
لا تفرحوا بإنقاذ أنفسكم!
طرفان فقط مازال لهما وزنٌ في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني: المقاومة في غزة وفي اليمن. أما بقية الأطراف فوزنُها لا يتعدى وزنَ الكلمات التي تتلفظ بها وفودُها من تصريح إلى تصريح ومن قمة إلى قمة، ليس لأن الكلمة لا قيمة لها ولا تأثير، ولكن لأنها كلمات جوفاء بلا محتوى وبلا هدف. ماذا لو جرى النطق في القمة العربية بعبارات مثل: 'قطع العلاقات الدبلوماسية' فورا أو 'وقف الاتفاقيات الإبراهيمية' فورا و'إدخال المساعدات إلى غزة' فورا… هل كان الكيان سيستمر في جرائمه ضد الأبرياء، وفي إبادتهم وتجويعهم إلى حد الموت؟ لن يحدث ذلك، إما أن يذعن لما هو مطلوب أو يتحول إلى كيان منبوذ في المنطقة مهدد بالانهيار في أيِّ لحظة.
ما الذي يمنع صدور مثل هذه الكلمات من القمة العربية؟ ما الذي يجعل الخوف والحسابات الضيقة سيدة الموقف وكل يسعى لإنقاذ نفسه عبر قارب ترامب قبل أن يُنقذ غزة وفلسطين؟ إنها الحقائق على أرض الواقع، إنها مُحصِّلة إستراتيجية أمريكية صهيونية غربية طُبِّقت تجاه المنطقة هذه عقود من الزمن لتصل إلى الحال التي هي عليها الآن. إنها لعبة الأمم الصليبية المتحالفة مازالت تفرض منطقها بكافة الوسائل وتُحقق أهدافها للأسف الواحد تلو الآخر. لا تقف في وجهها سوى مقاومة محدودة الإمكانات، مُحاصَرة من كل جانب تحتاط للعدو فيطعنها الأخ والصديق من حيث لم تكن تتوقع…
ألا نلاحظ اليوم كيف أن مشروع التطبيع الذي بدأ بدولة واحدة وكانت للأسف دولة مركزية هي مصر بتلك الزيارة المشؤومة للرئيس السادات للقدس سنة 1977، بات اليوم هو مشروع أغلب الدول العربية والإسلامية؟ مَن بقي غير مطبِّع من الكيان من الدول المحيطة به مباشرة بعد أن بدأت المشاورات مع سوريا الجديدة للالتحاق بمركب ترامب؟ لم يبق سوى لبنان يكافح بما لديه من قوة على الجبهتين الداخلية والخارجية لعلَّه يُنقذ الموقف ويبقى آخر حلقة رافضة للتطبيع؟ وماذا يستطيع لبنان أن يفعل وقد دفع الثمن غاليا في حرب دعمه لغزة وبات اقتصاده هشا غير قادر على النهوض من دون الرأسمال الخليجي والمساعدات الغربية؟ ألا يعدّ هذا الواقع دليلا واضحا على أن ما تقوم به المقاومة اليوم في غزة هو الصمود الأخير لوضع حد لهذا الانهيار المتسارع منذ 47 سنة؟ أليس ما تقوم به المقاومة اليوم هو ضرب من مواجهة المستحيل، أكثر من العمل البطولي وأكثر من الثّبات وأكثر من التضحية؟ فِعل غير مسبوق في تاريخ المنطقة إن لم يكن في تاريخ البشرية؟! مواجهة الكل من دون استسلام أو خضوع، مواجهة العدو المباشر المُدجَّج بالسلاح والمالك لجميع وسائل الحرب والمُدعَّم من أكبر قوة عسكرية في العالم، ومواجهة الأخ الجار غير القادر على قول كلمة 'لا' وغير القادر على إدخال رغيف الخبز للأطفال والنساء، بل والساعي لاسترضاء راعي الحرب الأول في فلسطين بتريليونات الدولارات بكيفية فيها الكثير من الذل والخنوع والنفاق؟
أليست هذه هي حقيقة الأمر اليوم؟ ألم يبق أملنا في النصر رهينة طرفين فقط في المنطقة كلاهما يدافع بما أوتي من قوة، بشجاعة وصبر غير مسبوقين: أبطال غزة وأبطال اليمن؟ هل سيكون المستقبل لهما وقد باتت كل المؤشرات تدل على خلاف ذلك؟ هل ينتصر الضعيف على القوي، لأنه صاحب حق؟ هل ستفيق دول المنطقة بأن امتلاك مظاهر التطور التكنولوجي والعمراني والرفاه المادي على مختلف المستويات والإحساس بأنها قد أنقذت نفسها بالتعلق بقارب ترامب، ليست سوى أوهام ستزول فورا يوم يبدأ الأمريكان والصهاينة يفقدون زمام المبادرة في الداخل من خلال تناقضاتهم البَينية وفي الخارج من خلال صعود قوى دولية جديدة لا تعترف بسيطرتهم العالمية: لا أقول الصين وروسيا وإيران وباكستان… الخ، إنما أقول أبطال المقاومة الشجعان في غزة واليمن، إن لم يصلوا اليوم فغدا لناظره قريب… قارب ترامب لن يَصمد كثيرا لو كنتم تعلمون، والأيام بيننا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جزايرس
منذ 3 ساعات
- جزايرس
هل نحن على أبواب شرق أوسط جديد؟
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. بقلم: عبد الحميد صيام كأننا نعيش عالما من الخيال فما كان غير متخيل قبل بضعة أشهر نراه اليوم حقائق أمام عيوننا. فمن كان يعتقد أن أبومحمد الجولاني الذي وضعت الولايات المتحدة عشرة ملايين على رأسه حيا أو ميتا يلتقي برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي أعلن أمام قاعة مكتظة رفع العقوبات عن سوريا فقابله الحضور بالتصفيق والوقوف لدقائق معجبين بهذه الخطوة الجريئة حيث انتقلت مشاعر البهجة إلى المدن السورية التي عانت من الحصار الطويل والقاسي والشامل.من كان يعتقد أن الرئيس الأمريكي يعقد صفقة مع الحوثيين لوقف القتال تُستثنى منه إسرائيل وتستمر صواريخ أنصار الله الفرط صوتية تنهمر على مطار اللد وتغلقه أمام الملاحة الجوية دون أن يثير ذلك ردود فعل قاسية من حليفة الكيان الأساسية التي موّلت حرب الإبادة وقدمت له كل أنواع الأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخباراتية. من كان يعتقد أن في المئة يوم الأولى تفتح إدارة ترامب مفاوضات مع إيران عن طريق عُمان حول برنامجها النووي. والأكثر من هذا وذاك من كان يتخيل أن الرئيس الأمريكي الذي حدد مهلة لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لإطلاق جميع الرهائن دون قيد أو شرط وإلا فلينتظروا فتح أبواب جهنم عاد وفتح قنوات اتصال مباشرة مع حركة حماس وتوصل معهم إلى صفقة (لا نعرف تفاصيلها) تضمنت إطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان الكسندر دون قيد أو شرط ثم تستمر الاتصالات التي قد تسفر عن وقف إطلاق نار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية. *ثمن وقف الحرب على غزة هذه التطورات والمفاجآت لم تشمل فقط منطقة الشرق الأوسط بل شملت العالم من شرقه إلى غربه. وأهم تلك التطورات السعي الجاد لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية والضغط على الحليف زيلينسكي لتقديم تنازلات خاصة التوقف عن الحديث عن شبه جزيرة القرم التي أصلا تعود ملكيتها إلى روسيا. ومن التطورات الكبرى التخلي عن الورقة الكردية وتمكين تركيا من إقفال ملف الصراع الطويل مع الأكراد خاصة مع حزب العمال الكردستاني. وقد توافقت الآراء بين العراق وتركيا على هذا الملف ووقع الطرفان اتفاقية شاملة يوم 13 مارس 2025. ومن التطورات الغريبة أن يستنجد نارانردا مودي بترامب ليتوسط له مع رئيس وزراء باكستان لوقف إطلاق النار بعد الإذلال الذي تعرض له ليلة السبت الماضي في المعركة الجوية الحاسمة التي خسرت الهند فيها خمس طائرات وتم تدمير مواقع الصواريخ ومعسكرات إطلاق الطائرات المسيرة. وبالفعل توقفت الحرب فورا. والأهم من هذا وذاك هو التهدئة مع الصين ولو مؤقتا فبعد رفع التعريفات الجمركية لمستويات خيالية ضد الصين تراجع وجلس وفدان من البلدين في جنيف ليدرسا إمكانية السيطرة على المواجهات التجارية ولتخفيض التعريفات الجمركية من 126 في المئة و200 في المئة على السيارات و60 في المئة على العديد من المستوردات إلى 10 في المئة. تراجع ترامب كثيرا عن مواقفه الرعناء المتعلقة بالمسكيك وكندا وغرينلاند وبنما وغيرها. لكن يجب أن نبقى حذرين فالرجل ما بين غمضة عين والتفاتها يبدل مواقفه دون أي تردد أو خجل أو خوف. كل هذه الإجراءات التي اتخذها ترامب قبل أن يكمل شهوره الأربعة الأولى. فما بالك ببقية ال 44 شهرا المقبلة؟*زيارة دول الخليج كانت أولى زياراته في دورته الأولى دول الخليج واختار المنطقة نفسها لأولى زياراته خارج الولايات المتحدة. في المرة الأولى كانت أساسا زيارة تجريف أموال انتقل من الرياض إلى إسرائيل ووضع القلنسوة على رأسه وذهب لأداء الزيارة المطلوبة والمفروضة على كل الزعماء. كانت السعودية آنذاك في وضع صعب والصراع على ولاية العهد كانت ما زالت قائمة واعتقال أغنياء العائلة كانت مستمرة ووضع المرأة في السعودية كان مثار نقد عالمي. الخلافات بين دول الخليج وقطر كانت على وشك الانفجار ولم ينضم الشيح تميم لدول الخليج الأخرى في تقديم المليارات لترامب آثر أن يتعامل معه مباشرة دون المرور بالمحطة السعودية. التوتر بين السعودية وإيران كان في أوجه وعلاقات السعودية مع الصين وروسيا كانت غير مستقرة. أما الحرب في اليمن التي دخلتها السعودية منذ عام 2015 استقرت نوعا ما بعد قبول الطرفين وقف إطلاق النار لأكثر منذ سنتين وأصبحت المفاوضات بين الطرفين في عُمان تتقدم ولو ببطء. إذن الأوضاع الآن تغيرت ولصالح السعودية. علاقتها مع إيران جيدة ومع الصين وروسيا. وانضمت إلى مجموعة بريكس وطويت صفحة مقتل خاشقجي وانتهى دور الشرطة الدينية وأعطيت المرأة الكثير من الحقوق. ما تريده السعودية دعما أمريكيا في مجال الطاقة الجديدة والذكاء الصناعي والقوة العسكرية والأهم من هذا وذاك ما تريده السعودية بدعم قطري اختراق على الجبهتين الفلسطينية خاصة في حرب الإبادة وعلى الجبهة السورية في رفع العقوبات لإعطاء البلاد فرصة للنهوض. وهذا ما يرى محمد بن سلمان أنه قادر على تحقيقه من زيارة ترامب وإذا كان الثمن صرة كبيرة من المال فلا بأس في ذلك. بالنسبة لسوريا فهي بلد في عين العاصفة. اضطرابات داخلية واختراقات إسرائيلية متواصلة واقتصاد على وشك الانهيار وعقوبات قاسية عطلت كل أنواع التعافي وعلى مستويات شعبية كذلك. هناك دولة خليجية مدعومة من الكيان الصهيوني تشد سوريا نحو التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني. تركيا الدولة الأكثر تأثيرا في سوريا والأكثر تداخلا في الشأن السوري منذ 2011 تريد لسوريا أن تقلد النموذج التركي وأن تدخل في اتفاقيات شاملة مع تركيا تشمل الاقتصاد والأمن والطاقة. قطر تدعم هذا التوجه دون الإصرار على قضية التطبيع بيضة القبان بين المحورين هي السعودية. لا عجب إن كانت أول زيارة للشرع خارج سوريا للسعودية وقد أخذت السعودية كما يبدو على عاتقها دعم سوريا وإبعادها أكثر عن المحور الإيراني. وبهذه الصفقة التي حققتها مع ترامب لصالح سوريا تكون القيادة السورية قد ربطت موقفها بموقف السعودية من قضية التطبيع ونعتقد أن نظام الشرع لن يطبع مع إسرائيل إلا إذا كانت السعودية تقود صف المطبعين الجدد. التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني قد لا يأتي في أول الطريق بل في آخرها فمقابل الصفقات الخيالية والهدايا غير المسبوقة من دول الخليج لترامب قد يكون ثمنا لوقف الحرب على غزة والانتقال إلى خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتوجه نحو تجسيدها. وهذا ما يفسر الحنق الذي أظهره نتنياهو خاصة بعد أن أعلن رسميا أن هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة حماس. هل هذا السيناريو مؤكد؟ بالطبع لا. لكنه المدخل إلى جائزة نوبل للسلام التي تحتل جزءا من تفكير ترامب. والأكيد أن البوابة المزدوجة لتلك الجائزة تقع في كييف وغزة. فإذا أوقف النزيف الإنساني غير المسبوق في غزة وأوقف الحرب الروسية الأوكرانية وربما بمساعدة من أردوغان فلا شك أن ترامب سيتوج مسيرته الدبلوماسية بالجائزة. نحن لا نثق في ترامب لكننا نعتبره صاحب القرارات الشجاعة والآنية وغير المتوقعة والتي تمجده شخصيا غضب من غضب ورضي من رضي. لكننا نخشى أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة بعد الخروج من منطقة الخليج فيعود إلى عشقه الأبدي للكيان الصهيوني بعد أن جرّف أموال العرب. وسنرى في أي اتجاه يسير: شريك في الإبادة كسلفه الأهوج بايدن؟ أم هندسة شرق أوسط جديد قائم على السلم والازدهار والتعاون وإغلاق ملف القتل الجماعي والتدمير والأبرثهايد. ستبدي لنا الأيام المقبلة ما نجهله الآن.


أخبار اليوم الجزائرية
منذ 3 ساعات
- أخبار اليوم الجزائرية
هل نحن على أبواب شرق أوسط جديد؟
بقلم: عبد الحميد صيام كأننا نعيش عالما من الخيال فما كان غير متخيل قبل بضعة أشهر نراه اليوم حقائق أمام عيوننا. فمن كان يعتقد أن أبومحمد الجولاني الذي وضعت الولايات المتحدة عشرة ملايين على رأسه حيا أو ميتا يلتقي برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي أعلن أمام قاعة مكتظة رفع العقوبات عن سوريا فقابله الحضور بالتصفيق والوقوف لدقائق معجبين بهذه الخطوة الجريئة حيث انتقلت مشاعر البهجة إلى المدن السورية التي عانت من الحصار الطويل والقاسي والشامل. من كان يعتقد أن الرئيس الأمريكي يعقد صفقة مع الحوثيين لوقف القتال تُستثنى منه إسرائيل وتستمر صواريخ أنصار الله الفرط صوتية تنهمر على مطار اللد وتغلقه أمام الملاحة الجوية دون أن يثير ذلك ردود فعل قاسية من حليفة الكيان الأساسية التي موّلت حرب الإبادة وقدمت له كل أنواع الأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخباراتية. من كان يعتقد أن في المئة يوم الأولى تفتح إدارة ترامب مفاوضات مع إيران عن طريق عُمان حول برنامجها النووي. والأكثر من هذا وذاك من كان يتخيل أن الرئيس الأمريكي الذي حدد مهلة لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لإطلاق جميع الرهائن دون قيد أو شرط وإلا فلينتظروا فتح أبواب جهنم عاد وفتح قنوات اتصال مباشرة مع حركة حماس وتوصل معهم إلى صفقة (لا نعرف تفاصيلها) تضمنت إطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان الكسندر دون قيد أو شرط ثم تستمر الاتصالات التي قد تسفر عن وقف إطلاق نار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية. *ثمن وقف الحرب على غزة هذه التطورات والمفاجآت لم تشمل فقط منطقة الشرق الأوسط بل شملت العالم من شرقه إلى غربه. وأهم تلك التطورات السعي الجاد لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية والضغط على الحليف زيلينسكي لتقديم تنازلات خاصة التوقف عن الحديث عن شبه جزيرة القرم التي أصلا تعود ملكيتها إلى روسيا. ومن التطورات الكبرى التخلي عن الورقة الكردية وتمكين تركيا من إقفال ملف الصراع الطويل مع الأكراد خاصة مع حزب العمال الكردستاني. وقد توافقت الآراء بين العراق وتركيا على هذا الملف ووقع الطرفان اتفاقية شاملة يوم 13 مارس 2025. ومن التطورات الغريبة أن يستنجد نارانردا مودي بترامب ليتوسط له مع رئيس وزراء باكستان لوقف إطلاق النار بعد الإذلال الذي تعرض له ليلة السبت الماضي في المعركة الجوية الحاسمة التي خسرت الهند فيها خمس طائرات وتم تدمير مواقع الصواريخ ومعسكرات إطلاق الطائرات المسيرة. وبالفعل توقفت الحرب فورا. والأهم من هذا وذاك هو التهدئة مع الصين ولو مؤقتا فبعد رفع التعريفات الجمركية لمستويات خيالية ضد الصين تراجع وجلس وفدان من البلدين في جنيف ليدرسا إمكانية السيطرة على المواجهات التجارية ولتخفيض التعريفات الجمركية من 126 في المئة و200 في المئة على السيارات و60 في المئة على العديد من المستوردات إلى 10 في المئة. تراجع ترامب كثيرا عن مواقفه الرعناء المتعلقة بالمسكيك وكندا وغرينلاند وبنما وغيرها. لكن يجب أن نبقى حذرين فالرجل ما بين غمضة عين والتفاتها يبدل مواقفه دون أي تردد أو خجل أو خوف. كل هذه الإجراءات التي اتخذها ترامب قبل أن يكمل شهوره الأربعة الأولى. فما بالك ببقية الـ 44 شهرا المقبلة؟ *زيارة دول الخليج كانت أولى زياراته في دورته الأولى دول الخليج واختار المنطقة نفسها لأولى زياراته خارج الولايات المتحدة. في المرة الأولى كانت أساسا زيارة تجريف أموال انتقل من الرياض إلى إسرائيل ووضع القلنسوة على رأسه وذهب لأداء الزيارة المطلوبة والمفروضة على كل الزعماء. كانت السعودية آنذاك في وضع صعب والصراع على ولاية العهد كانت ما زالت قائمة واعتقال أغنياء العائلة كانت مستمرة ووضع المرأة في السعودية كان مثار نقد عالمي. الخلافات بين دول الخليج وقطر كانت على وشك الانفجار ولم ينضم الشيح تميم لدول الخليج الأخرى في تقديم المليارات لترامب آثر أن يتعامل معه مباشرة دون المرور بالمحطة السعودية. التوتر بين السعودية وإيران كان في أوجه وعلاقات السعودية مع الصين وروسيا كانت غير مستقرة. أما الحرب في اليمن التي دخلتها السعودية منذ عام 2015 استقرت نوعا ما بعد قبول الطرفين وقف إطلاق النار لأكثر منذ سنتين وأصبحت المفاوضات بين الطرفين في عُمان تتقدم ولو ببطء. إذن الأوضاع الآن تغيرت ولصالح السعودية. علاقتها مع إيران جيدة ومع الصين وروسيا. وانضمت إلى مجموعة بريكس وطويت صفحة مقتل خاشقجي وانتهى دور الشرطة الدينية وأعطيت المرأة الكثير من الحقوق. ما تريده السعودية دعما أمريكيا في مجال الطاقة الجديدة والذكاء الصناعي والقوة العسكرية والأهم من هذا وذاك ما تريده السعودية بدعم قطري اختراق على الجبهتين الفلسطينية خاصة في حرب الإبادة وعلى الجبهة السورية في رفع العقوبات لإعطاء البلاد فرصة للنهوض. وهذا ما يرى محمد بن سلمان أنه قادر على تحقيقه من زيارة ترامب وإذا كان الثمن صرة كبيرة من المال فلا بأس في ذلك. بالنسبة لسوريا فهي بلد في عين العاصفة. اضطرابات داخلية واختراقات إسرائيلية متواصلة واقتصاد على وشك الانهيار وعقوبات قاسية عطلت كل أنواع التعافي وعلى مستويات شعبية كذلك. هناك دولة خليجية مدعومة من الكيان الصهيوني تشد سوريا نحو التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني. تركيا الدولة الأكثر تأثيرا في سوريا والأكثر تداخلا في الشأن السوري منذ 2011 تريد لسوريا أن تقلد النموذج التركي وأن تدخل في اتفاقيات شاملة مع تركيا تشمل الاقتصاد والأمن والطاقة. قطر تدعم هذا التوجه دون الإصرار على قضية التطبيع بيضة القبان بين المحورين هي السعودية. لا عجب إن كانت أول زيارة للشرع خارج سوريا للسعودية وقد أخذت السعودية كما يبدو على عاتقها دعم سوريا وإبعادها أكثر عن المحور الإيراني. وبهذه الصفقة التي حققتها مع ترامب لصالح سوريا تكون القيادة السورية قد ربطت موقفها بموقف السعودية من قضية التطبيع ونعتقد أن نظام الشرع لن يطبع مع إسرائيل إلا إذا كانت السعودية تقود صف المطبعين الجدد. التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني قد لا يأتي في أول الطريق بل في آخرها فمقابل الصفقات الخيالية والهدايا غير المسبوقة من دول الخليج لترامب قد يكون ثمنا لوقف الحرب على غزة والانتقال إلى خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتوجه نحو تجسيدها. وهذا ما يفسر الحنق الذي أظهره نتنياهو خاصة بعد أن أعلن رسميا أن هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة حماس. هل هذا السيناريو مؤكد؟ بالطبع لا. لكنه المدخل إلى جائزة نوبل للسلام التي تحتل جزءا من تفكير ترامب. والأكيد أن البوابة المزدوجة لتلك الجائزة تقع في كييف وغزة. فإذا أوقف النزيف الإنساني غير المسبوق في غزة وأوقف الحرب الروسية الأوكرانية وربما بمساعدة من أردوغان فلا شك أن ترامب سيتوج مسيرته الدبلوماسية بالجائزة. نحن لا نثق في ترامب لكننا نعتبره صاحب القرارات الشجاعة والآنية وغير المتوقعة والتي تمجده شخصيا غضب من غضب ورضي من رضي. لكننا نخشى أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة بعد الخروج من منطقة الخليج فيعود إلى عشقه الأبدي للكيان الصهيوني بعد أن جرّف أموال العرب. وسنرى في أي اتجاه يسير: شريك في الإبادة كسلفه الأهوج بايدن؟ أم هندسة شرق أوسط جديد قائم على السلم والازدهار والتعاون وإغلاق ملف القتل الجماعي والتدمير والأبرثهايد. ستبدي لنا الأيام المقبلة ما نجهله الآن. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة


الشروق
منذ 3 ساعات
- الشروق
لا تفرحوا بإنقاذ أنفسكم!
طرفان فقط مازال لهما وزنٌ في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني: المقاومة في غزة وفي اليمن. أما بقية الأطراف فوزنُها لا يتعدى وزنَ الكلمات التي تتلفظ بها وفودُها من تصريح إلى تصريح ومن قمة إلى قمة، ليس لأن الكلمة لا قيمة لها ولا تأثير، ولكن لأنها كلمات جوفاء بلا محتوى وبلا هدف. ماذا لو جرى النطق في القمة العربية بعبارات مثل: 'قطع العلاقات الدبلوماسية' فورا أو 'وقف الاتفاقيات الإبراهيمية' فورا و'إدخال المساعدات إلى غزة' فورا… هل كان الكيان سيستمر في جرائمه ضد الأبرياء، وفي إبادتهم وتجويعهم إلى حد الموت؟ لن يحدث ذلك، إما أن يذعن لما هو مطلوب أو يتحول إلى كيان منبوذ في المنطقة مهدد بالانهيار في أيِّ لحظة. ما الذي يمنع صدور مثل هذه الكلمات من القمة العربية؟ ما الذي يجعل الخوف والحسابات الضيقة سيدة الموقف وكل يسعى لإنقاذ نفسه عبر قارب ترامب قبل أن يُنقذ غزة وفلسطين؟ إنها الحقائق على أرض الواقع، إنها مُحصِّلة إستراتيجية أمريكية صهيونية غربية طُبِّقت تجاه المنطقة هذه عقود من الزمن لتصل إلى الحال التي هي عليها الآن. إنها لعبة الأمم الصليبية المتحالفة مازالت تفرض منطقها بكافة الوسائل وتُحقق أهدافها للأسف الواحد تلو الآخر. لا تقف في وجهها سوى مقاومة محدودة الإمكانات، مُحاصَرة من كل جانب تحتاط للعدو فيطعنها الأخ والصديق من حيث لم تكن تتوقع… ألا نلاحظ اليوم كيف أن مشروع التطبيع الذي بدأ بدولة واحدة وكانت للأسف دولة مركزية هي مصر بتلك الزيارة المشؤومة للرئيس السادات للقدس سنة 1977، بات اليوم هو مشروع أغلب الدول العربية والإسلامية؟ مَن بقي غير مطبِّع من الكيان من الدول المحيطة به مباشرة بعد أن بدأت المشاورات مع سوريا الجديدة للالتحاق بمركب ترامب؟ لم يبق سوى لبنان يكافح بما لديه من قوة على الجبهتين الداخلية والخارجية لعلَّه يُنقذ الموقف ويبقى آخر حلقة رافضة للتطبيع؟ وماذا يستطيع لبنان أن يفعل وقد دفع الثمن غاليا في حرب دعمه لغزة وبات اقتصاده هشا غير قادر على النهوض من دون الرأسمال الخليجي والمساعدات الغربية؟ ألا يعدّ هذا الواقع دليلا واضحا على أن ما تقوم به المقاومة اليوم في غزة هو الصمود الأخير لوضع حد لهذا الانهيار المتسارع منذ 47 سنة؟ أليس ما تقوم به المقاومة اليوم هو ضرب من مواجهة المستحيل، أكثر من العمل البطولي وأكثر من الثّبات وأكثر من التضحية؟ فِعل غير مسبوق في تاريخ المنطقة إن لم يكن في تاريخ البشرية؟! مواجهة الكل من دون استسلام أو خضوع، مواجهة العدو المباشر المُدجَّج بالسلاح والمالك لجميع وسائل الحرب والمُدعَّم من أكبر قوة عسكرية في العالم، ومواجهة الأخ الجار غير القادر على قول كلمة 'لا' وغير القادر على إدخال رغيف الخبز للأطفال والنساء، بل والساعي لاسترضاء راعي الحرب الأول في فلسطين بتريليونات الدولارات بكيفية فيها الكثير من الذل والخنوع والنفاق؟ أليست هذه هي حقيقة الأمر اليوم؟ ألم يبق أملنا في النصر رهينة طرفين فقط في المنطقة كلاهما يدافع بما أوتي من قوة، بشجاعة وصبر غير مسبوقين: أبطال غزة وأبطال اليمن؟ هل سيكون المستقبل لهما وقد باتت كل المؤشرات تدل على خلاف ذلك؟ هل ينتصر الضعيف على القوي، لأنه صاحب حق؟ هل ستفيق دول المنطقة بأن امتلاك مظاهر التطور التكنولوجي والعمراني والرفاه المادي على مختلف المستويات والإحساس بأنها قد أنقذت نفسها بالتعلق بقارب ترامب، ليست سوى أوهام ستزول فورا يوم يبدأ الأمريكان والصهاينة يفقدون زمام المبادرة في الداخل من خلال تناقضاتهم البَينية وفي الخارج من خلال صعود قوى دولية جديدة لا تعترف بسيطرتهم العالمية: لا أقول الصين وروسيا وإيران وباكستان… الخ، إنما أقول أبطال المقاومة الشجعان في غزة واليمن، إن لم يصلوا اليوم فغدا لناظره قريب… قارب ترامب لن يَصمد كثيرا لو كنتم تعلمون، والأيام بيننا.