logo
المقابر الجماعية في سوريا: "سنحتاج سنوات لتحديد هوية الضحايا"

المقابر الجماعية في سوريا: "سنحتاج سنوات لتحديد هوية الضحايا"

الوسط٠٩-٠٥-٢٠٢٥

BBC
قُتل مئات الآلاف من السوريين خلال 13 عاماً من الحرب الأهلية
"هذه الرفات من مقبرة جماعية مختلطة"، هكذا يقول الدكتور أنس الحوراني.
يقف رئيس مركز تحديد الهوية السوري، الذي افتُتح حديثاً، بجوار طاولتين مغطاتين برفات بشري من عظام الفخذ. فوق كل طاولة توجد 32 عظمة فخذ بشرية. وقد رُتبت ورُقمت بدقة.
الفرز هو المهمة الأولى لهذه الحلقة الجديدة، في السلسلة الطويلة من الإجراءات الرامية إلى تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة في سوريا. تعني "المقبرة الجماعية المختلطة" أن الجثث رُميت واحدة فوق الأخرى.
من المرجح أن هذه العظام تعود إلى أشخاص ضمن مئات الآلاف، الذين يُعتقد أنهم قُتلوا على يد نظامي الرئيس السابق بشار الأسد ووالده حافظ، اللذين حكما سوريا لأكثر من خمسة عقود.
إذا كان الأمر كذلك، يقول الدكتور الحوراني، فإنهم من بين الضحايا الأحدث عهداً: لقد ماتوا منذ ما لا يزيد عن عام.
الدكتور الحوراني طبيب أسنان شرعي: يقول إن الأسنان يمكن أن تخبرك بالكثير عن الجثة، على الأقل عندما يتعلق الأمر بتحديد هوية الشخص.
ولكن مع عظم الفخذ، يمكن لعمال المختبر في الطابق السفلي من هذا المبنى المكتبي في دمشق بدء المهمة: يمكنهم معرفة الطول والجنس والعمر، ونوع العمل الذي كان يمارسه أصحاب تلك الرفات، وقد يتمكنون أيضاً من معرفة ما إذا كان الضحية قد تعرض للتعذيب.
المعيار الرئيسي في تحديد الهوية هو بالطبع تحليل الحمض النووي. لكنه يقول إنه لا يوجد سوى مركز واحد لفحص الحمض النووي في سوريا.
"قد دُمرت العديد من هذه المراكز خلال الحرب في البلاد. وبسبب العقوبات، فإن الكثير من المواد الكيميائية الأولية التي نحتاجها لإجراء الاختبارات غير متوفرة حالياً".
كما أُبلغوا بأن "أجزاء من الأجهزة (اللازمة لإجراء ذلك التحليل) قد تُستخدم في الطيران، وبالتالي لأغراض عسكرية". بمعنى آخر، قد تُعتبر "مزدوجة الاستخدام"، وبالتالي يُحظر تصديرها إلى سوريا من قِبل العديد من الدول الغربية.
يُضاف إلى ذلك التكلفة: 250 دولاراً أمريكياً لإجراء اختبار واحد. ويقول الدكتور الحوراني: "في مقبرة جماعية مختلطة، يتعين إجراء حوالي 20 اختباراً لجمع كل أجزاء جسد واحد". يعتمد المختبر كلياً على تمويل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتقول الحكومة الانتقالية في سوريا إن "العدالة الانتقالية" من أولوياتها.
وقال العديد من السوريين الذين فقدوا أقاربهم، ولم يعثروا على جثثهم، لبي بي سي إنهم ما زالوا غير راضين ومحبطين: إنهم يريدون رؤية المزيد من الجهود من قِبل الثوريين الذين أطاحوا أخيراً بحكم بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد 14 عاماً من الحرب.
خلال تلك السنوات الطويلة من الحرب، قُتل مئات الآلاف، وشُرّد الملايين. ووفقاً لبعض التقديرات، اختفى قسراً أكثر من 130 ألف شخص.
بالوتيرة الحالية، قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتحديد هوية ضحية واحدة فقط من مقبرة جماعية مختلطة. يقول الدكتور الحوراني: "هذا عمل يستغرق سنوات طويلة".
جثث "مشوّهة ومعذّبة"
إحدى عشرة مقبرة من تلك "المقابر الجماعية المختلطة" متناثرة حول قمة تل قاحل خارج دمشق.
بي بي سي هي أول وسيلة إعلام دولية ترى هذا الموقع. القبور ظاهرةٌ للعيان الآن.
خلال السنوات التي انقضت منذ حفرها، كان سطحها قد انضحل في الأرض الجافة الصخرية.
يرافقنا حسين علوي المنفي، أو "أبو علي"، كما يُطلق على نفسه.
كان أبو علي سائقاً يعمل مع الجيش السوري. يقول: " كانت حمولتي عبارة عن جثث بشرية".
BBC
يعتقد أبو علي أنه نقل شاحنات محملة بجثث مدنيين في ظل نظام الأسد
تمّ العثور على هذا الرجل - أبو علي - بفضل العمل الاستقصائي الدؤوب لمعاذ مصطفى، المدير التنفيذي السوري الأمريكي لقوة الطوارئ السورية، وهي مجموعة من النشطاء مقرها الولايات المتحدة.
لقد أقنع مصطفى، أبو علي، بالانضمام إلينا، ليشهد على ما يسميه معاذ "أسوأ جرائم القرن الحادي والعشرين".
نقل أبو علي شاحنات محملة بجثث إلى مواقع متعددة، لأكثر من عشر سنوات. في هذا الموقع كان يأتي، في المتوسط، مرتين أسبوعياً لمدة عامين تقريباً في بداية المظاهرات، ثم الحرب، بين عامي 2011 و2013 .
كان الإجراء دائماً هو نفسه. كان يتوجه إلى منشأة عسكرية أو أمنية. يقول: "كان لديّ مقطورة بطول 16 متراً. لم تكن تمتلئ دائماً بالكامل. لكنني كنتُ أحمل، على ما أظن، ما معدله 150 إلى 200 جثة في كل حمولة".
يقول إنه مقتنعٌ بأن حمولته كانت لمدنيين. "كانت جثثهم مشوّهة ومعذّبة". لم يكن بإمكانه تمييز هوياتهم إلا بأرقام مكتوبة على الجثث، أو مُلصقة على الصدر أو الجبهة.
هذه الأرقام تُشير إلى مكان وفاتهم. فقال إن هناك الكثير من الجثث جاءت من "الفرع 215" - وهو مركز اعتقال "سيء السمعة" تابع للمخابرات العسكرية في دمشق يُعرف بهذا الاسم، وهو مكان سنعود إليه لاحقاً في هذا التقرير.
لم تكن مقطورة أبو علي مزودة برافعة هيدروليكية لقلب حمولته وتفريغها. عندما كان يتراجع إلى الخلف باتجاه الحفرة، كان الجنود يسحبون الجثث إلى الحفرة واحدة تلو الأخرى. ثم تقوم جرافة صغيرة بـ"تسويتها وضغطها وردم القبر".
وصل إلى موقعنا ثلاثة رجال ذوي وجوهٍ شاحبة من قرية مجاورة. يؤكدون قصة الزيارات المنتظمة للشاحنات العسكرية إلى هذه البقعة النائية.
أما الرجل الذي يقود السيارة: كيف له أن يفعل هذا أسبوعاً تلو الآخر، عاماً تلو الآخر؟ ماذا كان يقول لنفسه كلما صعد إلى مقصورة سيارته؟
يقول أبو علي إنه تعلّم أن يكون "خادماً صامتاً" للدولة. "بينما كان الجنود يلقون بالجثث في الحفر، كنت أبتعد وأنظر إلى النجوم، أو أنظر نحو دمشق".
"كسروا ذراعيه وضربوه على ظهره"
دمشق - المكان الذي عادت إليه السورية ملك عودة مؤخراً، بعد سنوات قضتها لاجئة في تركيا. ربما تكون سوريا قد تحررت من قبضة عائلة الأسد، لكن لا يزال هناك حكم بالسجن المؤبد بحق ملك.
على مدى الثلاثة عشر عاماً الماضية، ظلت حبيسة روتين يومي من الألم والشوق. في عام 2012، بعد عام من تجرؤ بعض السوريين على الاحتجاج ضد الأسد، اختفى ابناها.
BBC
اختفى ابنا ملك عودة في ظل حكم الأسد
كان محمد لا يزال مراهقاً عندما جُنّد في جيش الأسد، مع انتشار المظاهرات وإشعال النظام لحملات قمع تحولت لحرب شاملة.
تقول والدته إنه كان يكره ما يراه. بدأ محمد بالفرار من الجيش، حتى أنه شارك في المظاهرات بنفسه. لكن تم تعقّبه.
تقول والدته: "كسروا ذراعيه وضربوه على ظهره. قضى ثلاثة أيام فاقداً للوعي في المستشفى".
تغيب محمد عن الجيش بدون إذن مرة أخرى. تقول ملك: "أبلغت عن اختفائه، لكنني أنا التي كنت أخفيه".
في مايو/ أيار 2012، نفد حظ محمد، البالغ حينها من العمر 19 عاماً.
أُلقي القبض عليه مع مجموعة من أصدقائه، وأُطلق عليهم النار. تقول ملك إنه لم يكن هناك أي إخطار رسمي. لكنها لطالما توقعت أنه قد قُتل.
بعد ستة أشهر، اقتاد الضباط ماهر، شقيق محمد الأصغر، من المدرسة. كان هذا ثاني اعتقال لماهر. شارك في الاحتجاجات عام 2011، وعمره 14 عاماً. أدى ذلك إلى اعتقاله الأول. عندما أُطلق سراحه بعد شهر، كان يرتدي ملابسه الداخلية، وجسده مغطى، كما تقول والدته، بحروق سجائر وجروح وقمل. "كان مرتعباً".
تعتقد ملك أن ماهر اختفى من المدرسة عام 2012، لأن السلطات اكتشفت أنها كانت تخفي شقيقه الأكبر. الآن، ولأول مرة منذ 13 عاماً، تعود ملك إلى تلك المدرسة، متلهفة لمعرفة ما حدث لماهر.
أخرج مدير المدرسة الجديد دفترين أحمرين ممزقين. تتبعت ملك صفوف الأسماء بإصبعها، ثم وجدت اسم ابنها. في ديسمبر/ كانون الأول 2012، ورد في السجل بشكل قاطع: طُرد ماهر من المدرسة لتغيبه عن الدروس لمدة أسبوعين.
لا يوجد تفسيرٌ لإخفاء الدولة له. مع ذلك، ثمة أمرٌ آخر: عُثر على ملفٍّ يحتوي على سجلات ماهر المدرسية. غلافه مُزيّن بصورةٍ لبشار الأسد، وهو ينظر إلى الأفق البعيد بتأمل. التقطت ملك قلماً من على مكتب مدير المدرسة وخربشت فوق الصورة. لو فعلت هذا التصرف قبل ستة أشهر من الآن، لكاد أن يودي بحياتها.
لسنوات، لم يكن لدى ملك أي أثر لماهر تتشبث به، سوى رجلين يقولان إنهما شاهدا ماهر في "الفرع 2015" – وهذا هو مركز الاعتقال العسكري نفسه، الذي خرج منه هذا العدد الكبير من الجثث لينقلها أبو علي في شاحنته.
حكى أحد الرجلين لملك أن ابنها أخبره شيئاً عن والديه؛ تقول أمه إن ماهر وحده من كان يعلم ذلك الشيء. إنه هو بالتأكيد. "لقد طلب من هذا الرجل أن يخبرني أنه بخير". تنهدت ملك وانهمرت دموعها، ووضعت منديلاً ممزقاً على عينيها.
بالنسبة لملك، كغيرها من السوريين، لم يكن سقوط الأسد مجرد يوم فرح، بل يوم أمل.
"كنت أعتقد بنسبة 90 في المئة أن ماهر سيخرج من السجن. كنت أنتظره".
لكنها لم تتمكن حتى من العثور على اسم ابنها في قوائم السجناء. وهكذا يستمر نبض الألم يسري في جسدها. "أشعر بالضياع والارتباك"، كما تقول.
لقد قُتل شقيقها الأصغر، محمود، بنيران دبابة أطلقت النار على المدنيين عام 2013.
لكن "على الأقل عثروا على جثته وشُيّعت في جنازة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محكمة بريطانية تعاقب مصريا بالسجن لتورطه في تهريب مهاجرين
محكمة بريطانية تعاقب مصريا بالسجن لتورطه في تهريب مهاجرين

أخبار ليبيا

timeمنذ 6 ساعات

  • أخبار ليبيا

محكمة بريطانية تعاقب مصريا بالسجن لتورطه في تهريب مهاجرين

قضت محكمة في لندن اليوم الثلاثاء بسجن مواطن مصري لمدة 25 عاماً، لإدانته بالتواطؤ في تهريب آلاف المهاجرين من شمال أفريقيا إلى أوروبا. وتواطأ أحمد رمضان محمد عبيد، البالغ من العمر 42 سنة، مع آخرين للمساعدة في الهجرة غير الشرعية من خلال توفير قوارب لتهريب المهاجرين من ليبيا إلى إيطاليا بصورة غير قانونية، وبدأ نشاطه بعد وقت قصير من وصوله إلى بريطانيا في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، واستمر حتى يونيو (حزيران) 2023. وقالت دائرة الادعاء العام الملكية البريطانية إن السلطات اعترضت خلال تلك الفترة سبع محاولات عبور، شملت ما يقرب من 3800 مهاجر. ووفقاً للاتهامات، لعب عبيد دوراً قيادياً في الشبكة الإجرامية التي كانت تسوق لعمليات العبور على 'فيسبوك'، وتتقاضى من المهاجرين ما يزيد على 3200 جنيه استرليني (4277 دولاراً) في المتوسط عن كل شخص. وأجرت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا عملية تنصت على منزل عبيد كشفت أنه أخبر في إحدى المرات أحد شركائه أنه لا يسمح للمهاجرين بحمل الهواتف على متن قواربه، وقال عبيد 'أخبرْهم أن أي شخص يمسَك وبحوزته هاتف سيقتل ويلقى به في البحر'. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأقر عبيد في عام 2024 بالذنب في اتهامه بالتواطؤ للمساعدة في الهجرة غير الشرعية، وقضت محكمة ساذارك كراون اليوم الثلاثاء بسجنه 25 عاماً. وقال القاضي آدم هيدلستن إن عبيد وشركاءه 'استغلوا باستهزاء وبلا رحمة'، أولئك الساعين للوصول إلى أوروبا. وأضاف القاضي 'كان أسلوب معاملة المهاجرين بناء على أوامرك وباسمك مروعاً، كانوا بالنسبة إليك ببساطة (مجرد) سلعة، تحدثتم عنهم بوصفهم وحدات وليسوا أشخاصاً. كان المهم بالنسبة إليكم هو أن يدفع كل واحد منهم الثمن الباهظ الذي كان يفرض عليهم في مقابل عبورهم، وألا يقدم أحدهم على فعل أي شيء في شأنه أن يعرض عمليتكم للخطر'.شش

رُصدت حالتان في مصر: قصة مرض نادر في بلدة نائية في البرازيل
رُصدت حالتان في مصر: قصة مرض نادر في بلدة نائية في البرازيل

الوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الوسط

رُصدت حالتان في مصر: قصة مرض نادر في بلدة نائية في البرازيل

Mariana Castiñeiras/Caroline Souza عاشت الأسر المتضررة في سيرينها دوس بينتوس دون تشخيص حتى وصلت عالمة الوراثة سيلفانا سانتوس لا تزال سيلفانا سانتوس تتذكر جيرانها في البلدة الصغيرة التي زارتها لأول مرة قبل 20 عامًا، حيث فقد العديد من الأطفال القدرة على المشي. تتذكر سانتوس بنات لولو اللواتي كنّ يسكُنَّ عند مدخل البلدة.، وريجان في نهاية الطريق، وماركينيوس بعد محطة الوقود، وباولينيا قرب المدرسة. تقع بلدة سيرينها دوس بينتوس النائية في شمال شرق البرازيل، ويقل عدد سكانها عن خمسة آلاف نسمة. في هذه البلدة اكتشفت عالمة الأحياء والوراثة سيلفانا سانتوس حالةً مرضية غير معروفة من قبل، وأطلقت عليها اسم "متلازمة سبوان". وتنتج هذه المتلازمة عن طفرة جينية تؤثر على الجهاز العصبي، فتُضعف الجسم تدريجيا، ولا تظهر إلا عندما يُورّث الجين المُعدّل من كلا الوالدين. وقد مثّل بحث سانتوس أول توصيف علمي لهذا المرض في أي مكان في العالم، وبفضل هذا الإنجاز، إضافة إلى أبحاثها اللاحقة، اختيرت ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيرًا في العالم وفق تصنيف بي بي سي لعام 2024. وقبل وصول سانتوس، لم يكن لدى العائلات أي تفسير للمرض الذي يصيب أطفالهم. أما اليوم، فيتحدث السكان بثقة عن "سبوان" وعلم الوراثة. يقول ماركينيوس، أحد المصابين: "لقد أعطتنا تشخيصا لم نكن نعرفه من قبل. وبعد البحث، جاءت المساعدة في صورة أشخاص، وتمويل، وكراسي متحركة". سيرينها دوس بينتوس: عالم قائم بذاته كانت سانتوس تعيش في ساو باولو، أكبر وأغنى مدينة في البرازيل، وكان جيرانها في الشارع الذي كانت تسكن فيه تقريبا من عائلة واحدة من بلدة سيرينها حيث كان العديد منهم أبناء عمومة بدرجات متفاوتة، ومتزوجين من بعضهم البعض. وأخبروا سانتوس عن بلدتهم "هناك الكثير من الناس الذين لا يستطيعون السير، لكن لا أحد يعرف السبب". وكانت إحدى بنات الجيران، زيرلانديا، تعاني من حالة مرضية مُنهكة ففي طفولتها، كانت عيناها تتحركان لا إراديًا، ومع مرور الوقت، فقدت قوة أطرافها واحتاجت إلى كرسي متحرك للتنقل، وكانت تحتاج إلى مساعدة حتى في أبسط المهام. Mariana Castiñeiras/BBC إينيس لديها إبنان مصابان بمتلازمة سبوان قادت سنوات من البحث سانتوس وفريقها البحثي إلى تحديد هذه الأعراض على أنها أعراض اضطراب وراثي لم يُوثّق سابقًا، وهو متلازمة سبوان. وعثروا لاحقًا على 82 حالة أخرى حول العالم. بدعوة من جيرانها، زارت سانتوس سيرينها لقضاء عطلة، وتصف وصولها إلى هناك بأنه دخول "عالم خاص"، ليس فقط للمناظر الطبيعية الخلابة ومناظر الجبال، ولكن أيضًا لما بدا وكأنه مصادفة اجتماعية بارزة. كلما تجولت وتحدثت مع السكان المحليين، ازدادت دهشتها من شيوع زواج الأقارب. لقد أدت عزلة سيرينها وقلة الهجرة الداخلية إلى أن يصبح العديد من سكانها أقارب، مما يزيد من احتمالية الزواج بين أبناء العمومة. Mariana Castiñeiras/BBC مدخل سيرينها دوس بينتوس لم يكن العديد من الأزواج على دراية بوجود صلة قرابة بينهم إلا بعد الزواج، بينما كان آخرون يعلمون بذلك، لكنهم كانوا يعتقدون أن هذه الروابط تستمر لفترة أطول وتوفر دعمًا عائليًا أقوى. ويُعتبر الزواج بين الأقارب أمرًا شائعا نسبيا في أنحاء العالم، حيث يُقدّر بنحو 10% من حالات الزواج، ومعظم الأطفال المولودين من هذه الزيجات يتمتعون بصحة جيدة، حسب الخبراء. مع ذلك، تواجه هذه الزيجات خطرًا أكبر في انتقال طفرات ضارة عبر العائلة. ويشرح عالم الوراثة لوزيفان كوستا ريس من الجامعة الفيدرالية البرازيلية في ريو غراندي دو سول: "إذا لم يكن الزوجان أقرباء، فإن احتمال إنجاب طفل مصاب باضطراب وراثي نادر أو إعاقة يتراوح بين 2 و3 في المئة، أما بالنسبة لأبناء العمومة، فتزيد النسبة إلى ما بين 5 و6 في المئة". وأظهرت دراسات لاحقة أن أكثر من 30% من الأزواج في سيرينها كانوا أقارب، وأن ثلثهم أنجبوا طفلا واحدا على الأقل من ذوي الإعاقة. طريق طويل للتشخيص انطلقت سانتوس للبحث عن تشخيص لسكان سيرينها، وبدأت التخطيط لدراسة جينية مفصلة، ​​الأمر الذي تتطلب رحلات متعددة، ثم انتقلت في النهاية إلى المنطقة. لقد سافرت مسافة 2000 كيلومتر من وإلى ساو باولو مرات عديدة في السنوات الأولى من بحثها. وجمعت عينات الحمض النووي من منزل إلى منزل، وتبادلت أطراف الحديث أثناء احتساء القهوة، وجمعت قصصًا عائلية، في محاولة لتحديد الطفرة المسببة للمرض. وما كان من المفترض أن يستغرق 3 أشهر من العمل الميداني تحول إلى سنوات من التفاني. وأدى كل ذلك إلى نشر دراسة في عام 2005، والتي كشفت عن وجود سبوان في المناطق النائية في البرازيل. Mariana Castiñeiras/BBC لمواصلة أبحاثها، عاشت سانتوس لمدة ثلاث سنوات في المناطق الداخلية من ريو غراندي دو نورتي وانتقلت لاحقًا إلى المناطق الداخلية من بارايبا، حيث اكتشفت أمراضًا أخرى وجد فريق سانتوس أن الطفرة تتضمن فقدان جزء صغير من كروموسوم، مما يُسبب زيادة في إنتاج جين لبروتين رئيسي في خلايا الدماغ. ويتذكر المزارع لولو، الذي تحمل ابنته ريجان جين سبوان: "قالوا إنها جاءت من ماكسيميانو، وهو زير نساء في عائلتنا". وتزوج لولو، البالغ من العمر الآن 83 عامًا، ابنة عمه ولم يغادر سيرينها قط، ولا يزال يرعى الماشية ويعتمد على عائلته في رعاية ريجان، التي تُعاني من صعوبات في أداء مهامها اليومية. لكن الطفرة الجينية وراء سبوان أقدم بكثير من أسطورة ماكسيميانو العجوز، فمن المرجح أنها وصلت منذ أكثر من 500 عام مع المستوطنين الأوروبيين الأوائل في شمال شرق البرازيل. وتقول سانتوس: "تُظهر دراسات التسلسل الجيني وجود أصول أوروبية قوية لدى المرضى، مما يدعم سجلات الوجود البرتغالي والهولندي واليهود السفارديم في المنطقة". وازدادت النظرية قوةً بعد اكتشاف حالتين من متلازمة سبوان في مصر، وأظهرت دراساتٌ أخرى أن الحالتان المصريتان تشتركان أيضًا في أصول أوروبية، مما يشير إلى أصلٍ مشترك في شبه الجزيرة الأيبيرية. وتقول سانتوس: "من المرجح أن يكون ذلك قد حدث مع أقارب من اليهود السفارديم أو الموريسكيين الفارين من محاكم التفتيش"، وتعتقد أن هناك حالاتٍ أخرى قد توجد عالميًا، وخاصةً في البرتغال. فهم المخاطر Mariana Castiñeiras/BBC مانويل فيرمينو، المعروف باسم سيو لولو، يعيش مع ابنته ريجان، إحدى مرضى سبوان في البلدة على الرغم من التقدم الطفيف نحو إيجاد علاج، إلا أن متابعة المرضى أحدثت بعض التغيير، وتتذكر ريجان كيف كان الناس يُطلقون عليهم سابقًا "المقعدين"، الآن، يُقال إنهم ببساطة مصابون بمتلازمة سبوان. ولم تُضف الكراسي المتحركة الاستقلالية فحسب، بل ساعدت أيضًا في منع التشوهات، في الماضي، كان الكثير من المصابين بهذه الحالة يُتركون ببساطة مستلقين على السرير أو على الأرض. ومع تقدم حالة سبوان، تزداد القيود الجسدية مع التقدم في السن، وبحلول سن الخمسين، يصبح جميع المرضى تقريبًا معتمدين بشكل كامل على الآخرين. هذا هو حال نجلي إينيس، وهم من بين أكبر المصابين سنًا في سيرينها حيث يبلغ تشيكينيو من العمر 59 عامًا، ولم يعد قادرًا على الكلام، في حيت يبلغ ماركينيوس من العمر 46 عامًا، ولديه قدرات تواصل محدودة. وتقول إينيس، المتزوجة من ابن عم من الدرجة الثانية: "من الصعب يكون لك ابن له ظروف خاصة، نحبهم بنفس القدر، لكننا نعاني من أجلهم". Mariana Castiñeiras/BBC بفضل الأبحاث، حصلت باولا والعديد من المرضى الآخرين بالفعل على كراسي متحركة آلية وتزوجت لاريسا كيروز، ابنة أخ تشيكينيو وماركينيوس، أيضًا من قريب بعيد، لم تكتشف هي وزوجها ساولو جدهما المشترك إلا بعد أشهر من المواعدة. وتقول: "في سيرينها دوس بينتوس، جميعنا أبناء عمومة، وتربطنا صلة قرابة بالجميع". ويُعدّ الأزواج مثل لاريسا وساولو محور مشروع بحثي جديد تشارك فيه سانتوس، فبدعم من وزارة الصحة البرازيلية، سيفحص المشروع 5 آلاف حالة زواج للكشف عن الجينات المرتبطة بأمراض متنحية خطيرة. ولا يهدف المشروع إلى منع زواج الأقارب، بل إلى مساعدة الأزواج على فهم المخاطرالجينية، كما تقول سانتوس. وتعمل سانتوس الآن كأستاذة جامعية، وتدير أيضًا مركزًا لتعليم علم الوراثة، وتعمل على توسيع نطاق الاختبارات في شمال شرق البلاد. وعلى الرغم من أنها لم تعد تعيش في سيرينها دوس بينتوس، إلا أن كل زيارة لها تُشعرها وكأنها عودة إلى الوطن. وكما تقول إينيس:"يبدو الأمر كما لو أن سيلفانا فرد من العائلة". Mariana Castiñeiras/BBC لم تعد سيلفانا سانتوس تعيش في المنطقة، لكنها تستمر في زيارتها

كيف تزيد أعداد المتعايشين مع الإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنخفض في باقي العالم؟
كيف تزيد أعداد المتعايشين مع الإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنخفض في باقي العالم؟

الوسط

timeمنذ 4 أيام

  • الوسط

كيف تزيد أعداد المتعايشين مع الإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنخفض في باقي العالم؟

Getty Images صورة تعبيرية كانت ليلى -اسم مستعار- حاملاً في شهرها الثاني عندما علمت أنها مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، في أغسطس/ آب العام الماضي. بعد أسابيع، أنكر زوجها نسب الجنين إليه عندما أظهرت الفحوصات أنه لا يحمل الفيروس، واتهمها أنها على علاقة بشخص آخر نقل العدوى إليها، وهو ما تنفيه ليلى. تقول ليلى "لم يترك زوجي إنساناً إلا أخبره أنني متعايشة مع الإيدز. لم يبق إلا أن يحكي للقطط والكلاب في الشارع". فيروس نقص المناعة البشرية، هو عدوى تهاجم الجهاز المناعي في الجسم، مما يضعف قدرته على الدفاع عن نفسه ضد الأمراض، وينتقل عبر ممارسة الجنس بطريقة غير آمنة، والدم، والولادة. فجأة وجدت الشابة البالغة من العمر 24 عاماً نفسهاً وجنينها معاً في مواجهة الفيروس، والنظرة السلبية تجاه المتعايشين مع الإيدز، فضلاً عن معارك قانونية لإثبات نسب الطفل. يظهر تقرير جديد نشرته منظمة فرونت لاين إيدز، "ارتفاعاً مثيراً للقلق" في حالات الإصابة بالفيروس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبشكل خاص في مصر، في وقت يتباطأ فيه انتشاره في باقي العالم. التقرير يضيف أن نحو 20 في المئة من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، وهو رقم غير مسبوق بحسب المنظمة. Getty Images صورة تعبيرية "نواجه المرض وغياب الوعي" عندما تأكدت ليلى من نتيجة فحوصاتها أصيبت بالصدمة. تقول لبي بي سي "شعرت أن نهايتي وشيكة، وأنني سأموت خلال أسبوع أو أسبوعين بسبب الخوف مما سمعت، رغم أن حالتي الصحية لم تكن خطيرة في ذلك الوقت. لكن هذا ليس أصعب ما واجهته". كان عليها أن تواجه غياب الوعي بالفيروس في كل مكان، حتى في بعض العيادات الطبية. تقول إن طبية أمراض النساء طلبت منها مغادرة العيادة قبل إتمام الفحص، فور علمها بأنها متعايشة مع الفيروس، وطلبت من المساعدين تعقيم المكان. "التوعية ينبغي أن تكون لكل الناس وليس للمتعايشين مع الفيروس فقط"، هذا ما تعتقده ليلى. بعدما وضعت جنينها، أقامت ليلى في منزل أهلها بعض الوقت. لم تصدق عائلها ادعاءات الزوج بأنها على علاقة برجل آخر، ودعمت مسارها القانوني لإثبات نسب ابنها. بعد فترة عادت ليلى مع طفلها إلى منزلها في حي راق في القاهرة، حيث غادره الزوج بعد ضغط من أهلها. لكن نظرات الجيران كانت تحمل إدانة بفعل تقول إنها لم ترتكبه، كما تحكى لبي بي سي. تقول "عشت أياماً صعبة عندما اتصل بعضهم بالحجر الصحي ليحتجزني في المستشفى، خوفاً من العدوى". ثم تدخلت أسرتها لوضع حد لمضايقات الجيران. Getty Images صورة تعبيرية لعنة الوصم يرجح أطباء ليلى إصابتها بالفيروس أثناء عملية جراحية أجرتها قبل زواجها عام 2019. ولا تظهر أعراض الإصابة الفيروس بالضرورة بشكل فوري، بل يستغرق الأمر مدة قد تصل في بعض الحالات ل 10 سنوات، وفقاً لوزارة الصحة البريطانية. لكن زوجها لم يصدق أنها حملت الفيروس طوال هذه المدة دون أن ينتقل إليه. لا تؤدي ممارسة الجنس مع شخص يحمل الفيروس إلى الإصابة بالإيدز بشكل حتمي، وفقاً لموقع ستانفورد هيلث كير، التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، فمن الصعب حساب نسبة احتمال انتقال العدوى عند التعرض لأحد أسبابه. "قد يصاب الشخص بالعدوى من خلال ممارسة الجنس غير الآمن مرة واحدة أو قد يمارس الشخص الجنس غير الآمن عدة مرات دون أن يصاب بالعدوى". بدأت ليلى بتوعية الجيران، لكن الوصم ظل يلاحقها. تقول "ظلوا يفترضون أنني أقيم علاقات جنسية مع أي شخص، وعرض أحدهم أن يُقبّلني طالما أن الفيروس لا ينتقل عبر اللعاب. وقال آخر، لماذا لا نمارس الجنس طالما أن هناك طرق آمنة". Getty Images صورة تعبيرية أعداد متزايدة بعد تشخيص ليلى بالفيروس، وقفت في طابور أحد المستشفيات في القاهرة لاستلام العلاج مع 8 نساء اكتشفن إصابتهن في اليوم نفسه. تقول إنها تتعرف كل يوم على مصابين جدد. وفقاً لتقرير منظمة "فرونت لاين إيدز" ارتفعت الحالات الجديدة في المنطقة بنسبة 116 في المئة منذ عام 2010. بينما ارتفعت 609 في المئة في مصر خلال الفترة نفسها، في المقابل شهدت الإصابات الجديدة بالفيروس انخفاضاً في العالم بنسبة 39 في المئة خلال الفترة نفسها. وتحذر المنظمة من أن المنطقة قد تواجه وباءً إقليمياً ربما يخرج عن نطاق السيطرة، إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة. ويتفاقم هذا الخطر بعد إغلاق مكتب برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2023 بسبب نقص التمويل، وهو البرنامج المعني بتنسيق الاستجابة بين الوكالات الأممية والحكومات، وفقاً للتقرير. تعتقد جولدا عيد مسؤولة البرامج في منظمة فرونت لاين إيدز التي أصدرت التقرير، أنه "لا بد من الاستثمار بشكل مستدام لمواجهة الفيروس. كما أن هناك حاجة ماسة لتنسيق سياسي أقوى لمواجهة الفيروس". لكن هذا يعتبر تحدياً في ظل العقبات الاقتصادية وأزمات النزوح التي تواجهها عدة دول في المنطقة. لذا تطالب عيد بدمج مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية في برامج الاستجابة الإنسانية والرعاية الصحية الشاملة. وتشكو عيد من نقص بيانات المحدثة والدقيقة، وهو ما يصعب الاستجابة بشكل صحيح. كما أن تجريم بعض الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس يلعب دوراً إضافياً في ضعف الاستجابة، كما تؤكد عيد: "الآن بعض الجمعيات تواجه خطراً قانونياً عندما تقدم دعمها لمثليي الجنس ومتعاطي المخدرات والأشخاص العابرين جندرياً، المعرضين أكثر من غيرهم للإصابة بالإيدز". Getty Images صورة تعبيرية دعم خاص للنساء تشعر ليلى بالارتياح لأن حالتها باتت مستقرة، وبأن لديها الوعي بكيفية التعامل مع الفيروس، بفضل الأطباء الذين يتابعون حالتها، بالإضافة لمجموعة مغلقة انضمت إليها على فيس بوك. تدير روزا- 45 عاماً- هذه المجموعة، وهي إحدى شريكات منظمة فرونت لاين إيدز في مصر، وتحمل الفيروس أيضاً منذ أكثر من عشرين عاماً. خاضت روزا، رحلة العلاج مع زوجها السابق بعدما فقدت جنينها بسبب مضاعفات الإصابة. بعد التعافي من أعراض الفيروس، بدأت روزا رحلة في دعم المتعايشين مع الإيدز. دعم النساء أولوية بالنسبة لها. تقول: "عندما كنت ألقي أحد التدريبات في اليمن قبل نحو 15 عاماً، وقالت لي إحدى المشاركات: أريد أن أقتل زوجي الذي نقل إلى الفيروس. منذ ذلك اليوم قررت أن أركز مجهودي على دعم المتعايشات مع الإيدز". الدعم النفسي مرتبط بالتمويل "قبل أن أتعرف على متعايشين آخرين مع الإيدز، شعرت أنني الوحيدة في العالم التي تحمل الفيروس"، تحكي روزا لبي بي سي. لكنها كانت محظوظة، لأنها كانت من بين أول 20 شخصاً اكتشفوا إصابتهم وانضموا لبرنامج الحملة القومية لمكافحة الإيدز في مصر، وهي حملة حكومية، كانت في أوج نشاطها في ذلك الوقت كما تحكى لبي بي سي. تقول إن البرنامج كان يقدم العلاج الطبي، والدعم النفسي لتخطي هذه الفترة. الآن يبلغ عدد حاملي الفيروس نحو 30 ألفاً في مصر، وفقاً لوزارة الصحة المصرية، وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز. تركز الخدمة الطبية الحكومية في مصر حالياً على تقديم الدواء بشكل مجاني، كما هو الحال في لبنان ودول أخرى في المنطقة، لكن الدعم النفسي والاجتماعي يتراجع بسبب صعوبات التمويل في هذه البلدان. يظل الدعم الذي تقدمه روزا عبر مجموعتها محدوداً، مقارنة بما تلقته بعد إصابتها قبل 21 عاماً. فهي تقدم التوعية، وتنظم أنشطة ترفيهية، ورشاً يدوية لتساعد أعضاء المجموعة على ممارسة حياتهن بشكل طبيعي. Getty Images صورة تعبيرية يشير تقرير منظمة" فرونت لاين إيدز" إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "تعاني من نقص في تمويل مشاريع مكافحة نقص فيروس نقص المناعة البشرية تصل نسبته إلى 85 في المئة، وأنها تتلقى أقل من 1 في المئة من إجمالي استثمار التمويل العالمي للفيروس". الحصول على تمويل مخصص لمواجهة الفيروس صار أصعب خلال السنوات الأخيرة، حيث يركز المانحون على تقديم الدعم الإنساني لفئات أخرى مثل النازحين، كما تقول الدكتورة نادية بدران مديرة جمعية العناية الصحية للتنمية الشاملة، التي تعمل في لبنان منذ نحو 35 عاماً. تضيف: لا نستطيع التوسع في برامج التوعية أو الدعم النفسي والمجتمعي للمتعايشين مع الفيروس بسبب نقص التمويل، وصرنا نقدم هذه الخدمة ضمن مجموعة خدمات أخرى لضمان استمرارها. الأدوية التي توفرها الحكومة للمصابين بالفيروس أيضاً تنفق عليها المنح الدولية، كما تقول بدران، وتتخوف من نتائج كارثية إذا تقلص هذا الدعم في المستقبل. ماذا يخفي المستقبل لحاملي الفيروس؟ الإجابة تتوقف على مدى الدعم النفسي والمجتمعي الذي يحظى به حامل الفيروس، ومدى تقبله لحالته، كما تقول الدكتور نادية بدران. وتشرح قائلة: "المصاب بالإيدز مرفوض اجتماعياً، على عكس الشخص المصاب بالسرطان مثلاً يحظى بدعم العائلة. يجب أن يحصل المتعايش مع الفيروس على الدعم، وأن يتقبل وضعه ليكون قادراً على الالتزام بالعلاج، وإلا تتدهور حالته". وتضيف: هناك شاب لجأ إلينا قبل سنوات، اكتشف إصابته بالإيدز عندما كان عمره 17 عاماً. كان مكتوم القيد (لا يملك أوراق هوية رسمية) وكان لديه عدد من الأزمات النفسية. لم يكن قادراً على تقبل وضعه، فلم يلتزم بالعلاج، وظل يعاني حتى توفي بعد إصابته بالسرطان. في حالة روزا وليلى، كان دعم المقربين منهما عاملاً أساسياً لتعافيهما من الأعراض، بجانب العلاج الدوائي. الآن، مر شهران منذ ولدت ليلى طفلها، وقد أثبتت الفحوصات تراجع نسبة الفيروس في دمها. أما الطفل، الذي فكرت في إجهاضه، خوفاً انتقال الفيروس إليه أثناء الولادة، فبشرها الأطباء قبل أيام بخلوه من الفيروس، بعد أن خضعا معاً لبرنامج علاجي مخصص. تقول "عندما عرفنا أننا سنواصل حياتنا بشكل طبيعي، شعرنا أن متنا، وبعثنا من جديد. الآن ننتظر حكم القضاء لإثبات نسب ابني، لنطوي هذه الصفحة من حياتنا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store