logo
أرشيف التلفزيون السوري... ذاكرة وطن أم غنيمة حرب؟

أرشيف التلفزيون السوري... ذاكرة وطن أم غنيمة حرب؟

العربي الجديدمنذ 6 ساعات

تصنع الذاكرة حصوناً من الحقيقة وسط الدمار والمجازر والسنوات العجاف. لا الذاكرة البشرية وحسب، بل أيضاً تلك التي جمعتها شرائط ممغنطة، وكاميرات، وأصوات إذاعية، وأوراق مكتوبة، نقلت نبض الحياة اليومية. الذاكرة هي الصندوق الأسود الذي يستنطق صوت شعب ينبض بالحياة رغم جراح الثورة والحرب. ومع انهيار النظام، تعرّضت وثائق وسجلّات للتدمير أو السرقة أو الإخفاء المتعمّد، خاصّةً ما يحوي معلومات حسّاسة تتعلّق بأجهزة الأمن والمخابرات، بعضها سُرّب إلى وسائل إعلام، كاشفاً حجم القمع الذي مارسه النظام، ما يؤكّد إلى أيّ حدّ تؤثّر خسارتها في إتمام الطريق إلى العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. ويحتضن التلفزيون السوري جزءاً أساسياً من الأرشيف الوطني، مئات آلاف الساعات من البرامج الثقافية والترفيهية والسياسية، وتسجيلات للأحداث الكُبرى التي مرّت بسورية في فترات مختلفة. وخلال الشهور التي تلت سقوط النظام، بدأنا نشاهد في منصّات التواصل الاجتماعي لقطات لم تكن متاحة سابقاً للعرض، حافظ الأسد يردّ في مقابلة على تسمية حركته "التصحيحية" انقلاباً، وأخرى له مع أنور السادات ومعمّر القذافي يصلّون الجمعة إبّان اتحاد سورية مع مصر وليبيا، وجلسة لمجلس الشعب السوري تنتخبه رئيساً. تسجيلات لجلسات برلمانية أو مؤتمرات حزبية من الداخل، ولقطات من دراما سورية، وأخرى لمدن وأسواق وشوارع. تنتشر هذه التسريبات في سياق عشوائي بلا ضوابط قانونية أو تقنية. والتسريبات، حتى مع نيّات حسنة، ليست بديلاً من الحفظ المنهجي، فالتاريخ بلا سياق صورة معلّقة على جدار فارغ.
بقي أرشيف التلفزيون السوري عرضة إمّا للإهمال، أو للسرقة، أو للتوظيف السياسي. ومنذ سقوط النظام، وكما كانت الحال بالنسبة إلى وثائق السجون وأفرع الأمن، لم تحدّد السلطات السورية الجديدة مصير الأرشيف بعد تقارير عن نهب أجزاء منه، وبيعها في السوق السوداء، أو تحميلها في مواقع إلكترونية. تحدّث موظفون سابقون في الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون عن محاولات "إنقاذ فردية"، وتُتَّهم جهات بمساعدة أسماء الأسد بالتورّط في تسريب (أو استغلال) الأرشيف، لتحقيق مكاسب مالية. لا يوثّق أرشيف التلفزيون السوري الرؤساء فحسب، بل يوثّق وطناً. إنه الصدى المتكرّر لحياة السوريين بتفاصيلها كلّها، الصاخبة منها والبسيطة، والنظر إليه غنيمة حرب من أطراف متعدّدة أو مادّة قابلة للبيع، انتهاك مزدوج للذاكرة وللشعب. إنه ذاكرة السوريين، وجزء من الأرشيف الوطني الأوسع، قبل أن يكون بروباغاندا لنظام الأسد.
قد يعاني ما تبقّى من مواد أرشيفية في التلفزيون السوري عوامل التلف، وما لم تُنقل إلى وسيط رقمي سريعاً، فسنفقد سنواتٍ لا يمكن إعادة تمثيلها أو استعادتها. يتطلّب الأمر قراراً جريئاً بوضع الذاكرة في قلب مشروع "الدولة الجديدة"، لا في هوامشها. ويمكن لسورية أن تستفيد من تجارب دول واجهت ظروفاً مشابهة، فالبوسنة والهرسك أنشأت مركز أفلام سراييفو عام 2008 لإحياء أرشيفها ما قبل الحرب، وفي مكتبتها الوطنية رقمنت تشيلي أرشيف ديكتاتورية أوغستو بينوشيه بدعم من منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وجعلته متاحاً للعامّة، جزءاً من مسار العدالة الانتقالية. لم تسمح تلك الدول (وغيرها؛ تيمور الشرقية وجنوب أفريقيا) للذاكرة بأن تموت. لا بدّ من التحرّك المدروس لإنشاء هيئة وطنية مستقلّة تكون مهمتها جمع كلّ ما يتعلّق بالأرشيف السمعي البصري السوري وتوثيقه وحفظه ورقمنته، تعمل بشفافية بدعم من منظّمات دولية، وإطلاق بوابة رقمية تُتيح الوصول المجّاني والمنظّم إلى المواد الأرشيفية، وفق تصنيفات زمنية وموضوعية، ودعم رقمنة الأرشيفات المنزلية بما يحتفظ به عديد من السوريين من تسجيلات مختلفة عبر حملة وطنية ضمن المشروع العام. هناك حاجة ملحّة لإطلاق برامج أكاديمية بتعاون دولي لإعداد أخصائيي أرشفة ورقمنة، لسدّ النقص في الكفاءات. ولا بدّ من تشريع قوانين تمنع البيع أو التهريب أو التدمير المتعمد لأيّ مادة أرشيفية، واعتبارها ملكاً عامّاً محمياً بالدستور والقانون.
الذاكرة الوطنية ملك الشعب، لا تُحتكر ولا تُباع. إنها وجه سورية الذي يجب ألّا يُطمس، وضميرها الحيّ الذي يجب أن يُصان ذاكرةً جامعةً لكلّ السوريين، بغضّ النظر عن طوائفهم وأعراقهم وتوجّهاتهم السياسية.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انتقادات دولية لقرار إدارة ترامب فرض عقوبات على قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية
انتقادات دولية لقرار إدارة ترامب فرض عقوبات على قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية

القدس العربي

timeمنذ 22 دقائق

  • القدس العربي

انتقادات دولية لقرار إدارة ترامب فرض عقوبات على قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية

الأمم المتحدة- 'القدس العربي': أعربت المحكمة الجنائية الدولية عن 'استيائها العميق' من العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على أربع من قاضياتها، معتبرة أن القرار يشكل تهديدًا لاستقلال المؤسسة القضائية الدولية. وشمل قرار العقوبات، الذي أُعلن الخميس الماضي، النائبة الثانية لرئيسة المحكمة، رين أديلايد صوفي ألابيني غانسو (بنين)، والقاضية سولومي بالونجي بوسا (أوغندا)، والقاضية لوز ديل كارمن إيبانيز كارانزا (بيرو)، والقاضية بيتي هوهلر (سلوفينيا). وقال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو إن العقوبات جاءت بسبب مشاركة القاضيات في 'أعمال غير مشروعة ولا أساس لها، تستهدف الولايات المتحدة أو حليفتنا إسرائيل'. واتهم المحكمة بأنها 'مسيسة' وتزعم امتلاك سلطة على مواطنين أمريكيين دون وجه حق. وكانت القاضيتان ألابيني غانسو وهوهلر من بين من شاركن في إصدار مذكرتي التوقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. ووصفت المحكمة هذه الخطوة بأنها 'محاولة واضحة لتقويض استقلال هيئة قضائية دولية مخوّلة من 125 دولة طرف في نظام روما الأساسي'. وأكدت في بيانها أن 'المحكمة تقدم العدالة والأمل لملايين الضحايا، وتلتزم بأعلى معايير حماية حقوق المشتبه بهم والضحايا'. وأضاف البيان أن استهداف العاملين في مجال العدالة الدولية 'لا يخدم المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع، بل يشجع الجناة على التصرف دون خوف من العقاب'. وأشار إلى أن العقوبات لا تطال القاضيات فقط، بل تمتد لتشمل كل من يدعم المحكمة، من أفراد وشركات ودول، مما يمسّ بمبادئ سيادة القانون والسلام والأمن العالميين. وأكدت المحكمة دعمها الكامل لقضاتها وموظفيها، وتعهدت بمواصلة عملها دون تراجع، بما يتوافق مع نظام روما الأساسي، بهدف تحقيق العدالة في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان. وفي ردود الفعل، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن 'انزعاجه الشديد' من الخطوة الأمريكية، معتبرا أن الهجمات على القضاة 'تتنافى مع مبدأ سيادة القانون والمساواة أمام القضاء'، مطالبا واشنطن بـ'إعادة النظر في هذه الإجراءات وسحبها فورا'. وأدان الاتحاد الأوروبي بدوره القرار الأمريكي، حيث شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على أن المحكمة 'تحاسب مرتكبي أخطر الجرائم، وتمنح الضحايا صوتا'، مؤكدة ضرورة تمكينها من أداء عملها بحرية. واعتبر رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، أن المحكمة 'حجر زاوية في منظومة العدالة الدولية' ويجب حماية استقلالها ونزاهتها. وتتضمن العقوبات إدراج القاضيات ضمن قائمة الأفراد الخاضعين لعقوبات خاصة، ما يعني تجميد أي أصول لهن في الولايات المتحدة، وفرض قيود على معاملاتهم المصرفية الدولية. وتندرج هذه العقوبات ضمن أمر تنفيذي وقّعه الرئيس دونالد ترامب في فبراير/شباط الماضي، يتيح فرض عقوبات مدنية وجنائية على أي مواطن أمريكي يقدم خدمات للأفراد المعاقَبين. وتُعد هذه العقوبات الثانية من نوعها، بعد قرار سابق استهدف المدعي العام للمحكمة، كريم خان، ما يعكس تصعيدا متواصلا في موقف إدارة ترامب من المحكمة.

رحلة الآلام من صدمة النكسة إلى فجيعة الإبادة
رحلة الآلام من صدمة النكسة إلى فجيعة الإبادة

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

رحلة الآلام من صدمة النكسة إلى فجيعة الإبادة

أنتمي إلى جيل يقف اليوم على مشارف الثمانين. ولأنه أتيح لي أن أتابع، طفلاً وشاباً ورجلاً وكهلاً، أحداثاً جساماً شهدها العالم العربي خلال تلك الفترة الممتدّة، وأن أتفاعل معها بطريقة رسبت في أعماقي مشاعر يصعب محوها من الذاكرة. أذكر أنني شعرت بصدمة هائلة حين وقعت هزيمة 1967التي اصطلح على تسميتها خجلا "النكسة". كنت في ذلك الوقت شابّاً لم يتجاوز العشرين من عمره، وكانت أحلامي تعانق السماء، لكن الصدمة هزّت قناعاتي وأفقدتني توازني، وكادت تقضي على كل أمل لي في غد أفضل. واليوم، وأنا في خريف العمر، يجتاحني شعور عميق بالحزن، بسبب حالة الشلل أو اللامبالاة التي تخيّم على الدول والشعوب العربية، وتجعلها عاجزة بشكل فاضح عن التصدّي لجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها النازيون الجدد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة منذ أكثر من 600 يوم. بين صدمة الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية في مثل هذه الأيام منذ 58 عاما وفجيعة الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني حالياً، ولا تزال صرخات ضحاياها تسمع في مختلف أرجاء العالم، توالت على الأمة مصائب ونكبات كثيرة حفرت في أعماقي مشاعر متباينة... يكفي أن أسترجع هنا شريط الذكريات التي أختزنتها في مخيلتي عن زيارة أنور السادات القدس عام 1977، وعن غزو صدّام حسين الكويت عام 1990، وعن الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وعن ثورات العربي التي بلغت أوجها عام 2011، وعن غيرها من أحداثٍ جسام، كي يتجسّد أمامي من جديد حجم الأهوال التي ألمت بالشعوب العربية خلال تلك الفترة، وحجم الأخطاء التي ارتكبتها نخبها السياسية والفكرية، خصوصاً النخب الحاكمة، ما يدفعني إلى إعادة طرح السؤال الذي لم نعثر له على إجابة بعد عن أسباب عجز هذه الشعوب عن استخلاص الدروس المستفادة من أخطاء كبرى راحت تتراكم بمرور الوقت، إلى أن أفضت إلى ما نحن فيه الآن، والذي ينبغي أن يولّد لدينا جميعاً شعوراً عميقاً بالقلق على مستقبل الأمة العربية. الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بدور الوسيط مجرّد وهم لا يستند إلى أي معطيات موضوعية للعثور على بداية خيط قد يقود إلى فهم أعمق لما تعايشه الأمة هذه الأيام، وبالتالي للأسباب التي أفضت إليه، أقترح عقد مقارنة بين ما جرى في مصر عقب هزيمة 1967 وما جرى فيها عقب انتصار 1973، وتأمل ما قد تنطوي عليه هذه المقارنة من مفارقة ذات مغزى، فبينما تمكّن جمال عبد الناصر من استخلاص دروس مستفادة من الهزيمة ساعدته على تصحيح أخطاء عديدة أدّت إليها، وقام بإصلاحات عديدة مهّدت الطريق نحو النصر الذي تحقق في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، فشل السادات في مواصلة المنحى الإصلاحي واستكماله، ووظف نصر أكتوبر لتبرير سياسات جديدة تناقضت جذرياً مع هذا المنحى، بل ومع نهج ثورة يوليو ككل، وتسبّبت في الكثير من العثرات والانتكاسات والهزائم التالية التي ألمّت بالأمة العربية كلها، وليس بمصر وحدها، في مرحلة ما بعد أكتوبر. فبعد هزيمة 67، أدرك عبد الناصر أن النظام السياسي الشمولي الذي أرست ثورة يوليو دعائمه، وبموجبه جرى حل جميع الأحزاب السياسية والاعتماد على الأجهزة الأمنية وأهل الثقة، هو الذي هزم المشروع النهضوي لهذه الثورة، وجسّدته قرارات الإصلاح الزراعي وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي وإقامة صروح صناعية كبرى. ولأنه (عبد الناصر) آمن بأن حماية المشروع النهضوي تتطلّب مواجهة المشروع الصهيوني للهيمنة على المنطقة وهزيمته، فقد تولدت لديه قناعة مطلقة بأن تصحيح الأخطاء التي أدّت إلى هزيمة يونيو يتطلب رؤية إصلاحية شاملة تقوم على دعامتين: الأولى: نظام سياسي يسمح بمشاركة أوسع في عملية صنع القرار وبتداول حقيقي للسلطة. والثانية: جيش مهني حديث لا يتدخل في السياسة، وقادر على متابعة أحدث التطورات في مجالات التسليح والاستراتيجيات العسكرية. وقد نجح عبد الناصر في القيام بالإصلاحات اللازمة لإعادة بناء الجيش المصري على أسس علمية، واختبرت فاعلية هذه الإصلاحات بالفعل، ثم توجت بالنصر الذي تحقق في 1973، لكن القدر لم يمهله للقيام بالإصلاحات السياسية المطلوبة، التي تفيد وثائق عديدة بأنه كان ينوي القيام بها بعد "إزالة آثار العدوان"، أي بعد الحرب التي كان يستعد لخوضها، لكنه رحل قبل أن يتمكّن من قيادتها. لذا بقي النظام السلطوي الذي أسّسته ثورة يوليو على حاله، وظل كذلك حتى اندلاع ثورة يناير 2011 التي أسقطت حسني مبارك، وسعت إلى إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، لكن الثورة أجهضت وذهبت طموحاتها الديمقراطية أدراج الرياح. وقد استغلّ السادات النصر الذي حققته المؤسّسة العسكرية في 1973، وكذلك النظام السلطوي الذي ورثه عن عبد الناصر، لإحداث تغييرات جوهرية في السياسات الداخلية والخارجية لمصر في مرحلة ما بعد تلك الحرب، وهي السياسات التي أدّت إلى انتفاضة الخبز في يناير/ كانون الثاني 1977، وإلى زيارة القدس في نوفمبر/ تشرين الثاني في العام نفسه، وإلى معاهدة السلام المنفرد مع إسرائيل عام 1979، وإلى تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقرّها إلى تونس، وفي النهاية، إلى اغتيال الرئيس السادات نفسه عام 1981 بواسطة ضباط من القوات المسلحة المصرية، وفي ذكرى الاحتفال بنصر أكتوبر، وفي واحد من أكثر المشاهد عنفا وإثارة في تاريخ الحياة السياسية المصرية. ليس الهدف من هذا المقال عقد مقارنة بين السياسات التي انتهجها كل من عبد الناصر والسادات أو المفاضلة بينهما، وإنما مناقشة فكرة جوهرية تمحورت حولها التوجهات الداخلية والخارجية للسياسات الساداتية: إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة للصراع مع إسرائيل عبر وساطة أميركية، فقد ظلّ السادات يردّد طويلا أن الصراع مع إسرائيل تحكمه "عُقد نفسية"، وبالتالي يسهل حله إذا أظهر العرب حسن نيتهم وصدق توجّههم نحو السلام، وأن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق الحل، وبالتالي هي ليست راغبة فحسب في التوصل إلى مثل هذه التسوية، وإنما قادرة أيضا على إقناع الأطراف المعنية بها، أو حتى على فرضها إن لزم الأمر، غير أن ما جرى في المنطقة خلال العقود الخمسة الماضية، وبالذات ما يجري حالياً، يقطع بسقوط هذه المقولة، وبأنها لا تمتّ للواقع أو للحقيقة بصلة، بل وتدلّ على جهل تام بطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وأبجدياته! أعلن السادات أن حرب أكتوبر "آخر الحروب". وبالفعل، لم تخض الجيوش العربية النظامية أية حروب مع إسرائيل منذ ذلك التاريخ على السطح، يبدو ما جرى خلال هذه الفترة وكأنه يثبت صحّة توجهات السادات وبعد نظره، فدول عربية عديدة سبق لها أن رفضت توجهات السادات وعاقبت مصر عليها تتسابق حالياً لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بما فيها منظمّة التحرير الفلسطينية. بل يرى بعضهم أنه كان بمقدورهم الحصول على شروط أفضل لو أنهم كانوا قد تجاوبوا مع السادات ولم يتعمّدوا عرقلة مسيرته. أما إذا أخضعنا هذه التوجهات للفحص المدقق، فسنجد أن لا أساس لها من الصحة، وأنها لا تستند إلى أي حقائق على أرض الواقع، فالنهج الإسرائيلي تجاه التسوية لم يتغير قيد أنملة منذ 67، وجميع الحكومات التي تعاقبت على السلطة في إسرائيل رفضت مطلب "الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي المحتلة عام 67"، وهو الذي يجسّد الموقف الرسمي العربي الذي تبنّته قمة بيروت عام 2002، بل رأت جميع هذه الحكومات في التحرّكات العربية نحو التطبيع دليلاً على ضعف الموقف العربي، وولّدت ردود فعل معاكسة، أفضت إلى مزيد من التشدّد الإسرائيلي. ويلاحظ أن أغلب الحكومات التي تعاقبت على السلطة في إسرائيل، منذ مبادرة السادات بزيارة القدس، كانت يمينيّة التوجه، وكانت تزداد تطرّفاً على الدوام، إلى أن وصلنا إلى الحكومة الحالية التي تعد الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل. كما ثبت بالدليل القاطع أن الولايات المتحدة تدير الصراع العربي الإسرائيلي، ولصالح إسرائيل دائماً، ولا تسعى بالضرورة إلى حله، وأن إسرائيل تملك أوراق ضغط كثيرة فعّالة تستطيع أن تؤثر من خلالها على صانع القرار الأميركي. ويكفي أن نفحص سجل التصويت في مجلس الأمن ومحاضر جلسات المفاوضات التي عقدت تحت المظلة الأميركية لندرك يقيناً أن التوجهات الأميركية إزاء الصراع لا تختلف كثيراً عن التوجّهات الإسرائيلية، أياً كان شكل الإدارة الأميركية القائمة، أو شكل الحكومة الإسرائيلية القائمة. كان السادات قد أعلن أن حرب أكتوبر "آخر الحروب". وبالفعل، لم تخض الجيوش العربية النظامية أية حروب مع إسرائيل منذ ذلك التاريخ، لكن الأخيرة خاضت عشرات المواجهات المسلحة قبل هذا التاريخ وبعده، ولا تزال تحتل مساحات شاسعة من الأراضي العربية. لذا يمكن القول إن الصراع بعد، لكنه تحول إلى صراع مع فاعلين عرب من غير الدول. وتدلّ الجولة الحالية التي انطلقت مع "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر (2023)، وشاركت فيها فصائل مسلحة من فلسطين ولبنان والعراق واليمن، بينما بقيت الجيوش والأنظمة العربية الحاكمة تتفرّج على ما يجري من إبادة جماعية للفلسطينيين في غزّة، على أن هذا الصراع بدأ يأخذ أبعاداً غير مسبوقة، ستكون لها انعكاسات شديدة الخطورة على الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها. فقد أثبتت هذه الجولة، وهي الأطول والأكثر كلفة في تاريخ الصراع، مسألتين على جانب كبير من الأهمية. الأولى: استحالة التعايش السلمي مع كيان يقوم على التطهير العرقي والإبادة الجماعية لأصحاب الأرض الأصليين، ما يعني أن حسم الصراع معه لا يمكن أن يتم إلا بإسقاط نظامه العنصري التوسّعي. الثانية: الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بدور الوسيط مجرّد وهم لا يستند إلى أي معطيات موضوعية، وبالتالي، على القوى المعادية للمشروع الصهيوني في المنطقة أن تعتمد في حسم الصراع معه على قواها الذاتية.

إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها لمحمد السنوار
إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها لمحمد السنوار

القدس العربي

timeمنذ 3 ساعات

  • القدس العربي

إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها لمحمد السنوار

ادعت إذاعة عبرية، السبت، أن قوات الجيش الإسرائيلي عثرت جنوبي قطاع غزة على جثة تعتقد أنها تعود لمحمد السنوار، القيادي البارز في 'كتائب القسام' الجناح العسكري لحركة حماس. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: 'عثرت قوات الجيش خلال الساعات الأخيرة على جثة مخرب، يُرجح أنها تعود لمحمد السنوار، وذلك في مجمع تحت الأرض يقع أسفل المستشفى الأوروبي في خان يونس'. وأشارت إلى أنه تم العثور على الجثة داخل نفق، إلى جانب نحو 10 جثث أخرى لمن أسمتهم 'مخربين'. وأضافت أن العثور على الجثث جاء 'في إطار عملية خاصة ينفذها الجيش حاليا في محيط المستشفى الأوروبي'. وفي 13 مايو/ أيار الماضي، شن الطيران الحربي الإسرائيلي هجوما واسعا على محيط المستشفى الأوروبي بخان يونس. ووقتها نقلت هيئة البث العبرية الرسمية عن مصدر إسرائيلي لم تسمه قوله إن 'الهدف من الهجوم كان محمد السنوار'. ومحمد هو شقيق يحيى السنوار، الرئيس الأسبق للمكتب السياسي لـ'حماس' الذي اغتالته إسرائيل في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2024. (الأناضول)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store