
من احتواء إيران إلى مواجهتها... كيف تغيرت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تعد المنطقة كما كانت. الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" على إسرائيل لم يكن فقط بداية حرب غزة، بل لحظة مفصلية أعادت خلط الأوراق الإقليمية والدولية، لتدخل المنطقة تدريجاً في مسار تصعيدي غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، مدعوم بأذرع طهران المنتشرة من لبنان إلى اليمن. وفي قلب هذه الدوامة، برز التحول الحاد في السياسة الأميركية، من غض الطرف عن النفوذ الإيراني إلى تموضع عسكري ودبلوماسي واضح يدفع نحو تفكيك النظام الإقليمي الذي تشكل منذ عام 2003، إذ شكل "طوفان الأقصى" لحظة مفصلية أعادت رسم أولويات واشنطن في المنطقة، ودفعت بها نحو تغيير جذري في مقاربتها لإيران ومحورها الإقليمي الممتد من لبنان إلى اليمن.
وتبدلت أولويات الولايات المتحدة داخل الشرق الأوسط منذ التدخل العسكري في أفغانستان والعراق مطلع الألفية، فقد شكل دخولها إلى العراق خلال عام 2003 نقطة تحول دراماتيكية، إذ أزال خصماً إقليمياً لإيران وفتح أمامها بوابات النفوذ في بغداد، ومنها إلى دمشق وبيروت وصنعاء. لعقدين تذبذبت واشنطن بين الاحتواء والتورط، بين الدبلوماسية والضربات الجوية.
وقبل السابع من أكتوبر، كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن تضع الشرق الأوسط في هامش سياساتها الدولية، إذ انسحبت من أفغانستان وقلصت عدد قواتها في العراق وسوريا، وركزت على مواجهة الصين في آسيا وروسيا في أوكرانيا. وفي هذا السياق، كانت واشنطن تتعامل مع إيران بمنطق "الاحتواء المشروط"، تضغط اقتصادياً عبر العقوبات لكنها تبقي الباب مفتوحاً أمام المفاوضات النووية، وبلغت تلك المقاربة ذروتها في صفقة الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة مقابل إطلاق سراح سجناء أميركيين خلال سبتمبر (أيلول) 2023.
الردع المزدوج
لكن الضربة التي تلقتها إسرائيل خلال السابع من أكتوبر 2023 غيرت المعادلة، إذ وجدت واشنطن نفسها في مواجهة جبهة إيرانية غير معلنة تتحداها، بدءاً من غزة مروراً بجنوب لبنان والعراق وسوريا، وصولاً إلى البحر الأحمر حيث أطلق الحوثيون صواريخهم على السفن الدولية. وجاء رد أميركا سريعاً عبر إرسال حاملتي طائرات إلى شرق المتوسط ونشر بطاريات باتريوت، وتعزيز قواعدها في الخليج وتوجيه ضربات محددة ضد ميليشيات موالية لإيران في سوريا والعراق. الرسالة كانت واضحة، منع إيران من تحويل الحرب إلى صراع إقليمي شامل.
لكن ما كان لافتاً أن هذا الانخراط لم يكن موقتاً بل رافقته تحولات استراتيجية، إذ تشير تقارير مراكز أبحاث مثل "راند" و"بروكينغز" و"CSIS" إلى أن واشنطن أعادت تقييم أولوياتها، معتبرة أن ترك المنطقة لإيران وروسيا والصين سيكلفها أكثر من البقاء فيها، بالتالي باتت سياسة الولايات المتحدة ليست انسحاباً من الشرق الأوسط، بل إعادة تموضع فيه يرتكز على توازن دقيق بين القوة والدبلوماسية، بين تحصين الحلفاء وردع الأعداء، وبين مراقبة خصومها العالميين الذين يتربصون بالفراغ.
وتجمع مراكز الأبحاث الأميركية على أنه بعد "السابع من أكتوبر" باتت سياسة أميركا أكثر حزماً، وأكثر استعداداً لاستخدام أدواتها العسكرية ضد تهديدات إيران، بما في ذلك إطلاق صواريخ مباشرة من أراضيها نحو إسرائيل، كما حدث خلال أبريل (نيسان) 2024.
وخلال الوقت نفسه، تراجعت فعالية بعض وكلاء طهران، كما حصل مع "حماس" داخل غزة، و"حزب الله" الذي خسر كثيراً من قدراته الحدودية نتيجة الضربات الإسرائيلية.
وإزاء هذا الواقع، بدأت واشنطن تعتمد سياسة "الردع المزدوج"، دعم إسرائيل عسكرياً وتوجيه ضربات محددة للوكلاء دون الانزلاق إلى حرب شاملة مع إيران. وفي المقابل، لوحت طهران بأنها ستستهدف القواعد الأميركية المنتشرة داخل الشرق الأوسط إذا تعرضت لأي هجوم مباشر.
الممر الاقتصادي
ويبرز في هذا السياق "الممر الاقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي" (IMEC)، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها ضمن قمة مجموعة الـ20 في نيودلهي خلال سبتمبر 2023. هذا المشروع الذي يربط الهند بأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، يشكل بديلاً جيوسياسياً لممرات الصين وإيران.
ولنجاح هذا المشروع تحتاج واشنطن إلى بيئة آمنة ومستقرة، أي إلى شرق أوسط بلا صواريخ حوثية ولا تهديدات من "حزب الله"، ولا تخريب إيرانياً للبنى التحتية، ومن هنا يصبح الأمن شرطاً اقتصادياً.
فحرب غزة، وما تبعها من تصعيد على الجبهات، أعادت تثبيت قناعة لدى صناع القرار الأميركي بأن "الاستقرار لا يتحقق إلا عبر كبح إيران وأذرعها". وهذا ما دفع مراكز الأبحاث للدعوة إلى مقاربة أشد، وهي استمرار الضغط وتوسيع التحالفات الأمنية وتكثيف التعاون مع دول الخليج وإسرائيل.
وأكثر ما يقلق أميركا حالياً هو أن تخطئ إيران الحساب، فتغامر بإغلاق مضيق هرمز. وعندها، لن تبقى واشنطن مكتوفة الأيدي وفق مصادر دبلوماسية أميركية عدة، إذ كثيراً ما عدت الولايات المتحدة أن حرية الملاحة في هرمز "قضية أمن قومي"، وأي تهديد للممر النفطي العالمي سيقابل بتدخل عسكري مباشر، بحرب أو من دونها. فلن تسمح واشنطن لإيران أو وكلائها بابتزاز الاقتصاد العالمي أو اختبار صدقيتها كقوة عظمى.
العصا الغليظة
لكن هل هذا يعني أن الولايات المتحدة ستذهب إلى حد الحرب؟ ففي تصريح له خلال الـ17 من يونيو (حزيران) الحالي، قال ترمب إن على إيران أن "تستسلم"، وإنه لن يتردد في ضرب النظام إذا استمر في تهديد مصالح أميركا. وسبق له أن أمر باغتيال قاسم سليماني خلال عام 2020، مما يشير إلى أن العودة إلى سياسة "العصا الغليظة" قد تكون واردة. وتؤكد مراكز أبحاث أميركية عدة أنه في خلفية السياسة الجديدة لأميركا تصور أميركي بعيد المدى يتركز على تفكيك المحور الإيراني الذي نشأ بعد عام 2003 واستبدال "شرق أوسط جديد" به، قائم على شراكات اقتصادية وأمنية بين إسرائيل ودول المنطقة، إذ تشكل اتفاقات "أبراهام" مقدمة لهذا المشروع.
وفي هذا السياق، ترى واشنطن أن تقليص نفوذ إيران ليس فقط ضرورة إقليمية، بل أيضاً أداة لمنع روسيا من تعزيز حضورها في سوريا، والصين من التمدد اقتصادياً. فكل فراغ أميركي داخل الشرق الأوسط، تملؤه بكين أو موسكو.
تقاسم أدوار
في السياق، يشير الباحث والصحافي حسين عبدالحسين حول ما يشبه "تقاسم أدوار محسوب" بين الولايات المتحدة وإسرائيل في إدارة الحرب ضد إيران. ففي مقابل الهدوء الأميركي الظاهري، الذي يتجسد برغبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تجنب التورط العسكري المباشر، تتحرك إسرائيل بحرية استراتيجية كاملة مدعومة بصمت واشنطن أو بتنسيق غير معلن معها.
ويرى أن الإدارة الأميركية "تأخذ ما تريده دون أن تطلق رصاصة واحدة"، في إشارة إلى أن المكاسب الاستراتيجية –لا سيما تقويض البرنامج النووي الإيراني– تتحقق على يد إسرائيل من دون أن تتحمل الولايات المتحدة تبعاتها السياسية أو العسكرية. وهذا ما يجعل الحرب "مجانية" بالنسبة إلى ترمب، لا تكلفه شيئاً داخلياً، بل تمنحه تفوقاً سياسياً وأمنياً داخل المنطقة، في ظل استنزاف تدريجي لقدرات إيران العسكرية والنووية.
لكن الأخطر، كما يشير عبدالحسين، أن الولايات المتحدة قد تتدخل عسكرياً بصورة مباشرة، ولكن فقط إذا دعت الحاجة لذلك تقنياً. فإسرائيل، على رغم التقدم العسكري الكبير الذي تحرزه، لا تملك وحدها القدرة على تدمير منشأة "فوردو" النووية المحصنة داخل الجبال، وطلبت رسمياً من واشنطن تنفيذ هذه الضربة. وهذا يعني أن قرار واشنطن بالانخراط عسكرياً لا يرتبط برغبة في التصعيد بل بمدى الضرورة التقنية لاستكمال "المهمة النووية".
وعلى رغم أن هذا السيناريو لا يبدو مرجحاً خلال اللحظة الراهنة فإنه يبقى مطروحاً ضمن "بنك الخيارات الأميركية"، لا سيما إذا تعثر مسار الضغط العسكري الإسرائيلي. ويستبعد عبدالحسين أن تمارس واشنطن أي ضغط على تل أبيب لوقف العمليات ما دامت الكلفة السياسية داخل الولايات المتحدة معدومة، وأن الرأي العام الأميركي غير معارض لهذا المسار الحربي غير المباشر.
وبرأيه تبدو واشنطن تبنت –ضمنياً– استراتيجية "الإجبار بالقوة" لا "الاحتواء"، وهي سياسة تعني أن ما لم تنجح فيه العقوبات والمفاوضات قد يفرض بالنار، ولكن بواسطة إسرائيل هذه المرة. أما الحديث عن عودة محتملة إلى طاولة التفاوض، فسيكون وفق شروط جديدة وأكثر صرامة، تتعدى وقف تخصيب اليورانيوم إلى تفكيك الترسانة الصاروخية وربما إعادة النظر في بنية "الحرس الثوري" نفسه.
العصا والجزرة
من جانبه، أكد مدير "معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية" الدكتور سامي نادر أن "الأولوية بالنسبة إلى البيت الأبيض تتمثل في التوصل إلى حل دبلوماسي للملف النووي الإيراني، إلا أنها خلال الوقت ذاته لا تتوانى عن استخدام ورقة الضغط العسكري لإجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات".
وفي تحليل للموقف الأميركي، أوضح نادر أن "واشنطن تفضل حصر استخدام الأسلحة النووية في إطار المساعي الدبلوماسية". واستشهد بتصريحات سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أشار إلى أن واشنطن لن تعارض اللجوء إلى الخيار العسكري بحال وصلت القنوات الدبلوماسية إلى طريق مسدود.
وأشار إلى التحول الذي طرأ على المشهد بعد تعثر المفاوضات، ودخول إسرائيل على خط العمليات العسكرية، وهو سيناريو لم تكن الولايات المتحدة تعده واقعياً في السابق. ويرى نادر أن "هذا التطور يخدم هدفين استراتيجيين للولايات المتحدة، أولاً استخدام التهديد بعملية عسكرية للضغط على إيران من أجل العودة إلى المفاوضات. وثانياً تأكيد أنها لن تتردد في المشاركة العسكرية إذا ما تعرضت أهدافها أو مصالحها في المنطقة للخطر".
وبهذا، تكون الإدارة الأميركية أبقت على احتمالية الانخراط في عمل عسكري مطبقة ما يعرف بسياسة "العصا والجزرة"، فبينما تؤكد أن الحل الدبلوماسي هو غايتها الأساس، فإنها تحتفظ بورقة التدخل العسكري كخيار قائم.
وحول المقترحات المطروحة حالياً على طاولة المفاوضات، كشف نادر أن "الضغط الدبلوماسي الراهن قد يتمحور حول مقترح أميركي أخير يقضي بإنشاء آلية لتخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانية، على أن تُزود طهران بحاجتها من اليورانيوم المخصب للأغراض السلمية والمدنية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تهديد وجودي
وفي ظل التوترات المتصاعدة داخل الشرق الأوسط، رأى النائب اللبناني السابق العميد المتقاعد وهبة قاطيشا أن "الولايات المتحدة تعد أن الجيش الإسرائيلي يمتلك من القدرات ما يؤهله لإدارة التصعيد الإقليمي وردع إيران، دون الحاجة إلى تدخل أميركي مباشر". وأضاف أن العمليات الإسرائيلية الحالية على رغم حدتها لا ترقى إلى مستوى الحرب الشاملة، بل تأتي في إطار استراتيجية مدروسة تهدف إلى تحجيم المشروع النووي الإيراني، الذي يُنظر إليه كـ"تهديد وجودي" من جانب تل أبيب.
وأشار إلى أن "إسرائيل تأخذ في حساباتها أن الخسائر المادية مثل تدمير مبان ومنشآت تعد كلفة مقبولة في ميزان الردع، مقارنة بالهدف الأسمى المتمثل بإضعاف القدرات النووية والصاروخية الإيرانية. وتعزز هذه المقاربة عبر فرض سيطرة جوية شبه تامة على المجال الجوي الإيراني، إضافة إلى تنفيذ عمليات نوعية في العمق بمساعدة عناصر داخلية تعمل على شل البنية القيادية والعسكرية الإيرانية".
وبحسب قاطيشا، هناك ثلاثة أسباب رئيسة تمنع الإدارة الأميركية من الانخراط في مواجهة مباشرة مع إيران:
1. غياب التهديد المباشر، أي تدخل أميركي مشروط بتعرض قواعدها العسكرية لهجمات مباشرة من قبل إيران أو حلفائها في المنطقة.
2. حماية الاقتصاد العالمي، أي تهديد إيراني للممرات المائية الدولية أو لشرايين الطاقة سيتطلب رداً أميركياً لحماية المصالح الاقتصادية الحيوية.
3. تعقيدات عسكرية وتقنية، استهداف منشآت نووية محصنة مثل "فوردو" يتطلب قاذفات استراتيجية متقدمة من طراز B-52 وB-2، وهي قدرات لا تملكها إسرائيل. وعلى رغم امتلاك الولايات المتحدة لهذه الوسائل، فإن نجاح الضربات ليس مضموناً بالكامل.
وطرح قاطيشا سيناريوهات بديلة في حال تعذر الحل العسكري الجوي، أبرزها تنفيذ عملية كوماندوس إسرائيلية دقيقة تستهدف المنشآت النووية من الداخل، عبر تسلل قوة خاصة قوامها مئات العناصر، مستفيدة من الارتباك المتوقع في منظومة الدفاع الإيرانية.
لكن هذا السيناريو، حسب قوله، يواجه تحديات سياسية وتقنية أبرزها الحاجة إلى غطاء دولي. وفي هذه الحال، قد يتم اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتنظيم عملية تفكيك المنشآت تحت إشراف دولي، وربما بالتنسيق مع إيران نفسها لتفادي حرب شاملة.
سلاح سري
بدورها رأت المتخصصة في الشأن الإسرائيلي رندا حيدر أن "عدم مشاركة الولايات المتحدة مباشرة في الهجمات الإسرائيلية على إيران لا يعني غياب الدعم الأميركي"، بل إن "واشنطن تواصل تقديم المساعدات الاستخباراتية والعسكرية لإسرائيل من وراء الكواليس، في سياق تنسيق أمني عميق بين الطرفين". وأضافت أن "ترمب لا يخفي دعمه الكامل للهجمات الإسرائيلية، بل يسعى إلى الاستفادة منها كورقة ضغط لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعف". وأشارت حيدر إلى أن تصريحاته الأخيرة توحي بإمكانية مشاركة أميركية في الهجمات، في حال تعرضت القوات الأميركية في المنطقة لهجمات إيرانية مباشرة.
وعلى رغم ذلك، شددت حيدر على أن ترمب لا يرغب في التورط ضمن حرب مفتوحة داخل الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل وجود أصوات داخل الحزب الجمهوري تعارض جر الولايات المتحدة إلى حرب بسبب إسرائيل. وهذه المواقف تعكس حذراً أميركياً في التعامل مع التصعيد الحالي، وحرصاً على إبقاء النزاع ضمن سقف الردع المتبادل. وأوضحت حيدر أن ما تنتظره إسرائيل من الولايات المتحدة ليس مجرد دعم سياسي أو لوجيستي، بل استخدام القنابل الخارقة للتحصينات التي تحتفظ بها واشنطن والتي يمكنها فحسب، بحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، تدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة مثل موقع "فوردو" وغيره.
وترى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بحسب حيدر، أن القدرات الإسرائيلية وحدها لا تكفي لتحقيق إنجاز حاسم في المواجهة مع المشروع النووي الإيراني، وأن الولايات المتحدة وحدها تمتلك سلاحاً سرياً متطوراً قادراً على ضرب هذه المنشآت، ولا يمكن استخدامه إلا من خلال طائرات حربية أميركية متخصصة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 9 ساعات
- Independent عربية
هكذا يمكن أن تستفيد تركيا من صراع الشرق الأوسط
مع تصاعد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، ثارت تساؤلات حول أبرز الرابحين والخاسرين من هذا التصعيد الذي أثار مخاوف جدية من انزلاق الشرق الأوسط نحو حافة الهاوية. اتجهت الأنظار إلى تركيا، التي على رغم موقفها المُعلن، الذي دان بوضوح الضربة الإسرائيلية ضد إيران وأدت إلى تصفية قيادات بارزة من أهمها حسين سلامي قائد الحرس الثوري، فإن من شأن هذه الجولة من التصعيد بين تل أبيب وطهران أن تطلق يد أنقرة نحو تكريس نفوذ غير مسبوق في المنطقة. وينحسر النفوذ الإيراني بشكل كبير في الشرق الأوسط غداة سقوط حليفها رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، وتوجيه إسرائيل ضربات موجعة لأذرعها سواء "حزب الله" في لبنان، أو الحوثيين في اليمن، أو حركة "حماس" الفلسطينية، فيما تستفيد تركيا من هذه المتغيرات بشكل كبير خصوصاً في دمشق والعراق، حيث تسعى إلى أن تُصبح لاعباً رئيساً هناك. أزمات وفرص منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، تاريخ شن حركة "حماس" هجومها على إسرائيل، يشهد الشرق الأوسط توتراً متصاعداً، حيث اجتاحت تل أبيب قطاع غزة الذي كانت تحكمه "حماس"، ودخلت أيضاً في مواجهة عسكرية مع كل من الحوثيين و"حزب الله" اللبناني وإيران. في غضون ذلك، شكل سقوط بشار الأسد ضربة غير مسبوقة لنفوذ إيران في المنطقة، لكن طهران لا تزال تحتفظ ببعض النفوذ تؤمنه لها فصائل وميليشيات وأحزاب سياسية شيعية في العراق. بينما تحاول تركيا تثبيت أقدامها في بلاد الرافدين، بعد نجاح المعارضة السورية المسلحة التي دعمتها طيلة الحرب الأهلية في السيطرة على الحكم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) الباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو، أوضح أن "التصعيد الحاصل حالياً بين طهران وتل أبيب له تأثير بشكل كبير على تركيا، فمنذ اليوم الأول لهذا التصعيد كان هناك استنفار سياسي وحتى عسكري في ما يتعلق بموضوع التدخل في هذه القضية ولعب دور الوساطة، وهناك اتصالات بالفعل على عديد من المستويات للتوسط في إنهاء هذه الجولة من التصعيد". وأردف أوغلو لـ "اندبندنت عربية"، "في اعتقادي أن التحرك التركي ليس كما يراه البعض منحازاً لإيران، فثمة سياسة تركية ترفض استخدام القوة، ولذلك كانت هناك تحركات للاستفادة إقليمياً من التطورات في الشرق الأوسط وآخرها الملف السوري. إن الفوضى والتوتّر في المنطقة يؤثران بشكل كبير في طموحات أنقرة الإقليمية سواء بالإيجاب أو السلب، وتركيا تسعى هذه المرة إلى لعب دور الوسيط، لكن فرص النجاح ليست كبيرة، فالكرة في ملعب الولايات المتحدة التي تستطيع تحريكها كيفما تشاء". وشدد على أن "تركيا معروفة بأنها تُحوّل الأزمات إلى فرص، تماماً كما حدث بين روسيا وأوكرانيا، وفي الملف السوري، وستسعى لفعل الشيء نفسه في هذا الملف، لذلك هناك تحركات تركية حالياً للاستفادة من هذه الأزمة وسط غموض حول كيفية معالجتها". في نظر أوغلو فإن "تركيا دولة مهمة إقليمياً، ولها مكانة جيوسياسية، وتتحرك للعب دور الوسيط في الأزمة بين إيران وإسرائيل، على رغم أن الوضع الحالي مختلف بالنظر إلى أن هناك توترات لا يمكن إخفاؤها بين أنقرة وتل أبيب". استشعار الخطر تجدر الإشارة إلى أن تركيا تحاول ترسيخ نفسها قوة إقليمية ودولية، لا سيما بعد أن عرضت وساطتها في النزاع الدامي بين أوكرانيا وروسيا والمستمر منذ الـ24 من فبراير (شباط) عام 2022. وفي شأن التصعيد بين إيران وإسرائيل، لم تتردد تركيا في إدانة الهجمات التي شنتها تل أبيب ضد طهران، لكن ذلك لا يُخفي آمال أنقرة في الاستفادة من التحولات الراهنة بالمنطقة. تركيا قالت في بيان لوزارة خارجيتها إنها تُندد بـ"أشد العبارات" بالقصف الذي شنته تل أبيب على طهران، واصفة إياه بـ"الاستفزاز الذي ينتهك القانون الدولي ويُنذر بمزيد من التصعيد في المنطقة". وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان استعداد بلاده للقيام بدور تسهيلي لإنهاء الاشتباكات الدائرة بين إسرائيل وإيران فوراً والعودة إلى المفاوضات النووية. كما قدم أردوغان عرضاً مشابهاً لنظيره الأميركي دونالد ترمب، إذ أكد له استعداد تركيا "لبذل ما في وسعها لمنع حدوث تصعيد خارج عن السيطرة في التوتر بين إيران وإسرائيل". يقول الباحث العسكري العميد تقي الدين التنير "في الوقت الحاضر، تركيا لديها مصالح، وكل دولة تشعر بأن لها ثقلاً إقليمياً من حقها استغلال أوضاع معينة من أجل تعزيز نفوذها وحماية أمنها القومي. وتركيا بدأت الآن تستشعر خطر سيطرة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط". ويضيف التنير "في اعتقادي أن تركيا لن تكون سعيدة إذا ما انتصرت إسرائيل في الحرب على إيران، على رغم أن الأخيرة شكلت ولا تزال عقبة رئيسة أمام تمدد النفوذ التركي".


Independent عربية
منذ 12 ساعات
- Independent عربية
من احتواء إيران إلى مواجهتها... كيف تغيرت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تعد المنطقة كما كانت. الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" على إسرائيل لم يكن فقط بداية حرب غزة، بل لحظة مفصلية أعادت خلط الأوراق الإقليمية والدولية، لتدخل المنطقة تدريجاً في مسار تصعيدي غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، مدعوم بأذرع طهران المنتشرة من لبنان إلى اليمن. وفي قلب هذه الدوامة، برز التحول الحاد في السياسة الأميركية، من غض الطرف عن النفوذ الإيراني إلى تموضع عسكري ودبلوماسي واضح يدفع نحو تفكيك النظام الإقليمي الذي تشكل منذ عام 2003، إذ شكل "طوفان الأقصى" لحظة مفصلية أعادت رسم أولويات واشنطن في المنطقة، ودفعت بها نحو تغيير جذري في مقاربتها لإيران ومحورها الإقليمي الممتد من لبنان إلى اليمن. وتبدلت أولويات الولايات المتحدة داخل الشرق الأوسط منذ التدخل العسكري في أفغانستان والعراق مطلع الألفية، فقد شكل دخولها إلى العراق خلال عام 2003 نقطة تحول دراماتيكية، إذ أزال خصماً إقليمياً لإيران وفتح أمامها بوابات النفوذ في بغداد، ومنها إلى دمشق وبيروت وصنعاء. لعقدين تذبذبت واشنطن بين الاحتواء والتورط، بين الدبلوماسية والضربات الجوية. وقبل السابع من أكتوبر، كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن تضع الشرق الأوسط في هامش سياساتها الدولية، إذ انسحبت من أفغانستان وقلصت عدد قواتها في العراق وسوريا، وركزت على مواجهة الصين في آسيا وروسيا في أوكرانيا. وفي هذا السياق، كانت واشنطن تتعامل مع إيران بمنطق "الاحتواء المشروط"، تضغط اقتصادياً عبر العقوبات لكنها تبقي الباب مفتوحاً أمام المفاوضات النووية، وبلغت تلك المقاربة ذروتها في صفقة الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة مقابل إطلاق سراح سجناء أميركيين خلال سبتمبر (أيلول) 2023. الردع المزدوج لكن الضربة التي تلقتها إسرائيل خلال السابع من أكتوبر 2023 غيرت المعادلة، إذ وجدت واشنطن نفسها في مواجهة جبهة إيرانية غير معلنة تتحداها، بدءاً من غزة مروراً بجنوب لبنان والعراق وسوريا، وصولاً إلى البحر الأحمر حيث أطلق الحوثيون صواريخهم على السفن الدولية. وجاء رد أميركا سريعاً عبر إرسال حاملتي طائرات إلى شرق المتوسط ونشر بطاريات باتريوت، وتعزيز قواعدها في الخليج وتوجيه ضربات محددة ضد ميليشيات موالية لإيران في سوريا والعراق. الرسالة كانت واضحة، منع إيران من تحويل الحرب إلى صراع إقليمي شامل. لكن ما كان لافتاً أن هذا الانخراط لم يكن موقتاً بل رافقته تحولات استراتيجية، إذ تشير تقارير مراكز أبحاث مثل "راند" و"بروكينغز" و"CSIS" إلى أن واشنطن أعادت تقييم أولوياتها، معتبرة أن ترك المنطقة لإيران وروسيا والصين سيكلفها أكثر من البقاء فيها، بالتالي باتت سياسة الولايات المتحدة ليست انسحاباً من الشرق الأوسط، بل إعادة تموضع فيه يرتكز على توازن دقيق بين القوة والدبلوماسية، بين تحصين الحلفاء وردع الأعداء، وبين مراقبة خصومها العالميين الذين يتربصون بالفراغ. وتجمع مراكز الأبحاث الأميركية على أنه بعد "السابع من أكتوبر" باتت سياسة أميركا أكثر حزماً، وأكثر استعداداً لاستخدام أدواتها العسكرية ضد تهديدات إيران، بما في ذلك إطلاق صواريخ مباشرة من أراضيها نحو إسرائيل، كما حدث خلال أبريل (نيسان) 2024. وخلال الوقت نفسه، تراجعت فعالية بعض وكلاء طهران، كما حصل مع "حماس" داخل غزة، و"حزب الله" الذي خسر كثيراً من قدراته الحدودية نتيجة الضربات الإسرائيلية. وإزاء هذا الواقع، بدأت واشنطن تعتمد سياسة "الردع المزدوج"، دعم إسرائيل عسكرياً وتوجيه ضربات محددة للوكلاء دون الانزلاق إلى حرب شاملة مع إيران. وفي المقابل، لوحت طهران بأنها ستستهدف القواعد الأميركية المنتشرة داخل الشرق الأوسط إذا تعرضت لأي هجوم مباشر. الممر الاقتصادي ويبرز في هذا السياق "الممر الاقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي" (IMEC)، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها ضمن قمة مجموعة الـ20 في نيودلهي خلال سبتمبر 2023. هذا المشروع الذي يربط الهند بأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، يشكل بديلاً جيوسياسياً لممرات الصين وإيران. ولنجاح هذا المشروع تحتاج واشنطن إلى بيئة آمنة ومستقرة، أي إلى شرق أوسط بلا صواريخ حوثية ولا تهديدات من "حزب الله"، ولا تخريب إيرانياً للبنى التحتية، ومن هنا يصبح الأمن شرطاً اقتصادياً. فحرب غزة، وما تبعها من تصعيد على الجبهات، أعادت تثبيت قناعة لدى صناع القرار الأميركي بأن "الاستقرار لا يتحقق إلا عبر كبح إيران وأذرعها". وهذا ما دفع مراكز الأبحاث للدعوة إلى مقاربة أشد، وهي استمرار الضغط وتوسيع التحالفات الأمنية وتكثيف التعاون مع دول الخليج وإسرائيل. وأكثر ما يقلق أميركا حالياً هو أن تخطئ إيران الحساب، فتغامر بإغلاق مضيق هرمز. وعندها، لن تبقى واشنطن مكتوفة الأيدي وفق مصادر دبلوماسية أميركية عدة، إذ كثيراً ما عدت الولايات المتحدة أن حرية الملاحة في هرمز "قضية أمن قومي"، وأي تهديد للممر النفطي العالمي سيقابل بتدخل عسكري مباشر، بحرب أو من دونها. فلن تسمح واشنطن لإيران أو وكلائها بابتزاز الاقتصاد العالمي أو اختبار صدقيتها كقوة عظمى. العصا الغليظة لكن هل هذا يعني أن الولايات المتحدة ستذهب إلى حد الحرب؟ ففي تصريح له خلال الـ17 من يونيو (حزيران) الحالي، قال ترمب إن على إيران أن "تستسلم"، وإنه لن يتردد في ضرب النظام إذا استمر في تهديد مصالح أميركا. وسبق له أن أمر باغتيال قاسم سليماني خلال عام 2020، مما يشير إلى أن العودة إلى سياسة "العصا الغليظة" قد تكون واردة. وتؤكد مراكز أبحاث أميركية عدة أنه في خلفية السياسة الجديدة لأميركا تصور أميركي بعيد المدى يتركز على تفكيك المحور الإيراني الذي نشأ بعد عام 2003 واستبدال "شرق أوسط جديد" به، قائم على شراكات اقتصادية وأمنية بين إسرائيل ودول المنطقة، إذ تشكل اتفاقات "أبراهام" مقدمة لهذا المشروع. وفي هذا السياق، ترى واشنطن أن تقليص نفوذ إيران ليس فقط ضرورة إقليمية، بل أيضاً أداة لمنع روسيا من تعزيز حضورها في سوريا، والصين من التمدد اقتصادياً. فكل فراغ أميركي داخل الشرق الأوسط، تملؤه بكين أو موسكو. تقاسم أدوار في السياق، يشير الباحث والصحافي حسين عبدالحسين حول ما يشبه "تقاسم أدوار محسوب" بين الولايات المتحدة وإسرائيل في إدارة الحرب ضد إيران. ففي مقابل الهدوء الأميركي الظاهري، الذي يتجسد برغبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تجنب التورط العسكري المباشر، تتحرك إسرائيل بحرية استراتيجية كاملة مدعومة بصمت واشنطن أو بتنسيق غير معلن معها. ويرى أن الإدارة الأميركية "تأخذ ما تريده دون أن تطلق رصاصة واحدة"، في إشارة إلى أن المكاسب الاستراتيجية –لا سيما تقويض البرنامج النووي الإيراني– تتحقق على يد إسرائيل من دون أن تتحمل الولايات المتحدة تبعاتها السياسية أو العسكرية. وهذا ما يجعل الحرب "مجانية" بالنسبة إلى ترمب، لا تكلفه شيئاً داخلياً، بل تمنحه تفوقاً سياسياً وأمنياً داخل المنطقة، في ظل استنزاف تدريجي لقدرات إيران العسكرية والنووية. لكن الأخطر، كما يشير عبدالحسين، أن الولايات المتحدة قد تتدخل عسكرياً بصورة مباشرة، ولكن فقط إذا دعت الحاجة لذلك تقنياً. فإسرائيل، على رغم التقدم العسكري الكبير الذي تحرزه، لا تملك وحدها القدرة على تدمير منشأة "فوردو" النووية المحصنة داخل الجبال، وطلبت رسمياً من واشنطن تنفيذ هذه الضربة. وهذا يعني أن قرار واشنطن بالانخراط عسكرياً لا يرتبط برغبة في التصعيد بل بمدى الضرورة التقنية لاستكمال "المهمة النووية". وعلى رغم أن هذا السيناريو لا يبدو مرجحاً خلال اللحظة الراهنة فإنه يبقى مطروحاً ضمن "بنك الخيارات الأميركية"، لا سيما إذا تعثر مسار الضغط العسكري الإسرائيلي. ويستبعد عبدالحسين أن تمارس واشنطن أي ضغط على تل أبيب لوقف العمليات ما دامت الكلفة السياسية داخل الولايات المتحدة معدومة، وأن الرأي العام الأميركي غير معارض لهذا المسار الحربي غير المباشر. وبرأيه تبدو واشنطن تبنت –ضمنياً– استراتيجية "الإجبار بالقوة" لا "الاحتواء"، وهي سياسة تعني أن ما لم تنجح فيه العقوبات والمفاوضات قد يفرض بالنار، ولكن بواسطة إسرائيل هذه المرة. أما الحديث عن عودة محتملة إلى طاولة التفاوض، فسيكون وفق شروط جديدة وأكثر صرامة، تتعدى وقف تخصيب اليورانيوم إلى تفكيك الترسانة الصاروخية وربما إعادة النظر في بنية "الحرس الثوري" نفسه. العصا والجزرة من جانبه، أكد مدير "معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية" الدكتور سامي نادر أن "الأولوية بالنسبة إلى البيت الأبيض تتمثل في التوصل إلى حل دبلوماسي للملف النووي الإيراني، إلا أنها خلال الوقت ذاته لا تتوانى عن استخدام ورقة الضغط العسكري لإجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات". وفي تحليل للموقف الأميركي، أوضح نادر أن "واشنطن تفضل حصر استخدام الأسلحة النووية في إطار المساعي الدبلوماسية". واستشهد بتصريحات سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أشار إلى أن واشنطن لن تعارض اللجوء إلى الخيار العسكري بحال وصلت القنوات الدبلوماسية إلى طريق مسدود. وأشار إلى التحول الذي طرأ على المشهد بعد تعثر المفاوضات، ودخول إسرائيل على خط العمليات العسكرية، وهو سيناريو لم تكن الولايات المتحدة تعده واقعياً في السابق. ويرى نادر أن "هذا التطور يخدم هدفين استراتيجيين للولايات المتحدة، أولاً استخدام التهديد بعملية عسكرية للضغط على إيران من أجل العودة إلى المفاوضات. وثانياً تأكيد أنها لن تتردد في المشاركة العسكرية إذا ما تعرضت أهدافها أو مصالحها في المنطقة للخطر". وبهذا، تكون الإدارة الأميركية أبقت على احتمالية الانخراط في عمل عسكري مطبقة ما يعرف بسياسة "العصا والجزرة"، فبينما تؤكد أن الحل الدبلوماسي هو غايتها الأساس، فإنها تحتفظ بورقة التدخل العسكري كخيار قائم. وحول المقترحات المطروحة حالياً على طاولة المفاوضات، كشف نادر أن "الضغط الدبلوماسي الراهن قد يتمحور حول مقترح أميركي أخير يقضي بإنشاء آلية لتخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانية، على أن تُزود طهران بحاجتها من اليورانيوم المخصب للأغراض السلمية والمدنية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تهديد وجودي وفي ظل التوترات المتصاعدة داخل الشرق الأوسط، رأى النائب اللبناني السابق العميد المتقاعد وهبة قاطيشا أن "الولايات المتحدة تعد أن الجيش الإسرائيلي يمتلك من القدرات ما يؤهله لإدارة التصعيد الإقليمي وردع إيران، دون الحاجة إلى تدخل أميركي مباشر". وأضاف أن العمليات الإسرائيلية الحالية على رغم حدتها لا ترقى إلى مستوى الحرب الشاملة، بل تأتي في إطار استراتيجية مدروسة تهدف إلى تحجيم المشروع النووي الإيراني، الذي يُنظر إليه كـ"تهديد وجودي" من جانب تل أبيب. وأشار إلى أن "إسرائيل تأخذ في حساباتها أن الخسائر المادية مثل تدمير مبان ومنشآت تعد كلفة مقبولة في ميزان الردع، مقارنة بالهدف الأسمى المتمثل بإضعاف القدرات النووية والصاروخية الإيرانية. وتعزز هذه المقاربة عبر فرض سيطرة جوية شبه تامة على المجال الجوي الإيراني، إضافة إلى تنفيذ عمليات نوعية في العمق بمساعدة عناصر داخلية تعمل على شل البنية القيادية والعسكرية الإيرانية". وبحسب قاطيشا، هناك ثلاثة أسباب رئيسة تمنع الإدارة الأميركية من الانخراط في مواجهة مباشرة مع إيران: 1. غياب التهديد المباشر، أي تدخل أميركي مشروط بتعرض قواعدها العسكرية لهجمات مباشرة من قبل إيران أو حلفائها في المنطقة. 2. حماية الاقتصاد العالمي، أي تهديد إيراني للممرات المائية الدولية أو لشرايين الطاقة سيتطلب رداً أميركياً لحماية المصالح الاقتصادية الحيوية. 3. تعقيدات عسكرية وتقنية، استهداف منشآت نووية محصنة مثل "فوردو" يتطلب قاذفات استراتيجية متقدمة من طراز B-52 وB-2، وهي قدرات لا تملكها إسرائيل. وعلى رغم امتلاك الولايات المتحدة لهذه الوسائل، فإن نجاح الضربات ليس مضموناً بالكامل. وطرح قاطيشا سيناريوهات بديلة في حال تعذر الحل العسكري الجوي، أبرزها تنفيذ عملية كوماندوس إسرائيلية دقيقة تستهدف المنشآت النووية من الداخل، عبر تسلل قوة خاصة قوامها مئات العناصر، مستفيدة من الارتباك المتوقع في منظومة الدفاع الإيرانية. لكن هذا السيناريو، حسب قوله، يواجه تحديات سياسية وتقنية أبرزها الحاجة إلى غطاء دولي. وفي هذه الحال، قد يتم اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتنظيم عملية تفكيك المنشآت تحت إشراف دولي، وربما بالتنسيق مع إيران نفسها لتفادي حرب شاملة. سلاح سري بدورها رأت المتخصصة في الشأن الإسرائيلي رندا حيدر أن "عدم مشاركة الولايات المتحدة مباشرة في الهجمات الإسرائيلية على إيران لا يعني غياب الدعم الأميركي"، بل إن "واشنطن تواصل تقديم المساعدات الاستخباراتية والعسكرية لإسرائيل من وراء الكواليس، في سياق تنسيق أمني عميق بين الطرفين". وأضافت أن "ترمب لا يخفي دعمه الكامل للهجمات الإسرائيلية، بل يسعى إلى الاستفادة منها كورقة ضغط لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعف". وأشارت حيدر إلى أن تصريحاته الأخيرة توحي بإمكانية مشاركة أميركية في الهجمات، في حال تعرضت القوات الأميركية في المنطقة لهجمات إيرانية مباشرة. وعلى رغم ذلك، شددت حيدر على أن ترمب لا يرغب في التورط ضمن حرب مفتوحة داخل الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل وجود أصوات داخل الحزب الجمهوري تعارض جر الولايات المتحدة إلى حرب بسبب إسرائيل. وهذه المواقف تعكس حذراً أميركياً في التعامل مع التصعيد الحالي، وحرصاً على إبقاء النزاع ضمن سقف الردع المتبادل. وأوضحت حيدر أن ما تنتظره إسرائيل من الولايات المتحدة ليس مجرد دعم سياسي أو لوجيستي، بل استخدام القنابل الخارقة للتحصينات التي تحتفظ بها واشنطن والتي يمكنها فحسب، بحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، تدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة مثل موقع "فوردو" وغيره. وترى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بحسب حيدر، أن القدرات الإسرائيلية وحدها لا تكفي لتحقيق إنجاز حاسم في المواجهة مع المشروع النووي الإيراني، وأن الولايات المتحدة وحدها تمتلك سلاحاً سرياً متطوراً قادراً على ضرب هذه المنشآت، ولا يمكن استخدامه إلا من خلال طائرات حربية أميركية متخصصة.


الموقع بوست
منذ 13 ساعات
- الموقع بوست
ضحايا "حملة ترامب" في اليمن تضاهي 23 عامًا من الضربات الأميركية على البلاد
كشف تقرير دولي أن الحملة الجوية التي شنتها أمريكا على اليمن في عهد ترامب أسفرت عن مقتل 224 مدنيًا في شهرين بين مارس/ آذار ومايو/ أيار، أي ما يقارب عدد المدنيين الذين قُتلوا في 23 عامًا من الضربات الأميركية على الجماعات الإسلامية والمسلحة في اليمن. وقال التقرير الذي أجرته مجموعة إير وورز لمراقبة الضحايا المدنيين ونشرته صحيفة الغارديان البريطانية إن هذه الحصيلة المرتفعة، بعد تنفيذ 33 ضربة فقط، تعكس تغيرًا كبيرًا في السياسة العسكرية الأميركية، ما قد يحمل دلالات على الكيفية التي قد تتعامل بها إدارة ترامب مع إيران في حال انضم إلى الحملة الإسرائيلية هناك. وفي هذا الصدد، قالت مديرة مجموعة إير وورز، إميلي تريب: "ترسم هذه الحملة ملامح ترامب في زمن الحرب، كما تعكس ما يمكن أن يفعله الحلفاء. ومع اقتراب الولايات المتحدة من التصعيد، لا بد من فهم حملة اليمن لفهم ما قد يحدث مستقبلًا". ويُعتبر استهداف المدنيين بشكل متعمد أو غير متناسب مع المكاسب العسكرية جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف، رغم أن هذا المبدأ قد تم توسيعه بشكل ملحوظ في النزاعات الأخيرة، مثل العدوان الإسرائيلي على غزة الذي شهد حوادث قتل جماعي تجاوزت فيها أعداد الضحايا المئة في كل مرة. وانطلقت عملية الراكب الخشن (Rough Rider) ضد الحوثيين في مارس/ آذار بهدف وقف هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، كرد على الهجمات التي وقعت خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. وتشير التقديرات إلى أن الحملة كلّفت نحو مليار دولار في شهرها الأول. وفي تصريحاته، وصف ترامب حملة بايدن بأنها "ضعيفة بشكل مثير للشفقة"، بينما تسرّبت رسائل بين مسؤولين أميركيين رفيعين على تطبيق سيغنال حول بداية الحملة إلى أحد الصحفيين. وقد سجلت إير وورز أكثر الهجمات دموية في أبريل/ نيسان. ففي 17 من الشهر ذاته، قُتل 84 مدنيًا على الأقل في غارة على ميناء رأس عيسى قرب الحديدة، استهدفت منشآت نفطية بحسب القوات الأميركية. وأشارت منشورات على فيسبوك إلى مقتل طفلين هما فاضل فواز علي المسق ومحمد علي صالح أسعد المسق، بعدما اصطحبهما أحد أقاربهم إلى موقع الهجوم أثناء عمله. كما لقي نَبيل يحيى (48 عامًا) مصرعه إثر انفجار شاحنة وقود كان يقودها، وفق شقيقه سلطان يحيى الذي قال: "تلك الشاحنة كانت كل ما يملكه". وفي اليوم التالي، أفاد فرع الهلال الأحمر المحلي بأن الغارات تمت على موجتين، حيث عاودت الطائرات القصف بعد وصول المسعفين. وفي 28 أبريل/ نيسان، وثقت إير وورز مقتل 68 مدنيًا على الأقل داخل مركز احتجاز في صعدة، معظمهم من المهاجرين الأفارقة، وإصابة ما لا يقل عن 47 آخرين. وظهرت صور مروعة على الشاشات ومواقع التواصل بعد الضربة. وقالت القيادة المركزية الأميركية في مايو/ أيار أنها "على علم بادعاءات سقوط ضحايا مدنيين" في الحادثة، وإنها "تُجري تقييمًا"، إلا أن أي تحديث رسمي لم يصدر منذ ذلك الحين. وقد انتهت عملية الراكب الخشن في مايو/ أيار بعد التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين. وأعلن الحوثيون، الذين يعادون إسرائيل ويتحالفون مع إيران، أنهم سيتوقفون عن استهداف السفن التجارية مقابل إنهاء القصف الأميركي. لكن هذا لم يكن نهاية التصعيد. ففي هذا الأسبوع، أطلق الحوثيون عددًا من الصواريخ الباليستية باتجاه إسرائيل دعمًا لإيران، أصاب أحدها الضفة الغربية وأدى إلى إصابة خمسة فلسطينيين.