
الذكاء الاصطناعي عالق بين تضخيم الخطاب وانتقادات المتشككين
اطلعت أخيراً على رسم بياني يتتبع معدلات دخل الفرد عبر العصور، ولاحظت خطاً شبه أفقي يمتد من عام 1000 قبل الميلاد حتى أواخر القرن الثامن عشر؛ حيث ظلت مستويات المعيشة حول العالم في حالة تكاد تكون متشابهة امتدت لنحو ثلاثة آلاف عام، إلى أن جاءت الثورة الصناعية لتقلب المشهد رأساً على عقب، إذ ارتفعت الدخول على نحو صاروخي، ليغدو الرسم البياني أشبه بمخطط لقلب مريض شارف على الموت، ثم يفاجئ الجميع بعودة الحياة إليه في اللحظة الأخيرة.
وقبل ثورة الطيران، كان عبور المحيط مغامرة مضنية، بينما بات اليوم من أيسر الأمور. فهل يرتقي الذكاء الاصطناعي ليحدث في حياتنا تحولاً جذرياً مماثلاً لما أحدثته تلك الاختراعات الثورية؟
وهما تفتقران إلى التفاصيل التقنية، إذ على عكس معظم المتحمسين للذكاء الاصطناعي، لا أعمل في هذا المجال أو حتى في محيطه.
وثمة حجج أكثر هشاشة يطرحها المتشككون، فعلى الأقل لم أنزلق إلى سرد القصص الطريفة من قبيل «نصحني تشات جي بي تي بتعاطي الهيروين كعلاج للزكام».
ثمة تغطيات صحافية رائعة عن الشركات العملاقة والاستراتيجيات الوطنية والتقنية ذاتها، فلتبق على اطلاع بكل ذلك، لكن حين يتعلق الأمر بالتأملات والتكهنات - عالم كتاب الأعمدة والمنتديات النقاشية - هل رأينا من قبل خطاباً بهذا القدر من الضحالة قياساً إلى حجمه الإجمالي؟
وسواء أكان لديهم دافع تجاري للترويج للذكاء الاصطناعي أم لا (وكثيرون ليس لديهم ذلك)، فإن من يكرس حياته لشيء ما يصعب عليه تقبل احتمال أن يكون تأثيره محدوداً. وفي المقابل، يصعب مجادلتهم دون الاستناد إلى السوابق والنظريات الثابتة.
فكون معظم نقاط التحول التاريخية لم تكن كذلك في الحقيقة، لا يعني بالضرورة أن هذه الحالة مشابهة. والنقاش حول الذكاء الاصطناعي غالباً ما يكون صراعاً بين من يملكون المعرفة لكنهم يتجهون إلى التهويل، ومن يتسمون بالاتزان لكنهم يتحدثون بعمومية.
وقد يقول البعض، إن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لم يرتفع عما كان عليه في العقود السابقة للإنترنت، كما أن الكثير مما نفعله، مثل السفر، لم يتغير كثيراً. وهكذا فإن تلك الحلقات، رغم قدمها، لم تدحض بعد.
بمعنى آخر، إذا صدقت توقعات المتشككين في الذكاء الاصطناعي (وكان تأثير التكنولوجيا أقل جذرية)، فإن المحذرين من مخاطره سيكونون محقين أيضاً (بأن الاضطرابات الاجتماعية آتية لا محالة). فمن سيظفر بالغلبة في هذا السجال؟
أما من يتوقعون منه تأثيراً زلزالياً إيجابياً محسناً للحياة، فهم الأكثر بهجة وقابلية للإيمان بالأشياء. في المقابل، فإن المشككين في إحداثه لأي تأثير جذري هم أناس مثلي، متوازنون إلى حد يقارب الاستهتار. وهكذا، يستمر جدل الذكاء الاصطناعي ويتصاعد لأنه، في المآل الأخير، يدور حولنا نحن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 11 ساعات
- البيان
الإمارات تقود جهود دمج العربية بالذكاء الاصطناعي لتعزيز حضورها عالمياً
ومن أبرز هذه المشاريع «المعجم التاريخي للغة العربية»، وهو إنجاز علمي ضخم اكتمل العام الماضي في إمارة الشارقة «عاصمة الثقافة العربية»، ويوثق تطور اللغة العربية عبر العصور. ويتيح المعجم، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، للباحثين والمهتمين أكثر من 20 مليون كلمة عربية، مع إمكانية كتابة النصوص وقراءتها وتحويلها إلى مقاطع فيديو، وإثرائه بمعلومات جديدة باستمرار، وذلك بالتعاون بين مجمع اللغة العربية في الشارقة ومركز الإمارات للدراسات والبحوث.


البيان
منذ 11 ساعات
- البيان
أحفورة حوت مفترس عمرها 26 مليون سنة
اكتشف باحثو معهد «فيكتوريا» الأسترالي لعلوم المتاحف، نوعاً جديداً من الحيتان القديمة، عاشت قبل حوالي 26 مليون سنة. إذ كان هذا الحوت أحد أخطر المفترسات البحرية في عصره. وأُطلق على النوع الجديد اسم جانجويسيتس دولاردي، طبقاً لـ«روسيا اليوم».


البيان
منذ 11 ساعات
- البيان
الذكاء الاصطناعي عالق بين تضخيم الخطاب وانتقادات المتشككين
جانان غانيش اطلعت أخيراً على رسم بياني يتتبع معدلات دخل الفرد عبر العصور، ولاحظت خطاً شبه أفقي يمتد من عام 1000 قبل الميلاد حتى أواخر القرن الثامن عشر؛ حيث ظلت مستويات المعيشة حول العالم في حالة تكاد تكون متشابهة امتدت لنحو ثلاثة آلاف عام، إلى أن جاءت الثورة الصناعية لتقلب المشهد رأساً على عقب، إذ ارتفعت الدخول على نحو صاروخي، ليغدو الرسم البياني أشبه بمخطط لقلب مريض شارف على الموت، ثم يفاجئ الجميع بعودة الحياة إليه في اللحظة الأخيرة. وقبل ثورة الطيران، كان عبور المحيط مغامرة مضنية، بينما بات اليوم من أيسر الأمور. فهل يرتقي الذكاء الاصطناعي ليحدث في حياتنا تحولاً جذرياً مماثلاً لما أحدثته تلك الاختراعات الثورية؟ وهما تفتقران إلى التفاصيل التقنية، إذ على عكس معظم المتحمسين للذكاء الاصطناعي، لا أعمل في هذا المجال أو حتى في محيطه. وثمة حجج أكثر هشاشة يطرحها المتشككون، فعلى الأقل لم أنزلق إلى سرد القصص الطريفة من قبيل «نصحني تشات جي بي تي بتعاطي الهيروين كعلاج للزكام». ثمة تغطيات صحافية رائعة عن الشركات العملاقة والاستراتيجيات الوطنية والتقنية ذاتها، فلتبق على اطلاع بكل ذلك، لكن حين يتعلق الأمر بالتأملات والتكهنات - عالم كتاب الأعمدة والمنتديات النقاشية - هل رأينا من قبل خطاباً بهذا القدر من الضحالة قياساً إلى حجمه الإجمالي؟ وسواء أكان لديهم دافع تجاري للترويج للذكاء الاصطناعي أم لا (وكثيرون ليس لديهم ذلك)، فإن من يكرس حياته لشيء ما يصعب عليه تقبل احتمال أن يكون تأثيره محدوداً. وفي المقابل، يصعب مجادلتهم دون الاستناد إلى السوابق والنظريات الثابتة. فكون معظم نقاط التحول التاريخية لم تكن كذلك في الحقيقة، لا يعني بالضرورة أن هذه الحالة مشابهة. والنقاش حول الذكاء الاصطناعي غالباً ما يكون صراعاً بين من يملكون المعرفة لكنهم يتجهون إلى التهويل، ومن يتسمون بالاتزان لكنهم يتحدثون بعمومية. وقد يقول البعض، إن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لم يرتفع عما كان عليه في العقود السابقة للإنترنت، كما أن الكثير مما نفعله، مثل السفر، لم يتغير كثيراً. وهكذا فإن تلك الحلقات، رغم قدمها، لم تدحض بعد. بمعنى آخر، إذا صدقت توقعات المتشككين في الذكاء الاصطناعي (وكان تأثير التكنولوجيا أقل جذرية)، فإن المحذرين من مخاطره سيكونون محقين أيضاً (بأن الاضطرابات الاجتماعية آتية لا محالة). فمن سيظفر بالغلبة في هذا السجال؟ أما من يتوقعون منه تأثيراً زلزالياً إيجابياً محسناً للحياة، فهم الأكثر بهجة وقابلية للإيمان بالأشياء. في المقابل، فإن المشككين في إحداثه لأي تأثير جذري هم أناس مثلي، متوازنون إلى حد يقارب الاستهتار. وهكذا، يستمر جدل الذكاء الاصطناعي ويتصاعد لأنه، في المآل الأخير، يدور حولنا نحن.