
سالم الطويل.. عندما تعمى البصيرة
بين فينةٍ وأخرى تُطالعنا شبكات التواصل الاجتماعي بتُرّهات وخُزعبلاتٍ عديدة يسوقها وينعقُ بها أشخاصٌ وهبهم الله العقل، ولكن حرمهم نعمة إحسان استخدامه، ووهبهم الأعيُن فما أبصروا بها إلا ما وافق هواهم، ووهبهم الآذان فما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم فيها كي لا يسمعوا صوت الحق، فما عاد يفصل بينهم وبين الأنعام فاصل، بل هم أضلّ.
مؤخرًا -وليست هي المرة الأولى- يعلو صوت من يُدعى سالم الطويل، متطاولًا بقبيح القول وبذيئه، وهو الذي يُنصِّب نفسه ويصنِّف شخصه على أنه من "العلماء الدعاة"، حسب زعمه، ولكن الواقع أن العلم ما وَجَد إليه سبيلًا، وبينه وبين الدعوة بون شاسع؛ فالدعوة إلى الله مقرونة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن كيف للسانٍ نتنٍ وفكرٍ ضحلٍ ضّال أن يحوز من الحكمة شيئًا يؤهله ليكون صاحب موعظةٍ حسنة.
إنَّ عقدة النقص التي تكمن في نفس هذا المدعو سالم -وليته كان له من اسمه نصيب- يحاول أن يفكّ رباطها بأن يزجّ بعُمان ورموزها في بذيء قوله، وكأنه يحسب بأن ذلك هو السبيل الذي يبلغ به مبالغ أهل العلم، ويسمو به لمرتبتهم، وكأن المكانة تُبنى بانتهاك حُرمات الآخرين، بسبابهم وشتمهم وطردهم من رحمة الله، والتشكيك في عقيدتهم وإسلامهم؛ بل وتكفيرهم، وكأنه اطّلع الغيب فعرف المؤمن الحق، كما عرف نقيضه، وما قول سالم إلّا هذيان الخرِف، وما أشدّ خرفًا منه إلّا من صدَّقه واتّبع هواه، فأصبح كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
سالم الطويل بلوثاته وخزعبلاته وتُرّهاته ليس أكثر من تلوّث صوتي مقيت، لا تتقبله أذن عاقل، ولا تصغي له أذن حكيم، ولا تتوق لسماعه أذن رشيد، فمن سار بين الناس يبث بذور الفتنة والشقاق، ويدعو لتكفير الآخر، ويتهمه بما ليس فيه بنعيقٍ وزعيق غير مبنيٍّ على حقائق مدروسة، فما هو إلّا مرآة للجهل؛ بل هو الجهل بعينه، ولو أنه -برغم الحقد الذي تكنّه نفسه لعُمان ورموزها- أعمل عقله قليلًا لتفنيد الحقائق، وأسهب في دراسة الواقع والبحث في المذهب الإباضي الذي يبدو من طرحه المُتكرِّر إنه يكنّ له ولأهله وعلمائه عداءً غير مبرر، وأمعن فيه وتاريخه وفكره كما أسهب في الشتم والسب والقذف لربما تبيّن له الخيط الأبيض من الأسود، ليس فيما يتعلق بعُمان والمذهب الإباضي فحسب؛ بل حتى فيما يتعلق بقضايا الأمة الإسلامية، ولعل أبرزها قضية غزة، ودفاع فصائل المقاومة فيها وعلى رأسها حماس عن أرضها وعرضها وشرف أهلها، في زمنٍ تخلّى فيه عنهم القريب قبل البعيد إلّا من رحم ربي.
ليته قال من القول ما يكون شاهدًا له لا عليه، لعلّه يُثقّل به ميزانه، لكنه استخدام فكرًا بائدًا ينتقصُ فيه من جهاد أصحاب الأرض والحق، يُثبّط العزائم ليحوّل المسار لما يوافق هواه المُستمد من هوى بني صهيون، ولو أنه كان أحد المتجرِّعين لسموم الاحتلال والمنكوين بناره، لربما كان له من القول غير ذلك، ولكن الجرح ليس في جسده، والألم لا يشعر به إلّا من كابده، لذا دأب على الانتقاص من المقاومة ونعتها بما يراه الغازي المحتل، وما يسعى إليه في سبيل توسيع دائرة احتلاله وشرعنتها، وهو بذلك إضافة إلى كونه بوقًا يُنفَخ بما تريده آلة الاحتلال؛ فهو أداة من أدواته المُسخّرة للنخر في جسد هذه الأمة لتحقيق أجندات معيّنة تسعى لإخماد كل صوت يدعو للحق، والانتقاص من كل فكرٍ يرنو لإثباته، في الوقت الذي تعيش فيه أمتنا في أدنى درجات عزّتها، وتزداد فيه حاجتها إلى ما يوحّد صفّها، ويلمّ شملها، ويُعلي من شأنها، ويوقد عزائمها في سبيل استعادة كرامتها، والحفاظ على مقدراتها ومقدّساتها التي بات العدو الغاصب يعيثُ فيها فسادًا لا يردعه رادع، ولا يقوى على منعه مانع، والله غالبٌ على أمره.
وعلى الرغم من كل الحقائق الماثلة للعيان؛ سواءً ما يتعلق بعُمان ومذاهبها، أو بالمقاومة وجهادها ضد المحتل، سيظل سالم غارقًا في نقصه ما دام بصره لا يتجاوز حدود موطئ قدمه، لا يتقبّل إلا رأيه ولا يتّكئُ إلا على فكره، ولا يسعى إلى أن يزيح الغشاوة من على عينيه، ولكن قبل إزالتها من عينيه فعليه أن يُنظِّف قلبه، ويفتح أبواب عقله، وإلا فما فائدة البصر إن كانت البصيرة عمياء!!
إنَّ ما تلفّظ به بوق الفتنة سالم الطويل بلسانه، القصير بفكره، ليس بالأمر الجديد الذي يطال سلطنة عُمان ورموزها، فقد سبقه كثيرون من أبواق الفتنة والدمار الذين تُزعجهم عُمان بمواقفها المختلفة، سواءً كانت على الصعيد السياسيّ بمواقفها الواضحة والثابتة مع نصرة الحق والدعوة إليه، وما تمثّل في الشأن الفلسطيني مؤخرًا وخصوصًا ما يرتبط بحرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الغاشم على قطاع غزّة وتنكيلها بأهلها وتعذيبهم وتجويعهم وغيرها من المُمارسات الوحشية التي لا تتوافق مع أي منهجٍ أو عرف أو قانون، وكذلك الحال في الموقف العُماني مع القضية اليمنية أو الإيرانيّة الذي ولّد الكثير من الغوغاء والاتهامات والتخوين لسلطنة عُمان وقيادتها وأهلها، أو من خلال مواقفها مع القضايا الإسلامية المختلفة التي يفترض أن تشغل بال كل مسلم غيور على إسلامه، ومحاولة الزج بكل ما من شأنه أن يفرّق وحدة الصف العُماني، أو يشتت نسيجها الاجتماعي، وهم جاهلون في الحقيقة بأن عُمان لم تركن لمذهب في يومٍ من الأيام على حساب وحدتها، ولن تركن على مذهب، لأن عمادها الإسلام، وفكرها كتاب الله، لا تُفرّق أهلها مذاهب، ولا يُشتِّت جمعهم مشايخ، ولا يدينون إلا للهِ.
إنَّ اتحاد العُمانيين وثباتهم في الموقف هو ما يقضُّ مضجع الحاقدين، هو ما يغيظهم ويُشعل في دواخلهم نيران الحقد والضغينة، ويدفعهم لتكرار حملاتهم المسمومة ضد هذه البلاد وأهلها، لأن مع كل حملة شعواء يشنّها الحاقدون على سلطنة عُمان ينبري لها أبناء عُمان جميعهم، سنة وشيعة وإباضية، ينبرون لها لا مذهبيين؛ بل وطنيين؛ لأن ما يجمعنا على هذه الأرض أكبر من مذاهب وضعها البشر، يجمعنا حب الأرض، حب الوطن، حب عُمان، لأن الأرض هي ما تبقى، أما البشر أيًّا كانت مذاهبهم فهم راحلون.
ورسالة أخيرة نقولها لسالم ومن ماثله، إننا تربَّينا في عُمان على أننا عُمانيون مسلمون، لم ننشأ على أرضها لنكون مذهبيين، رضعنا حُب عُمان من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبًا، تفيّأنا ظلالها، وارتوينا بمائها ولو كان ملحًا أُجاجًا، وأنِست أرواحنا بطيب هوائها، نفترشُ ترابها حريرًا ولو كان في لهيب صيفٍ قائظ، ما زعزع مكانتها في قلوبنا خطبٌ، ولا انتقص من قدرها في نفوسنا أحداثٌ ونوازل، هي الملاذُ والأمان، وعلى ما تربّينا عليه سنمضي لا يفرقنا قولك، ولا نكترثُ بك وأمثالك، والردُ عليك ليس لوضعك في مكانةٍ أكبر من حجمك، أو إنزالك منزلة تفوق قدرك، ولكن لتعلم وأمثالك أن عُمان ثابتة على النهج، وأن شعبها ماضون في سلمهم الاجتماعي، أجسادًا مختلفة تسكنها روح عُمان، مُتآخين مُتعاضدين مُتكاتفين لأجل أرض طيّبة لا تنبتُ إلا طيِّبًا، ولتعلم بأن القافلة ستمضي وإن نبحت الكلاب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 2 أيام
- جريدة الرؤية
سالم الطويل.. عندما تعمى البصيرة
أحمد بن عيسى الشكيلي بين فينةٍ وأخرى تُطالعنا شبكات التواصل الاجتماعي بتُرّهات وخُزعبلاتٍ عديدة يسوقها وينعقُ بها أشخاصٌ وهبهم الله العقل، ولكن حرمهم نعمة إحسان استخدامه، ووهبهم الأعيُن فما أبصروا بها إلا ما وافق هواهم، ووهبهم الآذان فما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم فيها كي لا يسمعوا صوت الحق، فما عاد يفصل بينهم وبين الأنعام فاصل، بل هم أضلّ. مؤخرًا -وليست هي المرة الأولى- يعلو صوت من يُدعى سالم الطويل، متطاولًا بقبيح القول وبذيئه، وهو الذي يُنصِّب نفسه ويصنِّف شخصه على أنه من "العلماء الدعاة"، حسب زعمه، ولكن الواقع أن العلم ما وَجَد إليه سبيلًا، وبينه وبين الدعوة بون شاسع؛ فالدعوة إلى الله مقرونة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن كيف للسانٍ نتنٍ وفكرٍ ضحلٍ ضّال أن يحوز من الحكمة شيئًا يؤهله ليكون صاحب موعظةٍ حسنة. إنَّ عقدة النقص التي تكمن في نفس هذا المدعو سالم -وليته كان له من اسمه نصيب- يحاول أن يفكّ رباطها بأن يزجّ بعُمان ورموزها في بذيء قوله، وكأنه يحسب بأن ذلك هو السبيل الذي يبلغ به مبالغ أهل العلم، ويسمو به لمرتبتهم، وكأن المكانة تُبنى بانتهاك حُرمات الآخرين، بسبابهم وشتمهم وطردهم من رحمة الله، والتشكيك في عقيدتهم وإسلامهم؛ بل وتكفيرهم، وكأنه اطّلع الغيب فعرف المؤمن الحق، كما عرف نقيضه، وما قول سالم إلّا هذيان الخرِف، وما أشدّ خرفًا منه إلّا من صدَّقه واتّبع هواه، فأصبح كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. سالم الطويل بلوثاته وخزعبلاته وتُرّهاته ليس أكثر من تلوّث صوتي مقيت، لا تتقبله أذن عاقل، ولا تصغي له أذن حكيم، ولا تتوق لسماعه أذن رشيد، فمن سار بين الناس يبث بذور الفتنة والشقاق، ويدعو لتكفير الآخر، ويتهمه بما ليس فيه بنعيقٍ وزعيق غير مبنيٍّ على حقائق مدروسة، فما هو إلّا مرآة للجهل؛ بل هو الجهل بعينه، ولو أنه -برغم الحقد الذي تكنّه نفسه لعُمان ورموزها- أعمل عقله قليلًا لتفنيد الحقائق، وأسهب في دراسة الواقع والبحث في المذهب الإباضي الذي يبدو من طرحه المُتكرِّر إنه يكنّ له ولأهله وعلمائه عداءً غير مبرر، وأمعن فيه وتاريخه وفكره كما أسهب في الشتم والسب والقذف لربما تبيّن له الخيط الأبيض من الأسود، ليس فيما يتعلق بعُمان والمذهب الإباضي فحسب؛ بل حتى فيما يتعلق بقضايا الأمة الإسلامية، ولعل أبرزها قضية غزة، ودفاع فصائل المقاومة فيها وعلى رأسها حماس عن أرضها وعرضها وشرف أهلها، في زمنٍ تخلّى فيه عنهم القريب قبل البعيد إلّا من رحم ربي. ليته قال من القول ما يكون شاهدًا له لا عليه، لعلّه يُثقّل به ميزانه، لكنه استخدام فكرًا بائدًا ينتقصُ فيه من جهاد أصحاب الأرض والحق، يُثبّط العزائم ليحوّل المسار لما يوافق هواه المُستمد من هوى بني صهيون، ولو أنه كان أحد المتجرِّعين لسموم الاحتلال والمنكوين بناره، لربما كان له من القول غير ذلك، ولكن الجرح ليس في جسده، والألم لا يشعر به إلّا من كابده، لذا دأب على الانتقاص من المقاومة ونعتها بما يراه الغازي المحتل، وما يسعى إليه في سبيل توسيع دائرة احتلاله وشرعنتها، وهو بذلك إضافة إلى كونه بوقًا يُنفَخ بما تريده آلة الاحتلال؛ فهو أداة من أدواته المُسخّرة للنخر في جسد هذه الأمة لتحقيق أجندات معيّنة تسعى لإخماد كل صوت يدعو للحق، والانتقاص من كل فكرٍ يرنو لإثباته، في الوقت الذي تعيش فيه أمتنا في أدنى درجات عزّتها، وتزداد فيه حاجتها إلى ما يوحّد صفّها، ويلمّ شملها، ويُعلي من شأنها، ويوقد عزائمها في سبيل استعادة كرامتها، والحفاظ على مقدراتها ومقدّساتها التي بات العدو الغاصب يعيثُ فيها فسادًا لا يردعه رادع، ولا يقوى على منعه مانع، والله غالبٌ على أمره. وعلى الرغم من كل الحقائق الماثلة للعيان؛ سواءً ما يتعلق بعُمان ومذاهبها، أو بالمقاومة وجهادها ضد المحتل، سيظل سالم غارقًا في نقصه ما دام بصره لا يتجاوز حدود موطئ قدمه، لا يتقبّل إلا رأيه ولا يتّكئُ إلا على فكره، ولا يسعى إلى أن يزيح الغشاوة من على عينيه، ولكن قبل إزالتها من عينيه فعليه أن يُنظِّف قلبه، ويفتح أبواب عقله، وإلا فما فائدة البصر إن كانت البصيرة عمياء!! إنَّ ما تلفّظ به بوق الفتنة سالم الطويل بلسانه، القصير بفكره، ليس بالأمر الجديد الذي يطال سلطنة عُمان ورموزها، فقد سبقه كثيرون من أبواق الفتنة والدمار الذين تُزعجهم عُمان بمواقفها المختلفة، سواءً كانت على الصعيد السياسيّ بمواقفها الواضحة والثابتة مع نصرة الحق والدعوة إليه، وما تمثّل في الشأن الفلسطيني مؤخرًا وخصوصًا ما يرتبط بحرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الغاشم على قطاع غزّة وتنكيلها بأهلها وتعذيبهم وتجويعهم وغيرها من المُمارسات الوحشية التي لا تتوافق مع أي منهجٍ أو عرف أو قانون، وكذلك الحال في الموقف العُماني مع القضية اليمنية أو الإيرانيّة الذي ولّد الكثير من الغوغاء والاتهامات والتخوين لسلطنة عُمان وقيادتها وأهلها، أو من خلال مواقفها مع القضايا الإسلامية المختلفة التي يفترض أن تشغل بال كل مسلم غيور على إسلامه، ومحاولة الزج بكل ما من شأنه أن يفرّق وحدة الصف العُماني، أو يشتت نسيجها الاجتماعي، وهم جاهلون في الحقيقة بأن عُمان لم تركن لمذهب في يومٍ من الأيام على حساب وحدتها، ولن تركن على مذهب، لأن عمادها الإسلام، وفكرها كتاب الله، لا تُفرّق أهلها مذاهب، ولا يُشتِّت جمعهم مشايخ، ولا يدينون إلا للهِ. إنَّ اتحاد العُمانيين وثباتهم في الموقف هو ما يقضُّ مضجع الحاقدين، هو ما يغيظهم ويُشعل في دواخلهم نيران الحقد والضغينة، ويدفعهم لتكرار حملاتهم المسمومة ضد هذه البلاد وأهلها، لأن مع كل حملة شعواء يشنّها الحاقدون على سلطنة عُمان ينبري لها أبناء عُمان جميعهم، سنة وشيعة وإباضية، ينبرون لها لا مذهبيين؛ بل وطنيين؛ لأن ما يجمعنا على هذه الأرض أكبر من مذاهب وضعها البشر، يجمعنا حب الأرض، حب الوطن، حب عُمان، لأن الأرض هي ما تبقى، أما البشر أيًّا كانت مذاهبهم فهم راحلون. ورسالة أخيرة نقولها لسالم ومن ماثله، إننا تربَّينا في عُمان على أننا عُمانيون مسلمون، لم ننشأ على أرضها لنكون مذهبيين، رضعنا حُب عُمان من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبًا، تفيّأنا ظلالها، وارتوينا بمائها ولو كان ملحًا أُجاجًا، وأنِست أرواحنا بطيب هوائها، نفترشُ ترابها حريرًا ولو كان في لهيب صيفٍ قائظ، ما زعزع مكانتها في قلوبنا خطبٌ، ولا انتقص من قدرها في نفوسنا أحداثٌ ونوازل، هي الملاذُ والأمان، وعلى ما تربّينا عليه سنمضي لا يفرقنا قولك، ولا نكترثُ بك وأمثالك، والردُ عليك ليس لوضعك في مكانةٍ أكبر من حجمك، أو إنزالك منزلة تفوق قدرك، ولكن لتعلم وأمثالك أن عُمان ثابتة على النهج، وأن شعبها ماضون في سلمهم الاجتماعي، أجسادًا مختلفة تسكنها روح عُمان، مُتآخين مُتعاضدين مُتكاتفين لأجل أرض طيّبة لا تنبتُ إلا طيِّبًا، ولتعلم بأن القافلة ستمضي وإن نبحت الكلاب.


جريدة الرؤية
منذ 3 أيام
- جريدة الرؤية
أنس الشريف.. شاهد وشهيد
الاحتلال المُجرم يواصل اغتيال الصحفيين في غزة لإسكات صوت الحقيقة ◄ أنس الشريف كان لسان غزة وعينها.. وصوت الحقيقة وسلاحها ◄ صحفيو غزة تمسكوا بسلاح الحقيقة لهزيمة الرواية الإسرائيلية الكاذبة ◄ الاحتلال تعمد اغتيال الصحفيين قبل بدء جريمة جديدة باجتياح مدينة غزة ◄ إدانات دولية لجرائم الاحتلال ضد الصحفيين ◄ الشريف: أوصيكم بفلسطين درة تاج المُسلمين ◄ أنس في وصيته: لا تنسوا غزة وسامحوني إن قصرت الرؤية- عبدالله الشافعي في مقطع شهير وبعين باكية، قال طفل فلسطيني يُسارع الخطى لعله يحظى بأي شيء من المساعدات التي يتم إنزالها جوا على قطاع غزة: "ذلونا يا أنس الشريف"، لتلخص هذه العبارة علاقة أهل القطاع المُحاصر بأنس الشريف الذي اغتالته إسرائيل المجرمة وحكومة بنيامين نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية. لم يكن أنس الشريف الذي استشهد في ساعة متأخرة من مساء الأحد العاشر من أغسطس 2025 مجرد صحفي أو مراسل إخباري، بل كان عين غزة التي يرى العالم بها جرائم الاحتلال، ولسانها الذي تتحدث به لتحكي جانباً من المآسي التي يتغافل عنها العالم. كان أنس الشريف صوت غزة وسلاحها، ولذلك حرض عليه المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي منذ بداية العدوان، لأن الشريف هزمهم بعدسته وبصوته وعرىّ قادتهم أمام شعوب العالم الحر الذين انتفضوا في العواصم والمدن رفضا للعدوان ودعما لغزة. واستهدف القصف الإسرائيلي خيمة للصحفيين في مدينة غزة، ليستشهد ويصاب عدد كبير منهم، تزامنًا مع موافقة الكابينت الإسرائيلي على قرار السيطرة على قطاع، وسط إدانات دولية لهذا القرار. ويقول محللون إن إسرائيل اختارت هذا التوقيت لاغتيال أكبر عدد من الصحفيين، تمهيدا لاجتياح مدينة غزة، وذلك بعد ساعات قليلة من مؤتمر نتنياهو الذي ادّعى فيه أن مدينة غزة هي آخر معاقل المقاومة الفلسطينية. وكما اعتادت إسرائيل على الكذب المفضوح، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية خبر اغتيال أنس الشريف، مدعية أنه كان قائد كتيبة في حماس لكنه يتخفى في زي صحفي، وهي روايات تحاول إسرائيل ترويجها للتغطية على جرائمها ضد الفلسطينيين بمختلف طوائفهم وفئاتهم. في رسالته الأخيرة التي نُشرت على حسابه الرسمي بعد استشهاده، وكان كتبها في أبريل الماضي، أوصى الشريف بفلسطين "درة تاجِ المسلمين، ونبض قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم"، كما أوصى برعاية أمه وأولاده وزوجته التي حرم منهم لأكثر من 650 يومًا لتغطية الإبادة في شمال القطاع. وقال أنس في وصيته: "يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة "المجدل" لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ". وأضاف: "عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف".. وتابع قائلا: "أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم، أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران، أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة، وأُوصيكم بأهلي خيرًا، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم، وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة، أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي، وأدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء، وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.. أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل". واختتم وصيته: "إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.. اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.. سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.. لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول".


جريدة الرؤية
منذ 3 أيام
- جريدة الرؤية
أنس يُسلِّم الكلمة للأحرار.. "الوصية الأخيرة"
سعيد بن حميد الهطالي " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " (آل عمران: 169). في حياة الشعوب المقهورة ثمة لحظات تكتب التاريخ بدمها لا بحبرها، ولحظة أنس جمال الشريف كانت واحدة من تلك اللحظات الخالدة مراسل الجزيرة في قطاع غزة الذي حمل قضيته على كتفيه، وكتب وصيته الأخيرة قبل ساعات من استشهاده وكأنه كان يهيئ العالم لسماع صدى رحليه! لم تمر ساعات حتى استهدف الغدر الإسرائيلي الغاشم خيمة الصحفيين بجوار مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة ليسقط أنس شهيدًا إلى جوار زميله محمد قريقع، وآخرين -رحمهم الله- في جريمة مروعة من جرائم الطغاة هزت الضمير الإنساني المتبقي في بعض الأمة، وأثارت موجة تنديد عربية ودولية واسعة. كان أنس في الميدان لا يعرف للخوف طريقًا، يقف ثابتًا مرتديًا درعه الأزرق وخوذته التي لم تحمه من الموت؛ مُمسِكًا بميكروفونه كما يمسك المقاتل سلاحه، خلفه كانت تعصف أصوات القصف والصراخ، وأمامه عدسات العالم التي أراد أن يرى من خلالها الحقيقة كما هي بلا تزييف ولا خوف.. كل كلمة كان ينطقها كانت أشبه برصاصة أشد وقعًا من قنابل المجرمين.. في آخر أيامه جلس ليكتب وصيته وهو يعلم أن القصف يقترب، وأن الموت قد يطرق بابه في أي لحظة. لم يكن ينقل الأخبار كأي مراسل، كان ينقل وجع غزة النابض في دمائه، وكان صوته شاهدًا على أن الكلمة الحرة قد تكون أثقل من القنابل، وأقوى من جدران الحصار، وعندما أسكتته رصاصة الغدر بقي صوته يتردد في أزقة جباليا ليقول للعالم: " هنا شعب لا ينكسر، وهنا الحقيقة لا تموت". اللهم ارحم أنس الشريف وزملاءه الشهداء الأبطال، واجعل دماءهم الطاهرة شرفًا ونورًا لأمتهم، واغفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، واربط على قلوب أهليهم وأحبتهم، وألهمهم الصبر والسلوان، واجعل دماءهم الشريفة لعنة على الظالمين حتى تشرق شمس الحرية على فلسطين، وحسبنا الله ونعم الوكيل و" إنا لله وإنا إليه راجعون ".