
"حياتنا استراحات قصيرة بين جولات الرعب": كيف عاش الليبيون في طرابلس الأيام الماضية؟
فتحت محلات المواد الغذائية والصيدليات وبعض المخابز في العاصمة الليبية أبوابها، أما محطات البنزين فشهدت اكتظاظا وطوابير طويلة أمامها.
كل ذلك بعد ثلاث ليال من اقتتال دام في شوارع طرابلس وترك آثارا تحاول البلديات تنظيفها.
بعض الشوارع التي كانت دائمة الحركة، مثل طريق الشاطئ، بدت خالية صباح الخميس، إذ لا يزال الناس في خوف من مغادرة منازلهم.
رغم توقف صوت الرصاص في الأحياء السكنية المكتظة، لم يتبدد الخوف الذي يعيشه سكان العاصمة الليبية منذ أيام. فبينما طمأنتهم وزارة الداخلية في طرابلس صباح الأربعاء بأن الأوضاع تحت السيطرة وأن بإمكانهم استئناف حياتهم الطبيعية، جاءت ليلة الأربعاء أشد قسوة مما سبق.
لم يصدر مركز طب الطوارئ والدعم في طرابلس أي حصيلة دقيقة لعدد القتلى والجرحى جراء الاشتباكات التي شهدتها العاصمة في الأيام التي تلت مقتل آمر جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي في طرابلس، عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة الككلي".
"كلما اهتزت الجدران يسألني أطفالي: هل سنموت الليلة؟"
في ليلة الأربعاء، كانت طلقات الرصاص تدوي بالقرب من منزل فاطمة النعّاس في حي أبو سليم، أحد أكثر الأحياء تضررًا. انقطع التيار الكهربائي عن حيها وأحياء مجاورة، فاضطرت لقضاء الليل محتضنة أطفالها في زاوية من المنزل الغارق في الظلام.
"كلما اهتزت الجدران يسألني أطفالي: هل سنموت الليلة؟ لم أستطع الإجابة وكل ما فعلته أنني أمسكت أيديهم بقوة، وقلت لهم إن الصباح سيأتي"، تقول فاطمة.
سالم الورفلي، 42 عاما، أب لخمسة أطفال، قضى الليل في أرق يراقب عبر نافذة بيته في زاوية الدهماني.
"لم يغفُ لي جفن طوال الليل. جلست في صمت، أراقب عبر النافذة عربات مسلّحة تمر في الأزقة الضيقة بينما تنفجر قذائف يشعرك دويها بأنها سقطت في غرفة جلوسك".
هدأ الرصاص وبقي صوت سالم يرتجف وهو يقول لبي بي سي: "كأنها الحرب عادت لتطرق بابنا من جديد. رأيت الجيران يهربون بأطفالهم إلى أسطح المنازل، باحثين عن أمان وهمي".
عندما اندلعت الاشتباكات في طرابلس، كانت ربيعة وعائلتها يستعدون لحفل زفاف ابن أختها يوم الأربعاء. ألغي الحفل وبات همهم البقاء في أمان.
"كانت الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء ليلة رعب لم نتخيل أبدا أننا سنعيشه. كنتُ أرى القذائف تتطاير في السماء أمام عيني."
حاولت ربيعة أن تصف لنا بدقة الخوف الذي سكن أعين الناس في الشوارع ليلتها، كانت في سيارتها مع أبناء أختها تحاول الوصول إلى البيت بأمان: "الناس في سياراتهم ينظرون لبعضهم بخوف لا يستطيعون الكلام والتواصل مع الآخرين. ننظر في أعين بعضنا بحثا عن رسالة طمأنة، لكن لا أحد يستطيع الكلام".
عندما اشتد القتال في المناطق القريبة من المعسكرات ومقرات دعم الاستقرار، حوصر السكان في بيوتهم بين القذائف والرصاص. وطالبت الجهات المدنية وفرق الإسعاف فتح ممرات آمنة يخرج منها المواطنون إلى مكان آمن، لكن ذلك لم يحدث وقتها ولم يجرؤ أحد على مغادرة بيته.
"كنا مستعدين للنزوح، لكن كيف وإلى أين؟" تقول نسرين لبي بي سي.
علي الزايدي، مصاب بالفشل الكلوي، لا يمنحه وضعه الصحي خيار انتظار الهدنة وقد أغلق مركز غسيل الكلى الذي اعتاد زيارته في طرابلس. لم يجد سبيلا للنجاة سوى أن يقود سيارته برفقة ابنه نحو مدينة ترهونة المجاورة.
"أوقفني أحد المسلحين عند باب البيت وقال لي: 'ابقَ هنا ولا تخرج' .. لكنني لم أكن مستعدًا للموت وسط القذائف والألم ينهش جسدي"، يقول علي بصوت منهك.
وصل ترهونة صباح الأربعاء في رحلة "كانت هي الأصعب في حياتي"، يقول علي.
استقبلت ترهونة ومدن أخرى مجاورة لطرابلس من تمكنوا من الهرب من القتال الدائر في العاصمة.
رياض عمران، مدير مكتب الإعلام والتواصل في الهلال الأحمر الليبي بترهونة، أوضح أن فرق الطوارئ انتشرت على البوابات الحدودية مع طرابلس، وتم إنشاء آلية موحدة للاستجابة السريعة تشمل تقديم الإسعافات الأولية، نقل الحالات الحرجة إلى المستشفيات، توزيع المساعدات الإغاثية، وتأمين بيئة مؤقتة وآمنة تشمل المأوى والغذاء للنازحين.
"حياتنا هنا استراحات قصيرة بين جولات من الرعب"
يفكر سالم جديا في الانتقال إلى بنغازي "على الأقل هناك، لا أستيقظ على أصوات الرصاص ولا يقضي أطفالي الليل يرتجفون وأنا معهم"، يقول سالم.
ومثله آخرون ما عادوا يشعرون بالأمان في طرابلس، حتى وإن مرت هذه الأزمة بسلام، يقولون إنهم لا يريدون العيش فيها بعد الآن، يستقرون لفترة ثم تسوء الأوضاع.
بعضهم يتمسك بالعيش في ليبيا وبحقهم في بلد آمن مستقر.
بغضب وصوت حاد رغم التعب البادي فيه، قالت أمل عبد الله لبي بي سي "نحن نرفض أن نعيش في الرعب الذي شهدناه في الأيام الماضية بين نزيف الدم وصراخ الكبار وبكاء الأطفال.
نرفض أن يمضي أطفالنا حياتهم في رعب وأن يضيع مستقبلهم. ونطالب بإنهاء القتال بين أبناء شعبنا الليبي كله بشكل فوري ونهائي وبانتخاب عادل بين كل أطياف الشعب الليبي ينهي حالة الانقسام."
آخرون بدأوا يفقدون الأمل في أن ينعموا بأمان في بلادهم.
"حياتنا هنا هي استراحات قصيرة بين جولات من الرعب، محاصرون بين جماعات مسلحة لا تكترث لحالنا"، تقول فاطمة النعاس البالغة من العمر 29 عاما، لبي بي سي.
"أرهقتنا الحروب، كلما اعتقدنا أننا تجاوزنا الأيام السيئة وآن لنا أن نستقر ونبني بلدا نحلم به، يعيدنا القتال المسلح إلى مربع البداية" تقول نسرين.
عبد السلام شاب من سكان طرابلس، يؤلمه أن ما يعانيه وأبناء بلده سببه "تناحر داخلي على السلطة"، كما يقول.
تحدث لنا باسمه وباسم شباب ليبيين يشاركونه الشعور باستحالة العيش في ليبيا، ليس فقط بسبب ما حدث في الأيام الأخيرة: "وضع أمني غير مستقر وميليشيات متغولة في العاصمة والبلد بأكمله وانقسام سياسي وأزمة اقتصادية خانقة، نفكر فقط في الهجرة الآن، لم يعد من الممكن البقاء في هذا المكان".
من يتحمل مسؤولية ما يعيشه الليبيون؟
وصف من تحدثنا إليهم ما حدث في الأيام الأخيرة بـ"ليال لم يشهدها الليبيون منذ أكثر من عشر سنوات"، واشتكوا من الميليشيات والجماعات المسلحة المتناحرة في البلاد منذ سنين، بعضهم طالب بوقف القتال وأغلبهم فقد الأمل في أن يكون من بين المتناحرين من قد يسمع نداءات المدنيين.
لكن في البلاد وعاصمتها حكومة قائمة يحملها الليبيون مسؤولية أمنهم وضمان حقهم في العيش بأمان.
شهدت طرابلس وعدد من المدن الأخرى مساء الأربعاء مظاهرات واسعة طالبت بوقف فوري للقتال، ووضع حد لنفوذ الجماعات المسلحة، كما حمّل المتظاهرون رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مسؤولية ما جرى ودعوا إلى استقالته.
وقال رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة لبي بي سي إن "الدبيبة وحكومته مسؤولون عن أمن المواطنين وعما يحدث في حقهم من جرائم ترقى إلى جرائم حرب: التحصن في الأحياء السكنية وتحويلها إلى ساحة قتال، استهداف المؤسسات الصحية والتعليمية والمدنيين، كلها جرائم حرب." يقول حمزة الذي يحمل المجتمع الدولي أيضا "مسؤولية محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم من قادة الفصائل ومن أعطاهم الشرعية السياسية والتمويل".
من جهته قال رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة في اجتماع أمني الأربعاء إنه "لا شرعية لأي كيان مسلح خارج إطار وزارة الدفاع والجيش الليبي" وقال الدبيبة في الاجتماع الذي عرض فيه تفاصيل خطة لتأمين العاصمة ومتابعة أوضاع السجون إن "زمن الأجهزة الموازية قد ولّى ولا مكان في ليبيا إلا للمؤسسات النظامية من جيش وشرطة فقط". ووصف الدبيية ما تخوضه الحكومة الآن بـ"معركة استعادة الوطن من الفوضى إلى دولة القانون."
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
قتل حيوانات حديقة أبو سليم في طرابلس الليبية يثير جدلا
بعد الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت في طرابلس الليبية، تم تداول مقاطع فيديو لقتل وسرقة حيوانات من حديقة حيوانات أبو سليم. وتصدرت المشاهد المؤلمة للحيوانات النافقة نقاشات الليبيين على وسائل التواصل وسط غضب عارم من المدافعين عن حقوق الحيوانات. وتعد حديقة أبو سليم التي افتتحت عام 1985 من أكبر حدائق الحيوانات في ليبيا بمساحة تبلغ نحو 45 هكتارا. يمكنكم مشاهدة الحلقات اليومية من البرنامج الساعة الثالثة بتوقيت غرينيتش، من الإثنين إلى الجمعة، وبإمكانكم أيضا الاطلاع على قصص ترندينغ بالضغط هنا. إعداد: سميرة السعيدي


BBC عربية
منذ 3 أيام
- BBC عربية
مقتل رجل أمن خلال مظاهرة في العاصمة الليبية، وأنباء عن استقالة عدد من الوزراء
قُتل رجل أمن خلال "محاولة متظاهرين اقتحام مقر الحكومة الليبية في طرابلس" بحسب بيان الحكومة، بعد تجدد التوتر الجمعة في عاصمة البلاد. ونعت حكومة الوحدة الوطنية الليبية أحد أفراد الشرطة الذي قُتل بالرصاص من قبل مجهولين خلال تأمينه مبنى رئاسة الوزراء. وكشفت الحكومة إحباط الأجهزة الأمنية "محاولة اقتحام نفّذتها مجموعة مُندسّة ضمن المتظاهرين، استهدفت مبنى الحكومة" واصفاً استهداف المقر بـ "التعدي المباشر على مؤسسات الدولة". وحذّرت في بيان من محاولات اختراق وافتعال أعمال عنف قد تستهدف المتظاهرين لتأجيج وزعزعة الاستقرار. وتجمع مئات المتظاهرين في ميدان الشهداء بطرابلس مساء الجمعة للمطالبة برحيل حكومة عبد الحميد الدبيبة. وشهد التجمع تواجداً أمنياً كثيفاً، حيث نقل مراسلو فرانس برس وجود نحو 40 آلية في المكان جاءت هذه التطورات بعد يوم هادئ تقريباً مرّ على سكان طرابلس، بعد الاشتباكات التي دارت بين مجموعات مسلحة متنافسة في العاصمة الليبية طرابلس الأسبوع الماضي. وأفادت وسائل إعلام محلية، بعد التظاهرة الكبيرة في وسط المدينة، باستقالة ستة وزراء ونواب وزراء من حكومة الدبيبة، وقد أكّد اثنان منهم ذلك في فيديو. وفيما يتعلق بتأثير التطورات الأخيرة على النفط الليبي، قالت شركة النفط الوطنية في بيان لها إن عملياتها في المنشآت النفطية تسير بشكل طبيعي، حيث تعمل صادرات النفط والغاز بانتظام. وفي ردود الفعل على ما يجري في طرابلس، قالت الخارجية المصرية إنها تتابع باهتمام وقلق التطورات الجارية في ليبيا، داعية جميع الأطراف إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس. وقد أُجلي عدد من المواطنين المصريين الموجودين في ليبيا والعاصمة طرابلس، من بينهم رياضيون مصريون، على خلفية الاشتباكات. وفي وقت سابق، دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا السلطات إلى احترام "حق المواطنين في التظاهر سلمياً"، محذرة من أي "تصعيد للعنف" من شأنه أن يشكل "انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان". وقد يرقى إلى "جرائم يعاقب عليها القانون الدولي".


BBC عربية
منذ 4 أيام
- BBC عربية
الصدّيق حفتر في بلا قيود: المجلس الرئاسي انشغل بأمور أخرى عن تحقيق المصالحة الوطنية
قال الدكتورالصدّيق خليفة حفتر رئيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية في ليبيا إنّ معاناة الشعب الليبي هي الدافع وراء سعيه هو ومن معه لتحقيق المصالحة في ليبيا وإنّهم يمدون أيديهم للآخرين للمشاركة ، كما يثمنون جهود من سبقوهم في ذلك الشأن. وأوضح الصدّيق حفتر أنّ ألمفوضية التي يرأسها ليست بديلا عن المفوضية التي أنشأها المجلس الرئاسي لتحقيق المصالحة ، غير إنه يرى أنّ المجلس انشغل منذ استلامه مهمة تحقيق المصالحة الوطنية بأمور أخرى "وكل ما هنالك أنّ ميزانية تُصرف من أجل المصالحة ولا أثر لها على الأرض الواقع" حسب تعبيره وفيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي اُرتكبت في المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة عائلته، ومن بينها اختفاء النائب البرلماني إبراهيم الدرسي، أشار الصدّيق حفتر إلى أنّ ما تعرض له النائب الدرسي من خطف يمكن أن يحدث في أي بلد آخر وإن اقرّ بوجود نوع من القصور الأمني "ولكن هذا لا يعني أن يُنسب هذا الفعل لخليفة حفتر أو لأبناء خليفة حفتر.هذا شيء صراحة فيه من التجني الكثير" حسب قوله. وأعرب رئيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية في ليبيا عن أسفه لما آلت اليها الأوضاع في طرابلس والمنطقة الغربية التي تقع تحت سيطرة حكومة الواحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، في إشارة لأحداث العنف التي شهدتها العاصمة طرابلس مؤخرا، مجددا دعوته للمناطق الليبية بالانضمام لمشروعهم الهادف إلى إقامة دولة حقيقية ، حسب وصفه. فكيف ينظر الصدّيق حفتر للتدخلات الأجنبية في بلاده؟ ومتى يتوقع أن تنتهي معاناة الشعب الليبي؟ وهل يتوقع تجقيق عدالة انتقالية. هذه التساؤلات وغيرها تجدون الأجوبة عليها في برنامج بلا قيود لهذا الأسبوع. تبث الحلقة يوم السبت في الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت غرينتش. يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج على الرابط التالي.