logo
تقرير حقوقي: نحو 1100 معتقل قتلوا في مطار المزة العسكري خلال حكم نظام الأسد

تقرير حقوقي: نحو 1100 معتقل قتلوا في مطار المزة العسكري خلال حكم نظام الأسد

سرايا - وثق تقرير صادر عن "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، الخميس، مقتل أكثر من 1100 معتقل في أثناء احتجازهم بمطار المزة العسكري في دمشق، خلال حكم نظام الأسد "المخلوع".
وأوضح التقرير أن الضحايا أعدموا أو قضوا بسبب التعذيب أو سوء المعاملة، ودفنوا في سبعة مواقع يشتبه في أنها مقابر جماعية، بعضها في أرض المطار، وأخرى بمناطق متفرقة في دمشق.
وذكر التقرير أن تقدير عدد القتلى يستند إلى مجموعتي بيانات من مخابرات القوات الجوية، تكشف أن 1154 معتقلاً لاقوا حتفهم في مطار المزة العسكري، بين عامي 2011 و2017.
ولا تشمل التقديرات، الأشخاص الذين تم إعدامهم بعد إصدار محكمة ميدانية عسكرية أقيمت داخل عنبر، حكماً بإعدامهم، حيث كان يتم إعدام الضباط والجنود رمياً بالرصاص، والمدنيون شنقاً.
وأشار التقرير إلى أن مطار المزة كان جزءاً لا يتجزأ من منظومة حكومة الأسد "الهارب" للاختفاء القسري، ويؤوي ما لا يقل عن 29 ألف معتقل بين عامي 2011 و2017.
وقال عقيد في وزارة الداخلية بحكومة تصريف الأعمال السورية، إن اكتشاف المقابر بحد ذاته لا يفاجئ الحكومة، مضيفاً: "نحن نعلم أن هناك أكثر من 100 ألف مفقود في سجون الأسد لم يخرجوا" بعد سقوط نظام الأسد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد واشنطن.. الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات عن سوريا: آمال كبيرة تلوح في الأفق
بعد واشنطن.. الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات عن سوريا: آمال كبيرة تلوح في الأفق

جو 24

timeمنذ 5 أيام

  • جو 24

بعد واشنطن.. الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات عن سوريا: آمال كبيرة تلوح في الأفق

جو 24 : على خطا واشنطن، سارت دول الاتحاد الأوروبي في مسألة رفع العقوبات عن سوريا علما أنها كانت قد سبقت الولايات المتحدة في الدعوة للانفتاح على دمشق. وجاء ذلك حين عمدت دول الاتحاد إلى تعليق بعض العقوبات المفروضة على دمشق عقب سقوط نظام الأسد مباشرة. واليوم بادرت دول الاتحاد الأوروبي بعد القرار الأمريكي برفع العقوبات إلى الإصغاء لشكوى المسؤولين السوريين الذين وصفوا خطوتها بتعليق بعض العقوبات في حينه بأنها جيدة لكنها غير كافية. لتعكس الاستجابة الأوروبية الحالية برفع العقوبات عن سوريا تكريس وضع العلاقات المشتركة بين الجانبين على المسار الصحيح الذي ستفيد منه دمشق بلا شك سيما وأن العقوبات الأوروبية والأمريكية كانت قد ساهمت إلى حد بعيد في إحداث حالة من الشلل شبه التام في الإقتصاد السوري الذي دخل مرحلة الانعاش مذ قررت واشنطن ومعها أوروبا أن تعاقبا حكومة الأسد على طريقتها الخاصة التي لاتخطئ الغاية في الوصول إلى الموت البطيء. لتبدأ بين الجانبين مرحلة جديدة استحسن السوريين أن تكون دعائمها المتينة قائمة على أسس التعافي الإقتصادي الذي يعقد السوريون عليه آمالا عريضة سيما وأن آفاق الاستثمار الأوروبي في سوريا تبدو واعدة بعدما خلعت هذه الأخيرة عنها ثوب الإشتراكية الموجهة لندتنحو باتجاه اقتصاد السوق الحر الذي يناسب الخطط الأوروبية المعروفة في الاستثمار. الأمور تسير في الاتجاه الصحيح يرى الخبير الاقتصادي السوري علي عبدالله أن قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن سوريا يعكس إتفاق الأوروبيين والأمريكيين على شكل وآلية العلاقة مع دمشق ويبدد ما بدا لوهلة بأنه انكفاء أمريكي وراء أوربا التي يسجل لها أنها كانت صاحبة المبادرة في الإنفتاح على سوريا حتى وإن سارت مفاجآت الرئيس ترامب على النحو الذي يليق بشخصيته. وفي حديثه لـ "RT" اشار عبدالله إلى أن القرار الأوروبي حمل مفاعيل إيجابية رغم كونه متوقعا بعد قرار الرئيس الامريكي وهو يندرج في سياق مساعي دمشق للوصول إلى مرحلة التعافي الاقتصادي الذي يمهد لإعادة الإعمار أو يسير بالتوازي معه لافتاً إلى أن تأثيره على البعد الاجتماعي والإنساني سيكون حاضراً بقوة في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه السوريون. على إعتبار أنه سيفتح الباب على مصراعيه أمام أوسع شبكة من التعاملات التجارية والمالية بين دمشق ودول الاتحاد الأوروبي التي استجابت لرغبات الدول الإقليمية والمنظمات الإنسانية في إزالة عقوبات حالت دون تنشيط جهود الإغاثة وإعادة إعمار البنى التحتية المتهالكة في البلاد. ولفت عبدالله الى فكرة أن القرار الأوروبي يكرس جدية الرهان على سوريا وما سيستدرجه من رهانات دولية أخرى عليها تثق بالأوروبيين وخياراتهم الأمر الذي سيشكل حالة من التعاون الدولي حول سوريا خلال المرحلة القادمة. الخبير الاقتصادي شدد على فكرة أن مسار رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا كان مختلفاً عن المسار الأمريكي لجهة أن العقوبات الأوروبية كانت على موعد كلاسيكي مع التجديد نهاية هذا الشهر قبل أن يقرر الأوروبيون أن دمشق تستحق أن تأخذ فرصتها وتشرع في العمل على التعافي الاقتصادي الذي تحتاجه بعيداً عن قيود العقوبات كلية كانت أم جزئية. وحول الآلية المعتمدة لتطبيق القرار أكد الخبير الاقتصادي على أن رفع العقوبات سيتم بشكل كامل عن بعض القطاعات فيما ستستمر العقوبات على مؤسسات وكيانات آخرى لا تزال ترتبط بالحكم السابق. وأشارإلى أن العقوبات التي لن يتم تجديدها تتعلق برفع الحظر المفروض على استيراد النفط السوري الخام ورفع الحظر عن المصارف السورية وأهمها مصرف سوريا المركزي بعد أن يتم السماح بعمليات التعامل المالي بين المصارف في الجانبين كما سيصار إلى رفع الحظر عن الاستثمار من قبل الشركات الأوروبية التي سيسمح لها بالاستثمار في قطاعات الطاقة من غاز وكهرباء وبنى تحتية كما سيتم رفع الحظر عن تصدير السلع الفاخرة إلى سوريا وأهمها السيارات والمجوهرات والأمور الكمالية الآخرى فضلاً عن رفع الحظر عن العديد من التفاصيل المتعلقة بالنقل في سوريا من قبيل السماح لشركات الطيران السورية باستخدام المعدات التكنولوجية الأوروبية والسماح كذلك برفع الحظر عن الشحن البري والبحري الأمر الذي سيسمح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل أكبر إلى السوريين خلال المرحلة المقبلة. ولفت عبدالله إلى أن العقوبات الأوروبية الآخرى ستستمر على الشخصيات والكيانات التي كانت داعمة لنظام الأسد والتي تشمل منع السفر الى دول الإتحاد الأوروبي. في حين أن الحظر الأوروبي على بيع السلاح إلى سوريا سيستمر ومعه حظر بيع الأدوات والمنتلكات الثقافية السورية المتعلقة بالآثار وغيرها. وختم الخبير الإقتصادي السوري حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن الخطوة الأوروبية كما الأمريكية ستجعل النظرة الدولية متكاملة لجهة الرغبة في إعادة بناء الدولة السورية على أسس سياسية واقتصادية قوية وستساعدها في إعادة بناء مؤسساتها ودعم فكرة العدالة الانتقالية وتعزيز السلم الإجتماعي وخلق دورة اقتصاد سوري حقيقية وغير طفيلية أو ريعية في بلد يملك كل المؤهلات ليكون في مصاف الدول المتقدمة. بواكير الاستثمارات المحلل السياسي فهد العمري رأى أن رفع العقوبات الأوروبية بعد الأمريكية عن سوريا سيعطي لهذه البلاد مجدداً دورها الحيوي كشريان اقتصادي يربط الخليج بتركيا وأوروبا عبر الموانئ وخطوط الطاقة. وفي حديثه ل "RT" أشار العمري إلى أن هذا الأمر سيدفع بدول الخليج إلى ضخ الكثير من الأموال من أجل بناء مشاريع ضخمة في سوريا وخصوصاً تلك المتعلقة بالطاقة وإعادة الإعمار مشيراً إلى أن المال الخليجي سيأتي من لدن الحكومات والشركات الخاصة على السواء. وشدد المحلل السياسي على أن المصلحة الأوروبية في الوصول إلى حالة الاستقرار المنشودة في سوريا لا ترتبط فقط بالأرباح الاقتصادية المتوخاة من وراء ذلك بل ترتبط أيضا بوقف موجات الهجرة غير الشرعية واجتثاث بيئة التطرف التي وصل لهيبها إلى عقر دار الأوروبيين. ولفت العمري إلى ورود معلومات عن قيام عدد كبير من المستثمرين الخليجيين والسوريين بمناقشة مشاربع اقتصادية متكاملة وضخمة مع الجانب السوري عقب رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا مباشرة مشيراً إلى أن رفع العقوبات الأوروبية سيوسع البيكار أكثر من ذي قبل وسيجعل من تهافت الشركات الأوروبية على العمل في السوق السورية مسألة وقت قصير ليس إلا. وأضاف أن المشاريع الضخمة المرتقبة والتي تقدر بمليارات الدولارات ستوفر فرص عمل بعشرات الآلاف للعمال السوريين بعد أن تساهم في تغيير الوجه العمراني القديم لدمشق وبقية المدن السورية. المصدر: RT تابعو الأردن 24 على

المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب
المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب

عمون

timeمنذ 6 أيام

  • عمون

المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب

عمون - نشر "معهد ستراتيجيكس"، ورقة جديدة بعنوان (المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب)، تسلط الضوء على التحول الأمني الكبير في سوريا بعد وصول "هيئة تحرير الشام" إلى الحكم أواخر عام 2024، حيث تم تفكيك الأجهزة الأمنية السابقة التي كانت تُعرف بسيطرتها الواسعة ودورها في قمع المعارضة، ورغم الحديث عن الإصلاحات الأمنية في الحكومة الجديدة، إلا أن هناك مخاوف من إعادة إنتاج سلطة أمنية مركزية تُقدّم حماية النظام على حساب حقوق المواطنين، خاصة في ظل ضعف الرقابة، وعدم وجود دمج حقيقي لجميع الفصائل العسكرية في البلاد، في جهاز الأمن العام الجديد. وتاليا ما جاء في ورقة ستراتيجيكس: دخلت المنظومة الأمنية السورية مرحلة تشغيلية وتنظيمية جديدة مع صعود فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى سدّة الحكم في البلاد في ديسمبر 2024، بعد عقود من اعتماد النظام السوري السابق على جهاز أمني قوي وشامل، ساهم في تعزيز سيطرة حزب البعث وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في البلاد، ثمّ لعب دوراً حاسماً خلال الأزمة التي اندلعت عام 2011، في الحفاظ على تماسك النظام وبقائه طوال عقد من الصراع، مع التركيز على قمع المظاهرات والاحتجاجات وملاحقة المعارضين. وعليه؛ تهدف هذه الورقة إلى تقديم وصف مقتضب لقوات الأمن وأجهزة المخابرات السورية، وهيكلها التنظيمي، وكوادرها الرئيسة، وأساليبها التشغيلية قبل الأزمة عام 2011، ثم الوضع الحالي للأجهزة الأمنية في ظل السلطة الجديدة. إضافة إلى استكشاف وجهات النظر المختلفة حول هيكلة المؤسسة الأمنية ودورها المستقبلي. المنظومة الأمنية في ظل النظام السابق تألفت المنظومة الأمنية السورية في ظل النظام السابق من أربع إدارات رئيسة، متشابكة مع بعضها البعض، ومرتبطة بشكل معقّد بحزب البعث، وتنتهي هيكلياً عند رأس النظام باعتباره القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. وتلك الإدارات الأربعة التي يُطلق عليها اسم "شُعب" هي: شعبة إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، وشعبة إدارة الأمن السياسي، وشعبة إدارة المخابرات العسكرية، وشعبة إدارة المخابرات الجوية. وكلّ منها مستقل هيكلياً، وله قيادته الخاصة، ويتبع له عشرات الوحدات والفروع المنتشرة في عموم البلاد، ومتمايز عن غيره في نطاق مسؤولياته، وتختلف في مرجعياتها بين وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وحزب البعث العربي الاشتراكي. مع ذلك؛ تُنسق أعمال جميع تلك الإدارات وتُقاد من قبل مكتب الأمن القومي الذي تأسس عام 1966، ويُعد أحد مكاتب القيادة القطرية لحزب البعث، وعُرف بعد الأزمة عام 2011 بـ "خلية الأزمة"، ثم مكتب الأمن الوطني الذي أُنشئ عام 2009، وتم تفعيله بعد تفجير "خلية الأزمة" عام 2012، ليحل محل مكتب الأمن القومي، ويتبع مباشرة للرئيس. تأسست معظم تلك الإدارات بعد الانقلاب الذي قاده حزب البعث عام 1963، وقد اتخذ الحزب من المنظومة الأمنية أساساً لتثبيت حكمه، فكانت صلاحياتها الواسعة مستندة إلى نصوص دستورية وقانونية جاءت تحت طائلة مرسوم الطوارئ الصادر في مارس 1963، إذ تضمنت مراسيم مثل (حماية الثورة رقم (6) لعام 1964، ونظام البعث رقم (4) لعام 1965، إحداث إدارة أمن الدولة رقم (14) لعام 1969، وقانون إحداث محاكم الأمن الاقتصادي عام 1981) عقوبات واسعة ومتشددة تصل حد الإعدام ضد نقد أو مقاومة أو مناهضة أهداف الثورة، سواء بالقول أو الفعل أو الكتابة. بل ذهبت مراسيم أخرى إلى حماية قادة ومنتسبي الأجهزة الأمنية ومنحهم الحصانة من المتابعة القضائية عن ممارساتهم. فمثلاً؛ يمنع المرسوم الناظم لأعمال إدارة المخابرات العامة (رقم 5409 لعام 1969) ملاحقة العاملين في إدارة المخابرات عن جرائمهم أثناء قيامهم بوظائفهم، كما يتضمن مرسوم إحداث إدارة أمن الدولة (رقم 14 لعام 1969) عدم ملاحقة العاملين في الإدارة عن جرائمهم أثناء قيامهم بوظائفهم، وكذلك يتوسع المرسوم (رقم 64 لعام 2008) في حظر ملاحقة العاملين في الأمن الداخلي وشعبة الأمن السياسي والجمارك دون موافقة رؤسائهم، وهو ما دفع الواقع العملي للمنظومة الأمنية لتجاوز البنود القانونية واستحداث عقوبات غير منصوص عليها مثل الاختفاء القسري أو منع السفر، بل ومنحها دوراً متعاظماً في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي الشؤون اليومية والحياتية للمواطنين. وفي الواقع؛ يرجع جانب كبير من الأزمة عام 2011، والمظاهرات ضد النظام، إلى إشكالية علاقة المواطن السوري بتلك المنظومة الأمنية، إذ شملت مهامها جميعاً مراقبة الشؤون الداخلية، خاصة المعارضين للنظام. فمثلاً، توسعت إدارتا الاستخبارات العسكرية -المتخصصة في مراقبة العسكريين-، والاستخبارات الجوية -المتخصصة في حماية الأجواء وأمن الرئيس-، في جمع المعلومات الاستخباراتية حول المدنيين وتورطتا في عمليات قمع المعارضين. بل إن المخابرات العسكرية أشرفت على عدة وحدات شبه عسكرية، ما جعل نطاق نفوذها أوسع من وظائف الاستخبارات العسكرية التقليدية. هذا إلى جانب إدارة المخابرات العامة وإدارة الأمن السياسي اللتان تم تصميمهما لمراقبة الأنشطة السياسية، وجماعات المعارضة، ومختلف جوانب الحياة العامة. وقد اتُّهمت تلك الإدارات على نطاق واسع بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، سواء قبل الأزمة السورية عام 2011، مثل دورها في أحداث مدينة حماة 1982، أو بعدها؛ ففي عام 2011 وصف تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان انتهاكات قوات الأمن والجيش بأنها "بمثابة جرائم ضد الإنسانية"، وفي العام 2013، أدان مجلس الأمن الدولي بالإجماع "انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق" من قبل قوات الأمن. المنظومة الأمنية للسلطة الجديدة أحدثت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على السلطة في سوريا، تحولاً جوهرياً في المنظومة الأمنية والعسكرية في البلاد، خاصة بعد أن أعلنت السلطة الجديدة رسمياً عن حلّ الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق في 29 يناير 2025، ما شكّل انقلاباً جذرياً على المؤسسة الأمنية السابقة، ودفع بنموذج أمني جديد إلى الواجهة، تُسيطر عليه الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام تحت مُسمى جديد "مديرية الأمن العام". وقد دفعت الهيئة بقادتها إلى المسؤولية عن الأجهزة الأمنية، ومن أبرزهم: تعيين أنس خطاب، المعروف سابقاً بـ"أبي أحمد حدود"، رئيساً لـ"جهاز الاستخبارات العامة السورية"، والذي أصبح بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية في 30 مارس 2025، وزيراً للداخلية، ليخلفه في رئاسة الاستخبارات العامة حسين السلامة، المعروف سابقاً بـ"أبي مصعب الشحيل"، الذي عُيّن مطلع مايو 2025. في حين يقود عبد القادر طحّان، المعروف سابقاً بـ"أبي بلال قدس"، جهاز الأمن العام الجديد. وبشكل عام، تعتمد مديرية الأمن العام الجديدة على الجهاز المُشكَّل سابقاً في إدلب، والذي كان يُشكل أداة قوية في يد أبي محمد الجولاني حينها – أحمد الشرع حالياً – حيث تقوم وحدات النخبة التابعة لهيئة تحرير الشام بحماية العاصمة دمشق ومحيط القصر الرئاسي، إضافة إلى استمرار سيطرتها على معقل الهيئة في محافظة إدلب. وفي الواقع، أعلن وزير الداخلية عن خطة عمل تتضمن وعوداً بإصلاحات واسعة، من بينها تحديث السجون، ومكافحة المخدرات، وتطوير المرور، وتحديث العمل الجنائي، كما عمل على توحيد قيادة الشرطة والأمن العام في كل المحافظات تحت إشراف مسؤول واحد، في خطوة تهدف عملياً إلى دمج الجهازين تحت سلطة أمنية مركزية واحدة. من الناحية النظرية؛ تعمل السلطة الجديدة بالطريقة ذاتها التي كانت عليها أثناء سيطرتها على إدلب، إذ تزيد أهمية "مديرية الأمن العام" بالنسبة لحماية السلطة الجديدة مقارنةً بالجيش السوري الجديد، حيث تُسيطر هيئة تحرير الشام وقادتها على قوات الأمن، فيما تتشكل قوات وزارة الدفاع من طيف واسع من الفصائل المسلحة. ففي السابق، كان الأمن في إدلب مستقلاً عن وزارة الداخلية التابعة حينذاك لحكومة الإنقاذ، ويُركّز على الجوانب الأمنية أكثر من العمل الشرطي، بما يشمله ذلك من متابعة واستخبارات. ولعل ما يُعرف بقضية "العمالة" التي ظهرت عام 2023، وتبعها اعتقال المئات من عناصر الهيئة وقادتها في الجناح العسكري، بذريعة اختراق صفوفها من قبل التحالف الدولي، مثالاً على كيفية عملها الأمني بالمفهوم الشامل والواسع، وتبعيتها المباشرة للجولاني، ومستوى اعتماده عليها في تثبيت سلطته. أما من الناحية العملية؛ فإن محاولة دمج الجهازين تحت سلطة واحدة قد تؤدي إلى هيمنة العقلية الأمنية على حساب العمل الشرطي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الحريات العامة، إذ هناك اختلاف جوهري بين ثقافة الأمن العام القائمة على العمل السري والمخبرين، وبين ثقافة الشرطة القائمة على الخدمة العامة، والطابع المدني والعمل المجتمعي. وبينما أثبت نموذج الأمن العام في إدلب قدرته وكفاءته في بيئة محدودة نسبياً، لكنه فشل في بناء علاقة ثقة مع المجتمع، ومالَ إلى حماية الهيئة أكثر من حماية المجتمع، إذ يحفل سجله بإرث من الانتهاكات بين اعتقالات تعسفية، وتعذيب، وقمع مظاهرات، واقتحام، وتشير المصادر إلى امتلاك الأمن في إدلب لسجون ومعتقلات خارج إطار حكومة الإنقاذ. وقد قادت ممارساته إلى موجات احتجاج في مناطق إدلب، ما دفع في نهاية المطاف إلى وضع إدارة الأمن العام تحت إشراف وزارة الداخلية في مارس 2024، لكنه بقي محافظاً على استقلاليته الفعلية وارتباطه المباشر بالشرع. مع ذلك؛ ينطوي تعميم نموذج الأمن في إدلب على كامل سوريا على مخاطر ومحاذير عدّة، من بينها: 1- إن تعميم نموذج الأمن العام في إدلب على كامل سوريا، والقائم على مركزية القرار والارتباط المباشر بالرئيس، مع ضعف الرقابة المؤسسية الحقيقية، يُهدد بإعادة إنتاج منظومة أمنية سلطوية، تُقدّم أمن السلطة على أمن المجتمع، وتفتقر للشفافية والمحاسبة، كما كان الحال في عهد النظام السابق. 2- نشأ الجهاز الأمني في إدلب في ظل بيئة مجتمعية متجانسة نسبياً، وسيؤدي تعميمه على مناطق شديدة التنوع (الساحل، دمشق، السويداء، حمص) دون دمج عناصر محلية فيه، إلى مخاطر كبيرة، في مقدمتها فقدان ثقة المكونات الاجتماعية في الجهاز، بل وتأجيج النزاعات والانقسامات، خاصة بعد انخراطه في أحداث الساحل في مارس 2025، وأحداث محافظة السويداء ومدن جرمانا وصحنايا في ريف دمشق مطلع مايو 2025. 3- إن التوسع السريع للأمن العام في المحافظات الجديدة عبر تعبئة سريعة لعناصر غير مدرَّبة كفاية، مع منحهم رُتباً عالية دون خبرة عسكرية أو شرطية سابقة، سيُضعف كفاءة الجهاز الأمني، ويزيد من احتمال وقوع الانتهاكات وشيوع الفوضى الأمنية. وأخيراً؛ لا يتطلب الوضع في سوريا "قوة" الجهاز الأمني كأمرٍ مطلق، بل فاعليته في فرض القانون، مع التزامه بالشفافية واحترام الحقوق. وهذا يتطلب تحوّلاً جذرياً في فلسفة الأمن السوري، وانتقاله من أداة قمع إلى أداة حماية للمواطن، وهذا ما يمكن أن يحدد صلاحيات وحدود الأجهزة الأمنية وآليات الرقابة عليها في إطار قانوني ودستوري واضح، مع دعم دولي يضمن عدم انهيار الدولة أو سيطرة قوى خارجية على مؤسستها الأمنية. وبدون ذلك، سيظل الخيار بين فوضى الفراغ الأمني أو استبداد الأجهزة القمعية هو السائد. وبذلك، فإن تعميم تجربة إدلب دون إجراء تغييرات مناسبة في هيكليته وإجراءاته على كامل سوريا، بخاصة في ظل التوترات الطائفية والإثنية، سيحمل مخاطر كبيرة، على رأسها إعادة إنتاج دولة أمنية سلطوية، والتسبب في تأجيج النزاعات المحلية، وتهديد وحدة البلاد.

القصة الكاملة للحوار السري بين نظام الأسد وإدارتي ترمب وبايدن
القصة الكاملة للحوار السري بين نظام الأسد وإدارتي ترمب وبايدن

سرايا الإخبارية

timeمنذ 7 أيام

  • سرايا الإخبارية

القصة الكاملة للحوار السري بين نظام الأسد وإدارتي ترمب وبايدن

سرايا - لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب برعاية وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض يوم 14 مايو/أيار، كان نقطة انعطاف في العلاقات بين واشنطن ودمشق، إذ حقق الشرع خلال ستة أشهر ما عجز الرئيس المخلوع بشار الأسد عن تحقيقه خلال ربع قرن، وهو رفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى القمة. ويكشف تحقيق استنادا إلى وثائق ومحاضر اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين غربيين وإقليميين، أن الفرصة أتيحت أكثر من مرة للأسد كي يرفع مستوى الحوار مع مستوى البيت الأبيض خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترمب بين 2017 و2021 وولاية الرئيس جو بايدن بين 2021 و2025، لكن عناد الأسد وسوء تقديره واستخفافه فوّت فرصا عديدة عليه إذ إنه خيب الوسطاء من قادة ومسؤولين عرب وإقليميين، حاولوا فتح نوافذ له قبل سقوطه نهاية العام الماضي. اللافت أن المحاولة الأخيرة للحوار بين البيت الأبيض ودمشق جرت قبل أسابيع بل قبل أيام من هروب الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، إضافة إلى الفشل الآخر في تسويف وتجاهل وساطة الرئيس فلاديمير بوتين لجمعه (الأسد) مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. قصة فشل وساطة بوتين بين أردوغان والأسد بسبب الأخير تستحق أن تروى، خصوصا أنها كانت أحد أسباب انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر وانفضاض روسيا-بوتين وعجزه، لكن سأروي هنا تفاصيل جديدة من الوساطات المهمة بين الأسد وكل من ترمب في 2019 وبايدن في 2023 و2024، علما أن بعض جوانبها سبق وأن نشر في الإعلام. مفاوضات زمن ترمب في المرحلة الأخيرة لولاية ترمب الأولى، كانت سوريا لا تزال محاصرة وتتمركز فيها قوات أميركية شمال شرقي سوريا، وروسية غربها، وتركية في الشمال، إضافة إلى انتشار الميليشيات الإيرانية في مناطق عدة واستمرار الغارات الإسرائيلية. وفي عام 2017 بدأت إدارة ترمب بإنشاء قنوات تواصل مع النظام السوري لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في 2012، مع أن ترمب فكر في ربيع 2017 باغتيال الأسد لاستخدامه الكيماوي في خان شيخون في إدلب في أبريل/نيسان 2017. عارض وقتذاك وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس اغتيال الأسد، فجرى توجيه ضربات أميركية–بريطانية–فرنسية لمواقع استعمال الكيماوي التابعة للنظام. بعد ذلك، وجه ترمب رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو لفتح حوار مباشر للإفراج عن الصحافي الأميركي. وكان مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم قال إن السفير روجر كارستنس، مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المختطفين زار بيروت في ربيع 2020 طالبا فتح قناة مع مدير الأمن الوطني علي مملوك لبحث مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا في 2012. بالفعل ذهب إبراهيم والتقى مملوك لإقناعه بالحوار باعتباره ممثلا لترمب. في هذا اللقاء وضعت دمشق شروط انسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات واستتئناف العلاقات التي تجمدت بعد سحب السفير روبرت فورد في 2012. وفي شهر أغسطس عام 2020، إبان الولاية الأولى لدونالد ترمب، تواصل مساعد المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن ستيفن غيلين مع السفير بسام صباغ مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة وطلب منه ترتيب لقاء بينهما. رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءت توجيهات الأسد بأن يجتمع معه، ويستمع إليه "على أن لا يعطيه أي موقف إطلاقا". في اللقاء، فاجأ ستيفن غيلين السفير صباغ بأن رئيسه روجر كارستنس، المبعوث الأميركي لشؤون المختطفين والرهائن يرغب بترتيب زيارة سرية إلى دمشق واللقاء مع رئيس جهاز الأمن الوطني اللواء علي مملوك. كان محور اللقاء هو طلب مساعدة الحكومة السورية في تحديد مصير أوستن تايس، الصحافي الأميركي الذي يعتقد أنه قد وقع في قبضة يد الحكومة السورية إثر دخوله إلى سوريا قادما من تركيا عبر إدلب. وفي ضوء اتصالات إبراهيم واقتراح صباغ، زار روجر كارستنس المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المخطوفين، وكاش باتل مساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض زارا دمشق في أغسطس/آب 2020 واجتمعا مع مملوك في مكتبه بدمشق. وهذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين، فقد سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية. في هذه الزيارة السرية، شرح المسؤولان الأميركيان أهمية تعاون دمشق مع واشنطن في هذا الملف وكيف سينعكس إيجابا على بقية الملفات. وقال مسؤول غربي إن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه في حال تم الحصول على أي معلومات عن تايس، فإن وزير الخارجية مايك بومبيو يمكن أن يأتي إلى دمشق، ويعلن مواقف سياسية مهمة منها. وأضاف: "لم تكن بيد مملوك أي حيلة، فالتعليمات التي جاءته من الأسد كانت صارمة: لا نعرف أي شيء عن أوستن تايس وهو ليس بقبضتنا". وأضاف مصدر آخر: "لم يكن مجيء كارستنس وكاش إلى دمشق في ذلك الوقت بالأمر الذي يمكن الاستخفاف به، ولو كان الأسد يمتلك مؤهلات وصفات مناسبة، لكان قد استغل هذه الزيارة لمد الجسور وفتح قنوات التواصل مع إدارة الرئيس ترمب. ولكنه ضيع هذه الفرصة الاستثنائية وذهبت أدراج الرياح، كما ضيع عشرات الفرص الأخرى فيما بلاده تتردى في مهاوي الكارثة". أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق سلطان عمان بالأسد وتحدث معه مطولا حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحا حتى بين الدول المتناحرة سياسيا وكان اللواء إبراهيم قال إنه بعد أيام توجه إلى واشنطن في طائرة خاصة أرسلتها واشنطن والتقى بمسؤولين أميركيين بينهم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين لكن المفاجأة أنه خلال وجود إبراهيم في واشنطن قال ترمب إنه فكر في اغتيال الأسد. وفجأة اتصل مملوك بإبراهيم الموجود في أميركا، وقال له أوقف المحادثات بناء على توجيه الأسد. كان ترمب قد أعلن سحب قواته جزئيا من شمال شرقي سوريا في خريف 2019، ما فتح الباب لتوسيع نفوذ القوات السورية المعارضة المدعومة من تركيا على حساب "قوات سوريا الديمقراطية" حلفاء واشنطن. وكان هناك من يتشدد في دمشق للضغط لصالح انسحاب أميركا من شرق سوريا. زمن بايدن وفي 2021، تجددت وساطة إبراهيم بطلب أميركي لمعرفة مصير تايس. وقال إبراهيم في الحديث: "كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، إذ كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعَقدتْ جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمرا أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع". الأمر الذي فاجأ إبراهيم أن "الأسد رفض استقبال الوفد الأميركي". في 2022 تسارع قطار التطبيع العربي مع دمشق وأعيدت إلى الجامعة العربية وحضر الأسد القمة العربية في جدة منتصف 2023. ويقول مصدر قريب من دمشق، إن إدارة بايدن، كانت تريد "فتح نوع من التواصل مع النظام، فأولا، كانت الولايات المتحدة تدرك أن وجود قواتها العسكرية حول حقول النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لسوريا أمر لا يمكن استمراره دون أفق مفتوح لإنهاء هذا الوجود، ولكنها ترغب في ضمانات من الطرف السوري بأن انسحاب قواتها من هناك لن يؤدي إلى دخول "الحرس الثوري" وميليشيات "الحشد الشعبي" الموالية لإيران إلى تلك المنطقة. وثانيا، كانت الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط كبيرة من أسر المفقودين الأميركيين في سوريا للبحث عنهم، والتحقق من مصيرهم، وربما إطلاق سراحهم في صفقة تبادل ما مع النظام السوري، فهي مقتنعة أنهم في قبضته رغم إنكار النظام الدائم لذلك". ورغم علم واشنطن بأن النظام لم يقدم معلومات عن مصير تايس، فإن تجارب سابقة كانت قد بينت أن النظام كان ينكر بكل قوة وجود محتجزين أجانب لديه، ثم يعود فيتراجع عن روايته وينخرط في صفقة من صفقات التبادل، فهي لعبة يلعبها النظام أملا في تحقيق القدر الأعظم من المكاسب من صفقة التبادل، ما أبقى على اهتمام أميركا بفتح أقنية حوار مع دمشق ولو في السر، حسب قول مسؤول غربي. مر وقت قبل أن تقرر إدارة الرئيس بايدن أن تعاود التواصل مع دمشق. في عام 2022 أرسل كارستنس معاونه إلى نيويورك ليقابل السفير بسام صباغ. حاول إقناعه بفائدة التعاون في عدة ملفات، رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءه التوجيه بـ"عدم التعاون". صباغ الذي كان يريد فتح الأقنية "وجد موقف الأسد غريبا وغير مفهوم" لكنه اكتفى بنقل الرسائل. أما وزير الخارجية فيصل مقداد، فكان "يريد استغلال هذه الفرصة لفتح الأقنية مع بلد في حجم وأهمية الولايات المتحدة. ولكن بشار الأسد ارتأى غير ذلك، وتم صرف النظر عن الموضوع"، حسب تقرير كتب عن التفاصيل. القناة العمانية... وفدا التفاوض في أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق سلطان عمان بالأسد وتحدث معه مطولا حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحا حتى بين الدول المتناحرة سياسيا، ورغم أن عقلية بشار الأسد التي كانت تتسم بالعناد الشديد وضيق الأفق لم تكن مرتاحة إلى إجراء أي حوار مع الأميركيين، فقد كان من الصعب على الأسد أن يرفض طلبا لسلطان عمان، فوجد نفسه مضطرا للموافقة". أبلغ سلطان عمان الطرف الأميركي بموافقة السوريين على اللقاء معهم سرا في مسقط، واتفق الجانبان عبر الوساطة العمانية على أن يحدد كل جانب النقاط التي يرغب في مناقشتها في جدول الأعمال دون أن يحق للطرف الآخر الاعتراض عليها. ولم يبق إلا الاتفاق على أعضاء الوفدين. أبلغ الجانب الأميركي العمانيين أن وفدهم سيكون رفيع المستوى، وسيرأسه بريت ماكغورك نائب مستشار الرئيس الأميركي المكلف بشؤون الشرق الأوسط. كما سيضم جوشوا غيلتزر وهو أيضا يشغل منصب نائب مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، إضافة إلى خمسة أعضاء آخرين من جميع المؤسسات الأميركية، أي وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وزارة الأمن الوطني، وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان ماكغورك مسؤولا رفيعا في إدارة الرئيس بايدن، وكان مقربا من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ويحظى بثقة الرئيس بايدن. كان يتردد بانتظام على الشرق الأوسط فيقابل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة عربا وإقليميين آخرين. أما جوشوا غيلتزر فكان مختصا استراتيجيا بشوؤن الإرهاب ومستشارا قانونيا لكل من البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي. كان من الطبيعي أن يتوقع الأميركيون أن يرسل السوريون وفدا رفيع المستوى، كأن يضم رئيس جهاز الاستخبارات السورية ونائب وزير الخارجية أو مستشار رئيس الجمهورية أو أحد كبار قادة الجيش. وجاء قرار الأسد بأن يكون الوفد السوري برئاسة السفير عماد مصطفى (الذي عين مديرا للمعهد الدبلوماسي بعد عودته من منصبه كسفير في الصين بعد عمله سفيرا في واشنطن) وعضوية شخصين من الأجهزة الأمنية السورية، هما العميد سامر بريدي والعميد ماجد إبراهيم. يقول مسؤول غربي: "كان الاختيار مفاجئا لمسقط وواشنطن بكل المقاييس. فلم يكن هناك تكافؤ أو تناسب بين مناصب أعضاء الوفد السوري ومناصب أعضاء الوفد الأميركي الدولة العظمى في العالم". وحسب وثيقة سورية، فإن المقداد "شعر بالحرج عندما أبلغه الأسد بقراره، فكيف سيشرح للأسد أن هناك عدم حكمة في تشكيلة الوفد السوري، وعندما أبلغ مصطفى بقرار تشكيل الوفد، جاءه رده سريعا، أنه يفهم العقلية الأميركية جيدا، وبغض النظر عن خبرته وتاريخه الدبلوماسي، فهم سيعتبرون أن إرسال وفد برئاسة مدير المعهد الدبلوماسي، وعضوية عميدين غير معروفين في الأمن السوري، هو تعبير صريح عن الاستخفاف بهذا الحوار، وعدم التعامل معه بجدية". اقترح مصطفى أن يرأس هذا الوفد شخصية أعلى في الموقع الهرمي في القيادة السورية، وأن يدعم المفاوضات والدبلوماسية الدولية ليكون الشخص الثاني في هذا الوفد لتحقيق "الغرض المطلوب من المفاوضات، ويرسل رسالة صحيحة إلى الجانب الأميركي". عندما اقترح المقداد على الأسد ذلك رد الأخير: "الوفد سيكون كما قلت لا تغيير فيه"، حسب شخص معني. مصطفى كان قد عمل سفيرا في بكين وواشنطن، وكان يتقن اللغة الإنكليزية ويعرف الكثير عن آلية صنع القرار في واشنطن. لكنه لم يكن "بعثيا" ما حرمه من تعيينه في منصب رئيس في وزارة الخارجية. ورفض الأسد تعيينه في منصب رئيس. وعندما شغر موقعي نائب الوزير بعد تعيين بشار الجعفري سفيرا في موسكو، ومعاون الوزير أيمن سوسان، لم يتم ترفيع مصطفى، بل جاء الأسد بالسفير صباغ نائبا لوزير الخارجية والسفيرين أيمن رعد وحبيب عباس معاونين لوزير الخارجية. أما العميد سامر بريدي فكان ضابطا في الاستخبارات السورية. التقطه مملوك عندما كان مديرا للاستخبارات العامة، فاصطفاه إلى جانبه، وعندما أصبح رئيسا لجهاز الأمن الوطني نقله معه من إدارة المخابرات العامة، وأصبح من أقرب المساعدين إليه. وكان يكلف عادة بالمهام الخاصة في المفاوضات واختراق المعارضة في مسار آستانة أو جنيف. العميد ماجد إبراهيم كان ينتمي إلى شعبة الأمن العسكري، في فرع فلسطين سيئ السمعة، وهو رجل أمن سوري نمطي لا توجد لدينا الكثير من المعلومات عنه. عندما أبلغ المقداد الجانب العماني بتشكيلة الوفد، أصيب العمانيون بالدهشة من هذه التشكيلة، ولكنهم اكتفوا بإبلاغ الجانب الأميركي بأسماء الوفد السوري. وقال مسؤول غربي: "لم يسر الجانب الأميركي بتركيبة الوفد السوري، اعتبروا مستوى التمثيل دليلا على عدم الجدية. فمصطفى لم يكن في موقع عال في الهرم الرسمي للسلطة والمسؤولية، والضابطان الآخران غير معروفين، وربما كانت مهمتهما مراقبة مصطفى والعمل على ضبط إيقاعه، فهو معروف بعدم التزامه الدقيق بالخط الرسمي السوري". أرسل الأميركيون رسالة عبر الجانب العماني بهذا الشأن، هم يريدون أن يكون الوفد السوري برئاسة علي مملوك. وكما هو مألوف في مثل هذه الحالات، ازداد تشبث الأسد بقراره: "نحن لم نتدخل بتشكيلة الوفد الأميركي. لماذا يتدخلون بتشكيلة وفدنا؟". وقال مسؤول غربي: "يبدو أن الأسد كان يعتبر أن المفاوضات تجري بين خصمين متكافئين يتمتعان بالندية. كانت المشكلة دبلوماسية بامتياز: مستوى التمثيل في الوفد السوري لم يكن مكافئا لمستوى التمثيل في الوفد الأميركي، وسوريا في ميزان القوى ليست ندا للولايات المتحدة". لكن الأميركيين وافقوا على المفاوضات. الأسد لوفد التفاوض: "لا تتخيلوا أنكم ذاهبون للتفاوض مع الأميركيين. كل ما سيطلبونه منكم سترفضونه. نحن فقط وافقنا على المحادثات إرضاء لأخوتنا العمانيين" الموقف التفاوضي بدأ الوفد السوري بالتحضير لجولة المفاوضات الأولى، كانت الاجتماعات تتم في مكتب مصطفى في وزارة الخارجية السورية، وضع أعضاء الوفد قائمة بالأهداف الرئيسة المطلوب تحقيقها: "استرجاع حقول النفط والغاز (كونيكو والعمر)، وتخفيف العقوبات القاسية المفروضة على سوريا، ثم في المرحلة النهائية انسحاب القوات الأميركية من سوريا وإعادة ضم منطقة شمال شرقي سوريا". ثم وضعوا قائمة بأدواتهم التفاوضية التي يمكن أن يقدموها للأميركيين: "التعاون لكشف مصير المفقودين الأميركيين في سوريا وعلى رأسهم أوستن تايس، والتعاون ضد الإرهاب، ثم في المرحلة النهائية استئناف التعاون الأمني الذي كان قائما بين أجهزة البلدين الأمنيين إثر الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001"، حسب وثيقة سرية. أكمل الوفد التفاوضي السوري تجهيز ملفهم التفاوضي، ثم انتظروا أن يستدعيهم الأسد فيعرضوا عليه ملفهم، ويأخذوا منه التعليمات النهائية قبل التوجه إلى مسقط: أين هي خطوط المرونة، وأن يمكن تقديم تنازلات تفاوضية، وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجوز التنازل عنها. ولكن هذا الاستدعاء لم يأت. وحسب وثيقة فقبل يومين من موعد السفر، عبر مصطفى عن موقفه للمقداد، قائلا: "نحن سنسافر بعد يومين ولا نعرف ما هي حدود ولايتنا في المفاوضات". لم يكن المقداد قادرا على تقديم الإجابات، فجميع قرارات السياسة الخارجية كانت محتكرة تماما من قبل الأسد ولم يكن من النوع الذي يستمع للآراء والنصائح من قبل فريق السياسة الخارجية لديه، بل كان يكتفي عند اللقاء معهم بشرح الواقع الدولي لهم وتزويدهم بالتوجيهات. اكتفى المقداد بنقل طلب مصطفى إلى الأسد. وقبل يوم من موعد السفر، استدعى الأسد السفير مصطفى منفردا إلى "قصر الشعب". ذهب مصطفى حاملا الملف الذي أعده مع بريدي وإبراهيم ليعرضه على الرئيس. فيما بعد أبلغ مصطفى زملاءه في الوزارة بأنه فوجئ عندما بدأ الأسد الحديث بقوله: "لا تتخيلوا أنكم ذاهبون للتفاوض مع الأميركيين. كل ما سيطلبونه منكم سترفضونه. نحن فقط وافقنا على المحادثات إرضاء لأخوتنا العمانيين"، حسب قول مصدر. وعندما أجابه مصطفى: "لكن المطلب الأساسي للأميركيين في هذه الجولة على الأقل هو أوستن تايس. لماذا لا يمكننا التعاون معهم في هذه النقطة على الأقل؟". قال الأسد: "أوستن تايس ليس عندنا". أجاب مصطفى: "هذا أفضل، بما أنه كذلك فيمكننا أن نعرض عليهم التعاون لكشف مصيره فنكسب بذلك بعض النقاط التفاوضية. أنا درست ملفه جيدا، وهم لديهم ما يعتقدون أنها أدلة على وجوده عندنا، فيمكننا التداول معهم حول هذه الأدلة لعلنا نصل إلى تعاون مشترك قد يتطور ويفضي إلى أمور أخرى". ختم الأسد حديثه بصورة حازمة: "أمنعكم تماما من التفاوض مع الجانب الأميركي حول تايس". عاد مصطفى إلى الوزارة فأبلغ المقداد وسوسان بفحوى اللقاء-الصدمة مع الأسد. استيقظ أعضاء الوفد السوري في وقت مبكر صباح الأربعاء 22 فبراير/شباط 2023 واجتمعوا في فندقهم في مسقط لمراجعة أخيرة لملفاتهم قبل التوجه إلى مقر الاجتماع. لاحظ مصطفى أن العضوين الآخرين لم يكونا على علم بتوجيهات الأسد. اصطحبت المخابرات العمانية الوفد السوري إلى فيلا فاخرة منعزلة تطل على خليج في بحر عمان. ولدى وصولهم كان الوفد العماني في استقبالهم. جلسوا في غرفة استقبال كبيرة، وبعد تبادل قصير للمجاملات وصل أعضاء الوفد الأميركي. وقال مسؤول مطلع على المفاوضات، إنه كان واضحا أن الوفد السوري لم يكن قادرا على تخمين الكيفية التي سيتعامل الأميركيون معهم بها. هل سيكونون باردين ومتباعدين أم لطفاء؟ هل سيصافحونهم أم سيكتفون بإيماءة من الرأس؟ عندما وصل الوفد الأميركي إلى غرفة الاستقبال بدأوا بمصافحة المضيفين العمانيين، ثم استداروا تجاه الوفد السوري وصافحوهم. وكعادة الأميركيين، رفعوا الكلفة فورا، وبدأوا بسؤال مصطفى عن رحلتهم من دمشق إلى مسقط، وعن الفندق الذي ينزلون فيه، وغير ذلك من الأمور غير المهمة. بدأ الأميركيون الحديث، قدموا التعاطف والتعازي للشعب السوري إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المدن السورية قبل أيام في فبراير، ثم انتقل بريت ماكغورك للحديث عن أهمية التعاون بشأن أوستن تايس في العاشرة صباحا، اصطحب العمانيون الوفدين إلى غرفة الاجتماعات، ألقوا كلمة ترحيبية قصيرة ثم انسحبوا تاركين الوفدين التفاوضيين على انفراد. لم يكن هناك أي مترجمين. دار الحديث باللغة الإنكليزية التي كان مصطفى يتقنها. العميد بريدي كان ملما بها يفهم معظم ما يقال ولكنه لم يكن متمرسا بالحديث بها، أما العميد إبراهيم فلم يكن يعرف كلمة إنكليزية واحدة. "كان العميد بريدي يسجل الحديث الدائر بجهاز صغير كان معه"، حسب قول أحد المشاركين. بدأ الأميركيون الحديث، قدموا التعاطف والتعازي للشعب السوري إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المدن السورية قبل أيام في فبراير، ثم انتقل بريت ماكغورك للحديث عن أهمية التعاون بشأن أوستن تايس، وكيف أن هذا التعاون سيغير من طبيعة العلاقات السورية-الأميركية، وسيفتح آفاقا للتعاون حول ملفات أخرى. كان ماكغورك يتكلم لخمس أو ست دقائق، ثم كان يعطي الحديث لجوشوا غيلتزر فيتكلم هو الآخر لخمس أو ست دقائق فيعود ماكغورك لاستئناف حديثه، ثم يعطي المجال لستيفن غيلين قبل أن يكرر مرة أخرى أهمية التعاون حول أوستن تايس. ولم يخل الجو من بعض الغرابة. وقال أحد المشاركين: "كان العميد ماجد إبراهيم يلتفت إلى السفير مصطفى ويسأله بصوت عال: ما الذي يقولونه؟ فيطلب مصطفى من ماكغورك التوقف لبرهة وجيزة ليلخص للعميد إبراهيم ما قاله الأميركيون بصوت عال وبالعربية". أما عضوة الوفد التي كانت تمثل استخبارات الدفاع الأميركية فكانت تتابع تدوين ما يقوله مصطفى بالعربية لماجد إبراهيم، فأدرك أنها تلم بالعربية إلماما جيدا. ولاحظ أيضا علامات الدهشة ترتسم على وجوه أعضاء الوفد الأميركي. فليس من المألوف في المفاوضات الدولية أن يوقف رئيس الوفد مجريات الاجتماع ليلخص لأحد أعضاء الوفد ما الذي كان يدور حوله! بعد حوالي الساعة وعشر دقائق من حديث الوفد الأميركي، بدأ مصطفى بالحديث، استعرض معهم تاريخ العلاقات السورية-الأميركية، وحدثهم عن خبرته السابقة في التعامل مع مدير "سي آي إيه" ويليام بيرنز والذي كان يتعامل معه بشكل كبير بصفته السابقة كنائب لوزير الخارجية الأميركي، وكيف تعاونا في كثير من الملفات قبل انهيار العلاقات الثنائية. كان مصطفى يتحدث عن العلاقات الدولية والصراع العربي الإسرائيلي، أو التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وغير ذلك من قضايا السياسة الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط. لاحظ مسؤول غربي أن مصطفى "لم يتحدث مطلقا عن موضوع أوستن تايس رغم إلحاح الأميركيين المتكرر عليه ليناقشهم حول موضوع تايس"، دون أن يعرف الجانب الأميركي أن "الأسد وجهه بأن يقول بأن أوستن تايس ليس عندنا، ففضل بدلا عن ذلك أن لا يقول شيئا". وزاد: "لعدة مرات كان ماجد إبراهيم يقاطعه ليسأله: ما الذي تقوله لهم؟ " فيبتسم أعضاء الوفد، ويبتسم الوفد الأميركي لغرابة الموقف. بعد انتهاء حديث مصطفى، عاد الوفد الأميركي برأسيه بريت وجوشوا فأكدا على ضرورة التعاون لكشف مصير أوستن تايس، وقال ماكغورك: "نحن ندرك أن سوريا تشهد حربا طاحنة على أراضيها، وندرك أن السيطرة على الأراضي تتغير دون توقف، ونعلم أن أوستن تايس كان قد وقع في قبضة الأمن السوري فاحتجز لديهم، ثم نعلم أنه تمكن من الفرار من سجنه حيث تواصل معنا وأرسل لنا رسالة فيديو قصيرة، ثم اختفت آثاره، ربما هو الآن بحوزتكم، ربما قتلته إحدى الجماعات المسلحة، ربما قتل وهو قيد الاحتجاز لديكم أثناء معارك الكر والفر بينكم وبين المعارضة، نحن لا نهدف إلى توجيه اللوم، نحن نريد كشف مصيره، هذا هو التعاون الذي نطلبه منكم". في الواحدة ظهرا، قاطع المضيفون العمانيون الاجتماع ودعوا الطرفين لتناول الغداء على طاولة مشتركة. أجلسوا مصطفى بين ماكغورك وغيلتزر وجلس بريدي على يمين ماكغورك، وإبراهيم على يسار غيلتزر. على الطرف المقابل حول المائدة جلس العمانيون وسائر أعضاء الوفد الأميركي. وقال أحد المشاركين: "كانت الأحاديث هادئة وودية وشملت أمورا كثيرة، سألوا مصطفى عن الفرق بين تجربته في واشنطن وتجربته في بكين، فيما جلست مندوبة مخابرات الدفاع الأميركية على يمين سامر بريدي وانخرطت معه في أحاديث مطولة. أما ماجد إبراهيم فاكتفى بتناول الطعام وتبادل عبارات المجاملة مع العمانيين". ويشير خبير مطلع على محضر الاجتماع: "كان هذا تكتيكا مألوفا لدى الأميركيين، كانوا يدرسون شخصية كل مفاوض على حدة، ويحاولون فهم ما الذي يدور حقا في ذهنه، وما هو موقفه غير الرسمي، وهل توجد وسيلة يمكنهم عبرها بناء قنوات مباشرة معه، أو الاستفادة منه في الحصول على معلومات ثمينة، بل حتى إغراؤه للعمل لصالحهم مقابل وعود ومكتسبات شخصية. كان عماد مصطفى معتادا على الطرق الأميركية هذه، فتعامل معها بتجاهل لطيف، فيما انهمكت السيدة الأميركية التي تتقن اللغة العربية بحديث مطول مع سامر بريدي، أما ماجد إبراهيم فكان صامتا معظم الوقت". كان الاقتصاد السوري في حالة انهيار تام، وكان الشعب السوري يعاني من حالة فقر غير مسبوقة، وها هم الأميركيون يقولون للسوريين: "خذوا آباركم وأعطونا أوستن تايس" مفاجأة غير متوقعة في الثانية بعد الظهر عاد الوفدان إلى غرفة الاجتماعات، وهنا فجر الأميركيون مفاجأة غير متوقعة. قال بريت ماكغورك: "من معرفتنا بكم، نحن ندرك جيدا أنكم لا تقدمون شيئا دون مقابل، ولذلك سنتقدم لكم بالعرض التالي. قوات جيشكم النظامي تتمركز على بعد مئات قليلة من الأمتار عن قواتنا الموجودة اليوم في حقلي عمر وكونيكو. نحن مستعدون لسحب قواتنا من هذين الحقلين والسماح لكم باستعادة السيطرة عليهما مقابل أن تتعاونوا معنا في كشف مصير أوستن تايس. طبعا لدينا شرطان لتحقيق هذا الانسحاب: أولهما أن لا تدخل إلى المنطقة التي ننسحب منها أي قوات غير نظامية، أي إن (الحرس الثوري) الإيراني وميليشيات (الحشد الشعبي) لا يمكنها دخول تلك المناطق، وثانيهما هو تحصيل حاصل: لا يجوز أن تستعمل الأراضي التي ننسحب منها منطلقا لأي هجوم بقذائف الهاون أو الكاتيوشا على قواتنا، وإلا فإننا سنجد أنفسنا مضطرين لإعادة احتلالها مرة أخرى". كان "العرض سخيا" حسب قناعة الوسطاء، إذ إن سوريا كانت تعاني من وطأة الحرمان من مصادرها النفطية، وكان الاقتصاد السوري في حالة انهيار تام، وكان الشعب السوري يعاني من حالة فقر غير مسبوقة، وها هم الأميركيون يقولون للسوريين: "خذوا آباركم وأعطونا أوستن تايس". لكن مصطفى كان مقيدا بتعليمات صارمة من الأسد بعدم التفاوض حول أي موضوع. لكن الضابطين المرافقين له لم يطلعا على هذا الأمر. وحسب قول أحد المشاركين: "قال مصطفى لبريدي: أعتقد أن هذا موضوع عسكري بحت وأنا لا علاقة لي بالأمور العسكرية والأمنية وبالتالي أترك لك مجال الكلام وأنا سأكتفي بالترجمة". أخرج بريدي فورا من حقيبته مجموعة خرائط تبين مواقع وجود القوات الأميركية في سوريا، وبدأ يرسم عليها بالقلم دوائر تبين الأماكن التي يجب عليهم الانسحاب منها. وقال المصدر: "عندما حاول الاقتراب من منطقة التنف أبلغوه بأن التنف خط أحمر، فهي موقع مهم لهم لحماية الدول المجاورة في إشارة إلى إسرائيل، من أي هجمات إرهابية جهادية". أخذ الجانب الأميركي تلك الخرائط، واتفق الجانبان على العودة إلى رؤسائهم في واشنطن ودمشق، على أن يعودوا فيلتقوا مرة ثانية بعد ثلاثة أسابيع في مسقط، أي في مارس/آذار المقبل. خلوة ماكغورك-مصطفى بعد انتهاء الجلسة في الساعة الخامسة والعشرين دقيقة من بعد ظهر اليوم نفسه، تقدم ماكغورك من مصطفى وطلب إليه أن يختلي معه ليتحدثا على انفراد. خرج الاثنان إلى شرفة خارجية تطل على منظر بديع لخليج عمان، كانت الشمس تميل إلى الغروب. وفي المياه المقابلة للفيلا كان هناك يختان يحومان بشكل دائري، قال ماكغورك لمصطفى: "أتعتقد أن هذين اليختين يتبعان للمخابرات وأنهما كانا يتنصتان على مفاوضاتنا؟". أجابه مصطفى بدعابة مماثلة: "أؤكد لك أنهما تابعان للمخابرات الإسرائيلية التي تريد أن تعرف مجريات الأمور بيننا". بعد ذلك انتقل الحديث إلى مواضيع جدية. قال ماكغورك لمصطفى: "أنا سأغادر مسقط اليوم، وسأتوجه مباشرة إلى تل أبيب. لدي موعد غدا صباحا مع نتنياهو، ما رأيك في أن أجس نبضه في مسألة عملية استئناف محادثات السلام الإسرائيلية-السورية؟ سيكون لاستئناف هذه المحادثات وقع إيجابي هائل لدى أعضاء الكونغرس والمعارضين داخل الإدارة الأميركية لأي انفتاح أو تقارب مع سوريا". أجاب مصطفى ماكغورك: "أقترح أن نحل مشاكلنا الثنائية أولا قبل البدء بالحديث عن مشاكلنا مع طرف ثالث". أجابه ماكغورك: "ربما كان الحق معك، فإذا تعاونتم معنا في حل قضية أوستن تايس سيؤدي هذا إلى خلق ديناميات جديدة تدفعنا للتفكير في إحياء محادثات السلام بينكم وبين إسرائيل". بعد ذلك طلب ماكغورك من مصطفى أن يتبادلا أرقام الاتصال المباشر باستخدام تطبيق "واتساب". أعطاه رقمه وسجل رقم مصطفى ثم تصافحا وغادر الجميع مكان الاجتماع. بعد عودة الوفد السوري إلى دمشق رفع مصطفى محضر الاجتماع إلى الأسد في عشرين صفحة. وقال مصدر: "غضب الأسد عندما قرأ أن العميد بريدي قد تفاوض مع الأميركيين حول تفاصيل الانسحاب من حقلي عمر وكونيكو، كما انزعج بشدة من عملية تبادل الأرقام بين ماكغورك ومصطفى". أبلغ المقداد مصطفى بأن "الأسد قد أمره بأن يقوم مصطفى بمسح رقم ماكغورك من هاتفه وحذره من أي اتصال مباشر مع ماكغورك". نفذ مصطفى الأمر الموجه إليه وقطع أي اتصال مباشر له مع ماكغورك. بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، أرسل ستيفن غيلين رسالة إلى مندوب سوريا الدائم في نيويورك بسام صباغ يعلمه فيها أن الجانب الأميركي يعتبر أن محادثات مسقط "كانت جيدة جدا ويريد مواصلتها". قام صباغ بإرسال محتوى هذه الرسالة إلى الوزير المقداد الذي رفعها إلى الأسد ما زاد من شكوكه بمصطفى. أبلغ الأسد الوزير المقداد أن المحادثات لم تؤد إلى أي نتيجة وأنه لا داعي لعقد جولة تالية. عود على بدء مرت الأسابيع الثلاثة المتفق عليها ولم يلتق الجانبان مرة أخرى وفق ما تم الاتفاق عليه في مسقط. في الفترة التالية تكرر سقوط قذائف الهاون على القوات الأميركية المتمركزة في شمال شرقي سوريا، أرسل بريت ماكغورك رسالتين إلى مصطفى يحذره فيها من عواقب سقوط تلك القذائف، ويشير إلى أنها لم تؤد إلى أي أضرار مادية ولكنها حطمت الروح الطيبة التي سادت أثناء اجتماع مسقط السابق. لم يتلق مصطفى هذه الرسائل لأن الأسد كان قد أمره بمحو رقم ماكغورك من هاتفه الخلوي. بقيت الرسائل غير مقروءة ودون رد، أثار ذلك سخط الجانب الأميركي. تكرر السيناريو السابق مرة أخرى. الأسد يرى أن لا فائدة من استئناف الحوار مع الأميركيين. العمانيون يرسلون مبعوثهم الخاص إلى دمشق للتوسط من جديد. الأميركيون يشعرون بأنه لا بد من رفع مستوى الحوار اعتقادا منهم أن الوفد السابق لم يكن يمتلك الصلاحيات الكافية للانخراط في حوار جدي. اقترحوا إرسال جيك سوليفان مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي على أن يرأس الوفد السوري اللواء علي مملوك. وقال مصدر مطلع: "ازداد غضب الأسد: لا علاقة لهم بمن يرأس وفدنا. وبدأت الشكوك تتسرب إلى نفسه من إصرار الأميركيين على اللواء مملوك". الاجتماع الثاني ومن جديد، تحدث سطان عمان إلى الأسد الذي وافق مرة ثانية على أن يذهب الوفد نفسه الذي ذهب في المرة الأولى. الأميركيون وافقوا على الاجتماع الثاني. توجه الوفد السوري مرة ثانية إلى مسقط للاجتماع مع الأميركيين يوم 23 مايو/أيار 2023، أي بالتزامن مع حضور الأسد القمة العربية في جدة لأول مرة منذ 2012. كانوا يدركون أن "رحلتهم لا طائل منها وأن الأسد متعنت بطريقة غير مفهومة، وأن المفاوضات ستكون شكلية وأنها مجرد بادرة لطف إرضاء للعمانيين"، حسب قول أحدهم. تأخر انعقاد الاجتماع الثاني في مسقط 10 ساعات عن موعده المحدد أصلا. قضاها الوفد السوري في الفندق ينتظر نقله إلى قاعة الاجتماعات السابقة. في السابعة مساء التقى الجانبان مرة ثانية. كان ماكغورك هذه المرة أقل كياسة وأكثر مجابهة. بدأ حديثه بأن قال لمصطفى: "لا داعي لأن نخوض في أي تفاصيل طالما أنتم غير موافقين على مناقشة مسألة أوستن تايس". ومرة أخرى تجنب مصطفى الخوض في أي حديث عن تايس. طبعا كانت هناك عشرات من الأسئلة المحيرة التي تدور في ذهن مصطفى، فهو لم يكن قادرا على تلمس حقيقة اختفاء أوستن تايس، الحقيقة القاطعة الوحيدة لديهم كانت أن الأسد يرفض تماما أي حوار حول مصير تايس. وقال أحد المشاركين: "هل يعقل أن تضيع سوريا فرصة استرداد حقلي العمر وكونيكو بسبب هذا الإصرار العنيد على عدم مناقشة موضوع تايس؟ ربما هناك أشياء أخرى مجهولة ، ولكن هذا ما كان عليه واقع الحال". دام الاجتماع ساعة وعشر دقائق وانتهى بسرعة دون أي نقاش جدي حول أي موضوع ذي شأن. الإمارات العربية تدخل انقطعت جميع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وسوريا بعد فشل الاجتماع الثاني. وظلت سبل التواصل منقطعة حتى يناير/كانون الثاني 2024. في ذلك الشهر أبلغ الأسد المقداد أن الإمارات طلبت توسطا من الأميركيين، وأنها ألحت كثيرا في رفع مستوى الوفد التفاوضي السوري وإرسال اللواء علي مملوك مع السفير مصطفى وغيرهما من الضباط إلى أبوظبي حيث سيأتي جيك ساليفان مع بريت ماكغورك وجوشوا غيلتزر. أعلم الأسد المقداد أنه قد وافق على عقد اجتماع ثالث من حيث المبدأ، وأنه سيرفع مستوى تمثيل الوفد التفاوضي، ولكن لديه مشكلة واحدة، هي أنه لا يريد إرسال اللواء علي مملوك. لقد بدأ إلحاح الأميركيين في إرسال اللواء مملوك يثير حفيظته، بل وحتى ريبته. أعلم الأسد وزير خارجيته أنه سيرسل وفدا جديدا للتفاوض مع الأميركيين، غير أنه لا داعي لاستعجال الموضوع. ونقل عنه قوله: "المهم أن نبلغ أبوظبي بموافقتنا على الاقتراح، وسنتريث في تحديد الموعد الجديد". في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيسا لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشارا أمنيا بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته (مملوك) في المفاوضات. في سبتمبر/أيلول 2024، تدخلت عمان ثانية لاستئناف الحوار بين واشنطن ودمشق. اللافت، أن الأسد أعفى مملوك من منصبه بشكل مفاجئ وأعطاه أياما لتسليم مكتبه وأرسله إلى منزله. وقال مصدر: "حتى اليوم لا يعرف مملوك سبب التغير المفاجئ من قبل الأسد تجاهه. هل لهذا علاقة بإلحاح الأميركيين على ترؤسه للوفد السوري؟ أم إن هناك أمورا أخرى لا يعرفها إلا الأسد نفسه؟ هل سبب إخراجه جواز سفر فلسطيني لعائلته من الرئيس محمود عباس علاقة بذلك؟". وتزامن هذا مع انطلاق عملية إسرائيل ضد "حزب الله" التي أسفرت عن اغتيال قادته بمن فيهم زعيم "الحزب" حسن نصرالله. طلب الأسد من المقداد أن يرفع إليه اقتراحا بتشكيل وفد على مستوى أعلى. تشاور المقداد مع معاونيه ووجدوا أن الاقتراح الأنسب هو أن يتشكل الوفد من نائبه الجديد بسام صباغ وعضوية مصطفى، وأن يتم إبلاغ الجانب الأميركي بذلك. كان دور صباغ صاعدا في الخارجية وكانت هناك توقعات بأنه سيتبوأ قريبا منصب وزير الخارجية وهذا ما حصل بالفعل. وكانت لديه علاقة مع المقداد على عكس علاقات سلفه الجعفري، فيما كانت تربطه صلة قوية بمصطفى. رفع المقداد الاقتراح إلى الأسد فوافق عليه. ووجه وزارة الخارجية بأن تتواصل مع الأميركيين عبر الوسطاء طبعا لتحديد مكان وزمان الاجتماع القادم. في 23 سبتمبر شكل الأسد وزارة جديدة عين فيها صباغ وزيرا للخارجية. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني وجه صباغ، وزير الخارجية الجديد، تعليماته إلى مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك ليلتقي مع ستيفن غيلين فيتفق معه على مكان وتاريخ الاجتماع المقبل. اتفق غيلين مع السفير الضحاك على اللقاء في مقر البعثة السورية في نيويورك في 2 ديسمبر. وفي 27 نوفمبر أطلقت "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "هيئة تحرير الشام" برئاسة أحمد الشرع عملية "ردع العدوان" ودخلت بعد يومين حلب، بالتزامن مع زيارة سرية كان يقوم بها الأسد إلى موسكو لحضور حفل تخرج ابنه حافظ في جامعة روسية. في 2 ديسمبر، لم يأت ستيفن غيلين للاجتماع مع السفير الضحاك، ولم يتصل به لتأجيل الموعد أو إلغائه. وبذلك انتهى الفصل الأخير من قصة الحوار الأميركي مع نظام الأسد. وفي 8 ديسمبر دخلت "إدارة العمليات" بقيادة "هيئة تحرير الشام" دمشق العاصمة، وفي 14 مايو/أيار التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض، برعاية ووساطة سعودية، معلنا رفع العقوبات عن سوريا واستعادة العلاقات الثنائية.-(ابراهيم الحميدي-مجلة المجلة) الغد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store