
الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
نشأ الربيعي بين أزقة الحلة القديمة، في حيّ الجمعية، واختط لنفسه منذ فتوّته طريقًا فيه من الجمال الفني بقدر ما فيه من النُبل الأكاديمي، فجمع بين عشق الخشبة وصرامة الباحث، ليتخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل سنة 1990، ثم يعود إلى حضن الجامعة ذاتها، ليجمع بين التاريخ والفن، فينال البكالوريوس في التاريخ، والماجستير، ثم الدكتوراه في الفنون المسرحية، مُعززًا علمه بشهادات مهنية وشهادات كفاءة عالية، جعلت منه واحدًا من أبرز أعمدة المسرح الأكاديمي في العراق.
لم يكن الدكتور علي الربيعي مجرد أكاديمي يكتب من خلف المكاتب، بل كان شاهدًا مشاركًا في رحلة المسرح العراقي، وموثِّقًا دؤوبًا لذاكرته المتشظية بين الحروب والمنفى والخيبات. فقد أنجز أكثر من أربعين كتابًا مطبوعًا، شكّلت خزانة معرفية لا غنى عنها لأي باحث أو قارئ مهتم بتاريخ المسرح العراقي والعربي. كتب عن المسرحيات المفقودة، وعرّف بجيل المسرحيين المهمَّشين، وأخرج من ظلال النسيان أسماء مثل شالوم درويش وأنور شاؤول وسليم بطي وهادي جبارة الحلي. وخلّد مدنًا وأزمنة منسية في كتبه عن المسرح في الحلة والمدارس والأجواق العراقية والمسيحية واليهودية، حتى غدا أرشيفًا ناطقًا للمسرح المنسي والمستبعد.
أعماله ليست مجرد توثيق، بل نقد وتحليل يقرأ التحولات الجمالية والاجتماعية في بنية العرض المسرحي العربي والعراقي، من خلال دراسات رصينة نشرت في أبرز المجلات المحكمة في العراق والعالم العربي، بل وحتى في مجلات عالمية مثل Linguistica Antverpiensia. وقد تناولت أبحاثه قضايا جوهرية مثل الاغتراب، التصوف، الواجب ، والوجودية، مما يدل على عمق قراءاته واتساع منهجه المقارن.
عضويته الفاعلة في نقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1991، وفي اتحاد أدباء وكتاب بابل منذ 2014، ليست عضويات شكلية، بل حضور ثقافي متجدد، يتجسد في مساهماته الدائمة في المؤتمرات، والمهرجانات، وورش العمل. وهو أحد الأسماء التي تكرَّمت بتقديرات محلية وعربية، منها وسام الفنون من المهرجان المسرحي الدولي في مصر، وأوسمة من نقابة الفنانين، ومؤسسة الإبداع العراقي، فضلًا عن مئات الشهادات التقديرية وكتب الشكر.
أما في المجال الإداري، فقد شغل مواقع حساسة ومؤثرة، من رئاسة قسم الفنون المسرحية، إلى عمادة كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، إلى عضوية اللجنة الوزارية لاعتمادية كليات الفنون. كما أشرف على أكثر من خمس عشرة رسالة ماجستير، وعشر أطروحات دكتوراه، وناقش العشرات غيرها في جامعات العراق المختلفة، مما يجعله من أبرز الأكاديميين في رفد الجيل الجديد بالمنهج والانفتاح.
وقد ترك أثرًا عميقًا في طلابه، ليس فقط من خلال ما لقّنه إياهم من علوم نظرية، بل من خلال تجربته الأخلاقية والتربوية، حيث يرونه أستاذًا لا يبخل بنصيحة أو تشجيع أو فتح باب نحو النشر والتجريب. كثير من طلبته اليوم يحملون أفكاره في أطاريحهم، ويتتبعون رؤاه في فهم التحولات الفنية والدرامية في العراق، ويرون فيه مثال الأستاذ المنفتح على الجديد دون أن يقطع صلته بالأسس والمنابع.
أما في المهرجانات الثقافية والفنية، فكان وجهًا دائمًا، لا كمشارك فقط، بل كمؤثر ومحكِّم ومقدّم لرؤى نقدية تفتح باب الحوار وتعيد ترتيب المفاهيم الجمالية. شارك في مهرجانات عربية ومحلية مثل مهرجان بغداد الدولي للمسرح، مهرجان المسرح العربي، مهرجان أيام بابل، مهرجان بابل للثقافات، ومهرجان المسرح الجامعي، وغيرها، وكان في كل مرة يحمل مشروعًا معرفيًا يؤسس لفهم جديد للمسرح، ويعيد ربطه بالجمهور والواقع.
لم يكتف الدكتور الربيعي بما أنجزه، بل واصل الحفر في ذاكرة المسرح من خلال مشاريع توثيقية استثنائية مثل سلسلة 'من خزانة المسرح'، و'المسرح العراقي في وثائق دائرة السينما والمسرح'، و'مخرجو الفرقة القومية'، و'مهرجان المسرح العراقي – مسيرة إبداع'، وهي مشاريع لا تثمّن بثمن لأنها تُنقذ الماضي من الغياب.
لقد كتب الدكتور علي الربيعي في النقد الفني، والأدب، والتاريخ، ونُشرت له مقالات في صحف ومجلات محلية وعربية، وكتب عنه آخرون دراسات أكاديمية وتراجم تقديرية، لأنه ليس فقط ناقدًا مسرحيًا أو مؤرخًا فنيًا، بل ضمير من ضمائر الثقافة العراقية في زمن العتمة والتشظي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
١٢-٠٧-٢٠٢٥
- موقع كتابات
الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقافي
في مدينة الحلة، حيث يمتزج عبق التاريخ بوهج الحاضر، وُلدت الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري عام 1973 لتصبح صوتٌ نسائيّ عميق حمل لواء الفكر والنقد بثقة واقتدار، وخطّت سيرتها بالحبر والعزيمة، مزدهرةً في فضاء الأدب العربي، وراسخةً في مدارات الفكر الثقافي والنقدي. تلقت دراستها الأولى في مدينتها الأم، ثم مضت بخطى واثقة إلى كلية الآداب في الجامعة المستنصرية، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية عام 1995، لتبدأ رحلة أكاديمية وروحية أكثر عمقًا، اتجهت فيها نحو جامعة بابل، فنالت فيها درجة الماجستير عام 2006، ثم الدكتوراه في فلسفة اللغة العربية-الأدب والدراسات الثقافية عام 2013، لتحصل بعدها على درجة الأستاذية عام 2020، متوجةً سنوات من الجهد والنبوغ. في كتابها الأول 'مقدمة افتتاح القصيدة العربية'، أعادت الدكتورة إنصاف قراءة الموروث الشعري برؤية معاصرة، كاشفةً عن أبعاد رمزية وتكوينية كانت في طي النسيان أو محجوبة بالرؤية المدرسية التقليدية. وقد رأى النقاد أن هذا العمل يشكل حلقة وصل بين التراث والحداثة، وأن الكاتبة قد مارست فيه تفكيكًا واعيًا لبنية القصيدة الجاهلية، متتبعةً جذورها النفسية والثقافية، لا فقط الشعرية. أما عملها الثاني 'الأنوثة والذكورة في المؤسسة اللغوية'، فقد أثار اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والثقافية، لجرأته في مناقشة الخطاب اللغوي من زاوية جندرية ونقدية ثقافية. الكتاب وُصف بأنه نقلة نوعية في حقل الدراسات النسوية في العراق، وقد أشار بعض النقاد إلى أن الجبوري لا تكتب من موقع المدافعة عن المرأة، بل من موقع فاحصة لبُنى السلطة داخل اللغة نفسها. لم تكتفِ الجبوري بالبحث والكتابة، بل واصلت نشاطها المهني والثقافي في الميدان، حيث تعمل أستاذة في جامعة بابل، وتشغل منصب مديرة تحرير مجلة الأديب الثقافية، وقد انضمت إلى اتحاد الأدباء والكتّاب في بابل عام 2020، مؤكدة حضورها في فضاء المؤسسات الأدبية والفكرية. شاركت في مؤتمرات ومهرجانات دولية ومحلية، وقد نالت درع الإبداع والتميز من مؤسسة الإبداع العربي، إلى جانب عدد من الشهادات التقديرية من جهات ثقافية وأكاديمية. كما نُشرت أعمالها في مجلات علمية وأدبية مرموقة داخل العراق وخارجه، من بينها: مجلة الأديب الثقافية (بغداد)، مجلة المرتقى (الجزائر)، مجلة المؤتمر العالمي للغة العربية (الإمارات)، فضلًا عن مجلات جامعات بابل والموصل وبيت الحكمة. ولعل من أبرز ما كُتب عنها بحث نُشر في مجلة التربية للعلوم الإنسانية – جامعة الموصل، بعنوان 'شعرية المقدمة في كتاب مدلولات رموز مقدمة القصيدة في العصر الجاهلي'، حيث تناول الباحث أسلوبها التحليلي وإسهامها في تجديد أدوات القراءة النقدية للنصوص التراثية. إن إنصاف سلمان الجبوري ليست مجرّد ناقدة أكاديمية، بل هي صوت فكريّ يتمرّد على السائد، ويشق لنفسه طريقًا بين تيارات متعددة، دون أن يفقد بوصلته الثقافية أو حسه الأنثوي العميق. تراها تقرأ اللغة لا كوسيلة بل كـ'مؤسسة' – كما تقول في أحد أبحاثها – مؤسسة تؤسس للسلطة، وتعيد إنتاجها، وتحاورها من الداخل. ومن يقرأ أعمال الجبوري يجد فيها تمازجًا بين الدقة العلمية وحرارة الانفعال الفكري، بين الأصالة والترميز، بين الصوت الفردي والهمّ الجمعي. فهي لا تعيد إنتاج المعرفة، بل تُعيد تشكيلها من خلال أسئلة جديدة، ونزعة نقدية لا تخاف الاصطدام بالتقاليد. لقد رسخت مكانتها كواحدة من أبرز الأسماء النسوية في النقد الثقافي العراقي المعاصر، ويكاد يُجمع النقاد على أن أعمالها تنتمي إلى جيلٍ جديد يسعى إلى مساءلة البنى المعرفية، وأنها تمثل جسرًا معرفيًا مهمًا بين الأكاديمية والانخراط في الشأن الثقافي العام.


موقع كتابات
٠٨-٠٧-٢٠٢٥
- موقع كتابات
أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
في مدينة القاسم، حيث يُصافح الفجر ضوء النخل، ويكتب نهرها حنينه على سطور السواقي، وُلد أحمد جاسم الخيّال في صيف عام 1968، ليكون أحد أولئك الذين خُلقوا من وهج الحروف، وتربّوا في حضن اللغة، وارتضعوا من مجازاتها كما يرتضع الطفل من أثداء الأساطير. كان الطفل الذي خطا نحو مدرسة 'موسى بن نصير' لا يحمل في حقيبته سوى قلم، لكنه كان يحمل في قلبه حبرًا يتوق أن يصير ديوانًا. ومنذ تلك اللحظة، كانت القصيدة تعدّ له مقعدًا بين أبنائها، حتى نشرت أولى قصائده عام 1986، وكان بعدُ طالبًا في الرابع الإعدادي. ومنذئذٍ لم تغب عنه الكلمة، لا في يقظته، ولا في حُلُمه. نال الشاعر شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من كلية الآداب، جامعة بغداد عام 1992، ثم نهل من نبع الدراسات العليا حتى نال الماجستير من جامعة القادسية عام 2008، والدكتوراه من جامعة بابل عام 2013. غير أن شهاداته لم تكن أوراقًا معلّقة على جدران الإدارات، بل كانت مفاتيح فتحت له أبواب التأمل، وأقلامًا زادت من توهّج مداده. يكتب الخيّال الشعر والقصة، لكنه حين يكتب كأنما يعجن الحروف بتراب الوطن، ويقطّرها من وجد روحيّ عميق، فنصوصه تحمل حسًّا صوفيًا ونبضًا إنسانيًا مشوبًا بعشق للحق والجمال. وقد نالت قصائده جوائز مرموقة، مثل 'مسابقة الجود العالمية' عن قصيدته 'سجدة على أرض الجود'، وجائزة 'سيد الأوصياء'، وجائزة 'شاعر الحسين' في البحرين لعامين متتاليين، وجائزة كركوك للقصة القصيرة، وجائزة 'بهم انتصرنا' التي حيّت بطولات الحشد الشعبي. ويعدّه النقاد واحدًا من أبرز الشعراء الذين جمعوا بين الموهبة والصنعة، بين الحسّ الديني الرقيق واللغة الفخمة. يقول عنه أحد النقاد: 'أحمد الخيّال لا يكتب قصيدة المناسبات، بل يمنح المناسبة حياتها الشعرية الخاصة، فلا تعود مجرد ذكرى، بل طقسًا من طقوس الشعر، ونبضًا من أعماق التجربة الإنسانية.' ولم يكتفِ الخيال بكتابة الشعر، بل كان مثقفًا موسوعيًا، وأكاديميًا جادًا، فقد نشر أكثر من خمسة عشر بحثًا علميًا محكمًا، وشارك في مؤتمرات علمية وثقافية لا تُحصى. كما تبوّأ مناصب ثقافية مهمة، منها رئاسة المنتدى الأدبي في القاسم، ورئاسة الهيئة الاستشارية للبيت الثقافي في المدينة، وكان رئيس تحرير لمجلة 'المحقق' العلمية المحكمة. أما مؤلفاته، فهي منارات تتوزع بين البلاغة، والتفسير، وسِيَر الأئمة، والشعر. نذكر منها: أضرحة الماء (ديوان شعري خاص بأهل البيت)، يقظة النعناع، ونهارات شطبتها التقاويم، ومرايا الأنهار تبتكر الوقت، كتابه البلاغي المهم الأشكال البديعية في القرآن الكريم، وكتابه المثال الإلهي علي بن أبي طالب (ع) الذي استخلص فيه شخصية الإمام من ضوء النصوص وجلال المعاني. وقد أحيا الخيال بقلمه شعر المديح لا بوصفه تكرارًا تقليديًا، بل كموقف روحي ومعرفي، فقصائده الحسينية مثقلة بدموع التاريخ، وموشّاة بماء الوجد. وهو في هذا يُشبه شعراء الطف القدامى الذين مزجوا بين الرثاء والتحليل، بين العاطفة والرمز. ولئن كانت القصيدة لدى البعض وردةً للزينة، فهي لدى أحمد الخيّال صلاةٌ، ورايةٌ، وسلاح. ولهذا لا يمكن أن يُذكر اسمه إلا مقرونًا بالصدق، فكل بيتٍ كتبه يشهد أنه عاشه قبل أن يخطّه. ولعلّ أجمل ما يقال في وصف أحمد الخيّال أنه من الشعراء الذين لا يكتبون لأنهم يحسنون الكتابة، بل لأنهم لا يستطيعون أن يتنفسوا دونها… وكأن القصيدة هي هواء الروح، وهي الطريق، وهي الوطن حين تضيق الأوطان. من شعره قصيدته 'مطرٌ مكرّر' وهي تستند إلى رؤية تأملية سوداوية، تعكس حالة من الخيبة الجمعية المتكررة، وتوظّف رموزًا دينية وتاريخية (كيوسف والبئر، والمطر، والليل) للدلالة على الانتظار العقيم والانبعاث المؤجَّل، وموضوعها تأمل في واقع مأزوم، محمّل بالتكرار، والخذلان، وتعب الذاكرة الجمعية. واسلوبها نثري مشحون بالشعرية، يعتمد على الصورة الرمزية والتناصّ، دون التزام بوزن تقليدي. أما لغتها فهي كثيفة، إيحائية، فيها تلاعب دلالي ولغوي، وتوظيف لصور مفارقة ومركّبة. وثيمتها المركزية: المطر كرمز للخلاص المتكرر بلا جدوى، يقابله التكرار التاريخي للألم والانتظار. والقصيدة تُجسّد وعيًا مأزومًا بالحاضر، وهي دعوة خفية للتأمل لا للثورة، تعبّر عن الإعياء أكثر من الأمل. ورغم طابعها الفلسفي، لكنها مشحونة بجمال شعري كبير. الشاعر هنا لا يصرخ، بل يتأمّل بألمٍ داخلي، يزن المفاهيم، ويحوّلها إلى رموز. لا شيء مباشر، كلّ شيء متخفٍ خلف صورة أو إشارة.


شفق نيوز
٠٣-٠٧-٢٠٢٥
- شفق نيوز
المشهد الفني العراقي.. ازدهار أمام تحديات تمويلية ومناهج لم تتحسن منذ 50 سنة
شفق نيوز - بغداد/ ترجمة خاصة ذكرت "صحيفة الفن" المتخصصة بالشؤون الفنية والثقافية، ان العراق يشهد ازدهارا للمشهد الفني، بدفع من النمو الاقتصادي وتحسن الأوضاع الأمنية، حيث بدأ الفنانون الذين فروا من العراق خلال سنوات العنف، بالعودة للعمل على مشاريع جديدة، بينما بدأ المشرفون على المعارض الفنية، خصوصاً من المنطقة العربية، يقومون بجولات داخل البلد لاكتشاف المشهد الفني فيه. ونقلت "صحيفة الفن" التي تتمركز في نيويورك ولندن، عن هيلا مويس، هي شريكة مؤسسة لمنصة "تركيب" الفنية في بغداد، مشيرة الى تظاهرات 2019 المناهضة للفساد، قولها إن هذه "الاحتجاجات كانت نقطة تحول، وخصوصا بالنسبة للشابات اللواتي خرجن الى الشوارع جنبا الى جنب مع الجميع. ونظرا لأن جائحة كوفيد جاءت بعد ذلك مباشرة، فإننا لم نشاهد آثار تلك الثورة سوى الآن، لكنها تمثل تحولا على مستوى الجيل". وبحسب التقرير، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، فإن مويس أسست "تركيب" منذ 10 سنوات مع مجموعة من الفنانين من بينهم زيد سعد وأكرم عصام، وهما يتوليان حاليا منصب المديرين المشاركين، مشيراً إلى أن "تركيب" أصبحت مساحة أساسية للفن النقدي، حيث تقدم ورش عمل ومعارض، مثل برنامج "نزهة بغداد" الفني، بالإضافة الى مهرجانها السنوي للفن المعاصر. كما أشار التقرير إلى أن الفنان واثق العامري، المقيم في زيورخ، أسس في العام الماضي، مشروع "فن الأداء في بابل"، ودعا 16 فناناً إلى مزرعة اشتراها في منطقة بابل للعمل والعرض معا لمدة 10 أيام، لافتاً إلى أن الفنانين الدوليين امتنعوا عن الحضور بسبب القتال بين إيران وإسرائيل، أما بالنسبة للفنانين المحليين، فكانت الفرصة للعمل في فن الأداء بمثابة نجاح كبير. ونقل التقرير عن العامري قوله إن "العراقيين عطشى للفن الجديد، وكانت هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها فنانو الأداء من العمل معا وتبادل الأفكار داخل العراق، وكانوا سعداء جدا وممتلئين بالأفكار". وبحسب العامري، فإن أبرز ما في هذه التجربة، كان الورشة التي نظمها "فن الأداء في بابل" في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، حيث لا يزال الطالب مجبراً على دراسة الرسم والنحت فقط. ونقل التقرير عن هلا مويس قولها إنه "لم يتم تطوير مناهج كليات الفنون في العراق منذ 50 عاما، وهم يدرسون التقنيات، لكنهم لا يعلمونك كيف تكون مبدعا. نحن دائما نقول لفنانينا: كونوا شخصين، واحد داخل المدرسة الفنية، وآخر يبدع خارجها". واعتبر التقرير الفني أن هذا النظام التعليمي الجامد، يمثل أحد التحديات التي تواجه بغداد، حيث ضعفت البنية التحتية المؤسسية، وتمسك الجيل القديم بمواقع السلطة، ليس فقط في الأكاديميات الفنية، وإنما أيضاً في المعارض التجارية ونقابة الفنانين المؤثرة، خصوصا في اتخاذ القرار حول المعارض في ما يمثل المركز الوطني للفن في بغداد. وتابع التقرير أنه برغم افتتاح معارض جديدة، بما فيها "ذا غاليري" في منطقة الكرادة الغنية ثقافيا، فإن كثيرين يعتبرون ان برامجها لا تزال عالقة في الماضي، في حين أن المتحف الوطني للفن الحديث، كان تعرض لنهب واسع خلال الغزو الامريكي العام 2003، وهو الان في حالة يرثى لها، إنه برغم استعادة بعض اللوحات، فإنها لا تحظى بالعناية اللازمة، مشيراً إلى أن أحد الزائرين شاهد تسرب المياه من السقف فوق أعمال فنية مهمة في مستودع وزارة الثقافة. وبحسب التقرير، فإن التحدي الأكبر يتمثل في التمويل، حيث أن الدعم المالي من وزارة الثقافة شبه معدوم، وما يتوفر من تمويل محدود، يذهب إلى نوع من الفن العام الذي يخدم كدعاية، وهو إرث من عهد صدام حسين. واضاف التقرير أن أنماط التمويل والرعاية الأخرى، فإنها ترتبط بتنازلات سياسية وروابط مع فصائل مختلفة في مجتمع لا يزال يتسم بالطائفية، مشيراً إلى أنه لهذا السبب فإن "تركيب" و"فن الأداء في بابل" ترفض قبول التمويل العام. وينقل التقرير عن تمارا شلبي، وهي إحدى الشركات في مؤسسة "رؤيا" التي لا تبتغي الربح، والتي تدير معرضا في شارع المتنبي وتشغل منصب المفوضة للجناح العراقي في بينالي البندقية، قولها أن الاستقلال ليس طريقا سهلا، وذلك في اطار وصفها للمعركة المستمرة لجمع التمويل. وبحسب شلبي فان "بغداد والعراق يقدمان مواد غنية جدا للفنانين المتأملين والحساسين والفضوليين، إلا أن البنية التحتية غير موجودة، ولا يتوفر دعم محلي، ولا يوجد جامعو اعمال فنية، وهناك مقاومة غريبة تجاه عالم الفن المعاصر العالمي، ولهذا فإن هناك مسافة طويلة أمامنا لنقطعها". كما نقل التقرير عن الفنان الكوردي وليد سيتي، المقيم في لندن، والذي درس في بغداد، أن إقليم كوردستان يمثل ما قد يكون عليه العراق بعد 10 سنوات من حيث مناهج كليات الفنون، وجودة المعارض، والتبادل الدولي، مشيراً إلى أن الإقليم نجا إلى حد كبير من العنف خلال الحرب الاهلية العراقية، واستفاد لفترة أطول من الوضع السياسي الآمن، إلا أن الإقليم لا يزال يعاني من ارتباط التمويل والرعاية بالأحزاب السياسية. وأشار التقرير إلى أن مركز مصنع التبغ القديم، الذي جرت محاولة لتحويله إلى مركز فني بمساحة 60 ألف قدم مربع في وسط مدينة السليمانية، نجا من من مخطط لاستيلاء المطورين العقاريين عليه، إلا أنه لم يصبح المركز الفني المستقل الذي كان الكثيرون يأملون به. وبرغم ذلك، قال التقرير إن مساحات جديدة للفن تظهر ايضا، وتستجيب مع السياق المحلي لتلبية ما ينقص، مشيراً إلى أنه قبل 6 سنوات، كان جامع الاعمال الفنية الشاب شاد عبد الكريم يسعى الى افتتاح متحف خاص لمجموعته في السليمانية، مدينته الأم، إلا أنه أدرك أن السليمانية بحاجة قبل كل شيء إلى مساحات تعزز الاكتفاء الذاتي للمشهد الفني. ونقل التقرير عن عبد الكريم، قوله "إننا نحاول القيام بشيء غير حزبي وليس مرتبطا أو مدعوما سياسيا نهائيا، وهو أمر صعب جدا"، ولهذا فقد تحول مشروعه للتركيز على كيفية بناء مجتمع مستقل يدعم مساحات مستقلة اخرى، خالية من السياسة ومنظمات المجتمع المدني، إلا أنه تساءل "كيف يمكننا القيام بذلك، بينما لا يزال الفن والثقافة في العراق في وضع وذهنية البقاء؟ لأن معظم الناس في الفن والثقافة هنا، يسعون الى البقاء فقط". وأوضح التقرير أن المشروع المعروف باسم "ميراز آرت سبيس"، يحتل الطابقين العلويين من مبنى سينمائي مملوك لوالده عبد الكريم، مشيراً إلى أنه سيعرض فيه جزءاً من أعماله الفنية ويعمل بشكل تجاري، مما سيتيح للفنانين المحليين والإقليميين ببيع أعمالهم، بينما يراهن عبدا لكريم على غرس فكرة الجمع بين النخبة الثرية في البلد. لكن التقرير ينقل عن سيتي، المقيم في لندن منذ العام 1984 ويعود أحيانا للعمل في إقليم كوردستان، قوله إن هناك حاجة لتغيير في العقلية، حيث إن المشكلة التي يواجهها الفنانون الشباب ليست بنيوية فقط، وإنما وجودية، حيث أنه بينما يزدهر الاقتصاد، لم تصبح الثقافة أولوية حتى الآن. ويقول سيتي، بحسب ما تنقل "صحيفة الفن" عنه، إنه "بسبب سنوات الحرمان والعنف الطويلة، أصبح الجميع الآن، للأسف، غارقين في الاستهلاكية، وبالنظر إلى أن الآباء كانوا مشاركين في الحروب أو كانوا ضحايا، فهم يدلعون أطفالهم دون وعي". وقال سيتي إن "كل شيء جرى بسرعة كبيرة، دون التفكير في العواقب. أنه مثل البساط الذي سحب من تحت أقدامهم".