
"بقايا المعلبات" تكشف المعاناة.. الجوع يهدّد أبناء غزة!
نشر موقع "العربي الجديد" تقريراً جديداً تحت عنوان: "جوع غزة... العيش على بقايا المعلبات"، وجاء فيه:
بات إعداد وجبات الطعام اليومية مهمة شاقة للعائلات الفلسطينية في قطاع غزة ، مع استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المعابر الحدودية مع القطاع منذ أكثر من ثلاثين يوماً، ومنع إدخال السلع الغذائية والمساعدات الإغاثية والإنسانية، وارتفاع أسعار المتوفر منها، ما ضاعف معاناة الغزيين.
منذ الثاني من آذار الماضي، تُطبق سلطات الاحتلال حصارها على قطاع غزة وتواصل منع إدخال كل مقومات الحياة الآدمية، أبرزها الموارد الغذائية، بما فيها الخضار واللحوم والفاكهة وغيرها من السلع، ما أدى إلى حدوث نقص حاد في السلع المتوفرة في الأسواق، بما فيها المُعلبات.
وتتضاعف معاناة المواطنين يوماً بعد آخر في ظل إغلاق المخابز بسبب نفاد الدقيق، وارتفاع سعر الأخشاب التي تستخدم لطهي الطعام، إضافة إلى غياب شبه كامل لتكيّات الطعام الخيرية التي كانت تُشكّل ملاذاً لآلاف العائلات الفلسطينية طيلة حرب الإبادة المستمرة منذ 18 شهراً.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن الاحتلال يتعمد ارتكاب جريمة التجويع الجماعي من خلال إغلاق المعابر المؤدية من وإلى قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، ومنع إدخال المساعدات بشكل كامل منذ ما يزيد عن شهر؛ فقد منع إدخال 18600 شاحنة مساعدات، و1550 شاحنة محملة بالوقود، بالإضافة إلى قصفه أكثر من 60 تكية طعام ومركز لتوزيع المساعدات، وإخراجها عن الخدمة.
ويؤكد المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال تعمّد قصف واستهداف المخابز ووقف وإغلاق عمل العشرات منها، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وانتشار الجوع بوضوح بين المدنيين.
وخلال الأسبوع الأخير، عمدت إسرائيل إلى قصف واستهداف ثلاث تكيات لتوزيع الوجبات الساخنة للسكان، اثنتان منها في منطقة المواصي بخانيونس جنوبي القطاع، التي يزعم الاحتلال أنها منطقة آمنة ويدعو السكان للنزوح إليها. أما التكية الثالثة ففي حي التفاح شرقي مدينة غزة.
وانتشرت خلال العدوان عشرات التكيات التي تعد الطعام وتوزعه مجاناً على السكان، وبات أكثر من 90% يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الجهات الدولية والإغاثية العاملة في القطاع. وعدت أحد المصادر الرئيسية التي تزود السكان بالوجبات خلال شهور الحرب الطويلة. ويعمد الاحتلال إلى استهداف عدد منها بين الحين والآخر.
ويتطلب إعداد وجبات الطعام وقتاً طويلاً يومياً من أم محمد أبو عودة، بسبب شُح السلع الغذائية المتوفرة لديها، وتقول: "أعاني كثيراً لتوفير وجبات الطعام الثلاث يومياً. وبمجرد أن يحل المساء، أبدأ التفكير في ما سأوفره لعائلتي في اليوم التالي. لا يوجد أصناف متعددة ولا غاز ولا حطب، حتى الخبز أصبح من الصعب توفيره". ولا تجد إلا بعض معلبات الحمص والفول ومعجون الطماطم".
وفي حديثها عبر "العربي الجديد"، تضيف أم محمد: "لدي عائلة مكونة من 10 أفراد والحياة صعبة جداً. لا يوجد خضار ولا لحوم ولا مُعلبات كافية، والمتوفر منها سعره مرتفع. حالياً، الأخشاب غير متوفرة لإشعال النار، فأضطر إلى إشعال قطع من الأقمشة البالية".
وتوضح أبو عودة التي تعيش في مدرسة في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، نزحت إليها من بيت حانون شمالي القطاع، منذ ما يزيد عن عام، أنها تضطر "إلى إعداد الخبز الخاص بوجبة الغداء من خلال التوجه إلى أحد أصحاب الأفران المؤقتة بكلفة تصل إلى خمسة شواكل (الدولار يساوي 3.8 شواكل)، وهذا عبء إضافي. ونتناول معه القليل من الزعتر".
وتتكرر المعاناة لدى المواطنة أم عمر حمدان، فتقول: "إعداد وجبات الطعام أصبح الشغل الشاغل لنساء قطاع غزة، كونه يقع على عاتقهن توفيرها خصوصاً للأطفال، فبات يُشكّل عبئاً كبيراً لعدم توفر موارد غذائية، ولا مصادر للأموال بسبب تردي الأوضاع المعيشية، بالتالي أصبحت الأزمات مركبة".
وتضيف حمدان، وهي أم لستة أولاد منهم أربعة أطفال، لـ "العربي الجديد": "عندما نستيقظ صباح كل يوم، نستغرق وقتاً في التفكير. ماذا سنصنع لوجبة الفطور؟ نعمل على تأخير وقت إعدادها حتى لا نضطر إلى إعداد وجبة الغداء في وقت مبكر. عدنا حالياً لتناول وجبتين يومياً بدلاً من ثلاث".
وتذكر السيدة أن "استمرار إغلاق المعابر أدى إلى ارتفاع أسعار المُعلبات والخضار القليلة المتوفرة في الأسواق، عدا عن عدم تلقي أي مساعدات إغاثية منذ أكثر من شهر"، وأضافت: "لقد أصبحنا نتناول الخبز خلال وجبة واحدة يومياً، لأن إعداده يعد مكلفاً كوننا نضطر للذهاب إلى أفران مؤقتة لإعداده. ونصنع لوجبة الغداء بعض المعلبات من الفاصولياء والبازلّاء والأرز والعدس، وجميعها كانت متوفرة من المساعدات التي تلقيناها قبل إغلاق المعبر وقاربت على النفاد".
وتوضح أنها تعاني بسبب غياب التكيات الخيرية التي كانت تعتمد عليها منذ نزوحها في أحد مراكز الإيواء بمدينة غزة، كونها أغلقت أبوابها بعد فترة قصيرة من منع إدخال السلع الغذائية للقطاع.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال لم يلتزم بتطبيق كامل البروتوكول الإنساني الذي ينص على دخول 600 شاحنة يومياً، فيما يراوح المعدل اليومي الذي سمح له بالعبور ما بين 180 و220 شاحنة فقط.
وتزداد المعاناة أكثر لدى المواطن محمد الدوش الذي أصبح بمثابة الأب والأم لاثنين من أبنائه، بعدما استشهدت زوجته وابنته في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً لأقاربه كان قد نزح إليه، ويعيش حالياً في أحد مراكز الإيواء غربي مدينة غزة.
وفي حديثه، يقول: "أعاني بسبب فقدان زوجتي وعدم توفر أي موارد غذائية في الأسواق عقب إغلاق المعابر ومنع المساعدات الإغاثية".
ويتابع: "لا أستطيع شراء الأصناف القليلة المتوفرة في السوق، مثل الخضار. ويراوح سعر كيلوالغرام الواحد من كل صنف ما بين 30 و60 شيكلاً، عدا عن عدم توفر الأخشاب لدي. ولا أستطيع شراء الكيلوغرام منه بخمسة شواكل. لذلك أصبحت في حيرة من أمري لتدبير وجبات الطعام".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة اللاجئين
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- بوابة اللاجئين
انطلاق "أسبوع النكبة" في النمسا إحياءً للذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية
في إطار فعاليات "أسبوع النكبة"، انطلقت مساء أمس في العاصمة النمساوية فيينا، فعاليات إحياء الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية، بعرض الفيلم القصير الحائز على جوائز دولية "الهدية" للمخرجة فرح النابلسي، إلى جانب ندوة بعنوان: "آفاق حل قضية الشرق الأوسط تحت إدارة ترمب". وخلال الندوة التي نظمتها الجالية الفلسطينية، أكد رئيس الجالية عبد العزيز طه، أن النكبة لا تزال مستمرة، بل وتمارس اليوم بشكل أكثر قسوة في قطاع غزة عبر الإبادة، وفي شمال الضفة الغربية من خلال التطهير العرقي. وأشار طه إلى أن جوهر النكبة كان ولا يزال محو الهوية الفلسطينية، بما في ذلك الفنون والثقافة والتراث والطعام، موضحاً أن مواجهة هذه النكبة متعددة الأوجه، وتشمل الصمود، وإحياء التراث والثقافة، وتربية الأجيال. بدوره، لفت السفير الفلسطيني في النمسا، صلاح عبد الشافي، إلى أن المشروع الوطني الفلسطيني يمرّ بأخطر مراحله، ليس فقط في غزة وشمال الضفة الغربية، بل على مستوى المنطقة عامة، خصوصاً في ظل إدارة ترامب التي نسفت القانون الدولي والنظام العالمي القائم، معتبراً أن ما يحدث يمثل انهياراً تدريجياً لمنظومة القانون الدولي وحقوق الإنسان التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية، لصالح نظام جديد يقوم على القوة ومناطق النفوذ. وأكد عبد الشافي وجود تهديد جدّي للمشروع الوطني المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية، مشيراً إلى أن النقاشات حول غزة باتت تنحصر فقط في الجوانب الإنسانية وإدخال المساعدات، وهو أمر ضروري، لكن لا يجب أن يطغى على ضرورة طرح الحل السياسي. كما أشار إلى غياب الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية، وهو ما فتح المجال أمام حكومة نتنياهو للاستمرار في منع قيام الدولة الفلسطينية، من خلال قطع التواصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعزيز الفصل السياسي بينهما. وتستمر الفعاليات لإحياء الذكرى 77 للنكبة الفلسطينية في الأيام المقبلة بالنمسا، حيث يعرض الخميس فيلم "برتقال يافا"، يليه عرض ومناقشة كتاب "برتقال من يافا" بحضور الكاتبة نادين الصايغ، في جلسة باللغة الألمانية. أما الجمعة، فتتضمن عرضًا لكتاب "إبقاء غزة حية" ونقاشًا مفتوحًا، إلى جانب وقفة احتجاجية وسط فيينا تنظمها عدة مؤسسات، من بينها نادي "فلسطيني العربي". وفي اليوم الختامي السبت، تنظم ورشة للتطريز اليدوي الفلسطيني برعاية نادي "حنظلة"، يليها عرض فيلم "لا وطن آخر"، وتقديم تقرير عن الوضع الطبي في غزة تلقيه الصيدلانية "كادر كارلديج" التي شاركت في وفدين طبيين مع منظمة "أطباء بلا حدود" خلال حرب الإبادة المستمرة على القطاع. وتختتم الفعاليات بجلسة نقاش باللغة الألمانية حول مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على تبني سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة في قضايا الشرق الأوسط، بمشاركة السفير عبد الشافي ورئيس جمعية العلاقات العربية الأوروبية. بوابة اللاجئين الفلسطينيين


LBCI
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- LBCI
إتفاقية تعاون بين إتحاد المصارف العربية ومركز البحوث في الجيش
وقع الأمين العام لاتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح ومدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش العميد علي بو حمدان على إتفاقية تعاون بين اتحاد المصارف العربية ومركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش، ظهر اليوم في مقر الأمانة العامة للاتحاد في بيروت في حضور مستشار رئيس الجمهورية الدكتور انطوان صفير ورئيس جهاز أمن السفارات العميد موسى كرنيب وعدد من الضباط والشخصيات المصرفية الإقتصادية والادارية. وألقى العميد بو حمدان كلمة أعرب فيها عن "سروره البالغ لوجودنا اليوم معًا في هذه المناسبة التي تجسد جو التعاون المترافق مع العهد الجديد الذي أولى أهمية كبرى للتواصل والتنسيق الاقليمي، لا سيما مع الدول العربية حيث تعتبر هذه المناسبة محطة مهمة ومشرقة في مسيرة التعاون بين المؤسسات الوطنية والإقليمية". ورأى أن "توقيع اتفاقية التعاون اليوم بين مركز البحوث والدراسات الاستراتبجية في الجيش اللبناني واتحاد المصارف العربية ليس مجرد توقيع على ورقة، بل هو تجسيد حقيقي لارادة مشتركة في العمل وتكامل في الأدوار واستثمار في المعرفة والبحث من أجل خدمة وطننا ومجتمعاتنا". وقال ان "مركزنا، بوصفه الذراع الفكري والاستشاري للجيش اللبناني، يضع نصب عينيه أهمية بناء الشراكات مع المؤسسات الرائدة، خصوصًا تلك التي تلعب دورًا جوهريًا في الاقتصاد والتنمية، كاتحاد المصارف العربية. هذه الاتفاقية تفتح أمامنا آفاقًا واسعة للتعاون في مجالات البحث، والتدريب، وتبادل الخبرات وتحليل التحديات المستجدة على المستويين الوطني والإقليمي". وأشار إلى أننا "ندرك تمامًا ان الأمن لم يعد مقتصرًا على المفهوم العسكري الضيق، بل بات يشمل اليوم الأمن الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وهذه الجوانب مترابطة لا يمكن الفصل بينها. ومن هنا تأتي أهمية الشراكة التي نطمح من خلالها تقديم دراسات وأبحاث تسهم في دعم صناع القرار وتعزيز الاستقرار وترسيخ التنمية المستدامة". وتوجه العميد بو حمدان بالشكر والتقدير الى اتحاد المصارف العربية، قيادة وإدارة وفريق عمل على الثقة المتبادلة والرؤية المشتركة"، مؤكدًا "أننا في مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية سنكون شركاء فاعلين ومخلصين، ملتزمين بتحقيق الاهداف التي سنضعها معًا". وختم: "أقول بكل ثقة، إن هذا التعاون هو بداية لمسار طويل من العمل المشترك، ونأمل ان يشكل نموذجًا يحتذى في التعاون بين المؤسسات البحثية والقطاع المالي والمصرفي في عالمنا العربي". وتحدث الدكتور وسام فتوح موكدًا أن "مذكرة التفاهم بين إتحاد المصارف العربية ومركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني تهدف الى تعزيز آليات التواصل وتبادل الخبرات والدراسات والمعرفة في المجالات العلمية ذات الإهتمام المشترك، والتعاون في عقد المؤتمرات والبرامج التدريبية وورش العمل والمشاريع المشتركة، هذه المناسبة تحمل أبعادا رمزية وإستراتيجية، وتعكس عمق الثقة المتبادل بين المؤسستين وتؤسس لشراكة علمية بناءة ترتكز على تبادل الخبرات وتطوير المعرفة في مجالات استراتيجية ذات إهتمام مشترك". وقدم لمحة مختصرة عن إتحاد المصارف العربية قائلًا إنه "منظمة عربية إقليمية منبثقة عن جامعة الدول العربية، أسس عام 1974، واتخذ لبنان مقرًا رئيسيًا له، وهو مسجل على لائحة البعثات الديبلوماسية والقنصلية لدى وزارة الخارجية اللبنانية، ولدى وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية، يهدف إلى دعم الروابط بين المؤسسات المالية الأعضاء، وتوثيق أواصر التعاون بينها والتنسيق بين أنشطتها، وإبراز كيانها العربي تحقيقًا لمصالحها المشتركة، ويضم اليوم أكثر من 350 مؤسسة مالية ومصرفية، و16 بنكًا مركزيًا عربيًا، تتمتع بصفة عضو مراقب، إضافة إلى جمعيات المصارف المحلية". ولفت الى انه "لطالما شكل الجيش اللبناني صمام أمان الوطن وهو المؤسسة الوطنية التي توحد اللبنانيين، وتجسد أسمى معاني الالتزام في الدفاع عن السيادة والوحدة والاستقرار". وأعلن انه "في ظل قيادة فخامة رئيس الجمهورية، الذي عرفناه قائدًا للجيش ورمزًا للدولة، تأتي هذه الاتفاقية لتترجم إرادة مشتركة في بناء جسور تعاون نوعي، يستند إلى المعرفة والتخطيط العلمي ويخدم المصالح العليا للبنان". وأكد فتوح أننا "في اتحاد المصارف العربية، نؤمن إيمانا راسخا بأن الأمن والمعرفة يشكلان ركيزتين أساسيتين للتنمية الشاملة. ونرى في هذه الشراكة نموذجا يحتذى، يسهم في توسيع آفاق البحث، ويعزز التكامل بين القطاع المصرفي والمؤسسات الأمنية في خدمة الوطن". في الختام، وجه فتوح "أسمى آيات التقدير والاعتزاز للمؤسسة العسكرية ولجنودنا الأبطال الذين يسهرون على أمن الوطن وكرامته". وقال: "حفظ الله لبنان، وحفظ جيشه الباسل، لتبقى راية الوطن عالية". وختاما، قدم العميد بو حمدان درعًا تكريمية الى الدكتور وسام فتوح. ثم كانت صورة تذكارية للمناسبة.


شبكة النبأ
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- شبكة النبأ
الأسئلة الممنوعة
مكمن الخلل في مشاريعنا يكمن في الجمود على أفكار ونظريات تصبح بمرور الوقت 'مقدسات' لا يجوز الاقتراب منها أو تعديلها، رغم أنها – في جوهرها – ليست سوى مبادئ عامة قابلة للتكييف والتطوير. أجواؤنا الفكرية والسياسية تعاني من تكلس شديد، يستثمره المغامرون والمتسلقون والطامحون، دون أن يأبهوا للأثمان الباهظة التي تدفعها الجماهير... أطلقت التسجيلات المسرّبة لأحاديث الزعيم المصري جمال عبد الناصر موجة من الأسئلة والأفكار في الشارع العربي، لم يكن توقيت التسريب عبثيًا، بل حمل دلالات مثيرة، والأسئلة التي أثيرت لم تكن لتظهر لولا أن الأمة لا تزال تعيش أزماتها المتراكمة، ومعاركها الخاسرة، وتضحياتها الجسيمة. كان عبد الناصر يتحدث إلى 'زعماء' عرب فرّقتهم الأيديولوجيات وجمعتهم السلطة. سلوكهم كان صدى لأفكار أحزابهم ورؤاهم، بين يسار ثوري تقدمي ويمين محافظ. هذا التباين جعلهم يختلفون في تقديراتهم للمخاطر وكيفية إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي. قاد عبد الناصر المشروع القومي العربي، وكانت جماهير العرب من المحيط إلى الخليج تصفق له، متأملة فيه حلم الوحدة، واسترجاع فلسطين، ومواجهة الاستعمار والإمبريالية، وتحقيق النهوض الاقتصادي، عبر الإعلام والتثقيف اليومي والخطاب السياسي الحار. خاض عبد الناصر معارك عديدة، وانتهج سياسات داخلية وخارجية فشل في معظمها، مأخوذًا بحجم التأييد الشعبي والدعم الجماهيري. كان الجمهور العروبي القومي الحماسي سلاحه الأخطر في مواجهة خصومه ومنافسيه. لكنه اكتشف – متأخرًا – وبعد سلسلة من النكسات والانكسارات، أنه أصبح أسيرًا لشعاراته، وضحية لثقافة قام هو نفسه بترويجها. لقد صار يخشى الشارع، ويهاب مواجهته بالحقائق، خشية أن يُتهم بالتراجع أو الخداع. فرضت الوقائع نفسها على الأرض، وكان لاختلال ميزان القوى، والشعور بالفارق التقني، وضعف التحالفات، أثر كبير في دفع كثير من القادة إلى تغيير مواقفهم في اللحظات الحرجة والمصيرية. المشكلة لا تكمن في تراجع القادة عن شعاراتهم أو نظرياتهم، فهذا أمر طبيعي في منتصف الطريق أو نهايته. الصعوبة تظهر حين تتحول تلك الشعارات إلى 'أقانيم' لا يجوز المساس بها، بعد أن ترسّخت في الوعي والثقافة اليومية. وحين تعجز الأحزاب والزعامات والقواعد عن الاستجابة للواقع، فإنها تظل تدور في حلبة الحلم، دون قدرة على تجسيده فعليًا. عبد الناصر، حين اصطدم بالواقع المأساوي، غيّر قناعاته، لكنه لم يكن قادرًا على تجرّع 'السمّ' علنًا ومخاطبة الجماهير بصراحة. ولو لم تتسرّب التسجيلات، لما عرف الناس وجهه الآخر. فعبد الناصر قبل الهزيمة ليس هو نفسه بعدها. الواقعية السياسية فرضت نفسها عليه، لا العمر والتجربة كما يُقال تبريرًا، فكثير من الزعماء يتمسكون بأفكارهم حتى بعد أن يطول بهم العمر. لكن حين يكون المشروع أو الحلم أو 'الجماعة المتخيلة' عصيًا على التحقق، ويستلزم تضحيات جسيمة، يكون بعض القادة مستعدين للتراجع أو تقديم بدائل، حفاظًا على مصالح كبرى وتفاديًا لخسائر أفدح. ما يعيق هذه التحولات هو الخوف من الجماهير، أو من ذلك الجزء منها الذي اعتاد التفكير بسقوف مثالية عالية، حتى صار من يتحدث عن 'النزول من أعالي الأشجار' وتغليب العقل المقاصدي، متهمًا بالاستسلام أو الخيانة أو الجبن. وهذه هي جوهر المشكلة في المجتمعات المأزومة، والثقافات الحادة، والهويات الحزبية المتصلبة. هناك أسئلة ممنوع طرحها في البيئات المغلقة أو شبه المغلقة، لأن هناك من هو مستعد لقمع أي صوت مخالف وطمس التفكير النقدي. 'الأسئلة الممنوعة' هي تلك التي تحاكم الأفكار والمواقف والسياسات، سواء كانت واقعية أو مثالية، وتحاول نبش الجذور النفسية التي أنتجت تلك المواقف، ومدى صلتها بنمط الشخصية التي تتبناها وتُصر عليها. لنمط الشخصية دور محوري في تحقيق الانتصارات أو التسبب بالهزائم. وتوفر القدرات، وحُسن التعامل مع المعلومات، والقدرة على قراءة المتغيرات، كلها أدوات في يد القادة لكسب المعارك واستغلال الفرص وتحقيق النجاحات. مكمن الخلل في مشاريعنا يكمن في الجمود على أفكار ونظريات تصبح بمرور الوقت 'مقدسات' لا يجوز الاقتراب منها أو تعديلها، رغم أنها – في جوهرها – ليست سوى مبادئ عامة قابلة للتكييف والتطوير. أجواؤنا الفكرية والسياسية تعاني من تكلس شديد، يستثمره المغامرون والمتسلقون والطامحون، دون أن يأبهوا للأثمان الباهظة التي تدفعها الجماهير، بلا قرار منها ولا إرادة.