
خاص لـ"هي": الفنانة السعودية إلهام الحتان الدوسري... حين يصبح الفن مرآة للهوية وذاكرة للمجتمع
في عوالم تتقاطع فيها المسافات والثقافات، تولد الحكايات العميقة ومن هذا المنطلق تشكّلت تجربة الفنانة والكاتبة والمنتجة الثقافية إلهام الحتان الدوسري، التي عاشت بين الولايات المتحدة والرياض، حاملةً في ذاكرتها ازدواجية المكان وتعدّد النظرات. منذ طفولتها، تساءلت عن جدوى الصمت وحدود البوح، لتصبح مع الوقت إحدى أبرز الأصوات الفنية السعودية المعاصرة، التي تنسج أعمالها بين التراث المادي والذاكرة الجمعية والبحث الأنثروبولوجي.
في هذا التداخل، تفتتح الدوسري حديثها مع "هي"، موضحاً أن ذلك لم يكن عبئاً بل بوصلتها، تقول: "عشت بين ما هو معلن وما هو مضمر، بين خطاب غربي يفيض بالمحتوى، ومجتمع سعودي غني بالتجارب المخبأة. هذا التوتر أصبح محركاً لرغبتي في بناء لغة فنية لا تتوسل القبول، بل تحترم تعقيدات التحفظ المحلي وتحلل ما يصعب البوح به."
تقول إلهام: "وجدت في الفن مساحة أبحث فيها عن ذاتي، وأرتب علاقتي مع العالم بوعي مختلف" من تصوير حسن العسيري
بالرغم من خلفيتها المهنية في التحليل المالي والتسويق وجدت إلهام الدوسري، في الفن مجالاً لتفكيك الأسئلة الكبرى حول الهوية والمكان. عبر مشاريعها الفنية التي عُرضت في متاحف ومعارض محلية ودولية مثل المتحف الوطني السعودي ومؤسسة الشارقة للفنون ومعهد مسك.
وفي خضم هذا التوازن بين العيش والعمل، تقاطعت المسارات في رحلتها الفريدة توضح إلهام لـ"هي": "تعلمت من التحليل المالي قراءة السلوكيات، لكن ظلت داخلي أسئلة لا تشبعها الأدوات التقليدية. وجدت في الفن مساحة أبحث فيها عن ذاتي، وأرتب علاقتي مع العالم بوعي مختلف."
استطاعت إعادة تخيّل ما غاب عن الرواية الرسمية، والتقاط تفاصيل الحياة اليومية التي لم تُوثق بعد، خصوصاً في ذاكرة النساء السعوديات. من أعمالها البارزة "نفاه"، و"الصبّابات"، و"أسطورة قرية الفاو"، وصولاً إلى مشروعها الأرشيفي الكبير "ستوديو ابن حتّان" الذي يوثّق التاريخ البصري لعائلتها وذاكرة المكان منذ الستينيات.
منحوتة "نْفاه" من تصوير محمد اسكندراني
أما لحظة التحول الكبرى، فلم تكن كما يُروى عادةً عن فنانين آخرين. تبتسم إلهام وتقول لـ"هي": "لا أدّعي أنني وصلت لتلك اللحظة القاطعة التي أصبح فيها الفن وسيلة تواصلي الوحيدة، لكنه كان دائماً وسيلتي لفهم ذاتي أولاً. منذ أن رسمت عائلتي لأول مرة وأنا طفلة، وحتى أعمالي الحديثة مثل 'نفاه'، أشعر أن الفن يفتح مسارات للحوار العميق مع الذاكرة الجمعية، لا يعبر عني فقط، بل ينطق بما ظلّ صامتاً في وعينا الجماعي."
من هذا الإيمان بأهمية الحوارات الصادقة، أنشأت الدوسري منصة "ثلوثين" التي باتت مساحة للكتابة الجماعية والحوار النقدي. تروي إلهام لـ"هي" عن هذه التجربة: "كنت أبحث عن فضاء يسبق فيه السؤال العرض، وتُبنى فيه اللقاءات على الرغبة بالفهم لا الاستعراض. حين غابت هذه المساحات عن المؤسسات والمنصات الرسمية، شعرت أن خلقها من قلب المجتمع بات ضرورة."
توضح الدوسري:"لطالما شدّتني الصبّابات كحالة فريدة من التعبير الشعبوي والنسائي الحي"
وفي سياق التوثيق، تخبرنا إلهام عن بدايات مشروعها في أرشفة ظاهرة "الصبّابات"، تلك الممارسة النسائية الشعبية التي ظلت لعقود بعيدة عن الأضواء. تصف لـ"هي" هذه التجربة قائلة: "بدأت بدافع فضول شخصي تجاه هذه الظاهرة الاجتماعية الاقتصادية المعاصرة وتاريخها العميق والغامض بالنسبة لي، وامتداد لمحاولة فهم كيف كانت تتحرك المرأة داخل وخارج الأطر التقليدية، في الشارع، وفي المجالس، وفي تفاصيل اليومي.
وتكمل الحديث:"لطالما شدّتني الصبّابات كحالة فريدة من التعبير الشعبوي والنسائي الحي، وشحيحة الذكر في المصادر والمحتوى بشكل عام. بدأت بالبحث، باللقاء، بالاستماع، والتوثيق من داخل التجربة، لا من خارجها. ومع الوقت، تحوّل التوثيق إلى ورقة بحثية مدعمة بصور أخذتها لهن. مشاركة العمل فتح باباً لحوار أوسع، ولامس رغبة مجتمعية في فهم وتقدير وحفظ ممارستهن إلى جانب ممارسات أخرى متنوعة، مما حفّز غيري في بحثهم في الذاكرة الشعبية للمرأة السعودية والبناء على جهود سبقتنا و ملء فجوات الذاكرة."
منحوتة "نْفاه" من تصوير محمد اسكندراني
وعن تعدد الوسائط التي تستخدمها في أعمالها، من النحت إلى التصوير والكتابة، ترى إلهام أن هذه التعددية ضرورة لا ترفاً، وتقول لـ"هي": أتعامل مع الوسائط كأدوات تفكير وتنفيذ، لا كهويات ثابتة. أرى أن كل وسيلة تحمل قدرتها الخاصة على الكشف، ولا يمكن اختزال التجربة الإنسانية في واحدة منها فقط."
وتكمل الحديث موضحاً: "قد تُغني وسيلة عن أخرى في التعبير وقد تدعمها. في النحت استطعت التعبير بما لا يمكنني البوح به بالتصوير ولا تشبعه الكتابة. أرى أن طبيعة تناولي لموضوع ما تدفعني إلى تجربة وسائل فنية معينة ومختلفة، ومهما قاومت، لا يستقيم العمل حتى أتجاوز تخوفي من خوضها، لتساعدني على تهذيب ذاتي في ما لم أفهمه أو أدركه بعد في موضوع انشغالي."
وتختتم حديثها عن التعددية قائلة:" والتعدد لا يعني التشتت بالضرورة، بل هو وسيلة للإحاطة بالتعقيد. خاصة حين أعمل مع مواد مثل الأرشيف، الغني والهش، المتعدد طبقات الذاكرة، المتنوع بين الشخصي والجمعي، غامض النتيجة - أجد أنه يدفعني لوسائط جديدة ومربكة لي مثل ترميم ورقمنة الأرشيف وإلى الإخراج والإنتاج."
توضح الدوسري أن التعدية في الفن لا تعني التشتت بالضرورة، بل هو وسيلة للإحاطة بالتعقيد
وحين نطلب منها أن تختار شعوراً واحداً تُخلّده للأجيال القادمة، تجيب بإحساس عميق: "الدهشة الأولى… تلك اللحظة التي نشعر فيها أن العالم أوسع من أن يُفهم، ومع ذلك نستمر في المحاولة. إنها أصدق مقاومة ضد التبلّد والاعتياد."
اختتمت "هي" الحديث بسؤالها عن السؤال الذي لم يُطرح عليها من قبل وتود أن تجاوب عنه، قائلة: "ربما السؤال الأهم هو ما الذي قررتُ ألا أُظهره بعد... ولماذا؟ لكنه سؤال أفضّل ألا يُطرح، لأن الصمت أيضاً فعلٌ فني، ولبعض الأشياء وقتها المناسب لتُقال."
الصورة الرئيسية للمقالة من تصوير عبدالله الشهري

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرجل
منذ 26 دقائق
- الرجل
سانت ليفانت يخطف الأنظار بالدشداشة في مهرجان كان 2025 (فيديو)
رصدت عدسة مجلة الرجل، لحظة لافتة على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي الدولي بدورته الـ78، حيث تألق الفنان الفلسطيني-الفرنسي سانت ليفانت بإطلالة مميزة، حيث أرتدى دشداشة أنيقة، عكست اعتزازًا واضحًا بهويته الثقافية، وهي الإطلالة الجريئة التي كسرت القوالب النمطية المعتادة في المهرجانات العالمية، وقدّمت نموذجًا للأناقة الشرقية في أرفع محافل السينما الدولية. رسالة فنية تتجاوز الأزياء لم تكن الإطلالة مجرد اختيار للملابس، بل بدت كتصريح ثقافي مقصود، يعكس تمسك سانت ليفانت بجذوره وانتمائه، وبحسب المتابعين، فقد أراد الفنان أن يحمل عبر ملابسه صوته ورسائله إلى العالم، مؤكدًا أن الأناقة لا تنفصل عن الهوية، وأن الحضور العربي في المحافل الكبرى يمكن أن يكون عصريًا دون أن يتخلى عن أصالته. نال ظهور سانت ليفانت إعجاب الجمهور وعدسات المصورين، ولاقى صدى واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأى البعض أن هذه الخطوة تُعيد تعريف مفهوم "النجومية الشرقية" في السياق الغربي، فهو لم يتبنَ فقط زيه التراثي، بل حمّله رمزية كفنان يحاول مدّ جسور بين الثقافات من خلال الفن والمظهر.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
يسرا وباسم سمرة يبدآن تصوير «بنات فاتن» استعداداً لعرضه بالسينمات
انطلق تصوير أحدث الأعمال السينمائية «بنات فاتن» الذي يضم يسرا وباسم سمرة وهدي المفتي وغيرهم من النجوم، من إخراج محمد ناير. وانتهى صناع الفيلم من تصوير الأسبوع الأول داخل أحد المناطق الشعبية بالقاهرة. كما يقوم الصناع بالتصوير في العديد من اللوكيشنات المختلفة هذه الفترة لاستكمال باقي أحداث العمل والمشاهد التي تجمع أبطال الفيلم، استعدادًا لطرحه في السينمات الفترة المقبلة. يضم فيلم بنات فاتن، كلاً من النجمة يسرا، والفنانة هدي المفتي، والفنان باسم سمرة، والفنان السوداني مصطفي شحاتة، والفنانة السودانية إسلام مبارك، والفنان حمدي هيكل، وغيرهم من النجوم الشباب. كما يظهر النجم الشاب حسن مالك ضيفَ شرف ضمن الأحداث، والعمل من تأليف أمينة مصطفي ومدير التصوير بيشوي روزفلت، وإخراج محمد نادر، ومن المقرر تحديد ميعاد عرضه بالسينمات خلال الفترة المقبلة بعد الانتهاء من تصوير جميع أحداث العمل. أخبار ذات صلة وعلى جانب آخر، تعاقدت يسرا أخيرًا على تصوير فيلم «الست لما»، الذي يضم كلاً من انتصار، درة، ياسمين رئيس، دنيا سامي، رانيا منصور، محمود البزاوي وآخرين، ومن تأليف كيرو أيمن ومحمد بدوي وإخراج خالد أبو غريب وإنتاج ندى ورنا السبكي. وغابت يسرا عن المشاركة في الموسم الرمضاني الماضي لعام 2025، وكان آخر أعمالها مسلسل «100 حمدالله ع السلامة»، الذي عرض في رمضان 2023، من تأليف محمد ذوالفقار وإخراج عمرو صلاح، وشارك في العمل كل من شيماء سيف، محمد ثروت، مايان السيد، أدم الشرقاوي، سماء إبراهيم وآخرين.


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
ليلى علوي لـ«عكاظ»: ابتعدت عن الدراما لهذا السبب.. وأخوض تجربة سينمائية جديدة
أكد الفنانة المصرية القديرة ليلى علوي، أنها تخوض تجربة سينمائية جديدة خلال الفترة المقبلة دون كشف التفاصيل الأخرى، بجانب حديثها عن سبب ابتعادها عن المشاركة في الأعمال الدرامية. وقالت ليلى علوي في تصريح خاص لـ«عكاظ»، إنها تعاقدت على فيلم سينمائي جديد سيكون مفاجأة للجمهور تجسد من خلال دور جديد لم تقدمه من قبل في مشوارها الفني، متمنية أن ينال العمل إعجاب الجمهور. وأضافت ليلى علوي أن سبب ابتعادها عن الأعمال الدرامية يرجع لعدم وجود نص سيناريو يشجعها كفنانة للعودة إلى الدراما مجددًا، لافتة أن كل ما عرض عليها كان غير مناسب لمشوارها الفني. أخبار ذات صلة ليلى علوي غابت عن موسم رمضان الماضي لعام 2025، مع اهتمامها في الفترة الماضية بتقديم أفلام سينمائية، إذ يعد فيلم «المستريحة»، آخر أعمالها السينمائية التي عرضت أخيرًا، ويضم العمل كلاً من بيومي فؤاد، محمد رضوان، محمد محمود، محمود الليثي، عمرو وهبة، مصطفى غريب، نور قدري، وعبد الرحمن ظاظا، ومن تأليف محمد عبدالقوي، أحمد أنور، أسامة حسام الدين، وأحمد سعد والي، ومن إخراج عمرو صلاح. وفي الدراما، يعد مسلسل «دنيا تانية»، آخر أعمال ليلى علوي، الذي عرض في موسم دراما رمضان لعام 2022، وحصد العمل إشادات واسعة من الجمهور حينها، وضم المسلسل كلاً من مي سليم، مجدي كامل، أشرف زكي، وفاء صادق، فراس السعيد، سيناريو وحوار حمدي التايه، عمرو مؤمن، إبراهيم الصباغ، إشراف على الكتابة أمين جمال، إخراج أحمد عبد العال.