
إسرائيل تغلق مدارس الأونروا في القدس الشرقية: مئات الطلاب إلى مصير مجهول
لم يكن دوي صوت الجرس الأخير في مدرسة الأونروا للبنات في مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين بالقدس الشرقية إيذانًا بانتهاء اليوم الدراسي، بل كان بمثابة نداء وداعٍ ثقيل، خيّم على الطالبات ومعلماتهن.
فمع قرار إسرائيل إغلاق مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس، يُسدل الستار على عقود من التعليم المجاني والآمن لأبناء المخيمات، وتُشرَّع الأبواب أمام مستقبل مجهول سيواجه مئات الطلاب والعائلات.
زرنا إحدى هذه المدارس في أخر يوم تعليمي لها، ورصدنا أجواء الحزن خصوصا بين الطالبات اللاتي لم يخفين، ونظرات الخوف في أعينهن، مشاعرهن الحزينة على قرار كهذا.
وداع ثقيل من مقاعد الدراسة
ماسة عليان، طالبة في الصف السابع، من سكان المخيم. والتحقت بهذه المدرسة منذ بداية مسيرتها التعليمية، جلست على مقعدها تقبض على قلمها بقوة وتتحدث بحرقة:
""شعرت بكثير من الحزن. فالمدرسة هي حياتي، وهي مثل عائلتي الثانية. لا أتخيل أن التحق بمدرسة أخرى، فيمكن أن أتعرض للتمييز هناك، أو قد لا أستطيع الاستيعاب كما كان يحدث من قبل".
ماسة ليست وحدها؛ هناك أكثر من 650 طالبًا وطالبة في مخيم شعفاط وحده، باتوا اليوم في مواجهة مصير تعليمي مجهول. فالبدائل القليلة تقع خارج المخيم، خلف حاجز عسكري إسرائيلي، ما يجعل الذهاب إلى مدارس بديلة مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للطلاب.
تتابع ماسة بحسرة وقلق من المستقبل: "أنا أحب العلوم والفن، وأريد أن ألتحق بالجامعة وأنشئ شركة صغيرة. لكن مع حرماني من مدرستي قد يتلاشى حلمي هذا".
BBC
"أين نذهب؟"
تعبر ماجدة الرجبي، وهي أم لأربعة أبناء آخرين بخلاف ماسة، عن صدمتها من القرار. وتقول إن باقي أبنائها، وهم ثلاث بنات وولد، تخرجوا من مدارس الأونروا، وتبقت لديها ماسة في مقاعد الدراسة.
"عندما سمعنا عن إغلاق المدارس، بدأنا نسأل بعضنا: إلى أين نذهب ببناتنا؟"، هكذا ردت أم ماسة على سؤالنا، حول ردة فعلها بعد سماعها، هي ومئات الأمهات، قرار إغلاق المدرسة من قبل السلطات الإسرائيلية.
تشير ماجدة إلى أن المدارس البديلة، مثل مدارس البلدية التابعة للحكومة الإسرائيلية، والتي تقع داخل القدس، تعاني من اكتظاظ، ونقص في الموارد، وتبعد عن منازل الأهالي.
"المدارس تقع على الجانب الآخر من حاجز عسكري إسرائيلي، والمواصلات باهظة التكاليف، والوضع الأمني مقلق. مدارس الأونروا هي البديل الآمن الوحيد لنا".
BBC
أبعاد سياسية واجتماعية
القرار الإسرائيلي بإغلاق مدارس الأونروا يأتي ضمن خطوات متسارعة لإنهاء وجود الوكالة في القدس، وقد أُقرّ عبر الكنيست بقانون يحظر نشاط الأونروا كاملا بعد أن اتهمت إسرائيل بعض موظفيها بالضلوع في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الشرطة الإسرائيلية اقتحمت المدرسة، وأغلقتها رسميًا، وعلقت على أبوابها قرارًا بوقف عملها حتى إشعار آخر، وذلك بعد انتهاء المهلة التي أعطتها الحكومة الإسرائيلية، لإغلاق هذه المدارس كليا.
وتقول عبير إسماعيل، القائمة بأعمال مكتب مدير إعلام الأونروا في الضفة الغربية، لبي بي سي، إن القرار يقضي بإغلاق ست مدارس تخدم نحو 800 طالب وطالبة في القدس الشرقية، منها ثلاث مدارس داخل مخيم شعفاط، وأخرى في صور باهر وسلوان ووادي الجوز.
تقول عبير إن تنفيذ القرار يُحرم هؤلاء الطلاب من حقهم الأساسي في التعليم، "وسيُخلّف آثارًا نفسية واجتماعية مدمرة،" بحسب تعبيرها.
وتضيف مسؤولة أونروا أن إخراج الأونروا من القدس هو "خطوة خطيرة تحمل أبعادًا سياسية، ونطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف تنفيذ القرار".
AFP
" تهديد لا يطال الطلاب فقط "
وتقول عبير إسماعيل، إن المشكلات الناجمة عن خطوة الإغلاق، لا تقتصر على حرمان الأطفال من التعليم، بل تشمل تهديد وظائف مئات العاملين في الوكالة قائلة: "ما مصير هؤلاء الموظفين؟ الأونروا لم تتخلَّ عن موظفيها يومًا، حتى في أصعب الظروف. لكننا نواجه أزمة مالية خانقة، ومع الحرب في غزة والعمليات العسكرية في الضفة الغربية، تزداد التحديات يوماً بعد يوم".
نهاية مشهد وبداية قلق
ما أن أردنا أن ننهي زيارتنا إلى المدرسة، إلا وأتت صديقات ماسة، اللاتي لم يسمحن لنا بالخروج إلا بإجراء مقابلات معهن، وقالت إحداهن:
"نحن نشعر بحزن عميق وقلق كبير.. هذه المدرسة ليست مجرد مكان نتعلم فيه، فهي بيتنا الثاني. تعلمنا فيها منذ أن كنَّا صغيرات، وكذلك آباؤنا وأجدادنا درسوا فيها أيضا. لها قيمة كبيرة في حياتنا، .وكل ركن فيها مرتبط بذكرياتنا"
BBC
فيما قالت طالبة أخرى، وهي تقف مع زميلاتها في صفٍ واحد، ليعبرن عن موقف موحد:
"نحن متعلقات بالمدرسة بشكل كبير، ولا نستطيع تركها ببساطة، إذا طُرِدنا وذهبنا إلى مدارس أخرى، سنواجه صعوبات كثيرة. أولًا، يمكن أن نتعرض للتمييز من طلاب لا يعرفوننا، وسنواجه صعوبات يومية تنجم عن اضطرارنا للمرور بالحواجز العسكرية التي قد تعيق وصولنا إلى المدارس البديلة، خصوصًا لمن تسكن منَّا في مناطق بعيدة. الوضع ليس سهلا، والشعور مختلط للغاية، وكلنا نشعر بتوتر هائل، ولا نعرف ما الذي سيحدث".
وتضيف الطالبة التي لم يتجاوز عمرها 12 عاما بالقول "لهذه المدرسة ساحات واسعة، وتقع في منطقة آمنة، وتوفر تعليما جيدا. اعتدنا هذا المكان، واعتدنا المعلمات وزميلاتنا. يستحيل نجد مدرسة بديلة تعوضنا عن هذه المدرسة. حتى لو وجدنا مدارس أخرى، لن نجد هناك القدر نفسه من الأمان أو الراحة".
وتمضي قائلة "أدرس هنا منذ أن كنت في الصف الأول، وكل يوم كنت أحلم بأني أكبر فيها، وأتخرج منها بشهادة أفخر بها. أحب هذه المدرسة بشدة، وأحب دراستي فيها. وأتمنى من كل قلبي أن تبقى هذه المدرسة مفتوحة الأبواب. لا نريد أن نخسر المكان الذي شَكَّلَّ هويتنا، وتعلمنا فيه، ما معنى كلمة انتماء".
كل هذه الآمال التي عبرت عنها الطالبات في المدرسة، لم تنته إلا بمشهد اقتحام شرطي وعسكري لها. ففي المشهد الختامي لم تكن الطالبات يودعنَّ فصول الدراسة كما في نهاية كل عام، بل وقفن أمام أبواب موصدة، وفي الصورة عناصر الشرطة الإسرائيلية، التي اقتحمت المكان وأغلقته، لتُوضع بذلك كلمة النهاية لواحدة من أهم مؤسسات التعليم في مخيم شعفاط والقدس الشرقية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 2 ساعات
- شفق نيوز
أكبر عملية تبادل للأسرى بين أوكرانيا وروسيا منذ غزو 2022
سلمت كل روسيا وأوكرانيا 390 جندياً ومدنياً في أكبر عملية تبادل للأسرى منذ بدء الغزو الروسي الشامل في عام 2022. أعاد الطرفان 270 جندياً و120 مدنياً من الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا، في إطار الاتفاق الوحيد الذي جرى التوصل إليه خلال محادثات مباشرة في إسطنبول قبل أسبوع. وقد اتفق الجانبان على تبادل ألف سجين، وأكدا إجراء المزيد من عمليات التبادل في الأيام المقبلة. ولم تشمل أي عملية تسليم أخرى هذا العدد من المدنيين، على الرغم من إجراء عشرات عمليات التبادل على نطاق أصغر. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الأسرى المفرج عنهم بينهم عسكريون ومدنيون، منهم الذين أسرتهم القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الحدودية الروسية خلال هجوم كييف في الأشهر الأخيرة. وتحدثت الوزارة عن وجودهم حالياً على الأراضي البيلاروسية، ومن المقرر نقلهم إلى روسيا للخضوع لفحوصات طبية وتلقي العلاج. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "نعيد مواطنينا إلى ديارهم"، مضيفاً أن السلطات الأوكرانية تتحقق "من كل اسم عائلة، والتفاصيل المتعلقة بكل فرد". وأفاد مقر تنسيق أسرى الحرب الأوكراني بأن الجنود الأوكرانيين الـ270، قاتلوا في مناطق شرق وشمال البلاد، من كييف وتشرنيغوف وسومي إلى دونيتسك وخاركيف وخيرسون. وأفاد مسؤولون بوجود ثلاث سيدات بين الأسرى المطلق سراحهم يوم الجمعة، وبأن بعض الجنود كانوا محتجزين منذ عام 2022. BBC ونشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهنئته على منصة "تروث سوشيال" التابعة له، وتحدث عن اكتمال عملية التبادل متسائلاً: "هل هذا قد يُفضي إلى أمرٍ كبير؟؟؟". وتجمعت عائلات الجنود الأوكرانيين المحتجزين لدى روسيا في شمال أوكرانيا، يوم الجمعة، على أمل أن يكون أبناؤهم وأزواجهم من بين المفرج عنهم. وصرحت ناتاليا، التي أُسر ابنها يليزار خلال معركة مدينة سيفيرودونيتسك قبل ثلاث سنوات، لبي بي سي بأنها تعتقد أنه سيعود، لكنها لا تعرف متى. BBC وقالت (أولها) إن حياتها توقفت منذ أسر ابنها فاليري مع خمسة جنود آخرين في الشرق، لأنها لا تعرف إن كانوا على قيد الحياة، موضحة: "لقد أُسروا قبل شهرين في لوغانسك. اختفوا في إحدى القرى". واتُفق على تبادل الأسرى في تركيا قبل أسبوع، عندما التقى وفدان من أوكرانيا وروسيا على مستوى منخفض التمثيل وجهاً لوجه لأول مرة منذ مارس/آذار 2022، على الرغم من أن الاجتماع لم يستمر سوى ساعتين، ولم يُحرز أي تقدم نحو وقف إطلاق النار. وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، بوجود جولة ثانية من المحادثات، وبأن موسكو ستسلم "مذكرة" إلى الجانب الأوكراني. وقال ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن "فوراً" التفاوض من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، بعد مكالمة هاتفية استمرت ساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومنذ ذلك الحين، اتهم زيلينسكي بوتين بـ"محاولة كسب الوقت" لمواصلة الحرب. وأيدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اقتراح ترامب بأن يتوسط الفاتيكان في محادثات للتفاوض على وقف إطلاق النار، لكن لافروف قال إن هذا "خيار غير واقعي". وكرر وزير الخارجية الروسي ادعاءً لا أساس له، بأن زيلينسكي ليس زعيماً شرعياً، مقترحاً إجراء انتخابات جديدة قبل توقيع أي اتفاق سلام مستقبلي محتمل. وعندما سُئل لافروف عن مدى استعداد روسيا لتوقيع اتفاق، أجاب: "أولاً، نحتاج إلى اتفاق. وعندما يُتفق عليه سنقرر. ولكن، وكما قال الرئيس بوتين مراراً، لا يتمتع الرئيس زيلينسكي بالشرعية". وقال: "بعد إتمام الاتفاق، ستعرف روسيا مَن مِن بين أصحاب السلطة في أوكرانيا يتمتع بالشرعية". وأضاف: "المهمة الرئيسية الآن هي إعداد اتفاق سلام موثوق به، يوفر سلاماً طويل الأمد مستقراً وعادلاً، دون أن يُشكل تهديداً أمنياً لأحد. وفي حالتنا، نحن قلقون بشأن روسيا".


شفق نيوز
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
هل يُسمح لترامب بقبول طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار كهدية؟
صرّح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن إدارته ترغب في قبول طائرة تُقدر قيمتها بـ 400 مليون دولار كهدية من دولة قطر، واصفاً إياها بأنها "لفتة عظيمة" سيكون من "الغباء" رفضها. وُصفت هذه الخطوة المحتملة بأنها "غير قانونية على الإطلاق"، من قبل بعض أعضاء الحزب الديمقراطي المنافس - وهو أمر ينفيه البيت الأبيض - كما أثارت انتقادات من بعض مؤيدي ترامب. وقالت قطر نفسها في وقت سابق إن التقارير المتعلقة بالطائرة "غير دقيقة"، وإن المفاوضات مستمرة. تأتي هذه الأخبار في وقتٍ يزور ترامب عدة دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك قطر. تبحث وحدة بي بي سي لتقصي الحقائق في قانونية قبول الرؤساء الأمريكيين للهدايا. يوم الأحد، أفادت وسائل إعلام أمريكية بأن إدارة ترامب تستعد لقبول طائرة ضخمة وفاخرة من طراز "بوينغ"، والمعروفة باسم "بوينغ جامبو جيت"، من العائلة المالكة القطرية، مشيرة إلى أن الطائرة ستُجدد وتُستخدم مؤقتاً كطائرة "إير فورس وان"، وهو الاسم الذي يُطلق على الطائرة التي يستخدمها الرؤساء الأمريكيون. لاحقاً، نشر ترامب على موقع "تروث سوشيال": "وزارة الدفاع تحصل على هدية مجانية، وهي طائرة 747 لتحل، مؤقتاً، محل طائرة الرئاسة الأمريكية التي يبلغ عمرها 40 عاماً، في صفقة علنية وشفافة للغاية". وعندما سأله الصحفيون، قال ترامب: "إنها لفتة رائعة من قطر. أُقدّرها كثيراً. لن أرفض أبداً عرضاً كهذا". في فبراير/شباط الماضي، قال ترامب إنه "غير راضٍ عن بوينغ" بشأن تأخير تسليم طائرتي الرئاسة الأمريكية الجديدتين، اللتين يتوقع استلامهما مباشرة من الشركة. وأضاف أن البيت الأبيض قد "يشتري طائرة أو يحصل على طائرة، أو ما شابه". BBC التُقطت صورة للطائرة القطرية في منتجع "بالم بيتش"، ولاية فلوريدا، في فبراير/شباط، حيث تفقّدها ترامب. وتحتوي الطائرة حالياً على ثلاث غرف نوم وصالة خاصة ومكتب، وفقاً لوثيقة ملخص المواصفات لعام 2015. صرّح مسؤول قطري لشبكة "سي إن إن" بأن الطائرة مُنحت من وزارة الدفاع القطرية إلى البنتاغون، وسيتم تعديلها لتتوافق مع معايير السلامة والأمن الخاصة بطائرة الرئاسة الأمريكية. يقول خبراء إن هذا من المرجح أن يستغرق سنوات، ما يعني أن الطائرة قد لا تكون جاهزة للاستخدام إلا قرب نهاية ولاية ترامب. وصرّح ترامب بأن الطائرة ستُنقل مباشرة إلى مكتبته الرئاسية (متحف رئاسي) بعد مغادرته منصبه، وأنه "لن يستخدمها" بعد انتهاء رئاسته. مع ذلك، أثارت هذه الخطوة انتقادات من الديمقراطيين، بالإضافة إلى بعض مؤيدي ترامب القدامى، بمن فيهم الناشطة اليمينية، لورا لومر، التي قالت: "سيكون ذلك وصمة عار على جبين الإدارة، إذا كان صحيحاً". هل الهدية قانونية؟ ادعى العديد من كبار الديمقراطيين أن قبول الهدية سيكون "غير قانوني". استشهد السيناتور الديمقراطي، آدم شيف، بفقرة من دستور الولايات المتحدة تنص على أنه لا يجوز لأي مسؤول منتخب قبول "أي هدية... من أي نوع" من زعيم دولة أجنبية دون موافقة الكونغرس. يقول فرانك كوغليانو، أستاذ التاريخ الأمريكي بجامعة إدنبرة، إن هذا البند "كان يهدف إلى منع الرشوة للتأثير على الحكومة". ويقول البروفيسور أندرو موران، خبير القانون الدستوري بجامعة لندن متروبوليتان: "هذا بالتأكيد تجاوز للدستور، ولم نرَ هدية بهذا الحجم أو بهذه الطبيعة". وكان هناك عدد من القوانين الأخرى التي أقرها الكونغرس، تتعلق بقبول الهدايا الأجنبية، مثل قانون الهدايا والأوسمة الأجنبية لعام 1966، والذي يقضي بأن موافقة الكونغرس مطلوبة لقبول الهدايا الأجنبية، التي تتجاوز قيمة معينة. حالياً، يمكن للمسؤولين الأمريكيين قبول الهدايا التي تقل قيمتها عن 480 دولاراً. ورغم أن ترامب أشار إلى أن الطائرة ستذهب في النهاية إلى "مكتبته"، إلا أن خبراء أشاروا إلى أنه يعني في الواقع متحف مؤسسته. عادةً ما يمتلك الرؤساء السابقون مكتبةً تضم أرشيف وثائقهم، ومتحفاً - يُموَّل عادة من تبرعات خاصة - مليئاً بالتذكارات ومفتوحاً للجمهور. وأكد خبراء تحدثتْ إليهم وحدة تقصي الحقائق في بي بي سي أن إمكانية منح الطائرة للإدارة - وليس للرئيس مباشرةً - قبل نقلها إلى متحفه، قد لا تعني تجنب الانتهاك المحتمَل للدستور. وقال جوردان ليبوفيتز - من منظمة "مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن" - إن أي استخدام للطائرة من قِبل ترامب بعد مغادرة منصبه يُعد تجاوزاً للحدود: "انتهى المطاف بالطائرة الرئاسية الخاصة بـ ريغان في مكتبته الرئاسية، ولكن هناك فرق هنا. فقد أُخرجت الطائرة من الخدمة، ولم يسافر ريغان على متنها مرة أخرى، وهي الآن موجودة داخل المكتبة كقطعة متحفية". وأفادت تقارير بأن وزارة العدل الأمريكية أعدّت مذكرةً، تشرح فيها أسباب اعتقادها بأن قبول الطائرة سيكون مسموحاً به، على الرغم من أن هذا لم يُعلن عنه. وعندما سُئلت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، عن قانونية الصفقة، قالت: "لا تزال التفاصيل القانونية قيد الدراسة، ولكن بالطبع، أي تبرع لهذه الحكومة يتم دائماً في ظل الامتثال الكامل للقانون". ما الذي تفعله عائلة ترامب في الشرق الأوسط؟ يقوم الرئيس ترامب برحلة، مدتها أربعة أيام، إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، على أمل حشد الاستثمارات للولايات المتحدة. تأتي زيارته في أعقاب سلسلة من الصفقات التجارية التي أعلنت عنها منظمة ترامب، التي يديرها ابنا الرئيس، إريك ودونالد الابن. تشمل هذه الصفقات خططاً لبناء ملاعب غولف ومنازل فاخرة، في قطر والإمارات العربية المتحدة. لا ينتمي الرئيس ترامب حالياً إلى منظمة ترامب، حيث سلَّم مسؤوليات الإدارة إلى أبنائه بعد عودته إلى البيت الأبيض، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. أعلنت منظمة ترامب، في بداية مايو/أيار، عن صفقة لتطوير ملعب غولف فاخر من 18 حفرة، يحمل علامة ترامب التجارية، ومجموعة من المنازل الفاخرة شمال العاصمة القطرية، الدوحة. في ذلك الوقت، صرّح إيريك ترامب قائلاً: "نحن فخورون للغاية بتوسيع علامة ترامب التجارية إلى قطر، من خلال هذا التعاون الاستثنائي مع شركة الديار القطرية ودار العالمية". يذكر أن "دار العالمية" هي شركة إنشاءات سعودية مملوكة للقطاع العام، أما الديار القطرية فهي شركة مملوكة للدولة القطرية. على صعيد منفصل، أعلنت منظمة ترامب في 30 أبريل/نيسان أنها ستبني "أول فندق وبرج ترامب الدولي في المنطقة" في "قلب دبي"، ويتألف من 80 طابقاً يوفر "حياة فاخرة وضيافة عالمية المستوى". كما زار إيريك ترامب دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً، حيث ألقى كلمة في مؤتمر "توكن 2049" للعملات المشفرة، في 1 مايو/أيار. وعندما سُئلت عما إذا كان من المرجح أن يلتقي ترامب بأي شخص منخرط في الأعمال التجارية لعائلته خلال زيارته، قالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، إنه من "السخافة" التلميح إلى أن الرئيس يفعل أي شيء لمصلحته الشخصية.


موقع كتابات
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
حروب الطائفية الرقمية: سلاح إيران وحلفائها في المنطقة
في زمن لم تعد فيه الحروب تُخاض بالسلاح فقط، كشفت شبكة(BBC) وجهاً آخراً لصراع النفوذ في الشرق الأوسط، يتمثل في شبكات من الحسابات الخارجية على منصة 'إكس'. هذه الشبكات لم تكتف بتأجيج الخطاب الطائفي، بل تنشر معلومات مضللة وممنهجة حول الأوضاع في سوريا والمنطقة، في واحدة من أضخمعمليات التضليل الرقمي التي تشهدها الساحة الإعلامية. وفقاً لتحقيق استقصائي أجرته الشبكة مؤخراً، تبين وجود منظومة حسابات وهمية تنشر بشكل منسق وسريع رسائل طائفية، وتزايدوسوم (هاشتاغات) مشحونة بالكراهية والانقسام، مستهدفة جمهوراً عربيا واسعا. هذه الحسابات – التي تُدار من أربع دول تُعرف بعلاقاتها العسكرية والسياسية المتشابكة – تسعى لتشكيل وعي زائف، يدفع نحو الاستقطاب الطائفي، ويغذي الصراع بين مكونات الشعوب. تشير طبيعة الرسائل و إلى أن هذه الحملات ليست عشوائية، بل تقف خلفها أجهزة منظمة، سواء أمنية أو أذرع إعلامية مرتبطة بجهات سياسية. في إيران، تُعرف 'وحدات السايبر' بقدرتها على صناعة محتوى تعبوي موجه، بينما في العراق ولبنان واليمن، تُستخدم فصائلمسلحة وقوى سياسية ومدومنون كواجهات إعلامية إلكترونية لبث محتوى طائفي وموجه. فبعد سلسلة من الهزائم التي منيت بها طهران في ملفات النفوذ الإقليمي، يبدو أنها لم تتخلّ عن أدوات الهيمنة، بل غيرت شكلها. فقد كانت أذرع إيران، من ميليشيات طائفية وفصائل مسلحة، تمارس القتل والتهجير للسيطرة على السلطة بقوة السلاح خدمة للمشروع الإيراني وتوسيع نفوذها، أما اليوم، فقد انتقل الصراع إلى الفضاء الرقمي. إن ما كشفه التحقيق ليس إلا صورة جديدة من صور المشروع الإيراني الذي يهدف إلى تدمير المجتمعات العربية من الداخل، عبر التحريض الطائفي وإثارة الفتن، كما يجري داخل سوريا والعراق ولبنان واليمن التي تحاول هذه الدول جاهدة لملمة جراحها المثخنة. فبعد أن فشلوا في حسم المعارك على الأرض، لجأوا إلى الجيوش الإلكترونية لبث الكراهية وتحويل الشعوب إلى أعداء لبعضها البعض. والملاحظ أن هذه الشبكات تعتمد على إعادة تدوير خطاب الكراهية وشيطنة الآخر، وتروّج لروايات كاذبة عن المجريات في سوريا، وتصور الصراع وكأنه ديني أو مذهبي، بينما تتجاهل الحقائق السياسية والإنسانية. الهدف من ذلك واضح، هو تفتيت أي محاولة لإعادة بناء الدولة وترميم الوحدة الوطنية التي عملت إيران وأذرعها على تمزيقها لسنوات، وذلك عبر الجيوش الإلكترونية التي تبث الشك وتعمّق الانقسام داخل مكونات الدولة الواحدة. ما يجري اليوم هو امتداد لحرب بدأت بالرصاص والقتل والتهجير، لتنتقل إلى الفضاء الرقمي، حيث تُستخدم 'الطائفيةالإلكترونية' كسلاح فتاك لتفجير العنف داخل المجتمعات، وتحويل الانقسام إلى نمط دائم من الحياة السياسية والاجتماعية. لكن الغريب ورغم خطورة ما كشفته BBC، إلا أنه لم يصدر عن منصة X أي توضيح حتى الآن، الأمر الذي يثير تساؤلات حول التزامها بمحاربة خطاب الكراهية، خاصة بعد تراجع ضوابط الإشراف على المحتوى في عهد إدارتها الجديدة. فهل تغضّ المنصة الطرف عن هذه الحسابات لأسباب تجارية أم لها في ذلك حسابات ما ؟، لعلّ الزمن كفيل بتوضيح ذلك. إن الردع الحقيقي لإيران ووكلائها يبدأ أولاً بفضح ممارساتهم وكشف أدواتهم في الداخل والخارج، إعلامياً وقانونياً. يجب أن تتحرك الدول المتضررة، والمنظمات الحقوقية، والمجتمعات المدنية، للضغط على منصات التواصل الكبرى لحظر هذه الحسابات ومحاسبة من يقف خلفها. كما أن بناء وعي رقمي لدى الجمهور، وتعزيز الإعلام المهني الذي يواجه الكذب بالحقيقة، يُعد أحد أقوى أسلحة المواجهة. والأهم: ألا نسمح لتلك الحملات القذرة بأن تحقق هدفها في زرع الحقد بيننا، بل نُفشل مشروعهم بالتماسك والحوار والانحياز لوطننا لا لطائفتنا. لا شك أن الطائفية الرقمية باتت أحد أخطر أدوات زعزعة الاستقرار في المنطقة، ومع دخول الذكاء الاصطناعي على خط المعركة، أصبح من السهل تزييف الوعي الجماهيري بطرق متقنة.