logo
بعد نفي وفاة زيزي مصطفى... ممثلون مصريون نعوا زملاءهم قبل الأوان

بعد نفي وفاة زيزي مصطفى... ممثلون مصريون نعوا زملاءهم قبل الأوان

العربي الجديد١٨-٠٧-٢٠٢٥
كثيراً ما تنتشر شائعات حول وفاة بعض الممثلين، مما يدفع بنقابة المهن التمثيلية، برئاسة الممثل
أشرف زكي
، إلى إصدار بيانات تنفي هذه الأخبار وتهاجم الجهات التي تروّجها، سواء من صفحات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي أو قنوات غير معروفة على منصات الفيديو.
لكن اللافت مؤخراً أن بعض الممثلين أنفسهم صاروا مصدراً لمثل هذه الشائعات، عبر نشرهم أخباراً مغلوطة عن وفاة زملائهم، رغم سهولة التأكد من صحتها، خاصةً أنهم ينتمون إلى الوسط الفني نفسه. أمس الخميس، حين أعلن الممثل المصري جمال عبد الناصر عن وفاة الممثلة زيزي مصطفى. لكن لم تمر سوى ساعة حتى عاد ليعتذر عمّا كتبه، مؤكداً أنه قرأ الخبر على إحدى صفحات "فيسبوك".
كان للخبر وقعٌ صادمٌ ومزعجٌ على الممثلة
منة شلبي
، وهي الابنة الوحيدة للممثلة زيزي مصطفى. خرجت شلبي عن صمتها لتطمئن جمهورها وكتبت على "إنستغرام": "الحمد لله والدتي بخير، وبجد عيب اللي بيحصل ده، أرجو تحري الدقة، وأشكر وأطمن كل من قلق على والدتي وعليا، متحرمش أبداً فعلاً جداً".
وبشكل مماثل لما جرى مع زيزي مصطفى واجه الممثل محيي إسماعيل إشاعة من زميلةٍ في الوسط الفني. ونشرت صفحة الممثلة نهال عنبر، عضو مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية ورئيس اللجنة الطبية بالنقابة، على "فيسبوك" مؤخراً، منشوراً يفيد بوفاة الفنان محيي إسماعيل. وسرعان ما أُزيل المنشور، وخرجت إدارة صفحتها بتوضيح جاء فيه: "بصفتي مدير فريق السوشيال ميديا، أعتذر للفنان الكبير محيي إسماعيل عن الخبر الخطأ، غير المقصود بالتأكيد. الفنانة نهال عنبر لم تكن على علم بنشره لانشغالها بالمسرح في الإسكندرية، والخطأ من أحد أفراد فريق العمل".
وفي واقعة سابقة، سبّب السيناريست فيصل ندا إطلاق شائعة وفاة الفنان سمير غانم قبل أيام من وفاته الحقيقية، حيث كتب منشور عزاء، ثم تراجع قائلاً: "كانت شائعة قذرة، وللأسف صدقتها وكتبت أعزي صديقي الحبيب، أطال الله في عمره. وأكرر اعتذاري".
سينما ودراما
التحديثات الحية
شركة غولدن لاين للإنتاج تنسحب من سورية ثمّ تعود
كما نشر الفنان خالد الصاوي، في وقت سابق، خبراً عن وفاة الفنان الكبير جميل راتب، جاء فيه: "تنعى أسرة مكتب خالد الصاوي، الفنان الكبير جميل راتب الذي وافته المنية اليوم بعد صراع مع المرض. نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته." لكن سرعان ما عاد الصاوي ليعتذر، موضحاً أن الخبر مجرد إشاعة.
الفنان صلاح عبد الله أيضاً أثار الجدل عندما نشر خبر وفاة فنان الكاريكاتير محمد جمعة، لكنه عن طريق الخطأ أشار إلى الحساب الرسمي للممثل محمد جمعة، مما أثار قلق جمهوره. وقد اضطر الأخير إلى الظهور في بث مباشر لتكذيب الخبر بنفسه.
أما في حالة الفنان إيمان البحر درويش، فقد قررت أسرته اللجوء إلى القضاء بعد نشر مغني المهرجانات حسن شاكوش لخبر كاذب عن وفاته. وردّ محامي الأسرة ببيان إعلامي يؤكد تقديم بلاغ للنائب العام ضد شاكوش، كما هاجم نقابة المهن الموسيقية لعدم اتخاذها أي إجراء رادع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأطفال المدلَّلون
الأطفال المدلَّلون

العربي الجديد

timeمنذ 6 ساعات

  • العربي الجديد

الأطفال المدلَّلون

حبّ الوالدين أطفالهما من الغرائز الربّانية والمسلمات الكونية، التي نراها حتى في البهائم العجماء والحشرات الدقيقة، التي قد لا تُشاهَد إلا بالمجهر. فما من جنس خلقه الله على هذه البسيطة إلا يندفع تلقائياً إلى التناسل من أجل التكاثر والاستمرار عبر ضمان الخلف. هذا أمر عادي جدّاً من قبيل أن الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب. ولكنّ الشيء الذي أصبح اليوم يشكّل نوعاً من الشذوذ عن القاعدة، هو ذاك الحبّ الجارف الأعمى الذي لا يُبقي ولا يذر من بعض الوالدَين لفِلْذات أكبادهما. حبّ مستعر أهوج لا مدى له ولا حدود، فيصير الأب أو الأمّ عبدَين خانعَين مطيعَين لكلّ نزوات أبنائهما، حتى لو طلبوا منهما المستحيل لسعيا إلى محاولة تحقيقه لهم، ولو على حساب صحّتهما ومالهما ووقتهما. وقد لا يقتصر الأمر على من رُزقوا بالذرّية بعد طول انتظار، أو من رزئوا في بضع أولادهم إثر مرضٍ عضال أو حادثة مؤلمة لم يسلم منها إلا واحد أو اثنين، كما لا يمكن أن يطاول هذا الحبّ الطاغي فئةً اجتماعيةً دون أخرى، بل قد نجده عند بعض الميسورين والمثقّفين كما قد نلاحظه لدى فقراء لا يملكون عشاء ليلة. وسبب هذا المقال ملاحظات عديدة وأمثال كثيرة لأطفال مدلّلين كانوا سبباً لقطع الرحم بين أُسرٍ وإخوةٍ وأصدقاء، فهذا طبيب جرّاح مشهود له بالكفاءة العالية في ميدانه، إن سمعته يتحدّث ويزجي النصائح للمواطنين في التلفاز، لأقسمت أنه أبرع مربٍّ على الإطلاق، ينبغي التأسّي به والاقتداء به. بينما هو في الحقيقة عبدٌ مملوك يرفع الراية البيضاء حيال طفل نزقٍ وقحٍ جسورٍ يفعل به الأفاعيل، إذ كلّما حقّق له رغبته في اقتناء لعبة نفيسة رماها بعد يوم أو يومين ليطالب بلعبة أخرى أغلى منها وأنفس، والطبيب الأسير لرغبات ابنه لا يمانع ولا يجادل، بل يسارع إلى شراء المطلوب منه من دون أدنى تردّد أو همهمة، وكأنّ تلك الطلبات الصبيانية التي لا تنتهي، أوامر عسكرية لا تجوز مناقشتها، أو حتى مجرّد التساؤل حول فائدتها. أن يتمادى ضرر الطفل إلى الناس وإلى المُلك العمومي، فذلك ما لا يقبله عاقل إلى هنا، يبقى هذا الأمر شخصياً لا يخصّ إلا الطبيب وابنه، ولكن أن يتمادى ضرر الطفل إلى الناس وإلى المُلك العمومي، فذلك ما لا يقبله عاقل. فقد حدث ذات مرّة، والجرّاح يتحدّث مع زملاء له عند عتبة باب جناح من الأجنحة، وهم يتأهّبون لمغادرة عملهم في المساء، أن خرج الطفل خارج المبنى وهو في حالة غضب من أبيه، الذي بدا له أنه أطال الحديث مع زملائه أكثر من اللازم، فتناول حجراً كبيراً وهوى به بكلّ قواه على باب في مدخل الجناح ليتشتّت الزجاج في فرقعة كبيرة إلى شظايا متطايرة أمام دهشة كلّ من كان موجوداً في المكان من أطباء وممرّضين ومرضى. وبطبيعة الحال، كنت أنتظر ردّة فعل فوري وصارم من الجرّاح، ولم أشكّ في أن زملاءه الذين ظهرت في محيّاهم علامات الاستنكار والذهول كانوا يتوقّعون الشيء نفسه، إلا أن الجرّاح ضحك ضحكة متكلّفةً وهزّ كتفيه في نوع من الانهزام، وقال متوجّهاً إلى الطفل المدلّل، معاتباً إيّاه بلهجة هي أقرب إلى الاسترضاء منها إلى العتاب: املك أعصابك يا بني، وقل لوالدتك التي تنتظرنا في الخارج أن تتريث لحظةً قصيرة. فتفرّق جمع الأطباء وهم في حالة من الغيظ الكظيم، إلا أن واحداً منهم لم يطق صبراً، فقال لزميله بنرفزة ظاهرة: مع كامل تقديري لك زميلي العزيز، ليست هذه هي المرّة الأولى التي يفعل فيها طفلك مثل هذه الصبيانيات. أعتقد أنه من باب أحرى ألا تدع أمّه تصحبه معها إلى المستشفى بعد اليوم. فاستشاط الجراح غضباً، وردّ على معاتبه بلهجة قاسية، لهجة من أهينت كرامته، وجرى بينهما جدال محتدم كاد أن يفضي إلى تشابك بالأيدي، لولا تدخّل بعض المحسنين. وكان المنظر في الحقيقة منظراً بئيساً يبعث على الاستهجان والامتعاض، ولا سيّما أن بطليه كانا محسوبَين على النُّخبة العالمة، لكن خصامهما كان خصام حمّالين في المرسى. وهذه سيدة ميسورة كانت كلما جاءت لزيارة أقاربها أو صديقاتها، أعلنت عندهم حالة الطوارئ، فسارعوا إلى قفل الدواليب وإخفاء كلّ غال ونفيس بسبب رعونة طفليها، اللذين كانا متخصّصين في ممارسة لعبة الدمار الشامل حيال كلّ ما تطاوله أيديهما من نفائس ومقتنيات غالية، وذلك تحت أنظار أمهما اللامبالية. وقد كان الناس في أول الأمر يتساهلون مع السيدة وطفليها في نوع من المجاملة الزائفة، مردّدين بنفاق كبير كلّما أتلفا جهازاً أو كسرا آنيةً: دعيهما يلعبان. إنهما مجرّد طفلَين بريئَين. فكانت السيدة ترتاح لهذا الكلام المغشوش، وترسم في ملامحها غضباً مغشوشاً كذلك، حتى إذا ما ولّت الأدبار، انبرى أهل الدار إلى إحصاء الخسائر الفادحة في المال والعتاد، وهم يلعنون السيّدة وطفليها المدلَّلَين، محمّلاً بعضهم بعضاً مسؤولية قبول استضافتها مع مارديها. واتفق ذات مرة أن تجرّأت سيّدة، وهي في بيتها تستقبل مكرهة قريبتها البلهاء، فزجرت أحد الطفلين في الوقت المناسب، وكان يهم وهو على أعلى سلم طويل بفكّ سلك غليظ يشدّ ثريّا ثمينةً إلى سقف صالون مجاور للصالون الذي كانت فيه السيّدتان تتحادثان، بينما كان أخوه الصغير يوجّهه بعزم وحماس من تحت، ويمدّه بملقاط كلما احتاج إليه. فاغتاظت أم الطفلين غيظاً شديداً، ولم تجد من حرج في معاتبة مضيفتها قائلة: أهيب بك أن لا تنهرهما بعد اليوم. ملاحظات عديدة وأمثال كثيرة لأطفال مدلّلين كانوا سبباً لقطع الرحم بين أُسرٍ وإخوةٍ وأصدقاء إنهما مُرهفا الإحساس، ومن المحتمل أن يحدث لهما مكروه بهذا التعنيف القاسي منك. دعهما يلعبان، وإن أحدثا أضراراً فسوف أعوّضك بشيك سمين. ثمّ أخرجت من حافظة يدها دفتر شيكات وقالت لصاحبتها: خذي شيكاً واكتبي فيه قدر ما طاولك من أضرار. فابتسمت ربّة البيت بسمة ساخرة، وردّت بهدوء: طوّقي عنقك بهذا الشيك واجعلي منه قلادة، وخذي مارديك فوراً، واعفيني من صلة رحم تكلفني آلاف الدراهم. والأمثال من هذا القبيل أمست لا تُحصى ولا تعدّ. وإني لأغبط بعض الأطفال على بحبوحة الدلال الذي يعيشون فيه، وذلك كلّما استعرضت طفولتي القاسية، وجدت أني كنت مثل كرة تنس يتقاذفها ثلاثة لاعبين قساة جناة. يوقظنا عمّ جبار قبل أذان الفجر بنصف ساعة كي نذهب إلى الكتّاب لحضور حصّة القرآن الكريم، وفقيه في الجامع، هو في حقيقة أمره جلّاد محترف يسوط الأطفال ذات اليمين وذات الشمال، وهو يحكّ لحيته الطويلة ويغالب النعاس، ومعلّم صارم عبوس يضربنا على رؤوس أصابعنا بالمسطرة بسبب وبغير سبب، ورغم ذلك لم يصبنا والحمد لله مكروه ولا هم يحزنون. ولكن مع ذلك، يبقى في النهاية بين البين هو الصحيح، والوسط كان وما زال دائماً هو أنجع الطرق لتربية النشء. وحبّذا لو صار التجنيد العسكري عندنا إجبارياً على الفتيان كما على الفتيات، لا محصوراً على طبقة الفقراء دون أبناء الذوات، كنا ربحنا أجيالاً متجانسةً منظّمةً ومنضبطةً تعطي للمسؤولية حقّها وللحياة معناها.

صورة فنية مشتركة بين غزة وأيرلندا
صورة فنية مشتركة بين غزة وأيرلندا

العربي الجديد

timeمنذ 17 ساعات

  • العربي الجديد

صورة فنية مشتركة بين غزة وأيرلندا

وجوهٌ شاحبة مرسومة بالفحم، تحدّق بالعالم في صمت، هذه إحدى لوحات الفنان الفلسطيني نبيل أبو غنيمة، الذي غادر غزة قبل أشهر حاملاً ذاكرة الحرب عبر الورق والفحم. هذا العمل كان إحدى أبرز المساهمات في معرض جماعي أقيم في استوديو ميتامورفيكا بلندن، واختُتم مؤخراً، بتنظيم من مجموعة Dlúthpháirtíocht (تعني "تضامن" بالأيرلندية)، وضمّ أكثر من 50 عملاً لفنانين فلسطينيين وأيرلنديين، جسّدت جميعها تقاطعات النضال بين الشعبين. جاء المعرض، الذي اختُتم مؤخراً، استجابةً فنّية مُناهِضةً للإبادة الصهيونية المستمرة منذ قرابة عامين في قطاع غزة، حيث ضمّ أكثر من 50 عملاً، من أبرزها صُور للأيرلندي شيموس ميرفي، الذي وثّق على مدى سنوات عدة حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية من خلال لقطات تظهر فيها نقاط التفتيش والواقع اليومي تحت الاحتلال. جزء من عمل لنبيل أبو غنيمة من المعرض (حساب الفنان على فيسبوك) من بين الأعمال أيضاً، لوحة "أُناس طائرون" للفنانة الفلسطينية أمل النخالة، يظهر فيها أشخاص وكأنهم يطفون في السماء رأساً على عقب، مُحاطين بأسنان حادّة. وعملٌ تركيبي يمثّل باب سيارة مثقوب بعشرات الرصاصات، كُتب عليه باللغة العربية "أنا خائفة من العتمة". يمثل هذا العمل تكريماً للطفلة الفلسطينية هند رجب التي قُتلت على يد جيش الاحتلال في يناير/كانون الثاني 2024، حيث كشفت التحقيقات عن إصابة السيارة بـ335 رصاصة. كذلك، عرضت الفنانة الأيرلندية إيف كاولي سلسلة من البطاقات البريدية تُصوّر نساء شاركن في حرب الاستقلال الأيرلندية، وبمناسبة المعرض، أنجزت كاولي مجموعة جديدة تبرز نساء فلسطينيات مناضلات، من بينهن أسمى طوبي (1905-1983)، الشاعرة والكاتبة المسرحية التي انضمت إلى الثورة ضد الاستعمار البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي. عمل يمثّل أسمى طوبي للأيرلندية إيف كاولي خصّص المعرض عائداته لدعم منظمة "الكرامة للفلسطينيين"، التي توفر مساعدات غذائية وطبية للعائلات النازحة في غزة. ومن المقرر أن ينتقل المعرض بعد لندن إلى عدة مدن أيرلندية أخرى مثل دبلن وكورك وبلفاست. يشار إلى أن جماعة Dlúthpháirtíocht قد تأسست عام 2023 بين أيرلندا ولندن بوصفها استجابةً فنيةً مناهضةً للإبادة في غزة، وقد نظمت أول معرض لها في صيف العام الماضي في غاليري P21 بلندن. آداب التحديثات الحية الأدب الفلسطيني باللغة الهولندية.. ثلاث موجات للترجمة من العربية

أزمتي مع كليوبترا
أزمتي مع كليوبترا

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

أزمتي مع كليوبترا

ورثت شغف القراءة عن والدي رحمه الله. وأذكر جيّداً، أنّه لكي يحفّزني على القراءة، ذكر لي قصّته مع كتاب "كليوباترا". فما قصّة هذا الكتاب؟ وما علاقته بشغف القراءة؟ بُعيد وصول عائلة والدي من فلسطين إثر النكبة عام 1948، إلى بيروت، اضطرت العائلة أن يعمل أبناؤها، الفتيات والفتيان. وكان من نصيب والدي أن يمتهن النجارة، ويبدو أنّها توجيهات جدي، الذي كان وأشقاؤه من أشهر النجارين في عكا، ولاحقاً حيفا. التحق والدي بالمدرسة في بيروت، لكنّه ترك الدراسة في وقت مبكِّر، وعمل فتى في ورش النجارة، ليُعيل العائلة. حلَّ العيد ولم يكن في جيب والدي المال الكافي ليخرج مع أصدقائه، وهذا طبيعي لأنه يعيل العائلة، فاقتنى بما يملك من مال قليل، كتاباً ضخماً يحكي قصّة "كليوبترا". فهل اشترى والدي الكتاب لأنه رخيصٌ فحسب، أم ليستوعب الأيّام الثلاثة من العيد، أم أغرته كليوبترا الجميلة؟ وهل كانت صورتها على غلاف الكتاب؟ ربما أحجم والدي عن ذكر هذا السبب، لأنني سأخبر والدتي؟ سيبقى السبب لغزاً، ويا ليتني سألت. حبس والدي نفسه ثلاثة أيّام متواصلة، مع "كليوباترا"، يقرأ الكتاب ليل نهار، حتى انتهت أيّام العيد الثلاثة. أما عن الحجّة التي أخبرها لأصدقائه عن سبب غيابه في العيد، فستبقى سرّاً مخبوءاً لأنني لم أسأل أيضاً. أخبرني والدي هذه القصّة، وكنت فتى في ذلك الوقت. تساءلت في نفسي: ما هو المحفّز في هذه القصّة؛ أن يحبس فتى نفسه في أيام العيد في المنزل مع كتاب، فيما أصدقاؤه، يمرحون ويسرحون! كيف استطاع أن يجد في الكتاب السلوى، بعيداً عن أصدقائه؟ لماذا لم يحزن وتُصبْهُ كآبة ما؟ كان والدي عاملاً في النهار، ومثقّفاً في الليل ربما حزنوا (والدي وأقاربه) بما فيه الكفاية بعد ضياع عكا، والمنزل، وورشة جدي للنجارة، فما عاد للأحزان الأخرى مكان. بل هي أيضاً الظروف القاهرة التي تفرض نفسها على كلّ البشر، لكنني عرفت ما يقصد والدي بعد سنوات طويلة، عن قيمة الكتب. استمر والدي باقتناء الكتب، وهو يمتهن النجارة، وطرق أبواباً كثيرة من أبواب الثقافة، من الأدب النثري، إلى الشعر، وقرأ كتب التاريخ، والسياسة. وكانت مجالسه مزيجاً من هؤلاء جميعاً، فهو عامل في النهار، ومثقّف في الليل. وأذكر في إحدى المرّات أنّ طالبة جامعية في القرية التي كنّا نسكن فيها، استعارت من مكتبة والدي كتاب "الأجنحة المتكسرة" لجبران خليل جبران. تعلَّق بمجلة "المختار"، صغيرة الحجم، ومجلة "العربي" الكويتية، التي لم يخلُ منزلنا من أعدادها الكثيرة، وكان يقرأ في الليل، على ضوء المصباح الغازي، عندما كنا نسكن في مدينة بعلبك، في ثمانينيات القرن الماضي، بسبب الانقطاع شبه الدائم للكهرباء، وكما كان يقتني الكتب، كانت الكتب تجده في الطرقات، وهي متناثرة بعد أن رماها أصحابها، فيعود بتلك الكنوز إلى البيت. تنقلنا بين منازل عدّة، ودائماً كانت مكتبة والدي تُرافقنا أينما حللنا. وانتقلت تلك العادة إلى مكتبتي الصغيرة، التي كوَّنها والدي لي عبر شرائه الكتب، باللغة العربية والإنكليزية. وبعد مرور سنوات طويلة من القراءة، غادرها، لكنه كان يكتب أبياتاً من الشعر بين الفينة والأخرى. لكن يبدو أنّ كليوبترا، لم تكتف من والدي، بل انتقلت عدوى القراءة إليّ بالوراثة، وتحولت لاحقاً إلى شغف وسلوى، خصوصاً بعد أن هاجر الكثير من أصدقائي اللاجئين الفلسطينيين إلى خارج لبنان، وتعزّزت أكثر بعد عملي في الإعلام والصحافة. أين تكمن أزمتي مع كليوبترا؟ أورثني والدي حبّ القراءة، لكنه لم يورثني منزلاً، وأصبح تنقلي بين بيوت الإيجار كلّ سنوات عدّة، هماً مؤرِّقاً لنقل مكتبتي، فما عدت أهتم لنقل الأثاث كما أهتم بنقل المكتبة. وكان من المفترض، بي وبأمثالي، أن نلجأ إلى القراءة عبر الألواح الإلكترونية، أو عبر تطبيقات القراءة، إلّا أنّ هذا لم يحصل، فما زلت كعهد والدي مع الكتاب الورقي، ويبدو أنّ كليوبترا تأبى ذلك. لو قرّر والدي أن يفعل شيئاً غير الانفراد بكليوبترا، ألم أكن مرتاحاً الآن من الكتب وهموم نقلها؟ تنقلت في منازل عدّة، وكانت المكتبة رفيقة الدرب. وعندما تزوجت وانتقلت إلى مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، كان لديّ هم كبير، يتمثّل بكيفيّة نقل مكتبتي من منزل أهلي إلى المخيّم، حيث لا يمكن لشاحنة أن تدخل أزقته. وما زاد الطين بلّة، أنّ أونروا كانت تحفر الطرق بجانب المنزل، لتغيير البنية التحتية. وبالتالي، كان مرور شخص على رجليه فيه صعوبة، فكيف بنقل مكتبة؟ لكن ما باليد حيلة، اضطررت للتخلّص من بعض الكتب الموسوعية التي يمكن الاستعاضة عنها بالمواقع الإلكترونية، ونقلنا المكتبة بأعجوبة. بعد سنوات لاحقة، ازداد حجم المكتبة، وما زالت المشكلة كما هي؛ كلّ سنوات عدّة أغادر منزلاً إلى آخر، وتلحقني مكتبتي. وحتى عندما غادرت منزلي مؤقّتاً في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد العدوان على لبنان، إلى منطقة أخرى، كنا نجهّز أمتعتنا للمغادرة، رافقتني مجموعة لا بأس بها من الكتب، لكن المكتبة الأساسية بقيت في المنزل، ولم أعد أفكر طوال الحرب إلّا بها، واضطررت للنزول إلى الضاحية من جديد أثناء الحرب للحصول على المزيد من الكتب. أستعدّ هذه الأيام لمغادرة المنزل، فما عادت الإيجارات في بيروت تتناسب ودخلي المالي، بسبب ارتفاعها بعد الحرب، وعاد الهمُّ من جديد لتوضيب الكتب، فضلاً عن تذمّر عائلتي وشكواهم من تلك "البلية". عندما سُئل الكاتب الكبير عباس محمود العقّاد، لماذا لم تغادر منزلك، كان يقول: كيف سأنقل المكتبة، الآن أستطيع أن أصل إلى أي كتاب أقرؤه، وكيف سأنقل منزلي؟ من سيرتب المكتبة غيري؟ يا ترى، لو قرّر والدي أن يفعل شيئاً غير الانفراد بكليوبترا، ألم أكن مرتاحاً الآن؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store