
الإنفاق على العلم يتراجع في أمريكا ويتقدّم في الصين (مؤشرات وتداعيات)
مؤشرات تقليص الإنفاق الأمريكي على العلوم
الانخفاض النسبي في الميزانيات الفيدرالية: وفقاً لتقارير صادرة عن مؤسسات مثل الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (AAAS)، فإن حصة الإنفاق الفيدرالي على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) قد انخفضت بشكل تدريجي منذ بداية القرن 21. فبعد أن كانت الولايات المتحدة تخصص أكثر من 1.2% من ناتجها المحلي الإجمالي للبحث العلمي في الستينيات، تراجعت هذه النسبة إلى أقل من 0.7% في السنوات الأخيرة.
تخفيضات في وكالات علمية رئيسية: شهدت وكالات علمية بارزة مثل وكالة الفضاء ناسا (NASA) والمعاهد الوطنية للصحة (NIH) تخفيضات في ميزانياتها. فواجهت ناسا مثلاً تقليصاً في تمويل بعض برامجها الاستكشافية، بينما تراجعت ميزانية المعاهد الوطنية للصحة لعدة سنوات مما أثر على قدرتها على دعم الأبحاث الطبية الحيوية.
الخصخصة: في حين تراجع الإنفاق الحكومي، زادت الشركات الخاصة من استثماراتها في البحث والتطوير. ومع ذلك، فإن تركيز القطاع الخاص غالباً ما يكون على الأبحاث التطبيقية ذات العوائد الاقتصادية السريعة، مما يهمل غالباً الأبحاث الأساسية التي تعتبر عماداً للتقدم العلمي طويل الأمد.
تداعيات تقليص الإنفاق الأمريكي على العلم
تراجع الريادة العلمية: كانت الولايات المتحدة تاريخياً الرائدة عالمياً في العديد من المجالات العلمية، من الفضاء إلى الطب الحيوي، الأمر الذي يتغير في السنوات الأخيرة بشكل سريع لصالح تقدّم منافسين عالميين على رأسهم الصين.
تأثير على الابتكار: البحث العلمي هو المحرك الرئيسي للابتكار، الذي بدوره يقود النمو الاقتصادي. وتقليص الإنفاق على العلوم يؤدي إلى تباطؤ وتيرة الابتكار، والإضرار بالقدرة التنافسية للشركات الأمريكية في الأسواق العالمية.
هجرة العقول: يساهم نقص التمويل في هجرة العلماء والباحثين الأمريكيين إلى دول أخرى للبحث عن فرص أفضل للتمويل والدعم، مما يضعف البنية التحتية العلمية الأمريكية على المدى الطويل.
تأثير على التعليم العالي: تعتمد العديد من الجامعات الأمريكية بشكل كبير على المنح الفيدرالية لدعم الأبحاث العلمية. وتقليص هذه المنح قد يؤثر سلباً على قدرة الجامعات على جذب الطلاب الموهوبين وإجراء أبحاث رائدة.
زيادة إنفاق الصين على العلم
في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة تراجعاً نسبياً في الإنفاق الحكومي على البحث العلمي، تبرز الصين كقوة علمية وتكنولوجية صاعدة، حيث تضاعفت استثماراتها في مجال البحث والتطوير بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين. وفقاً لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومؤسسات أخرى، أصبحت الصين ثاني أكبر دولة من حيث الإنفاق على البحث العلمي بعد الولايات المتحدة، مع توقعات بأن تتجاوزها في العقد القادم إذا استمرت الاتجاهات الحالية.
مؤشرات زيادة الإنفاق الصيني
نمو الإنفاق على البحث والتطوير بشكل كبير: حيث ارتفع من نحو 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 إلى أكثر من 2.4% في عام 2022. وبحسب بيانات الحكومة الصينية، بلغ إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في عام 2022 ما يقارب 450 مليار دولار أمريكي، مقارنة بنحو 600 مليار دولار للولايات المتحدة.
التركيز على التكنولوجيا المتقدمة والاستثمار الاستراتيجي: مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا الفضاء، والاتصالات من الجيل الخامس (5G). مثلاً، أصبحت الصين رائدة عالمياً في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما أطلقت برامج طموحة لاستكشاف الفضاء، بما في ذلك مهمات إلى القمر والمريخ.
زيادة عدد الباحثين: حيث تضاعف في الصين خلال العقد الماضي، ولديها الآن أكبر عدد من الباحثين في العالم. وفقاً لليونسكو، يعمل أكثر من 2 مليون باحث في الصين بدوام كامل، مقارنة بنحو 1.5 مليون في الولايات المتحدة.
الاستثمار في البنية التحتية العلمية: عبر بناء مرافق بحثية متطورة، كمختبرات الفيزياء عالية الطاقة، ومراكز البيانات الضخمة، ومنشآت أبحاث الذكاء الاصطناعي. كما أنشأت الصين «مدن العلوم» في مناطق مثل شنغهاي وبكين، والتي تجمع بين الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات التكنولوجية.
تأثيرات زيادة الإنفاق الصيني
اشتداد التنافس مع الولايات المتحدة على الريادة العالمية: ولاسيّما في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الفضاء.
جذب العقول العالمية: أصبحت الصين وجهة جذابة للعلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم، بفضل التمويل السخي والفرص البحثية الواسعة، مما عزز قدراتها البحثية.
التأثير على الاقتصاد العالمي: مع تزايد قدراتها التكنولوجية، أصبحت الصين لاعباً رئيسياً في الاقتصاد العالمي. فمن خلال تصدير التكنولوجيا المتقدمة، كمعدات الاتصالات والطاقة المتجددة، تعزز الصين مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.
التعاون الدولي: على الرغم من المنافسة، تعمل الصين أيضاً على تعزيز التعاون العلمي مع دول أخرى. فمن خلال مبادرات مثل «مبادرة الحزام والطريق».
أبرز مجالات تفوق الصين على الولايات المتحدة علمياً
تكنولوجيا الفضاء: نجحت الصين في تحقيق إنجازات كبيرة في مجال استكشاف الفضاء، حيث أصبحت أول دولة تهبط بمركبة فضائية على الجانب المظلم من القمر في عام 2019. كما أطلقت محطة فضائية خاصة بها (تيانغونغ)، وأرسلت بعثات ناجحة إلى المريخ، بما في ذلك هبوط المسبار «تشورونغ» على سطح الكوكب الأحمر في عام 2021.
الذكاء الاصطناعي: أصبحت الصين رائدة بهذا المجال، وتستثمر بكثافة في تطوير تقنيات التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية. وفقاً لتقارير، تتفوق الصين على الولايات المتحدة في عدد الأبحاث المنشورة في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أنها تتصدر في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل المراقبة الذكية والمدن الذكية.
الطاقة المتجددة: تفوقت الصين على الولايات المتحدة في مجال الطاقة المتجددة، حيث أصبحت أكبر منتج للألواح الشمسية وتوربينات الرياح في العالم.
اتصالات (5G): تعتبر الصين رائدة في تطوير وتنفيذ تقنيات الاتصالات من الجيل الخامس، حيث تمتلك شركات مثل هواوي أكبر حصة سوقية في هذا المجال. وقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة في نشر شبكات 5G على نطاق واسع، مما يعزز قدراتها التكنولوجية والاقتصادية.
التقانة الحيوية: شهدت الصين تطوراً سريعاً في مجال التقانة الحيوية، بما في ذلك تطوير لقاحات mRNA وتقنيات تحرير الجينات مثل CRISPR. كما أنها أصبحت لاعباً رئيسياً في مجال الأبحاث الطبية الحيوية، حيث تنتج كميات كبيرة من الأدوية والمعدات الطبية.
الخلاصة
تقليص الإنفاق الأمريكي على العلم في مقابل زيادة الإنفاق الصيني عليه، تعد ظاهرة تستحق الاهتمام. ومن بين العبر التي يمكن استخلاصها هو أنّ دور الدولة الرعائي للعلم والقطاع العلمي العام ما يزال حاسماً في دعم الأبحاث الأساسية والاستراتيجية طويلة المدى، بخلاف قصر نظر القطاع الخاص غالباً والذي يركّز على الربحية السريعة ولا يستطيع النهوض بمشروعات استراتيجية كبرى على مستوى طموح لائق، وهو ما يؤثر على ضمان استمرارية الريادة العلمية. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في الحفاظ على موقعها كقوة علمية عالمية، مع تداعيات محتملة على الاقتصاد والأمن القومي.
وزيادة إنفاق الصين على البحث العلمي تعكس طموحاتها الكبيرة لتصبح قوة علمية وتكنولوجية رائدة عالمياً، ويطرح تحديات للولايات المتحدة ودول أخرى تسعى للحفاظ على موقعها في السباق العلمي العالمي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 14 ساعات
- الوئام
قبة ترمب الذهبية.. ما نعرفه عن المنظومة الأمريكية للدفاع الصاروخي الفضائي
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إطلاق مشروع دفاع صاروخي فضائي باسم 'القبة الذهبية' بقيمة 175 مليار دولار، مع تعيين قائد للمشروع الطموح. يهدف النظام إلى استغلال شبكة من مئات الأقمار الصناعية المزودة بأجهزة استشعار متطورة واعتراضات دقيقة، للقضاء على الصواريخ المعادية خلال مرحلة الإطلاق البطيئة والقابلة للتنبؤ، من دول مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا. القبة الذهبية.. اعتراض في 'مرحلة التعزيز' سيتم كشف الصاروخ المعادي فور انطلاقه، ثم يتم إسقاطه بواسطة اعتراض صاروخي أو ليزر قبل دخوله الفضاء أو خلال رحلته عبر الفضاء باستخدام أنظمة دفاع أرضية حالية في كاليفورنيا وألاسكا. ويشتمل النظام أيضًا على طبقة دفاعية أرضية لحماية الولايات المتحدة، مشابهة لما درسته وكالة الدفاع الصاروخي خلال الإدارة السابقة لترمب. بين القبة الذهبية والحديدية أوضح ترمب أن المشروع مستوحى من نجاح 'القبة الحديدية' الإسرائيلية، التي تم تطويرها لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى التي تطلقها حماس من غزة. وقد دعمته الولايات المتحدة وتستخدم هذه التقنية أساليب متقدمة لتحديد الصواريخ التي تهدد المناطق المأهولة فقط، ما يعزز فاعليتها ويقلل من الإطلاقات غير الضرورية. تشابه مع مبادرة 'حرب النجوم' للرئيس ريغان يرى ترمب أن مشروع القبة الذهبية يُكمل مهمة 'المبادرة الاستراتيجية للدفاع' التي أطلقها رونالد ريغان قبل 40 عامًا، والتي كانت تهدف إلى بناء نظام فضائي قادر على التصدي للهجمات النووية عبر اعتراض الصواريخ خلال مراحل إطلاقها وطيرانها. رغم فشل مشروع ريغان بسبب تكلفته العالية وتعقيداته التقنية، تعيد القبة الذهبية هذه الرؤية بتقنيات متطورة وتكلفة ضخمة. فضاء ماسك وشراكات تقنية واسعة تتصدر شركة سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك قائمة الشركات المرشحة لتطوير أقمار النظام واعتراضاته، إلى جانب شركات مثل بالانتير وأندوريل، بالإضافة إلى شركات دفاع تقليدية مثل L3 Harris وتيكنولوجيز، لوكهيد مارتن، وRTX. كما استثمرت L3 حوالي 150 مليون دولار في منشأة جديدة لصناعة أقمار استشعار قادرة على تتبع الأسلحة تحت صوتية والبالستية، والتي يمكن تكييفها مع القبة الذهبية. القبة الذهبية.. تحديات أمام تخصيص 25 مليار دولار على الرغم من الطموح الكبير، لا تزال ميزانية القبة الذهبية غير مؤكدة، إذ اقترح نواب جمهوريون استثمارًا أوليًا بقيمة 25 مليار دولار ضمن حزمة دفاعية شاملة بقيمة 150 مليار دولار، لكن هذه الخطة مرتبطة بقانون ميزانية مثير للجدل يواجه صعوبات في الكونغرس الأمريكي.


صدى الالكترونية
منذ 2 أيام
- صدى الالكترونية
ترامب يعلن بناء القبة الذهبية لحماية أمريكا.. فيديو
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، عن رؤيته المقترحة لبرنامج 'القبة الذهبية' الدفاعي الصاروخي. وتبلغ تكلفة برنامج 'القبة الذهبية'، 175 مليار دولار، ويُعد الأول من نوعه الذي يتضمن نشر أسلحة أمريكية في الفضاء. وتتضمن الرؤية المقترحة لمنظومة 'القبة الذهبية' قدرات أرضية وفضائية يمكنها رصد واعتراض الصواريخ في المراحل الأربع الرئيسية لهجوم محتمل، بدءا من اكتشافها وتدميرها قبل الإطلاق، ثم اعتراضها في مراحلها الأولى بعد الإطلاق، مرورا بمرحلة التحليق في الجو، وانتهاء بالمرحلة النهائية أثناء اقترابها من الهدف.


سويفت نيوز
منذ 3 أيام
- سويفت نيوز
الصين تطلق 3 تريليونات لتر من المياه على ارتفاع 8 آلاف قدم!
سيتشوان – سويفت نيوز: تواصل الصين إبهار العالم بمشروعات جديدة من حين لآخر، سواء في عالم السيارات أو الطاقة. لكن هذه المرة، ما يحدث في أعالي الجبال الغربية الصينية يتجاوز حدود الابتكار، ويقترب من حدود الظواهر الطبيعية الغريبة. بدأت الصين بتخزين المياه في مشروع 'شوانغجيانغكو' الهيدروليكي، في مقاطعة سيتشوان، الذي يُعد أضخم مشروع من نوعه على مستوى العالم، حيث سيخزن أكثر من 3 تريليونات لتر من المياه على ارتفاع يصل إلى 8 آلاف قدم. المشروع الذي انطلق عام 2015، بدأ فعلياً في تخزين المياه منذ الأول من مايو 2025، استعداداً لتوليد طاقة كهربائية نظيفة تُقدّر بـ7 مليارات كيلوواط/ساعة سنوياً، وفقاً لما ذكره موقع 'Eco Portal'. يقع السد على نهر دادو، أحد روافد حوض سيتشوان، ويبلغ ارتفاعه 315 متراً، ما يجعله أعلى سد في العالم. وقد تم تمويل المشروع بـ36 مليار يوان (نحو 4.9 مليار دولار)، وتنفذه شركة 'باور تشاينا' الحكومية، التي أعلنت أن منسوب المياه بعد المرحلة الأولى من التخزين بلغ 2344 متراً فوق سطح البحر، أي أعلى بـ80 متراً من مستوى النهر الأصلي. لكن خلف هذا الإنجاز، يلوح في الأفق تساؤل علمي: هل يمكن لمثل هذا المشروع الضخم أن يمر دون آثار جيولوجية؟ ويحذر خبراء من احتمال حدوث هزات أرضية نتيجة الضغط الهائل للمياه، إضافة إلى تغيرات في تدفق الأنهار وتأثيرات محتملة على القشرة الأرضية. ومع ذلك، يرى المهندسون أن فوائد المشروع في تقليل الاعتماد على الفحم وخفض انبعاثات الكربون بنحو 7.18 مليون طن سنوياً، تفوق هذه المخاطر المحتملة. مقالات ذات صلة