logo
حرق الغاز ولّد 389 مليون طن من التلوث الكربوني في 2024

حرق الغاز ولّد 389 مليون طن من التلوث الكربوني في 2024

الجزيرة٢٠-٠٧-٢٠٢٥
أفاد تقرير للبنك الدولي بأن صناعة الوقود الأحفوري ضخت 389 مليون طن إضافية من التلوث الكربوني في الغلاف الجوي العام الماضي عن طريق إحراق الغاز دون داع، متسببة في "نفايات هائلة" من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري.
وخلص التقرير إلى أن حرق الغاز العالمي ارتفع للعام الثاني على التوالي، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2007، رغم المخاوف المتزايدة بشأن أمن الطاقة وانهيار المناخ، حيث تم حرق 151 مليار متر مكعب من الغاز خلال إنتاج النفط والغاز عام 2024، بزيادة 3 مليارات متر مكعب عن العام السابق.
ووجد التقرير أن 9 دول -وهي روسيا وإيران والعراق والولايات المتحدة وفنزويلا والجزائر وليبيا والمكسيك ونيجيريا- كانت مسؤولة عن 3 أرباع جميع الغاز عام 2024، ومعظمه من شركات نفط مملوكة للدولة.
ويعد الحرق وسيلة للتخلص من غازات الدفيئة مثل الميثان، التي تنشأ عند ضخ النفط من الأرض، وتعد هذه الممارسة روتينية في عديد من البلدان، لأنه غالبا ما يكون حرق الغاز أرخص من التقاطه ونقله ومعالجته وبيعه.
ورغم الجهود المبذولة لوقف هذه الممارسة، فإن شدة الاحتراق ظلت "مرتفعة بعناد" على مدى السنوات الـ15 الماضية، حسبما وجد تقرير البنك الدولي.
وتشير البيانات في التقرير إلى أن كثافة الحرق في النرويج، أقل 18 مرة مما كانت عليه في الولايات المتحدة، و228 مرة أقل مما كانت عليه في فنزويلا، على سبيل المثال.
وقال أندرو باكستر، خبير النفط والغاز في "صندوق الدفاع عن البيئة" غير الربحي، الذي لم يشارك في التقرير، إنه "من المخيب للآمال للغاية أن نرى عودة إلى مستويات حرق الغاز عام 2007".
وأشار إلى أن "مثل هذه المستويات من الاحتراق هي إهدار صارخ للموارد، كما أنها كارثية بالنسبة للمناخ وصحة الإنسان". وكانت وكالة الطاقة الدولية قد دعت إلى القضاء على جميع الاحتراقات إلا في حالات الطوارئ بحلول عام 2030.
وتبلغ قيمة الغاز المشتعل العام الماضي أكثر من نصف التكاليف الأولية التي تقول وكالة الطاقة الدولية إنها ضرورية لوقف هذه الممارسة تماما. وكانت ستبلغ قيمتها العملية عند البيع نحو 63 مليار دولار بأسعار واردات الاتحاد الأوروبي لعام 2024.
وسلط التقرير أيضا الضوء على مجالات التقدم، مشيرا إلى أن بعض منتجي النفط والغاز، مثل أنغولا ومصر وإندونيسيا وكازاخستان، نجحت في خفض كمية الغاز المشتعلة. واستطاعت كازاخستان -التي فرضت غرامات شديدة على الشركات التي تخرق القواعد- خفض الاحتراق بنسبة 71% منذ عام 2012.
وقال بانكس: "نحن بحاجة إلى مزيد من هذا النوع من العمل ومزيد من الدعم لمساعدة الدول ذات الدخل المنخفض المرتفع على التغلب على البنية التحتية وحواجز الحوكمة".
وأضاف أن هناك حاجة أيضا إلى تنسيق عالمي، لا سيما من كبار مستوردي النفط، لخلق حوافز تكافئ المنتجين المسؤولين وترفع سقف الأمر للجميع.
ووفقا للتقرير، فإن البلدان التي أيدت مبادرة البنك الدولي المتمثلة في الحرق الروتيني الصفري بحلول عام 2030 قد خفضت في المتوسط من حدتها بنسبة 12% منذ عام 2012، رغم أن الأحجام المطلقة انخفضت قليلاً فقط في ذلك الوقت، في حين زادت البلدان التي لم تقدم التعهد كثافة الاحتراق بنسبة 25%.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دراسة: الجمهور يرغب في عناوين بسيطة ومباشرة على عكس الصحفيين
دراسة: الجمهور يرغب في عناوين بسيطة ومباشرة على عكس الصحفيين

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

دراسة: الجمهور يرغب في عناوين بسيطة ومباشرة على عكس الصحفيين

ذكرت دراسة نشرت مؤخرا في مجلة "ساينس أدفانسز" (Science Advances) أن المحررين والصحفيين يمكنهم جذب المزيد من الجمهور للنقر على الأخبار باستخدام إستراتيجية قائمة على كتابة عناوين بسيطة. وبحسب الدراسة، فإن الصحفيين لا يفضلون العناوين البسيطة على عكس مستهلكي المحتوى الرقمي، مشيرة إلى أنه حتى إذا كانت القصة معقدة، فقد يتمكن المراسلون والمحررون من زيادة عدد الزوار باستخدام عناوين سهلة القراءة. وبحسب الدراسة أيضا، فإنه واستنادا إلى أكثر من 30 ألف تجربة أجرتها صحيفة واشنطن بوست ومنصة "أب وورثي" (Upworthy) التي تركز على القصص الإيجابية، تعد هذه النتيجة تذكيرا مهما للمؤسسات الإخبارية. وتشير الأبحاث السابقة إلى أن وسائل الإعلام الرئيسية تميل إلى استخدام صياغة أكثر تعقيدا من وسائل الإعلام الحزبية، التي تستخدم جملا أقصر ولغة أقل رسمية. لكن تفضيل العناوين قد يكون أمرا نسبيا، فقد وجدت استطلاعات أخرى أن الصحفيين المحترفين لا يفضلون العناوين البسيطة، مما يشير إلى أن من يكتبون الأخبار قد يقرؤونها بشكل مختلف عمن يستهلكونها". وهذا يتناقض مع دراسات سابقة تشير إلى أن المهنيين الآخرين، مثل المحامين، يفضلون الكتابة البسيطة. ولا تقدم الدراسة المذكورة قواعد لتحرير العناوين، مثل الكتابة بمستوى قراءة معين أو البقاء دون عدد معين من الأحرف. لكن نتائجها تشير إلى قاعدة عامة يجب على الصحفيين أخذها في الاعتبار: إذا كنت توازن بين عنوانين، وكلاهما منطقي ودقيق ومتساويان في جميع النواحي الأخرى، فاختر الأقل تعقيدا. وبحسب الدراسة فإن تقييم البساطة في غرف الأخبار قد يكون ذاتيا، ويوصي البروفيسور تود روجرز الأستاذ بجامعة هارفارد وأحد مؤلفي الدراسة الصحفيين باختيار كلمات أقصر وأكثر شيوعا، والسعي إلى استخدام تراكيب نحوية بسيطة عند كتابة العناوين. وتذكر نتائج هذه الدراسة بشعار (KISS) الذي يستخدم أثناء تدريب الصحفيين، ويعني "اكتب باختصار وببساطة" (Keep It Short and Simple)، و"اكتب ببساطة أيها الغبي!" (Keep It Short, Stupid). اختبارات العناوين وقد لا يدرك القرّاء أن العناوين التي يرونها على موقع إخباري ما قد تختلف عما يراه قارئ آخر لنفس الموقع. وغالبا ما تختبر وسائل الإعلام العناوين لتقييم أيها يفضلها الجمهور، وتسمى هذه الاختبارات "إيه/ بي" (A/B)، حيث يحصل جزء من زوار الموقع على العنوان (A)، ويحصل الآخرون على العنوان (B). وقد حصل مؤلفو الدراسة على جميع اختبارات العناوين التي أجرتها صحيفة واشنطن بوست في الفترة من 3 مارس/آذار 2021 إلى 18 ديسمبر/كانون الأول 2022. وحللوا ما يقرب من 20 ألف عنوان، وتم تحديد شعبيتها من خلال معدل النقرات، أو النسبة المئوية للأشخاص الذين نقروا على ذلك العنوان. آلاف التجارب الميدانية على مواقع إخبارية تقليدية مثل واشتطن بوست وغير تقليدية مثل أب وورثي أوضحت أن قراء الأخبار أكثر ميلا للنقر على العناوين البسيطة والتفاعل معها مقارنة بالعناوين المعقدة. بواسطة ساينس أدفانسز وقد تضمنت بعض اختبارات العناوين في صحيفة واشنطن بوست 3 أو 4 عناوين لخبر واحد، وبغض النظر عن محتوى العنوان، يربط تحليل المؤلفين بين العناوين الأبسط ومعدلات النقر الأعلى. ويشير مؤلفو الدراسة إلى أنه نظرا للعدد الكبير من قرّاء واشنطن بوست، فإن حتى زيادة طفيفة في معدلات النقرات قد تعني عشرات الآلاف من القراء الإضافيين. ووجدت الدراسة أن العناوين البسيطة ليست بالضرورة أقصر. وفي حين أن استخدام الكلمات الشائعة والأسلوب غير الرسمي وسهولة القراءة ارتبطت بمعدلات نقر أعلى، لم يكن عدد الأحرف كذلك. فعلى سبيل المثال، يتكون عنوان واشنطن بوست حول مقابلة أوبرا وينفري في مارس/آذار 2021 مع دوق ودوقة ساسكس، من 14 كلمة: "ميغان وهاري يتحدثان إلى أوبرا.. إليكم الأسباب التي تجعلهما لا ينبغي أن يتحدثا كثيرا". وقد وجدت تحليلات مؤلفي الدراسة أن هذا العنوان أقل تعقيدا من النسخة المكونة من 13 كلمة: "هل يكشف ميغان وهاري أسرار العائلة المالكة لأوبرا؟ لا تراهنوا على ذلك". وأجرى مؤلفو الدراسة نفس التحليل على عناوين من موقع "أب وورثي" تم جمعها بين يناير/كانون الثاني 2013 وأبريل/نيسان 2015، وشملت أكثر من 105 آلاف عنوان، وكانت النتيجة واحدة. وأوضح مؤلفو الدراسة أن آلاف التجارب الميدانية على مواقع إخبارية تقليدية مثل واشنطن بوست وغير تقليدية مثل "أب وورثي"، أظهرت أن قراء الأخبار أكثر ميلا للنقر على العناوين البسيطة والتفاعل معها مقارنة بالعناوين المعقدة. وخلصوا إلى أن "اكتشاف أن القراء يتفاعلون بشكل أقل مع الكتابة المعقدة له آثار عملية مهمة على وجه التحديد، يمكن أن تساعد الكتابة البسيطة منتجي الأخبار على زيادة تفاعل الجمهور حتى مع القصص المعقدة في حد ذاتها". ويختتم البروفيسور روجر بأن هذا هو الدرس الرئيسي الذي يجب أن يستخلصه الصحفيون "كن على دراية بأن تجربتك وتجربة جمهورك في تفسير العناوين قد تكون متباينة للغاية، واعتمد على البساطة".

بايدو وغلوناس ويوروستاك.. العالم يتمرَّد على هيمنة "جي بي إس"
بايدو وغلوناس ويوروستاك.. العالم يتمرَّد على هيمنة "جي بي إس"

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

بايدو وغلوناس ويوروستاك.. العالم يتمرَّد على هيمنة "جي بي إس"

في أواخر يونيو/حزيران الماضي، انتشرت بعض الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي أن إيران أوقفت نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" في أراضيها، وتحوَّلت للاعتماد بالكامل على منظومة أقمار "بايدو" الصينية، بينما لم تصدر أي تصريحات رسمية من الجانب الإيراني بهذا الصدد. اللجوء إلى الصين لا يمكن اعتبار التعاون الصيني الإيراني في مجال التقنيات الفضائية وليد اللحظة، والواقعة الأخيرة وإن كانت غير مؤكدة، فإنها تفتح الباب لتعاون قريب في هذا المجال. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015، منحت بكين إيران حق الوصول إلى معدات تحديد المواقع والملاحة والتوقيت التابعة لنظام بايدو الصيني للملاحة بالأقمار الاصطناعية، وكان الهدف تعزيز قدرات الصواريخ الباليستية والمُسيَّرات الإيرانية. وفي عام 2021، حصلت طهران على حق الوصول الكامل إلى بنية "بايدو" التحتية لاستخدامها في أغراض عسكرية، ووقَّع البلدان معاهدة شراكة إستراتيجية شاملة تنفق بموجبها الدولتان 400 مليار دولار على مدى 25 عاما. وليس من قبيل المصادفة أن مسؤولي القيادة الفضائية الأميركية "سبيس كوم" (SPACECOM) حذروا العام الماضي علنا من تنامي التعاون بين إيران وروسيا وكوريا الشمالية والصين في مجالات التكنولوجيا الناشئة. كانت الصين قد ألغت اعتماد جيشها على نظام تحديد المواقع العالمي الأميركي "جي بي إس"، بعد انتقال الجيش الصيني إلى استخدام نظام "بايدو". ويُعَد هذا التحوُّل جزءا من إستراتيجية أوسع لتعزيز الاستقلال التقني وتقليل الاعتماد على البنى التحتية الغربية، لا سيَّما في المجالات الحيوية مثل الملاحة والاتصالات العسكرية. وتسعى بكين حاليا إلى توسيع نطاق هذا النظام عالميا، عبر تسويقه للدول التي تُبدي مواقف مناهضة للغرب، وُتسوِّقه على أنه بديل إستراتيجي لأنظمة الملاحة الأميركية، وذلك حسب تقرير لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركي. وقد بدأت دول مثل روسيا وإيران وباكستان وفنزويلا بدمج نظام "بايدو" ضمن منظوماتها العسكرية، مما يُسهِم في تقليص نفوذ الولايات المتحدة على قدرات تلك الدول التشغيلية، ويَحِدُّ من فاعلية العقوبات التي تستهدف بنيتها الدفاعية والعسكرية. ويعزز هذا التوجه قدرة تلك الدول على التصرُّف بمرونة أكبر خارج الإطار التقني الغربي، ويوفر لها أدوات مستقلة للملاحة والمراقبة. وتدمج الصين نظام "بايدو" ضمن مشاريع مبادرة الحزام والطريق التي أعلنتها عام 2013، مما يجعل الدول المشاركة أكثر التصاقا بالبنية التحتية الصينية، خاصة في مجالات الملاحة وإدارة البيانات. هذا الاعتماد التقني قد يتحول في أوقات الأزمات إلى أداة ضغط إستراتيجية، خاصة في حال حدوث مواجهة محتملة حول تايوان ، حيث يُمكن لبكين التشويش على إشارات "جي بي إس" في المنطقة، مع الإبقاء على فعالية نظام "بايدو" لقواتها العسكرية، مما يمنحها تفوقا تشغيليا حاسما، كما أشار تقرير معهد أبحاث السياسة الخارجية. حتى منظومة أقمار "بايدو" ليست الوحيدة المنافسة لنظام "جي بي إس"، فعديد من الدول بدأت في إطلاق مشاريعها الخاصة في هذا النطاق. وكان الدافع الأساسي لهذه المشاريع هو الحفاظ على السيادة التقنية وضمان استمرارية الخدمة في حالات الطوارئ أو النزاعات العسكرية، وقد بادرت كل دولة بتطوير نظامها وفق أولوياتها وإستراتيجيتها التكنولوجية. تعدُّد الأقطاب مع تصاعُد التنافس الجيوسياسي وظهور نظام دولي متعدد الأقطاب، بدأت تلك التحوُّلات تنعكس على مجال الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، الذي خضع لهيمنة أميركية طويلة، ويبدو أنه يشهد تحديات حقيقية اليوم، بعد أن بقي نظام "جي بي إس" المعيار شبه الوحيد للملاحة الفضائية طيلة عقود، حتى أن اسمه يُستخدم على أنه مُرادف للتقنية ذاتها. غير أن هذه المركزية بدأت تتآكل تدريجيا في السنوات الأخيرة. لفهم دوافع الدول نحو تطوير أنظمة بديلة للملاحة بالأقمار الاصطناعية، لا بد من التطرُّق إلى خلفية تاريخية بسيطة. لقد نشأ نظام "جي بي إس" بوصفه أداة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية في أثناء الحرب الباردة، ودشَّنته واشنطن عبر مجموعة أقمار "نافستار" التي أُطلقت في السبعينيات. وفي تلك المرحلة، كانت الإشارة الدقيقة حِكرا على الاستخدام العسكري، بينما قُدِّمت نسخة مُنخفضة الجودة للاستخدام المدني. استمر هذا الوضع حتى عام 2000، حين أمر الرئيس الأميركي بيل كلينتون بإزالة التشويش المتعمَّد كي تُتاح الخدمة بدقة مُوحَّدة للجميع. ومع ازدياد عدد الأقمار وانتشار استخدام النظام في مجالات الطيران والملاحة البحرية والتجارة، بدا نظام الملاحة العالمي وكأنه "هدية إستراتيجية" أميركية للعالم، فهو مجاني وموثوق ومُتعدِّد الاستخدامات. ولكن مع ارتفاع حِدة النزاعات والصراعات، تزايدت المخاوف من الاعتماد على المنظومة الأميركية وحدها. لذا، لجأت عدة دول إلى الاعتماد على أنظمتها الخاصة، مثل الاتحاد الأوروبي الذي أطلق نظام غاليليو، وهو مشروع مدني مستقل تحت إشراف وكالة الفضاء الأوروبية. ويتميز النظام الأوروبي بدقة تصل إلى 20 سنتيمترا، ويُعَد الوحيد الذي يوفِّر خاصية التحقُّق من الإشارات في نسخته المدنية، مما يمنحه مقاومة أكبر لمحاولات الخداع. وقد أطلق الاتحاد الأوروبي مشروع غاليليو من أجل امتلاك بنية تحتية لا تخضع لسيطرة طرف خارجي، ولو كان حليفا مثل الولايات المتحدة. في روسيا أعادت موسكو تأهيل نظام غلوناس (GLONASS) الذي بدأ في الثمانينيات بعد أن تراجعت جودته في التسعينيات، وتستخدم الأنظمة العسكرية والمدنية الروسية اليوم نظام غلوناس بوصفه النظام الأساسي للملاحة، في حين يُعَد نظام "جي بي إس" خيارا احتياطيا. ومن اللافت أن عدة دول، مثل الهند وإيران وفنزويلا، تعتمد أيضا على ترددات نظام "غلوناس"، وهو جزء من إستراتيجية روسيا لتعزيز حضورها العالمي ونفوذها الجيوسياسي عبر تقنيات الملاحة الفضائية. من جهتها، طوَّرت الهند نظام نافيك (NavIC) كي يغطي الهند ومحيطها حتى مسافة 1500 كيلومتر. وقد جاءت جهودها ردا على منع حكومة الولايات المتحدة منحها إشارات دقيقة من نظام "جي بي إس" أثناء حرب "كارغيل" مع باكستان عام 1999. أما اليابان فاعتمدت نظام "كيو زد إس إس" (QZSS)، الذي يُكمِّل إشارات "جي بي إس" ويُعززها في منطقة آسيا والمحيط الهادي ، خصوصا في المدن والمناطق الجبلية، وهو مُكوَّن في الأساس من 4 أقمار، وتعمل اليابان على زيادته إلى 7 أقمار. لربما تضع إيران أمامها تلك التجارب السابقة كي تقتدي بها، وتحديدا تجربتي الصين وروسيا، سعيا للفكاك من التقنيات الأميركية وتأسيس نظام ملاحة مستقل، بل ولعلها تتجه إلى الاستعانة بما يفيدها من المنظومات غير الأميركية. ولكن حتى تتسنَّى لها فرصة تأسيس نظام مستقل، كيف يمكن أن تحاول إيران الابتعاد عن التقنيات الأميركية للملاحة بالأقمار الاصطناعية، واستعادة بعض من سيادتها التقنية؟ محاولات إيرانية تُولي إيران اهتماما متزايدا بمسألة الاستقلال في تقنيات الاتصالات والملاحة، بوصفها جزءا من بنيتها الدفاعية السيادية. وقد عبَّر كبار المسؤولين الإيرانيين مرارا عن قلقهم من الاعتماد على أنظمة تديرها الولايات المتحدة، مؤكدين ضرورة تطوير قدرات محلية في البث والملاحة الفضائية، أو البحث عن بدائل من حلفاء آخرين مثل الصين وروسيا. وفي هذا الإطار، تنظر طهران إلى الاعتماد على نظام "جي بي إس" على أنه ثغرة إستراتيجية قد تُستغل في حالات النزاع والحروب، وتخشى أن يؤدي تصاعد التوتر مع واشنطن إلى حجب الإشارات أو تقييد الوصول للنظام، مما يُعرِّض البنية التحتية الحيوية والأمن القومي للخطر. وتُفسِّر هذه المخاوف سعي إيران إلى بناء نظام ملاحة مستقل، يحاكي نظام غلوناس الروسي، الذي تأسس بدوره بديلا عن "جي بي إس" في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد بدأت إيران خطواتها الأولى في هذا المجال عبر تطوير نظام "هُدَى"، وهو نظام تحديد مواقع محلي أعلنت عنه عام 2016. ولكنه لا يزال محدود التغطية، ويقتصر على نطاقات جغرافية معينة داخل البلاد. أما الوصول إلى نظام فضائي وطني شامل، فيتطلب استثمارات ضخمة وتطورا تقنيا مستمرا كي يتمكن من تأمين تغطية موثوقة في كل الأراضي الإيرانية، ثم التوسُّع خارجها لاحقا. في عام 2017، أعلنت وكالة الفضاء الإيرانية نيتها إنشاء مجموعة أقمار اصطناعية وطنية للملاحة، لكنها لم تُطلق أي قمر حتى اليوم. وفي ظل هذه الفجوة، لجأت إيران إلى استيراد الدعم التقني، إذ بدأت أجهزتها العسكرية والمدنية تدعم نظام غلوناس، كما أبرمت اتفاقا مع الصين للحصول على إشارات نظام بايدو. وفي مطلع عام 2021، أكد السفير الإيراني في بكين أن بلاده ستحصل على حق استقبال إشارات بايدو، مما يتيح استخدامه داخل إيران. لكن ذلك لا يعني الاستغناء التام عن "جي بي إس"، بل هو أقرب إلى إستراتيجية تستفيد من أنظمة متعددة دون الاعتماد الحصري على أي منها. وفي حين تواصل إيران تعزيز شراكاتها، فإن خيار التعدد في مصادر إشارات الملاحة يبدو الخيار الواقعي. فالدراسة الجارية لاستخدام بايدو وغلوناس ضمن منظومة أمنية متكاملة لا تعني امتلاك سيطرة على الفضاء أو قدرة على حجب إشارات "جي بي إس"، بل تعني أن إيران، مثل غيرها من الدول التي تتطلع إلى الاستقلال التقني، باتت تعوِّل على تنوُّع المصادر لتقليل الاعتماد على منظومات تقنية أحادية. وقد بدأ هذا التوجه في الانتشار الفترة الماضية، كما يكشف مشروع يوروستاك الأوروبي. الاستقلال التقني بدأت دول أوروبية كثيرة تنظر إلى الاعتماد على التقنيات الأميركية بكثير من الريبة، خاصة بعد التحوُّلات الأخيرة في النظام الدولي، مثل تقلُّبات الموقف الأميركي تحت رئاسة دونالد ترامب ، والصعود التكنولوجي الصيني، والتهديد العسكري الروسي. وقد قلبت تلك التحولات التصورات الأوروبية رأسا على عقب، وجعلت التبعية الرقمية أزمة أمن قومي قد تُهدِّد السيادة الأوروبية، وخطرا أمنيا في نظر كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، الذين يتحدثون عن هذه الأزمة بنبرة القلق نفسها التي يتحدثون بها عن أمن الطاقة والدفاع. لذا، طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مفهوم "السيادة التكنولوجية" بوصفه محورا رئيسيًّا لإستراتيجية أوروبا المستقبلية. كان الدور المحوري الذي لعبته في أوكرانيا شركة خدمات الإنترنت الفضائي ستارلينك -المملوكة لرجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك- جرس إنذار لأوروبا دفعها إلى الاتجاه نحو تحقيق استقلال رقمي حقيقي عن الولايات المتحدة، كي تنأى بنفسها عن دفع ثمن باهظ في حال تحوَّلت التقنية الأميركية إلى سلاح ضغط على بروكسل من جانب واشنطن إذا ما تباينت رؤاهما تجاه الأمن الأوروبي. من أجل تجاوز هذه التبعية التقنية، تحاول أوروبا رسم معالم مشروع طموح يُعرف باسم يوروستاك. ولا يدَّعي هذا المشروع الانعزال أو الاكتفاء الذاتي الكامل، بل يسعى إلى إعادة هندسة البنية التحتية الرقمية لأوروبا، طبقة تلو الأخرى، بما يضمن وجود خيارات آمنة ومستقلة وغير خاضعة لدول غير أوروبية، كما يشير تقرير في مجلة فورين بوليسي. ويرتكز مشروع يوروستاك على تقسيم البنية التحتية الرقمية الأوروبية إلى 7 طبقات مترابطة، لا يمكن لأي منها أن تعمل بمعزل عن الأخرى. هجمات التشويش والخداع ولمزيد من الفهم التقنيّ، يتكوَّن نظام "جي بي إس" من مجموعة تضم 31 قمرا اصطناعيا في مدار الأرض المتوسط، تمتلكها وتديرها وزارة الدفاع الأميركية. وتبث هذه الأقمار إشارات توقيت باستمرار، وتعتمد أجهزة الاستقبال، مثل تلك الموجودة في هاتفك الذكي أو أنظمة الملاحة البحرية، على التقاط إشارات متعددة من الأقمار، ومقارنة توقيتها لتحديد الموقع الجغرافي بدقة. ولعل إيقاف بث تلك الإشارات بالكامل أمر خارج قدرة أي دولة منفردة، فالأقمار تواصل إرسال إشاراتها بلا انقطاع من مدار الأرض المتوسط. ولكن ما يمكن تنفيذه فعليا، في أوقات الحروب والنزاعات، هو تعطيل استقبال الإشارات في نطاق محلي عبر استخدام تقنيات الحرب الإلكترونية، إما من الأرض أو الجو، في ما تعرف بعمليات التشويش (Jamming) والخداع (Spoofing). تتجه معظم الأجهزة الحديثة إلى دمج إشارات من أنظمة ملاحة متعددة، بما يُحسِّن الدقة ويعزز الموثوقية. ويُعَد هذا التوجه استجابة مباشرة لتنامي تهديدات الحرب الإلكترونية، مثل أنشطة التشويش والخداع، وهي أنشطة رُصِدت في مناطق عدة، منها أوكرانيا ودول البلطيق والخليج العربي. ففي السنوات الأخيرة، تزايدت الهجمات على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" والأنظمة الأوسع نطاقا للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، المعروفة باسم "جي إن إس إس" (GNSS)، بما فيها إشارات أنظمة الملاحة في أوروبا والصين وروسيا. وهناك نوعان من العمليات الهجومية على تلك الأنظمة، أولهما التشويش على نظام "جي بي إس"، الذي يهدف إلى إغراق الإشارات اللاسلكية التي يتكوَّن منها النظام، مما يجعله غير صالح للاستخدام. وثانيهما هجمات الخداع التي يُمكنها استبدال الإشارة الأصلية بإشارة أخرى لموقع جديد. وقد أصبح التشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي من الظواهر الشائعة نسبيا، خاصة في ساحات الحروب والمواقع العسكرية الحساسة، إذ يُستخدم لتفادي وتشتيت الضربات المحتملة من المُسيَّرات أو الصواريخ الموجهة. لذا، ينتبه الطيَّارون إلى تلك المواقع الإقليمية الخطرة، التي يُحتمل أن تقع بها مثل تلك الحوادث، ويلجؤون للاعتماد على وسائل المساعدة الملاحية الأخرى المتاحة على متن الطائرات. أما في حوادث الخداع، فإن هناك إشارات زائفة تُبَث وتتسبَّب بدورها في تضليل المُعِدات الإلكترونية للمركبات، بحيث تحسب موقعها بشكل خطأ، وتعطي توجيهات مُضلِّلة لقائدها، مما يعني خداع جهاز الاستقبال الخاص بنظام "جي بي إس" داخل الطائرة أو السفينة، كي يعتقد الرُبان أنه في منطقة وهو ليس موجودا فيها فعلا. وقد استُخدِمت مثل تلك الأساليب في الحروب العسكرية مؤخرا، مثل حرب روسيا وأوكرانيا، في إطار محاولات عسكرية لإخفاء التحرُّكات أو إرباك الخصوم، إلا أن تأثيرها لا يزال محليا ومحدودا بالمنطقة التي يغطيها الجهاز المشوش أو المزيف. وعند توقف المصدر أو خروجه من النطاق، تعود الإشارات الأصلية للعمل. لذا، يُمكن أن نستنتج من أخبار "إيقاف إيران لخدمة جي بي إس" أنها لا تشير بالضرورة إلى توقف النظام ذاته بالكامل، بل إلى أنشطة التشويش أو الخداع في النطاقات المحيطة بإيران في أثناء الحرب الأخيرة، إذ أشارت تقارير صدرت مؤخرا إلى ارتفاع ملحوظ في تلك الأنشطة، خاصة في مياه الخليج. مثلا، أظهرت بيانات من شركة "ويندوارد" أن نحو ألف سفينة يوميا تعرَّضت لتشويش إشارات نظام الملاحة فيها منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي. وأشارت وكالة رويترز إلى أن بيانات موقع إحدى ناقلات النفط بدت وكأنها قفزت بين مواقع في روسيا وإيران قبل أن تعود إلى مسارها الطبيعي، مما يشير إلى وقوع عملية خداع في المنطقة. في الأخير، لا يمكن لأي دولة الحديث عن سيادة تقنية كاملة في مجال البرمجيات إذا كانت الرقائق الإلكترونية المُستخدمة في الأجهزة مستوردة، ولا عن أمان البيانات إذا كانت شبكات الإنترنت تعتمد على خوادم أو أقمار اصطناعية أجنبية.

سعف النخيل والزيت المستعمل يشعلان ثورة الطاقة البديلة في العراق
سعف النخيل والزيت المستعمل يشعلان ثورة الطاقة البديلة في العراق

الجزيرة

timeمنذ 5 أيام

  • الجزيرة

سعف النخيل والزيت المستعمل يشعلان ثورة الطاقة البديلة في العراق

من التحديات الكبرى أمام الاعتماد على الوقود الحيوي كبديل أنظف للبنزين والديزل، أن إنتاجه عادة ما يعتمد على محاصيل غذائية مثل الذرة أو الصويا، مما يخلق صراعا بين الغذاء والطاقة، ولهذا يسعى العلماء إلى تطوير طرق مستدامة لإنتاج هذا الوقود دون منافسة الغذاء أو الإضرار بالبيئة، ومؤخرا، جاء أحد أبرز الحلول من العراق. ففي دراسة نُشرت بدورية "فيول"، أعلن فريق بحثي عراقي بقيادة الدكتور يونس العاني من كلية الهندسة التقنية بالجامعة التقنية الوسطى في بغداد، عن تطوير محفز كيميائي صديق للبيئة مصنوع من سعف النخيل، نجح في تحويل زيت الزيتون المستعمل إلى وقود حيوي (بيوديزل) بكفاءة وصلت إلى 97.36%. وسعف النخيل هو الجزء الورقي الأخضر أو الجاف الذي يمتد كالمروحة من قمة النخلة، ويتكون من ساق طويلة تعرف بالجريد، تتفرع منها وريقات جانبية تشبه الريش تسمى الخوص. وفي العراق، الذي يمتلك قرابة 22 مليون نخلة من أصل أكثر من 35 مليون نخلة في العالم العربي، تقدر كمية السعف المتساقط سنويا بما يتراوح بين 3 إلى 5 ملايين طن، وتمثل هذه الكميات الضخمة فرصة ذهبية للاستفادة منها في مشاريع مبتكرة، مثل تصنيع المحفزات الكيميائية التي تتيح تحويل المخلفات إلى وقود بديل مستدام وصديق للبيئة. ولفهم الدور الذي يقوم به المحفز الكيميائي المصنوع من السعف، تخيل أنك تذيب ملعقة سكر في كوب شاي بارد، ستحتاج وقتا وجهدا حتى يذوب السكر، لكن إذا سخنت الشاي قليلا، سيذوب السكر أسرع بكثير. وفي الكيمياء، فإن المحفز يشبه الحرارة في هذا المثال، فهو لا يشارك في التفاعل نفسه، لكنه يسرّعه ويجعله أكثر كفاءة. من تصنيع المحفز إلى إنتاج الوقود وبدأ الفرق البحثي بجمع سعف النخيل الجاف، ثم حولوه إلى كربون نشط عبر تسخينه في درجات حرارة مرتفعة دون وجود الأكسجين، وهي عملية تُعرف بـ"الكربنة". بعد ذلك، أضافوا أكسيد الزركونيوم إلى هذا الكربون، مما أنتج مادة مسامية ذات قدرة عالية على تسريع التفاعلات الكيميائية، وهذه المادة تُعرف علميا باسم " الكربون النشط من سعف النخيل المدعم بأكسيد الزركونيوم". ووجد الباحثون أن هذه المادة وفرت بيئة نشطة للتفاعل، ساعدت في تحويل الزيت إلى وقود بنسبة وصلت إلى 97.36%. وتبدأ العملية الكيميائية للتحويل، والتي تُسمى "عملية التفاعل الإستيري" بجمع زيت الزيتون المستعمل من المطاعم والمنازل، حيث يتم تنقيته بعناية لإزالة الشوائب مثل بقايا الطعام والأتربة التي قد تؤثر على جودة الوقود النهائي، وبعد ذلك، يخلط الزيت المنقى مع كمية محددة من الميثانول، في وجود محفز سعف النخيل، بما يعمل على تسريع التفاعل الكيميائي دون أن يُستهلك خلال العملية. ويتم وضع هذا الخليط في وعاء تفاعلي خاص، حيث تُضبط درجة الحرارة وتُحافظ على زمن تفاعل محدد بعناية، ليبدأ المحفز بتحويل جزيئات الزيت الثقيلة إلى جزيئات أبسط تُعرف باسم "إسترات الميثيل" أو "البيوديزل"، وبعد انتهاء التفاعل، يتم فصل البيوديزل النقي عن المواد الجانبية مثل الجلسرين، الذي يمكن استخدامه في صناعات أخرى. وتخضع بعدها مادة "البيوديزل" لعمليات تنقية إضافية لضمان نقاوتها وجودتها، مما يجعلها مناسبة للاستخدام كوقود بديل صديق للبيئة، وبهذه الطريقة، يتم تحويل نفايات زيت الطعام إلى طاقة متجددة، تساهم في الحد من التلوث ودعم الاستدامة البيئية. 6 مزايا إيجابية وامتاز محفز سعف النخيل المستخدم في إنتاج الوقود الحيوي بـ6 مزايا إيجابية أوردها الباحثون في دراستهم، وهي أنه في البداية يمتاز بمساحة سطحية كبيرة، وهذه المساحة تسمح بتوفير أماكن كثيرة على سطح المحفز ليتم فيها تفاعل المكونات، ما يزيد من فعالية تحويل زيت الطعام المستعمل إلى وقود حيوي بكفاءة عالية. كما يحتوي على مسام متوسطة الحجم بحجم نانوي دقيق، ما يتيح للجزيئات الكبيرة الموجودة في زيت الطعام المستعمل المرور عبر المحفز والتفاعل بشكل فعال، وهذا التصميم المسامي يجعل المحفز أكثر كفاءة في تسريع عملية تحويل الزيت إلى وقود حيوي. ويتمتع بمواقع حمضية نشطة تساعد على تحفيز التفاعل الكيميائي بين الميثانول والزيت، ووجود هذه المواقع يسرع من عملية تحويل الجزيئات الكبيرة إلى مركبات وقود أصغر وأسهل للاشتعال، مما يرفع من جودة الوقود الناتج. وبعد استخدام المحفز لعدة مرات، تبين أن تركيبه البلوري ووظائفه الكيميائية تبقى مستقرة تقريبا، مع بعض التغيرات الطفيفة الناتجة عن بقايا التفاعل، وهذا الثبات يمنح المحفز قدرة على العمل لفترات طويلة دون فقدان كفاءته، وهو أمر مهم للاستخدام الصناعي. كما يستطيع المحفز الاحتفاظ بأكثر من 88% من كفاءته حتى بعد 5 دورات من الاستخدام، مما يعني أنه يمكن استخدامه عدة مرات دون الحاجة لاستبداله بشكل متكرر، وهذه الخاصية تجعل الإنتاج أكثر توفيرا من الناحية الاقتصادية وأقل تأثيرا على البيئة. والميزة الأهم أنه تم صنع المحفز من سعف النخيل، وهو نفاية زراعية متوفرة بكثرة، مع إضافة أكسيد الزركونيوم، وطريقة التحضير بسيطة وغير مكلفة، ما يفتح الباب أمام إنتاج واسع النطاق باستخدام موارد طبيعية ومستدامة، مع تقليل الحاجة إلى مواد كيميائية باهظة الثمن. "بيوديزل" بمواصفات عالمية وانعكست كفاءة المحفز بطبيعة الحال على اليوديزل (الوقود الحيوي) المنتج من تدوير زيت الطعام، حيث تم الحصول على منتج يتماشى مع المعايير الدولية من حيث تميزه بنقطة وميض مرتفعة (درجة الحرارة التي يبدأ عندها الوقود في إطلاق أبخرة قابلة للاشتعال)، مما يجعل تخزينه ونقله أكثر أمانا، كما أن هذه الخاصية تقلل من خطر الاشتعال العرضي للوقود عند درجات حرارة منخفضة، مما يوفر بيئة أكثر أمانًا في المنشآت والمركبات التي تعتمد على هذا النوع من الوقود. وتبلغ كثافته حوالي "0.86 غرام لكل سنتيمتر مكعب"، وهو الحد الأدنى المقبول حسب المواصفات العالمية ، والذي يضمن سهولة ضخ الوقود داخل محركات الاحتراق الداخلي، ويُسهم في تحسين عملية الاحتراق، مما يعزز من كفاءة الأداء والاستهلاك. و يتمتع بلزوجة مناسبة تتيح له التدفق بسلاسة عبر أنظمة الحقن في المحركات دون التسبب في انسدادات أو تأخير في وصول الوقود، وهذا يضمن تشغيلا سلسا للمحرك ويقلل من احتمالات الأعطال المرتبطة بالتدفق. وتبلغ "نقطة الغيوم" للوقود الحيوي المنتج نحو 3 درجات مئوية، وهي الدرجة التي يبدأ عندها ظهور بلورات شمعية دقيقة تؤثر على سلاسة تدفقه، وهذا يعني أن الديزل الحيوي يظل سائلًا وسهل الاستخدام في المناطق ذات المناخ المعتدل أو الحار، مثل معظم أنحاء العالم العربي. أما في المناطق شديدة البرودة، فقد يتطلب الأمر تعديلات بسيطة، مثل خلطه بوقود ذي "نقطة غيوم" منخفضة، لضمان أداء مثالي للمحركات. ويحظى الوقود المنتج بعدد سيتان مرتفع، وهي خاصية تعبر عن سرعة وسهولة اشتعاله داخل غرفة الاحتراق، وهذا يؤدي إلى تشغيل أكثر سلاسة للمحركات، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتحسين الأداء العام للمركبة. خطوة مهمة على الطريق وبالنظر إلى الأداء العالي للمحفز، وسهولة تصنيعه من مواد متوفرة محليا، ونجاح عملية تحويل زيت الطعام بنسبة تقارب 100%، كما كشفت الدراسة، فإن هذا الإنجاز يمثل بداية الطريق نحو اعتماد هذا الحل على نطاق صناعي واسع. ومن أجل ضمان استدامة وكفاءة المشروع، يشير الدكتور تامر إسماعيل، أستاذ الطاقة بكلية الهندسة جامعة قناة السويس بمصر في تصريح للجزيرة نت، إلى عدة خطوات علمية وتطبيقية ضرورية في المرحلة المقبلة. ويقول " في المرحلة الحالية، أثبت الباحثون فعالية المحفز من خلال النتائج، لكن الخطوة التالية تستدعي استخدام أدوات تحليل أكثر دقة لتحديد قوة وكمية المواقع النشطة على سطح المحفز، عبر تقنيات مثل قياس امتصاص ثاني أكسيد الكربون والأمونيا، وهذه القياسات ستعزز الفهم العلمي للتركيب النشط للمحفز وتفتح المجال لتحسينه مستقبلا". وحتى الآن، تمت التجارب في المختبر على نطاق صغير، والخطوة الطبيعية التالية، كما يوضح إسماعيل، هي اختبار العملية في وحدات إنتاج أكبر تعمل بنظام التدفق المستمر، مما سيحاكي الواقع الصناعي ويبين مدى كفاءة المحفز في ظروف إنتاج حقيقية، مع تقييم الاستهلاك الطاقي وكفاءة التشغيل المستمر. ورغم أن المحفز أثبت قدرته على العمل لعدة دورات، إلا أن الأداء يتراجع تدريجيا مع الوقت، ولذلك، يشدد أستاذ الطاقة بجامعة قناة السويس، على أنه "من الضروري تطوير طرق بسيطة وغير مكلفة لتجديد المحفز بعد الاستخدام، بهدف إزالة الرواسب العضوية واستعادة فاعليته، مما يطيل عمره التشغيلي ويقلل التكاليف". وركزت الدراسة على زيت الزيتون المستعمل، ولكن لتوسيع نطاق الاستخدام، يوجه إسماعيل بضرورة العمل على تجريب المحفز مع أنواع أخرى من الزيوت المستعملة المنتشرة في المنازل والمطاعم، مثل زيت دوار الشمس أو زيت القلي المختلط، وذلك للتأكد من فعاليته مع مصادر مختلفة من المخلفات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store