
إيران والصين وروسيا وانهيار الردع في البحر الأحمر
المصدر: المجلس الأطلسي / كتبته: فاطمة أبو الأسرار
قد تكون حادثة توجيه سفينة حربية صينية لليزر على طائرة مراقبة ألمانية في 2 يوليو/تموز 2025 هي الاستعارة المثالية للواقع البحري الجديد: قوى متعددة تتواجد الآن في نفس المياه بولايات مختلفة، وقواعد مختلفة، وتفسيرات مختلفة بشكل متزايد للسلوك المقبول. كانت الطائرة الألمانية في مهمة دورية روتينية، كجزء من عملية 'أسبيدس' التابعة للاتحاد الأوروبي، عندما أطلق ليزر صيني تدابير أمنية، مما أجبر الطائرة على التوقف والعودة إلى القاعدة.
رفضت بكين الاتهامات ونفت الحادث، حيث ذكرت وزارة الدفاع الصينية أن 'أسطول السفن البحرية الصينية كان يقوم بمهام مرافقة في خليج عدن. ولم ينفذ عمليات في البحر الأحمر، ولم يقم بتفعيل أي معدات ليزر.' ومع ذلك، كانت السفن الصينية المشتبه بها قد أجرت تدريبات مشتركة على حزام الأمن البحري 2025 مع القوات الروسية والإيرانية في خليج عمان قبل أربعة أشهر فقط، مما يشير إلى أن حادثة الليزر – سواء كانت حقيقية أم متصورة – لم تكن مجرد مضايقة معزولة، بل جزءًا من ضغط منسق ضد العمليات الغربية.
تصاعد التوتر في البحر الأحمر: تصعيد مدروس أم فوضى؟
في الأسبوع نفسه، اتخذت الأحداث في البحر الأحمر منعطفًا أكثر فتكًا. شهد أسبوع 6 يوليو سلسلة من الإهانات الاستراتيجية للغرب في البحر الأحمر: حادثة الليزر، وغرق السفينتين 'ماجيك سيز' و'إتيرنيتي سي' اللتين ترفع علم ليبيريا وتشغلهما اليونان، ومقتل أربعة بحارة وأسر ستة عشر في قبضة الحوثيين، معظمهم من الفلبينيين. هذه ليست تصعيدات عشوائية للعنف، بل هي عروض مدبرة لنظام بحري جديد. عندما صور الحوثيون المدعومون من إيران أنفسهم وهم يصعدون على متن السفينة 'ماجيك سيز' المهجورة، ويزرعون متفجرات متزامنة وهم يهتفون 'الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود'، كانت القيمة الدعائية محسوبة. لم يظهر هذا العنف من فراغ. لقد ملأ فراغًا خلقه الغرب من خلال أخطاء في الحسابات مثل اتفاق ستوكهولم لعام 2018، الذي أضفى الشرعية على سيطرة الحوثيين على موانئ البحر الأحمر الرئيسية بينما احتفلت الأمم المتحدة بـ 'التقدم' الدبلوماسي. أصبح الارتباك الناتج بين المسرح الدبلوماسي والواقع الاستراتيجي نمطًا متكررًا اختار فيه الغرب باستمرار الاحتواء على المواجهة، وهو نمط أثبت تكراره.
استمر هذا النمط حتى كشف الحوثيون عن نواياهم في 7 أكتوبر 2023. أظهرت حملتهم المتزامنة ضد التجارة البحرية وإسرائيل التنسيق العملياتي الذي رعته طهران بين وكلائها. من خلال تأطير الإرهاب البحري كتضامن فلسطيني، سعى الحوثيون إلى إضفاء الشرعية على الحرب الاقتصادية مع فضح ضعف الغرب أمام التهديدات غير المتماثلة.
خلق إحجام الغرب عن المخاطرة بالصراع في البحر الأحمر، على الرغم من أنه مفهوم، شللًا عندما كانت هناك حاجة إلى عمل حاسم. سلط مسار التصعيد الذي أعقب ذلك الضوء على تباين استراتيجي أساسي داخل التحالف الغربي حول كيفية التعامل مع الحوثيين. عندما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عملية راف رايدر في مارس/آذار 2025، ونشر 'قوة فتاكة ساحقة' في محاولة لإنهاء هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر بعد أن فشلت القوة الناعمة بشكل واضح، كشف ذلك عن عدم الاتساق في قلب الاستراتيجية الغربية. وجدت العواصم الأوروبية، التي استثمرت رأس مال سياسي في الولاية الدفاعية الصريحة لعملية أسبيدس، نفسها تدافع عن نموذج دحضته الأحداث بالفعل. عكس ارتباكهم حول ما إذا كان هذا التصعيد أو التكيف يشكل التهديد الأكبر، حتى مع انهيار ممرات الشحن، الالتزام المؤسسي بالحلول الدبلوماسية بغض النظر عن الحقائق العدوانية على الأرض.
الفشل الغربي يغذي فراغًا استراتيجيًا
وفي الوقت نفسه، واجهت العملية خلافًا داخليًا في الولايات المتحدة. أدى الارتباك السياسي الناتج عن ذلك، بالإضافة إلى مليار دولار من النفقات وخسائر مادية كبيرة، بما في ذلك طائرتان مقاتلتان، إلى فشل العملية في تحقيق أهدافها الرادعة. خلق هذا ضغطًا وحوافز سياسية للإدارة لقبول ما كان فعليًا شروطًا حوثية؛ وقف الهجمات على السفن الأمريكية مقابل حريتهم المستمرة في استهداف الملاحة الإسرائيلية.
بلغ هذا الضغط الداخلي على الإدارة الحالية ذروته في اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين في 6 مايو/أيار، والذي كشف عن القيود الهيكلية للعمل العسكري أحادي الجانب في الحرب غير المتماثلة. قد تكون شروط الاتفاق، التي دعت إلى إنهاء هجمات الحوثيين على السفن الأمريكية، قد بدت وكأنها خفض للتصعيد في ذلك الوقت، لكنها لم تعالج استهداف المجموعة للسفن المرتبطة بإسرائيل، مما أدى في النهاية إلى إضفاء الطابع المؤسسي على نظام من مستويين أقر استراتيجية الحوثيين للإرهاب البحري الانتقائي. إن عدم قدرة الغرب على تطوير استجابة متماسكة لسيطرة الميليشيات على ممرات الشحن أدى في النهاية إلى خلق فراغ استراتيجي سارعت الصين وروسيا، بمساعدة إيران، إلى استغلاله.
الثالوث الانتهازي: كيف تستغل القوى المتنافسة الفرص في البحر الأحمر
كشفت أزمة البحر الأحمر كيف يمكن للقوى المتنافسة تحقيق توافق استراتيجي من خلال السعي الموازي لمصالح فردية، مما يخلق آثارًا تراكمية تتجاوز ما يمكن أن تحققه أي قوة بمفردها. لقد اكتشفت هذه القوى أن السعي وراء المصالح الفردية بشكل متوازٍ يخلق تأثيرات نظامية تعزز بعضها البعض. لا يواجه الغرب مؤامرة، بل شيئًا قد يكون أكثر تحديًا: توافق عضوي للمصالح العدائية لا يتطلب تخطيطًا مركزيًا للحفاظ عليه ولا يقدم نقطة نفوذ واحدة للضغط.
يظهر هذا التوافق في كل مكان. بينما أدانت الصين وروسيا علنًا الهجمات على السفن المدنية: في 15 يوليو/تموز 2025، امتنعت الصين وروسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2787 بشأن هجمات الحوثيين، مما كشف الفجوة بين التصريحات الدبلوماسية والسياسة الفعلية. حذرت الصين من 'تفسير أو إساءة استخدام' قرارات مجلس الأمن لتبرير العمل العسكري ضد اليمن (الذي في الواقع، يخفف الضغط على الحوثيين، وليس اليمن). يسمح هذا النمط للدول بالحفاظ على المعايير الدبلوماسية الرسمية أثناء السعي لتحقيق أهداف استراتيجية متناقضة.
حقق الحوثيون، من جانبهم، تكيفًا عملياتيًا متطورًا في استخدامهم للأصول المستولى عليها. تم تحويل سفينة 'جالاكسي ليدر'، وهي ناقلة سيارات ترفع علم الباهاما اختطفتها الميليشيات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى محطة رادار عائمة مجهزة بأنظمة مراقبة لتتبع الحركة البحرية. يوضح هذا التحول كيف يستفيد الوكلاء المدعومون من إيران من قدرات على مستوى الدولة للحرب غير المتماثلة. يوفر هذا المزيج من جمع المعلومات الاستخباراتية المتقدمة والعنف المسرحي، وكل ذلك مبرر من خلال روايات التضامن الفلسطيني، مزايا تكتيكية وغطاءً استراتيجيًا لما يرقى إلى الإرهاب البحري.
لكن الدعم المادي الصيني يمثل أهم ممكن للقدرات الإيرانية. شحنة من الموانئ الصينية، تكفي لتزويد 260 صاروخًا متوسط المدى وفقًا لحسابات فاينانشيال تايمز، توضح استعداد بكين لتقويض قواعد عدم الانتشار عندما يخدم ذلك مصالحها. يكشف وصفها للمواد الكيميائية الأولية للصواريخ بأنها 'تجارة طبيعية' كيف تستغل القوى الاستبدادية الثغرات التنظيمية لتحقيق أهداف استراتيجية.
تحويل الصراع إلى فرصة: الدور الصيني والروسي في تعزيز قدرات الحوثيين
في وقت سابق من مارس/آذار، اكتشفت (Conflict Armament Research) أن الطائرات المسيرة الحوثية أصبحت تدمج خلايا وقود هيدروجين صينية الصنع، مما يضاعف نطاقها ثلاث مرات مع تقليل بصمتها الحرارية، مما يجعلها شبه غير مرئية للدفاعات التقليدية. تصل المكونات مغلوطة التصنيف على أنها أسطوانات أكسجين، مستغلة الثغرات الجمركية لتقديم أول استخدام محاول لـ وقود الهيدروجين في الأنظمة غير المأهولة من قبل أي جهة مسلحة غير حكومية، على مستوى العالم.
يحدث هذا النقل التكنولوجي جنبًا إلى جنب مع ترتيب اقتصادي أوسع يكشف نهج الصين المحسوب تجاه الأزمة. على الرغم من الضغط على السفن الأوروبية، تبحر السفن الصينية دون مضايقة عبر نفس المياه. أكدت عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية أن زعيم الحوثيين محمد علي الحوثي 'تواصل مع مسؤولين من روسيا وجمهورية الصين الشعبية لضمان عدم ضرب المسلحين الحوثيين للسفن الروسية أو الصينية التي تعبر البحر الأحمر.'
وفي الوقت نفسه، تكمل المساهمة الروسية في هذا الترتيب في البحر الأحمر هذه الشبكة، وتحافظ على موقفها التقليدي كوسيط بين الفوضى والنظام. يكشف تقرير وول ستريت جورنال في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن روسيا قدمت بيانات أقمار صناعية للحوثيين عبر وسطاء الحرس الثوري الإيراني يتناسب مع نمط التصعيد في المشاركة. وفي الوقت نفسه، يُظهر اجتماع فيكتور بوت في أغسطس/آب 2024 لترتيب مبيعات أسلحة خفيفة بقيمة 10 ملايين دولار للمجموعة المسلحة، بما في ذلك بنادق AK-74 وربما صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، استعداد موسكو لاستخدام حتى أشهر أصولها لتغذية عدم الاستقرار الإقليمي.
تجاوز الشلل في البحر الأحمر: مقترحات لمواجهة التحديات
تواجه أطر السياسة الحالية قيودًا متعددة: الإحجام عن تسليح الحكومة اليمنية بسبب مخاوف تتعلق بالحكم، وقيود الموارد أثناء دعم أوكرانيا، والفشل الواضح لاتفاقيات التي بوساطة الأمم المتحدة مثل ستوكهولم. تخلق هذه القيود فجوات عملياتية تستغلها الجهات الفاعلة الإقليمية.
تتضح المقاربات المتباينة: تفرض الصين ترتيباتها البحرية من خلال العمل المباشر، وتقدم روسيا دعمًا استخباراتيًا للوكلاء، وتحافظ إيران على سلاسل الإمداد لمكونات الصواريخ على الرغم من العقوبات. يحدث هذا التنسيق بدون هياكل تحالف رسمية، مما يشير إلى نماذج بديلة للتعاون الاستراتيجي.
أولاً، تتطلب الأطر متعددة الأطراف إعادة تقييم. فشل اتفاق ستوكهولم وعملية راف رايدر لأسباب متناقضة: الأول وثق العملية على حساب القوة، والآخر وثق القوة على حساب الشراكة. يتطلب النجاح اندماجًا حقيقيًا: هياكل قيادة مشتركة بين القوات الأمريكية والأوروبية، ومنصات استخبارات مشتركة تجمع بين القدرات الإسرائيلية والمراقبة الأوروبية والاستخبارات الأمريكية للإشارات، وقواعد اشتباك متزامنة. تعمل عملية أسبيدس الأوروبية والجهود الأمريكية حاليًا بالتوازي؛ وهما بحاجة إلى اندماج عملياتي ويجب أن تشملا الديمقراطيات الآسيوية لكسر رواية بكين 'الشرق مقابل الغرب'.
ثانيًا، ربط الابتزاز البحري بالمنافسة الاستراتيجية الأوسع. تتطلب أزمة البحر الأحمر إعادة صياغة من حوادث معزولة إلى استراتيجية منسقة. تخدم هجمات الحوثيين الطموحات الإقليمية لإيران، والمزايا التجارية للصين، وهدف روسيا في تحويل الموارد الغربية، وليس التضامن الفلسطيني كما يزعمون. يجب أن يأخذ أي تحليل جاد في الاعتبار كيف يقوم هذا الترتيب الإيراني-الصيني-الروسي بتحويل ممرات الشحن إلى سلاح لتفكيك التحالفات الغربية وإنشاء نماذج جديدة لتقويض النفوذ الأمريكي. الفكرة الاستراتيجية هي: لقد اكتشف الأعداء أنهم يستطيعون جعل القيادة الغربية باهظة الثمن دون إطلاق رصاصة. يمكّن إدراك هذه الروابط من استجابة أكثر فعالية من التعامل مع كل أزمة على حدة.
ثالثًا، إدراك اليمن كمحاولة إيران للسيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية. إن تأطير المجتمع الدولي 'للحرب الأهلية' يحجب الهدف الحقيقي لطهران: السيطرة على نقاط الاختناق البحرية المتعددة. تستغل إيران بالفعل مضيق هرمز لتهديد تدفقات الطاقة وتسعى الآن إلى تكرار هذا النفوذ في باب المندب من خلال وكلائها الحوثيين. إذا نجحت، فإن السيطرة على نقطتي الاختناق ستمنح إيران قدرة غير مسبوقة على خنق التجارة العالمية. لتحقيق ذلك، يعمل الحوثيون كحركة داخلية وقوة استكشافية إيرانية توضع للاستيلاء على جغرافيا استراتيجية لصالح طهران. بالنظر إلى هذه المخاطر، فإن دعم الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة يكلف الآن أقل بكثير من مواجهة السيطرة الإيرانية على نقاط الاختناق المتعددة لاحقًا.
نهاية الردع: استراتيجية الأعداء وتحديات الغرب
أظهر التقارب بين إيران والصين وروسيا أن الأعداء الصبورين يمكنهم تقسيم المشاعات العالمية بينما تناقش الديمقراطيات خيارات الاستجابة. لقد أظهروا أن الإرهاب البحري يمكن إعادة تسميته بالمقاومة، وأن الحرب الاقتصادية يمكن أن تكون انتقائية، وأن القانون الدولي لا ينطبق إلا على من يختارون اتباعه. البنية التحتية للاستجابة موجودة، لكن ما ينقص هو الاعتراف بأن عدم اتخاذ إجراء هو في حد ذاته خيار، وهو ما يفسره الأعداء على أنه إذن.
تكشف مساعي روسيا لإنشاء قاعدة بحرية دائمة في البحر الأحمر عن الحساب الأكثر إدانة: إنهم يراهنون على أن السيطرة الغربية لن تعود. كما يجادل إيليا كرامنيك من المجلس الروسي للشؤون الدولية، فإن هذا يعزز 'دور روسيا كقوة عالمية'، وليس التحوط ضد الانتعاش الغربي، بل افتراض غيابه.
لمدة ثمانية عقود، كان الردع يعني أن تحدي النظام الدولي بقيادة الغرب يؤدي إلى عواقب تلقائية. لكن الأيام العشرة الأخيرة من العنف المنسق في يوليو/تموز أثبتت خلاف ذلك. قامت الصين وروسيا وإيران بتفكيك السيطرة البحرية الغربية بشكل منهجي مع البقاء دون عتبات الانتقام، مما جعل الردع اختياريًا بدلاً من كونه تلقائيًا. لقد تعلم كل خصم محتمل في جميع أنحاء العالم هذا الدرس للتو، وأن بالقدر الكافي من الضغط والارتباك، سيخلق الغرب الفراغ لهم لاستغلاله.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 4 ساعات
- اليمن الآن
تحرّك روسي فلبيني لفك أسر البحارة المحتجزين لدى الحوثي
شهدت العاصمة السعودية الرياض لقاءً دبلوماسيًا بين القائم بأعمال السفير الروسي لدى اليمن، الدكتور يفغيني كودروف، وسفير الفلبين لدى المملكة واليمن، ريموند بالاتبات، ركّز على مناقشة التصعيد الأمني الذي تقوده مليشيا الحوثي في البحر الأحمر، وجهود إنقاذ البحارة الفلبينيين المحتجزين لدى الجماعة. وقالت السفارة الروسية لدى اليمن في بيان نشرته عبر حسابها على منصة 'إكس'، إن اللقاء تناول مستجدات الأزمة اليمنية، وسبل التوصل إلى تسوية سياسية، إضافة إلى تعزيز التنسيق الثنائي بشأن الأوضاع الإنسانية، وحماية الملاحة الدولية في ظل الهجمات الحوثية المتزايدة. ويأتي هذا اللقاء بعد تصعيد حوثي خطير في البحر الأحمر، تمثل في استهداف سفينتي الشحن 'ماجيك سيز' و'إيترنيتي سي' خلال يوليو الجاري، ما أدى إلى غرقهما. وقد تم إنقاذ طاقم السفينة الأولى المكوّن من 17 بحارًا فلبينيًا، في حين ضم طاقم 'إيترنيتي سي' 22 بحارًا، بينهم 21 فلبينيًا، لا يزال عدد منهم مفقودًا. وأشارت تقارير متخصصة، بينها منصة 'لويدز ليست'، إلى أن ستة من أفراد الطاقم قد يكونون محتجزين كرهائن لدى مليشيا الحوثي، منذ سيطرتها على السفينة. ويرى مراقبون أن الفلبين تسعى عبر القنوات الدبلوماسية إلى الاستفادة من نفوذ موسكو لدى الجماعة الحوثية للضغط باتجاه الإفراج عن البحارة المحتجزين، في ظل صمت حوثي متواصل، ومخاوف دولية من تصاعد المخاطر التي تهدد أمن الملاحة وسلامة الطواقم البحرية. ويُعد البحارة الفلبينيون من أبرز القوى العاملة في قطاع النقل البحري العالمي، حيث يعمل الآلاف منهم في ممرات بحرية تصنَّف 'عالية الخطورة'، من بينها البحر الأحمر والموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وفي هذا السياق، دعت وزارة العمل الفلبينية شركات الملاحة الدولية إلى تجنّب المرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن، مؤكدة أن نحو 4687 بحارًا فلبينيًا يعملون في تلك المناطق، تعرّض 740 منهم لهجمات أثناء عملياتهم خلال العام الماضي فقط.


اليمن الآن
منذ 15 ساعات
- اليمن الآن
القربي يروي كيف نقل رسالة صالح الأخيرة إلى صدام حسين قبل غزو العراق: نصحته بتفادي الحرب.. فردّ: هذه معركة كرامة الأمة وسندفع الثمن
أخبار وتقارير الأول /متابعات القربي لـ الشرق الأوسط: نقلت رسالة أخيرة إلى صدام فقال لي هذه معركة كرامة الأمة حين دوّت طائرات القاعدة في سماء نيويورك، هرع وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي من برلين إلى صنعاء، للتعامل مع اللحظة التي غيرت وجه العالم. دفعت الهجمات - ضمن تداعياتها الكثيرة - الرئيس علي عبد الله صالح، إلى الانخراط الكامل في الحرب الأميركية ضد الإرهاب، بعد ترتيب زيارة سريعة إلى واشنطن لإقناع الرئيس السابق جورج بوش، بأن اليمن ليس بؤرةً لـ القاعدة. في الحلقة الأولى من مقابلته مع الشرق الأوسط، يروي القربي الذي تولى منصبه في 4 أبريل (نيسان) 2001 وتركه في 2014، تجربته الطويلة وزيراً لخارجية بلد عاصف كاليمن. يعود إلى الفترة الملتهبة بين تفجير تنظيم القاعدة المدمرة الأميركية يو إس إس كول قبالة سواحل عدن في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، وغزو العراق، مروراً برسالته الأخيرة إلى صدام حسين الذي رفض اقتراحاً من صالح بالتعاون مع المطالب الأممية، قائلاً إن هذه معركة كرامة الأمة وسندفع ثمنها. وفيما يلي نص الحلقة: * أول استحقاق كبير واجهتموه كان هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك وواشنطن. أين كنت في ذلك اليوم؟ وكيف استقبلت الخبر؟ - كنت في زيارة رسمية إلى برلين، وكنا على مأدبة غداء مع وزير خارجية ألمانيا في ذلك الوقت، وفوجئنا بالخبر. كنا نستعد لرحلة على النهر ولحفل استقبال دعوت إليه شخصيات ألمانية والسفارات العربية وغيرها، وفوجئنا بالخبر المزعج فتسمرنا أمام التلفزيون نتابع ما يجري، وقررنا إلغاء الحفل. * كيف استقبل الرئيس علي عبد الله صالح خبر هجمات 11 سبتمبر؟ - لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال لأنني لم أكن موجوداً (في اليمن) حينها. لكن فيما بعد، القضية كانت مزعجة جداً لنا، خصوصاً بعد حادثة كول في عدن. عندما حدث ذلك، وضع اليمن على أنه بؤرة لـ القاعدة وللإرهاب، وبالتالي كنا نقيّم تبعات الحادث في نيويورك على النظرة إلى اليمن. * عندما رجعت من ألمانيا التقيت الرئيس، وكان هذا الموضوع البند الأول في المناقشات. هل كان يعدّه خطراً وقد يرتب على اليمن تبعات؟ - نعم بكل تأكيد، ليس فقط على اليمن، إنما على المنطقة كلها. ولكن كنا ننظر كيف نجنب اليمن تبعات ما يجري، ولهذا كانت أول خطوة اتخذناها هي ترتيب زيارة سريعة للأخ الرئيس إلى واشنطن، وكان هو من أول القادة الواصلين إلى واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، والتقى بالرئيس جورج بوش. مواجهة صالح وبوش في البيت الأبيض * كيف كان اللقاء بين الرئيسين؟ - يمكن أن أصفه بأنه نوع من المواجهة من قبل الرئيس لإقناع الرئيس بوش بأن اليمن ليس بؤرة للإرهاب، وبالتالي لا يتحمل تبعات حادثة 11 سبتمبر. * هل اتهمه بوش؟ - لا، لم يتهمه. أشار الرئيس بوش إلى أنهم حريصون على محاربة الإرهاب، وأهمية دور اليمن في محاربة الإرهاب، وأن هناك إرهابيين في اليمن. وأعتقد في نهاية المطاف، فإن الرئيس صالح احتوى الموضوع بقوله إن اليمن سيكون شريكاً مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، وبدأت العلاقة... * هل طلب من اليمن طلبات محددة؟ - في ذلك الوقت لا، لكن فيما بعد اعتقد أن الهدف الرئيسي كان كيف يتم التعاون في مكافحة عناصر القاعدة داخل اليمن. * هل اتخذ اليمن إجراءات جدية آنذاك؟ - بكل تأكيد. اتخذ إجراءات تعقب الجماعات التي ارتكبت حادثة تفجير المدمرة، واعتقلت الأجهزة الأمنية بعضهم. وبدأت تحقيقات معهم، وكانت الولايات المتحدة تطالب بأن تشارك في هذه التحقيقات، إلا أن اليمن رفض ذلك باعتبار أن هذه التحقيقات مسؤولية الحكومة اليمنية، ولكن يمكنهم أن يحضروا هذه التحقيقات، وإذا كانت لديهم أسئلة تطرح عبر المحققين اليمنيين. * هل كشفت التحقيقات شيئاً مهماً يتعلق بالهجمات؟ - حقيقة لا أذكر بالنسبة إلى هذا الجانب الأمني، لكن بكل تأكيد، كان هناك تبادل مجموعة من المعلومات بين الجهازين الأمنيين. * انتظم التعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين، هل توقعت بوصفك وزير خارجية أن تخرج أميركا الجريحة في حملة تأديب تشمل أفغانستان، ثم تمتد إلى العراق؟ - كنا ندرك تماماً أن الجرح الأميركي عميق من حادثة 11 سبتمبر، لكن لم أكُن أتوقع أن أميركا ستتسرع في الإجراءات التي اتخذتها. أعتقد أن التسرع ورّط أميركا في المراحل اللاحقة لهذا القرار. * هل كان الرئيس صالح يشعر بأن أميركا مهمة جداً لكنها مقلقة سواء بوصفها خصماً أو حليفاً؟ - نعم بكل تأكيد. الرئيس علي عبد الله صالح في زيارته إلى أميركا كان يدرك خطورة الموقف الأميركي على اليمن وعلى المنطقة، وهذا ظاهر في مواقفه بكثير من القضايا العربية؛ سواء القضية الفلسطينية أو العدوان على العراق فيما بعد. ولهذا حاولنا أن نتجنب أي مواقف تستفز الولايات المتحدة. كان همنا في ذلك الوقت أن نجنب اليمن المخاطر. رسالة صالح الأخيرة إلى صدام * هاجمت أميركا أفغانستان وأسقطت نظام طالبان، هل شعرتم بالقلق حين تبين أنها تندفع باتجاه غزو العراق؟ - أعتقد هذا جاء بمرحلة لاحقة في 2003، وكان لأسباب أخرى غير مرتبطة بأفغانستان، ولكن أعتقد أنها في إطار شعور أميركا بأنها تريد مزيداً من الهيمنة على المنطقة، وسياستها ومصالحها والأحداث التي تدور في المنطقة بعد 2001. كان هناك استهداف للأنظمة العربية، ولهذا جاءوا بمشروع الشرق الأوسط الكبير وغيره من الأفكار المتعددة والفوضى الخلاقة التي تبنتها (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) كوندوليزا رايس. وكانت كل الدول العربية تشعر بقلق مما تقوم به أميركا في المنطقة. ولهذا، حتى في الجامعة العربية، نحن بوصفنا وزراء خارجية في ذلك الوقت، كنا نرى كيف نرسل الرسائل إلى أميركا بأن العرب ليسوا كما يتوقعون. يقولون إنهم راعون للإرهاب وغير ذلك، وإن المجموعة العربية مع محاربة الإرهاب ومع الإصلاحات السياسية والاقتصادية في بلدانها. * اقترب الغزو الأميركي للعراق، ماذا فعل الرئيس علي عبد الله صالح؟ وماذا فعلتم بوصفكم دولة يمنية؟ - دورنا كان من خلال الجامعة العربية أولاً، إذ كان يهمنا أن يكون الموقف العربي موحداً في مواجهة العدوان الأميركي على العراق، وللأسف كان هناك انقسام في مواقف الدول العربية. والخطوة الثانية كانت كيفية إقناع صدام حسين بتجنب تعريض العراق للعدوان الأميركي. وكنت أنا آخر من ذهب إلى العراق يحمل رسالة إلى صدام حسين، قبل نحو شهر ونصف الشهر أو شهرين من العدوان، لأبلغه بهذه الرسالة؛ يجب أن تحافظ على العراق وعلى إنجازاتك في العراق، وتجنبه العدوان. * رسالة من الرئيس علي عبد الله صالح؟ - نعم. * وسلمتها للرئيس صدام حسين؟ - نعم سلمتها للرئيس صدام حسين. * ماذا كان رده؟ - صدام حسين في رده لي قال: أولاً الشكر للرئيس صالح ودعمه وحرصه على العراق، ولكن قال إن هذه معركة كرامة الأمة، وعلينا أن ندفع الثمن دفاعاً عن كرامة الأمة. والرسالة إلى الرئيس صالح أنه يتمنى عليه أن يحافظ هو على الوحدة اليمنية. * ماذا كان مضمون الرسالة؟ هل تضمنت اقتراحاً ليقوم به صدام حسين؟ - أن يلبي مطالب الأمم المتحدة التي تتبناها أميركا طبعاً. * ألم يُظهر مرونة؟ - لم يبدِ استعداداً لهذا، وكان يعدّ ذلك مساساً بكرامة الأمة، أن يقوم العراق بقبول المطالب الأميركية في ذلك الوقت. * بمَ شعرت بوصفك وزير خارجية حينما أجابك بأن هذه معركة الدفاع عن كرامة الأمة؟ هل شعرت بالخطر على العراق؟ - بكل تأكيد. أولاً أنا بعدما تحدثت إليه بالصفة الرسمية، قلت له أريد أن أتحدث إليك بصفة المواطن العربي إلى قائد عربي، وقلت له: نحن ندرك أن هذه معركة كرامة الأمة، ولكنها أيضاً تتطلب الحكمة في مواجهة هذا العدوان، ولا نريد للعراق أن يخسر كل ما حققه الآن من تنمية وبناء المؤسسات وقدرات عسكرية... إلخ، وبالتالي المعركة لن تنتهي بالعدوان على العراق وقد ندفع ثمنها جميعاً بوصفنا عرباً. فقال: لكن، علينا في العراق أن نتحمل هذه المسؤولية. * من التقيت أيضاً في بغداد؟ - لم ألتقِ بغير الرئيس. * نقلت رد صدام حسين إلى علي عبد الله صالح، فماذا كان تعليق الرئيس اليمني؟ - الرئيس كان متألماً للرد، لأنه شعر بأن العراق سيتعرض للعدوان، وما ينتج عن هذا العدوان. * بمَ يشعر وزير خارجية عربي حينما يلتقي بالرئيس صدام حسين؟ - الشعور بأنك أمام قائد عربي حقق لبلده كثيراً من الإنجازات، لكن قرار السلم والحرب، كما هي الحال ربما في كل عالمنا العربي، مرتبط بشخص واحد. وأعتقد أن هذه القضية في كثير من الأمور التي نعاني منها، عندما تتخذ القرارات من شخص واحد من دون الأخذ بإسهام المؤسسات المعنية العسكرية والأمنية والسياسية في اتخاذ مثل هذا القرار. * هل كان لديك مثل هذا الشعور حيال غزو الكويت، بأن التفرد بالقرار يقود إلى كوارث؟ - بكل تأكيد، لأن كل القضايا التي تحدث الآن في عالمنا العربي هي المأساة نفسها. * هل هذا الميل إلى التفرد نتيجة شعور القادة بأنهم مكلفون بمهمات تاريخية؟ هل كان علي عبد الله صالح متفرداً بالقرار؟ - أحياناً كان متفرداً، لكن أعتقد أن هذا كان بعد تجربة الحكم والخلافات والحروب التي وقعت. بدأ بتجربة الحوار الوطني لكي يوحّد القوى السياسية، ويكون هناك شركاء في اتخاذ القرار، لكن تظل هناك أحياناً قرارات فردية. * هل قال علي عبد الله صالح شيئاً عن صدام حسين، إنه عنيد أو متفرد...؟ هذه مسائل للتاريخ. - لم يقُل هذا الكلام صراحة، لكن أعتقد أنه شعر بأن صدام حسين أخطأ بهذا القرار. * بدأ غزو العراق، كيف كان مزاج علي عبد الله صالح، وأنت وزير خارجية يجب أن تتصرف؟ - حينها كانت هناك أشهر من النقاش قبل العدوان في الجامعة العربية وبين الدول العربية، وكانت هناك مجموعة من الدول العربية التي تحاول أن تحد من هذا العدوان، وهناك دول، لا أريد أن أقول مشجعة، إنما لا تريد أن تدخل في موقف ضد الموقف الأميركي. كنا، في اليمن نعد أنفسنا للعدوان بأنه سيحدث، وبالنسبة إلينا اعتبرناه كارثة، لذلك أرسل الرئيس أكثر من مبعوث قبل أن أذهب أنا مباشرة قبل العدوان. * انهار نظام صدام حسين، هل خشي علي عبد الله صالح على مصيره؟ - لا. * لكنه شعر بالقلق عندما شاهد صدام حسين يعدم، وقال كلاماً علنياً، هل تذكر ذلك؟ - أذكر، وكنت يومها في عمان ولم أكن في صنعاء، أن هذا الحدث كان له تأثير شديد على علي عبد الله صالح. أولاً بالإعدام الذي تم يوم العيد، وشعور الرئيس صالح بأن هذا فيه نوع من روح الانتقام والحقد الشديد على صدام حسين، لأننا كنا نتمنى أن تكون المحاكمة عادلة، وأن يكون الحكم وتنفيذه أكثر إنسانية. * نقل عنه قوله في قمة عربية، وكنت تشارك في القمم بحكم منصبك، إنه حين يحلق جارك بلّ دقنك، وهذا ما حصل لصدام حسين قد يحصل لآخرين. - ما قاله هو قبل أن يحلقوا رأسك احلق رأسك أنت، وكان يقصد أنه قبل أن يفرض عليك الآخرون، اتخذ أنت القرار بإصلاح الأمور. صالح وصدام: كيمياء خاصة * ما سر هذه العلاقة الشخصية القوية بين علي عبد الله صالح وصدام؟ هل هي مشاركة اليمن في الحرب العراقية - الإيرانية؟ - أعتقد أن المشاركة جاءت بناء على علاقة قوية سابقة بين الرئيسين. شخصياً أعتقد أنهما شخصيتان اتسمتا بالموقف القومي، وبموقف واضح من إسرائيل ومما تقوم به في فلسطين. كيمياؤهما كانت متوافقة وكانا قريبين بعضهما من بعض. * هل كان صدام حسين يساعد اليمن؟ - لا أستطيع أن أقول شيئاً في هذا، لأنني ليس لي علم. * لأن اليمن انخرط في اللقاء مع مصر والأردن والعراق في المجلس العربي؟ - نعم. * هل تعتقد أن هذا المجلس كان الهدف منه تغيير التوازنات في المنطقة؟ - أعتقد أنه من المؤسف أن العالم العربي تعرض لأزمات كثيرة. وكان كل واحد يعتقد أنه باجتهاد تشكيل مجالس متعددة... إما يهرب من العمل العربي المشترك، أو يفعّل للعمل العربي المشترك. لم يتحقق شيء من هذا، لأن هذه المجالس لم تحقق شيئاً على أرض الواقع. علاقة مميزة مع الملك عبد الله * بمن كانت للرئيس صالح علاقات قوية في تلك المرحلة، من الرؤساء والملوك؟ - أعتقد من القادة العرب، بعد توقيع اتفاقية الحدود مع المملكة العربية السعودية، كانت العلاقة مع الملك عبد الله متميزة جداً والثقة عالية جداً. وبعد تعييني وزيراً للخارجية، استطعت مع الأمير سعود (الفيصل) أن نرى كيف نترجم هذه الثقة بدعم اليمن مع وزراء آخرين من دول عربية، خصوصاً وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. هذه كلها جعلت العلاقة مع المملكة علاقة خاصة جداً ولفترة طويلة، إلى ربما 2008 عندما توقفت الحرب مع الحوثيين، وكانت السعودية طرفاً فيها. وهناك من نقل معلومات خاطئة إلى المملكة عن موقف الرئيس صالح من وقف الحرب، وبدأت العلاقات تتوتر قليلاً. هذا بالنسبة إلى الشخصيات العربية التي كانت أقرب إليه في تلك الفترة. من القادة الآخرين أعتقد ملس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا، كانت له علاقة جيدة بالرئيس صالح. أولاً العلاقة التي كانت لهما شراكة فيها وهي موقفهما من إريتريا، واعتبارها تهديداً للاستقرار في المنطقة عندما هددت الجزر اليمنية، وحربها مع إثيوبيا أيضاً. * أسياس أفورقي رئيس إريتريا؟ - كانت علاقته طيبة به، لكن بعد حادثة الجزر توترت، ومع ذلك بعد أن حلت المسألة ودياً دخلنا نحن في اليمن لنحاول أن نرمم العلاقة بينهم وبين إثيوبيا، وذهبت أنا إلى البلدين مرات عدة لنحاول أن نوفق بينهما. * هل كانت هناك علاقة مع حافظ الأسد؟ - أثناء رئاستي لوزارة الخارجية، كانت العلاقة محدودة. * خلال الأحداث التي عاشتها سوريا، كنتم مؤيدين لموقف السلطة السورية ضد المعارضة؟ - هذه من الأمور التي كان صالح، سواء في العراق أو سوريا، يرى أن التدخل الخارجي في أي بلد عربي، في النهاية، يدمر ذلك البلد. * كيف كانت العلاقة بين صالح والقذافي؟ - فيها نوع من المماحكة السياسية. تعرف أن القذافي كان يعتقد أنه، بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، هو المكلف بأخذ الموقف الناصري والدفاع عن القومية العربية... إلخ، وكان صالح يرى أنه يبالغ في هذا الموقف بأنه القائد العربي. * كان صالح ظريفاً، هل كان يسخر من القذافي في مجالسه؟ - لا. لا أعتقد أنه كان يسخر، لكن كان ينتقد بعض مواقفه؛ مثل دعواته إلى الوحدة العربية بعد التجربة التي مرت بها الأمة العربية. * لماذا ساعد القذافي الحوثيين؟ - لا أدري ما هدفه، لكن ربما نوع من الضغط على صالح، أو نوع من الضغط على المملكة العربية السعودية. * هل قدم القذافي أسلحة للحوثيين أم أموالاً؟ - لا توجد لدي معلومات، هو كان على تواصل معهم. بوتين والصين... بوابة السلاح والاستثمار * رافقت الرئيس صالح في رحلات بهذا العالم، منها رحلة في زيارة فلاديمير بوتين، كيف كانت هذه الرحلة؟ - في الجانب الشخصي بين الاثنين، كانت العلاقة في منتهى الودية. وكان الرئيس بوتين يدرك الوضع السياسي الذي فيه صالح. كانت الزيارة في 2008، وكانت قد بدأت المشاكل مع الحوثيين وغيرهم. واليمن كان يعتمد في تسليحه على روسيا. كان هناك تعاون مع الرئيس بوتين لتلبية احتياجات اليمن، وكان هناك عرض عسكري في الوقت نفسه لأسلحة حديثة في روسيا، وأخذ الرئيس بوتين معه الرئيس صالح إلى العرض العسكري والمعرض والاستعراض، أي كان واضحاً أن الرئيس بوتين يعتبر صالح من الرؤساء العرب القريبين منه، ومن موسكو. * أعجب صالح بالرئيس بوتين؟ - جداً. * ماذا قال عنه؟ - أعتقد قال إنه سيعيد لروسيا دورها السابق. * بمن أعجب؟ كان صديقاً لصدام حسين وأعجب ببوتين، ألم يعجب بالزعماء الغربيين؟ - أعتقد ربما الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، وجورج بوش إلى حد ما. الرئيس التقاه أكثر من مرة، حتى إن الرئيس بوش في إحدى الزيارات أخذه لزيارة المنطقة التي يعيش فيها بالبيت الأبيض. لكن إجمالاً كان اهتمامه (صالح) الأكبر بالعالم العربي. * الصين. - الصين كانت مهمة بالنسبة له، وكانت واحدة من آخر زياراته إلى الصين وكنت معه، وكان يحاول فيها أن يفتح الباب أمام الصين للاستثمار في اليمن، وفعلاً كان هناك استعداد من الصين؛ لكن جاءت الأحداث. * هل كان يشعر بأهمية التجربة الآسيوية في هذا النهوض الاقتصادي؟ - هذه أحد الأشياء التي نوقشت، وكانت الصين مستعدة لإدخال اليمن ضمن طريق الحرير الذي كانت تخطط له، أن يكون اليمن محطة من محطاته، ووافقوا على تقديم مليار دولار بوصفها قرضاً لليمن لمشاريع، وكان الخلاف بعدها حول كيفية تسديد هذا المبلغ، والبرلمان للأسف عطل المشروع في ذلك الوقت. وزراء الخارجية العرب في ذاكرة القربي * تجربة مَن من وزراء الخارجية العرب استوقفتك؟ - أولاً طبعاً رحمه الله الأمير سعود الفيصل. * ماذا تقول عنه؟ - أقول عنه أولاً إنه تميز بالحكمة وتميز بالصبر عندما يسمع شيئاً لا يريحه، ويحاول دائماً الوصول إلى توافق للحلول. من الشخصيات الأخرى يوسف بن علوي أيضاً. قليل الكلام ولكن عندما يتكلم يسهم في بلورة الحل. الآخرون أيضاً مصطفى عثمان إسماعيل وزير خارجية السودان، أيضاً شخصية رائدة كانت معنا في قضية العراق، حرب العراق الثانية. علي التريكي كان قومي الانتماء، وكان أيضاً من الذين يتصدون لبعض المواقف التي كان القذافي يتبناها. * هل عرفت، مثلاً، وزير الخارجية الليبي السابق عبد الرحمن شلقم؟ - عرفته نعم وهو مثقف. أذكر دائماً في إحدى زياراتنا للقاهرة، كنا في حفلة عشاء، قام يعزف على العود ويغني لنا. * هل تعاملت مع عمرو موسى؟ وكيف كانت تجربتك معه؟ - نعم. أنا كنت أولاً من المعجبين بعمرو موسى وهو وزير خارجية لمصر، لأنه كان يتصدى لمواقف كانت أحياناً تتعارض مع رئاسة الجمهورية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وموقفه منها. وعندما عرفته في الجامعة العربية زاد إعجابي به، وأعتقد أنه من أفضل الأمناء العامين الذين عرفتهم الجامعة العربية على الأقل في عهدي، ليس بوصفي وزير خارجية؛ إنما من خلال متابعتي للجامعة العربية. كان دائماً متمسكاً بالثوابت العربية. طبعاً الجامعة العربية للأسف الشديد خاضعة لقرارات وزراء الخارجية وللدول المؤثرة بالذات، وكثير من القرارات التي تصدر منها لا يتحمل مسؤوليتها الأمين العام، إنما يتحمل مسؤوليتها وزراء الخارجية. * أنت طبيب، لكن من تحب من الشعراء العرب؟ - القدامى، والمتنبي. * لماذا تحب المتنبي؟ - لأن في أشعاره كثيراً من القيم المهمة والوقائع التي تمثل بالنسبة إليّ حكماً.


اليمن الآن
منذ 15 ساعات
- اليمن الآن
وزير الخارجية اليمني نقلت رسالة أخيرة إلى صدام فقال لي «هذه معركة كرامة الأمة» (1 من 2)
القربي لـ«الشرق الأوسط»: نقلت رسالة أخيرة إلى صدام فقال لي «هذه معركة كرامة الأمة» حين دوّت طائرات «القاعدة» في سماء نيويورك، هرع وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي من برلين إلى صنعاء، للتعامل مع اللحظة التي غيرت وجه العالم. دفعت الهجمات - ضمن تداعياتها الكثيرة - الرئيس علي عبد الله صالح، إلى الانخراط الكامل في الحرب الأميركية ضد الإرهاب، بعد ترتيب زيارة سريعة إلى واشنطن لإقناع الرئيس السابق جورج بوش، بأن اليمن ليس بؤرةً لـ«القاعدة». في الحلقة الأولى من مقابلته مع «الشرق الأوسط»، يروي القربي الذي تولى منصبه في 4 أبريل (نيسان) 2001 وتركه في 2014، تجربته الطويلة وزيراً لخارجية بلد عاصف كاليمن. يعود إلى الفترة الملتهبة بين تفجير تنظيم «القاعدة» المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» قبالة سواحل عدن في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، وغزو العراق، مروراً برسالته الأخيرة إلى صدام حسين الذي رفض اقتراحاً من صالح بالتعاون مع المطالب الأممية، قائلاً إن «هذه معركة كرامة الأمة وسندفع ثمنها». وفيما يلي نص الحلقة: * أول استحقاق كبير واجهتموه كان هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك وواشنطن. أين كنت في ذلك اليوم؟ وكيف استقبلت الخبر؟ - كنت في زيارة رسمية إلى برلين، وكنا على مأدبة غداء مع وزير خارجية ألمانيا في ذلك الوقت، وفوجئنا بالخبر. كنا نستعد لرحلة على النهر ولحفل استقبال دعوت إليه شخصيات ألمانية والسفارات العربية وغيرها، وفوجئنا بالخبر المزعج فتسمرنا أمام التلفزيون نتابع ما يجري، وقررنا إلغاء الحفل. * كيف استقبل الرئيس علي عبد الله صالح خبر هجمات 11 سبتمبر؟ - لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال لأنني لم أكن موجوداً (في اليمن) حينها. لكن فيما بعد، القضية كانت مزعجة جداً لنا، خصوصاً بعد حادثة «كول» في عدن. عندما حدث ذلك، وضع اليمن على أنه بؤرة لـ«القاعدة» وللإرهاب، وبالتالي كنا نقيّم تبعات الحادث في نيويورك على النظرة إلى اليمن. * عندما رجعت من ألمانيا التقيت الرئيس، وكان هذا الموضوع البند الأول في المناقشات. هل كان يعدّه خطراً وقد يرتب على اليمن تبعات؟ - نعم بكل تأكيد، ليس فقط على اليمن، إنما على المنطقة كلها. ولكن كنا ننظر كيف نجنب اليمن تبعات ما يجري، ولهذا كانت أول خطوة اتخذناها هي ترتيب زيارة سريعة للأخ الرئيس إلى واشنطن، وكان هو من أول القادة الواصلين إلى واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، والتقى بالرئيس جورج بوش. «مواجهة» صالح وبوش في البيت الأبيض * كيف كان اللقاء بين الرئيسين؟ - يمكن أن أصفه بأنه نوع من المواجهة من قبل الرئيس لإقناع الرئيس بوش بأن اليمن ليس بؤرة للإرهاب، وبالتالي لا يتحمل تبعات حادثة 11 سبتمبر. * هل اتهمه بوش؟ - لا، لم يتهمه. أشار الرئيس بوش إلى أنهم حريصون على محاربة الإرهاب، وأهمية دور اليمن في محاربة الإرهاب، وأن هناك إرهابيين في اليمن. وأعتقد في نهاية المطاف، فإن الرئيس صالح احتوى الموضوع بقوله إن اليمن سيكون شريكاً مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، وبدأت العلاقة... * هل طلب من اليمن طلبات محددة؟ - في ذلك الوقت لا، لكن فيما بعد اعتقد أن الهدف الرئيسي كان كيف يتم التعاون في مكافحة عناصر «القاعدة» داخل اليمن. * هل اتخذ اليمن إجراءات جدية آنذاك؟ - بكل تأكيد. اتخذ إجراءات تعقب الجماعات التي ارتكبت حادثة تفجير المدمرة، واعتقلت الأجهزة الأمنية بعضهم. وبدأت تحقيقات معهم، وكانت الولايات المتحدة تطالب بأن تشارك في هذه التحقيقات، إلا أن اليمن رفض ذلك باعتبار أن هذه التحقيقات مسؤولية الحكومة اليمنية، ولكن يمكنهم أن يحضروا هذه التحقيقات، وإذا كانت لديهم أسئلة تطرح عبر المحققين اليمنيين. * هل كشفت التحقيقات شيئاً مهماً يتعلق بالهجمات؟ - حقيقة لا أذكر بالنسبة إلى هذا الجانب الأمني، لكن بكل تأكيد، كان هناك تبادل مجموعة من المعلومات بين الجهازين الأمنيين. * انتظم التعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين، هل توقعت بوصفك وزير خارجية أن تخرج أميركا الجريحة في حملة تأديب تشمل أفغانستان، ثم تمتد إلى العراق؟ - كنا ندرك تماماً أن الجرح الأميركي عميق من حادثة 11 سبتمبر، لكن لم أكُن أتوقع أن أميركا ستتسرع في الإجراءات التي اتخذتها. أعتقد أن التسرع ورّط أميركا في المراحل اللاحقة لهذا القرار. * هل كان الرئيس صالح يشعر بأن أميركا مهمة جداً لكنها مقلقة سواء بوصفها خصماً أو حليفاً؟ - نعم بكل تأكيد. الرئيس علي عبد الله صالح في زيارته إلى أميركا كان يدرك خطورة الموقف الأميركي على اليمن وعلى المنطقة، وهذا ظاهر في مواقفه بكثير من القضايا العربية؛ سواء القضية الفلسطينية أو العدوان على العراق فيما بعد. ولهذا حاولنا أن نتجنب أي مواقف تستفز الولايات المتحدة. كان همنا في ذلك الوقت أن نجنب اليمن المخاطر. رسالة صالح الأخيرة إلى صدام * هاجمت أميركا أفغانستان وأسقطت نظام «طالبان»، هل شعرتم بالقلق حين تبين أنها تندفع باتجاه غزو العراق؟ - أعتقد هذا جاء بمرحلة لاحقة في 2003، وكان لأسباب أخرى غير مرتبطة بأفغانستان، ولكن أعتقد أنها في إطار شعور أميركا بأنها تريد مزيداً من الهيمنة على المنطقة، وسياستها ومصالحها والأحداث التي تدور في المنطقة بعد 2001. كان هناك استهداف للأنظمة العربية، ولهذا جاءوا بمشروع «الشرق الأوسط الكبير» وغيره من الأفكار المتعددة و«الفوضى الخلاقة» التي تبنتها (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) كوندوليزا رايس. وكانت كل الدول العربية تشعر بقلق مما تقوم به أميركا في المنطقة. ولهذا، حتى في الجامعة العربية، نحن بوصفنا وزراء خارجية في ذلك الوقت، كنا نرى كيف نرسل الرسائل إلى أميركا بأن العرب ليسوا كما يتوقعون. يقولون إنهم راعون للإرهاب وغير ذلك، وإن المجموعة العربية مع محاربة الإرهاب ومع الإصلاحات السياسية والاقتصادية في بلدانها. * اقترب الغزو الأميركي للعراق، ماذا فعل الرئيس علي عبد الله صالح؟ وماذا فعلتم بوصفكم دولة يمنية؟ - دورنا كان من خلال الجامعة العربية أولاً، إذ كان يهمنا أن يكون الموقف العربي موحداً في مواجهة العدوان الأميركي على العراق، وللأسف كان هناك انقسام في مواقف الدول العربية. والخطوة الثانية كانت كيفية إقناع صدام حسين بتجنب تعريض العراق للعدوان الأميركي. وكنت أنا آخر من ذهب إلى العراق يحمل رسالة إلى صدام حسين، قبل نحو شهر ونصف الشهر أو شهرين من العدوان، لأبلغه بهذه الرسالة؛ يجب أن تحافظ على العراق وعلى إنجازاتك في العراق، وتجنبه العدوان. * رسالة من الرئيس علي عبد الله صالح؟ - نعم. * وسلمتها للرئيس صدام حسين؟ - نعم سلمتها للرئيس صدام حسين. * ماذا كان رده؟ - صدام حسين في رده لي قال: أولاً الشكر للرئيس صالح ودعمه وحرصه على العراق، ولكن قال إن هذه معركة كرامة الأمة، وعلينا أن ندفع الثمن دفاعاً عن كرامة الأمة. والرسالة إلى الرئيس صالح أنه يتمنى عليه أن يحافظ هو على الوحدة اليمنية. * ماذا كان مضمون الرسالة؟ هل تضمنت اقتراحاً ليقوم به صدام حسين؟ - أن يلبي مطالب الأمم المتحدة التي تتبناها أميركا طبعاً. * ألم يُظهر مرونة؟ - لم يبدِ استعداداً لهذا، وكان يعدّ ذلك مساساً بكرامة الأمة، أن يقوم العراق بقبول المطالب الأميركية في ذلك الوقت. * بمَ شعرت بوصفك وزير خارجية حينما أجابك بأن هذه معركة الدفاع عن كرامة الأمة؟ هل شعرت بالخطر على العراق؟ - بكل تأكيد. أولاً أنا بعدما تحدثت إليه بالصفة الرسمية، قلت له أريد أن أتحدث إليك بصفة المواطن العربي إلى قائد عربي، وقلت له: نحن ندرك أن هذه معركة كرامة الأمة، ولكنها أيضاً تتطلب الحكمة في مواجهة هذا العدوان، ولا نريد للعراق أن يخسر كل ما حققه الآن من تنمية وبناء المؤسسات وقدرات عسكرية... إلخ، وبالتالي المعركة لن تنتهي بالعدوان على العراق وقد ندفع ثمنها جميعاً بوصفنا عرباً. فقال: لكن، علينا في العراق أن نتحمل هذه المسؤولية. * من التقيت أيضاً في بغداد؟ - لم ألتقِ بغير الرئيس. * نقلت رد صدام حسين إلى علي عبد الله صالح، فماذا كان تعليق الرئيس اليمني؟ - الرئيس كان متألماً للرد، لأنه شعر بأن العراق سيتعرض للعدوان، وما ينتج عن هذا العدوان. * بمَ يشعر وزير خارجية عربي حينما يلتقي بالرئيس صدام حسين؟ - الشعور بأنك أمام قائد عربي حقق لبلده كثيراً من الإنجازات، لكن قرار السلم والحرب، كما هي الحال ربما في كل عالمنا العربي، مرتبط بشخص واحد. وأعتقد أن هذه القضية في كثير من الأمور التي نعاني منها، عندما تتخذ القرارات من شخص واحد من دون الأخذ بإسهام المؤسسات المعنية العسكرية والأمنية والسياسية في اتخاذ مثل هذا القرار. * هل كان لديك مثل هذا الشعور حيال غزو الكويت، بأن التفرد بالقرار يقود إلى كوارث؟ - بكل تأكيد، لأن كل القضايا التي تحدث الآن في عالمنا العربي هي المأساة نفسها. * هل هذا الميل إلى التفرد نتيجة شعور القادة بأنهم مكلفون بمهمات تاريخية؟ هل كان علي عبد الله صالح متفرداً بالقرار؟ - أحياناً كان متفرداً، لكن أعتقد أن هذا كان بعد تجربة الحكم والخلافات والحروب التي وقعت. بدأ بتجربة الحوار الوطني لكي يوحّد القوى السياسية، ويكون هناك شركاء في اتخاذ القرار، لكن تظل هناك أحياناً قرارات فردية. * هل قال علي عبد الله صالح شيئاً عن صدام حسين، إنه عنيد أو متفرد...؟ هذه مسائل للتاريخ. - لم يقُل هذا الكلام صراحة، لكن أعتقد أنه شعر بأن صدام حسين أخطأ بهذا القرار. * بدأ غزو العراق، كيف كان مزاج علي عبد الله صالح، وأنت وزير خارجية يجب أن تتصرف؟ - حينها كانت هناك أشهر من النقاش قبل العدوان في الجامعة العربية وبين الدول العربية، وكانت هناك مجموعة من الدول العربية التي تحاول أن تحد من هذا العدوان، وهناك دول، لا أريد أن أقول مشجعة، إنما لا تريد أن تدخل في موقف ضد الموقف الأميركي. كنا، في اليمن نعد أنفسنا للعدوان بأنه سيحدث، وبالنسبة إلينا اعتبرناه كارثة، لذلك أرسل الرئيس أكثر من مبعوث قبل أن أذهب أنا مباشرة قبل العدوان. * انهار نظام صدام حسين، هل خشي علي عبد الله صالح على مصيره؟ - لا. * لكنه شعر بالقلق عندما شاهد صدام حسين يعدم، وقال كلاماً علنياً، هل تذكر ذلك؟ - أذكر، وكنت يومها في عمان ولم أكن في صنعاء، أن هذا الحدث كان له تأثير شديد على علي عبد الله صالح. أولاً بالإعدام الذي تم يوم العيد، وشعور الرئيس صالح بأن هذا فيه نوع من روح الانتقام والحقد الشديد على صدام حسين، لأننا كنا نتمنى أن تكون المحاكمة عادلة، وأن يكون الحكم وتنفيذه أكثر إنسانية. * نقل عنه قوله في قمة عربية، وكنت تشارك في القمم بحكم منصبك، إنه «حين يحلق جارك بلّ دقنك»، وهذا ما حصل لصدام حسين قد يحصل لآخرين. - ما قاله هو «قبل أن يحلقوا رأسك احلق رأسك أنت»، وكان يقصد أنه قبل أن يفرض عليك الآخرون، اتخذ أنت القرار بإصلاح الأمور. صالح وصدام: «كيمياء» خاصة * ما سر هذه العلاقة الشخصية القوية بين علي عبد الله صالح وصدام؟ هل هي مشاركة اليمن في الحرب العراقية - الإيرانية؟ - أعتقد أن المشاركة جاءت بناء على علاقة قوية سابقة بين الرئيسين. شخصياً أعتقد أنهما شخصيتان اتسمتا بالموقف القومي، وبموقف واضح من إسرائيل ومما تقوم به في فلسطين. كيمياؤهما كانت متوافقة وكانا قريبين بعضهما من بعض. * هل كان صدام حسين يساعد اليمن؟ - لا أستطيع أن أقول شيئاً في هذا، لأنني ليس لي علم. * لأن اليمن انخرط في اللقاء مع مصر والأردن والعراق في المجلس العربي؟ - نعم. * هل تعتقد أن هذا المجلس كان الهدف منه تغيير التوازنات في المنطقة؟ - أعتقد أنه من المؤسف أن العالم العربي تعرض لأزمات كثيرة. وكان كل واحد يعتقد أنه باجتهاد تشكيل مجالس متعددة... إما يهرب من العمل العربي المشترك، أو يفعّل للعمل العربي المشترك. لم يتحقق شيء من هذا، لأن هذه المجالس لم تحقق شيئاً على أرض الواقع. علاقة مميزة مع الملك عبد الله * بمن كانت للرئيس صالح علاقات قوية في تلك المرحلة، من الرؤساء والملوك؟ - أعتقد من القادة العرب، بعد توقيع اتفاقية الحدود مع المملكة العربية السعودية، كانت العلاقة مع الملك عبد الله متميزة جداً والثقة عالية جداً. وبعد تعييني وزيراً للخارجية، استطعت مع الأمير سعود (الفيصل) أن نرى كيف نترجم هذه الثقة بدعم اليمن مع وزراء آخرين من دول عربية، خصوصاً وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. هذه كلها جعلت العلاقة مع المملكة علاقة خاصة جداً ولفترة طويلة، إلى ربما 2008 عندما توقفت الحرب مع الحوثيين، وكانت السعودية طرفاً فيها. وهناك من نقل معلومات خاطئة إلى المملكة عن موقف الرئيس صالح من وقف الحرب، وبدأت العلاقات تتوتر قليلاً. هذا بالنسبة إلى الشخصيات العربية التي كانت أقرب إليه في تلك الفترة. من القادة الآخرين أعتقد ملس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا، كانت له علاقة جيدة بالرئيس صالح. أولاً العلاقة التي كانت لهما شراكة فيها وهي موقفهما من إريتريا، واعتبارها تهديداً للاستقرار في المنطقة عندما هددت الجزر اليمنية، وحربها مع إثيوبيا أيضاً. * أسياس أفورقي رئيس إريتريا؟ - كانت علاقته طيبة به، لكن بعد حادثة الجزر توترت، ومع ذلك بعد أن حلت المسألة ودياً دخلنا نحن في اليمن لنحاول أن نرمم العلاقة بينهم وبين إثيوبيا، وذهبت أنا إلى البلدين مرات عدة لنحاول أن نوفق بينهما. * هل كانت هناك علاقة مع حافظ الأسد؟ - أثناء رئاستي لوزارة الخارجية، كانت العلاقة محدودة. * خلال الأحداث التي عاشتها سوريا، كنتم مؤيدين لموقف السلطة السورية ضد المعارضة؟ - هذه من الأمور التي كان صالح، سواء في العراق أو سوريا، يرى أن التدخل الخارجي في أي بلد عربي، في النهاية، يدمر ذلك البلد. * كيف كانت العلاقة بين صالح والقذافي؟ - فيها نوع من المماحكة السياسية. تعرف أن القذافي كان يعتقد أنه، بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، هو المكلف بأخذ الموقف الناصري والدفاع عن القومية العربية... إلخ، وكان صالح يرى أنه يبالغ في هذا الموقف بأنه القائد العربي. * كان صالح ظريفاً، هل كان يسخر من القذافي في مجالسه؟ - لا. لا أعتقد أنه كان يسخر، لكن كان ينتقد بعض مواقفه؛ مثل دعواته إلى الوحدة العربية بعد التجربة التي مرت بها الأمة العربية. * لماذا ساعد القذافي الحوثيين؟ - لا أدري ما هدفه، لكن ربما نوع من الضغط على صالح، أو نوع من الضغط على المملكة العربية السعودية. * هل قدم القذافي أسلحة للحوثيين أم أموالاً؟ - لا توجد لدي معلومات، هو كان على تواصل معهم. بوتين والصين... بوابة السلاح والاستثمار * رافقت الرئيس صالح في رحلات بهذا العالم، منها رحلة في زيارة فلاديمير بوتين، كيف كانت هذه الرحلة؟ - في الجانب الشخصي بين الاثنين، كانت العلاقة في منتهى الودية. وكان الرئيس بوتين يدرك الوضع السياسي الذي فيه صالح. كانت الزيارة في 2008، وكانت قد بدأت المشاكل مع الحوثيين وغيرهم. واليمن كان يعتمد في تسليحه على روسيا. كان هناك تعاون مع الرئيس بوتين لتلبية احتياجات اليمن، وكان هناك عرض عسكري في الوقت نفسه لأسلحة حديثة في روسيا، وأخذ الرئيس بوتين معه الرئيس صالح إلى العرض العسكري والمعرض والاستعراض، أي كان واضحاً أن الرئيس بوتين يعتبر صالح من الرؤساء العرب القريبين منه، ومن موسكو. * أعجب صالح بالرئيس بوتين؟ - جداً. * ماذا قال عنه؟ - أعتقد قال إنه سيعيد لروسيا دورها السابق. * بمن أعجب؟ كان صديقاً لصدام حسين وأعجب ببوتين، ألم يعجب بالزعماء الغربيين؟ - أعتقد ربما الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، وجورج بوش إلى حد ما. الرئيس التقاه أكثر من مرة، حتى إن الرئيس بوش في إحدى الزيارات أخذه لزيارة المنطقة التي يعيش فيها بالبيت الأبيض. لكن إجمالاً كان اهتمامه (صالح) الأكبر بالعالم العربي. * الصين. - الصين كانت مهمة بالنسبة له، وكانت واحدة من آخر زياراته إلى الصين وكنت معه، وكان يحاول فيها أن يفتح الباب أمام الصين للاستثمار في اليمن، وفعلاً كان هناك استعداد من الصين؛ لكن جاءت الأحداث. * هل كان يشعر بأهمية التجربة الآسيوية في هذا النهوض الاقتصادي؟ - هذه أحد الأشياء التي نوقشت، وكانت الصين مستعدة لإدخال اليمن ضمن طريق الحرير الذي كانت تخطط له، أن يكون اليمن محطة من محطاته، ووافقوا على تقديم مليار دولار بوصفها قرضاً لليمن لمشاريع، وكان الخلاف بعدها حول كيفية تسديد هذا المبلغ، والبرلمان للأسف عطل المشروع في ذلك الوقت. وزراء الخارجية العرب في ذاكرة القربي * تجربة مَن من وزراء الخارجية العرب استوقفتك؟ - أولاً طبعاً رحمه الله الأمير سعود الفيصل. * ماذا تقول عنه؟ - أقول عنه أولاً إنه تميز بالحكمة وتميز بالصبر عندما يسمع شيئاً لا يريحه، ويحاول دائماً الوصول إلى توافق للحلول. من الشخصيات الأخرى يوسف بن علوي أيضاً. قليل الكلام ولكن عندما يتكلم يسهم في بلورة الحل. الآخرون أيضاً مصطفى عثمان إسماعيل وزير خارجية السودان، أيضاً شخصية رائدة كانت معنا في قضية العراق، حرب العراق الثانية. علي التريكي كان قومي الانتماء، وكان أيضاً من الذين يتصدون لبعض المواقف التي كان القذافي يتبناها. * هل عرفت، مثلاً، وزير الخارجية الليبي السابق عبد الرحمن شلقم؟ - عرفته نعم وهو مثقف. أذكر دائماً في إحدى زياراتنا للقاهرة، كنا في حفلة عشاء، قام يعزف على العود ويغني لنا. * هل تعاملت مع عمرو موسى؟ وكيف كانت تجربتك معه؟ - نعم. أنا كنت أولاً من المعجبين بعمرو موسى وهو وزير خارجية لمصر، لأنه كان يتصدى لمواقف كانت أحياناً تتعارض مع رئاسة الجمهورية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وموقفه منها. وعندما عرفته في الجامعة العربية زاد إعجابي به، وأعتقد أنه من أفضل الأمناء العامين الذين عرفتهم الجامعة العربية على الأقل في عهدي، ليس بوصفي وزير خارجية؛ إنما من خلال متابعتي للجامعة العربية. كان دائماً متمسكاً بالثوابت العربية. طبعاً الجامعة العربية للأسف الشديد خاضعة لقرارات وزراء الخارجية وللدول المؤثرة بالذات، وكثير من القرارات التي تصدر منها لا يتحمل مسؤوليتها الأمين العام، إنما يتحمل مسؤوليتها وزراء الخارجية. * أنت طبيب، لكن من تحب من الشعراء العرب؟ - القدامى، والمتنبي. * لماذا تحب المتنبي؟ - لأن في أشعاره كثيراً من القيم المهمة والوقائع التي تمثل بالنسبة إليّ حكماً.