logo
روسيا بصدد إطلاق برنامج خصخصة لسد عجز الموازنة

روسيا بصدد إطلاق برنامج خصخصة لسد عجز الموازنة

العربي الجديدمنذ 11 ساعات

زاد تفاقم عجز
الموازنة الروسية
في الأشهر الأخيرة إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي مجتمعاً مع تراجع أسعار النفط العالمية من التكهنات بل الدعوات الصريحة إلى إجراء حلقة جديدة من خصخصة شركات القطاع العام، وسط تساؤلات حول ما هي الشركات الكبرى المراد طرحها للخصخصة كلياً أو جزئياً خلال الأشهر المقبلة.
وفي وقت توقع فيه نائب رئيس لجنة سوق المال بمجلس الدوما (النواب) الروسي أوليغ سافتشينكو أن الخصخصة الجديدة ستشمل بالدرجة الأولى شركات صناعية، رأى رئيس الاتحاد الروسي للمصنعين ورواد الأعمال ألكسندر شوخين أن الخصخصة قد تجذب قسماً من الـ55 تريليون روبل (حوالي 700 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي)، من أموال المواطنين المودعة في المصارف.
وتشير تقديرات وزارة المالية الروسية إلى أن خزانة الدولة قد تجني ما بين 100 و300 مليار روبل (ما بين 1.27 مليار دولار و3.8 مليارات دولار)، جراء عمليات الخصخصة المحتملة، فيما يندرج التوجه نحو زيادة حصة المستثمرين الخاصين بالاقتصاد ضمن الخط العام للسياسات الاقتصادية للدولة الروسية في المرحلة الراهنة، إذ سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن وجه برفع رسملة سوق الأسهم إلى 66% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 مقابل الـ26.6% حالياً، وفق تقديرات المصرف المركزي الروسي.
مساع لجذب أموال المواطنين
يقلل المحلل المالي الروسي المستقل ألكسندر رازوفايف من أهمية التوقعات بأن أصحاب المدخرات الروس سيهرعون لاستثمار أموالهم في أسهم الشركات المراد خصخصتها طالما تحقق الودائع المصرفية عوائد مرتفعة، في ظل بقاء سعر الفائدة الأساسية عند مستوى 21%، متوقعاً في الوقت نفسه ألا تكرر الدولة أخطاء التسعينيات حين أفضت الخصخصة إلى سيطرة طبقة الأوليغاركيا (طواغيت المال) على مفاصل الاقتصاد.
ويقول رازوفايف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، لـ"العربي الجديد": "لن يتوجه المواطنون إلى المصارف لسحب مدخراتهم من المصارف لشراء الأسهم إلا في حال شروع المصرف المركزي بخفض سعر الفائدة الأساسية كما هو متوقع اعتباراً من يونيو/ حزيران الجاري. الأرجح أن الخصخصة تستهدف جمع أموال مما مجموعه عشرات مليارات الدولارات التي يحافظ عليها المواطنون بمنازلهم، وهذه فكرة جيدة حتى لا يتم سد عجز الموازنة بواسطة السندات السيادية وحدها".
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
هل تعود الشركات الأميركية إلى روسيا: إليك أهم العوائق
وحول رؤيته للشركات المرشحة للخصخصة، يضيف: "على الأرجح، يجري الحديث عن الشركات الجاري تداول أسهمها بالبورصة بالفعل، مثل ألروسا المنتجة للألماس وترانس نفط وروس تيليكوم، وربما بعض الشركات المملوكة للدولة بالكامل، مثل السكك الحديدية الروسية وروس تيخ للتكنولوجيا وحتى روس آتوم المشغلة للمحطات النووية، على ألا تزيد نسبة الأسهم المراد خصخصتها على ما بين 10% و15%، ما يعني أن الخصخصة الحالية لن تمت بصلة إلى خصخصة التسعينيات لا شكلاً ولا مضموناً".
ومع ذلك، يشكك في قدرة الدولة على بيع أسهمها للمواطنين بسهولة، قائلاً: "يبلغ عمر سوق الأسهم الروسية 30 عاماً، مر المواطنون خلالها بتجارب فاشلة للاستثمار في المؤسسات الحكومية، ناهيك عن وضع يرثى له بات فيه عملاق الغاز الروسي غازبروم (بعد خسارته الجزء الأكبر من حصته في السوق الأوروبية).. مع زيادة الوعي المالي في السنوات الأخيرة، لم يعد المستثمرون يكترثون لشهرة العلامات التجارية بقدر ما باتوا يتابعون التقارير المالية وقيمة عوائد الأسهم، يضاف إلى ذلك أن قسماً من المستثمرين الحذرين قد يؤجلون شراء الأسهم إلى حين حلول السلام في أوكرانيا".
من جهته، يجزم الخبير الصناعي الروسي المستقل ليونيد خازانوف بضرورة إجراء موجة جديدة من الخصخصة في روسيا لدوافع ملء خزانة الدولة والارتقاء بالكفاءة والقدرة التنافسية للشركات المراد خصخصتها، مقراً في الوقت نفسه بأن ما شهدته التسعينيات من الفوضى الاقتصادية رسخ لدى قطاع كبير من المواطنين الروس مواقف سلبية حيال عمليات الخصخصة.
ويقول خازانوف، الذي يحمل هو الآخر درجة الدكتوراه في الاقتصاد، لـ"العربي الجديد": "خصخصة بعض الشركات والمصانع المملوكة للدولة ضروري من وجهة نظر خفض عجز الموازنة وزيادة عوائد الخزانة، خاصة أن بعض الشركات يحتاج إلى مستثمرين من القطاع الخاص سيعطونها زخماً جديداً لأعمالها كما هو حال ألروسا التي تتراجع عوائدها عن بيع الألماس".
وتنتج "ألروسا" سنوياً ما بين 30 و34 مليون قيراط من الألماس، وبلغت عوائدها في عام 2023، وفق آخر البيانات الواردة بمصادر مفتوحة، 322.6 مليار روبل (أكثر من أربعة مليارات دولار)، بينما بلغ صافي الأرباح 85.2 مليار روبل (حوالي 1.1 مليار دولار). وتبلغ حصة "ألروسا" في الإنتاجين العالمي والروسي من الألماس 30% و90% على التوالي.
استحضار دروس التسعينيات
ويرجح خازانوف أن الدولة الروسية ستحافظ على الحصة المهيمنة بالشركات الرائدة، مضيفاً: "بالطبع، قد تحافظ الدولة على الحصص المهيمنة ببعض الشركات سواء لجني عوائد عن أعمالها أو بغية الرقابة عليها، لأن شركة السكك الحديدية الروسية، مثلاً، هي أهم مؤسسة عاملة في مجال البنية التحتية يعتمد عليها اقتصاد البلاد وحياة السكان بالمعنى الحرفي للكلمة".
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
عقوبات على روسيا قد ترتد على أوروبا بأزمة تهدد أمنها الغذائي
وحول أسباب ترسخ دلالات سلبية لكلمة "خصخصة" في أذهان الروس، يتابع: "في أحيان كثيرة، كانت مزادات الرهن قبل 30 عاماً، تتسبب في خسائر للدولة التي حرمت من السيطرة على الشركات ذات الأهمية الاستراتيجية، فما بالك أن مواطنين عاديين اكتشفوا أن مواقع عملهم تحولت إلى مخازن متوقفة سرحوا منها.. تسبب ذلك في صدمة لدى المواطنين لم تشف جروحها حتى اليوم، ولذلك لا يتمنى أحد تكرار الكابوس الاقتصادي للتسعينيات".
وشهدت روسيا برنامج خصخصة شاملاً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، أثار انتقادات لاذعة ولا يزال الرأي العام يعتبره جريمة بحق روسيا وشعبها. وأسفر هذا البرنامج عن سيطرة شخصيات موالية ومقربة من النخبة الحاكمة آنذاك على كبريات الشركات وصعود طبقة الأوليغارشية، وارتباط المال بالسلطة وتفاوت غير عادل بين السكان وإفقار المواطنين واستيلاء عدد محدود من رجال الأعمال على إيرادات بيع موارد الطاقة.
لكن بعد تنحي يلتسين وتولي بوتين زمام السلطة في البلاد في عام 2000، تمكن هذا الأخير من استعادة سيطرة الدولة على الحصة الرئيسية من إيرادات القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز والمصارف، وسط انتقال روسيا إلى نموذج اقتصادي أقرب إلى رأسمالية الدولة. ومع ذلك، لم يخل عهد بوتين من صفقات خصخصة كبرى، ومن بينها صفقة بيع 19.5% من أسهم أكبر شركة نفط روسية (روس نفط) لتحالف جهاز قطر للاستثمار وشركة غلينكور السويسرية مقابل 10.5 مليارات يورو في نهاية عام 2016، في ما يعد أكبر عملية خصخصة في تاريخ روسيا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سحب بنك إنكلترا السيولة يرفع الفائدة على ودائع المصارف البريطانية
سحب بنك إنكلترا السيولة يرفع الفائدة على ودائع المصارف البريطانية

العربي الجديد

timeمنذ 6 ساعات

  • العربي الجديد

سحب بنك إنكلترا السيولة يرفع الفائدة على ودائع المصارف البريطانية

تقدم البنوك البريطانية معدلات من الفائدة العالية غير المعتادة لجذب الودائع النقدية، في أحدث دليل على تأثير تخفيض ميزانية بنك إنكلترا (BOE) على تقليص السيولة في النظام المالي، وفقاً لتقرير أوردته بلومبيرغ الجمعة. ووفقاً لبيانات مؤشر سعر الفائدة لليلة واحدة بالجنيه الإسترليني (SONIA) التي نُشرت اليوم، فقد وصلت المعدلات التي تعرضها البنوك الأكثر حرصاً على جذب الودائع قصيرة الأجل إلى مستوى معدل الفائدة الرئيسي لبنك إنكلترا للمرة الأولى منذ مايو/أيار 2020، باستثناء زيادة قصيرة عند نهاية العام الماضي، علماً أن هذا المؤشر يُمثل متوسط تكلفة الاقتراض بين المؤسسات المالية. وبحسب الشبكة الأميركية، تشير البيانات إلى أن البنوك مستعدة لتقديم معدلات أعلى لجذب السيولة من العملاء مع استمرار بنك إنكلترا المركزي في تقليص السيولة عبر خفض حيازاته من السندات وإنهاء برامج القروض، فيما تتزامن هذه المؤشرات مع علامات أخرى على زيادة الطلب على السيولة الفائضة، بما في ذلك استخدام قياسي لمرفق إعادة الشراء (ريبو) التابع للبنك بقيمة 70 مليار جنيه إسترليني (94 مليار دولار) أمس الخميس. وتعكس هذه التطورات التوازن الحذر الذي يسعى مسؤولو البنك المركزي لتحقيقه أثناء تقليل السيولة الوفيرة التي هيمنت على الأسواق لسنوات. ونقلت بلومبيرغ عن المديرة التنفيذية للسوق في بنك إنكلترا، فيكي سابورتا، حثها المقرضين على زيادة استخدام التسهيلات الروتينية للبنك لتجنّب أي ضغوط محتملة في الأسواق مع استمرار البنك في تخفيض ميزانيته، كما نقلت الشبكة عن الاستراتيجي في بنك باركليز، معين إسلام، قوله: "إنها مؤشرات إضافية على أن ظروف السيولة أكثر ضيقاً مما يعتقد بنك إنكلترا". ويُعد تقارب معدلات الفائدة هذا أمراً غير معتاد، إذ كان من المتوقع في ظل وفرة السيولة التي وفرتها عمليات شراء السندات أن تدفع البنوك لعملائها معدلات أقل من معدل البنك، لتعكس قلة الحاجة لجذب السيولة، ما كان يسمح لها بجني أرباح من فرق السعر بين معدل الفائدة المدفوع للعملاء ومعدل الفائدة الذي تحصل عليه عند إيداع الأموال لدى بنك إنكلترا. أسواق التحديثات الحية إبقاء الفائدة الأميركية والقطرية على حالها.. هكذا تفاعلت أسواق المال ويواجه البنك المركزي نقطة حرجة مع تقليص ميزانيته من السندات الحكومية بمعدل 100 مليار جنيه إسترليني (135 مليار دولار) سنوياً من خلال مزيج من عدم إعادة استثمار العوائد من السندات المستحقة البيع والمبيعات النشطة، وقد تكهن المحللون بأن البنك قد يبطئ هذا التيسير النقدي الكمي من أكتوبر، مع اقترابه من النطاق الأدنى المفضل للاحتياطيات (PMRR). وأوضح إسلام أن "هناك أدلة متزايدة على أن السوق يقترب من حالة توازن في الاحتياطيات، مما يثير التساؤل حول الحاجة لمزيد من التيسير النقدي الكمي النشط". ويهدف البنك المركزي إلى تقليل اعتماد الأسواق على السيولة الوفيرة الناتجة عن سنوات شراء السندات الحكومية، وتوفير السيولة عبر عمليات إعادة الشراء (ريبو) بدلاً من ذلك. ويزيد هذا التحول من مخاطر تقلبات السوق، إذ يراقب المسؤولون أسواق المال بالجنيه الإسترليني بحثاً عن مؤشرات توتر محتملة. وذكر البنك أنه يراقب الفرق بين مؤشر SONIA الرئيسي، الذي يمثل متوسط معدلات ودائع الليلة الواحدة المقدمة من البنوك، ومعدل الفائدة الرئيسي للبنك. ومنذ بداية العام الحالي، بدأ مؤشر SONIA يقترب تدريجياً من معدل البنك، لكنّه لا يزال أقل بحوالى ثلاث نقاط أساس. وبالتعمق في بيانات SONIA، وصل أعلى 10% من المعاملات (الأكثر استعداداً لقبول الودائع) إلى معدل 4.25% اليوم الجمعة، وهو ما يعادل معدل الفائدة الرئيسي للبنك، أو المبلغ الذي يمكن للمقرضين الحصول عليه عند إيداع الأموال لدى البنك المركزي.

المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران
المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران

العربي الجديد

timeمنذ 8 ساعات

  • العربي الجديد

المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران

بعد أن اتَّجهت " قافلة الصمود " لشقّ حصار غزة بصدرٍ واثقٍ، كسفينة نوح تحمل شتاتَ الكرامة العربية، انقضَّ الاحتلال الإسرائيلي على أعشاشِ طهران في ظلام الخيانة، وكأنَّما أراد أن يُطفئَ شمعة المقاومة بنَفَسٍ واحدٍ، فاغتال علماء النُّبوغ النوويِّ، وهدَّد رأس النظام في حركة تشي بمراوغة دولية كُبرى. وفي الوقت ذاته، مزَّق الدبّ الروسي جسدَ العاصمة الأوكرانية، مُخلِّفاً 44 قتيلاً و14 جريحاً، وكأنَّها إشارة مُبرمجة من قِبل سادة العالم القديم: أميركا تتنازل عن كييف مقابل تنازل روسيا عن طهران . اهتزَّت عروش الأمان في الكيان الصهيوني تحت وابل صواريخ إيرانية تُجسِّد سقوط أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وتهاوي الجبروت العسكري كتمثال من رمال، تاركاً وراءه بورصة تترنَّح، وسياحة تذوي، وعملة تغرق في منحدر مالي. فقد تهاوت قيمة الشيكل الإسرائيلي بنسبة تتجاوز 5% خلال 24 ساعة في تعاملات يوم 13 يونيو/ حزيران الحالي، وتوقفت حركة الطيران، وتعرضت الحياة الاقتصادية للشلل التام. وإذا كانت الصدمة المالية قد تجلَّت في انهيار الشيكل وشلل الأسواق، فإنَّ فاتورة المواجهة العسكرية كشفت عن حجمِ الكارثة: فقد قدَّرت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية تكلفة التصدِّي للهجوم بمليار دولار، حيث تبلغ تكلفة ساعة الطيران الواحدة لمقاتلات إف-35 نحو 35 ألف دولار، وتشمل التكاليف تشغيل أكثر من 140 طائرة مقاتلة. ويتجسَّد المشهد الأكثر مأساوية في الصهاينة الذين يدفعون آلاف الدولارات للهرب في قوارب بشكل غير شرعي نحو قبرص واليونان، في هجرة معكوسة تفضحُ الخديعة الكبرى، بعد أن أُغلقت في وجوهِهم المطارات وهُرِّبت الطائرات. في الوقت الذي تَهشَّمت فيه أسطورة الحصار الأمني فوق أرض العدوان، سالت دماء العلماء الإيرانيين على مذبح الخيانة. في الواقع، ظلَّ الاغتيال السياسي سلاحاً اقتصادياً مبطناً. فاستهداف العقول النووية الإيرانية لم يكن ضربة عسكرية فحسب، بل ضربة مزدوجة للاقتصاد الإيراني تعطِّل برنامج الطاقة النووية السلمية الذي تعوِّل عليه طهران لتجاوز العقوبات، وتعزِّز حلقة الاستنزاف. اقتصاد دولي التحديثات الحية الحرب مع إيران تكلف الاقتصاد الإسرائيلي 28 مليار دولار فقد انهار الريال الإيراني بنسبة 10% أمام الدولار و12% مقابل اليورو خلال ساعات من إعلان الاغتيالات، وتصاعدت أزمة الوقود مع عودة طوابير توزيع البنزين في طهران، مما يزيد الضغوط على الاقتصاد المنهك. واتَّخذت الحكومة إجراءات عاجلة لكبح جماح الأزمة الاقتصادية المعقَّدة، منها تخصيص مليار دولار من العملة الصعبة لضمان واردات السلع الاستهلاكية الحيوية، وفق بيان لمحافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين، نقله التلفزيون الرسمي الإيراني. في الواقع، تتَّسع دائرة المواجهة بين إيران وإسرائيل لتتجاوز ساحات القتال التقليدية، حيث تتصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة على البنى التحتية والمنشآت الحيوية لكلا البلدين. تُحوّل هذه التطوُّرات الصراع تدريجياً نحو جبهة استنزاف اقتصادي بالغة الخطورة، تُعَدّ بمثابة حرب موازية بآليات مختلفة. فأضحت الضربات على المنشآت الاستراتيجية وسيلة لاستهداف مرتكزات القوّة الوطنية، في مؤشِّر على تحوُّل مراكز الثقل في الصراع من الميدان العسكري المباشر إلى ميادين التأثير بالاستقرار المالي والاقتصادي، مما يضاعف من تداعيات المواجهة وأبعادها المعقَّدة. وفي أعقاب الضربات الإسرائيلية على مواقع عسكرية ونووية إيرانية ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة تصل إلى 13%، لتتجاوز 75.93 دولاراً للبرميل بعد هجوم إسرائيلي على منشآت نووية إيرانية، وتشير تقديرات بنك جي بي مورغان إلى إمكانية ارتفاع الأسعار تدريجياً نحو 90 دولاراً، بل وقد تتخطَّى 120 دولاراً في حال استهداف وتعطيل الموانئ الإيرانية الرئيسية. اقتصاد دولي التحديثات الحية ضرب اقتصاد إسرائيل: استهداف بورصة تل أبيب وفوضى تطاول القطاعات كما يظلّ مضيق هرمز، الذي يعبره 30% من صادرات النفط البحرية العالمية و20% من الغاز المسال، بؤرة القلق الأبرز، إذ يهدِّد أي تصعيد بإثارة مخاوف جدِّية حول إغلاقه، وهو سيناريو بالغ الخطورة رغم تعقيد تنفيذه، حيث يؤكِّد التاريخ أنّ مجرَّد التهديد بإغلاق المضيق كفيل بإثارة اضطرابات السوق ودفع الأسعار إلى مستويات قياسية. من ناحية أخرى، مشهد القصف الروسي المُكثَّف على أوكرانيا في الساعات الأولى من يوم 17 يونيو الحالي لم يكن صدفة عسكرية بحتة، بل هو إعلان عن صفقة جيوسياسية مُظلمة، حيث يُتوقَّع انحسار الدعم الأميركي التدريجي لأوكرانيا، مقابل تراخٍ روسي محسوب قد يسمح بترك إيران فريسة لضربات أميركية-إسرائيلية مُحتملة، وتبدو هذه المعادلة الصامتة من وجهة نظر البعض كأنها مقايضة مصالح بين القوى الكبرى، تُدار خلف ستار الصراعات الإقليمية، وتُعيد تشكيل توازنات النفوذ في مسارح الأزمات الدولية وفق حسابات القوّة والمصلحة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هنا: هل تتضمَّن هذه المقايضة اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي لاجتثاث النظام الإيراني من جذوره؟ في تصريحٍ يستند إلى غطاء دبلوماسي أميركي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة حصرية لشبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية عدم استبعاده اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، معتبراً أنّ هذه الخطوة قد تمثِّل "حلاً جذرياً" لتسوية الصراع مع طهران. جاء هذا التصريح في ظلّ دعم أميركي واضح وغير محدود، خصوصاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ممّا يُفسِّر جرأة الخطاب الإسرائيلي. تحمل هذه التصريحات دلالاتٍ خطيرة لا تُقارن إلا بحادثة اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد النمسا والمجر، عام 1914 التي أشعلت الحرب العالمية الأولى، حيث يُدرك المراقبون أنّ استهداف رمزٍ بهذا الثقل السياسي والديني لن يُنتج سوى تصعيدٍ كارثي، بل قد يُشعل حرباً إقليمية شاملة تتداعى آثارها عالمياً. خلاصة القول، يسعى الكيان الصهيوني من خلال ضرباته الأخيرة ضدّ إيران إلى تحويل الأنظار عن قافلة الصمود، لإجهاضِ أي صحوة عربية وعالمية قد تُهدِّدُ مشاريعَه التوسُّعية في المنطقة. يتَّسق هذا المسار مع النمط التاريخي للكيان في استهداف أنظمة الدول المجاورة، حيث يُعوِّل الآن، بدعمٍ أميركي واضح، على تفكيك النظام الإيراني، وتحويل إيران إلى ليبيا جديدة باعتبار ذلك حلاً استراتيجياً يُنهي التحدِّيات الجيوسياسية المطروحة أمامه. ما يحدث ليس مجرَّدَ صراع بين القوى الكبرى، بل هو ولادة عسيرة لعالمٍ جديدٍ تُعادُ كتابة قوانينِه على أنقاضِ الدماء، ويبقى السؤال المصيريّ: هل نخرج من هذه الأتونِ بجمرة دمارٍ، أم ببذورِ نهضة؟ وتكمنُ الإجابة في يقظة حُكَّام المنطقة العربية قبل شعوبها. فسقوطُ إيران -إن حدث- لن يكونَ نهاية المطاف، بل نقطة تحوُّلٍ ستجرُّ وراءها كلَّ من تقاعس عن ركوب قطار التطبيع، أو تردَّد في دعم مشروع "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل.

مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟
مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟

العربي الجديد

timeمنذ 11 ساعات

  • العربي الجديد

مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟

يبدو أن إحصاء إسرائيل خسائرها وكلفة نزيفها الاقتصادي والمالي لن يحدث في الأجل القريب، في ظل استمرار الهجمات والصواريخ الإيرانية بنسق تصاعدي وقياسي، وزيادة مستوى المخاطر الأمنية والجيوسياسية داخل دولة الاحتلال، ففي الوقت الذي كانت تستعد فيه حكومة بنيامين نتنياهو لحصر خسائر إسرائيل الفادحة الناتجة عن تكاليف حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها ضد أهالي غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعن المواجهة العسكرية مع حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وغيرها من فصائل المقاومة العربية، إذا بدولة الاحتلال تدخل في دوامة اقتصادية جديدة قد تحولها إلى دولة هشة اقتصادياً ومأزومة مالياً وطاردة للأموال والاستثمارات إن لم تتلقَّ دعماً دولياً قوياً وعاجلاً، وتسارع دول غربية وخليجية نحو تقديم الدعم المالي السخي والاستثمارات الضخمة والمساعدات النقدية والعينية. ومنذ انطلاق الحرب مع إيران، يتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لخسائر باهظة قد تفوق كثيراً قدرات الدولة العبرية التي تحولت شوارعها ومؤسساتها وشركاتها ومنازلها ومحالها التجارية إلى ساحة صراع وعش للخراب، وتعرض اقتصادها للشلل التام بسبب تدفق الصواريخ الإيرانية، وتوقفت أنشطة المرافق الاقتصادية والطاقة وحركة الطيران والسياحة بالكامل، وتوقف الإسرائيليين عن الذهاب لعملهم بعد إغلاق أماكن العمل والمصالح التجارية بموجب تعليمات قيادة الجبهة الداخلية، وتعمق عجز الموازنة العامة التي تعاني بالفعل من نقص حاد في الموارد وتكاليف ضخمة، وإنفاق حربي باهظ دفع الحكومة إلى خفض الرواتب والأجور والنفقات العامة ورفع الضرائب هذا العام. وعلى مدى أسبوع واحد، تحول الاقتصاد الإسرائيلي من مجرد اقتصاد حرب يعيش على المساعدات العسكرية الغربية، ويعطي أولوية قصوى للإنفاق الحربي، ويصرف ببذخ على جنود الاحتياط بسبب حرب غزة، وهو ما أدى إلى استنزاف احتياطي الطوارئ، إلى اقتصاد اعتراض وصد الهجمات الإيرانية ودفع تعويضات للقطاعات الاقتصادية المتضررة وترميم الأنشطة المغلقة. وخلال أيام قليلة من الحرب تحول إلى اقتصاد تنزف قطاعاته الحيوية، وفي مقدمتها قطاع النفط الذي أصيب بشلل تام حيث استهدفت صواريخ مصفاة حيفا، أكبر مصفاة في إسرائيل، وأوقفت الصواريخ الإنتاج في حقول الغاز الكبرى الواقعة شرقي البحر المتوسط، وتوقفت صادرات الطاقة سواء نفط أو غاز ومشتقات وقود. موقف التحديثات الحية العرب وحسابات الربح والخسارة من الحرب الإيرانية الإسرائيلية ووفق تقديرات إسرائيلية، فإنه خلال أول يومين من المواجهات مع إيران، تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 10% في أول يومين للحرب، وبلغت التكلفة المباشرة للاقتصاد الإسرائيلي نحو 5.5 مليارات شيكل (1.53 مليار دولار)، منها 2.25 مليار شيكل للضربة الافتتاحية و3.25 مليارات للدفاع الجوي وتعبئة الاحتياط. كما كشفت الأرقام أن الأضرار الناتجة عن الهجوم الإيراني خلال اليومين تقدر بنحو مليار شيكل (287 مليون دولار)، مع توقع استقبال أكثر من 22 ألف مطالبة تعويض من المواطنين. وقدرت صحيفة هآرتس أن تكلفة اعتراض كل دفعة من صواريخ إيران التي تطلقها صوب إسرائيل منذ يوم الجمعة الماضي قد تصل إلى نحو مليار شيكل، في حين تشير تقديرات أخرى إلى خسائر باهظة في مجال صد الصواريخ الإيرانية فقط، تُقدَّر بـ2.1 مليار دولار خلال 42 ساعة، وأن منظومات اعتراض الصواريخ الإيرانية وهي "القبة الحديدية" و"سهم" و"مقلاع داود"، إضافة إلى منظومة "ثاد" الأميركية، باتت تمثل نزيفاً للموازنة الإسرائيلية. إسرائيل اليوم في ظل تلقي الضربات العنيفة من إيران ليست هي إسرائيل أمس، والصورة القاتمة التي ترسمها مراكز بحوث وصحف اقتصادية عبرية عن الاقتصاد الإسرائيلي ومن المتوقع استمرار تلك الأضرار، في ظل تقديرات للمستشار المالي السابق لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، رام أميناح، الذي صرّح لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في إبريل/نيسان 2024، بأن الدفاع عن إسرائيل يوماً واحداً ضد الهجمات الإيرانية كلف بين أربعة مليارات وخمسة مليارات شيكل (1.5 مليار دولار). استمرار الحرب مع إيران ليس في صالح إسرائيل مطلقاً، والنزيف الاقتصادي الحالي غير قابل للاستمرار، في ظل توقعات بحدوث ارتفاع صارخ في الإنفاق العسكري، وخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، واضطرار الحكومة لاتخاذ خطوات سريعة لتقليص العجز المالي المتفاقم عبر خفض الرواتب وتقليل النفقات العامة، خاصة في بعض البنود المدنية، مثل الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وزيادة الضرائب للمرة الثانية، وهو ما يدخلها في صدامات حادة هذه المرة أيضا مع الإسرائيليين. موقف التحديثات الحية عن ارتدادات ضربة إيران الموجعة لأكبر مصفاة نفط إسرائيلية والأخطر أنه يحول إسرائيل من دولة جاذبة للاستثمارات الخارجية وصناعات التكنولوجيا المتطورة ومقر للشركات العالمية الكبرى إلى دولة طاردة للأموال والإسرائيليين معاً، دولة تشبه ما حولها من دول عربية ونامية تعاني الفقر والبطالة والتضخم والتعويم والتخلف الاقتصادي والعلمي، وغارقة في الديون الخارجية والداخلية. دولة تعتمد على جيب الإسرائيلي وضرائبه في تمويل عجز الموازنة. دولة يهرب منها المستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء. دولة معزولة دوليا ذات مستقبل غامض وبيئة طاردة للأموال. تضحي بالاقتصاد والسكان والرفاهية للمحافظة على حكومة عنصرية يقودها مجموعة من المتطرفين ومصاصي الدماء. إسرائيل اليوم في ظل تلقي الضربات العنيفة من إيران ليست هي إسرائيل أمس، والصورة القاتمة التي ترسمها مراكز بحوث وصحف اقتصادية عبرية عن الاقتصاد الإسرائيلي ربما تكون أقل كثيرا من الواقع الصعب الذي ستظهر ملامحه عقب انتهاء تلك الحرب الشرسة التي قد تسحق الاقتصاد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store