
لماذا لم توافق حماس على مقترح ويتكوف حتى الآن؟
منذ أسابيع ودوّامة المفاوضات حول تبادل الأسرى ووقف الحرب تدور بسرعات متباينة وتتوقف. فإسرائيل تعلن جهارًا نهارًا أنها تخوض مفاوضات "تحت النار"، وأن الهدف ليس إنهاء الحرب وإنما تحقيق أهداف الحرب.
ومن جهتها أبدت حماس مرارًا استعدادها لصفقة شاملة تترك فيها إدارة الحكم في غزة وتنجز تبادل الأسرى، وتنهي الحرب؛ تمهيدًا لإعادة إعمار القطاع.
وبدا للكثيرين، حتى في إسرائيل نفسها، أن إطالة أمد الحرب هدف سياسي لاعتبارات حزبية عند نتنياهو واليمين عمومًا.
وبعد مداولات مكثفة وصياغات مختلفة كانت أحيانًا تلقى قبول حماس ورفض إسرائيل، وآخرها المقترح الذي عرضه الوسيط بشارة بحبح ولقي قبولًا أميركيًا. وأثار هذا المقترح غضبًا إسرائيليًا شديدًا دفع وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس الموساد، ديدي بارنيع للقاء ويتكوف ومناقشته مطولًا.
وكانت النتيجة أن تبنّى ويتكوف مقترح ديرمر الأخير الذي كان الرد الإسرائيلي على مقترح بحبح. وسرعان ما عرض ويتكوف المقترح على الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتبنّاه وأعاد إرساله إلى الطرفين. وأبلغ مصدر إسرائيلي رفيع المستوى صحيفة "معاريف" أن " ويتكوف تبنّى موقف ديرمر، وتجاهل بشارة".
وأضاف أنه "خلافًا للتقارير، فإن اتفاق ويتكوف الأخير لم يحدد خط الانتشار الجديد لقواتنا، ولا كيفية توزيع المساعدات في إطار وقف إطلاق النار". كما أن مصدرًا آخر أكّد أن المقترح صيغ بالتنسيق الكامل مع إسرائيل عقب اجتماع ويتكوف مع الوزير رون ديرمر في البيت الأبيض يوم الثلاثاء.
وهنا بيت القصيد في الموقف الإسرائيلي. فبنيامين نتنياهو يستطيع إبلاغ حليفَيه في اليمين المتطرّف، سموتريتش وبن غفير، أنه – كما كان سابقًا- قادرٌ على إقناع الأميركيين بأن يتبنّوا مواقفه، وها هم قد فعلوا.
فلا تغيير في جوهر الموقف الإسرائيلي؛ لأن مقترح ويتكوف الأخير هو في جوهره مقترح إسرائيلي، وهو لا يطالب إسرائيل بإنهاء الحرب ولا يضمن لحماس إنهاء الحرب.
ولا يقل أهمية عن ذلك أنه تم تضمينه عبارات وردت في اتفاق التبادل الذي قاد إلى الهدنة السابقة والتي لم تمنع إسرائيل من استئناف الحرب. وإضافة إلى ذلك ليس في المقترح الجديد ما يمسّ أسلوب توزيع المساعدات، والذي يخدم موقف إسرائيل الرامي إلى "تحقيق خطة ترامب" لتهجير أهالي غزة.
ودعم رئيس الأركان الجنرال إيال زامير، موقف نتنياهو، حيث سرّبت جهات إسرائيلية موقفًا أدلى به في اجتماع مغلق لهيئة الأركان يربط قطاع غزة بالملفّ الإيراني. ووفقًا لمصدرَين حضرا المناقشات، قال زامير: "إن صفقة الرهائن ليست التزامًا أخلاقيًا فحسب، وليست هدفًا لزيادة الضغط العسكري على حماس فحسب، إنها ستسمح لنا أيضًا بالتركيز على إيران".
وبحسب صحيفة "غلوبس" فإن هذا تصريحٌ هام، قد يشير إلى تقييماتٍ على مستوى القيادة العسكرية، وليس فقط على المستوى السياسي، بشأن الحاجة العسكرية للتركيز على الساحة الإيرانية، في ضوء المفاوضات مع طهران، بل وأكثر من ذلك في حال فشلها.
وهكذا، وبعد مداولات سياسيّة وأمنية ومن دون قرارات رسمية أبلغ نتنياهو عائلات الأسرى الإسرائيليين أنه وافق على مقترح ويتكوف الأخير. كما أن البيت الأبيض أعلن رسميًا أن " إسرائيل وافقت على اقتراح وقف إطلاق النار، ونحن ننتظر رد حماس".
وهكذا بلعبة شبه مكشوفة بين أميركا وإسرائيل جرى استبعاد مقترح بحبح الذي وافقت عليه حماس من دون إبداء أي غضب تجاه رفض إسرائيل العلني له. وبات على حماس أن تثبت، أمام الأميركيين والعالم، جديتها في قبول المقترح بعد أن وافقت عليه إسرائيل.
في حين أن البعض يرى أن مقترح ويتكوف الأصلي والذي طالب بإلإفراج عن نصف الأحياء والأموات من الأسرى الإسرائيليين، مقابل هدنة وضمانات أميركية باستمرار المفاوضات لإنهاء الحرب كان أكثر إنصافًا من المقترح الجديد.
والواقع أنه في الأيام الأخيرة تزايدت الأنباء عن قبول حماس مقترح ويتكوف، وكانت إسرائيل تكرّر أن ما وافقت عليه حماس ليس ما وافقت عليه إسرائيل. وهذا يعني فعليًا أن أطراف الوساطة كانت تتداول فيما بينها أكثر من صيغة تسمّى مقترح ويتكوف.
وعلى هذا الأساس كانت تظهر التناقضات والتراجعات في مواقف كل من إسرائيل وحماس. والآن باتت الصيغة المعروضة واحدة، وهي تقريبًا المقبولة من إسرائيل وحدها، والتي تحاول حماس تعديلها حتى لا تضطر لإعلان رفضها لها.
وهذا يفسر شدّة الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع قتلًا وتدميرًا ومحاصرة، ضمن مخطط إجبار حماس على قبول هذه الصيغة، وعدم انتظار سواها.
وتناقلت عدة وسائل إعلامية تقارير متضاربة عن موقف حماس لم تتوقف إلا بعدما أعلنت حماس أن "الشائعات حول حدوث تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة غير دقيقة".
وقال عضو المكتب السياسي لحماس، باسم نعيم: "الاتفاق الذي وافقت عليه إسرائيل لا يلبّي مطالبنا. قيادة حماس تدرس بمسؤولية ردها على مقترح ويتكوف". وهذا ما دفع البعض للقول بأن حماس سوف تكرر موقفًا سابقًا لها بالمماطلة في الرد أو باستخدام أسلوب: "نعم ولكن". وهذا ما دفع المصادر الإسرائيلية للمسارعة للقول: "حماس لم توافق على المقترح ولم ترد عليه حتى الآن".
التزم اليمين المتطرف داخل حكومة نتنياهو الصمت لساعات إزاء الأنباء الأولية عن قرب التوصل لاتفاق بعد أن جرى إبلاغ أميركا بموافقة حكومة نتنياهو على مقترح ويتكوف الأخير. وفي ذلك أكثر من دلالة على اللعبة الدائرة في المفاوضات مع أميركا. فوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لم يعلق على الأمر إلا بعد أن تزايدت التقديرات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية برفض حماس للمقترح.
وكتب في حسابه على موقع إكس: "سيدي رئيس الوزراء، بعد أن رفضت حماس مقترح الصفقة مجددًا، لم يعد هناك أي عذر لأي شخص لمواصلة هذا التلاعب في غزة. لقد فوّتنا ما يكفي من الفرص. حان الوقت للهجوم بكل قوتنا، لتدمير حماس وقتلها وهزيمتها".
أما وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش فقد أرسل أكثر من رسالة إلى ديوان رئاسة الحكومة، مُعلنًا رفضه للصفقة. وهذه طريقة أوحت لنتنياهو بأن سموتريتش وبن غفير لا ينويان تصعيد الموقف معه بشأن الصفقة.
وربما أن الاعتراض الواضح على الصفقة جاء من الوزير الليكودي عميحاي شيكلي، الذي انتقد الاتفاق الناشئ قائلًا: "يجب أن ندع المقاتلين يُكملون مهمتهم حتى النهاية. على حماس أن ترفع الراية البيضاء وتُلقي سلاحها، وأن تُطلق سراح جميع المختطفين، مقابل إمكانية خروج قادة حماس الباقين على قيد الحياة من غزة".
وكان برز خلاف جدي داخل الحكومة الإسرائيلية بين من يؤيدون صفقة جزئية ومن يريدون صفقة شاملة ومن يرفضون من حيث المبدأ إبرام صفقات مع حماس. وأعلن نتنياهو مرارًا أنه مع صفقة جزئية تبقي لإسرائيل خيار مواصلة الحرب إلى حين تحقيق أهدافها، وبينها تهجير سكان غزة.
وهذا يعني استعدادًا لهدن محدودة مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى والجثامين. ولكن سموتريتش مثلًا حدد مؤخرًا ما أسماه الخط الأحمر، وقال إنه إنهاء الحرب وانسحاب القوات من غزة.
وقال يوم الثلاثاء الفائت: "تتعرض حماس لضغوط هائلة وضيق شديد في الأيام الأخيرة نتيجةً لتغيير نظام توزيع المساعدات وفقدانها السيطرة على سكان القطاع، بالإضافة إلى الضغط العسكري المستمر".
وأضاف: "يجب أن نواصل تضييق الخناق عليها وإجبارها على إبرام صفقة استسلام كاملة مع جميع الرهائن دفعةً واحدة. سيكون من الحماقة تخفيف الضغط الآن، وتوقيع صفقة جزئية معها من شأنها أن تمنحها الأكسجين وشريان الحياة وتسمح لها بالتعافي. لن أسمح بحدوث شيء كهذا".
إسرائيل ترد بـ"نعم" وحماس بـ"لا"
نتنياهو يعرض على حلفائه مقترح ويتكوف الجديد بوصفه لا يتضمن أي إخلال بالمبادئ التي طالما نادى بها، وإن كان هناك أي تراجع فهو طفيف لاستعادة ثقة أميركا بإسرائيل.
وضمنت هذه الموافقة على المقترح خروج المسؤولين الأميركيين قريبًا للبدء باتهام حماس بالتشدد ورفض المساومات، وأنها خيبت آمال الكثيرين، ولم تبعد المخاطر عن شعبها. ومن ردود الفعل الأولية لقادة حماس يمكن القول إن التفاؤل الذي طفا على السطح في الأيام الماضية بشأن فرص تحقيق تقدم، تراجع بشكل ملحوظ.
ووَفق معلّقين بارزين فإن نقاط الخلاف الجوهرية تتمثل في أنه بعد القبول بالمقترح سيجري التفاوض على كثير من المسائل غير المحسومة. فالاتفاق يتضمن التزامًا بالتفاوض على وقف إطلاق نار دائم أثناء فترة الستين يومًا من وقف النار المؤقت. وخلال تلك الفترة ستقدم حماس تقريرًا صحيًا كاملًا عن وضع الأسرى لديها، ويتم التفاوض على مفتاح التبادل المستقبلي بينهما، وعلى خطوط انسحاب القوات الإسرائيلية والترتيبات الأمنية ومسألة إدارة القطاع في اليوم التالي.
وينص الاقتراح أيضًا على أن ترامب سيعمل على ضمان أن تؤدي مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم، في حال نجاحها، إلى تسوية دائمة لإنهاء النزاع. وينص الاقتراح على ضرورة توصل الطرفين إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق نار دائم خلال 60 يومًا.
وفي حال التوصل إلى اتفاق، سيتم إطلاق سراح الرهائن المتبقين. وإلا، يُمكن تمديد وقف إطلاق النار "بشروط ولمدة زمنية يتفق عليها الطرفان، شريطة أن يُجريا المفاوضات بحسن نية".
وفي نظر حماس لم يتضمن المقترح أي ضمانات أميركية جدية بالضغط من أجل وقف الحرب، كما أنه لا يتضمن نصًا صريحًا بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط ما قبل انتهاك الهدنة.
كما تجاهل المقترح مطلب حماس بألا يكون بوسع إسرائيل استئناف القتال كما فعلت في مارس/ آذار الفائت.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
صحف عالمية: آلية إسرائيل لتوزيع المساعدات بغزة تكشف فخا مميتا
استحوذت حالة الفوضى الكبيرة التي أنتجتها آلية توزيع المساعدات التي استحدثتها إسرائيل داخل قطاع غزة والانتقادات الدولية الموجهة إلى حكومة بنيامين نتنياهو على عناوين كبرى الصحف العالمية. وتناول تقرير في صحيفة ليبراسيون الفرنسية ما سمّاه "فخ الموت في غزة"، الذي تكشف بعد إطلاق آلية توزيع المساعدات الجديدة. واستدل التقرير باستشهاد عشرات الفلسطينيين الساعين للحصول على قليل من الطعام، مشيرا إلى أن "الكارثة التي تسببت فيها خطة المساعدات تعكس حجم الفوضى في مراكز التوزيع". ووفق التقرير، فإن نفي كل من شركات الأمن التي تحرس المكان و الجيش الإسرائيلي إطلاقَ النار باتجاه الحشود يتناقض مع الشهادات التي جمعتها العديد من وكالات الأنباء الدولية. في سياق متصل، خلص مقال في صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن إسرائيل ضيعت الشرعية الدولية لمواصلة الحرب، محذرا من أن "العمل وسط الضغوط ودون دعم دولي قوي سيجعلها تعاني عزلة متزايدة". وحسب المقال، فإن إسرائيل ستكون حينها عرضة للانتقادات والإدانات والقرارات ضدها في الأمم المتحدة مع تداعيات اقتصادية وأخرى متعلقة بصورتها. وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أضاع فرصة ترجمة الدعم الدولي إلى إنجازات سياسية، مضيفا "لَو أنه عرض خطة لليوم التالي في غزة وجند من أجلها العالم لكان الوضع اليوم مختلفا تماما". بدورها، تناولت مجلة نيوزويك تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت حملت انتقادات لاذعة لحكومة نتنياهو منها اتهامها بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. ولفتت المجلة الأميركية إلى أن تصريحات أولمرت -التي أدلى بها خلال مقابلة تلفزيونية- تكتسب أهمية بالغة باعتبارها أقوى توبيخ من مسؤول إسرائيلي سابق، وكونها تتماشى مع آراء الكثير من المنتقدين المحليين والدوليين للسياسة المنتهجة ضد الفلسطينيين. من جانبه، حذر مقال في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية من مغبة التقليل من أهمية الأزمة المتصاعدة بين نتنياهو والمحكمة العليا على خلفية قراره تعيين رئيس جديد ل لشاباك. وذكر المقال أن إصرار كل طرف على موقفه يجر إسرائيل نحو كارثة، خصوصا في ظل "حرب مستمرة، وأزمة رهائن (أسرى) لم تحل بعد، وسيل من الانتقادات الدولية، والتداعيات الدبلوماسية لسياسة حكومة نتنياهو". وفي ملف آخر، قالت صحيفة واشنطن بوست إن الهجوم الأوكراني غير مسبوق داخل الأراضي الروسية أثار دعوات محلية إلى "رد قوي بالنظر إلى حجم الهجوم وطبيعة المواقع المستهدفة، بل هناك من اعتبر الفرصة سانحة لشن هجوم نووي على أوكرانيا". وأشارت الصحيفة الأميركية إلى خصوصية العامل الزمني، إذ جاء الهجوم في أعقاب انهيار جسرين إستراتيجيين جنوب غربي روسيا، وقبيل محادثات مرتقبة في إسطنبول بشأن وقف الحرب.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
السينما الإيرانية.. تاريخ طويل بين التضييق والاحتفاء العالمي
في السنوات الخمس الماضية قوبلت السينما الإيرانية بحفاوة كبيرة في المسابقات الدولية، وأصبحت محط الأنظار كلما أعلن اختيار فيلم إيراني جديد في المسابقة الرسمية بأي من المهرجانات الكبرى. فعلى سبيل المثال لا الحصر شارك فيلم 'عنكبوت مقدس' (Holly Spider) و'أخوات ليلى' (Leila's Brothers) بالمسابقة الرسمية لمهرجان 'كان' عام 2022، وفي العام الماضي شارك فيلم 'كعكتي المفضلة' (My Favorite Cake) في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين. وهذا العام تعود السينما الإيرانية بقوة ممثلة في واحد من أعلامها الذين برزوا في التسعينيات، ألا وهو جعفر بناهي بفيلمه 'حدث بسيط' (It Was Just an Accident)، وقد فاز عنه بالسعفة الذهبية، وكان قد فاز بالأسد الذهبي في مهرجان البندقية عام 2000 عن فيلمه 'الدائرة' (The circle)، وجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 2015 عن فيلمه 'سيارة أجرة'، فكان بذلك قد حصد الجوائز الثلاث الكبرى. إذا أردنا الحديث عن الاحتفاء بالسينما الإيرانية المعاصرة، وبجعفر بناهي، ومن قبله أصغر فرهادي، وعباس كيارستامي، ومجيد مجيدي، وجميعهم قد نالوا جوائز عالمية، بدءا من 'كان' مرورا بالأوسكار وغيرها من الجوائز، فلا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع لسياق المجتمع الإيراني؛ ظروفه وتقلباته السياسية والاجتماعية، لا سيما من بعد الثورة التي قامت على الشاه عام 1979، ثم ما سبق ذلك منذ منتصف القرن. 'استحمار الشاه'.. صب الزيت على شعلة الثورة في كتابه 'مدافع آية الله'، يحيل الصحفي والمؤرخ المصري محمد حسنين هيكل شرارة الثورة الإيرانية وبداية زعزعة حكم الشاه إلى العام 1951، حينما قرر رئيس الوزراء محمد مصدق تأميم النفط، فأغضب ذلك بريطانيا، وكانت يومئذ مهيمنة على النفط بشركة 'الأنجلو إيرانية'، فتعاونت بريطانيا وأمريكا في الانقلاب على مصدق عام 1953، فعاد بعدها الشاه محمد رضا بهلوي، وحكم بقبضة من حديد. وفي عام 1963، أصدر بهلوي بضعة قرارات 'إصلاحية'، تحت راية ما سمي 'الثورة البيضاء'، وقد رأى أن من شأنها وضع المجتمع الإيراني على الساحة الدولية سياسيا واجتماعيا، لكنه أغضب بتلك القرارات المجتمع الإيراني المحافظ، المعتد بهويته وثقافته. وكان من أبرز الثوار على تلك القرارات آية الله الخميني، وقد وصفها بأنها ليست إلا مصالحة وانبطاحا مع الغرب، واتهم الشاه بالعمالة للغرب، ونتيجة لذلك اعتُقل الخميني، ثم نُفي إلى الخارج عام 1964. وفي محاضرة بعنوان 'النباهة والاستحمار'، يقول الكاتب والمفكر الإيراني علي شريعتي إن نظام الشاه عمل من ناحيتين: أولاهما تغييب المواطن الإيراني، وإبعاده عن 'الدراية الإنسانية' و'الدراية الاجتماعية'، وبذلك أمكن أن يساق بسهولة إلى 'الاستحمار'. والاستحمار عنده هو آلية شائعة في دول العالم الثالث، التي تحكمها دول شمولية أو سلطة مستبدة، وبذلك فهي آلية نابعة من الحكم الأوتوقراطي، وقد حدد لها شريعتي نوعين، قديم وحديث، وعدّ ما يحدث في زمن الشاه نوعا من الاستحمار الحديث، وهو أن ينشغل العامة بما تفرضه السلطات وتعده صالحا ولكن بمعاييرها، لذلك رأى أن نظام الشاه ماهو إلا امتداد للاستعمار، في ظاهره ينادي بالحداثة والعلم والتحضر، وفي باطنه لا يأمل إلا بمحو الهوية والتراث. السينما الإيرانية الجديدة.. حركة سينمائية ضد الحداثة والتغريب كانت صناعة السينما يومئذ متوائمة مع فكر الشاه، فكانت سينما تجارية بلا روح ولا هوية، متماشية مع الذوق العام العالمي، لكن مع بداية الستينيات ومنتصفها بدأت حركة سينمائية موازية، بدا صانعوها واعين للخطر المحدق بالمجتمع الإيراني، المسمى بالإصلاح. عد فيلم 'مرآة وطوب' (The Brick and The Mirror) الذي أخرجه إبراهيم كلستاني (1966)، من الأفلام المؤسسة للسينما الإيرانية الجديدة، وهي سينما نشأت جذورها في الستينيات -لا كما يشاع أنها بدأت بعد ثورة الخميني على الشاه في نهاية السبعينيات، وكان من أبرز أعمالها فيلم 'المنزل أسود' (The House is Black) للشاعرة فروغ فرخزاد (1962)، وفيلم 'كلستاني'، وفيلم 'البقرة' (The Cow) للمخرج داريوش مهرجوي (1969). الملفت هو تزامن تلك الحركة مع بدء الحركات 'الإصلاحية' التي بدأها محمد رضا بهلوي (الشاه) باسم الثورة البيضاء، فإن كان بهلوي -بتعبير شريعتي- قد فرض استحمارا حداثيا على المجتمع الإيراني يومئذ، أدى إلى تغريب تام وبعد عن الهوية، فإن تلك الحركة السينمائية كانت تؤكد وجود مقاومة ما، تنبه لها صناع السينما مبكرا وعبروا عنها. وفي فيلم 'مرآة وطوب' نرى سائق الأجرة هشام يفاجأ ليلا بطفل رضيع يبكي في كرسي سيارته الخلفي، تركته أمه وحيدا وهربت، ويقاسي هشام الأمر وحده لشعوره بالمسؤولية تجاه الطفل المتروك، حتى يلاقي صديقته تاجي، ويفكران في إيواء الطفل. ومع محاولتي مقاربة الفيلم بالسينما العالمية، وجدت تشابهات عدة بينه وبين فيلم 'سائق الأجرة' (Taxi Driver) للمخرج 'مارتن سكورسيزي'، الصادر بعد فيلم 'كلستاني' بعشر سنوات، فهما يشتركان في عمل البطل، وشعوره بالسأم تجاه مدينته، وشعوره بالمسؤولية عن الطفل، وهو نفسه شعور 'ترافيس' تجاه الفتاة التي يقابلها في فيلم 'سكورسيزي'، ثم الرغبة الكامنة في الخلاص، حتى أنهما يشتركان في تقنيات بصرية عدة. ويظهر سخط كبير متخفٍّ في فيلم 'كلستاني' فيكون الرضيع المتروك -ممثلا للمستقبل- بلا هوية ولا ملجأ، في حين يرفض الجميع مسؤولية البحث عن أهله أو إيوائه، وهنا يؤكد 'كلستاني' خطورة تلك النزعة الفردانية التي ولدتها الحداثة الغربية ويدينها، لأنها في نظره قد وضعت المجتمع الإيراني على الحافة بفقدانه المسؤولية الفردية والجماعية. يتجلى ذلك في مشهد الفيلم الأخير، حين تقف تاجي منهارة في ممر ملجأ الأيتام، ويتركها هشام ويمشي وحيدا، فيقف أمام نافذة عرض بها كثير من التلفزيونات تعرض برنامجا أجنبيا، ينادي المتحدث فيه بأهمية الاعتداد بالذات، وضرورة وجود نزعة فردانية. نرى ذلك بشكل أكثر قسوة في فيلم 'البقرة'، المقتبس عن قصة للكاتب الإيراني غلام حسين ساعدي، وقد عُرض في مهرجان البندقية عام 1971، وحصد جائزة النقاد، وعده البعض الفيلم المؤسس للواقعية الإيرانية. فقد كانت بيئة الفيلم وموضوعه شديدي الخصوصية، وحرك الفيلم المياه الراكدة بعرضه في البندقية، ولفت أنظار العالم أجمع للسينما الإيرانية وخصوصيتها، وفي الفيلم نرى الفلاح 'ماشتي' يصاب بالجنون بسبب موت بقرته، التي لا يرى هويته ولا فاعليته في شيء سوى خدمتها، حتى أنه يقبل التسليم بكونه بقرة، أو أي شيء غير أن يكون إنسانا، في مجتمع مقبل على فقدان إنسانيته. وذلك تنبؤ نابع من تشاؤم تجاه ما سيقبل عليه المجتمع الإيراني، ولذلك عد الفيلم طليعيا في وقته، لدرجة أنه أعجب الشاه في البدء، ثم منعه بحجة أنه يعطي صورة سيئة عن المجتمع الإيراني، أما الخميني فعبّر عن إعجابه بالفيلم فيما بعد. وبالمثل كان فيلم 'فروغ فرخزاد'، وهو فيلم على نقيض الميلودراما تماما، كما أنه لا يحتفي بالقبح، بل من خلال أرض المجذومين يعيد طرح سؤال جوهري؛ هل نحن مجبورون على عيش حياة لا نملك فيها خيارا؟ المزج بين الوثائقي والروائي.. على خطى السينما الثالثة اجتاحت المجتمع الإيراني في السبعينيات تقلبات سياسية واجتماعية، وناله كثير من القمع وتضييق الخناق، لكن ذلك لم يمنع صناع السينما من المضي في طريقهم، فظهرت وجوه جديدة من المخرجين، تدعّم ما بناه مخرجو الستينيات، فمنهم عباس كيارستامي، وبهرام بيضائي، وسوهراب شاهيد ساليس وغيرهم. تبنى أولئك في سينماهم قصصا بسيطة، مؤثرة وإنسانية في المقام الأول، وغلب عليها الأسلوب التوثيقي، وهو ما تبناه مخرجو السينما الثالثة في أمريكا اللاتينية ودول غرب أفريقيا والهند في الخمسينيات والستينيات، مما يتلاءم مع إمكانياتهم ورغبتهم في توثيق حقيقة ما يقاسونه لا غير. فمثلا نرى في فيلم 'حياة رتيبة' (Still life) للمخرج سوهراب شاهيد ساليس (1974) تغير حياة عامل محطة السكة الحديد من حياة بائسة ورتيبة إلى حياة أكثر بؤسا ورتابة، نتيجة قرار تعسفي بفصله، بعد قضائه أكثر من 30 عاما في عمله، ثم استُبدل بعامل جديد أكثر شبابا. بتلك القصة البسيطة جدا في ظاهرها، تظهر سمات عدة لحركة السينما الإيرانية الجديدة، منها الانتقاد السياسي والمجتمعي اللاذع، ولكن بخفة لا تحس، ففي الفيلم نستشف صراعا بين القديم والجديد، ونلتمس آثار البيروقراطية التي يروح البطل ضحية لها، ولا يستطيع استرداد حقه، ولا إيجاد مأوى لأسرته. ويغلب الطابع التوثيقي على الفيلم. يتمثل ذلك في أفلام عباس كيارستامي الأولى أيضا، التي أنتجها معهد 'كانون' (مركز تنمية الأطفال والمراهقين)، فنلحظ الأسلوب التسجيلي الطاغي على سينما عباس في تلك الأفلام: 'الخبز والزقاق' (The Bread and The Alley). 'التجربة' (The Experience). 'المسافر' (The Traveler). ويتجلى ذلك بشكل أكثر إحكاما والتباسا أيضا في أفلام تالية لعباس في التسعينيات، كما نرى في ثلاثيته: 'أين منزل صديقي؟' (Where is My Friend's House). 'الحياة ولا شيء آخر' (Life, and Nothing More). 'عبر أشجار الزيتون' (Through The Olive Trees). 'عن قرب' (Close–up). وهي جميعا أفلام يصعب التفرقة فيها بين الواقعي والمصور أغلب الوقت. ولم يقتصر ذلك على كيارستامي، بل نراه ممتدا لآخرين، منهم جعفر بناهي في فيلمه الروائي الطويل الأول 'البالون الأبيض' (The White Ballon) الصادر عام 1995، وقد كتب كيارستامي سيناريو الفيلم، ونال جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان 'كان'. يتماس الفيلم مع آخر فرنسي، هو 'البالون الأحمر' (The Red Ballon) للمخرج 'آلبير لاموريسي'، ولكن ما يميز فيلم بناهي هو الطابع الإيراني الأصيل للحكاية، الذي يؤكد عليه بناهي باختياره نهاية مفتوحة، وهي ليست سعيدة في الغالب، على عكس فيلم 'لاموريسي'، الذي ينتهي بشكل ميلودرامي واحتفائي ساحر. على نفس الخطى كان فيلم 'لحظة براءة' (A Moment of Innocence) لمحسن مخملباف (1996)، الذي يحكي فيه مخملباف حادثة قديمة له، في مزج بين الأوتوغراف والروائي، ويتميز الفيلم بخصوصية شديدة، نظرا لشجاعة مخرجه في انتقاد نفسه وحماسة شبابه في المقام الأول، ثم التطرق شيئا فشيئا للنقد المجتمعي والسياسي، بأسلوب شاعري بسيط في ظاهر القصة ومركب في بنيته. يؤكد انتهاج ذاك الأسلوب شيئين: أولهما رغبة صناع السينما في توثيق صورة حقيقية لمجتمعهم، تؤكد أصالته وهويته، وواقع ما يعيشون كما هو موجود لا كما يأملون بالضرورة، والثاني قلة إمكانياتهم والتضييق الذي كانوا يجدونه لصناعة تلك الأفلام، وهو ما يظهر في اختيارهم للأماكن والتأثيث وحتى التقنيات المستخدمة. الأطفال يكتشفون العالم.. سينما مطرزة بالبراءة لقد وصف كاتب السيناريو الفرنسي 'جان كلود كارييه' سينما كيارستامي بأنها سينما 'مطرزة بالبراءة'، وهو التوصيف الذي اختاره الناقد أمين صالح ليكون عنوانا للكتاب الذي تناول فيه مسيرة كيارستامي وأفلامه. البراءة مرتبطة بالطفولة، وكذلك الدهشة والرغبة في اكتشاف العالم، فالفضول طفولي وأصيل جدا في الإنسان، وهو ما ينبهنا له كيارستامي دوما في سينماه. ففي فيلمه 'أين منزل صديقي؟' تحديدا، يتضح أن طفل كيارستامي يتجاوز الخاص ليصل إلى العام والشامل، فالفكرة التي ينطلق منها كيارستامي في فيلمه، من خلال شعور أحمد بالمسؤولية، ثم رغبته بإيصال كراسة الواجب لصديقه أحمد، هي تنبيه في المقام الأول لضرورة وجود الضمير الإنساني. لذلك فتيه الطفل بين البيوت والحارات التي لا يعرفها، لا يعد تيه طفل صغير، بل يعبر عن مجتمع وإنسانية بأكملها في طريقها للضياع، إنه نداء لليقظة، ونزعة وجودية تتجلى في النهاية، حين يفتح الطفل كراسته ليجد زهرة صغيرة. هنا يكمن إيمان عباس بالإنسانية، متمثلة في الطفل أحمد، الذي رأى إيصال كراسة صديقه واجبا أخلاقيا وهدفا في الحياة. لم يقتصر رصد الأطفال على كيارستامي، فلقد صور 'سوهراب ساليس' فيلمه المبكر 'حدث بسيط' (A Simple Event) عام 1973، ونرى فيه معاناة أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفل صغير، وتعكس عيون الطفل ما تقاسيه الطبقة العاملة جميعا في بيئة فقيرة. نرى ذلك أيضا في أفلام أخرى، منها: 'الصمت' (The Silence)، لمحسن مخملباف. 'أطفال الجنة' (Children of Heaven) لمجيد مجيدي. 'البالون الأبيض' (White Ballon)، لجعفر بناهي. وغيرها من الأفلام. ولم يكن تصوير الأطفال نابعا من دافع عاطفي أو إنساني بحت، بل رأى مخرجو الواقعية الإيرانية أن قصص الأطفال -على بساطتها ظاهريا- تستطيع نقد المنظومة بأكملها وتفكيكها، من غير اصطدام مباشر بالسلطة، لا سيما بعد التضييق الذي طال السينما بعد الثورة الإيرانية. 'أن لا تتنافى مع الفكر الإسلامي والثورة'.. سينما الخميني بعد نفيه خارج البلاد عام 1964، حرّض الخميني على الثورة طوال مدة نفيه للخارج، وبين عامي 1977-1979 اندلعت مواجهات كثيرة بين الشعب -ممثلا في رجال دين وطلاب وعمال ومثقفين- وبين الطبقة الحاكمة، مما أدى إلى هروب الشاه، ورجوع الخميني إلى إيران، ثم توليه الحكم. لم تكن نظرة الخميني إلى السينما منصفة، فلقد رآها فنا فاسدا، وهو نتاج المنظومة الغربية، لكن بعد استقراره في الحكم كان واضحا تجاه السينما، فصرح قائلا: السينما يجب أن تخدم الشعب الإيراني، وأن لا تتنافى مع الفكر الإسلامي والثورة. وبذلك دعا إلى 'سينما إسلامية'، ولم يكن ذلك صادما، فبعد توليه الحكم لم تستطع فئة أخرى الإدلاء بصوتها أو المشاركة في الحكم، سواء من اليسار أو غيرهم، مما أدى إلى نشوء ما سمي 'ولاية الفقيه'. بناء على ذلك غادر مخرجون كثر إيران على مدار السنين، بسبب المنع والتضييق، فمنهم بهرام بيضائي، وسوهراب شاهيد ساليس، وشيرين نشاط، ثم محسن وعباس اللذان سئما، وحاولا صنع أفلامهم في الخارج مع نهاية العقد الأول من الألفية. أفلام ترسم ملامح مجتمع متنوع لم تختلف سينما ما قبل الثورة عما بعدها، فلقد برزت تجارب كثيرة واعدة في التسعينيات، منها الأفلام آنفة الذكر للمخرجين عباس كيارستامي، ومحسن مخملباف، وجعفر بناهي، ومجيد مجيدي، وبرزت أسماؤهم في مهرجانات عالمية، منها تورونتو والبندقية ولوكارنو وكان، وحتى في جائزة الأوسكار. وقد توج فيلم بناهي 'البالون الأبيض' بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان 'كان'، وفاز فيلم عباس 'أين منزل صديقي؟' بجائزة النقاد الدولية في 'لوكارنو'، وفيلمه 'ستحملنا الرياح' بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم بمهرجان البندقية، ورُشح فيلم 'أطفال الجنة' لمجيد مجيدي للأوسكار، وفاز عباس بالسعفة الذهبية في مهرجان 'كان' عن فيلمه 'طعم الكرز' (Taste of Cherry)، وفاز بناهي بالأسد الذهبي في مهرجان البندقية عن فيلمه 'الدائرة' (The circle). يؤكد ذلك كله مدى براعة مخرجي إيران يومئذ وذكائهم، فبرغم التضييق، وفرض القيود المجتمعية والسياسية والدينية، لم يُمنعوا ذلك من التعبير عن أنفسهم. والجدير بالذكر أن المجتمع الإيراني لم يكن قبل الثورة مجتمعا منفتحا بالصورة المتخيلة عنه، فمثلما نرى في فيلم كلستاني 'مرآة وطوب' ملاهي ليلية وخمورا ودخانا، وتظهر النساء بشعورهن وأجسادهن في مشاهد حميمية، فعلى النقيض صورة أخرى للمجتمع الإيراني في فيلم داريوش مهروجي 'البقرة'، والفرق بينهما أقل من 4 سنوات. يؤكد ذلك مدى تنوع المجتمع الإيراني يومئذ وخصوصيته، من المدينة إلى الريف ومن التحفظ إلى الانفتاح، في صراع بين القديم والجديد، وبين الحداثي والأصولي، لذلك لم يكن كل المخرجين معارضين للثورة، فقد كان محسن مخملباف مثلا داعما للثورة حتى منتصف العقد الأول من الألفية. مخرجون في السجون ومواهب تحت الرقابة لم تكن أزمة السينما دينية فقط، بل كانت متجلية أكثر في القمع السياسي، ووصل الأمر أشده حين سجنت السلطات جعفر بناهي ومحمد رسولوف في عام 2010، إثر تصويرهما فيلما عن المظاهرات التي تلت إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية. وحُكم عليهما بالسجن 6 سنوات، ثم خُفف بعدها إلى عام واحد، ومُنعا من صناعة الأفلام 20 عاما. وبعد خروجهما من السجن، ظلا يصنعان الأفلام في السر، وكانت تلك الأفلام أكثر أفلامهما شهرة، فقد فازت بجوائز في المهرجانات الكبرى. لذلك نرى حالة خاصة متمثلة في فيلم 'هذا ليس فيلما' (This Is Not a Film) لبناهي، الذي عرض في مهرجان 'كان' عام 2011، وكان قد صنعه تحت الإقامة الجبرية في منزله، ويقال إنه أرسله للمهرجان في فلاشة (ذاكرة) وضعت في كعكة كبيرة. كما فاز فيلمه 'سيارة أجرة' (2015) بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين، وفاز فيلم رسولوف 'رجل نزيه' (A man of Integrity) الصادر عام 2017، بجائزة 'نظرة ما' في مهرجان 'كان'، وفاز فيلمه 'لا يوجد شر' (There is No Evil) الصادر عام 2020 بجائزة الدب الذهبي في برلين. وبعد فوز رسولوف بالجائزة، زاد الخناق عليه واعتقل بعدها عام 2022، بتهمة التحريض على النظام، وحكم عليه عام 2024 بالسجن 8 سنوات، ولكنه هرب إلى أوروبا قبل تنفيذ الحكم. وقد عرض فيلمه 'بذور التين المقدس' (The Seed of Sacred Fig) في مهرجان 'كان' في نفس السنة، وهو فيلم قد صنعه في إيران قبل هروبه. وجدير بالذكر أن بناهي اعتُقل أيضا عام 2022 أثناء متابعته قضية رسولوف، وقد خرج من السجن عام 2023، بعد احتجاجه وامتناعه عن الطعام، ثم صنع فيلمه الجديد 'حدث بسيط'، فاصطاد به السعفة الذهبية. سينما تتحدى الحظر والتضييق ربما تدل كل تلك الصعوبات على الكيفية التي نالت بها السينما الإيرانية مكانتها العالمية، وتفسر أهمية وجود مقاعد محجوزة كل عام للأفلام الإيرانية، نظرا لصعوبة صناعتها في البدء، ثم قدرة مخرجيها على التعبير في أضيق الحدود بصدق. وبأخذ أفلام المخرج أصغر فرهادي نموذجا على ذلك، ربما تتضح حيثيات فوزه بجائزتي أوسكار عن فيلمه 'انفصال' (Separation) الصادر عام 2011، وفيلمه 'البائع' (The Sales Man) الصادر عام 2016. عُرض فيلم 'انفصال' بعد الحكم على بناهي ورسولوف، وبأخذه نموذجا يكون المستوى الأول، وهو الحيثية السياسية، وعلى مستوى آخر توجد خصوصية المجتمع الإيراني المحلية، التي تجعل موضوعاته مادة مثيرة للاطلاع، لأنها دوما جديدة على المجتمعات الغربية، فهي نتيجة لإرث كبير، وتاريخ طويل من الصراع.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
عاجل.. ضحايا في هجوم على مركز بيرل ستريت التجاري بمدينة بولدر في ولاية كولورادو
صرح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، في وقت متأخر من يوم الأحد بأن المكتب على علم "بهجوم إرهابي" في بولدر، كولورادو، ويُجري تحقيقًا شاملاً فيه. ورغم أنه لم يُقدم مزيدًا من التفاصيل، قال باتيل في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: "عملاؤنا ومسؤولو إنفاذ القانون المحليون موجودون في موقع الحادث بالفعل، وسنُشارككم المستجدات فور توافر المزيد من المعلومات". ووفقًا لشبكة سي بي إس نيوز، التي نقلت عن شهود عيان في موقع الحادث، هاجم مشتبه به أشخاصًا بقنابل مولوتوف كانوا يشاركون في مسيرة لإحياء ذكرى الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزة. وأعلنت إدارة شرطة بولدر أنها تستجيب لبلاغ عن هجوم في المدينة شمل عدة ضحايا. ولم تُفصح عن مزيد من التفاصيل، ولكن من المتوقع عقد مؤتمر صحفي في الساعة الرابعة مساءً بتوقيت الجبل (2200 بتوقيت غرينتش). يأتي هذا الهجوم بعد أسابيع فقط من اعتقال رجل من مواليد شيكاغو على خلفية إطلاق النار المميت على اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن العاصمة. أطلق أحدهم النار على مجموعة من الأشخاص عند مغادرتهم فعالية استضافتها اللجنة اليهودية الأمريكية، وهي منظمة مناصرة تكافح معاداة السامية وتدعم إسرائيل.