
الحرب المتصاعدة تهدد التجارة الخليجية الإيرانية
تشهد العلاقات الاقتصادية بين
إيران ودول الخليج
حالة من التداخل والتعقيد مع استمرار
الحرب الإسرائيلية الإيرانية
، وعدم وجود أفق سياسي بشأنها، ما سلط الضوء على تداعيات ذلك على التجارة بين الطرفين، والتوقعات بشأن مستقبل الشراكات الاقتصادية بينهما، حال استمرار الحرب والخسائر المحتملة لكل منهما.
وتبرز دولة الإمارات العربية المتحدة، في هذا الإطار، بوصفها أكبر شريك تجاري إقليمي لإيران، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 29.2 مليار دولار في العام الماضي، فيما شهدت التجارة بين إيران والسعودية قفزة هائلة بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، إذ ارتفعت إلى 12.5 مليار دولار، بعد أن كانت شبه معدومة في السنوات السابقة، ما يعكس تغيراً جذرياً في المشهد الاقتصادي الإقليمي، وفقا لما أورده تقرير نشره موقع "إيران فرونت بيدج" الإيراني.
كما أن إجمالي التجارة غير النفطية بين إيران و15 دولة مجاورة بلغ 74.3 مليار دولار، بزيادة 21% عن العام السابق، في حين بلغت صادرات إيران غير النفطية إلى دول الجوار 36 مليار دولار، بزيادة 17%، حسب التقرير ذاته.
إضعاف فرص تعميق الشراكات
من جهة أخرى، تشير بيانات الجمارك الإيرانية إلى أن الإمارات هي أكبر مُصدر للسلع إلى إيران بقيمة 21.9 مليار دولار، بينما بلغت صادرات إيران إلى الإمارات 7.2 مليارات دولار في العام الماضي، ما يعكس اعتماداً متبادلاً في قطاعات حيوية، مثل الطاقة، والمنتجات الصناعية.
طاقة
التحديثات الحية
التشويش على الملاحة يهدد ناقلات النفط في الخليج... اصطدام وتكاليف
ومع تصاعد المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من عدم اليقين الاقتصادي، وقد ظهرت آثاره بأسواق الأسهم في دول الخليج التي سجلت تراجعاً حاداً، ولذا حذر خبراء ومراكز أبحاث غربية من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد، خاصة في قطاع الطاقة، إذ يمر نحو ثلث النفط المنقول بحراً عالمياً عبر مضيق هرمز، الذي يفصل إيران عن دول الخليج.
وفي هذا الإطار، يشير تقدير نشره موقع مجموعة AllianzGI العالمية لإدارة الاستثمارات إلى أن استمرار الحرب يضعف من فرص تعميق الشراكات الاقتصادية بين إيران ودول الخليج، إذ ستتجه دول مجلس التعاون إلى تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على التجارة مع إيران، تحسباً لأي تصعيد قد يهدد أمن الطاقة أو الاستقرار المالي.
كما أن استمرار الحرب من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من العزلة الاقتصادية لإيران، مع تراجع فرص تعميق الشراكات مع دول الخليج، خاصة في القطاعات غير النفطية التي تشهد نمواً متسارعاً في دول الخليج، مقابل ركود نسبي في إيران، وفقاً لما أورده تقرير نشرته شبكة TV BRICS.
التبادل التجاري ما زال مستمراً
يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحديث عن انعكاسات الحرب الإسرائيلية الإيرانية لا يزال ضمن نطاق لا يؤثر بشكل مباشر على استمرار التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج حتى الآن، لافتاً إلى أن كلاً من طهران ودول مجلس التعاون الخليجي يحاولان إظهار نوع من التفاهم والاحترام المتبادل، ولو عبر البوابة الاقتصادية، ليبقيا باب الحوار مفتوحاً.
لكن مع تصاعد التوترات واحتمال انخراط الولايات المتحدة في الصراع، فإن هذه العلاقات قد تتعرض لضغوط كبيرة، حسبما يرى عايش، موضحاً أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يبدو أنه يمنح مساحة زمنية إضافية لإسرائيل للتنفيذ الكامل لمهمة متفق عليها، قبل أن يقرر دخوله الرسمي، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي في المنطقة.
ويضيف عايش أن أي تدخل أميركي مباشر قد يكون له أثر كبير على المصالح المشتركة بين الخليج وإيران، خاصة إذا ما تطورت الأحداث إلى مرحلة تعطيل إمدادات النفط، سواء عبر إغلاق مضيق هرمز أو استهداف حركة الملاحة فيه.
وإذا ما امتدت العمليات إلى باب المندب أو قناة السويس، فسيكون الاقتصاد الخليجي هو الأكثر تأثراً، حسب تقدير عايش، نظراً لاعتماده الكبير على هذه الممرات المائية الحيوية، وعليه ستتأثر العلاقات التجارية بين الطرفين بشكل مباشر.
وقد يعزز من هذا التأثير انتقال الحرب إلى استهداف البنية التحتية النفطية والغازية، حسب عايش، مشيراً إلى أن بدايات تطور كهذا وقعت بالفعل حين استهدفت إسرائيل حقولاً نفطية إيرانية، ومن ثم جاء الرد الإيراني باستهداف مواقع إسرائيلية مشابهة، منها مصفاة نفط حيفا.
وكلما توسع هذا النوع من الهجمات، زادت احتمالات تعرض المنشآت الاقتصادية في دول الخليج للضرر، حسبما يرى عايش، الذي ينوه بأن الاقتصاد يعد جزءاً من المعادلة الاستراتيجية، وإزاء استمرار الحرب تتحول العلاقات التجارية إلى ساحة جديدة للصراع.
لكن هذا التصعيد لن يكون بلا ثمن، حسب عايش، موضحاً أن كلا الطرفين سيدفعان ثمناً باهظاً، وإن كان الجانب الإيراني سيكون الخاسر الأكبر، نظراً لاحتياجه الملح إلى استيراد السلع الغذائية ومواد الطاقة من الخليج، والتي لا يمكن تعويضها بسهولة.
أسواق
التحديثات الحية
الحرب تكبد بورصات الخليج خسائر بـ55 مليار دولار
ورغم ذلك، تبقى العلاقات التجارية بين إيران ودول الخليج محدودة ومحكومة بقيود العقوبات الدولية، وخاصة تلك التي تفرضها الولايات المتحدة، مما يجعلها علاقة "تعاون تحت الضغط"، أكثر منها شراكة حقيقية، حسب تعبير عايش، إذ إن كل طرف يحاول التحرك ضمن حدود لا تعرّضه للمحاسبة أو العقوبات من الجهات الراعية للحصار على إيران.
وفي حال اتساع رقعة الحرب، واستهداف المنشآت النفطية والغازية في الخليج، أو استخدام إيران الصواريخ ضد القواعد الأميركية الموجودة في المنطقة، يرجح عايش تداعيات أعمق، قد تصل إلى قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع طهران بشكل كامل، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي.
خطر اتساع الحرب
يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، أن تداعيات الحرب قد تطاول التحسن الملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين إيران وعدد من دول الخليج، خاصة بعد تجاوز بعض الجفوة التي سادت في الماضي، وهو ما ظهر جلياً في تحسن العلاقات السعودية الإيرانية.
ويضيف الناير أن تصاعد الحرب قد يؤدي إلى توقف أو تباطؤ العديد من الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة والتعاملات التجارية القائمة، ما يزيد من الضغوط على أسواق المنطقة، حسب الناير، مشيراً إلى أن الأثر الاقتصادي حتى اللحظة قد يكون محدوداً نسبياً، لكنه يحذر من أن اتساع دائرة الحرب وامتدادها الزمني من شأنه أن يحول التأثيرات إلى مشكلة اقتصادية كبرى.
أسواق
التحديثات الحية
أسواق الخليج تنزف بأول جلسة بعد حرب إيران وإسرائيل.. أسوأ أداء بمصر
فكلما زاد الضغط على إيران، وزادت حدة التوترات، زادت احتمالات اللجوء إلى خطوات استثنائية مثل تعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز، أو التنسيق مع جماعات إقليمية لاستهداف ممرات أخرى مثل باب المندب، وهذه السيناريوهات، كما يوضح الناير، لا تهدد فقط الحركة التجارية في المنطقة، بل قد تُهدد الاقتصاد العالمي، الذي يعتمد على هذه الممرات المائية الاستراتيجية في نقل النفط والغاز والسلع الأساسية.
وإزاء ذلك، فإن توسع نطاق الحرب واستمرارها لفترة أطول سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد الإقليمي والدولي معاً، ومن هنا يؤكد الناير الحاجة الملحة إلى وضع خطط استراتيجية وآليات إدارة أزمات من قبل دول الخليج، للتحسّب لما هو قادم، وضمان استمرارية الاقتصاد الوطني والإقليمي تحت أي ظرف.
ويخلص الناير إلى ضرورة تبني دول الخليج العربية تدابير اقتصادية استباقية، تشمل مراجعة السيناريوهات المحتملة للحرب الإسرائيلية الإيرانية، ومراقبة الأحداث المتلاحقة، والتحرك بشكل سريع وفعال بناء على مستجدات الوضع، فالمرحلة الحالية تتطلب رؤية واضحة، وتعاوناً إقليمياً لتجنب الانزلاق نحو تدهور اقتصادي قد يكون من الصعب السيطرة عليه لاحقاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
سحب بنك إنكلترا السيولة يرفع الفائدة على ودائع المصارف البريطانية
تقدم البنوك البريطانية معدلات من الفائدة العالية غير المعتادة لجذب الودائع النقدية، في أحدث دليل على تأثير تخفيض ميزانية بنك إنكلترا (BOE) على تقليص السيولة في النظام المالي، وفقاً لتقرير أوردته بلومبيرغ الجمعة. ووفقاً لبيانات مؤشر سعر الفائدة لليلة واحدة بالجنيه الإسترليني (SONIA) التي نُشرت اليوم، فقد وصلت المعدلات التي تعرضها البنوك الأكثر حرصاً على جذب الودائع قصيرة الأجل إلى مستوى معدل الفائدة الرئيسي لبنك إنكلترا للمرة الأولى منذ مايو/أيار 2020، باستثناء زيادة قصيرة عند نهاية العام الماضي، علماً أن هذا المؤشر يُمثل متوسط تكلفة الاقتراض بين المؤسسات المالية. وبحسب الشبكة الأميركية، تشير البيانات إلى أن البنوك مستعدة لتقديم معدلات أعلى لجذب السيولة من العملاء مع استمرار بنك إنكلترا المركزي في تقليص السيولة عبر خفض حيازاته من السندات وإنهاء برامج القروض، فيما تتزامن هذه المؤشرات مع علامات أخرى على زيادة الطلب على السيولة الفائضة، بما في ذلك استخدام قياسي لمرفق إعادة الشراء (ريبو) التابع للبنك بقيمة 70 مليار جنيه إسترليني (94 مليار دولار) أمس الخميس. وتعكس هذه التطورات التوازن الحذر الذي يسعى مسؤولو البنك المركزي لتحقيقه أثناء تقليل السيولة الوفيرة التي هيمنت على الأسواق لسنوات. ونقلت بلومبيرغ عن المديرة التنفيذية للسوق في بنك إنكلترا، فيكي سابورتا، حثها المقرضين على زيادة استخدام التسهيلات الروتينية للبنك لتجنّب أي ضغوط محتملة في الأسواق مع استمرار البنك في تخفيض ميزانيته، كما نقلت الشبكة عن الاستراتيجي في بنك باركليز، معين إسلام، قوله: "إنها مؤشرات إضافية على أن ظروف السيولة أكثر ضيقاً مما يعتقد بنك إنكلترا". ويُعد تقارب معدلات الفائدة هذا أمراً غير معتاد، إذ كان من المتوقع في ظل وفرة السيولة التي وفرتها عمليات شراء السندات أن تدفع البنوك لعملائها معدلات أقل من معدل البنك، لتعكس قلة الحاجة لجذب السيولة، ما كان يسمح لها بجني أرباح من فرق السعر بين معدل الفائدة المدفوع للعملاء ومعدل الفائدة الذي تحصل عليه عند إيداع الأموال لدى بنك إنكلترا. أسواق التحديثات الحية إبقاء الفائدة الأميركية والقطرية على حالها.. هكذا تفاعلت أسواق المال ويواجه البنك المركزي نقطة حرجة مع تقليص ميزانيته من السندات الحكومية بمعدل 100 مليار جنيه إسترليني (135 مليار دولار) سنوياً من خلال مزيج من عدم إعادة استثمار العوائد من السندات المستحقة البيع والمبيعات النشطة، وقد تكهن المحللون بأن البنك قد يبطئ هذا التيسير النقدي الكمي من أكتوبر، مع اقترابه من النطاق الأدنى المفضل للاحتياطيات (PMRR). وأوضح إسلام أن "هناك أدلة متزايدة على أن السوق يقترب من حالة توازن في الاحتياطيات، مما يثير التساؤل حول الحاجة لمزيد من التيسير النقدي الكمي النشط". ويهدف البنك المركزي إلى تقليل اعتماد الأسواق على السيولة الوفيرة الناتجة عن سنوات شراء السندات الحكومية، وتوفير السيولة عبر عمليات إعادة الشراء (ريبو) بدلاً من ذلك. ويزيد هذا التحول من مخاطر تقلبات السوق، إذ يراقب المسؤولون أسواق المال بالجنيه الإسترليني بحثاً عن مؤشرات توتر محتملة. وذكر البنك أنه يراقب الفرق بين مؤشر SONIA الرئيسي، الذي يمثل متوسط معدلات ودائع الليلة الواحدة المقدمة من البنوك، ومعدل الفائدة الرئيسي للبنك. ومنذ بداية العام الحالي، بدأ مؤشر SONIA يقترب تدريجياً من معدل البنك، لكنّه لا يزال أقل بحوالى ثلاث نقاط أساس. وبالتعمق في بيانات SONIA، وصل أعلى 10% من المعاملات (الأكثر استعداداً لقبول الودائع) إلى معدل 4.25% اليوم الجمعة، وهو ما يعادل معدل الفائدة الرئيسي للبنك، أو المبلغ الذي يمكن للمقرضين الحصول عليه عند إيداع الأموال لدى البنك المركزي.


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟
يبدو أن إحصاء إسرائيل خسائرها وكلفة نزيفها الاقتصادي والمالي لن يحدث في الأجل القريب، في ظل استمرار الهجمات والصواريخ الإيرانية بنسق تصاعدي وقياسي، وزيادة مستوى المخاطر الأمنية والجيوسياسية داخل دولة الاحتلال، ففي الوقت الذي كانت تستعد فيه حكومة بنيامين نتنياهو لحصر خسائر إسرائيل الفادحة الناتجة عن تكاليف حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها ضد أهالي غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعن المواجهة العسكرية مع حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وغيرها من فصائل المقاومة العربية، إذا بدولة الاحتلال تدخل في دوامة اقتصادية جديدة قد تحولها إلى دولة هشة اقتصادياً ومأزومة مالياً وطاردة للأموال والاستثمارات إن لم تتلقَّ دعماً دولياً قوياً وعاجلاً، وتسارع دول غربية وخليجية نحو تقديم الدعم المالي السخي والاستثمارات الضخمة والمساعدات النقدية والعينية. ومنذ انطلاق الحرب مع إيران، يتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لخسائر باهظة قد تفوق كثيراً قدرات الدولة العبرية التي تحولت شوارعها ومؤسساتها وشركاتها ومنازلها ومحالها التجارية إلى ساحة صراع وعش للخراب، وتعرض اقتصادها للشلل التام بسبب تدفق الصواريخ الإيرانية، وتوقفت أنشطة المرافق الاقتصادية والطاقة وحركة الطيران والسياحة بالكامل، وتوقف الإسرائيليين عن الذهاب لعملهم بعد إغلاق أماكن العمل والمصالح التجارية بموجب تعليمات قيادة الجبهة الداخلية، وتعمق عجز الموازنة العامة التي تعاني بالفعل من نقص حاد في الموارد وتكاليف ضخمة، وإنفاق حربي باهظ دفع الحكومة إلى خفض الرواتب والأجور والنفقات العامة ورفع الضرائب هذا العام. وعلى مدى أسبوع واحد، تحول الاقتصاد الإسرائيلي من مجرد اقتصاد حرب يعيش على المساعدات العسكرية الغربية، ويعطي أولوية قصوى للإنفاق الحربي، ويصرف ببذخ على جنود الاحتياط بسبب حرب غزة، وهو ما أدى إلى استنزاف احتياطي الطوارئ، إلى اقتصاد اعتراض وصد الهجمات الإيرانية ودفع تعويضات للقطاعات الاقتصادية المتضررة وترميم الأنشطة المغلقة. وخلال أيام قليلة من الحرب تحول إلى اقتصاد تنزف قطاعاته الحيوية، وفي مقدمتها قطاع النفط الذي أصيب بشلل تام حيث استهدفت صواريخ مصفاة حيفا، أكبر مصفاة في إسرائيل، وأوقفت الصواريخ الإنتاج في حقول الغاز الكبرى الواقعة شرقي البحر المتوسط، وتوقفت صادرات الطاقة سواء نفط أو غاز ومشتقات وقود. موقف التحديثات الحية العرب وحسابات الربح والخسارة من الحرب الإيرانية الإسرائيلية ووفق تقديرات إسرائيلية، فإنه خلال أول يومين من المواجهات مع إيران، تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 10% في أول يومين للحرب، وبلغت التكلفة المباشرة للاقتصاد الإسرائيلي نحو 5.5 مليارات شيكل (1.53 مليار دولار)، منها 2.25 مليار شيكل للضربة الافتتاحية و3.25 مليارات للدفاع الجوي وتعبئة الاحتياط. كما كشفت الأرقام أن الأضرار الناتجة عن الهجوم الإيراني خلال اليومين تقدر بنحو مليار شيكل (287 مليون دولار)، مع توقع استقبال أكثر من 22 ألف مطالبة تعويض من المواطنين. وقدرت صحيفة هآرتس أن تكلفة اعتراض كل دفعة من صواريخ إيران التي تطلقها صوب إسرائيل منذ يوم الجمعة الماضي قد تصل إلى نحو مليار شيكل، في حين تشير تقديرات أخرى إلى خسائر باهظة في مجال صد الصواريخ الإيرانية فقط، تُقدَّر بـ2.1 مليار دولار خلال 42 ساعة، وأن منظومات اعتراض الصواريخ الإيرانية وهي "القبة الحديدية" و"سهم" و"مقلاع داود"، إضافة إلى منظومة "ثاد" الأميركية، باتت تمثل نزيفاً للموازنة الإسرائيلية. إسرائيل اليوم في ظل تلقي الضربات العنيفة من إيران ليست هي إسرائيل أمس، والصورة القاتمة التي ترسمها مراكز بحوث وصحف اقتصادية عبرية عن الاقتصاد الإسرائيلي ومن المتوقع استمرار تلك الأضرار، في ظل تقديرات للمستشار المالي السابق لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، رام أميناح، الذي صرّح لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في إبريل/نيسان 2024، بأن الدفاع عن إسرائيل يوماً واحداً ضد الهجمات الإيرانية كلف بين أربعة مليارات وخمسة مليارات شيكل (1.5 مليار دولار). استمرار الحرب مع إيران ليس في صالح إسرائيل مطلقاً، والنزيف الاقتصادي الحالي غير قابل للاستمرار، في ظل توقعات بحدوث ارتفاع صارخ في الإنفاق العسكري، وخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، واضطرار الحكومة لاتخاذ خطوات سريعة لتقليص العجز المالي المتفاقم عبر خفض الرواتب وتقليل النفقات العامة، خاصة في بعض البنود المدنية، مثل الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وزيادة الضرائب للمرة الثانية، وهو ما يدخلها في صدامات حادة هذه المرة أيضا مع الإسرائيليين. موقف التحديثات الحية عن ارتدادات ضربة إيران الموجعة لأكبر مصفاة نفط إسرائيلية والأخطر أنه يحول إسرائيل من دولة جاذبة للاستثمارات الخارجية وصناعات التكنولوجيا المتطورة ومقر للشركات العالمية الكبرى إلى دولة طاردة للأموال والإسرائيليين معاً، دولة تشبه ما حولها من دول عربية ونامية تعاني الفقر والبطالة والتضخم والتعويم والتخلف الاقتصادي والعلمي، وغارقة في الديون الخارجية والداخلية. دولة تعتمد على جيب الإسرائيلي وضرائبه في تمويل عجز الموازنة. دولة يهرب منها المستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء. دولة معزولة دوليا ذات مستقبل غامض وبيئة طاردة للأموال. تضحي بالاقتصاد والسكان والرفاهية للمحافظة على حكومة عنصرية يقودها مجموعة من المتطرفين ومصاصي الدماء. إسرائيل اليوم في ظل تلقي الضربات العنيفة من إيران ليست هي إسرائيل أمس، والصورة القاتمة التي ترسمها مراكز بحوث وصحف اقتصادية عبرية عن الاقتصاد الإسرائيلي ربما تكون أقل كثيرا من الواقع الصعب الذي ستظهر ملامحه عقب انتهاء تلك الحرب الشرسة التي قد تسحق الاقتصاد


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
روسيا بصدد إطلاق برنامج خصخصة لسد عجز الموازنة
زاد تفاقم عجز الموازنة الروسية في الأشهر الأخيرة إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي مجتمعاً مع تراجع أسعار النفط العالمية من التكهنات بل الدعوات الصريحة إلى إجراء حلقة جديدة من خصخصة شركات القطاع العام، وسط تساؤلات حول ما هي الشركات الكبرى المراد طرحها للخصخصة كلياً أو جزئياً خلال الأشهر المقبلة. وفي وقت توقع فيه نائب رئيس لجنة سوق المال بمجلس الدوما (النواب) الروسي أوليغ سافتشينكو أن الخصخصة الجديدة ستشمل بالدرجة الأولى شركات صناعية، رأى رئيس الاتحاد الروسي للمصنعين ورواد الأعمال ألكسندر شوخين أن الخصخصة قد تجذب قسماً من الـ55 تريليون روبل (حوالي 700 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي)، من أموال المواطنين المودعة في المصارف. وتشير تقديرات وزارة المالية الروسية إلى أن خزانة الدولة قد تجني ما بين 100 و300 مليار روبل (ما بين 1.27 مليار دولار و3.8 مليارات دولار)، جراء عمليات الخصخصة المحتملة، فيما يندرج التوجه نحو زيادة حصة المستثمرين الخاصين بالاقتصاد ضمن الخط العام للسياسات الاقتصادية للدولة الروسية في المرحلة الراهنة، إذ سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن وجه برفع رسملة سوق الأسهم إلى 66% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 مقابل الـ26.6% حالياً، وفق تقديرات المصرف المركزي الروسي. مساع لجذب أموال المواطنين يقلل المحلل المالي الروسي المستقل ألكسندر رازوفايف من أهمية التوقعات بأن أصحاب المدخرات الروس سيهرعون لاستثمار أموالهم في أسهم الشركات المراد خصخصتها طالما تحقق الودائع المصرفية عوائد مرتفعة، في ظل بقاء سعر الفائدة الأساسية عند مستوى 21%، متوقعاً في الوقت نفسه ألا تكرر الدولة أخطاء التسعينيات حين أفضت الخصخصة إلى سيطرة طبقة الأوليغاركيا (طواغيت المال) على مفاصل الاقتصاد. ويقول رازوفايف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، لـ"العربي الجديد": "لن يتوجه المواطنون إلى المصارف لسحب مدخراتهم من المصارف لشراء الأسهم إلا في حال شروع المصرف المركزي بخفض سعر الفائدة الأساسية كما هو متوقع اعتباراً من يونيو/ حزيران الجاري. الأرجح أن الخصخصة تستهدف جمع أموال مما مجموعه عشرات مليارات الدولارات التي يحافظ عليها المواطنون بمنازلهم، وهذه فكرة جيدة حتى لا يتم سد عجز الموازنة بواسطة السندات السيادية وحدها". اقتصاد دولي التحديثات الحية هل تعود الشركات الأميركية إلى روسيا: إليك أهم العوائق وحول رؤيته للشركات المرشحة للخصخصة، يضيف: "على الأرجح، يجري الحديث عن الشركات الجاري تداول أسهمها بالبورصة بالفعل، مثل ألروسا المنتجة للألماس وترانس نفط وروس تيليكوم، وربما بعض الشركات المملوكة للدولة بالكامل، مثل السكك الحديدية الروسية وروس تيخ للتكنولوجيا وحتى روس آتوم المشغلة للمحطات النووية، على ألا تزيد نسبة الأسهم المراد خصخصتها على ما بين 10% و15%، ما يعني أن الخصخصة الحالية لن تمت بصلة إلى خصخصة التسعينيات لا شكلاً ولا مضموناً". ومع ذلك، يشكك في قدرة الدولة على بيع أسهمها للمواطنين بسهولة، قائلاً: "يبلغ عمر سوق الأسهم الروسية 30 عاماً، مر المواطنون خلالها بتجارب فاشلة للاستثمار في المؤسسات الحكومية، ناهيك عن وضع يرثى له بات فيه عملاق الغاز الروسي غازبروم (بعد خسارته الجزء الأكبر من حصته في السوق الأوروبية).. مع زيادة الوعي المالي في السنوات الأخيرة، لم يعد المستثمرون يكترثون لشهرة العلامات التجارية بقدر ما باتوا يتابعون التقارير المالية وقيمة عوائد الأسهم، يضاف إلى ذلك أن قسماً من المستثمرين الحذرين قد يؤجلون شراء الأسهم إلى حين حلول السلام في أوكرانيا". من جهته، يجزم الخبير الصناعي الروسي المستقل ليونيد خازانوف بضرورة إجراء موجة جديدة من الخصخصة في روسيا لدوافع ملء خزانة الدولة والارتقاء بالكفاءة والقدرة التنافسية للشركات المراد خصخصتها، مقراً في الوقت نفسه بأن ما شهدته التسعينيات من الفوضى الاقتصادية رسخ لدى قطاع كبير من المواطنين الروس مواقف سلبية حيال عمليات الخصخصة. ويقول خازانوف، الذي يحمل هو الآخر درجة الدكتوراه في الاقتصاد، لـ"العربي الجديد": "خصخصة بعض الشركات والمصانع المملوكة للدولة ضروري من وجهة نظر خفض عجز الموازنة وزيادة عوائد الخزانة، خاصة أن بعض الشركات يحتاج إلى مستثمرين من القطاع الخاص سيعطونها زخماً جديداً لأعمالها كما هو حال ألروسا التي تتراجع عوائدها عن بيع الألماس". وتنتج "ألروسا" سنوياً ما بين 30 و34 مليون قيراط من الألماس، وبلغت عوائدها في عام 2023، وفق آخر البيانات الواردة بمصادر مفتوحة، 322.6 مليار روبل (أكثر من أربعة مليارات دولار)، بينما بلغ صافي الأرباح 85.2 مليار روبل (حوالي 1.1 مليار دولار). وتبلغ حصة "ألروسا" في الإنتاجين العالمي والروسي من الألماس 30% و90% على التوالي. استحضار دروس التسعينيات ويرجح خازانوف أن الدولة الروسية ستحافظ على الحصة المهيمنة بالشركات الرائدة، مضيفاً: "بالطبع، قد تحافظ الدولة على الحصص المهيمنة ببعض الشركات سواء لجني عوائد عن أعمالها أو بغية الرقابة عليها، لأن شركة السكك الحديدية الروسية، مثلاً، هي أهم مؤسسة عاملة في مجال البنية التحتية يعتمد عليها اقتصاد البلاد وحياة السكان بالمعنى الحرفي للكلمة". اقتصاد دولي التحديثات الحية عقوبات على روسيا قد ترتد على أوروبا بأزمة تهدد أمنها الغذائي وحول أسباب ترسخ دلالات سلبية لكلمة "خصخصة" في أذهان الروس، يتابع: "في أحيان كثيرة، كانت مزادات الرهن قبل 30 عاماً، تتسبب في خسائر للدولة التي حرمت من السيطرة على الشركات ذات الأهمية الاستراتيجية، فما بالك أن مواطنين عاديين اكتشفوا أن مواقع عملهم تحولت إلى مخازن متوقفة سرحوا منها.. تسبب ذلك في صدمة لدى المواطنين لم تشف جروحها حتى اليوم، ولذلك لا يتمنى أحد تكرار الكابوس الاقتصادي للتسعينيات". وشهدت روسيا برنامج خصخصة شاملاً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، أثار انتقادات لاذعة ولا يزال الرأي العام يعتبره جريمة بحق روسيا وشعبها. وأسفر هذا البرنامج عن سيطرة شخصيات موالية ومقربة من النخبة الحاكمة آنذاك على كبريات الشركات وصعود طبقة الأوليغارشية، وارتباط المال بالسلطة وتفاوت غير عادل بين السكان وإفقار المواطنين واستيلاء عدد محدود من رجال الأعمال على إيرادات بيع موارد الطاقة. لكن بعد تنحي يلتسين وتولي بوتين زمام السلطة في البلاد في عام 2000، تمكن هذا الأخير من استعادة سيطرة الدولة على الحصة الرئيسية من إيرادات القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز والمصارف، وسط انتقال روسيا إلى نموذج اقتصادي أقرب إلى رأسمالية الدولة. ومع ذلك، لم يخل عهد بوتين من صفقات خصخصة كبرى، ومن بينها صفقة بيع 19.5% من أسهم أكبر شركة نفط روسية (روس نفط) لتحالف جهاز قطر للاستثمار وشركة غلينكور السويسرية مقابل 10.5 مليارات يورو في نهاية عام 2016، في ما يعد أكبر عملية خصخصة في تاريخ روسيا.