هو أعقد المشكلات التي تواجه الجيش. وتكرر الأمر في صفوف جنود أميركيين عادوا من الحرب في أفغانستان.
في العموم، تعزو دراسات وتقارير حول أسباب الانتحار في صفوف الجيوش إلى اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، وتعاطي الكحول، والتعرض للسخرية أو التنمر والتحرش الجنسي، إلى جانب القلق والتاريخ المرضي لبعض الجنود الذين يستعذبون إيذاء النفس، فضلًا عن الشعور بتأنيب الضمير.
وهي مسألة صورها بعمق الشاعر الأميركي من أصل صربي تشارلز سيميك في سيرته الذاتية المعنونة بـ "ذبابة في الحساء" (A Fly in the Soup)، حين تساءل عما كان يشعر به الطيارون في الحرب العالمية الثانية، وهم يضغطون على أزرار فتسقط القنابل على رؤوس المباني والناس وتحرق الأخضر واليابس.
وهناك أسباب أخرى تخص الحالة الإسرائيلية، منها البيروقراطية العسكرية التي زادت صرامتها في الحرب الأخيرة، والإهمال الشديد للجنود، والاستهتار بحياة الفرد المقاتل، وهي حالة جديدة على المجتمع الإسرائيلي، لا سيما في ظل شعور الجنود بأن الحكومة ليست معنية بحياة الأسرى، بعد أن أعلنت تطبيق بروتوكول "هانيبال" منذ بداية الحرب.
وهناك أيضًا الضغوط المتواصلة التي يمارسها ضباط ميدانيون على جنودهم كي لا يبوحوا بأوجاعهم النفسية حتى لا يتسرب الإحباط إلى المقاتلين، ومن خالف منهم هذه الأوامر تم تحويله إلى المحاكمة العسكرية، وفُرضت غرامات على البعض، وهُدد آخرون بالسجن.
وهناك سبب جديد يخص الجيش الإسرائيلي، يتحدث عنه بعض العسكريين هناك، وهو أن الجيش يضطر إلى تجنيد أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، فضغط الحرب لا يمنحه وقتًا للتدقيق، وهناك خوف من أن يقود الفحص إلى استبعاد كثيرين، ما يجعل الجيش، وبشكل تدريجي، بلا مقاتلين تقريبًا.
ولذا يتصرف قادة الجيش الآن وفق قاعدة تقول: "نقاتل بمن يتوافر"، لا سيما أن 15% من الجنود النظاميين الذين حاربوا في غزة وعُولجوا نفسيًا رفضوا العودة إلى القتال. لكن قيادة الجيش أعادت من يعانون من إعاقة نفسية تزيد على 50% إلى الحرب، وهو موقف عبّر عنه أحد الضباط قائلًا: "نحن بحاجة إلى أكبر عدد من البنادق. سنتعامل مع العواقب لاحقًا".
ويفاقم كل هذا الوضع النفسي والمعنوي في صفوف الجيش، وهي مسألة يتوقع معها أخصائيون أن تعاني إسرائيل من علاج خمسين ألفًا على الأقل من جنودها نفسيًا خلال السنوات التي تعقب توقف الحرب، وهذا معناه ببساطة تزايد عدد المنتحرين، سواء أثناء القتال أو بعده.
ورغم أن الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي ليس جديدًا، حيث انتحر نحو 1230 جنديًا منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، لأسباب نفسية، فإن حرب "طوفان الأقصى" شهدت اختلافًا واضحًا في هذا الشأن.
فمن قبل، كان الجنود ينتحرون بعد أن تضع الحرب أوزارها، أما اليوم فإنهم ينتحرون أثناء جريان المعارك، وهي مسألة لفتت انتباه يوسي تيفي بلز، رئيس "مركز أبحاث الانتحار والألم النفسي"، فقال: "هذا الأمر كان مفاجئًا جدًا، فقد وقعت حالات الانتحار خلال أول أيام القتال، وليس بعد المعارك كما جرت العادة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشرعة ألمانية تدعو بلادها إلى فرض عقوبات على إسرائيل
مشرعة ألمانية تدعو بلادها إلى فرض عقوبات على إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

مشرعة ألمانية تدعو بلادها إلى فرض عقوبات على إسرائيل

دعت مشرعة بارزة في ائتلاف المستشار الألماني فريدريش ميرتس الحاكم بألمانيا حكومة بلادها إلى دراسة فرض عقوبات على إسرائيل، تشمل تعليقًا جزئيًا لصادرات الأسلحة أو تجميد اتفاق سياسي على مستوى الاتحاد الأوروبي، إذا لم تحدث تحسينات ملموسة في الوضع الإنساني ب قطاع غزة. وقالت زيمتيي مالر، نائبة زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي أمس الاثنين، إن تصريحات إسرائيل بشأن عدم وجود قيود على المساعدات المقدمة لغزة "غير مقنعة"، مشددة على ضرورة اتخاذ خطوات عملية إذا لم يتحسن الوضع قريبًا. وكتبت مالر، التي انضم حزبها إلى ائتلاف مع المحافظين بزعامة ميرتس هذا العام، رسالة إلى نواب الحزب بعد عودتها من رحلة إلى إسرائيل مع وزير الخارجية يوهان فاديفول الأسبوع الماضي. قالت في الرسالة -التي اطلعت عليها رويترز- "أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية لن تتحرك كثيرا دون ضغوط. وإذا لم تطرأ تحسينات ملموسة قريبا، فلا بد من أن تكون هناك عواقب وخيمة"، مشيرة إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا ينبغي أن يكون أمرا في نطاق "المحظورات". وتعكس تصريحات مالر تحولًا في نبرة الخطاب الألماني تجاه إسرائيل، رغم أن هذا التحول لم يترجم، حتى الآن، إلى تغييرات سياسية ملموسة، وفق رويترز. ومنذ بدئها الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل جريمة تجويع بحق غزة، حيث شددت إجراءاتها في 2 مارس/آذار الماضي، بإغلاق جميع المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، مما تسبب بتفشي المجاعة. وخلفت حرب الإبادة الإسرائيلية -المستمرة بدعم أميركي- أكثر من 210 آلاف فلسطيني شهداء وجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

رغم ضغوط عالمية وداخلية.. لماذا لا زال نتنياهو يملك قرار إطالة الحرب؟
رغم ضغوط عالمية وداخلية.. لماذا لا زال نتنياهو يملك قرار إطالة الحرب؟

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

رغم ضغوط عالمية وداخلية.. لماذا لا زال نتنياهو يملك قرار إطالة الحرب؟

رغم تصاعد الضغوط داخليا وخارجيا لوقف الحرب على قطاع غزة ، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمديدها متجاهلا النداءات المتكررة لوقف العدوان، ومتحصنا بتحالف سياسي هش، يربط بين مصلحته الشخصية والدعم الأميركي المطلق، في مشهد يعكس شللا متعمّدا. فمع تصاعد التصريحات عن توسيع العمليات العسكرية، كشفت القناة 14 العبرية أن نتنياهو يفكر مجددا بخيار احتلال غزة، رغم معارضة الجيش ومخاوف من استقالة رئيس الأركان إيال زامير إن تم تنفيذ هذا التوجه. وعبر عن التصدعات داخل المؤسسة العسكرية مسؤولون كبار وعلى رأسهم رئيس العمليات السابق في الجيش يسرائيل زيف، الذي أكد أن الحكومة لا تسعى لتحقيق أهداف الحرب بقدر ما تهدف لإدامتها، حتى وإن تمثلت هذه الإدامة في بيع الوهم للإسرائيليين دون هزيمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)أو استعادة الرهائن. ويبدو أن نتنياهو يستخدم مأزق الرهائن كورقة سياسية لا لحلها، بل لتعليق المسؤولية على "عناد حركة حماس"، في حين يتعمد وفق تقارير إسرائيلية ودولية تعطيل أي صفقة شاملة كانت مطروحة لإنهاء الحرب، في سلوك وصفه زيف بأنه يمنح حماس نصرا دبلوماسيا مجانيا، ويؤكد حالة الشلل المتعمد في القيادة الإسرائيلية. هذه القراءة تجد صداها كذلك في المشهد الاحتجاجي داخل إسرائيل، حيث تتزايد أصوات المتظاهرين في القدس وتل أبيب ، يرفعون صور الأسرى ويطالبون بإيقاف الحرب. أما في المؤسسات العسكرية والأمنية، فتُسجَّل يوميا مواقف لقيادات سابقة تُحذّر من تداعيات استمرار الحرب بصيغتها الحالية، باعتبارها انتحارا سياسيا وأخلاقيا يدفع إسرائيل نحو عزلة متزايدة. حجر الزاوية فيما يبدو الموقف الأميركي حجر الزاوية في صمود نتنياهو، فالرئيس دونالد ترامب -بحسب ما أوردته "يديعوت أحرونوت"- أعطى الضوء الأخضر لحملة عسكرية كبيرة، رغم التحذيرات من كارثة محتملة تطال مصير الرهائن المدنيين، ويتيح هذا التواطؤ غير المعلن رسميا لنتنياهو هامشا مريحا للمناورة يحول دون أي تدخل دولي فاعل. الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى٬ خلال حديثه ببرنامج مسار الأحداث٬ أن نتنياهو يدير هذا التوازن السلبي من خلال اللعب على تناقضات الداخل الإسرائيلي، واستدعاء ملفات خلافية تتجاوز الحرب ذاتها، مثل العلمانية والانقلاب القضائي، لخلق حالة استقطاب تُبقي على تماسك الائتلاف الحاكم، حتى ولو جاء ذلك على حساب صورة إسرائيل دوليا أو مصالحها الإستراتيجية. ويقرأ الشوبكي التصعيد المتزايد في التصريحات عن إعادة احتلال غزة كأداة تكتيكية تهدف لتوجيه الرأي العام داخليا والضغط تفاوضيا على حماس، مؤكدا أن تسريب مثل هذه الخيارات يخدم أكثر من غرض، من بينها جس نبض الشارع الإسرائيلي بشأن كلفة الاحتلال، أو تهيئة المشهد للقبول بصفقة جزئية تُفرض تحت سيف التهديد بالاجتياح الكامل. في السياق ذاته، تحذر النائبة البريطانية السابقة كلوديا ويب من أن المأساة الجارية في غزة لم تعد حربا بالمعنى التقليدي، بل أصبحت إبادة منظمة، تسهم في استمرارها حكومات الغرب بصمتها أو تواطئها، بل وتقوم بعض تلك الحكومات، كالحكومة البريطانية، بتسليح إسرائيل رغم وجود حكم قضائي دولي يلمّح إلى ارتكاب جرائم إبادة. ويب ترى أن المظاهرات الغربية التي تجتاح عواصم أوروبا وأستراليا ليست مجرد حركات احتجاج، بل تعبير عن وعي متزايد بمسؤولية الأنظمة السياسية في إبقاء آلة الحرب دائرة، مشددة على أن صمت الحكومات لن يدوم طويلا إذا استمر الضغط الشعبي وامتد إلى صناديق الاقتراع. مقاربة أميركية في المقبل، يتمسك الدكتور جيمس روبنز، كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية، بالسردية الرسمية التي تُحمّل حماس مسؤولية استمرار الحرب، وتدعوها إلى "الاستسلام" وتسليم السلاح، باعتبار ذلك الطريق الوحيد لإيصال المساعدات وإنهاء النزاع، وهي المقاربة التي وُوجهت بانتقادات لاذعة من باق الضيوف، الذين رأوا فيها تبريرا مفضوحا لعسكرة المأساة الفلسطينية. وفي هذا السياق، وصف الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة، هذه المواقف بأنها تمثل تدميرا لمنظومة القانون الدولي ، وتكريسا لمعيار القوة بديلا عن العدالة، مشيرا إلى أن حماس قدمت عروضا لصفقة شاملة أُفشلت من قبل نتنياهو، وأن التذرع بعدم جاهزية الحركة للتفاوض مجرد تغطية على انحياز أميركي فج يمنح إسرائيل ترخيصا للقتل والتجويع كأداة تفاوضية. وذهب الحيلة أبعد من ذلك، معتبرا أن تحالف واشنطن مع اليمين الإسرائيلي لم يعد مجرد دعم سياسي، بل تحوّل إلى تماهٍ أيديولوجي مسياني، يضرب بعرض الحائط أي مبادرة سلام حقيقية، ويعيد المنطقة إلى منطق "التطهير والتفريغ" الذي يعكس خطابا يتناقض مع الحد الأدنى من المعايير الإنسانية. وفي ضوء هذا التواطؤ المتبادل، يصبح استمرار الحرب ليس وسيلة لتحقيق أهداف أمنية أو سياسية، بل هدفا بحد ذاته يخدم شبكة مصالح ضيقة على حساب مأساة شعب بأكمله. فالشلل في اتخاذ القرار بوقف الحرب لا يعود إلى عجز أو تردد، بل إلى تحالف عضوي بين بقاء نتنياهو السياسي والفيتو الأميركي على أي مسار تسوية حقيقي. ورغم تصاعد الاحتجاجات في العواصم الغربية، ورغم التململ المتزايد في الشارع الإسرائيلي، يظل هذا التوازن السلبي قائما، وتستمر الحرب كأداة تأجيل، لا كخيار ضروري، فالخطر لا يكمن فقط في إطالة أمد المعاناة، بل في ترسيخ نموذج إدارة صراع يقوم على التطبيع مع الجريمة، وتحييد العالم عن مسؤولياته، وإعادة تعريف معنى النصر والهزيمة بلغة الدم والخراب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store