logo
المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران

المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران

العربي الجديدمنذ 3 ساعات

بعد أن اتَّجهت "
قافلة الصمود
" لشقّ حصار غزة بصدرٍ واثقٍ، كسفينة نوح تحمل شتاتَ الكرامة العربية، انقضَّ الاحتلال الإسرائيلي على أعشاشِ طهران في ظلام الخيانة، وكأنَّما أراد أن يُطفئَ شمعة المقاومة بنَفَسٍ واحدٍ، فاغتال علماء النُّبوغ النوويِّ، وهدَّد رأس النظام في حركة تشي بمراوغة دولية كُبرى.
وفي الوقت ذاته، مزَّق الدبّ الروسي جسدَ العاصمة الأوكرانية، مُخلِّفاً 44 قتيلاً و14 جريحاً، وكأنَّها إشارة مُبرمجة من قِبل سادة العالم القديم: أميركا تتنازل عن كييف مقابل تنازل روسيا عن
طهران
. اهتزَّت عروش الأمان في الكيان الصهيوني تحت وابل صواريخ إيرانية تُجسِّد سقوط أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وتهاوي الجبروت العسكري كتمثال من رمال، تاركاً وراءه بورصة تترنَّح، وسياحة تذوي، وعملة تغرق في منحدر مالي.
فقد تهاوت قيمة الشيكل الإسرائيلي بنسبة تتجاوز 5% خلال 24 ساعة في تعاملات يوم 13 يونيو/ حزيران الحالي، وتوقفت حركة الطيران، وتعرضت الحياة الاقتصادية للشلل التام.
وإذا كانت الصدمة المالية قد تجلَّت في انهيار الشيكل وشلل الأسواق، فإنَّ فاتورة المواجهة العسكرية كشفت عن حجمِ الكارثة: فقد قدَّرت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية تكلفة التصدِّي للهجوم بمليار دولار، حيث تبلغ تكلفة ساعة الطيران الواحدة لمقاتلات إف-35 نحو 35 ألف دولار، وتشمل التكاليف تشغيل أكثر من 140 طائرة مقاتلة.
ويتجسَّد المشهد الأكثر مأساوية في الصهاينة الذين يدفعون آلاف الدولارات للهرب في قوارب بشكل غير شرعي نحو قبرص واليونان، في هجرة معكوسة تفضحُ الخديعة الكبرى، بعد أن أُغلقت في وجوهِهم المطارات وهُرِّبت الطائرات. في الوقت الذي تَهشَّمت فيه أسطورة الحصار الأمني فوق أرض العدوان، سالت دماء العلماء الإيرانيين على مذبح الخيانة. في الواقع، ظلَّ الاغتيال السياسي سلاحاً اقتصادياً مبطناً. فاستهداف العقول النووية الإيرانية لم يكن ضربة عسكرية فحسب، بل ضربة مزدوجة للاقتصاد الإيراني تعطِّل برنامج الطاقة النووية السلمية الذي تعوِّل عليه طهران لتجاوز العقوبات، وتعزِّز حلقة الاستنزاف.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
الحرب مع إيران تكلف الاقتصاد الإسرائيلي 28 مليار دولار
فقد انهار الريال الإيراني بنسبة 10% أمام الدولار و12% مقابل اليورو خلال ساعات من إعلان الاغتيالات، وتصاعدت أزمة الوقود مع عودة طوابير توزيع البنزين في طهران، مما يزيد الضغوط على الاقتصاد المنهك.
واتَّخذت الحكومة إجراءات عاجلة لكبح جماح الأزمة الاقتصادية المعقَّدة، منها تخصيص مليار دولار من العملة الصعبة لضمان واردات السلع الاستهلاكية الحيوية، وفق بيان لمحافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين، نقله التلفزيون الرسمي الإيراني.
في الواقع، تتَّسع دائرة المواجهة بين إيران وإسرائيل لتتجاوز ساحات القتال التقليدية، حيث تتصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة على البنى التحتية والمنشآت الحيوية لكلا البلدين. تُحوّل هذه التطوُّرات الصراع تدريجياً نحو جبهة استنزاف اقتصادي بالغة الخطورة، تُعَدّ بمثابة حرب موازية بآليات مختلفة. فأضحت الضربات على المنشآت الاستراتيجية وسيلة لاستهداف مرتكزات القوّة الوطنية، في مؤشِّر على تحوُّل مراكز الثقل في الصراع من الميدان العسكري المباشر إلى ميادين التأثير بالاستقرار المالي والاقتصادي، مما يضاعف من تداعيات المواجهة وأبعادها المعقَّدة.
وفي أعقاب الضربات الإسرائيلية على مواقع عسكرية ونووية إيرانية ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة تصل إلى 13%، لتتجاوز 75.93 دولاراً للبرميل بعد هجوم إسرائيلي على منشآت نووية إيرانية، وتشير تقديرات بنك جي بي مورغان إلى إمكانية ارتفاع الأسعار تدريجياً نحو 90 دولاراً، بل وقد تتخطَّى 120 دولاراً في حال استهداف وتعطيل الموانئ الإيرانية الرئيسية.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
ضرب اقتصاد إسرائيل: استهداف بورصة تل أبيب وفوضى تطاول القطاعات
كما يظلّ مضيق هرمز، الذي يعبره 30% من صادرات النفط البحرية العالمية و20% من الغاز المسال، بؤرة القلق الأبرز، إذ يهدِّد أي تصعيد بإثارة مخاوف جدِّية حول إغلاقه، وهو سيناريو بالغ الخطورة رغم تعقيد تنفيذه، حيث يؤكِّد التاريخ أنّ مجرَّد التهديد بإغلاق المضيق كفيل بإثارة اضطرابات السوق ودفع الأسعار إلى مستويات قياسية. من ناحية أخرى، مشهد القصف الروسي المُكثَّف على أوكرانيا في الساعات الأولى من يوم 17 يونيو الحالي لم يكن صدفة عسكرية بحتة، بل هو إعلان عن صفقة جيوسياسية مُظلمة، حيث يُتوقَّع انحسار الدعم الأميركي التدريجي لأوكرانيا، مقابل تراخٍ روسي محسوب قد يسمح بترك إيران فريسة لضربات أميركية-إسرائيلية مُحتملة، وتبدو هذه المعادلة الصامتة من وجهة نظر البعض كأنها مقايضة مصالح بين القوى الكبرى، تُدار خلف ستار الصراعات الإقليمية، وتُعيد تشكيل توازنات النفوذ في مسارح الأزمات الدولية وفق حسابات القوّة والمصلحة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هنا: هل تتضمَّن هذه المقايضة اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي لاجتثاث النظام الإيراني من جذوره؟ في تصريحٍ يستند إلى غطاء دبلوماسي أميركي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة حصرية لشبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية عدم استبعاده اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، معتبراً أنّ هذه الخطوة قد تمثِّل "حلاً جذرياً" لتسوية الصراع مع طهران.
جاء هذا التصريح في ظلّ دعم أميركي واضح وغير محدود، خصوصاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ممّا يُفسِّر جرأة الخطاب الإسرائيلي. تحمل هذه التصريحات دلالاتٍ خطيرة لا تُقارن إلا بحادثة اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد النمسا والمجر، عام 1914 التي أشعلت الحرب العالمية الأولى، حيث يُدرك المراقبون أنّ استهداف رمزٍ بهذا الثقل السياسي والديني لن يُنتج سوى تصعيدٍ كارثي، بل قد يُشعل حرباً إقليمية شاملة تتداعى آثارها عالمياً.
خلاصة القول، يسعى الكيان الصهيوني من خلال ضرباته الأخيرة ضدّ إيران إلى تحويل الأنظار عن قافلة الصمود، لإجهاضِ أي صحوة عربية وعالمية قد تُهدِّدُ مشاريعَه التوسُّعية في المنطقة. يتَّسق هذا المسار مع النمط التاريخي للكيان في استهداف أنظمة الدول المجاورة، حيث يُعوِّل الآن، بدعمٍ أميركي واضح، على تفكيك النظام الإيراني، وتحويل إيران إلى ليبيا جديدة باعتبار ذلك حلاً استراتيجياً يُنهي التحدِّيات الجيوسياسية المطروحة أمامه.
ما يحدث ليس مجرَّدَ صراع بين القوى الكبرى، بل هو ولادة عسيرة لعالمٍ جديدٍ تُعادُ كتابة قوانينِه على أنقاضِ الدماء، ويبقى السؤال المصيريّ: هل نخرج من هذه الأتونِ بجمرة دمارٍ، أم ببذورِ نهضة؟ وتكمنُ الإجابة في يقظة حُكَّام المنطقة العربية قبل شعوبها. فسقوطُ إيران -إن حدث- لن يكونَ نهاية المطاف، بل نقطة تحوُّلٍ ستجرُّ وراءها كلَّ من تقاعس عن ركوب قطار التطبيع، أو تردَّد في دعم مشروع "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تراجع أسعار النفط وارتفاع أسواق المال: هدنة مؤقتة أم هدوء يسبق العاصفة؟
تراجع أسعار النفط وارتفاع أسواق المال: هدنة مؤقتة أم هدوء يسبق العاصفة؟

العربي الجديد

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربي الجديد

تراجع أسعار النفط وارتفاع أسواق المال: هدنة مؤقتة أم هدوء يسبق العاصفة؟

وسط انحسار المخاوف من تصعيد الحرب في إيران، تراجعت أسعار النفط يوم الجمعة، بينما سجلت الأسواق الأميركية والأوروبية مكاسب متفاوتة. ومع ذلك، لا يزال المستثمرون حذرين من تقلبات محتملة في الأيام المقبلة، إذ يشير المحللون إلى استمرار حالة الغموض بشأن النزاعات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الترقب بشأن الرسوم الجمركية الأميركية. وانخفض سعر خام برنت ، المؤشر العالمي لأسعار النفط، بنسبة 3%، مما أثر على أسعار أسهم شركات الطاقة الكبرى، وذلك بعد أن صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه سيقرر خلال الأسبوعين المقبلين ما إذا كان سينضم إلى الضربات الإسرائيلية ضد إيران. ونقلت فرانس برس عن متداولين أن تصريحات ترامب توحي بتفضيله للمفاوضات لإنهاء النزاع، بالتزامن مع لقاء دبلوماسيين أوروبيين بارزين بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في جنيف يوم الجمعة، لبحث "حل دبلوماسي" لإنهاء الحرب. وافتتحت المؤشرات الأميركية تداولات الجمعة، بارتفاع طفيف قبل أن تتراجع لاحقاً، فيما أشار المحللون إلى أن حجم التداولات كان ضعيفاً بسبب تمتع العديد من المتعاملين بعطلة نهاية أسبوع طويلة عقب عطلة يوم الاستقلال (Juneteenth) يوم الخميس في الولايات المتحدة. وأغلقت المؤشرات الآسيوية الأسبوع بأداء متباين، في حين تراجع الدولار أمام معظم العملات الرئيسية. وقالت المحللة في شركة التداول "إكس تي بي" (XTB) كاثلين بروكس إن "أخبار تأجيل الرئيس ترامب اتخاذ قرار بشأن الانضمام إلى الهجمات على إيران دعّمت المعنويات في الأسواق"، وأضافت: "تراجع خام برنت يعود إلى أن المتداولين بدؤوا يستبعدون أسوأ السيناريوهات الجيوسياسية". طاقة التحديثات الحية تراجع أوروبي عن اقتراح خفض سقف سعر النفط الروسي إلى 45 دولاراً وكانت أسعار النفط قد قفزت في جلسات سابقة، بينما تراجعت الأسهم العالمية بشدة، في ظل تصاعد حدة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حيث خشي المستثمرون من تأثير ذلك على إمدادات النفط العالمية، وما قد يسببه من ضغوط على النمو الاقتصادي. ومع ذلك، وجد عقد النفط الأميركي الرئيسي (West Texas Intermediate) بعض الدعم اليوم الجمعة، ويُعزى ذلك إلى انخفاض حجم التداول بعد إغلاق السوق يوم الخميس، إضافة إلى بيانات أشارت إلى تراجع كبير في المخزونات الأميركية من النفط الخام، بحسب محللين. وفي هذا الصدد، نقلت فرانس برس عن محلل الاستثمار في شركة "إيه جيه بيل" (AJ Bell) دان كوتسورث، قوله: "رغم أن احتمالات تدخل أميركي فوري في إيران قد تراجعت، لكن حقيقة أن المهلة المقترحة هي أسبوعان فقط تعني أن هذا الملف سيبقى حاضراً بقوة في الأسواق خلال الأسبوع المقبل". الرسوم الجمركية الأميركية عقبة أمام المستثمرين وفي الوقت الذي تهيمن أزمة الشرق الأوسط على اهتمام المتابعين، تظل حرب الرسوم الجمركية التي يخوضها ترامب عقبة رئيسية أمام المستثمرين، إذ تقترب نهاية فترة التجميد التي دامت 90 يوماً منذ إطلاق حزمة الرسوم في الثاني من إبريل/نيسان. وقال كبير استراتيجيي السوق الأميركية في شركة "مورنينغ ستار" (Morningstar) ديفيد سيكيرا: "رغم أن أسوأ الرسوم تم تجميدها مؤقتًا، نعتقد أن الاتفاقات الجديدة لن تبرم إلا مع اقتراب المهل النهائية"، مضيفاً: "حتى ذلك الحين، فإن أي أخبار تتعلق بتقدم أو مضمون المفاوضات التجارية قد تؤثر بشكل كبير، سلباً أو إيجاباً، على الأسواق". سيارات التحديثات الحية ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية على السيارات وفي أوروبا، قفزت أسهم شركة "يوتلسات" (Eutelsat) بنسبة 30% في بورصة باريس، بعدما أعلنت الحكومة الفرنسية قيادتها لاستثمار بقيمة 1.35 مليار يورو (1.5 مليار دولار) في شركة الأقمار الصناعية الأوروبية. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال كلمة ألقاها في معرض باريس الجوي إلى "استعادة سريعة للريادة الأوروبية" في قطاع الفضاء، في مواجهة المنافسة الأميركية المتزايدة. أداء النفط والأسهم وفي ما يلي أبرز أخبار النفط والأسهم بحلول الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش: - برميل النفط خام برنت (Brent): انخفاض بنسبة 3.1% إلى 76.44 دولاراً. - خام غرب تكساس (WTI): انخفاض بنسبة 0.3% إلى 73.25 دولاراً. - مؤشر داو جونز الصناعي (نيويورك): ارتفاع 0.3% إلى 42311.23 نقطة. - مؤشر ستاندرد أند بورز (S&P 500) الأوسع نطاقاً: مستقر عند 5981.74 نقطة. - مؤشر ناسداك الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا: انخفاض بنسبة 0.3% إلى 19485.47 نقطة. أسواق التحديثات الحية بلومبيرغ: فيديليتي تراهن على الأسهم متوسطة الحجم أما المؤشرات الأوروبية والآسيوية الأساسية فقد أغلقت على النحو الآتي: - مؤشر فوتسي 100 (لندن): انخفاض 0.2% إلى 7589.66 نقطة. - مؤشر كاك 40 (باريس): ارتفاع 0.5% إلى 7589.66 نقطة. - مؤشر داكس (فرانكفورت): ارتفاع بنسبة 1.3% إلى 23350.55 نقطة. - مؤشر نيكاي 225 (طوكيو): انخفاض 0.2% إلى 38403.23 نقاط. - مؤشر هانغ سنغ (هونغ كونغ): ارتفاع 1.3% إلى 23530.48 نقطة. - مؤشر شنغهاي المركب: انخفاض 0.1% إلى 3359.9 نقطة. وفي سوق العملات، رُصدت هذه التطورات: - اليورو/الدولار: ارتفاع من 1.1463 إلى 1.1521. - الجنيه الإسترليني/الدولار: ارتفاع من 1.3429 إلى 1.3465. - الدولار/الين: ارتفاع من 145.63 إلى 145.88 يناً. - اليورو/الجنيه الإسترليني: ارتفاع من 85.36 إلى 85.56 بنساً.

المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران
المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران

العربي الجديد

timeمنذ 3 ساعات

  • العربي الجديد

المصالح أوَّلاً: أوكرانيا مقابل إيران

بعد أن اتَّجهت " قافلة الصمود " لشقّ حصار غزة بصدرٍ واثقٍ، كسفينة نوح تحمل شتاتَ الكرامة العربية، انقضَّ الاحتلال الإسرائيلي على أعشاشِ طهران في ظلام الخيانة، وكأنَّما أراد أن يُطفئَ شمعة المقاومة بنَفَسٍ واحدٍ، فاغتال علماء النُّبوغ النوويِّ، وهدَّد رأس النظام في حركة تشي بمراوغة دولية كُبرى. وفي الوقت ذاته، مزَّق الدبّ الروسي جسدَ العاصمة الأوكرانية، مُخلِّفاً 44 قتيلاً و14 جريحاً، وكأنَّها إشارة مُبرمجة من قِبل سادة العالم القديم: أميركا تتنازل عن كييف مقابل تنازل روسيا عن طهران . اهتزَّت عروش الأمان في الكيان الصهيوني تحت وابل صواريخ إيرانية تُجسِّد سقوط أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وتهاوي الجبروت العسكري كتمثال من رمال، تاركاً وراءه بورصة تترنَّح، وسياحة تذوي، وعملة تغرق في منحدر مالي. فقد تهاوت قيمة الشيكل الإسرائيلي بنسبة تتجاوز 5% خلال 24 ساعة في تعاملات يوم 13 يونيو/ حزيران الحالي، وتوقفت حركة الطيران، وتعرضت الحياة الاقتصادية للشلل التام. وإذا كانت الصدمة المالية قد تجلَّت في انهيار الشيكل وشلل الأسواق، فإنَّ فاتورة المواجهة العسكرية كشفت عن حجمِ الكارثة: فقد قدَّرت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية تكلفة التصدِّي للهجوم بمليار دولار، حيث تبلغ تكلفة ساعة الطيران الواحدة لمقاتلات إف-35 نحو 35 ألف دولار، وتشمل التكاليف تشغيل أكثر من 140 طائرة مقاتلة. ويتجسَّد المشهد الأكثر مأساوية في الصهاينة الذين يدفعون آلاف الدولارات للهرب في قوارب بشكل غير شرعي نحو قبرص واليونان، في هجرة معكوسة تفضحُ الخديعة الكبرى، بعد أن أُغلقت في وجوهِهم المطارات وهُرِّبت الطائرات. في الوقت الذي تَهشَّمت فيه أسطورة الحصار الأمني فوق أرض العدوان، سالت دماء العلماء الإيرانيين على مذبح الخيانة. في الواقع، ظلَّ الاغتيال السياسي سلاحاً اقتصادياً مبطناً. فاستهداف العقول النووية الإيرانية لم يكن ضربة عسكرية فحسب، بل ضربة مزدوجة للاقتصاد الإيراني تعطِّل برنامج الطاقة النووية السلمية الذي تعوِّل عليه طهران لتجاوز العقوبات، وتعزِّز حلقة الاستنزاف. اقتصاد دولي التحديثات الحية الحرب مع إيران تكلف الاقتصاد الإسرائيلي 28 مليار دولار فقد انهار الريال الإيراني بنسبة 10% أمام الدولار و12% مقابل اليورو خلال ساعات من إعلان الاغتيالات، وتصاعدت أزمة الوقود مع عودة طوابير توزيع البنزين في طهران، مما يزيد الضغوط على الاقتصاد المنهك. واتَّخذت الحكومة إجراءات عاجلة لكبح جماح الأزمة الاقتصادية المعقَّدة، منها تخصيص مليار دولار من العملة الصعبة لضمان واردات السلع الاستهلاكية الحيوية، وفق بيان لمحافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين، نقله التلفزيون الرسمي الإيراني. في الواقع، تتَّسع دائرة المواجهة بين إيران وإسرائيل لتتجاوز ساحات القتال التقليدية، حيث تتصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة على البنى التحتية والمنشآت الحيوية لكلا البلدين. تُحوّل هذه التطوُّرات الصراع تدريجياً نحو جبهة استنزاف اقتصادي بالغة الخطورة، تُعَدّ بمثابة حرب موازية بآليات مختلفة. فأضحت الضربات على المنشآت الاستراتيجية وسيلة لاستهداف مرتكزات القوّة الوطنية، في مؤشِّر على تحوُّل مراكز الثقل في الصراع من الميدان العسكري المباشر إلى ميادين التأثير بالاستقرار المالي والاقتصادي، مما يضاعف من تداعيات المواجهة وأبعادها المعقَّدة. وفي أعقاب الضربات الإسرائيلية على مواقع عسكرية ونووية إيرانية ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة تصل إلى 13%، لتتجاوز 75.93 دولاراً للبرميل بعد هجوم إسرائيلي على منشآت نووية إيرانية، وتشير تقديرات بنك جي بي مورغان إلى إمكانية ارتفاع الأسعار تدريجياً نحو 90 دولاراً، بل وقد تتخطَّى 120 دولاراً في حال استهداف وتعطيل الموانئ الإيرانية الرئيسية. اقتصاد دولي التحديثات الحية ضرب اقتصاد إسرائيل: استهداف بورصة تل أبيب وفوضى تطاول القطاعات كما يظلّ مضيق هرمز، الذي يعبره 30% من صادرات النفط البحرية العالمية و20% من الغاز المسال، بؤرة القلق الأبرز، إذ يهدِّد أي تصعيد بإثارة مخاوف جدِّية حول إغلاقه، وهو سيناريو بالغ الخطورة رغم تعقيد تنفيذه، حيث يؤكِّد التاريخ أنّ مجرَّد التهديد بإغلاق المضيق كفيل بإثارة اضطرابات السوق ودفع الأسعار إلى مستويات قياسية. من ناحية أخرى، مشهد القصف الروسي المُكثَّف على أوكرانيا في الساعات الأولى من يوم 17 يونيو الحالي لم يكن صدفة عسكرية بحتة، بل هو إعلان عن صفقة جيوسياسية مُظلمة، حيث يُتوقَّع انحسار الدعم الأميركي التدريجي لأوكرانيا، مقابل تراخٍ روسي محسوب قد يسمح بترك إيران فريسة لضربات أميركية-إسرائيلية مُحتملة، وتبدو هذه المعادلة الصامتة من وجهة نظر البعض كأنها مقايضة مصالح بين القوى الكبرى، تُدار خلف ستار الصراعات الإقليمية، وتُعيد تشكيل توازنات النفوذ في مسارح الأزمات الدولية وفق حسابات القوّة والمصلحة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هنا: هل تتضمَّن هذه المقايضة اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي لاجتثاث النظام الإيراني من جذوره؟ في تصريحٍ يستند إلى غطاء دبلوماسي أميركي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة حصرية لشبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية عدم استبعاده اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، معتبراً أنّ هذه الخطوة قد تمثِّل "حلاً جذرياً" لتسوية الصراع مع طهران. جاء هذا التصريح في ظلّ دعم أميركي واضح وغير محدود، خصوصاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ممّا يُفسِّر جرأة الخطاب الإسرائيلي. تحمل هذه التصريحات دلالاتٍ خطيرة لا تُقارن إلا بحادثة اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد النمسا والمجر، عام 1914 التي أشعلت الحرب العالمية الأولى، حيث يُدرك المراقبون أنّ استهداف رمزٍ بهذا الثقل السياسي والديني لن يُنتج سوى تصعيدٍ كارثي، بل قد يُشعل حرباً إقليمية شاملة تتداعى آثارها عالمياً. خلاصة القول، يسعى الكيان الصهيوني من خلال ضرباته الأخيرة ضدّ إيران إلى تحويل الأنظار عن قافلة الصمود، لإجهاضِ أي صحوة عربية وعالمية قد تُهدِّدُ مشاريعَه التوسُّعية في المنطقة. يتَّسق هذا المسار مع النمط التاريخي للكيان في استهداف أنظمة الدول المجاورة، حيث يُعوِّل الآن، بدعمٍ أميركي واضح، على تفكيك النظام الإيراني، وتحويل إيران إلى ليبيا جديدة باعتبار ذلك حلاً استراتيجياً يُنهي التحدِّيات الجيوسياسية المطروحة أمامه. ما يحدث ليس مجرَّدَ صراع بين القوى الكبرى، بل هو ولادة عسيرة لعالمٍ جديدٍ تُعادُ كتابة قوانينِه على أنقاضِ الدماء، ويبقى السؤال المصيريّ: هل نخرج من هذه الأتونِ بجمرة دمارٍ، أم ببذورِ نهضة؟ وتكمنُ الإجابة في يقظة حُكَّام المنطقة العربية قبل شعوبها. فسقوطُ إيران -إن حدث- لن يكونَ نهاية المطاف، بل نقطة تحوُّلٍ ستجرُّ وراءها كلَّ من تقاعس عن ركوب قطار التطبيع، أو تردَّد في دعم مشروع "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل.

مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟
مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟

العربي الجديد

timeمنذ 6 ساعات

  • العربي الجديد

مع تدفق صواريخ إيران ... متى تحصي إسرائيل خسائرها؟

يبدو أن إحصاء إسرائيل خسائرها وكلفة نزيفها الاقتصادي والمالي لن يحدث في الأجل القريب، في ظل استمرار الهجمات والصواريخ الإيرانية بنسق تصاعدي وقياسي، وزيادة مستوى المخاطر الأمنية والجيوسياسية داخل دولة الاحتلال، ففي الوقت الذي كانت تستعد فيه حكومة بنيامين نتنياهو لحصر خسائر إسرائيل الفادحة الناتجة عن تكاليف حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها ضد أهالي غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعن المواجهة العسكرية مع حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وغيرها من فصائل المقاومة العربية، إذا بدولة الاحتلال تدخل في دوامة اقتصادية جديدة قد تحولها إلى دولة هشة اقتصادياً ومأزومة مالياً وطاردة للأموال والاستثمارات إن لم تتلقَّ دعماً دولياً قوياً وعاجلاً، وتسارع دول غربية وخليجية نحو تقديم الدعم المالي السخي والاستثمارات الضخمة والمساعدات النقدية والعينية. ومنذ انطلاق الحرب مع إيران، يتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لخسائر باهظة قد تفوق كثيراً قدرات الدولة العبرية التي تحولت شوارعها ومؤسساتها وشركاتها ومنازلها ومحالها التجارية إلى ساحة صراع وعش للخراب، وتعرض اقتصادها للشلل التام بسبب تدفق الصواريخ الإيرانية، وتوقفت أنشطة المرافق الاقتصادية والطاقة وحركة الطيران والسياحة بالكامل، وتوقف الإسرائيليين عن الذهاب لعملهم بعد إغلاق أماكن العمل والمصالح التجارية بموجب تعليمات قيادة الجبهة الداخلية، وتعمق عجز الموازنة العامة التي تعاني بالفعل من نقص حاد في الموارد وتكاليف ضخمة، وإنفاق حربي باهظ دفع الحكومة إلى خفض الرواتب والأجور والنفقات العامة ورفع الضرائب هذا العام. وعلى مدى أسبوع واحد، تحول الاقتصاد الإسرائيلي من مجرد اقتصاد حرب يعيش على المساعدات العسكرية الغربية، ويعطي أولوية قصوى للإنفاق الحربي، ويصرف ببذخ على جنود الاحتياط بسبب حرب غزة، وهو ما أدى إلى استنزاف احتياطي الطوارئ، إلى اقتصاد اعتراض وصد الهجمات الإيرانية ودفع تعويضات للقطاعات الاقتصادية المتضررة وترميم الأنشطة المغلقة. وخلال أيام قليلة من الحرب تحول إلى اقتصاد تنزف قطاعاته الحيوية، وفي مقدمتها قطاع النفط الذي أصيب بشلل تام حيث استهدفت صواريخ مصفاة حيفا، أكبر مصفاة في إسرائيل، وأوقفت الصواريخ الإنتاج في حقول الغاز الكبرى الواقعة شرقي البحر المتوسط، وتوقفت صادرات الطاقة سواء نفط أو غاز ومشتقات وقود. موقف التحديثات الحية العرب وحسابات الربح والخسارة من الحرب الإيرانية الإسرائيلية ووفق تقديرات إسرائيلية، فإنه خلال أول يومين من المواجهات مع إيران، تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 10% في أول يومين للحرب، وبلغت التكلفة المباشرة للاقتصاد الإسرائيلي نحو 5.5 مليارات شيكل (1.53 مليار دولار)، منها 2.25 مليار شيكل للضربة الافتتاحية و3.25 مليارات للدفاع الجوي وتعبئة الاحتياط. كما كشفت الأرقام أن الأضرار الناتجة عن الهجوم الإيراني خلال اليومين تقدر بنحو مليار شيكل (287 مليون دولار)، مع توقع استقبال أكثر من 22 ألف مطالبة تعويض من المواطنين. وقدرت صحيفة هآرتس أن تكلفة اعتراض كل دفعة من صواريخ إيران التي تطلقها صوب إسرائيل منذ يوم الجمعة الماضي قد تصل إلى نحو مليار شيكل، في حين تشير تقديرات أخرى إلى خسائر باهظة في مجال صد الصواريخ الإيرانية فقط، تُقدَّر بـ2.1 مليار دولار خلال 42 ساعة، وأن منظومات اعتراض الصواريخ الإيرانية وهي "القبة الحديدية" و"سهم" و"مقلاع داود"، إضافة إلى منظومة "ثاد" الأميركية، باتت تمثل نزيفاً للموازنة الإسرائيلية. إسرائيل اليوم في ظل تلقي الضربات العنيفة من إيران ليست هي إسرائيل أمس، والصورة القاتمة التي ترسمها مراكز بحوث وصحف اقتصادية عبرية عن الاقتصاد الإسرائيلي ومن المتوقع استمرار تلك الأضرار، في ظل تقديرات للمستشار المالي السابق لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، رام أميناح، الذي صرّح لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في إبريل/نيسان 2024، بأن الدفاع عن إسرائيل يوماً واحداً ضد الهجمات الإيرانية كلف بين أربعة مليارات وخمسة مليارات شيكل (1.5 مليار دولار). استمرار الحرب مع إيران ليس في صالح إسرائيل مطلقاً، والنزيف الاقتصادي الحالي غير قابل للاستمرار، في ظل توقعات بحدوث ارتفاع صارخ في الإنفاق العسكري، وخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، واضطرار الحكومة لاتخاذ خطوات سريعة لتقليص العجز المالي المتفاقم عبر خفض الرواتب وتقليل النفقات العامة، خاصة في بعض البنود المدنية، مثل الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وزيادة الضرائب للمرة الثانية، وهو ما يدخلها في صدامات حادة هذه المرة أيضا مع الإسرائيليين. موقف التحديثات الحية عن ارتدادات ضربة إيران الموجعة لأكبر مصفاة نفط إسرائيلية والأخطر أنه يحول إسرائيل من دولة جاذبة للاستثمارات الخارجية وصناعات التكنولوجيا المتطورة ومقر للشركات العالمية الكبرى إلى دولة طاردة للأموال والإسرائيليين معاً، دولة تشبه ما حولها من دول عربية ونامية تعاني الفقر والبطالة والتضخم والتعويم والتخلف الاقتصادي والعلمي، وغارقة في الديون الخارجية والداخلية. دولة تعتمد على جيب الإسرائيلي وضرائبه في تمويل عجز الموازنة. دولة يهرب منها المستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء. دولة معزولة دوليا ذات مستقبل غامض وبيئة طاردة للأموال. تضحي بالاقتصاد والسكان والرفاهية للمحافظة على حكومة عنصرية يقودها مجموعة من المتطرفين ومصاصي الدماء. إسرائيل اليوم في ظل تلقي الضربات العنيفة من إيران ليست هي إسرائيل أمس، والصورة القاتمة التي ترسمها مراكز بحوث وصحف اقتصادية عبرية عن الاقتصاد الإسرائيلي ربما تكون أقل كثيرا من الواقع الصعب الذي ستظهر ملامحه عقب انتهاء تلك الحرب الشرسة التي قد تسحق الاقتصاد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store