
متلازمات مناعية تُهاجم الأنسجة والخلايا
يقول د. مانوج جيدام، اختصاصي الغدد الصماء، إن داء أديسون أو ما يُعرف بقصور الغدة الكظرية الأولي، هو أحد اضطرابات الغدد الصماء النادرة، ويتراوح متوسط عمر البالغين الذين يُعانون هذا المرض بين 30 و50 عاماً، ويُعد أكثر شيوعاً لدى النساء، وأصحاب مشكلات المناعة الذاتية الأخرى، مثل: داء السكري من النوع الأول، وفقر الدم الخبيث، ومرض جريفز، والبهاق، والوهن العضلي الوبيل، ويتميز بنقص إنتاج الهرمونات الستيرويدية (الكورتيزول والألدوستيرون) من الغدد الكظرية.
ويتابع: يساعد الكورتيزول في تنظيم مستويات التوتر، والحفاظ على ضغط الدم، ووظائف القلب، والجهاز المناعي، ومستويات السكر في الدم، أما الألدوستيرون، فينظم توازن الصوديوم (الملح) والبوتاسيوم في الدم، ما يؤثر في حجم الدم وضغطه.
يذكر د. مانوج جيدام، أن الاستجابة المناعية الذاتية تعتبر الأكثر شيوعاً لداء أديسون، حيث تحدث الإصابة عندما يهاجم الجهاز المناعي الأنسجة السليمة في الجزء الخارجي من الغدد الكظرية لسبب غير معروف، ويتطلب ذلك تلف ما يقرب من 90% من تلف قشرة الغدة الكظرية قبل ظهور الأعراض، ما يستغرق من عدة أشهر إلى سنوات، وربما يحدث داء أديسون المناعي الذاتي بمفرده أو كجزء من متلازمة وراثية نادرة، وتحديداً متلازمات الغدد الصماء المناعية الذاتية ومتلازمة شميدت.
ويضيف: ترتبط الإصابة بداء أديسون ببعض المشكلات المرضية المزمنة الأخرى، مثل: مرض السل الذي ينتشر بشكل كبير في البلدان النامية، والعدوى المتكررة، كفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والعدوى الفطرية، أو عندما تغزو الخلايا السرطانية الغدد الكظرية نتيجة إصابة جزء أو عضو آخر من الجسم، أو بسبب النزف أو الاستئصال الجراحي للغدد الكظرية، والداء النشواني (تراكم بروتينات الأميلويد في الأعضاء الحيوية).
ويوضح د. جيدام، أن أعراض داء أديسون تتطور ببطء مع مرور الوقت، ويمكن أن تراوح بين البسيطة والخطِرة، وتشمل العلامات الشائعة التعب والإجهاد المستمر، وزيادة التصبغ الداكن، وخاصة حول الندوب وطيات الجلد وعلى اللثة، وألم في البطن، والغثيان والقيء، والإسهال، وفقدان الشهية وانخفاض الوزن غير المبرر، وآلام وتشنجات في العضلات أو المفاصل، وانخفاض ضغط الدم، والشعور بالدوخة أو الدوار، وضعف التركيز، والرغبة الشديدة في تناول الأطعمة المالحة، ونقص معدل سكر الدم.
يبين د. جيدام، أن تشخيص داء أديسون عادة ما يحدث في وقت متأخر من الإصابة، بسبب بطء ظهور الأعراض، ففي بعض الحالات يُشتبه في المريض باضطرابات التمثيل الغذائي، وانخفاض مستويات الصوديوم أو ارتفاع مستويات البوتاسيوم، ولذلك يجب عمل فحوص الدم الأخرى، مثل: الكورتيزول في المصل، وهرمون قشر الكظر واختبار تحفيزه، إضافة إلى التصوير الإشعاعي للغدة الكظرية والتصوير المقطعي المحوسب أو بالرنين المغناطيسي.
يشير د. جيدام إلى أن مريض داء أديسون يمكن أن يتعرض لحالة طبية طارئة يمكن أن تهدد حياته إن لم يتلق العلاج اللازم على الفور، تُسمى (أزمة أديسونية) أو الفشل الكظري الحاد خلال فترات الإجهاد أو الإصابة، إذا لم تُعالج، وتشمل الأعراض القيء والإسهال الشديدين، ما يؤدي إلى الجفاف وانخفاض ضغط الدم وتغيرات نفسية وفقدان الوعي.
ويضيف: يعتبر داء أديسون من المشكلات المرضية التي تتطلب العلاج طويل الأمد، وتشمل طرق التداوي استبدال هرمونات الكورتيزول والألدوستيرون المفقودة بهرمونات صناعية، ويلزم زيادة الجرعة أثناء العدوى والصدمات والجراحة وغيرها من المواقف العصيبة للوقاية من أزمة كظرية حادة.
التهاب قيحي
ترى د. مها سلطان، اختصاصية الأمراض الجلدية والتجميل، أن التهاب الغدد العرقية القيحي، حالة جلدية مزمنة تتسبب في وجود تكتلات مؤلمة تحت الجلد، يصاحبها إفراز صديد أو دم، إلى جانب رؤوس سوداء أو حُفر صغيرة في الجلد، وتظهر عادة بعد سن البلوغ، وتشيع بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً، وتستهدف النساء بمعدل أكبر مقارنة بالرجال.
وتتابع: تظهر علامات الإصابة بالتهاب الغدد العرقية القيحي على الأغلب في المناطق التي يحدث فيها احتكاك جلدي، مثل تحت الإبطين، الفخذين، الأرداف، أو تحت الثديين، وربما يحدث مع مرور الوقت تسرب سوائل من هذه التكتلات، أو تكّون أنفاق تحت الجلد، ما يخلف ندوباً دائمة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة ليست معدية، ولا علاقة لها بسوء النظافة الشخصية.
وتؤكد د. مها سلطان، أن سبب التهاب الغدد العرقية القيحي الدقيق لا يُعرف حتى الآن، ولكن يُعتقد أنه مرتبط بانسداد بصيلات الشعر وحدوث التهابات جلدية، وقد تلعب العوامل الهرمونية دوراً في تطوره، ويُعد العامل الوراثي من أبرز مسبباتها، حيث تزداد احتمالية الإصابة لمن لديهم تاريخ عائلي مع المرض، إضافة إلى ارتباطها بحالات السمنة والتدخين.
وتضيف: يقوم الأطباء بتشخيص الحالة من خلال فحص الجلد وسؤال المريض عن الأعراض التي يعانيها، ولا يوجد فحص مخبري محدد لتشخيص هذا المرض، إلا أن أخذ عينة من أحد التكتلات وفحصها، يفيد في التأكد من عدم وجود عدوى بكتيرية مصاحبة.
وتشير د. مها سلطان إلى أن عدم علاج التهاب الغدد العرقية القيحي، يمكن أن يؤدي إلى عدد من المضاعفات المزعجة والمؤلمة، ومن بينها: تندب الجلد وتصلبه، وصعوبة الحركة وخصوصاً في مناطق مثل تحت الإبطين أو الفخذين بسبب الألم الشديد، إضافة إلى الالتهابات الجلدية المتكررة، وتورم في الذراعين أو الساقين أو الأعضاء التناسلية نتيجة انسداد تصريف السائل اللمفاوي، وفي حالات نادرة وطويلة الأمد، قد يزيد خطر الإصابة بسرطان الجلد، ويمكن أن ينعكس المرض سلباً على الصحة النفسية للمريض، مسبباً توتراً عاطفياً أو قلقاً أو اكتئاباً بسبب الألم المستمر أو تغير مظهر الجلد.
وتوضح د. مها سلطان أن خيارات علاج التهاب الغدد العرقية القيحي تعتمد على درجة شدة الحالة، وتهدف إلى التخفيف من الأعراض والحد من تطور المرض، إذ لا يوجد حتى الآن علاج نهائي له، وتشمل الخيارات المتاحة: استخدام المضادات الحيوية الموضعية أو الفموية لتقليل الالتهاب، والعلاج الهرموني لتنظيم تأثير الهرمونات في الجلد، إلى جانب مسكنات الألم لتخفيف الانزعاج اليومي، وفي الحالات المتقدمة، يلجأ الأطباء إلى التدخل الجراحي لإزالة الأنفاق الجلدية أو المناطق المصابة، كما يمكن استخدام إزالة الشعر بالليزر في المراحل المبكرة للمساعدة على الحد من تفاقم الإصابة، ويساعد العلاج المبكر في السيطرة على الأعراض وتحسين جودة حياة المريض بشكل كبير.
وتتابع: للحد من نوبات التهيج وتجنب المضاعفات الناتجة عن التهاب الغدد العرقية القيحي، يُنصح باتباع عدد من التدابير الوقائية اليومية، من أبرزها: الحفاظ على نظافة البشرة وجفافها، وارتداء ملابس فضفاضة لتقليل الاحتكاك، وتجنب الحلاقة في المناطق المصابة، كما يُعد الإقلاع عن التدخين والحفاظ على وزن صحي من العوامل المهمة في تخفيف حدة الأعراض، ويُفضل استخدام غسول لطيف أو مطهرات جلدية مناسبة، إلى جانب الالتزام بالخطة العلاجية التي يصفها الطبيب، مع المواظبة على الفحوص الدورية لمراقبة الحالة.
«شوغرن» تصيب النساء أكثر ب 10 مرات
توضح د. نهلة حسين، اختصاصية أمراض الروماتيزم، أن متلازمة شوغرن مرض مناعي ذاتي مزمن، لا يوجد له سبب محدد، ولكن تلعب العوامل الوراثية دوراً بحسب النظريات، يستهدف النساء بمعدل عشر مرات أكثر من الرجال، وعادةً ما يحدث بين سن 45 و55 عاماً، ويمكن أن يحدث بمفرده أو يرتبط بأمراض مناعية ذاتية أخرى، مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة الحمراء، وجفاف العينين والفم، حيث تتحول العينان إلى اللون الأحمر، أو الشعور بحرقة أو خشونة تشبه الرمل، ويصعب تناول الأطعمة الجافة أو البلع بسبب نقص اللعاب، إضافة إلى تورم غدد الرقبة أو الوجه من الأعراض الأكثر شيوعاً لشوغرن، وذلك نتيجة التهاب القنوات الدمعية والغدد اللعابية.
ويضيف: يُصاحب هذا المرض بعض العلامات، مثل: آلام المفاصل والعضلات، والتعب الشديد، وجفاف الجلد، والطفح الجلدي، والتهابات العين أو تلف القرنية، وتسوس الأسنان أو أمراض اللثة، والتهابات الخميرة المهبلية، كما يؤثر في الأعضاء الداخلية، مثل الرئتين والجهاز الهضمي والكلى والجهاز العصبي بشكل أقل في المرضى، وفي حالات نادرة يمكن أن يتسبب في زيادة خطر الإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية.
وتلفت د. نهلة حسين إلى أن تشخيص متلازمة شوغرن يتم عن طريق الفحص البدني، واختبارات الدم، وربما يكون فحص العين ضرورياً لتقييم شدة الجفاف، ويمكن أن تكون فحوص الأجسام المضادة للنواة وفحوص عامل الروماتويد الأكثر دقة، ومع ذلك، قد تكون الأجسام المضادة سلبية لدى بعض المرضى، ما يستدعي إجراء خزعة من الغدة اللعابية لتأكيد التشخيص.
وتؤكد أن علاج متلازمة شوغرن يشمل قطرات أو جل العيون للحد من الجفاف، وزيادة إنتاج الدموع، كما تُساعد رشفات الماء أو مضغ العلكة على علاج جفاف الفم، ولكن قد يحتاج بعض المرضى إلى أدوية طبية لزيادة إنتاج اللعاب، كما يجب أن يستخدم مرضى الارتجاع المريئي مثبطات مضخة البروتون أو حاصرات الهيستامين 2، اعتماداً على الأعراض والجهاز العضوي المصاب، ويستفيد المرضى المصابون بالتهاب الجهاز العصبي من العلاج بالجلوبولين المناعي الوريدي، مع ضرورة الالتزام بالفحوص الدورية مع طبيب الأسنان والعيون والروماتيزم لمتابعة تطورات الحالة الصحية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
علاقاتنا الاجتماعية تتلاشى بصمت
في خضم الركض وراء الالتزامات اليومية، والانشغال المستمر بين العمل والعائلة والتكنولوجيا، قد لا نلاحظ أن دوائرنا الاجتماعية بدأت تنكمش بصمت، بين لقاءات مؤجلة، رسائل غير مجاب عليها، ووعود بلقاء قريباً لا تأتي أبداً كلها إشارات خفية إلى ابتعاد تدريجي عن روابط كانت يوماً وثيقة. ورغم سهولة الوصول إلى الآخرين عبر الوسائل الرقمية، إلا أن التواصل الحقيقي بات أكثر ندرة. ومع مرور الوقت، تضعف العلاقات المباشرة التي كانت تُغذي شعورنا بالانتماء والدعم، ما يُؤثر سريعاً في صحتنا النفسية والعاطفية. وكثيرون يواجهون صعوبة في تنسيق لقاء بسيط مع الأصدقاء، حيث تتحول المحادثات على تطبيقات الدردشة إلى دوامة من التأجيل. هذه النكسات الصغيرة تتراكم، ومع الوقت، تتآكل الروابط الاجتماعية دون صخب. وتشير الأبحاث إلى أن حجم وجودة شبكتنا الاجتماعية يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمستويات التوتر، والشعور بالوحدة، وحتى خطر الإصابة بالاكتئاب. فالعلاقات البشرية ليست رفاهية، بل ضرورة بيولوجية، ويُقلص دوائرنا دون أن نشعر بالضغوط العملية والحياتية، حيث تسرق من وقتنا وطاقتنا، وتدفعنا لتأجيل العلاقات الاجتماعية. والاعتماد المفرط على التواصل الرقمي الذي يجعلنا نظن أننا على اتصال، بينما تغيب العلاقة الفعلية. وظاهرة «فومو» (الخوف من تفويت الفرص) التي تدفعنا للمقارنة بدلاً من التفاعل، وتخلق شعوراً بالانعزال رغم الانخراط الظاهري. ولنحمي أنفسنا من العزلة الاجتماعية الصامتة يجب تخصيص وقتاً دورياً للتواصل وجهاً لوجه مع من تحب. بالإضافة إلى الانضمام لمجموعات أو أنشطة تتيح لك بناء علاقات جديدة ذات معنى. وإعادة إحياء العلاقات القديمة برسالة بسيطة أو مكالمة مفاجئة. والتقليل من وقت الشاشة، واعط الأولوية للحديث الحقيقي لا الافتراضي. ويجب أن تكون حاضراً بصدق عندما تتحدث مع الآخرين، الاستماع والتعاطف يصنعان فرقاً كبيراً. ومعرفة أن انكماش دائرتك قد يحدث دون وعي، يمنحك فرصة ثمينة لاتخاذ خطوات صغيرة لكن فعالة للحفاظ على شبكة داعمة تُثري حياتك وتُعزز صحتك.


سكاي نيوز عربية
منذ 3 ساعات
- سكاي نيوز عربية
تسببت بوفيات في غزة... ماذا نعرف عن متلازمة "غيلان باريه"؟
وحذرت الوزارة، في بيان نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك"، من ارتفاع خطير في حالات الشلل الحاد ومتلازمة غيلان باريه بين الأطفال في قطاع غزة نتيجة الإصابات غير العادية وتفاقم سوء التغذية الحاد. وأضافت أن الفحوصات الطبية كشفت عن وجود فيروسات معوية بخلاف شلل الأطفال، مؤكدة وجود بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية بشكل غير مكافح. متلازمة غيان-باريه حالة يهاجم فيه الجهاز المناعي للجسم الأعصاب. ويمكن أن تسبب ضعفا أو خدرا أو شللا. عادة ما تشمل الأعراض الأولى الشعور بضعف ووخز في اليدين والقدمين، ويمكن أن تنتشر هذه الأحاسيس بسرعة وقد تؤدي إلى الشلل. و متلازمة غيان-باريه حالة طبية طارئة في أخطر أشكالها، ومعظم الأشخاص المصابين بهذه الحالة يحتاجون إلى علاج بالمستشفى. قد تشمل أعراضها الآتي: الإحساس بوخز كوخز الدبابيس والإبر في أصابع اليدين وأصابع القدمين و الكاحلين والرسغين. ضعف في الساقين ينتشر نحو الجزء العلوي من الجسم. المشي غير المتَّزن أو عدم القدرة على المشي أو صعود الدَّرَج. صعوبة في حركات الوجه، بما في ذلك عند الكلام أو المضغ أو البلع. ازدواج الرؤية أو عدم القدرة على تحريك العينين. ألم شديد مفاجئ أو تشنجي أو شد عضلي وقد يزداد سوءًا في الليل. صعوبة التحكم في المثانة أو وظائف الأمعاء. سرعة ضربات القلب. انخفاض ضغط الدم أو ارتفاعه. صعوبة في التنفس. عوامل الخطر قد تصيب متلازمة غيان-باريه كل الفئات العمرية، لكن احتمالية الإصابة بها تزداد مع التقدم في العمر. وتكون شائعة بين الذكور على نحو أكثر قليلا من الإناث.


صحيفة الخليج
منذ 6 ساعات
- صحيفة الخليج
شح المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في غزة
القدس - أ ف ب تحت شمس حارقة، يسير فلسطينيون جوعى في غزة لعدة كيلومترات يومياً، سعياً للحصول على بضعة ليترات من المياه التي تكون غالباً مالحة، أو ملوّثة، مع تفاقم أزمة المياه في القطاع المحاصر، وفق منظمات إنسانية وشهادات. وشح المياه أزمة مزمنة في غزة منذ ما قبل اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي دمّرت أكثر من 80% من البنية التحتية لتوزيع المياه، جراء القصف الإسرائيلي والغارات والتجريف. تقول أم نضال أبو نحل وهي أم لأربعة أطفال: «كنا ننتظر المياه التي تأتي أحياناً كل ثلاثة أيام، أما الآن فننتظر أسبوعاً كاملاً وأحياناً أكثر». وتوضح: «أشعر أحياناً أن جسدي يجف من الداخل، العطش يسلب طاقتي وطاقة أطفالي». تعمل منظمات غير حكومية على تركيب صنابير للمياه في بعض المخيمات، كما تنقل المياه إلى الأهالي بالشاحنات، لكن هذه الكميات بعيدة عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات. في شمال غزة، قامت إسرائيل بإعادة ربط بعض أنابيب المياه بشبكة شركة المياه الإسرائيلية «ميكوروت»، بعد أن قطعت الإمدادات في بداية الحرب، لكن السكان أكدوا أن المياه لا تزال مقطوعة. وتقول السلطات المحلية، إن السبب يعود إلى الأضرار التي لحقت بشبكة توزيع المياه في غزة نتيجة الحرب، إذ تم تدمير خطوط المياه الرئيسية. وأوضح المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه، أن الجزء من الشبكة الذي يتلقى المياه من «ميكوروت» لم يعمل منذ نحو أسبوعين. كما تعرّضت الآبار التي كانت تغطي جزءاً من الاحتياجات قبل الحرب، لأضرار، وبعضها تلوث بمياه الصرف الصحي التي لا تتم معالجتها بسبب الحرب. وحتى الآبار التي قد تكون غير ملوثة، لم يعد بمقدرة السكان الوصول إليها، إما لأنها تقع داخل مناطق القتال، أو قريبة من منشآت عسكرية إسرائيلية، أو ضمن مناطق تلقى سكانها أوامر بالإخلاء. وإن تيسر لبعضهم الوصول إلى هذه الآبار، فإنهم غير قادرين على سحب المياه منها؛ لأن ذلك يحتاج إلى الكهرباء غير المتوفرة، منذ أن قطعت إسرائيل التيار الكهربائي كجزء من حملتها العسكرية. ويمكن تشغيل المضخات بواسطة مولدات الكهرباء، لكن أولوية استخدامها تبقى للمستشفيات. أما محطات تحلية المياه المحلية، توقف معظمها عن العمل باستثناء موقع واحد أُعيد تشغيله الأسبوع الماضي، بعد أن عادت إسرائيل وزودته بالمياه. وقال النبيه، إن وضع البنية التحتية مأسوي، مشيراً إلى تضرر أكثر من 75% من الآبار المركزية لتصير خارج الخدمة، في حين دُمّر 85% من معدات الأشغال العامة الثقيلة والمتوسطة، وتعرضت 100 ألف متر من شبكات المياه، وأكثر من 200 ألف متر من شبكات الصرف الصحي لأضرار «كبيرة جداً»، وكذلك المضخات ومحطات الصرف الصحي. ودمر القصف والغارات وعمليات التوغل العسكري أكثر من 70% من الشوارع والطرق، وسط تراكم لأكثر من ربع مليون طن من النفايات. يقول محمد أبو سخيلا (32 عاماً) من مدينة جبالبا في شمال قطاع غزة، إن «رائحة النفايات تملأ المكان». وأضاف: «المياه التي نشربها مالحة ومملوءة بالأتربة.. ومياه الصرف الصحي تغرق المناطق بسبب دمار البنية التحتية». ويحاول مئات آلاف الغزيين استخراج المياه الجوفية مباشرة من الآبار، لكن من المعروف، أن طبقة المياه الجوفية في غزة مالحة بطبيعتها، وتتجاوز معايير الملوحة المحددة لمياه الشرب. منذ عام 2021، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن نحو 100% من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للاستهلاك. ومع صعوبة العثور على مياه نظيفة، يعتقد غزيون أن المياه المالحة خالية من البكتيريا، على الرغم من تحذيرات عمال إغاثة من أن تناول المياه المالحة يضر بالكلى، حتى وإن تحمّل السكان ملوحتها. ورغم أن أزمة المياه في غزة لا تلقى الاهتمام الذي تحظى به أزمة الجوع المتواصلة، لكن آثارها قاتلة بالقدر ذاته. وقالت المتحدثة باسم اليونيسيف روزاليا بولين: «مثل الطعام، يجب عدم تسييس المياه». وأوضحت أنه من الصعب جداً تحديد حجم النقص في المياه، لكنها تؤكد أن «هناك نقصاً حاداً في مياه الشرب». وأضافت: «الحر شديد والأمراض تنتشر، والمياه هي المشكلة التي لا نتحدث عنها بالقدر الكافي». وكما أن الحصول على طعام في غزة من أصعب المهام، فإن العثور على مياه نظيفة أمر نادر الحدوث. في 13 يوليو/تموز الماضي، قُتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص جراء ضربة إسرائيلية عندما تجمعوا عند نقطة لتوزيع المياه في مخيم النصيرات، وسط القطاع، وفق ما أفاد الدفاع المدني في غزة. «الخوف والعجز» في 24 يوليو/تموز الماضي، أصدر التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية نداءً للمساعدة، دعوا فيه إلى «توفير المياه والمساعدات الإنسانية اللازمة، والعمل الفوري على إصلاح البنية التحتية، وضمان دخول الوقود والمعدات لتشغيل المحطات والآبار». وتؤكد منظمات الإغاثة في غزة، أنه لا يمكن البقاء على قيد الحياة بدون مياه للشرب، ولا يمكن الوقاية من الأمراض بدون خدمات الصرف الصحي. ويقول مصدر دبلوماسي يعمل في هذا المجال، إن «التحديات تتكاثر في ظل عدم الوصول إلى المياه، والتدهور العام للوضع في بيئة هشة بالفعل». وقال محمد ديب (35 عاماً) النازح في غرب مدينة غزة، إن «المياه التي نجدها تكون غالباً غير صالحة للشرب. لا خيار أمامنا». وأضاف ديب الذي كان متجهاً نحو نقطة لتوزيع المياه، حاملاً غالونات ثقيلة على ظهره: «نعرف أنها ملوثة لكن ماذا نفعل.العطش يؤثر في أبنائي الأطفال، وحتى نحن الكبار» وقال، إن العطش في ظل الحرب «ممزوج بطعم الخوف والعجز، الحرب لم تترك شيئاً لم تقتله».