
الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (5): أول استدعاء أمني لي من قبل إدريس البصري
تعززت الخزانة الوطنية قبل أيام بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس.
هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998.
وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال.
يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي.
المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين.
إليكم الجزء الخامس من الصفحات الساخنة التي ارتأت الأيام نشرها:
يوم هدّدنا وزير الداخلية بالإعدام سنة 1963
سافر (بالصدفة) والدي رفقة والدتي إلى الحج في نفس السنة، عبر الباخرة، وعادا في أبريل 1968، أياما قليلة بعد حصولي على الدكتوراه بباريس. استقبلناهم في ميناء الدارالبيضاء وعدنا إلى الرباط، وما أن بدأنا في الإحتفال العائلي البسيط والعادي بمنزلنا بديور الجامع، حتى دَقَّ باب بيتنا عُنصُرا شرطة، سَلَّماني استدعاءً مستعجلا للحضور إلى مكتب ادريس البصري بولاية الأمن، وكان الأمر يوم أحد.
توجهتُ إلى مكتبه 23 بالطابق الأول، والولاية فارغة لأنه يوم عطلة. حين دخلت وجدته لوحده، وأمامه تحت قطعة زجاج على مكتبه صورة للجنرال أوفقير في استعراض عسكري. قال لي إنه مبعوثٌ من الجنرال وهو يُخبرك أن جلالة الملك سيذهب لأداء مناسك العمرة وأنت من الناس الذين تم اختيارهم ضمن الوفد المرافق لجلالته، بعد حصولك على درجة الدكتوراه. فأجبتهُ أنه صعبٌ علي هذا السفر، وأنني أشكر جلالة الملك على تقثه وتقديره، وأنه قد سبق أن اتصل بي السيد ادريس المحمدي مدير الديوان الملكي منذ شهرين وأخبرني بقرار جلالته بعث طالبين منا إلى الحج، ولقد سافرا فعلا. أخبرني أنه صعبٌ عليه نقل ذلك الجواب المعتذر. فقلت له مازحا:
– قل له إن ولعلو يقول لك، إنه لا يزال في 26 سنة من عمره، ولا يزال أمامه متسع وقت لإكثار الذنوب، قبل التوجه إلى مكة لغسلها.
أُحْرِجَ البصري كثيرا، فتركتُه وخرجت.
شرعنا في الإعداد للمؤتمر 12 للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبسبب ذلك الإتفاق على تقسيم المهام بيني وبين عبد اللطيف المنوني، وقَعَ نوعٌ من الفراغ داخل تنظيمنا الطلابي الإتحادي. وأثناء توجهنا لانتخاب مؤتمري فرع الرباط، وأغلبُ الطلبة من كليتي الآداب والحقوق ونسبةٌ قليلة من كلية الطب ونسبةٌ أقل من المهندسين، عُرِضَتْ لائحتان هما لائحة الطلبةالإتحاديين ولائحة الطلبة التابعين لحزب التحرر والإشتراكية (الشيوعي سابقا)، إذ لأول مرة لم يحصل اتفاقٌ بين الحزبين حول وضع لائحة مرشحين موحدة. فانتبهنا إلى أن طلبة المدرسة المحمدية للمهندسين، التي يعمل فيها أبراهام السرفاتي مؤطرا وأستاذا، حضروا بكثافة رغم أنهم غير منضوين في الأوطم، وصَوَّتُوا كلهم لصالح لائحة طلبة التحرر والإشتراكية، فانهزمنا نحن الإتحاديين.
كانت النواةُ الجديدة تلك في صفوف الطلبة المهندسين يتزعمها الطالب المنصوري، وهي ذات النواة التي ستخرج منها منظمة «إلى الأمام» في ما بعد. أدركتُ حينها أن قيادة الأوطم في المؤتمر الذي نهيئ له، قد لا تبقى اتحادية، فتعبئتُ بقوة لمواجهة ذلك، حيث توجهت إلى الدارالبيضاء، لحضور انتخابات المؤتمرين في كلية الحقوق قرب مقر شركة النقل «ستيام»، وربحنا تلك الإنتخابات، فتحقق نوع من التوازن مع الرباط. ثم توجهت إلى فاس، وربح الإتحاديون أكثر، مع تسجيل أن مجموعة الطلبة الإتحاديين بفاس هي التي ستُؤسِّسُ توجه مجموعة «23 مارس» اليسارية الراديكالية. ثم سافرتُ إلى باريس يوم 30 ماي 1968، لتعبئة الطلبة الإتحاديين، وذلك ما حدث. ولن أنسى ذلك اليوم، لأنه حين وصلنا بالطائرة المغربية نزلنا في مطار عسكري بسبب إضراب الطيران المدني في فرنسا، ووجدتُ الميترو والحافلات العمومية والطاكسيات في إضراب أيضا. فتَمَّإرْكَابُنا في حافلةٍ للجيش الفرنسي، الذي كان مجندا لمواجهة الإضراب، وحين بَلَغْتُ ساحة لاكونكورد، وجدتُ أمامي بحرا من البشر. كان ذلك اليوم، هو يوم المظاهرة الديغولية المناهضة لثورة الطلاب، فكانت تلك لحظة الإنقلاب في الحركات الإحتجاجية بفرنسا. لكن أهم ما لاحظتُهُ حينها بباريس، هو أن قيادة الإتحاد الوطني لطلبة فرنسا التي كنتُ أعرفُها منذ سنتين فقط قد تم تجاوزها، وظهرت قيادات ميدانية جديدة راديكالية (مجموعة كوبنديت). مثلما سيكون هناك تجاوزٌ في المغرب بعد سنتين، مع بروز تيار الطلبة المتياسرين الراديكاليين. في نفس ذلك اليوم، التقيتُ وجها لوجه مع فرانسوا ميتران في الظروف التي سبق وحكيت عنها من قبل.
زرتُ، أسبوعين قبل المؤتمر 12 للأوطم، تونسَ لحضور مؤتمر الإتحاد العام لطلبة تونس، المنظم بمدينة عين الدراهم، في الشمال قرب مدينة طبرقة، التي يقيم بها الرئيس بورقيبة. وهناك عشتُ الهيمنة الكاملة للدستوريين، بدليل أنه في حفل العشاء العام، انتبهتُ كيف أن كل قيادات الإتحاد الطلابي التونسي السابقين أصبحوا من نخبة البلد ومن قيادات الدولة (إما ولات أو سفراء أو وزراء) وضمنهم الصياح الذي أصبح المؤرخ الرسمي لبورقيبة. كانت القيادة الطلابية التونسية آنذاك تتكون من ثالوث المختار الزناد، بنحمد ومصطفى بنجعفر. بينما كانت مواقع المعارضة الطلابية التونسية ضعيفة ضمن ذلك التنظيم الطلابي.
حين تناولت الكلمة، عبَّرتُ عن دعمنا كمغاربة لنضال الشعب الفيتنامي، وحينها كان بورقيبة له موقف مضاد للفيتناميين مساند للغرب، فقام خمسة من المؤتمرين فقط يصفقون على كلمتي بحرارة، بينما بقيت القاعة كلها جامدة. بعد ذلك استقبلنا بورقيبة وألقى خطابا حمل فيه بشدة على ارتداء الفتيات للميني جيب، مما أثارني منه كثيرا هو الذي كان شخصية تُعتَبَرُ منفتحة مجتمعيا.
عقد المؤتمر 12 للأوطم بالرباط، وحُزْنَا كاتحاديين الرئاسة وأغلبية اللجنة التنفيذية، مع تسجيل توسع لحضور طلبة التحرر والإشتراكية، حيث فازوا بمقعدين في اللجنة التنفيذية بدل مقعد واحد كما كان عليه الأمر منذ سنوات. لكننا، لم ننتبه لا نحن ولا هم، إلى ما كان يَعْتَمِلُ في أحشاء منظمتنا الطلابية، وفي صفوف الطلبة من تنظيمات يسارية ماركسية لينينية وما تَفَرَّعَ عنها من مجموعتي «23 مارس» و «إلى الأمام». وهو تيارٌاحتجاجيٌّ يرتكز على نتائج أحداث ماي 68 بفرنسا، وتطورات القضية الفلسطينية بعد هزيمة 1967، وبروز تيارات الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين. وأذكرُ أنه عقدنا لقاء بمقر الحزب القديم فوق «ستيام» كطلبة اتحاديين مع عبد الرحيم بوعبيد، وفي ذلك اللقاء برزت لأول مرة مجموعة مراكش الإنتقادية، التي بدأت تتحدث لغة جديدة، بمصطلحات جديدة، مثل «التقييم»، التي فاجأت بوعبيد نفسه، والتي تقول بضرورة «تقييم تجربة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية السياسية». كان ضمنهم الحبيب الطالب، محمد المريني، عبد الواحد بلكبير وعبد الصمد بلكبير.وكل هؤلاء هم من الذين أسسوا منظمة 23 مارس، ثم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ثم الحزب الإشتراكي الديمقراطي قبل أن يرجعوا إلى الإتحادالإشتراكي للقوات الشعبية مع مرحلة تحضير تجربة التناوب.
المهم، عقد المؤتمر 12 في يوليوز 1968، بكلية الآداب بالرباط. وفاز عبد اللطيف المنوني برئاسة الأوطم. وطُرِحَ موضوعٌ أساسيٌّ أثناء المؤتمر، هو موقفنا من مخطط روجرس وزير الخارجية الأمريكي، الذي قَبِلَهُ الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967. وهو المخطط الذي دَعَّمَهُ حزب التحرر والإشتراكية المغربي اعتبارا لأن موسكو قَبِلَتْهُ. بينما كنا نحن الإتحاديين نرفُضُهُ رفضا مطلقا إلى جانب الفلسطينيين بكل جبهاتهم السياسية. بالتالي خَلَقَ موقفُ حزب التحرر والإشتراكية شرخًا داخل الحزب، حيث برز أبراهام السرفاتي وهو من القيادة السياسية للحزب حينها، كواحد من أشد المعارضين لذلك المخطط. فكان ذلك مقدمة لتجسير ذلك الشرخ حزبيا وطلابيا.
في السادسة صباحا من اليوم الثالث للمؤتمر، بعد أن انتُخِبَتْ القيادةُ الجديدةُ، المتكونةُ من عبد اللطيف المنوني ومن معارضيه من الإتحاديين محمد لخصاصي والطيب بناني وانتخبتُ كرئيس شرفي، خرجتُ بهدوءٍ، وتمشيتُ لوحدي في الشارع العام (شارع النصر)، وأنا أقول في داخلي:
– الآن أُوَدِّعُ مرحلةً أساسية من حياتي، هي حياتي الطلابية.
كنتُ مسلحا حينها بالدكتوراه التي حصلت عليها منذ شهور. وقررتُ أن أنسلخ نهائيا عن الحركة الطلابية. وفرحتُ أنني أنجزتُ مهمتي في قيادةالأوطم، في ظروفَ صعبةٍ، بنجاح. كنت أشعر في ذلك الصباح الباكر بنوع من الإطمئنان، اطمئنانِ الإنسان الذي قام بواجبه، وفي نفس الآن ساهَمَ في تحضيرِ تَجَاوُزِ مرحلتِه. لقد كنتُ أُومِنُ دومًا أن نجاح الإنسان في أي مهمةٍ مرتبطٌ بما يَبْدُلُهُ، لتَجَاوُزِ ما قام به.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مراكش الآن
منذ ساعة واحدة
- مراكش الآن
الاستقلالي يونس أبوسكسو يعدد مناقب اعبودو مندوب فرع تامنصورت لمنظمة الكشاف المغربي في حفل تأبينه بمراكش
شهدت مدينة مراكش، اليوم الأحد، تنظيم حفل تأبيني للراحل مصطفى اعبودو، مندوب فرع تامنصورت لمنظمة الكشاف المغربي، وأحد رموز النضال والعمل الجمعوي والحزبي على صعيد جهة مراكش-آسفي، بحضور أسرته الصغيرة، وعدد من مناضلي حزب الاستقلال، ورفاقه في منظمة الكشاف، وجمع من أصدقائه ومحبيه. وفي كلمة مؤثرة خلال هذا الحفل، ألقى الأستاذ يونس أبوسكسو، أحد الوجوه البارزة في حزب الاستقلال، كلمة رثى فيها الفقيد معدداً خصاله الحميدة ومناقبه الوطنية والنضالية، مؤكداً أن الراحل 'كان من بين المناضلين الذين خلد التاريخ أسماءهم محلياً ووطنياً، لما قدمه من تضحيات في خدمة الحزب والوطن، متمسكاً بقيم الاستقامة والنزاهة طوال مسيرته الحياتية والمهنية'. وأشار أبوسكسو إلى أن الفقيد مصطفى اعبودو بدأ مساره منذ نعومة أظافره، من خلال انخراطه في جمعيات تربوية وتنظيمات شبابية مثل الشبيبة المدرسية وجمعية التربية والتنمية، قبل أن يلتحق بهياكل حزب الاستقلال، حيث تدرج من الخلية المحلية إلى المجلس الوطني للحزب، مبرزاً أن الراحل تحلى في مختلف محطاته بـ'الأخلاق العالية والصبر والتفاني في أداء المسؤولية'. كما توقف المتحدث عند التزام الراحل القوي بقيم الكشاف المغربي، مؤكداً أن مصطفى اعبودو 'تشبع بروح خدمة الوطن والغير، وكان دائم الاستعداد لنصرة الضعفاء والوقوف بجانبهم'، مستحضراً في هذا السياق مبادئ حزب الاستقلال المستلهمة من العقيدة الوطنية والفكر الإصلاحي لعلال الفاسي. وأضاف الأستاذ أبوسكسو أن الفقيد 'ظل وفياً لمبادئه إلى آخر لحظات حياته، رغم معاناته مع المرض، حيث أصر على التشبث بالأمل في الشفاء ليواصل عطاءه في الحقل الجمعوي والخيري'، مشدداً على أن وفاته 'خسارة كبيرة لكل من عرفه ورافقه في مساره النضالي والإنساني'. واختتم كلمته بالدعاء للراحل بالرحمة والمغفرة، سائلاً الله أن يسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم أسرته الصغيرة ورفاقه الصبر والسلوان، مؤكداً أن الراحل ترك وراءه 'ذرية صالحة وسيرة عطرة ستبقى خالدة في ذاكرة المدينة'.


أخبارنا
منذ 2 ساعات
- أخبارنا
عبدالإله بنكيران وأحمد الشرع، إسلاميان بمواقف متضاربة
إنهما يرضعان من عقيدة واحدة ويستنيران، كما يزعمون، من شرع الله. فأحمد الشرع الذي طرد بشار الأسد ليتولى زمام الحكم في سوريا جاء لينقذ بلاده وليعبر عن وطنيته وأن سوريا بالنسبة له فوق جميع القضايا أيا كانت أهميتها. أما السيد عبد الإله بنكيران فهو على النقيض من ذلك يريد أن يقلب المعادلة بتغليب القضايا الإقليمية أو كما يسميها بقضايا الأمة الإسلامية ولا يضيره الأمر في شيء ولو كان ذلك على حساب الوطن. وبالمختصر المفيد فإن أحمد الشرع رجل وطني ولو أنه حديث العهد بالسياسة وأظهر حسا وطنيا من خلال سياسة برغماتية، فيما السيد بنكيران يبدو أنه رجل من طينة أخرى يمتهن الشعبوية في أوضح تجلياتها، يمارس السياسة باسم الدين ويسخر العقيدة لخدمة مخططاته السياسوية التي لا تلتقي مع الانشغالات الوطنية بل يشوش عليها. وأحكامنا في هذا الصدد لا نطلقها على عواهنها بل نقيم الحجة في ذلك على المواقف التي أظهرها الرجلان في الآونة الأخيرة والتي تعبر بالوضوح عن من هو قلبه وعقله على وطنه ومن هو الذي انشغل وينشغل بأهدافه بابتزاز ومساومة الدولة تحت غطاء الدفاع عن قضايا الغير واتخاذها مطية لدغدغة مشاعر الأبرياء والسدج من عامة الناس. المقارنة بين الرجلين تستند على الوقائع ولا علاقة لها بالتحامل على طرف دون غيره. والأحداث هنا تتحدث عن نفسها. السيد أحمد الشرع بصفته رئيسا للجمهورية السورية أظهر حرصا شديدا على إنقاذ بلده بإخراجه من العزلة الإقليمية والدولية مبتعدا في ذلك عن الحسابات العقائدية والإقليمية على مستوى العلاقات الخارجية التي لا تجدي بقدر ما هي مضرة. وبالفعل من منطلق حسه الوطني حرص على أن يتواصل مع كل الأطراف التي كانت تقاطع سوريا سواء على مستوى دول المنطقة أو على مستوى دول وازنة ومؤثرة في العلاقات الدولية. في إطار هذا الانفتاح على الجميع، حظي الرئيس أحمد الشرع باستقبال في قصر الإليزيه من طرف الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وقد شكلت تلك الزيارة حدثا استثنائيا لا نظير له أو قلما نشاهد فيه رجلا بحمولة إسلامية يكون موضع ترحاب في باريس عاصمة الأنوار ورمز الحرية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مفهومه الغربي لقرون خلت. كل ذلك لم يثن السيد أحمد الشرع ولم ينل منه ولو قيد أنملة من عزيمته وإراداته في إتمام تلك الزيارة وتحقيق الأهداف المتوخاة. كما لم تقف قناعاته الدينية حجر عثرة أمام تطلعاته السياسية وتحقيق ما يريده الشعب السوري من مصالحة تاريخية مع العالم الخارجي. أما السيد عبدالإله بنكيران الذي خبر السياسة من موقع المسؤولية هو وحزبه على مدى عشر سنوات فقد كانت له مواقف أخرى وكان له رأي آخر تجاه الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وهو الحليف الاستراتيجي للمغرب. فالرجل تهجم بكل وقاحة على رئيس دولة ووصفه بأقدح النعوت والصفات، وليس أي رئيس دولة بل هو الرئيس الذي ألقى خطابا أمام ممثلي الشعب المغربي بمقر مجلس النواب. إنه خطاب تاريخي أعلن فيه عن الاعتراف بمغربية الصحراء وبممارسة المغرب لسيادته في حاضرها ومستقبلها. وهذا الاعتراف له وقعه وتأثيره اليوم وفي وقت لاحق على مواقف دول أخرى التي ستتفاعل بشكل إيجابي مع الموقف الفرنسي. ومن المفارقة بينه وبين الرئيس السوري، وهي أن عبدالإله بنكيران بنى تهجمه على الرئيس الفرنسي على طائلة أن هذا الأخير لم يعلن عن اعترافه بالدولة الفلسطينية وكأن اعتراف "ماكرون" بمغربية الصحراء يظل ناقصا من غير الاعتراف بالكيان الفلسطيني. فيما الرئيس أحمد الشرع لم يربط علاقة سوريا مع فرنسا أو زيارته لباريس بالقضية الفلسطينية ومضى غير ملتفت وراءه في ما قد يعود على سوريا وشعبها بالنفع إيمانا منه أن دمشق أولى من غزة. فعلى السيد بنكيران أن يتعلم الدرس ويستوعب الرسائل من هذه المواقف المشرقية. فهم دهاة في السياسة على عكس السذاجة والبلادة كما هو حال البعض منا. ولا بأس من التذكير في هذا الصدد أنه بعد مؤتمر مدريد عام 1991 تشكل وفد عربي للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي كفريق واحد لتنسيق المواقف، لكن الفلسطينيين الذين لم تكن تعنيهم لا الجولان ولا جنوب لبنان، تركوا الجانب العربي يتفاوض في نيويورك وذهبوا خلسة إلى أوسلو للتفاوض مع إسرائيل في غفلة من الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد. هذه هي العقلية السائدة في المشرق العربي عند الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وهم يفهمون بعضهم البعض، أما نحن فلسنا أمامهم سوى سذجا. وما يبديه اليوم الرئيس أحمد الشرع من مواقف فهي ترجمة لتلك العقلية البرغماتية التي لا يفهمها السيد عبدالإله بنكيران أو أنه يتعامى عنها بعد أن أعمته مصالحه الضيقة. وكذلك ظهر التباين جليا بين الرجلين. فالرئيس السوري أحمد الشرع تحرر من الأغلال العقائدية وطغت عليه برغماتيته ليسارع إلى وضع يده في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنسيق سعودي وعلى أرض المملكة. ولم تتملك الرجل ولو لحظة واحدة مشاعر الطيش ولا عنتريات الأعراب بأن الرجل الذي استقبله هو صاحب مشروع إخلاء غزة من ميلشيات حماس. السيد أحمد الشرع لم يكلف نفسه الدخول في حسابات خاسرة أمام ما قد حصل عليه من نتائج مبهرة أهمها رفع العقوبات عن سوريا وفك العزلة عنها إقليميا ودوليا. لقد عانت سوريا وحدها ما عانته بسبب ما يسمى بالمواقف القومية وبسبب احتضانها لفصائل فلسطينية كانت أول من حارب الشعب السوري بمؤازرة انفصاليي البوليساريو دفاعا على نظام آل الأسد. إذن أين هو عبدالإله بنكيران من هذه المواقف التي لا يتردد فيه رجل له نفس القناعات والمرجعيات الدينية. ليس المطلوب من السيد عبد الإله بنكيران أن يتماثل مع هذه المواقف كأمين عام لحزب العدالة والتنمية. فهو ليس في مستوى هذا المطلوب ولا في موقع المسؤولية ولن يتأتى له ذلك. بل المطلوب منه أن يخجل من نفسه وأن يتوقف عن التشويش. فله العبرة في هذا الذي يتقاسم معه العقيدة السيد أحمد الشرع، وله العبرة كذلك في الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان الذي له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على مستوى السفارات كما له تأثير كبير في الدفع بسوريا الحالية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وغدا لناظره قريب، ومنهم السيد بنكيران بعد أن جن جنونه وحمله الهذيان في شوارع الدار البيضاء والرباط ينشد أغنية وقف التطبيع شأنه في ذلك شأن "الكراب" الذي يقرع ناقوسا أخرس ليبيع الماء في السوق لغير العطشان. حزب العدالة والتنمية مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في الحسابات التي كانت تخص السيد عبدالإله بنكيران وحده بعد أن أصر على إبعاد خصومه من القيادات الوازنة القادرة على إعادة التوازن والمصداقية للحزب. ولذلك، فإن حسابات بنكيران هي حسابات شخصية هدفها رفع التحدي في وجه الدولة وهي بالتالي لن تكون في صالح الحزب الذي يتطلع إلى أن يكون له حضور قوي في الاستحقاق الانتخابي المقبل. فشعبوية بنكيران لن تفي بالغرض.


أخبارنا
منذ 2 ساعات
- أخبارنا
إذاعة محمد السادس رؤية ملكية متبصرة لمكافحة التطرف والإرهاب
تميزت المملكة المغربية عن باقي دول العالم في محاربتها للتطرف والإرهاب، بفضل القيادة الملكية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بجهود كبيرة، وبمقاربة استباقية متعددة الأبعاد في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، وتعتبر المملكة المغربية نموذج يحتذى به بالنسبة إلى باقي الدول العربية والدولية، في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، ولم تتوقف المملكة المغربية عند حدود الردع الزجري، بل أيقنت المملكة على أن اقتلاع جذور الإرهاب يتطلب مقاربة جادة مشتركة شاملة، تجمع بين المؤسسات الأمنية والاهتمام بالبعد السوسيو- اقتصادي والتعاون الدولي، وتأهيل الحقل التربوي والديني...، هذا الأخير الذي شهد بدوره العديد من التحولات والإصلاحات الهيكلية المهمة، والتي تروم إلى نشر وتعزيز الوسطية والاعتدال، وقيم التسامح والتوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر، وحماية ممارسة الشعائر والعبادات، وتنظيم الفتاوى. "لقد كان إطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم، نابع من رؤية ملكية متبصرة لأمير المؤمنين"، للدور الكبير الذي تعلبه وسائل الإعلام في الإرشاد الديني ونشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة، ومحاربة الفكر المتطرف واقتلاع جذوره، وأن محاربة الفكر المتطرف لا يقتصر على المقاربة القانونية والأمنية والقضائية فقط، ولكن هي مقاربة تستلزم تظافر كل الجهود. سموم فكرية متشددة منحرفة ضالة تهدد نظام القيم وأنماط السلوك بالمجتمع، من خلال نشر الفهم الخاطئ لتعاليم الدين الإسلامي، حيث يتعرض العديد من الأفراد لغسيل الدماغ، مما يهدد معه عالم يروم أفراده لنشر السلم والسلام، والأمن والطمأنينة. على مر السنوات، حظيت المقاربة المغربية الشاملة والمندمجة لمكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، بإشادة دولية واسعة، تبوئه مكانة ريادية على الصعيدين الإقليمي والدولي في هذا المجال، وكما سبق الذكر أن المقاربة المغربية الاستباقية، جعلت من المملكة المغربية متميزة في تعاطيها مع الفكر المتطرف والإرهاب، هي رؤية وقائية استباقية نهجتها المملكة، ولعل إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم ساهمت بشكل فعال في محاربة الفكر المتطرف، من خلال نشر التفسيرات الدينية الصحيحة، في وقت شهد فيه المغرب قيام العديد من الأفراد ممن يحملون الفكر المتطرف المتشدد بنشر سمومهم داخل المجتمع. "سنة 2004 الأحداث الإرهابية ذاكرة جماعية مشتركة بين جميع المغاربة"، تأسيس إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم في 2 رمضان 1425 _ موافق 16 أكتوبر من نفس السنة، رؤية ملكية متبصرة حكيمة، لوقف ووضع حد للامتداد الفكر المتطرف، من خلال نشر التفسيرات المعتدلة للإسلام بما يتماشى مع رغبة المملكة في التحديث والانفتاح، ومنع تنامي التطرف في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام. جاء اختيار الراديو كوسيلة إعلامية ناجعة، باعتباره أكثر الوسائل الإعلامية المسموعة بين شرائح المجتمع المغربي، وبالتالي كانت الضرورة تستلزم العمل على توسيع دائرة نشر المعلومة الدينية وتعميمها الطريق الأمثل، وقد خلق هذا الاختيار قاعدة جماهيرية عريضة في كل المدن المغربية الكبرى، والمناطق الريفية على حد السواء، علاوة على أن لها متابعين من الجالية المغربية في الخارج، كما أن الإذاعة تبث برامج باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، والعديد من القضايا الاجتماعية ذات الصلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. "إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، آلية إعلامية ساهمت بشكل فعال في تحقيق الأمن الروحي وتأهيل الحقل الديني بالمغرب"، ومحاربة الفكر المتطرف والارهاب من خلال نشر تعاليم الدين الإسلامي السمح، والدعوة إلى التسامح والانفتاح واحترام الديانات الأخرى. " لقد شكلت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم قيمة مضافة داخل المشهد السمعي البصري المغربي"، حيث تنوعت أدوارها بين ما هو تربوي وتثقيفي وديني، وساهم تواصل وتفاعل المواطنين المباشر، مع برامج الإذاعة والتي يحضر فيها علماء وفقهاء من مختلف المجالس العلمية، من خلال الأسئلة التي يطرحها المستمعين، وسيلة فاعلة وفعالة قطعت الطريق مع العديد من الممارسات التي يعمد فيها البعض إلى إصدار فتاوى، أو الإجابة عن أسئلة دينية بدون الاحتكام إلى أساس ديني صحيح، وبذلك ساهم هذا التواصل المباشر مع المواطنين، في نشر وتثبيت العقيدة الصحيحة، والإجابة عن استفسارات المواطنين المختلفة وتوعيتهم، "هي بوصلة شرعية صحيحة توجه الأفراد نحو الدين الإسلامي الحق السمح، دين وسطية واعتدال". إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، منذ نشأتها، وهي تعمل على تطوير شبكة برامجها لتخدم اهتمامات المستمعين وحاجاتهم في التوعية الدينية والصحية والاجتماعية، كما أن الإذاعة ومن خلال العديد من البرامج تناولت قضايا الشباب الراهن بأسلوب وسطي معتدل، ناصح ميسر. إن نموذج المملكة المغربية في مجال التدبير والتأطير الديني هذا، والذي يعتمد على استغلال وسائل الإعلام من أجل محاربة الفكر المتطرف والإرهاب، أصبح مرجعًا عالميًا في التسيير الديني الرشيد الميسر، ومكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، والذي تسهر من خلاله المملكة على نشر العقيدة الصحيحة، والخطاب الديني الهادئ بما يضمن تحقيق الاستقرار والأمن الروحي، وهذا ما يعكس الإقبال المتزايد على الاستماع للإذاعة من طرف المواطنين. "حضور قوي للمرأة العالمة داخل إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم"، جاء تكريس انخراط المرأة داخل الحقل الديني من خلال الخطاب الملكي الثاني بتاريخ 30 أبريل 2004. مقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 30 أبريل 2004 "وإدراكا من جلالتنا بأن هذا الركن المؤسسي، لا يمكن أن يستقيم إلا بتعزيزه بالركن التأطيري الفعال، فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية، في تركيبتها الجديدة، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني، بتدبير الشأن الديني عن قرب، وذلك بتشكيلها من علماء، مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين، ولا سيما الشباب منهم، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين، حريصين على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس، إنصافا لها، ومساواة مع شقيقها الرجل". الحرص المولي السامي، بإشراك المرأة العالمة في تأهيل الحقل الديني في شقه الإعلامي، هو حرص على إنصاف المرأة واعتراف بمكانتها داخل المجتمع، وبالأدوار المهمة التي تقوم بها، فقد أثبتت المرأة العالمة المغربية إعلاميا قدرتها واستحقاقها للأمانة التي أناطها بها أمير المؤمنين، في تأهيل المجتمع دينيا وتربويا ودعويا. إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، منشأة إعلامية كان لها الفضل الكبير، في ترسيخ العقيدة الصحيحة لدى العديد من المواطنين، وضمان تحقيق الاستقرار والأمن الروحي، ومحاربة الفكر المتطرف والإرهاب، في فترة حرجة عاشتها المملكة المغربية، وبرزت هذه المنشأة الإعلامية وفق رؤية ملكية متبصرة، وتعد مكسبا ثقافيا وإعلاميا، ونموذجا يحتذى به في محاربة الفكر المتطرف والإرهاب قاريا ودوليا يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية